ما أحوج الشباب إلى القدوة ...



خرج التابعي عطاء بن يسار وأخوه سليمان بن يسار حاجّين من المدينة، ومعهما أصحاب لهما ، حتى إذا كانوا بالأبواء ( منطقة على طرق المدينة ) نزلوا منزلاً. فانطلق سليمان وأصحابه لبعض حاجتهم وبقي عطاء بن يسار قائماً في المنزل يصلي. قال: فدخلت عليه امرأة من الأعراب جميلة ، فلما رآها عطاء ظن أن لها حاجةً ، فقال: ألك حاجة ? قالت: نعم. قال: ما هي ? قالت: قم فأصِب مني فإني لا زوج لي . فقال : إليكِ عني ، لا تحرقيني ونفسَك بالنار. فجعلت تراوده عن نفسه ، و عطاء يبكي ويقول: ويحكِ ، إليكِ عني. واشتد بكاؤه فلما نظرت المرأة إليه وما داخله من البكاء والجزع ، وألقى الله في قلبها خوفه ، بكت المرأة لبكائه. فكان يبكي والمرأة بين يديه تبكي. فبينما هما كذلك إذ جاء أخوه سليمان من حاجته فلما نظر إلى عطاء يبكي والمرأة بين يديه تبكي في ناحية البيت بكى لبكائهما ، لا يدري ما أبكاهما ، وجعل أصحابهما يأتون رجلاً رجلاً كلما أتى رجل فرآهم يبكون جلس يبكي لبكائهم ، لا يسألهم عن أمرهم حتى كثر البكاء وعلا الصوت. فلما رأت الأعرابية ذلك قامت فخرجت.
فلبث سليمان بعد ذلك وهو لا يسأل أخاه عن قصة المرأة إجلالاً له وهيبة.
( وكان أكبر منه سنَّاً ).
ثم إنهما قدما مصر لبعض حاجتهما فلبثا بها ما شاء الله ، فبينما عطاء ذات ليلة نائم إذ استيقظ وهو يبكي ، فقال له سليمان : مايبكيك يا أخي ? قال: فاشتد بكاؤه. قال: ما يبكيك يا أخي ? قال عطاء : رؤيا رأيتها الليلة. قال : وما هي ? قال : لا تخبر بها أحداً ما دمتُ حيا ً" رأيت يوسف النبي عليه السلام في النوم ، فجئت أنظر إليه فيمن ينظر إليه ، فلما رأيت حُسْنَه بكيت ، فنظر إليّ في الناس فقال: ما يبكيك أيها الرجل? فقلت : بأبي أنت وأمي يا نبي الله ، ذكرتُك وامرأةَ العزيز وما اُبتليتَ به من أمرها وما لقيتَ من السجن وفُرقة يعقوب ، فبكيتُ من ذلك وجعلت أتعجّب منه .
قال: فهلا تعجّبت من صاحب المرأة البدوية بالأبواء ? فعرفتُ الذي أراد ، فبكيت واستيقظت باكياً.
قال سليمان : أي أُخَيَّ ، وما كان من حال تلك المرأة ? فقصّ عليه عطاء القصة فما أخبر بها سليمان أحداً حتى مات أخوه عطاء ، فحدث بها بعده امرأة من أهله .
قال: وما شاع هذا الحديث بالمدينة إلا بعد موت سليمان بن يسار رضي الله عنهما ...

حسابٌ واحد لجميع خدماتنا !