بسم الله الرحمن الرحيم

آللهمَ صل على محمد وآلِ محمد

... ولأن والدي أ.د عبدالحميد العبادي كان يعمل بجامعة القاهرة منذ 1925م.
وظل بها إلى أن نال درجة الأستاذية في التاريخ الإسلامي,
فحين تأسست جامعة الإسكندرية عام 1942م جاء إلى الإسكندرية, وكما قلت كان أول عميد لكلية الآداب بجامعة الإسكندرية التي كان يرأسها في ذلك الوقت أ.د طه حسين فاتفقا على أن تتميز جامعة الإسكندرية بقسم يختص بالدراسات اليونانية والرومانية والبحر الأبيض المتوسط,
وعليه كان أول الأسماء المقترحة للانتداب لتدريس في هذا القسم هو اسم فاطمة سالم,
حيث إن طه حسين كان يرى في فاطمة سالم كفاءة وتميزا في تخصصها,
لاسيما وأنها في عام 1942م كانت قد حصلت على درجة الماجستير في الدراسات اللاتينية واليونانية من جامعة القاهرة,
ومن ثم تم تعيينها بالفعل مدرسا في نفس السنة بكلية الآداب, جامعة الإسكندرية.

ومن سنة 1947م حين بداية معرفتي بها كأستاذة لي توطدت الصلة بينها وبيننا أنا وزوجتي حتى تطورت إلى صداقة متينة استمرت أكثر من خمسة وخمسين عاما ,
وآخر لقاء جمع بينا وبين أ.د فاطمة سالم كان في أواخر السبعينيات 1978م أو ربما 1979م.
حين جاءت إلى الإسكندرية في زيارة قصيرة. وحاولنا قدر المستطاع إقناعها بالبقاء والاستقرار مرة أخرى بالإسكندرية ليس هذا فحسب,
بل اقترحنا وبإلحاح شديد أن يعاد تعيينها أستاذا بقسم الدراسات اليونانية والرومانية إجلالا لها واعترافا بفضلها بيد أنها رفضت كل ذلك وبشدة.

رحمة الله عليها حين أتذكرها أمد يدي إلى مكتبتي المكتظة بالكتب والمراجع والحاوية لأكثر من بحث للأستاذة الدكتورة فاطمة سالم وهي أبحاث تتميز بالعمق والجدية والدقة الأكاديمية,
وأجمل هذه الأبحاث ـ من وجهة نظري ـ وأقربها إلى ذهني بحث طويل تحت عنوان (أندريا ترانتيوس).. الله يرحمها بقدر ما أعطت, وعطاؤها باق ,
وأتمنى دائما أن يمن الله علينا وعلى الجيل الجديد في جامعات مصر والعالم العربي بشخصية مثل شخصية الراحلة المرحومة أ.د فاطمة سالم, تعطي الجيل الجديد مثلما أعطتنا د. فاطمة سالم وربتنا وعلمتنا.


الأستاذة الدكتورة: عزة كرارة أستاذ الأدب الإنجليزي بكلية الآداب جامعة الإسكندرية وحرم الأستاذ الدكتور مصطفى العبادي تسرد ذكرياتها عن أ.د فاطمة سالم قائلة: أول معرفتي بها كانت 1946م حين كنت طالبة بقسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب جامعة الإسكندرية

ولما كانت اللغة اللاتينية مادة إجبارية على طلاب تخصص الأدب الإنجليزي فإن أ.د فاطمة سالم درستني اللاتيني لمدة عامين متتاليين (1946م ـ 1948م),
بيد أن صلتنا, أي أنا وزوجي مصطفى توطدت بفاطمة سالم في لندن,
إذ كنا في بعثة دراسية ندرس في جامعة (كمبريدج) (cambridje), وكانت د. فاطمة سالم في بعثة دراسية أيضا مرحلة الدكتوراه تدرس في جامعة أخرى في لندن وهي (univesity college of london) التي نالت منها درجة دكتوراه فلسفة الأدب (p.h.d), ومجال تخصصها الدقيق كان اللغة اللاتينية,
بينما موضوع الماجستير فقد كان عن فن الساتورا (satura) وبالإنجليزية (satires),
أي فن الهجاء عن الرومان. وهذا الفن أشبه ما يكون في الأدب العربي بفن التهكم الموجود في أدب المقامات مثل مقامات الهمذاني والحريري وبقية المقامات الأخرى التي تنطوي عادة على النقد الاجتماعي فضلا عن إسقاطات أخرى,
وفن الساتورا (satura) الذي تخصصت فيه د. فاطمة سالم كان تخصصها تحديدا عن الشاعر الروماني (جوفيناليس) (juvenais), الذي عاش في القرن الأول الميلادي.., وأعود لأقول: أن صلتي بفاطمة سالم توطدت في لندن لأنه في تلك الفترة كنت أقوم بترجمة مقالات ومراجع مكتوبة باللغة الألمانية لها تتعلق بالشاعر (جوفينا),
إذ أن فاطمة سالم لم تكن تعرف الألمانية,
ولأنني أعرفها كنا نجتمع في جلسات عمل مرة في لندن ومرة في كمبردج, ولذلك كنا بمثابة العائلة الواحدة,
فقد كانت الصلة بيننا حميمة ووطيدة للغاية. وهذه الصلة العلمية أو الدراسية التي جمعتنا بفاطمة سالم كان زوجي مصطفى طرفا فيها أيضا ,
إذ بعد حصول فاطمة سالم على الدكتوراه وزوجي أيضا كان يجتمعان لجلسات عمل طويلة لقراءة خطب (شيشرون) وبالذات الخطب الموجهة إلى كاتيلينا.

ولكن ما أريد أن أوضحه وأؤكد عليه أن صلتي أنا زوجي بفاطمة سالم لم تكن فقط صلة تلمذة في البداية ثم زمالة بعد ذلك,
لكنها كانت صلة واسعة وحميمة على كل مستويات الحياة الاجتماعية. والمواقف على هذه الصلة كثيرة منها: أنني أحتفظ بهدية لها من زنجبار منذ 6591م.
وهي عبارة عن قطعتين من قماش القطن أتت بهما من زنجبار وشرحت لنا أن مثل هذا النوع من قطع القماش عادة يستخدم في الصلاة كغطاء للرأس والجسم فضلا عن أغراض منزلية أخرى..

ومثلا أثناء العدوان الثلاثي على مصر سنة 1956م, تعرضت الإسكندرية للقصف وكان ذلك بعد عودتنا من البعثة,
ولما كان (علي وعلية) حفيدي أ.د فاطمة سالم اللذان كانا معها في الإسكندرية,
يخافان أصوات القصف, فإن فاطمة سالم حين حدثتني عن ذلك, عرضت عليها أن تقيم معنا في حي سموحة بالاسكندرية,
وبالفعل وافقت وعشنا سويا عيشة أسرية وكانت د. فاطمة سالم في منتهى اللطف تحكي لنا عن جزيرة زنجبار وجمالها وعن عائلتها فضلا عن أشياء مختلفة لم أكن أعلمها.

ورغم أن فاطمة سالم كانت تحكي لنا الكثير عن أسرتها في زنجبار وجذورها العربية,
ورغم أنني لدي فكرة عن العلاقة السياسية والتاريخية بين زنجبار وسلطنة عُمان,
فإنني لم أربط أن كون فاطمة سالم عربية من مواليد جزيرة زنجبار يعني ذلك أنها عُمانية الأصل والمنبع, لاسيما وأنه يتنامى إلى مسامعي الآن أن عُمان وزنجبار كانتا دولة واحدة لفترة تاريخية طويلة.
وإن كان يحضرني الآن والذاكرة تجتر الذكريات البعيدة أن د. فاطمة سالم حين زيارتها الأخيرة للإسكندرية في نهاية السبعينيات,
ذكرت لنا أنا وزوجي أنها مستقرة في موطنها سلطنة عُمان منذ ما يقارب عشر سنوات.
بيد أن تقدم السن بنا وكثرة الذكريات وبعدها الزمني قد جعل الأمور تتداخل وتختلط في الذهن.

رحمها الله برحمته الواسعة كانت فاطمة سالم واقعا جميلا ,
والآن ذكرى عزيزة علينا جميعا تذكرنا بمراحل عمرنا المختلفة, بشبابنا, بدراستنا,
في الجامعة, أقول حقا أنها ذكرى جميلة حين أتكلم عنها الآن لا أستطيع أن أقول: كم كنت أحبها إذ كان حبا جما والعلاقة بيننا كانت من أجمل ما يكون قد تكون طبيعة شخصيتها وقلة عدد طلابها سببا في وجود علاقة صداقة بينها وبينهم,
لكن ذلك لم يكن يعني أنها كانت متساهلة معهم أثناء المحاضرة, بل كانت الصرامة سمة أساسية في شخصيتها خاصة أثناء المحاضرات,
فضلا عن الشدة في المواقف التي تستدعي ذلك, وأيضا إنسانة إلى أبعد الحدود في المواقف التي تراها تحتاج إلى ذلك,
كانت شخصية مميزة بسمات مختلفة أبرزها قوة الملاحظة فأذكر أنها لم تجلس مرة واحدة على الكرسي أثناء المحاضرة فقد كانت دائمة الحركة,
دقيقة تتابع كل واحد منا أثناء المحاضرة كان لها حضور قوى وهيبة ملحوظة.
تلك الهيبة التي كانت سمة أساسية ودائمة في شخصيتها لأنها كانت بطبعها شخصية قوية وقيادية,
جبارة لا يستعصي عليها شيء, إذا ما أرادت شيئا تقهر المستحيل للوصول إلى ما تريده, وهي في المقابل فيها إنسانية لا تضاهى.

الأستاذ الدكتور: فوزي عبدالرحمن الفخراني. أستاذ الآثار اليونانية والرومانية بكلية الآداب جامعة الإسكندرية, فضلا عن تدريسه للدراسات القديمة في بداية حياته الأكاديمية بذات الجامعة, وهو قعيد الشيخوخة والمرض والألم بدار (أحمس خليفة) للمسنين بمنطقة سموحة فرغم عناء الكهولة والمعاناة فإن الذاكرة ما زالت نشطة تسترجع الماضي البعيد وكأنه أمس قريب: لا أتصور أن أحدا بكلية الآداب, جامعة الإسكندرية أو بمنطقة الشاطبي أو سموحة أو حي لوران لم يعرف أ.د فاطمة سالم.

هكذا بدأ حديثه

إذ كانت شخصية لها حضور طاغ وبعد اجتماعي فضلا عن طيبة قلب ملحوظة..

بداية معرفتي بها كانت بكلية الآداب جامعة الإسكندرية. لا أتذكر السنة تحديدا لكن تقريبا في بداية الأربعينيات,
إذ كانت تأتي أسبوعيا للتدريس في جامعة الإسكندرية لأنها كانت منتدبة من جامعة القاهرة,
ثم بعد ذلك تعرفت عليها أكثر في إنجلترا اثناء البعثة الدراسية وذلك في بدايات الخمسينيات أو منتصفها.

المواقف, الذكريات معها كثيرة.. لكنني أذكر موقفا بالتحديد وهذا الموقف أتذكره بوضوح لأنه يذكرني بزمن تلاشى تماما وعاد وجوده مستحيلا .. حين عينت د. فاطمة سالم مدرسا بجامعة الإسكندرية,

كنت أنا ما زلت معيدا أي لم أحصل بعد على درجة الماجستير, والدكتورة فاطمة سالم كانت تجيد الإنجليزية والفرنسية والعربية كتابة وقراءة وترجمة,
بيد أنها لم تكن تعرف الألمانية التي كنت أعرفها,
فطلبت مني في يوم ما أن أشتري لها كتابا لشاعر هو (جوفينال), وأترجم الكتاب لها من الألمانية إلى العربية.
وبالفعل اشتريت الكتاب وأتيت به إليها لكنني اعتذرت لها عن ترجمته بشدة, لأنني أحسست بجرح شديد,
فرغم أن الفارق السني بيننا لم يكن كبيرا فإنها كانت مدرسا مساعدا أي حاصلة على الماجستير ولم أكن أنا كذلك فهي بالنسبة إلي زميلة في مرتبة أعلى علميا .
وزمان كانت هناك قواعد نتعامل بها ونبجل بها أساتذتنا,
وأنا كنت أعدها في تعداد أساتذتي لأنها درستني سنة كاملة لغة لاتينية.. حين أتذكر تلك السنوات أشعر بأسى عميق على زمن ولى حين كانت الجامعة حقا جامعة أخلاق وعلم.


الأستاذ الدكتور: ماهر عبدالقادر محمد علي وكيل كلية الآداب بجامعة الإسكندرية لشؤون الدراسات العليا والبحوث (سابقا ), وأستاذ تاريخ العلوم وعميد كلية السياحة والفنادق (حاليا ) بذات الجامعة.

يقول: لقد قمت والفريق المكلف بقراءة مجموعة من الأبحاث لأساتذة مختلفين,

كان علينا أن نقوم باختيار بحوث لهؤلاء من أجل إعادة نشرها في كتاب تذكاري أعدته كلية الآداب بجامعة الإسكندرية خصيصا بمناسبة افتتاح مكتبة الإسكندرية في السادس والعشرين من شهر أكتوبر 2002م.
وبناء على ذلك قمنا باختيار بحث للأستاذة الدكتورة فاطمة سالم وهو (فن الشعر لهوراتيوس والنقد الأدبي),
كي يعاد نشره ويطلع عليه العلماء والمثقفون بمختلف مستوياتهم.
وفي حقيقة الأمر أستطيع أن أقرر مجموعة من الأسباب التي بموجبها تم اختيار البحث السابق ذكره.
يتمثل أولها أن أ.د فاطمة سالم علم من الأعلام المهمين جدا في جامعة الإسكندرية بصفة عامة وكلية الآداب بصفة خاصة,
وقد واكبت الراحلة فترة زاهرة من فترات هذه الكلية والجامعة,
وكانت لها إضافات فكرية بواسطة أبحاثها الكثيرة في نطاق الكلاسيكيات,
وعليه فمن الطبيعي أننا حين فكرنا في إصدار مجلد تذكاري يتكون من خمس مجلدات; ثلاثة باللغة العربية,
واثنان بالغة الإنجليزية, يحوي بحوثا دونت عن الإسكندرية لفترة زمنية طويلة,
أن نختار بحث أ.د فاطمة سالم ليأتي في المجلد الأول والمتضمن للعدد الأول من المجلة المخصصة للاحتفال بافتتاح مكتبة الإسكندرية.

ويهمني في هذا الموضع أن أبين بشيء من التفصيل مجموعة من النقاط التي كانت موضع جاذبية وبموجبها تم اختيار البحث.

فرغم أنني لست طالبا مباشرا للراحلة العظيمة فاطمة سالم,
إذ كنت أدرس الفلسفة بكلية الآداب وهي ذات الكلية التي كانت ت درس فيها أ.د الدكتورة فاطمة سالم ورأست أحد أقسامها خلال فترة الستينيات,
فإنه في تلك الفترة كانت أ.د فاطمة سالم لها اهتمام بالغ بدراسة الكلاسيكيات أي الدراسات القديمة,
لكنها تتناولها بروح فلسفية ولذلك حين الاطلاع على كل أبحاث الأستاذة فاطمة سالم ستجد أن هذه الروح حاضرة ومهيمنة على الدراسة,
وهذا ما شدني وزملائي من الفريق المكلف بالعمل إلى البحث,
وبهذه المناسبة أود أن أوضح أن بحث (فن الشعر لهوراتيوس والنقد الأدبي) للدكتورة فاطمة سالم هو بحث قديم أنجزته الراحلة عام 1965م وأول نشرة له كان في المجلد التاسع عشر (19) من المجلة الأكاديمية المحكمة من مجلدات كلية الآداب بجامعة الإسكندرية ...

بسم الله الرحمن الرحيم

آللهمَ صل على محمد وآلِ محمد

... ويهمني في هذا الموضع أن أبين بشيء من التفصيل مجموعة من النقاط التي كانت موضع جاذبية وبموجبها تم اختيار البحث. فرغم أنني لست طالبا مباشرا للراحلة العظيمة فاطمة سالم,
إذ كنت أدرس الفلسفة بكلية الآداب وهي ذات الكلية التي كانت ت درس فيها أ.د الدكتورة فاطمة سالم ورأست أحد أقسامها خلال فترة الستينيات,
فإنه في تلك الفترة كانت أ.د فاطمة سالم لها اهتمام بالغ بدراسة الكلاسيكيات أي الدراسات القديمة,
لكنها تتناولها بروح فلسفية ولذلك حين الاطلاع على كل أبحاث الأستاذة فاطمة سالم ستجد أن هذه الروح حاضرة ومهيمنة على الدراسة,
وهذا ما شدني وزملائي من الفريق المكلف بالعمل إلى البحث, وبهذه المناسبة أود أن أوضح أن بحث (فن الشعر لهوراتيوس والنقد الأدبي) للدكتورة فاطمة سالم هو بحث قديم أنجزته الراحلة عام 1965م وأول نشرة له كان في المجلد التاسع عشر (19) من المجلة الأكاديمية المحكمة من مجلدات كلية الآداب بجامعة الإسكندرية.

والمطلع على البحث يلاحظ أنه يلقي أمامنا مجموعة من الاعتبارات المهمة. منها أنه بحث في الكلاسيكيات,
والكلاسيكيات هي لب اهتمام فاطمة سالم وشغلها الشاغل, وأيضا أنه بحث يحوي على موضوعات الأدب وهو الشعر,
ولكن ليس ذلك التناول التقليدي للنظرة النقدية للشعر, بل التناول الممزوج بنظرة فلسفية شاملة للموضوع وبكل ما يتعلق به.
ومن ثم ورد نقد فاطمة سالم في البحث على نحو موضوعي شديد يؤكده مجموعة من المصادر والمراجع التي وظفتها في تحليل مقالات فكرة البحث.
وهذا النوع من النقد نخلص منه إلى الهدف العام والمتمثل ـ من وجهة نظري ـ في عدة اتجاهات أبرزتها الراحلة وتحدث عنها منها: المقدمة وتوظيف الحواشي.
فقد اتسمت المقدمة بنظرة نقدية عامة, وهذه النظرة هي التي أضفت على طريقة التحليل والموضوع قدرا كبيرا من الموضوعية,
والرؤية الذاتية في نفس الوقت. تلك الرؤية التي أجلت لنا مدى الاهتمام بالأطر الفلسفية والميتافيزيقية التي اتخذتها فاطمة سالم كأساس للانطلاق في تناول الموضوع ككل,
فضلا عن تقييمها لعمل هوراتيوس, وهو تقييم يعبر عن رؤيتها الخاصة ذات الجانب الفلسفي والأدب في التعامل مع موضوع البحث.

وباستعراض النظرة النقدية لموضوع البحث نجد وبصورة دقيقة أن أ.د فاطمة سالم اهتمت بشكل واضح بعرض الاتجاهات المختلفة في تعريف النقد الأدبي سواء القديم منها أو الحديث,
وقد توصلت إلى أن نظريات النقد ـ وعند القدماء بصفة خاصة ـ جاءت في الأبحاث والدراسات لتكشف عن مدى إحساس هؤلاء بالجمال,
وتقديرهم له. كما أن اختيار فاطمة سالم لنص (فن الشعر لهوراتيوس) جاء بغرض إيضاح وضع الفلسفة في ذلك الوقت من خلال نص أدبي ي عد نموذجا للكلاسيكيات القديمة.

كما يجب أن نلاحظ أن كتاب (فن الشعر لهوراتيوس), وكما تشير أ.د فاطمة سالم أنه كتب فيما بين عام 8 قبل الميلاد وعام 23 قبل الميلاد,
الأمر الذي ينم عن اختلافات كثيرة في وجهات النظر أدركتها الراحلة فاطمة سالم,
واعتبرتها بمثابة اجتهادات من جانب المفكرين القدماء, والتي من خلالها توصلت إلى أن: العصر (المتأغرق) لا يشتهر بنظرية أدبية نتيجة لضياع وثائقه,
كما أن هذا العصر لم ينتج نظرية أدبية يمكن أن تقارن في جدتها بنظريات القرن الرابع في أثينا,
بالإضافة إلى أن هذا العصر لم ينتج أي فن أدبي يمكن أن يقارن بعصر (باركليز) أو بفن (هوميروس),
كما أن العصر (المتأغرق) اشتهر بالدراسات التاريخية الجادة والتكنولوجيا, واشتهر أيضا بظهور المذاهب الجمالية المغالية.
وأضف إلى ذلك أن كل هذه الأمور وجهت اتجاه المفكرين في العصر (المتأغرق) إلى الاهتمام بالبحث العلمي والدراسات المتعلقة بمكتبة الإسكندرية خاصة الفهارس المكتبية,
كما اتجه الكتاب نحو نشر نصوص (هوميروس) ونقدها ونشأة الخلاف بين القديم والحديث.

لجملة تلك الأسباب وما يندرج تحتها من تفاصيل وأفكار أخرى,
قررنا اختيار بحث (فن الشعر لهوراتيوس والنقد الأدبي) للأستاذة للدكتورة فاطمة سالم,
حتى يكون نصا معبرا عن روح الكتابة لعصر معين وهو العصر (المتأغرق) الذي يمثل مرحلة مهمة,
وكما ترى أ.د فاطمة سالم, من مراحل الحياة الفكرية وتطورها بمكتبة الإسكندرية القديمة,
والبحث ي عد تعبيرا أصيلا عن فترة من فترات الإنتاج العلمي والفكري في مصر وفي تاريخ الحضارة عموما ,
الذي ساهمت في صنعه فكريا أ.د فاطمة سالم بواسطة أبحاثها وبصورة أساسية.


الأستاذ: سيد حسن أبو راس. أحد طلاب أ.د فاطمة سالم والآن هو أحد الشخصيات البارزة في مجال السياحة بالإسكندرية,
حيث يعمل مديرا عاما لشركة (مصريم) للسياحة بكورنيش الإسكندرية,
بحي سيدي بشر. يقول:إنني أساسا من صعيد مصر تحديدا منطقة (النوبة) حيث مسقط رأسي,
لكنني أتيت إلى الإسكندرية للدراسة الجامعية ومن هنا كانت أول معرفتي بأستاذتي أ.د فاطمة سالم,
حيث إنني في سنة 1964م التحقت بالجامعة للدراسة في قسم الدراسات اليونانية واللاتينية (كلاسيك),
فمن الطبيعي أن تدرسني أ.د فاطمة سالم اللغة اللاتينية, بيد أن فاطمة سالم لم تكن بالنسبة لي أستاذة فحسب,
بل مثلا أعلى يحتذى به في جميع مواقف الحياة.

ولذلك حين أتذكر شخصية أستاذتي لابد أن تمر التفاصيل عبر الذاكرة بدقة متناهية.
إذ كانت أ.د فاطمة سالم مثالا للتفاني وكان لها مقدرة رهيبة في إشعارنا أنا وزملائي من طلابها بتلاشي رهبة الأستاذية لديها فقد كانت في مواقف كثيرة وبشكل طبيعي أختا أكثر منها أستاذة,
قريبة إلى طلابها الذين كان يتراوح أعدادهم بين ثلاثة وثمانية طلاب, وحين كانت تدرسنا كانت تغرس فينا روح البحث العلمي تلك الروح التي كانت أمرا ملموسا وطبيعة في شخصيتها وشخصيات زملائها من أساتذة جيلها فضلا عن طلابهم,
ومن ثم كنا نتعلم المادة العلمية بوصفنا باحثين لا متلقين للمعلومات فحسب, ورغم ندرة المتخصصين في قسم الدراسات اليونانية واللاتينية لصعوبة الدراسة فإن أ.د فاطمة سالم بتفانيها العلمي استطاعت حقا أن تجعل من اللغة اللاتينية وهي لغة صعبة وميتة إلى لغة حية سلسلة مع كل طلابها سواء في مرحلة الليسانس أو الدراسات العليا.
وأنا شخصيا لم يكن تفوقي في اللغة اللاتينية سوى ثمرة مجهودها وأسلوبها في التدريس الذي أعده من وجهة نظري قمة أساليب التدريس.

كيف لي أن أسرد شخصية أستاذتي ؟
ففاطمة سالم كأستاذة قبل كل شيء علمتني كيف أن أتعامل مع العلم بعمق وحب وهو من وجهة نظري أهم بكثير من مجرد التعامل مع المواد بوصفها مواد تخصصية علمية أو مناهج فقط.

وعلى مستوى الحياة تعلمت منها كيف أن يكون الإنسان متواضعا ومن الضروري قبل أن يكون أستاذا أو أي شيء آخر من هذا القبيل,
أن يكون إنسانا . لذلك هناك واقعة مهما بعد بي الزمان لن يستطيع محوها. حين كنت طالبا بالفرقة الأولى أو الثانية على ما أذكر,
انقطعت عن الكلية أسبوعا كاملا بسبب مرضي ولن أنسى أن الأستاذة الجليلة ورئيسة القسم أ.د فاطمة سالم,
كانت قلقلة علي بوصفي أحد طلابها تأتي بعنواني من شؤون الطلاب بالجامعة,
وتجيء لزيارتي في بيتي.. مهما قلت أو وصفت لن أستطيع أن أوفي هذه الزيارة حقها.
لأنها زيارة غرست في نفسي أثرا وعرفت منها معنى التواضع والإنسانية حقا . هل يعقل في زمننا الآن أن أستاذا جليلا يزور طالبا عاديا مثلي بنفسه ...

بسم الله الرحمن الرحيم

آللهمَ صل على محمد وآلِ محمد

... ولذلك أقول: إن فاطمة سالم كان لها أسلوبها الخاص في التدريس وأسلوبها الخاص في التعامل مع الآخرين في الحياة لأنها كانت على قدر كبير جدا من العطاء على كل المستويات,
ولا أبالغ حين أقول ذلك إذ يشهد لها الجميع بذلك, هذا بالإضافة إلى أن من ضمن سمات شخصيتها الدقة المتناهية والمطالبة دائما بأن تكون الأمور كما يجب,
ولذلك كانت ترفض عدم الانضباط وقلة النظام والأشياء الخطأ. وتنزعج لذلك انزعاجا شديدا ,
عادة ما كان هذا الانزعاج هو مؤشرنا الأول بنوعية مزاجها حيث ارتفاع درجة صوتها وهي تمر بممرات كلية الآداب,
فنعرف مباشرة وقبل دخولها قاعة المحاضرة إذا ما كانت اليوم الدكتورة عصبية أم لا ؟ غاضبة أو الحالة عادية ؟
وكان أحيانا يمر أسبوع كامل دون أن تنزعج د. فاطمة سالم من شيء.
وهنا يوحشنا كثيرا صوتها وإرشاداتها في التوجيه والأمر والنهي,
ومن ثم كنا نتعمد أن نرمي لها قصاقيص من الورق في الممر حتى نسمع منها جملتها المعتادة حين تدخل القاعة: (الحضارة اليونانية حضارة عريقة واللغة اللاتينية لغة الشعوب المتحضرة,
فكيف لي أن أعلمها لكم وأنتم تفتقدون إلى أبسط قواعد التحضر: النظافة).

رحم الله أستاذتي لقد كانت تنتمي إلى جيل الرواد الأوائل.
إذ تمثل الدفعة الأولى من فتيات الجامعة اللاتي تخرجن من جامعة القاهرة. ذلك في بداية الثلاثينيات وهي ذات الدفعة على ما أعتقد,
التي ضمت الرائدة أ.د سهير القلماوي.. رائدات القرن الماضي تركوا فينا بصمة بداخلنا نلمسها في جدية شخصياتهم وعمق أبحاثهم.. أنا مثلا ما زلت أحتفظ في مكتبتي في القاهرة ببحث للأستاذة الدكتورة فاطمة سالم منذ الستينيات وهو عبارة عن كتاب كامل يحوي تراجم للدكتورة فاطمة سالم عن الخطب الكتلينية.
ولذلك أقول لروحها العطرة ولكل جيلها ممن رحلوا عن دنيانا: أنهم حقا كانوا أستاذة فجامعة الإسكندرية في زمانهم كانت حقا جامعة أما الآن فلا تعليق.


وفي عمارة من العمارات العتيقة بشارع (هيرودوت) بالقرب من جامعة الإسكندرية,
تقطن شوقية محمد محفوظ حرم اللواء عبدالحميد علي جامع.
امرأة في العقد السادس من عمرها عرفت أ.د فاطمة سالم فترة زمنية طويلة بحكم علاقة الجيرة والسكن تقول شوقية: أعرف د. فاطمة سالم لأنها سكنت معي في نفس العمارة.

فقد كانت تسكن بالدور الأول شقة رقم(1),

العلاقة بيننا كانت صداقة قوية بدأت منذ خمسة وأربعين عاما واستمرت إلى أن رحلت عن الإسكندرية.. ولذلك تجمعني بها ذكريات كثيرة (بعدد شعر رأسي), وقبل كل هذه الذكريات أقول: إن أ.د فاطمة سالم صاحبة فضل عظيم علي وعلى أولادي.. إذ كانـت دائما ترعاهم,
وتشـرف عليهم في المذاكرة وتعلمهم اللغة الإنجليزية والفرنسية,
فهي التي ألحقتهـم بمدارس اللغات (مدرسة فيكتوريا) (victoria ـ college),
إذ أن تعليمي محدود ولا أعرف أي لغة أجنبية فأولادي كانوا يحبونها كثيرا وقد كانت دائما تلاعبهم.

حسن المعاملة والثقة والمودة بيننا كانت متينة, فقد كانت د. فاطمة سالم تسافر إلى القاهرة ثلاثة أيام أسبوعيا وتترك معي أحفادها (علي وعلية),
وهذه المعاملة الطيبة بيننا استمرت حتى انقطعت أخبارها عنا, ومع ذلك ذهبت أنا وأولادي إلى حي (لوران) بكورنيش الإسكندرية للسؤال عنها,
حيث أقامت هناك في فيلا صغيرة جميلة مقابل البحر بعد أن تركت شقتها هنا بحي الشاطبي.

أنا وأولادي تعلمنا منها الكثير. فالدكتورة فاطمة سالم لم تكن أستاذة جامعية فحسب,
بل أستاذة في شؤون الحياة. أنا شخصيا حين تزوجت لم أكن أعرف أمورا كثيرة في الحياة أو كيفية التعامل معها فعلمتني د. فاطمة سالم وتعلمت منها الكثير.. ويرجع الفضل لله أولا ولها ثانيا في النهوض بأولادي علميا فهي التي كانت تعلمهم إلى أن أصبح أكبرهم طيارا والأوسط مهندسا بشركة نفط, والأصغر ابني أحمد مترجما .

ولذلك أشعر بداخلي أنني مهما قلت أو ك تب عنها لن نوفيها حقها في المكانة.. رحمة الله عليها وأسكنها فسيح جناته. كانت سيدة فاضلة تفعل الخير دائما .. فكم من أولاد درست لهم دون مقابل ومنهم بالطبع أبنائي.. كانت امرأة عظيمة شخصية كريمة اليد, ولذلك نال من عطاياها الكثير. معرفتها كانت معرفة فخر وخير ومحل ثقة الجميع.. فأنا وزوجي ليس من طبعنا الاختلاط بأحد,
لكن د. فاطمة سالم كانت الوحيدة التي اختلطنا بها لأخلاقها الحميدة التي لم نجدها في أحد غيرها.

الدراسة للكاتبة الأستاذة "آسية البوعلي " بتصرف

يعطيك العافية ع الموضوع

شكرا على الموضوع الرائع

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة احساس يتيمة يعطيك العافية ع الموضوع

بسم الله الرحمن الرحيم

آللهمَ صل على محمد وآلِ محمد

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

شكراً جزيلاً لكِ اختي إحساس يتيمة على المرور

تقبلي تحياتي

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة صمت الامل شكرا على الموضوع الرائع

بسم الله الرحمن الرحيم

آللهمَ صل على محمد وآلِ محمد

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

شكراً جزيلاً لكِ يا صمت الأمل على المرور

والواقع أنَ لكل عُماني الحق أن يفتخر بشخصية كالدكتورة فاطمة المعمري

ولدي سؤال إن كنتم تدرسون في كتب التاريخ عن شخصية فاطمة المعمري أم لا؟

تقبلي تحياتي