منتديات جعلان > جعلان العامة > جعلان للمواضيع الاسلامية | ||
الحـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــب |
الملاحظات |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
جعلاني ماسي
![]() ![]() ![]() ![]() ![]()
![]() غير متواجد
|
![]()
الحـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــب
لا يخفى على من له حس، ما للحب من أثر ملموس على نفوس الناس، والدور الذي يلعبه في تشكيل العلاقة بينهم. والحب معنى يثري النفس، وينعش الروح، ويغذي القلب، وهو شعور طاغ يملك من المحب قلبه ونفسه بحيث لا يرى ولا يسمع إلا من خلال المحبوب. والحب أصل كل فعل، فالله عز وجل خلق المخلوقات، وقدر أحكامها، وقضى فيها بقضائه، وفق حكمة يحبها ويرضاها، وفعل العبد لا يصدر عنه إلا عن محبة، وإرادة وحتى فيما يكره، فإنه لا يفعله إلا لما يجده من داع أقوى للمحبة في الضد، وذلك كشرب الدواء المر رجاء زوال ألم المرض المانع من لذة الصحة والعافية، فالمحبة مع الداعي لها فكلما كان الداعي لها أقوى كانت به ألزم. ولما كان الحب شعوراً ومعنى يسيطر على القلب، وأصلاً لكل فعل يصدر في الكون، فإن أسماءه تعددت وكذلك الطريقة التي تستخدم في التعبير عنه، وذلك تبعاً لتنوع المشاعر والأحاسيس، وقوة الداعي لها، فالعلاقة والصبوة والهوى والشوق والخلة والعشق وغيرها من أسماء الحب تتفق في أن الجامع بينها المحبة إلا أنها تختلف باعتبار متعلقها ودواعيها. فإن كنت ممن جرب الغربة، وفارق الأهل والأحباب، واكتوى بنار البعد عن الوطن الذي لم تبق لك منه إلا الذكريات، فإن الشوق والحنين إلى الماضي أنسب ما يعبر بهما عما في القلب من مشاعر وأحاسيس. وإن كنت ممن من الله عليه بزوجة يعجبك منطقها، وتسرك رؤيتها وتحفظك إذا غبت عنها فإن الود وهو خالص الحب وألطفه وأرقه أدق ما يصور العلاقة بين الزوجين هنا ولك أن تتأمل اللفظ في قول الله تعالى: “ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة” (الروم 21). وإن فقدت حبيباً كنت تبتهج بطلعته، وتؤنسك صحبته، فإن الوجد واللوعة والشجن والجوى وهي كلمات تستخدم للتعبير عن الحب الذي يعقبه حزن، أو الذي تصاحبه حرقة وألم تناسب المقام لإخراج ما بالنفس من شجو ومرارة ووصب. وهكذا فإن الحب تتعدد مسمياته، وطرق التعبير عنه بحسب ما يحدثه في نفوس المحبين من مشاعر وأحاسيس، ولأنه ما من فعل أوترك إلا وللحب دخل فيه. الفطرة الإنسانية ولقد خلق الله عز وجل الإنسان على فطرة تميز بين الحسن من الأشياء والقبيح منها، وتميل إلى كل جميل وتهواه، وتنفر من السيئ وتبعد عنه، فالنفس تنجذب إلى الأشكال المتناسقة، والصور اللطيفة المريحة، وتلذ بالمطعومات الحلوة، والروائح الطيبة، والمشروبات الباردة، وتسعد بالحسن من الأخلاق مثل الصدق والشجاعة والكرم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونحوه، قال صلى الله عليه وسلم: “ما من مولود يولد إلا على الفطرة” وهذه الفطرة يعرض لها ما يفسدها ويحول بينها وبين رؤية الحقائق فبعث الله عز وجل رسله لدعوة الناس وردهم إلى الحق، قال تعالى: “ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت” (النحل 36). والداعي للحب شعور المحب وميله للمحبوب لغرض وافقه فيه، فما قام بالمحبوب من صفات رضيها المحب ولد علاقة تدوم بدوام الغرض، وهذه المحبة تسمى المحبة الغرضية العرضية، وتلعب الحواس دوراً مهماً في تهييج هذا النوع من الحب لأنها تنقل للمحب ما يستحسنه من المحبوب، ولا يقل دور القلب عن الحواس خطراً فمتى كان القلب خالياً وجاءه رسول المحبة فوافقه تمكن من الهوى ولم يجد مهرباً، لذلك قال الله تعالى: “إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً” (الإسراء 36). توافق الأرواح وقد يكون الداعي للمحبة التوافق بين الأرواح أي تناسبها، يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: “وهذه المناسبة نوعان: أصلية من أصل الخلقة، وعارضة بسبب المجاورة والاشتراك في أمر من الأمور، فإن من ناسب قصدك قصده، حصل التوافق بين روحك وروحه، فإذا اختلف القصد، زال التوافق، فأما التناسب الأصلي فهو اتفاق أخلاق، وتشاكل أرواح وشوق كل نفس إلى مُشاكلها فإن شبه الشيء ينجذب إليه فتكون الروحان متشاكلتين في أصل الخلقة..” وقال الرسول صلى الله عليه وسلم “الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف”. وإذا كان الحب نابعاً من دوافع وأسباب تقتضيه وجوداً وعدماً قوة وضعفاً، متى وجد الداعي عند المحب والسبب عند المحبوب وجدت العلاقة، ومعنى ذلك أن الحب في بدايته يكون بإرادة المحب واختياره، وأنه يملك السيطرة عليه وترشيده وذلك من خلال التوجيه السديد للسلوك الأمثل مع الدواعي والأسباب، وفي منظومة الأخلاق الإسلامية، وما تحتوي عليه من مبادئ تنظم العلاقة بين أفراد المجتمع على أساس صلب من الحب النقي، ومن توجيهات تضبط السلوك، كغض البصر، وتحريم الخلوة، والنهي عن الخوض في أعراض الناس ونحوها، شاهد حي على تأثير السلوك في توجيه الشعور، وأن السلوك الرشيد يؤدي إلى حب طاهر عفيف يأخذ بيد صاحبه إلى دار النعيم، قال الله تعالى: “وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى” (النازعات 40 41) وفي الحديث الشريف يقول صلى الله عليه وسلم: “أحبب حبيبك هوناً ما عسى أن يكون بغيضك يوماً ما وابغض بغيضك هوناً ما عسى أن يكون حبيبك يوماً ما” وهذا دليل واضح على أن الحب القائم على المصالح والأغراض تمكن السيطرة عليه في بدايته وتوجيهه، وفي حثه صلى الله عليه وسلم بعدم الغلو في الحب والبغض والاقتصاد فيهما جملة من الفوائد العظيمة التي لا يعرف قدرها إلا المبتلون بداء العشق أو الذين وقفوا على سيرتهم. انتقاء الأخلاء وإن كان الحب ناتجاً عن تلاق في الأرواح، واتفاق في الأخلاق فهذا بدوره يدعو صاحبه لأن يبحث عن خلق من يحب وينتقيه قال الله تعالى: “الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين” (الزخرف 67) وقال تعالى: “إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون” (النحل 128) وقال صلى الله عليه وسلم: “المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل”. وذكر لبقراط رجل من أهل النقص يحبه فاغتم لذلك، وقال: ما أحبني إلا وقد وافقته في بعض أخلاقه. لذلك فإن من عرف الحب وخطره، عرف لمن يبذله، وعرف الطريق التي ينبغي أن يسلكها، فالحب مدرسة للعاطفة والوجدان فيها دور كبير، وللعلم والثقافة والإيمان الدور الأهم قال الله عز وجل: “قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين” (التوبة 24).
|
انواع عرض الموضوع |
![]() |
![]() |
![]() |
|
|