منتديات جعلان - عرض مشاركة واحدة - ((( زاد المعاد ))) الأجزاء 1.2.3.4.5
عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 333  ]
قديم 05-01-2006, 12:04 AM
جعلاني ذهبي


المشاركات
4,762

+التقييم

تاريخ التسجيل
Oct 2004

الاقامة

نظام التشغيل
oman

رقم العضوية
12

اسير الصحراء is on a distinguished road
غير متواجد
 
افتراضي
فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في السلام والاستئذان وتشميت العاطس
ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في الصحيحين عن أبي هريرة أن أفضل السلام وخيره إطعام الطعام ، وأن تقرأ السلام على من عرفت وعلى من لم تعرف .
وفيهما أن آدم عليه الصلاة والسلام لما خلفه الله قال له : اذهب إلى أولئك النفر من الملائكة، فسلم عليهم ، واستمع ما يحيونك به، فإنها تحيتك وتحية ذريتك ، فقال : السلام عليكم ، فقالوا : السلام عليك ورحمة الله ، فزادوه "ورحمة الله".
وفيهما أنه صلى الله عليه وسلم أمر بإفشاء السلام وأخبرهم أنهم إذا أفشوا السلام بينهم تحابوا ، وأنهم لا يدخلون الجنة حتى يؤمنوا ، ولا يؤمثون حتى يتحابوا.
وقال البخاري في صحيحه : قال عمار: ثلاث من جمعهن ، فقد جمع الإيمان : الإنصاف من نفسك ، وبذل السلام للعالم ، والإنفاق من الإقتار.
وقد تضمنت هذه الكلمات أصول الخير وفروعه ، فإن الإنصاف يوجب عليه أداء حقوق الله كاملة موفرة، وأداء حقوق الناس كذلك ، وأن لا يطالبهم بما ليس له ، ولا يحملهم فوق وسعهم ، ويعاملهم بما يحب أن يعاملوه به ، ويعفيهم مما يحب أن يعفوه منه ، ويحكم لهم وعليهم بما يحكم به لنفسه وعليها، ويدخل في هذا إنصافه نفسه من نفسه ، فلا يدعي لها ما ليس لها، ولا يخبثها بتدنيسه لها، وتصغيره إياها، وتحقيرها بمعاصي الله ، وينميها ويكبرها ويرفعها بطاعة الله وتوحيده ، وحبه وخوفه ، ورجائه ، والتوكل عليه ، والإنابة إليه ، وإيثار مرضاته ومحابه على مراضي الخلق ومحابهم ، ولا يكون بها مع الخلق ولا مع الله
، بل يعزلها من البين كما عزلها الله ، ويكون بالله لا بنفسه في حبه وبغضه ، وعطائه ومنعه ، وكلامه وسكوته ، ومدخله ومخرجه ، فينجي نفسه من البين ، ولا يرى لها مكانة يعمل عليها، فيكون ممن ذمهم الله بقوله " اعملوا على مكانتكم " [ الأنعام :35 ] فالعبد المحض ليس له مكانة يعمل عليها، فإنه مستحق المنافع والأعمال لسيده ، ونفسه ملك لسيده ، فهو عامل على أن يؤدي إلى سيده ما هو مستحق له عليه ، ليس له مكانة أصلاً بل قد كوتب على حقوق منجمة، كلما أدى نجماً حل عليه نجم آخر، ولا يزال المكاتب عبداً ما بقي عليه شيء من نجوم الكتابة .
والمقصود أن إنصافه من نفسه يوجب عليه معرفة ربه ، وحقه عليه ، ومعرفة نفسه ، وما خلقت له ، وأن لا يزاحم بها مالكها، وفاطرها ويدعي لها الملكة والاستحقاق ، ويزاحم مراد سيده ، ويدفعه بمراده هو ، أو يقدمه ويؤثره عليه ، أو يقسم إرادته بين مراد سيده ومراده ، وهي قسمة ضيزى ، مثل قسمة الذين قالوا : " هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم ساء ما يحكمون " [الأنعام : 136] . فلينظر العبد لا يكون من لا يكون من أهل هذه القسمة بين نفسه وشركاته وبين الله لجهله وظلمه وإلا لبس عليه ، وهو لا يشعر، فإن الإنسان خلق ظلوماً جهولاً ، فكيف يطلب الإنصاف ممن وصفه الظلم والجهل ؟ وكيف ينصف الخلق من لم ينصف الخالق؟ كما في أثر إلهي يقول الله عز وجل : "ابن ادم ما أنصفتني ، خيري إليك نازل ، وشرك إلي صاعد، كم أتحبب إليك بالنعم ، وأنا غني
عنك ، وكم تتبغض إلي بالمعاصي وأنت فقير إلي ، ولا يزال الملك الكريم يعرج إلى منك بعمل قبيح ".
وفي أثر آخر : "ابن ادم ما أنصفتني ، خلقتك وتعبد غيري ، وأرزقك وتشكر سواي " .
ثم كيف ينصف غيره من لم ينصف نفسه ، وظلمها أقبح الظلم ، وسعى في ضررها أعظم السعي ، ومنعها أعظم لذاتها من حيث ظن أنه يعطيها إياها، فأتعبها كل التعب ، وأشقاها كل الشقاء من حيث ظن أنه يريحها ويسعدها، وجد كل الجد في حرمانها حظها من الله ، وهو يظن أنه ينيلها حظوظها، ودساها كل التدسية، وهو يظن أنه يكبرها وينميها، وحقرها كل التحقير، وهو يظن أنه يعظمها، فكيف يرجى الإنصاف ممن هذا إنصافه لنفسه ؟ إذا كان هذا فعل العبد بنفسه ، فماذا تراه بالأجانب يفعل .
والمقصود أن قول عمار رضي الله عنه : ثلاث من جمعهن ، فقد جمع الإيمان : الإنصاف من نفسك ، وبذل السلام للعالم ، والإنفاق من الإقتار ، كلام جامع لأصول الخير وفروعه .
وبذل السلام للعالم يتضمن تواضعه وأنه لا يتكبر على أحد، بل يبذل السلام للصغير والكبير ، والشريف والوضيع ، ومن يعرفه ومن لا يعرفه ، والمتكبر ضد هذا، فإنه لا يرد السلام على كل من سلم عليه كبراً منه وتيهاً، فكيف يبذل السلام لكل أحد .
وأما الإنفاق من الإقتار، فلا يصدر إلا عن قوة ثقة بالله ، وأن الله يخلفه ما أنفقه ، وعن قوة يقين ، وتوكل ، ورحمة، وزهد في الدنيا، وسخاء نفس بها، ووثوق بوعد من وعده مغفرة منه وفضلاً، وتكذيباً بوعد من يعده الفقر، ويأمر بالفحشاء، والله المستعان .