المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أبحاث((( أدبية )))


اسير الصحراء
04-06-2006, 11:25 PM
الثورة التكنلوجية

ثورة الاتصالات بين‏:‏ الثقافة الموحدة والسيادة الثقافية‏
وعندما جاءت العولمة‏,‏ جاءت محمولة علي أعناق وأكتاف ثورة الاتصالات‏;‏ أي طوفان الموجات الالكترونية الضوئية السرعة‏;‏ المرئية‏/‏ المسموعة‏/‏ المقروءة‏,‏ التي تتحول بها كل ما تتخذه المعاني من أشكال أو قوالب أو رموز‏,‏ أي تتحول بها رسائل المعلومات والأخبار والأفكار والتوجيهات والأوامر والايحاءات ودلالات الأعمال الفنية الدرامية والتشكيلية والموسيقية‏..‏ تتحول إلي صور وكلمات وأصوات‏,‏ بالألوان والأصداء الطبيعية والاصطناعية‏.‏ فالعولمة ـ بأي مفهوم لها‏,‏ إيجابي أو سلبي‏;‏ اقتصادي أو‏(‏ و‏)‏ سياسي أو‏(‏ و‏)‏ ثقافي أو‏(‏ و‏)‏ استراتيجي ـ ما كانت لتأتي بالصورة التي نواجهها منذ أواخر القرن العشرين‏,‏ وتزداد وضوحا وحدة منذ البداية الفلكية للقرن الحادي والعشرين لولا ثورة الإتصالات‏...‏
غير أن ثورة الاتصالات التي حملت أمواجها وأدواتها حقائق العولمة أو تحولها في كل لحظة إلي حقيقة فعلية تعيشها البشرية كلها تقريبا ـ تستسلم لها أو تقاومها أو تتفاعل معها ـ لم تكن مجرد ثورة في التقنيات الفنية‏;‏ وإنما كانت ثورة متعددة الوجوه‏,‏ الثقافية‏,‏ السياسية‏,‏ الاقتصادية والاستراتيجية‏,‏ بهذا الترتيب كما سنري بعد قليل‏,‏ تمكنت من توظيف التقنيات‏(‏ أو‏:‏ التكنولوجيات‏)‏ الجديدة لنشر أفكار وتوجهات وايحاءات ودلالات بعينها‏,‏ وتحقيق السيادة علي عقول البشرية كلها ـ عن طريق المواد الثقافية المتعددة الأنواع‏:‏ من المعلومات إلي الأخبار إلي التحليلات في شكل ندوات وأحاديث‏..‏ إلخ‏..‏ حتي الأفكار والمذاهب والتصورات الأعمال الفنية وانماط السلوك‏...‏
بهذا الشكل‏,‏ وفيما يجمع علماء الثقافة المعاصرة‏,‏ الذين لا ينشغل أكثرهم إلا بدراسة العلاقة بين الثقافة ووسائل الاتصال الحديثة‏,‏ تضاعف ـ دون حدود تقريبا ـ تأثير الثقافة علي اختيارات الجماعات الانسانية‏,‏ إلي الدرجة التي يلغي معها مبدأ الاختيار ذاته‏,‏ أو مبدأ الحرية الجماعية القومية والفردية الشخصية‏,‏ علي حد ما يطرحه فيلسوف ما بعد الحداثة الأشهر‏,‏ الفرنسي فرانسوا ليوتار في كتابه‏:‏ تفسير ألما بعد حداثي:
ThePostmodernExplained‏
‏(‏ نشر جامعة مينيسوتا ـ‏1995‏ ـ ترجمة جماعية حررها جوليان بيفانيس ومورجان توماس‏.‏ وكتب التعقيب عليها فالد جود زيش‏)...‏
كانت الثقافة‏(‏ أو‏:‏ المعرفة عند ليوتار وزملائه‏)‏ ابداعا جماعيا وفرديا تحكمه وتستثمره أفكار ومباديء كبيرة‏(‏ يسميها‏:‏ سرديات كبري ـ في محاولته لتسميتها بكلمة محايدة‏)‏ وكانت هذه الأفكار والمباديء تجمع بين الأسس الاجتماعية والسياسية والقواعد الأخلاقية والتوجهات المنهجية المختلفة عبر العصور والثقافات‏..‏ واستمر هذا الوضع بشكل أو بآخر حتي عصر الرأسمالية المتطورة التي حققت الثورة التكنولوجية‏;‏ وكان مجال الاتصالات من أهم المجالات التي تجلت فيها هذه الثورة‏;‏ وكانت المعرفة‏(‏ أو‏:‏ الثقافة‏/‏ أو‏:‏ الثقافات‏)‏ أكبر أهدافها‏,‏ وضحاياها‏...‏
فالثقافة‏(‏ أو المعرفة‏)‏ لم تعد إبداعا ـ جماعيا ولا فرديا ـ وإنما أصبحت إنتاجا له قيمة وظيفية نفعية‏(‏ استخدامية واستغلالية بتعبير الاقتصاديين‏)...‏ كما أصبحت سلسلة لا نهاية لها من الرموز الرقمية التي تزداد باستمرار‏,‏ ويتم تجميعها‏,‏ واعادة تجميعها علي الدوام ـ مثل مكونات
‏Components‏
أي جهاز أو آلة أخري‏,‏ حسب المنفعة ـ أي الاستخدام أو الاستغلال المطلوبين من تجميعها ـ أو تفكيكها في كل مرة‏:‏ هكذا تفصل الثقافة‏/‏ المعرفة ـ ليس فقط عن طبيعتها التاريخية‏:‏ بوصفها ابداعا جماعيا وفرديا‏/‏ جماعيا‏;‏ وإنما تفصل أيضا عن مبادئها وأفكارها الحاكمة‏:‏ الاجتماعية‏/‏ السياسية‏(‏ أي‏:‏ القومية‏)‏ والمنهجية‏(‏ أي‏:‏ العلمية‏)‏ لكي تؤدي المنفعة التي تطلبها القوي المتحكمة في كل من إنتاج المعرفة‏(‏ الثقافة الجديدة‏)‏ وفي توزيعها وبثها للتحكم في وعي البشر‏,‏ وفي اختياراتهم‏...‏ فيلغي ـ في الحقيقة ـ مبدأ الاختيار ذاته‏,‏ أو مبدأ الحرية‏:‏ حرية الأمم‏,‏ والأفراد‏..‏ علي السواء‏,‏ مع مجيء العولمة محمولة علي أمواج طوفان ثورة الاتصالات‏.‏
هذه الحقيقة استخلصها علماء ثقافة معاصرون من مدارس وتيارات وجنسيات عديدة‏;‏ حاول بعضهم أن يقدمها باعتبارها التطور الطبيعي والايجابي للثقافة الانسانية في عصرنا‏,‏ وللحياة الانسانية بالتالي‏;‏ ولكن أكثرهم ـ في الغرب خصوصا ـ اتخذوا منها موقفا نقديا‏,‏ باعتبارها ظاهرة خطيرة تهدد الليبرالية أو الديموقراطية ـ الاجتماعية والسياسية والفكرية الثقافية ـ في بلدان الرأسمالية‏(‏ الليبرالية‏)‏ المتطورة ذاتها‏,‏ مثلما هدد الاحتكار الصناعي والمالي أسس الليبرالية الاقتصادية في الماضي‏;‏ ويهدد بالتالي بتحويل هذه الليبراليات التي أقامتها حركة الحداثة منذ الثورات السياسية القومية والاجتماعية‏:‏ الانجليزية والأمريكية والفرنسية علي التوالي في القرون من السابع عشر إلي الثامن والتاسع عشرتحويلها إلي نظم شمولية‏,‏ فاشية النزعة يسمونها الآن الفاشية اللينة‏.‏
ولكن القليلين من علماء الثقافة الغربيين المعاصرين ـ النقديين ـ هؤلاء ـ من اهتم بخطورة تهديد عولمة الوعي ـ الانساني ـ وعولمة الثقافات الانسانية‏(‏ القومية‏)‏ بالتالي والغاء خصوصياتها‏.‏ ومع ذلك فما يزال عدد من هؤلاء العلماء البارزين‏(‏ في تخصصات اللغويات مثل نوام تشومسكي الأمريكي‏;‏ والاجتماع الثقافي مثل زيجمونت بومان البريطاني والانثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية مثل نيجل رابورت وزميلته جوانا أو فرينج البريطانيان أيضا‏)..‏ مايزالون يدافعون عن‏,‏ ويبرهنون علي مفهوم وحقيقة وجود ثقافات ـ بالجمع‏;‏ مقابل سعي علماء العولمة إلي تثبيت مفهوم‏:‏ الثقافة بالمفرد‏:‏ ولكننا من واقع متابعة ومعايشة تيار العولمة الثقافية‏,‏ الذي تحول بوضوح في الخطاب الرسمي الأمريكي والبريطاني بشكل خاص إلي قرار سياسي وخطة للاختراق الثقافي بهدف فرض نظام للقيم ـ ولدلالات هذه القيم ولتطبيقاتها ـ السياسية والأخلاقية والفكرية التي يتم تصنيعها في مراكز بحوث خاصة تتعامل نتائج بحوثها مع مؤسسات وأجهزة اتصالاتنا المختلفة‏:‏ مؤسسات وأجهزة التعليم والتثقيف والاعلام والدعوة الدينية‏,‏ الأهلية والقومية علي السواء‏...‏ أو هكذا يدبرون‏..‏ من واقع متابعة ومعايشة تيار العولمة الثقافية هذا‏;‏ نلمس كما يلمس غالبية المشغولين بمصائر التنوع الثقافي الخلاق للبشرية‏;‏ نلمس مدي هيمنة هذا التيار وقوة سلطته علي كل وسائل الاتصال الكبري في عالمنا الآن‏,‏ ومدي تهديده بالتالي لذلك التنوع الخلاق نفسه‏.‏
إن ثورة الاتصالات ـ التي أخضعت الثقافة‏(‏ المعرفة‏)‏ وتطبيقاتها العملية لمعاييرها ومصالحها الكوكبية‏/‏ التقنية‏/‏ لا تشمل فحسب مجرد وسائل الاتصال التقليدية‏(‏ الراديو والتليفزيون والتليفون‏..‏ حتي الحواسب الآلية والانترنت وشبكات المعلومات الاقليمية والدولية الأخري‏)...‏ وانما شملت التعليم والتثقيف والترفيه والدعوة الدينية‏:‏ من المدارس والجامعات ومراكز البحوث والجمعيات‏..‏ إلي المكتبات ودور العبادة وقاعات العرض ومنتجات فنون وأساليب العرض الجماعي أو العامة‏(‏ والفردي أو الخاصة‏)‏ الترفيهية والتبشرية والتعليمية والتوجهية‏..‏ إلخ‏..‏
أي أن ثورة الاتصالات بأدواتها وبالتقنية التي تجرد المعرفة‏(‏ الثقافات‏)‏ من أصولها أو جذورها أو سياقاتها الاجتماعية الخاصة ـ شملت كل أدوات وأجهزة ومؤسسات توزيع المعرفة‏...‏ التوزيع فحسب‏,‏ لأن الانتاج الحقيقي ـ وتقليداته المحلية المتقنة أو سيئة الصنع ـ يتم هناك ـ في مصانع إنتاج المعرفة المرتبطة بقوي العولمة الرئيسية‏..‏
لهذا ـ وغيره ـ نحتاج في عالمنا العربي بشكل خاص ـ إلي برنامج حد أدني من التنسيق ـ يخطط ـ نظريا وتطبيقيا ـ لانتاج معرفتنا‏(‏ ثقافتنا السائدة وثقافاتنا الفرعية‏)‏ الخاصة‏.‏ برنامج نعتقد أنه لابد أن تشارك فيه مؤسسات وأجهزة الدول والمجتمعات‏,‏ الرسمية أو القومية والأهلية ـ في ميادين التعليم والبحث العلمي والتثقيف والاعلام والدعوة الدينية‏..‏ برنامج نعتقد أنه أصبح من الواضح ضرورة تحديده للثوابت الثقافية‏,‏ وفتحه الأبواب كلها أمام التجدد والتجديد‏;‏ لا يتجمد عند ثوابت ومتغيرات الماضي الاشكالية ويجعلنا قادرين علي التعامل مع مستجدات الثقافات الأخري ـ بما فيها الثقافة المعولمة‏.‏
وفي هذا السياق‏,‏ لابد أن نتذكر عبارة السيادة الاعلامية التي كان تحقيقها هدفا لمؤسسات الاعلام‏(‏ والصحافة بينها‏)‏ المصرية منذ أوائل الثمانينات باعتبارها دليلا علي وعي مبكر بخطورة ترك فضاء الاتصالات ـ أو الفضاء الثقافي بمعايير عصرنا ـ لسلطة غير سلطة الأمة وسيادتها الاجتماعية‏;‏ وذلك بشرط فهم السيادة علي أنها سيادة مضمونية وتقنية معا‏;‏ تكفل تحرير الوعي العربي مع إدراكه لثوابته أيضا‏...‏

اسير الصحراء
04-06-2006, 11:28 PM
العصر العباس

المقدمة :

يتناول العصر الأدبي العباسي و يهدف إلى إعطاء صورة واضحة للحياة في عصر بني العباس في ظل الإطار التاريخي والاجتماعي والفكري مدخلاً لدراسة الشعر في هذا العصر ، كما يعطي صورة واضحة لأبرز اتجاهات التجديد في موضوعات الشعر ، ويعني بدراسة نصوص مختارة من الشعر العباسي دراسة فنية تحليلية تهدف إلى بيان الخصائص الفنية والموضوعية ، كما يدرس هذا المساق الاتجاهات النثرية وما طرأعليها من تجديد نتيجة للإمتزاج الحضاري بين الأمم والحركة العلمية التي تمثلت في حركة التدوين والترجمة .

أبو تمام (188-231هـ=803-845م)

حبيب بن أوس بن الحارث الطائي
أحد أمراء البيان، ولد بجاسم (من قرى حوران بسورية) ورحل إلى مصر واستقدمه المعتصم إلى بغداد فأجازه وقدمه على شعراء وقته فأقام في العراق ثم ولي بريد الموصل فلم يتم سنتين حتى توفي بها.
كان أسمر، طويلاً، فصيحاً، حلو الكلام، فيه تمتمة يسيرة، يحفظ أربعة عشر ألف أرجوزة من أراجيز العرب غير القصائد والمقاطيع.
في شعره قوة وجزالة، واختلف في التفضيل بينه وبين المتنبي والبحتري، له تصانيف، منها فحول الشعراء، وديوان الحماسة، ومختار أشعار القبائل، ونقائض جرير والأخطل، نُسِبَ إليه ولعله للأصمعي كما يرى الميمني.


أبو الطيب المتنبي (303-354هـ= 915-965م)

أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمد الجعفي الكوفي الكندي، أبو الطيب الشاعر الحكيم، وأحد مفاخر الأدب العربي، له الأمثال السائرة والحكم البالغة المعاني المبتكرة.
ولد بالكوفة في محلة تسمى كندة وإليها نسبته، ونشأ بالشام، ثم تنقل في البادية يطلب الأدب وعلم العربية وأيام الناس.
قال الشعر صبياً، وتنبأ في بادية السماوة (بين الكوفة والشام) فتبعه كثيرون، وقبل أن يستفحل أمره خرج إليه لؤلؤ أمير حمص ونائب الإخشيد فأسره وسجنه حتى تاب ورجع عن دعواه.
وفد على سيف الدولة فمدحه وحظي عنده. ومدح كافور الإخشيدي وطلب منه أن يوليه، فلم يوله كافور، فغضب أبو الطيب وانصرف يهجوه.
قتل أبو الطيب وابنه محسّد وغلامه مفلح بالنعمانية بالقرب من دير العاقول في الجانب الغربي من سواد بغداد.

أبو العلاء المعري (363-449هـ=973-1057م)

أحمد بن عبد الله بن سليمان، التنوخي المعري: شاعر وفيلسوف. ولد ومات في معرة النعمان. كان نحيف الجسم، أصيب بالجدري صغيراً فعمي في السنة الرابعة من عمره.
وقال الشعر وهو ابن إحدى عشرة سنة. ورحل إلى بغداد سنة 398 هـ فأقام بها سنة وسبعة أشهر. ولما مات وقف على قبره 84 شاعراً يرثونه. وكان يلعب بالشطرنج والنرد. وإذا أراد التأليف أملى على كاتبه علي بن عبد الله بن أبي هاشم.
وشعره وهو ديوان حكمته وفلسفته، فثلاثة أقسام: (لزوم ما لا يلزم) ويعرف باللزوميات، و(سقط الزند) و(ضوء السقط)، وقد ترجم كثير من شعره إلى غير العربية، وأما كتبه فكثيرة.

اسير الصحراء
04-06-2006, 11:30 PM
من الذي أحرق مكتبة الاسكندرية

من الذي أحرق مكتبة الاسكندرية ؟؟


من الاتهامات الشائعة التى يُرمى بها الإسلام والمسلمون هو إحراق عمرو بن العاص لمكتبة الأسكندرية. ويستشهدون ببعض النصوص التى ذكرت فى بعض المراجع التاريخية التى كتبها بعض المؤرخين من المسلمين والنصارى.

وحجتهم فى ذلك ما كتبه عبد اللطيف البغدادى ( 1231 م ) فى كتابه “الإفادة والاعتبار فى الأمور المشاهدة والحوادث المعاينة بأرض مصر” ، والمقريزى يكاد ينقل ماذكره البغدادى حرفياً ، وكذلك ابن القفطى ( 1248 م ) فى كتابه “أخيار العلماء بأخبار الحكماء” ، وكذلك الكاتب النصرانى أبا الفرج الملطى ( 1277 م ) فى كتابه “مختصر الدول”.

- من المعروف أن عمرو بن العاص قد فتح مصر عام 642 م، وقد تلاحظ من التواريخ أعلاه أن أول من كتب عن هذا هو عبد اللطيف البغدادى بعد الفتح بزمن يبلغ تقريباً 600 عام. أضف إلى ذلك أن المؤرخين الذين سبقوه لم يشيروا إلى هذه التهمة أية إشارة مع أنهم قد تكلموا فى كتبهم بإسهاب عن الفتح العربى لمصر. ومن هؤلاء المؤرخين سعيد بن البطريق ( 905 م ) تقريباً والطبرى واليعقوبى والبلاذرى وابن عبد الحكم والكندى وغيرهم.
أضف إلى ذلك أن الكتاب فى القرنين السابقين للفتح العربى لم يذكروا شيئاً عن وجود مكتبة عامة فى الأسكندرية، وكذلك لم يشر إليها حنا النقيوس ولا إلى إحراقها مع أنه كتب عن الفتح العربى.

- أكَّدَ لوبون جوستاف فى كتابه “حضارة العرب” المطبوع عام 1884 بباريس (صفحة 208 ): أن المكتبة لم تكن موجودة عند الفتح العربى ، إذ كانت قد أُحرِقَت عام 48 ق . م عند مجىء يوليوس قيصر إلى الأسكندرية.

وهذا ما أكده بطلر فى كتابه “فتح العرب لمصر” صفحة 303 - 307 وأضاف أن يوليوس قيصر كان محصوراً سنة 48 ق . م فى حى البروكيون يحيط به المصريون من كل جانب تحت قيادة أخيلاس ، فأحرق السفن التى فى الميناء لقطع خط الرجعة على يوليوس وقيل إن النيران امتدت إلى المكتبة (يقصد هنا مكتبة المتحف أو المكتبة الأم) وأحرقت المكتبة وأفنتها أو قد فنيت تماماً فى القرن الرابع الميلادى.

ويواصل بطلر دفاعه قائلاً: أما المكتبة الوليدة التى قامت فى السيرابيوم فإنها كانت فى حجرات متصلة ببناء معبد السيرابيوم وقد أحرق هذا المعبد فى عهد تيودوسيوس عام 391 م على يد المسيحيين الذين كان يقودهم رئيسهم تيوفيلوس.

- أكَّدَ جيبون فى كتابه “إضمحلال وسقوط الإمبراطورية الرومانية” الجزء التاسع (صفحة 275 ): أن المكتبة قد أُحرِقَت عام 387 - 395 م فى عهد تيودوسيوس.

وقد يدل على صدق هذه الأقوال أن أحد الرحالة الرومان واسمه أورازيوس قد زار مصر فى أوائل القرن الخامس الميلادى وكتب عنها سنة 416 م وذكر أنه لم يجد سوى رفوف خالية من الكتب فى هذه المكتبة.

ذكر جرجى زيدان فى جزئه الثالث من كتابه التمدن الإسلامى (صفحة 42 – 43) نقلاً عن أبى الفرج الملطى (النصرانى) – وهذا مانقله المقريزى عنه بالحرف - أن يوحنا النحوى صرَّح أن المكتبة كان بها على عهد بطولماوس فيلادلفوس أكثر من 120 50 كتاباً وأن هذه الكتب تم احراقها فى ستة أشهر بعد أن وزعت على أربعة آلاف حمام.

- ويعترض فريق من المؤرخين على رواية أبى الفرج لأسباب كثيرة لا يقرها العقل:

1- مات يوحنا النحوى قبل فتح العرب لمصر بحوالى 30 أو 40 سنة.

2- كيف يعمل عمرو بن العاص على إحراق الكتب ثم يسلمها إلى الحمَّامات التى يقوم على خدمتها نصارى مصر – مع العلم بوجود كتب ومقتنيات نفيسة فى هذه المكتبة؟

3- ألم يكن فى استطاعة أصحاب الحمامات أن يبيعونها ويتربحوا منها؟

4- ألم يكن فى استطاعة أحد الأثرياء من أمثال يوحنا النحوى أن يشتروها؟

5- كانت الكتب تصنع من ورق الكاغد الذى لا يصلح لإيقاد النار.

6- من المعروف أن المسلمين كانوا يعملون على نشر العلم منذ غزوة بدر، ولذلك كانوا يطلقون سراح الأسير إذا قام بتعليم عشرة من المسلمين.

7- المدقق فى الحديث المنسوب ليوحنا النحوى لعمرو بن العاص حيث ذكر أن هذه الكتب نفيسة ولا تُقدَّر بمال. وما كان لعمرو بن العاص أن يحرقها لأنها مال يخص أقباط مصر ، والعهد الذى أخذه عمرو على نفسه يقتضى حماية الأقباط وأموالهم.

8- دفع عمرو بن العاص للمصريين فى الوجه القبلى ثمن ما أتلفه الرومان فى هجومهم الثانى على مصر بسبب خطته التى كانت ترمى إلى سحب القوات الرومانية بعيداً عن الأسكندرية. فيستبعد أن يكون قد أتلف ممتلكاتهم وأموالهم إبراراً بعهده معهم.

9- رأى الرسول عليه الصلاة والسلام مع عمر بن الخطاب رقوقا من الكتاب المقدس ولم يأمره بحرقه أو التخلص منه. كذلك سأل الرسول عليه الصلاة والسلام اليهود عن قول التوراة فى الزناة وقرأوا عليه من الكتاب الذى بأيديهم ، ولم يأمر أحداً بنزعه منهم أو حرقه.

10- على الرغم من أن الكتاب المقدس به بعض النصوص التى يراها المسلم شركاً بيناً أو كفراً صريحاً أو قذفاً لا مراء فيه فى حق الأنبياء ، وعلى الرغم أن البعض قد يفهم النصوص التى تشير إلى زنا الأب ببناته ، أو زنا الحمى بكنته، إلا أنه لم يقم أحد من المسلمين بحرق نسخة واحدة من الكتاب المقدس ولا توجد نصوص فى القرآن أو السنة تحض على ذلك.

11- أنشأ المأمون عام 830 م فى بغداد “بيت الحكمة” وهو عبارة عن مكتبة عامة ودار علم ومكتب ترجمة، ويُعد بيت الحكمة أعظم صرح ثقافى نشأ بعد مكتبة الأسكندرية. فيستبعد على مسلم أُمِرَ بالعلم والقراءة والبحث والتدبر أن يحرق كتاباً للعلم.

12- قيام الكثيرين من العرب بدراسة اللغات الأجنبية وترجمة كتب بعض مشاهير العلوم فى العصر الأغريقى، وإرسال العلماء العرب (على نفقاتهم الخاصة) التجار إلى بلاد الهند وبيزنطة للبحث عن كتب العلم وشرائها .

أنقل بعضاً منهم من كتاب “شمس العرب [أصل الترجمة شمس الله] تسطع على الغرب” للكاتبة زيجريد هونكه مثل :

1) كان العلماء المسلمين حريصين على اقتناء كتب العلم اليونانية و الرومانية ودراسة ما فيها. ومن أمثال ذلك رجل العلم العظيم موسى بن شاكر وأولاده الثلاث محمد وأحمد وحسن فى عصر الخليفة المأمون. وقد برعوا فى علم الفلك ودراسة طبقات الجو والرياضة. وكانوا يرسلون أتباعهم إلى بلاد البيزنطيين على نفقاتهم لشراء الكتب وترجمتها والاستفادة من علومهم. ولو كان فى الإسلام نص ينهى عن ذلك لما اقترفوا إثم البحث عن العلم وترجمة الكتب وتعليم الغرب.

2) حرص العلماء أمثال الخوارزمى على اقتناء كتب العلم الهندية وغيرها. فقد كان على علم بكتب بطلميوس عن جداول الحساب والجبر وهو من قام بتصحيحها.

3) ترجم ثابت بن قرة لبنى موسى عدداً كبيراً من الأعمال الفلكية والرياضية والطبية لأبولونيوس وأرشميدس وإقليدس وتيودوسيوس وأرستوطاليس وأفلاطون وجالينوس وأبوقراط وبطلميوس. كما أنه صحح ترجمات حنين بن اسحق وولده ثم شرع فى وضع مؤلفات ضخمة له، فوضع 150 مؤلفاً عربياً و 10 مؤلفات باللغة السريانية فى الفلك والرياضيات والطب. فهذا نموذجاً من النماذج المشرقة فى صفحات علم العرب وتقديسهم للعلم. فهل يصدق أحد العقلاء أن المسلمين قاموا بإحراق مكتبة عظيمة مثل مكتبة الأسكندرية ثم بعد ذلك يتكبد علماؤهم مشقة البحث عن مؤلفات لنفس العلماء الذين حُرِقت كتبهم؟!!!

فهل قابل الغرب هذا بالشكر؟ لا.

فقد طمسوا الهوية العربية حتى لا يظهر الإسلام متلألأً وسط الظلام الذى فرضه قساوسة وأساقفة وباباوات الدين النصرانى على كل من أتى بحقيقة علمية تخالف الكتاب المقدس وتُظهر جهل من ألَّفوه.

فقد أسموْ الخوارزمى “ألجوريزموس” Algorizmus وأسموْ ابن سينا “أريستوفوليس” Aristofolis أو Avicienne وأسموْ ابن رشد “أفيروس” Averoes

ونختتم هذا الرد بقول ألدوميلى Aldo Mieli فى كتابه القيِّم: “العلم عند العرب”:

“فى القرن الأول من خلافة العباسيين [بداية القرن الثامن] كان المترجمون (من الأغريقية إلى السريانية ، ومن السريانية إلى العربية) هم الذين يحتلون المرتبة الأولى – على وجه الخصوص – من النشاط العلمى” وكان من بين هؤلاء العلماء والمترجمين نصارى ويهود احتضنتهم قصور الخلافة نفسها. فلا يُعقل أن نحرق كتبهم ونبيد علومهم ثم نحتضن علمائهم. ومن أمثال هؤلاء العلماء تيوفيل بن توما الرهاوى وهو مسيحى مارونى توفى عام 785 م، وجرجس بن جبريل بن بختيشوع المتوفى عام 771 م ، وكذلك أبى يحيى البطريق المتوفى عام 800 م ، (صفحة 184 من شمس العرب تشرق على الغرب).

كتبه الأخ ابو بكر

اسير الصحراء
04-06-2006, 11:43 PM
رؤية نقدية - (العربي الصغير)

تهتم الكويت بصحافة الأطفال، من منطلق الاهتمام بمواطنيها عامة، والأطفال خاصة. وتقوم السياسة الإعلامية للدولة على الالتزام بالإسلام، ديناً وعقيدة وأسلوب حياة، لبناء الفكر والوجدان والقيم للفرد والمجتمع على حد سواء، وإبراز الوحدة الوطنية، وتعزيز التلاحم بين الشعب وقيادته، وتأكيد انتماء الكويت للأمة العربية، وحرصها على مصالح شعوبها، وتكوين علاقات إيجابية معها. كما تقوم على خدمة قضايا التنمية والإسهام في بناء شخصية الإنسان الكويتي المبدع والمنتج، والمتفاعل مع مجتمعه وأمته العربية والإسلامية، والمشاركة في المسؤولية في صنع القرار السياسي لوطنه والإسهام في تنميته وازدهاره.
كما تهدف السياسة الإعلامية لدولة الكويت إلى إشاعة المفاهيم التي تحافظ على القيم الأخلاقية، وتعميق أثرها في الممارسة والسلوك، وزرع قيم جديدة تتفق وتطور المجتمع وتقدمه، كقيم العمل والإنتاج والتعاون والتكافل الاجتماعي.
يرعى الإعلام الكويتي المواهب الشابة، ويشجعها مادياً ومعنوياً، ويدعو إلى تعهدها بالإعداد العلمي والميداني، لإعداد طاقات بشرية قادرة على تنفيذ سياسة الدولة الإعلامية.
وتشدد وزارة الإعلام على الاهتمام باللغة العربية، وتوجيه الكتاب ومعدي البرامج والمذيعين إلى استخدامها والارتقاء بلغة البرامج الشعبية التي تقدم باللهجة العامية، وذلك بإحلال الفصحى المبسطة محل العامية.
وتلتزم وزارة الإعلام الكويتية بالعمل على النهوض بالمستوى الثقافي والتربوي والإرشادي، منطلقة من أن العمل الإعلامي هو بالضرورة عمل تربوي تثقيفي إرشادي يهدف الى تنمية الوعي واكتساب المعلومات والمهارات اللازمة للحياة المنتجة الفعالة في مرحلة إعادة البناء.
كما أن الخطط الإعلامية لدولة الكويت، تولي اهتماماً خاصاً بالنشئ في جميع وسائل الإعلام، أما فيما يتعلق بتعاون جهات الاختصاص في مجال البرامج التلفازية التي تعنى بالشباب والنشء فإن هذا التعاون قديم قدم هذه الجهات، فهناك على سبيل المثال تعاون مستمر بين وزارة التربية ووزارة الإعلام، حيث يتجسد هذا التعاون في الإشراف على برامج مختلفة تعنى بالشباب والنشء كما ان الجهات المختصة بالتوجيه الديني، مثل وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، وكذلك الجهات الأمنية، تتعاون مع وزارة الإعلام بهذا الخصوص.
ويهدف الإعلام الكويتي من وراء ذلك الى العمل على التنمية الشاملة، وذلك باستثمار امكانيات وطاقات الإنسان الكويتي، وتنمية شخصيته، وتعميق فاعليتها، ودعم روح الإحساس بالمشاركة والمسؤولية عنده، وتنمية اعتماده على ذاته، كما يؤكد من ناحية أخرى ضرورة تنمية وتقدم المجتمع وتوجيهه. ويهدف أيضاً إلى العمل على إبراز اهتمام الإنسان الكويتي بأرضه وتاريخه ومواقف أجداده وإنجازات حاضره، وتأكيد بطولاته وخاصة بطولات شهداء الكويت وإبرازهم كأبطال يقتدى بهم، وتأكيد الاستقرار الأمني والسياسي للدولة في ظل سيادة القانون وتعزيز ثقة المواطنين بأن الكويت واحة أمن وأمان. كما يهدف الى تأكيد الولاء المطلق للوطن وإبراز الوحدة الوطنية واستثمار التلاحم مع القيادة السياسية، وتجسيد مفهوم الأسرة الواحدة، وتأكيد مبدأ تكافؤ الفرص، وإقرار العدالة وتكريس الحق والدفاع عنه.
وتصدر في الكويت مجموعة كبيرة من مجلات الأطفال تصل الى عشرين مجلة، معظمها توقف وبعضها لايزال يصدر حتى الآن.
وتأتي على رأس الاصدارات الشهرية التي تصدرها وزارة الإعلام الكويتية مجلة >العربي< وابنتها مجلة >العربي الصغير<
وقد جاء إعلان مؤسسة سلطان العويس الثقافية عن منح مجلة العربي جائزة الانجاز الثقافي والعلمي للدورة الحالية، تثميناً لدورها الرائد في خدمة الثقافة العربية الجادة الرصينة ونشر الوعي على امتداد الوطن العربي، وعبر أكثر من أربعة عقود من تاريخها، ونظراً لما تمثله المجلة من قيمة حضارية عربية، وبوصفها مجلة تنوير، قامت ومازالت تقوم بدور ريادي في تعريف العرب كافة بوطنهم العربي وربطهم بالثقافتين العربية والعالمية في آن واحد،إضافة لترويجها للنهج العلمي والعقلاني في الثقافة العربية.
وهذه هي المرة الأولى في تاريخ مؤسسة سلطان العويس تمنح جائزة الانجاز لمؤسسة ثقافية بعد ان منحت سابقاً لعدد من الادباء والمفكرين والشعراء. وذلك تكريماً لدور واهمية مجلة >العربي< وتكريساً لمكانتها السامية في سماء الثقافة العربية.
ولعل هذا التقدم والتفوق لمجلة العربي، ينساق حتماً الى ابنتها مجلة >العربي الصغير< التي تشكل شامة حقيقية على وجه مجلة >العربي< الأم، ومن ثم فإن هذا التكريم يشكل نقطة ضوء اساسية لمرحلة مفصلية تفرض على >الأم والابنة< اختباراً جديداً يجسد طموحات الساحة الثقافية والأدبية، وما يحتاج إليه طفل اليوم من فهم معاصر لافكاره وآماله وتطلعاته.
ولابد من الاشادة هنا، بالدعم الرسمي الملحوظ والمتمثل بوزارة الإعلام الكويتية، التي تشرف على اصدار >العربي< و>العربي الصغير< وهو دور عملاق لا ينكر.
وعندما اصدرت >العربي< ابنتها، على هيئة ملحق صغير اولاً، كما ذكرنا سابقاً، ثم كمجلة مستقلة، ارادت المجلة اكمال خططها النهضوية الفكرية، باعتبار ان الطفولة سلعة غالية، ويجدر ايلاؤها ما تستحق من اهتمام.
ومن منطلق الحرص الأكيد على العمل الإعلامي المخصص للأطفال العرب، وبخاصة مجلة >العربي الصغير< التي حرصنا منذ الصغر على التزويد بها، بل وكانت تمثل لنا هاجساً شهرياً، وزاداً ثقافياً، نتناول في هذا البحث الموجز بعض الاعداد الأخيرة في قراءة نقدية من حيث الشكل والمضمون، وكنا نأمل لو تكون الرؤية اشمل واعمق، لكن دعوة المشاركة في المؤتمر سبقت الموعد بايام قليلة، والبحث يحتاج الى اشهر طويلة، كما ان ادارة المؤتمر فرضت حاجزاً زمنياً لتسليم البحوث، ما كان لنا ان نتجاوزه التزاماً منا بهوية هذه المجلة، التي اعتدنا على التزامها، وثباتها، واحترامها للقارئ الصغير حيث تصل دائماً الى قرائها في مواعيد ثابتة محددة دون تباطؤ او تأخير.
ويأتي هذا المؤتمر الكبير ليجسد المدى الحقيقي لاهتمام المسؤولين في مجلة >العربي< وابنتها >العربي الصغير< بعالم الطفولة، وصحافة الأطفال على امتداد العالم العربي.
ولعل أشد الأمور اثارة للتقدير والاحترام ان >العربي الصغير< ارادت ان تكون محلاً للنقد والتسديد، واسجل لادارة المجلة انني عندما دعيت للمشاركة، طلب مني ان اطرح رؤية نقدية غير متحفظة ولا مجاملة، وان يسودها >البحث العلمي المحايد< مع التركيز على السلبيات أكثر من الايجابيات، التي يفترض ان تكون غرضاً بحد ذاته، على نقيض السلبيات التي لا يخلو منها عمل إنساني.
ومجلة >العربي الصغير< تصدر عن وزارة الإعلام الكويتية، بدأ ظهورها كنشرة ملحقة بمجلة >العربي< التي تصدرها الوزارة منذ ديسمبر 9591 حيث مرت كما تقول الدكتورة كافية رمضان >بفترة حضانة طويلة امتدت حوالي ربع قرن من الزمن، وقد مر صدورها بمرحلة انتقالية تجريبية، تمثلت بظهور العدد التمهيدي رقم (صفر) الذي صدر في شهر ابريل 5891، ثم العدد التمهيدي الثاني الذي حمل رقم (صفر 2) بعد مدة قصيرة، وقد سبق ظهور هذين العددين دراسات تمهيدية، ولحقت صدورهما دراسات استطلاعية تستهدف قراءة ردود فعل الأطفال واستطلاع آرائهم في شكل المجلة ومحتواها. وقد استطلعت آراء طلبة المدارس في الكويت من بنين وبنات، وبعد دراسة ردود افعالهم وآرائهم ومقترحاتهم تم تعديل بعض النصوص، كما استخدمت المواد التي نالت استحسان الأطفال في الأعداد الرسمية التي صدرت بعد ذلك< ابتداء من الأول من فبراير 6891.
وقد حدد المشرفون على اصدار >العربي الصغير< بناء على توجيهات وزارة الإعلام الكويتية قارئ المجلة بأنه >الطفل العربي في كل أقطار الأمة العربية، بل إنه الطفل العربي الذي يتكلم ويقرأ اللغة العربية ويعيش في أي بلد من بلاد العالم، وتصله مجلة >العربي الصغير<، وينتمي الى الثقافة العربية، كما حددوا الفئة العمرية التي لهذا الطفل من الخامسة وحتى الخامسة عشرة من العمر، ولا شك ان هذا التحديد بمساحته الممتدة مكاناً إلى كل الأقطار العربية، والممتدة زماناً لتغطي كل مراحل الطفولة، إنما يعكس تأثير مجلة >العربي< ذاتها التي ظلت لأكثر من ثلاثين عاماً تربط بين القراء في كل الأقطار العربية بثقافة عربية أصيلة ومستنيرة ومتقدمة، كما يعكس رغبة المسؤولين في وزارة الإعلام وفي مجلة >العربي< بأن تقوم مجلة >العربي الصغير< بالنسبة للأطفال في مختلف أقطار الأمة العربية بدور مماثل للذي قامت وتقوم به مجلة العربي، مع اختلاف الأدوات والوسائل بطبيعة الحال<.
ويقول مدير تحرير مجلة >العربي الصغير< السابق للباحث في رد مكتوب: إن لمجلة العربي ثلاثة أهداف رئيسية:
أ) تزويد الطفل العربي بالعديد من المعارف الأساسية، في مجالات العلوم والتاريخ والدين بأسلوب مشوق وجذاب يمزج القصة بالمعلومة والحقيقة بالخيال.
ب) إثراء الطفل لغوياً وبصرياً من خلال القصص التي يقرؤها والرسوم التي يشاهدها.
ج) التأكيد على القيم الأساسية للإنسان العربي، وإعطاء الطفل الأسس لبناء مستقبل يعتمد على القيم والمبادئ.
وفي مقال لرئيس تحرير مجلة >العربي الصغير< السابق أوضح أن المجلة تهدف إلى المساهمة في تكوين أفراد يحملون اتجاهات وطنية إسلامية قومية مستنيرة، وهي لا تقيد نفسها بتوجهات ضيقة، بل تحرص على تبني مجموعة من الأهداف التي تتمثل في:
أ) القيم الدينية الأصيلة والواضحة التي تمنح الطفل التوازن النفسي والأمن والثقة بالحياة، وتؤكد على النزعة الإنسانية ووحدة البشر أمام خالقهم، وتنزع الى تحرير الإنسان من مخاوفه وأوهامه، بالشكل الذي يمكن للطفل أن يتقبلها وتؤثر في سلوكه.
ب) القيم العربية التي تؤكد انتماء الطفل الى أمته العربية، وتحريره في الوقت ذاته من التعصب العرقي أو الطائفي أو المذهبي أو الإقليمي، وتبرز تفاعل الثقافة العربية مع الثقافات الإنسانية في الماضي والحاضر، كما تبرز التوجه العام والإنساني للثقافة العربية.
ج) القيم الإنسانية المعاصرة، مع إبراز جذورها في الماضي وتطورها في الحاضر، وتوجهها للمستقبل، مثل احترام العقل، النظرة العلمية والموضوعية، الحق، الواجب، احترام الآخر واستقلاليته، معنى الحرية، حدود الحرية، قيمة العمل، الإبداع، الإنتاج، المبادأة الإيجابية، أهمية الوقت، مع الأخذ بعين الاعتبار تداخل هذه الحلقات والمنظومات.
وبعد صدور العدد 45، اضطرت المجلة للتوقف ابتداء من سبتمبر 0991، إثر دخول القوات العراقية إلى الكويت. ورغم خروج هذه القوات بعد سبعة أشهر، فإن العدد (55) لم يصدر إلا بعد حوالي سبع سنوات، وتحديداً في مايو 7991.
وفي قراءة سريعة لبعض الاعداد التي صدرت بعد الغزو العراقي نلاحظ ان (العدد 55) امتاز بورق أبيض عالي الجودة، وهو أمر مستحسن، على خلاف الأعداد التالية التي صدرت بورق لماع مصقول، وهذا الورق يعكس الضوء، وقد يؤذي أعين الأطفال ولا يمكنهم من القراءة بوضوح ومن مختلف زوايا الصفحة.
وفي كلمة رئيس التحرير في العدد نفسه رسالة موجهة إلى قراء المجلة من الصغار، كما جاء في أعلى الصفحة، لكن مضمون الكلام لا يوحي بذلك، فالكلام موجه إلى الكبار تحديداً، فالقارئ الصغير لا يمكن أن يدرك نظرياً أنه >كان لابد و>العربي الصغير< تولد من جديد أن تواكب الجديد في مجالات العلم والتقنية على وجه الخصوص<. فما يعني الطفل هو المجلة نفسها، لا معاناتها وجهود محرريها، كما لا يعني اهتمامه أبداً أن يعلم شيئاً عن >الدعم الذي قدمته وزارة الإعلام الكويتية< ولا يهمه مطلقاً أن يعرف >أن كبار المسؤولين بوزارة الإعلام قد آمنوا بأهمية أن تكون هناك مجلة متخصصة للطفل العربي تتيح له العلوم والمعرفة وتفتح أمامه آفاق المستقبل<. فهذا الكلام عبارة عن تصريح، كان من الأفضل لو نشر في الوسائل الإعلامية الأخرى، أو في مؤتمر صحفي.
====>>>

اسير الصحراء
04-06-2006, 11:44 PM
وفي العدد نفسه، ودون أي مقدمات مريحة تطل علينا قصة للطفل، وهي قصة مصورة عنوانها: >موزع البريد الطائر<، فلا وجود للمساحات الملونة المشجعة، والكلام محشور داخل بالونات غير منظمة، وكثيرة جداً، بالرغم من أن الاعتماد على الصورة المعبرة من المفترض أن يكون له الأولوية، ومساحته أكبر من الكلام، فالقصة موجهة للطفل، والطفل تستهويه الصور أكثر من الكلمات.
وفي باب >الإسلام حضارة<، من العدد نفسه، نلاحظ اعتماداً كلياً على الكلمة، فالصور غير معبرة، كما أنه تم وضع كادر ملون (الصفحة 9) تحت عنوان الأوائل، ليس له أي علاقة بموضوع >الإسلام حضارة< مع الإشارة إلى أن هذا الموضوع تناول >الجواد العربي< وأهمل الجانب الإنساني، فالجواد ليس حضارة إسلامية. وكان بالإمكان تناول البطولات التي حدثت على ظهور الجواد العربي، مع عدم إغفالنا لأهمية الموضوع عامة.
ونقلب صفحات العدد، فنعثر على صـفحة شعرية بعنوان: >عندما لمعت السمكة<، الهدف فيها غير واضح، والمغزى غير مفهوم: >الطائر العجيب/ يطير في الصباح/ فوق البركة/ الطائر اللماح/ ينقض نحو الماء مثل السهم/ مسكينة يا سمكة/ لكن أكان ممكناً/ أن تصبحي ضحية/ يا سمكة فضية/ لو لو يكن صاحبنا الدؤوب/ قد/ رآك/ تلمعين/ تحت/ ضوء/ الشمس<.
وبمراجعتنا هذه القصيدة مرات ومرات، لم نعثر على لمحات فنية أو بنائية تربوية، ولم نفهم الهدف من ورائها، فهل تقديم مجرد كلام متتابع هو كفيل بجذب اهتمام الطفل، أم ان القصيدة تصل إلى هدفها من خلال توجيهات تربوية أو حماية، رمزية أو مباشرة.
وفي العدد (75) الصفحة (11) نجد الطرائف في باب >الإسلام حضارة< وهو خلط ليس له مبرر، كما نجد صوراً تمثل الشياطين بأشكال غريبة منكرة، كما نجد موضوعاً عن قصة آدم وحواء، لا يستحسن تقديمه للأطفال، وكأنها مسلمات ثابتة، لأنها معلومات مأخوذة من مصادر غير موثوقة.
وفي الصفحة (13) >مغامرات دبوس<، وهي رسومات ضعيفة جداً، لا وجود لفكرة معينة، كما أنها تهين الإنسان، بتشبيهه بالأرنب، كما تسيء للأطفال الذين تتميز أسنانهم الأمامية بالبروز قليلاً إلى خارج الشفة، كما أن هناك حكايات تتناول مشاهير الغرب في الصفحتين (63 ـ 73) دون ذكر نوابغ العرب حتى يعتز الأطفال بتراثهم وأجدادهم.
وفي العدد التالي رقم (85) نلاحظ انعكاس صورة الشيطان على رسومات الأطفال، ففي باب >فنانون صغار< نجد رسمة تمثل >دراكولا< الشخصية المرعبة، والدماء تسيل من فمه، وفي الصفحتين (21 ـ 31) طرائف تخلو من الطرافة والإفادة، وفي قصة >الربيع الآخر< المصورة، نلاحظ أنها تتحدث عن تلوث البيئة، فتتحدث عن حل كيميائي دون محاولة معالجة الأسباب، كما نجد في الصفحة (61) إيحاء بأن المتحدثين ليسوا عرباً، وفي الصفحة المقابلة نسمع باسم >الدكتورة وفاء<، وهو اسم عربي، الأمر الذي يحدث بلبلة في ذهن الطفل.
وفي الصفحة (44) قصيدة فضلاً عن أنها تخلو من أبسط مقومات الترابط فيما بينها، فإنها تدعو مباشرة إلى عدم الصلاة، يقول الشاعر: >بيت أبيض/ بين النخل الأخضر/ وشراع أزرق/ يتهادى/ صوت ناي/ طفل يضحك/ عصفور يتنقل/ بين الأغصان/ سرب حمام/ مختلط الألوان/ آذان المغرب/ انصراف الناس/ وظللت مقيماً في هذا المشهد<.
فما الهدف الذي يريد أن يصل إليه الشاعر، الصور متفككة تماماً، والشاعر يدعو إلى تأمل المشهد، بدلاً من الذهاب إلى الصلاة، وكأنه يقول: >أنا أفضل حالاً من الذين ذهبوا إلى الصلاة لأنهم لا يتمتعون بمشاهدة منظر الغروب<.
الصفحة الأخيرة من العدد (06) شهر سبتمبر 7991م، مغامرات تحت عنوان >ظقلوت وشحتوت< ــ في العدد (85) كان اسمها شقلوت وشحتوت ــ حيث نرى شحتوتاً يمحي ظقلوتاً بممحاة قلم الرصاص، وهذه هي كل القصة، دون أي هدف أو رسالة، بل تبدو وكأنها تسلية خفيفة ساذجة، لم تعد تناسب عقلية الطفل المعاصر الذي بات مطلعاً على كثير من وسائل الإعلام الحديثة.
ونقفز إلى العدد (47) نوفمبر 8991م. حيث نجد قصة تحت عنوان >مغامرات حادي وبادي<، وهي قصة مصورة مثيرة، تحوي مجموعة كبيرة من الكلمات التي من المستحسن عدم تقديمها للطفل بواسطة مجلته، وهذه الكلمات التي تكررت أحياناً: >أيها البلهاء ــ يا للمصيبة ــ يا للكارثة ــ عليك اللعنة ــ أيها الأحمق ــ سائق متهور ــ الأبله<. وفي الصفحتين 62 ــ 72 نلاحظ وجود قصة مصورة بسيطة الرسوم، دون أي مغزى أو هدف واضح.
2 ــ الاعداد الأخيرة التي تناولتها القراءة النقدية:
1 ــ العدد 001 ــ يناير 1002
2 ــ العدد 101ــ فبراير 1002
3 ــ العدد 401ــ مايو 1002
4 ــ العدد 501ــ يونيو 1002
5 ــ العدد 601 ــ يوليو 1002
6 ــ العدد 801ــ سبتمبر 1002
7 ـــ العدد 901ــ اكتوبر 1002
8 ــ العدد 011ــ نوفمبر 1002
9 ــ العدد 111ــ ديسمبر 1002
01 ــ العدد 211ـــ يناير 2002
3 ــ الشرح الموجز لمحتويات التصنيف التحريري
احتوت المجلة ــ عينة البحث ــ على مجموعة من الأبواب الثابتة، وحافظت على التوزيع المضموني في أكثر من ثلثي صفحات الاعداد التي شملها البحث ولم تتغير الأبواب طوال الفترة المحددة.
1 ــ الغلاف: امتاز الغلاف بتنوع ممتاز في الموضوعات، بحيث شمل عدداً من الافكار الداخلية والمنوعة، وكان ثابتاً في اخراجه، متحركاً في رسوماته وخطوطه والوانه، وتعدد رساميه، مما يدفع للاعتقاد بمدى اهتمام المسؤولين على ابراز الغلاف باجمل صورة ممكنة، رغم وجود بعض السلبيات، كما ظهر في العدد (001) حيث كان العنف واضحاً جداً، الى ظهور اسفل القدم في وجه القارئ، ولا يخفي ما يحمله ذلك من انطباع سيء.
2 ــ الصفحة الثانية: (الكاريكاتير) حوت افكاراً جميلة ومتنوعة، وهي بمجملها مميزة وتخاطب عقل الطفل وتحرك العملية التخيلية في نفسه.
3 ــ الصفحة الثالثة: حوت دائماً كلمة لرئيس التحرير الى جانب محتويات العدد. ويلاحظ التنويع الكلي في كلام رئيس التحرير حيث يتناول في كل عدد موضوعاً يتناسب مع صدور العدد نفسه، الا انه يؤخذ عليه استخدام النغمة الخطابية الارشادية، مما يشعر الطفل بحالة من الاستعلاء، كما ان بعض المفردات المستخدمة هي اعلى من مستوى الطفل الذي توجه اليه المجلة.
4 ـ مغامرات العربي الصغير: تحكي هذه المغامرات، وهي عبارة عن سيناريو مصور من أربع صفحات في كل عدد، مغامرات فتى في سن الأطفال الذين يفترض ان توجه اليهم المجلة، لكن يؤخذ على هذه المغامرات المصورة مجموعة من المآخذ في الشكل وفي المضمون، فمن حيث الشكل فإنها تتضمن مجموعة ضخمة من الحركات العنيفة المبالغ فيها بشكل كبير، وهذه الحركية التي يعتقد بأنها تجذب الاطفال، عرضتها على مجموعة من الأطفال في المرحلة الابتدائية، فكانت ردة فعلهم الأولى استغراباً واضحاً يمكن ملاحظته من خلال تغير ملامحهم، إذ ان هذه الصفحات عرضت عليهم بعد ان عرضنا عليهم صوراً ورسومات هادئة خالية من العنف، كما ان هذا العربي الصغير، لا يمثل بشكله الخارجي الطفل العربي، من حيث شعره الطويل جداً، وكمية العنف والغضب والوحشية التي يعيشها. ولو افترضنا ان هنالك مجلات غربية تحتوي هذا الكم الهائل من المشاهد العنيفة، وكذلك في وسائل الإعلام الأخرى، فإنها وان كانت تشهد اقبالاً كبيراً من الاطفال فإن ذلك ليس دليلاً على ان ما يرغب به الأطفال يصلح لهم، كما ان ليس كل ما في مجلات الاطفال الغربية يناسب الاطفال العرب.
ويذكر هنا ان كثيراً من التربويين شرقاً وغرباً يوجهون سهام نقد عنيفة للمسلسلات >الهزلية< comics، وان كنا نختلف معهم في حال عدم الاعتداء على مجالات التخييل عند الطفل وكذلك مع وجود النصوص البناءة والرسوم الخلاقة التي تحرك مشاعر الفنان في نفس القارئ الصغير، فإننا نتفق معهم تماماً في حالة >مغامرات العربي الصغير<.
أما من حيث المضمون فإن فكرة >العربي الصغير< ومغامراته سطحية لا تحقق هدفاً معيناً، فيما يجدر الاهتمام بهذه الشخصية التي تعتبر الشخصية الوحيدة الثابتة للمجلة، حيث أخذ اسم المجلة، وهو بالتالي يمثل نموذجاً للاطفال العرب، لكنه نموذج مليء بالعنف والاثارة غير المنطقية والمقبولة. كما ان النصوص تحوي احياناً كلمات عنف وشتم وتهديد مثل (العدد 501): >يا ويلي ــ ايها الشقي ــ جيش من الجلادين ــ أنت ميت لا محالة ــ اعطنا والا قتلنا كما معاً ــ ضرب اثنين من الجلادين<. ولا يخفي ان هذه الكلمات وامثالها تكررت في معظم المسلسل الشهري وهذا بالتالي يغرس مفاهيم خاطئة وعبارات لا تناسب عمر الصغير، ويجب ألا يقرؤها في مجلة مثل >العربي الصغير<.
5 ــ من العرب الصغار الى العربي الصغير: اربع صفحات مميزة في كل عدد تمثل رؤية الاطفال في المجلة، حيث يعرضون افكارهم وقراءاتهم، مما يشجعهم على البحث والتنقيب، ويلاحظ استخدام كلمات اكبر من عمر الاطفال واسلوب لا يوحي بأن الاطفال هم الذين يكتبون.
6 ــ طرائف وابتسامات: صفحتان في كل عدد: تحوي عدداً كبيراً من الطرائف مع صور ورسومات، وكاريكاتور مناسب جداً لعمل الاطفال. مع الاعتقاد انه لا ضرورة لكل هذه المساحة المخصصة للطرائف، كما ان بعض الطرائف تشيع سلوكيات خاطئة وتعلم الطفل بطريقة غير مباشرة احياناً سوء الادب مع الكبار، كما حصل في العدد (101) (الكاريكاتير) (هل تستطيع ان تقبل رجلي دون ان تنحني).
===>>>

اسير الصحراء
04-06-2006, 11:47 PM
7ــ بيتنا الأرض: موضوعات متفرقة مفيدة عن البيئة والمخلوقات الحية، وفيها تنوع وشمولية ومعلومات عامة، لكن الاسلوب يحتاج الى تبسيط ليلائم حصيلة الاطفال من اللغة.
8ــ الكمبيوتر لغة المستقبل: ثلاث صفحات ترشد الطفل بأسلوب مبسط الى طريقة استخدام الكمبيوتر مع اشارات لبعض الاختراعات الخاصة به.
9 ــ المفكر الصغير: خمس صفحات موجهة للطفل الصغير، وفيها مجموعة كبيرة من الالعاب الخاصة والمحببة للصغار، تعتمد على الكلمة والصورة مثل المتاهة ولون والغاز، ورسوم، وتجارب علمية متنوعة.
01 ــ ساعي البريد الصغير: صفحتان تحوي رسائل الاصدقاء وردوداً عليها، مع زاوية تحوي عدداً كبيراً من الاسماء لاصدقاء ارسلوا الى المجلة رسائل ومشاركات، ولاشك في اهمية صفحتي >البريد< لأنها تواصل حقيقي ما بين المجلة وقرائها.
11 ــ مسابقة المفكر الصغير: صفحة واحدة، تحوي عشرة اسئلة تكون عادة في كل عدد متجانسة فيما بينها، والجوائز مناسبة الفائز الأول 03 ديناراً والثاني والثالث 02 ديناراً لكل واحد، مع 71 جائزة تشجيعية يذكر ان الصفحات (9 ــ 01 ــ 11) تدخل ضمن باب واحد خاص بالمفكر الصغير (8 صفحات).
21 ــ من كل بلد صديق: صفحة واحدة في كل عدد تحوي عدداً كبيراً من صور الأصدقاء من العالم. ويمتدح كثير من الباحثين عملية نشر صور الاطفال لأنها تربطهم في المجلة، ولو كانوا صغاراً، واقل من سن القراءة، لأن رؤيتهم لصورهم المنشورة يجعلهم يحتفظون بها ويتابعونها، ويعرفهم على مجموعة من الاصدقاء من مختلف انحاء العالم.
31 ــ العالم يتقدم: صفحتان، تحوي منوعات علمية واكتشافات حديثة، تحتاج الى تنويع اكثر، وسابق مع احدث ما توصل اليه العلم، ليس ذلك فقط بل تحتاج الى مايهم الطفولة بشكل عام.
41 ــ الإسلام حضارة: صفحتان، تحوي قصصاً إسلامية، وغزوات ومعلومات دينية، وتاريخاً إسلامياً، ومشاهد في الآثار الإسلامية.
51 ــ قدوتي العلمية: في كل عدد تختار المجلة شخصية علمية مرموقة وتنشر على اربع صفحات معلومات كثيرة ومبسطة عن هذه الشخصية، لكن يؤخذ على المجلة انها تنشر معلومات عن شخصيات غربية فقط، مع ان تراثنا العربي مليء بالعلماء والمخترعين العرب، مع أننا لا نقلل ابداً من اهمية الاطلاع على العلماء الغربيين، ولكن التنويع يجعل الصورة ــ القدوة، في ذهن الطفل أكبر، فلا ينشأ ناسباً كل شيء إلى الغرب، اذ علينا ان نغرس في نفسه الحب لعلماء العرب القدماء، ليفخر بهم ويعتز بانتمائه.
61 ــ ارسم ولون واعرف: صفحتان. الصفحة الأولى تحوي معلومات عن رسام وغالباً عربي معاصر، مع رسمة له، وفي الصفحة المقابلة، الرسمة نفسها وقواعد رسمها بدون ألوان، ليلونه الطفل ويطبقها مع الرسمة الأولى، وليضيف من عنده، وهي فكرة ممتازة وموفقة.
71 ــ واحة الفن الجميل: صفحتان، هذا الباب مشابه تقريباً للباب السابق (61) لكنه غالباً عن فنان اجنبي حيث تقدم الصفحتان معلومات غزيرة عن حياة الفنان وانجازاته الفنية وهي متنوعة، وتركز على الفنون المتنوعة، كالعزف والموسيقى والنحت.
81 ــ رياضة وابطال: صفحتان عن الرياضة العالمية، غير ان المجلة تركز على الرياضة الاجنبية والتعريف بالنوادي الغربية، فيما يحتاج الطفل العربي الى تعريفه بالنوادي العربية والرياضيين العرب. وهنا نشير الى صورة نشرتها المجلة (العدد 501) صفحة (07) وفيها: >كابتن فريق هارلم يقدم للبابا يوحنا كرة خاصة< ولست ادري علة نشر هذه الصورة واهميتها، وما هو المقصود منها، وما هي الافكار المراد غرسها في ذهن الطفل الصغير.
91 ــ موسوعة العربي الصغير: صفحتان تتشابهان احياناً مع بعض الأبواب الأخرى، الا أن فكرتها ممتازة، من حيث تقديم معلومات سريعة وخفيفة للطفل في جميع المجالات، مع الإشارة هنا إلى قلة المعلومات العربية في الموسوعة، واشتمالها على معلومات متفرقة. وتحوي الصفحتان زاوية صغيرة تقدم مسابقة بسيطة عبارة عن سؤال واحد وجائزتها 03 ديناراً تقدم لطفل واحد، وهي فكرة ممتازة ومشجعة للبحث مثل المسابقة السابقة (11).
02 ــ حكاية للصغار جداً: صفحة واحدة لم تتكرر في جميع الاعداد رغم اهميتها وفكرتها الممتازة، مما يحتاج إلى تثبيتها بشكل دائم، وهي عبارة عن سيناريو يستخدم الكلمة والرسمة معاً.
12 ــ الصفحة ما قبل الغلاف الأخير: من كل عدد تحوي تحقيقاً عن انشطة خاصة باطفال الكويت.
22 ــ الصفحة الأخيرة: (عنبر وعنتر) سيناريو جميل، وافكار متجددة بكل عدد ورسومات حيوية رغم كثرتها لاتبدو مزعجة.
4 ــ القصص السردية:
تنقسم القصص السردية في المجلة ــ عينة البحث ــ الى قصص عربية وقصص مترجمة.
ويلاحظ ان القصص السردية قليلة جداً نسبة الى مساحة المجلة، كما يلاحظ ضعف المجال التخيلي في معظمها، وقلة الافكار الابداعية، وبالرغم من حرفية الرسوم المصاحبة.
ويبدو لنا ان هناك مشكلة عامة هي ضعف الخيال التصويري بشكل عام في القصص السردية المعروضة، مع ان العالم العربي مليء بالكتّاب المميزين والمحترفين، كما ان معظم القصص العربية تمتد مساحتها لتغطي اربع صفحات كاملة، وبخط صغير، وهذا بالتأكيد شيء مرهق بالنسبة للاطفال، فضلاً عن بعض الاحداث المبالغ فيها، وكذلك اسلوب الخطاب الوعظي والمنبري المسيطر على اغلب القصص المنشورة.
أما بالنسبة للقصص المترجمة، يبدو لنا ان >العربي الصغير< بالغت في الاعداد ــ عينة البحث ــ بنشر القصص المترجمة، التي قد تصل الى أكثر من 01 صفحات في بعض الاعداد، فيما نجد ان معظم هذه القصص لا تحمل هماً عربياً، ولا فكراً تربوياً، ولا تهدف إلى غرس مبادئ واضحة، واشير هنا الى قصة بعنوان >الراعي العاشق< فكلمة عاشق ما جدواها هنا، كما ان القصة تخلو من معنى محدد، وتثير افكاراً خاطئة، وفيها الفاظ غير مناسبة مثل: يناجي حبيبته ــ رق اله القمر لحاله ــ أجمل انغام الحب.
كما اشير الى ترجمة قصة >هاري بوتر< لمدة عددين (001 ــ 101) وما تحويه من عبارات عنف ورعب.
كما اشير الى حكايات شعبية غربية مثل: حكاية من اليابان: الساموراي اشكين، وهي حكاية خيالية غير منطقية ولا تضيف إلى حصيلة الطفل شيئاً معروفاً عندي.
5 ــ القصص المصورة:
تحدثنا سابقاً عن >مغامرات العربي الصغير< التي تستحق بالفعل اعادة نظر، أما غالبية السيناريوهات المقدمة تعتبر في مرتبة عالية جداً من حيث الشكل والمضمون، ويعيبها شيء واحد هو تصوير الكلام بعد كتابته باليد، فيما نلاحظ ان سيناريو عنبر وعنتر مطبوع على الكمبيوتر، كما أن بعض السيناريوهات تكون طويلة جداً، مثل العدد (001).
ويوجد خطاً تكرر في كثير من الاعداد حيث نرى داخل الدوائر كلاماً مكتوباً باليد ويتخلله كلمة او كلمتان مطبوعتان بالكمبيوتر، ربما بسبب خطأ الرسام أو بسبب نفور من اللفظة نفسها، وكان من الأفضل لو يعاد طباعة الكلام كله فذلك اوضح للقراءة ويمكن استخدام الألوان، وتكبير الحرف وتصغيره حسب الحاجة (انظر ص 66 ــ 76 من العدد 501). وهي تتكرر في معظم الاعداد (العدد 801 ــ ص 81 ــ 12 ــ 44 ــ 74).
وهنالك ملاحظة تلفت النظر في العدد (801) عن قصة >فكار أبو الافكار< حيث تصور شخصاً بملابس تاريخية، ويقول >اين الفرنك والدولارات< فهذا لا يتفق ابداً مع الشخصية وفيه استهزاء بعقلية الطفل الصغير، أم ان العملة الصعبة المعاصرة باتت مهيمنة على ذهن كاتب السيناريو؟!
كما انه في العدد 801 تجود قصة مصورة عن >جابر بن حيان< منشورة بالأبيض والأسود، ومزدحمة جداً.
ويلاحظ في العدد (211) وجود سيناريو من أربع صفحات ملونة بواسطة الكمبيوتر والاحرف مطبوعة على الكمبيوتر، ويتبين هنا الفرق بوضوح بين الكلام المخطوط والمصور والكلام المطبوع، وبين الألوان العادية والألوان بواسطة الكمبيوتر.
6 ــ التحقيقات المصورة:
لا يكاد يخلو عدد ــ عينة البحث ــ من تحقيق مصور أو تحقيقين، على اربع صفحات، وهي تحقيقات متنوعة ومن مختلف انحاء العالم العربي، كما تتناول العالم الغربي ايضاً، وفيها تحقيقات عن صناعات وامور تهم الأطفال وتنور عقولهم وتعرفهم بأشياء ربما تغيب عنهم.
ولا تخفى اهمية التحقيقات في العمل الصحفي الموجه للأطفال، لما تحويه من معلومات متنوعة.
ومن امثلة التحقيقات المهمة: المركز العلمي في الكويت (001) القدس مدينة الاحزان (901) ــ اعجوبة العين الثانية (901) رحلة الى اليابان (601) ــ مدينة رشيد المصرية ــ 211 وغير ذلك كثير من التحقيقات المنوعة والمفيدة.
7 ــ الإعلانات:
يلاحظ أن اعداد المجلة ــ عينة البحث ــ تخلو تماماً من الإعلانات، ورغم ان ذلك يعطي مساحة أكبر للقارئ الصغير، الا ان هنالك اعلانات كثيرة مهمة ومفيدة بالنسبة إليه، مثل اجهزة الكمبيوتر، والالعاب، والافلام، والاشرطة، والكتب، والمجلات، وغير ذلك من اعلانات تهم شريحة الصغار، كما ان الإعلان يدعم المجلة ويساعدها على تطوير نفسها وتعزيز امكاناتها.
وإذا كانت ادارة المجلة تحجم عن نشر الإعلانات فإننا ندعوها الى دراسة المسألة بشكل اكبر، وتسهيل عملية نشر الإعلانات وتشجيعها.
====>>

اسير الصحراء
04-06-2006, 11:48 PM
8 ــ ملاحظات عامة:
1 ــ أحسنت المجلة في أبواب ثابتة كثيرة، وخصوصاً باب الكمبيوتر والإنترنت، والبيئة، والاسلام حضارة.
2 ــ اعتمدت المجلة من كلام (الكلمة والرسمة والصورة) على نبض حي حول الصفحات الى ما يشبه البرامج المباشرة الحقيقية، واستخدمت الاساليب الراقية. بما يتناسب مع قدرات الاطفال، وينمي قدراتهم على التذوق الفني، ويساعد خيالهم على تكوين صور ذهنية ايجابية.
3 ــ اعتمدت المجلة على الصور باختلاف انواعها: فوتوغرافية ــ رسم ــ توضيحية ــ تعبيرية ــ ساخرة.
4 ــ لعبت الألوان دوراً مهماً، وكانت شائقة في توزيعها.
5 ــ ركزت المجلة بشكل واضح على القصص المسلسلة المصورة (comics strips)، ونحن مع زيادة هذه النوعية من القصص بما يخدم اهداف المجلة.
6 ــ المجلة تمد الطفل بمختلف أنواع المعلومات في شتى المجالات: الفنون ــ العلوم ــ التاريخ ــ الجغرافيا ــ الادب ــ الرياضة ــ الدين.
7 ــ تمد الطفل بأنماط سليمة من السلوك الاجتماعي.
8 ــ لا نجد مساحات واسعة لتشجيع مواهب الاطفال وطاقاتهم الابداعية، للتفرد والاصالة والاسهام في اطلاق قدراتهم.
9 ــ في بعض الموضوعات اسلوب مباشر في الوعظ والارشاد (العدد 001 ص8).
01 ــ يوجد تطويل في بعض السيناريوهات (7 صفحات ــ العدد 001).
11 ــ السيناريوهات تعتمد الخط المصور والطباعة افضل للقارئ.
21 ــ الطرائف تأخذ صفحتين في كل عدد. والأفضل الغاء هذا الباب.
31 ــ تحوي الاعداد عينة البحث تحقيقات تلقي الضوء على جوانب خفية تهم الطفل وتشجعه على البحث والقراءة والاطلاع.
41 ــ في بعض الاعداد تطول القصص الى اربع صفحات او اكثر وقد تكون القصص مترجمة. وصورها ضعيفة، والأفضل عدم التطويل.
51 ــ بعض القصص المصورة رسوماتها ضعيفة جداً مثل (العدد 801 ــ ص 5).
61 ــ واحة الفن الجميل تختار فنانين اجانب والافضل ان يكونوا عرباً او على الأقل يجب التنويع، وهذا الامر يتكرر في >قدوتي العلمية< والرياضية، الموسوعة العربية.
71 ــ بعض القصص ليس لها اي معنى مثل قصة الراعي العاشق، كما أنها تروج لافكار خاطئة.
81 ــ فكرة نادي كتاب العربي الصغير ناجحة جداً ومبتكرة، يجدر الاستمرار بها.
91 ــ الحكايات المخصصة للصغار جداً مناسبة، لكنها لا تنشر في كل عدد.
02 ــ بوستر العربي الصغير (العدد 211) لم يتكرر.
12 ــ في العدد (401) رواية يقرؤها العالم طويلة جداً (6 صفحات) كما ان صورها ضعيفة للغاية.
22 ــ من كل بلد صديق فكرة ناجحة.
===>>

اسير الصحراء
04-06-2006, 11:48 PM
32 ــ ملاحظات خاصة بالعدد 551:
أ ــ الغلاف يقدم ايحاءات مليئة بالعنف، ملامح الطفل قاسية وباطن القدم ظاهرة في وجه القارئ، واشرنا الى ذلك سابقاً.
ب ــ قصة هاري بوتر، رغم انتشارها الكبير في العالم الغربي لا يعني انها مناسبة للاطفال العرب، ونشرت على حلقتين وهي قصة خيالية مرعبة لا تحمل اهدافاً تربوية وليس فيها تخييلات مفيدة وفيها احداث قتل وسحر وشر، وقد وردت كلمة شرير في القصة (8) مرات على الأقل، كما ان دولة الامارات منعت هذه القصة أخيراً.
ج ــ في باب من العرب الصغار وردت كلمات صعبة مثل: >اتيانه ــ شد الرحال ــ قدر محتوم ــ استخبأتك ــ منافذ< وهي اعلى من مستوى الاطفال.
د ــ مغامرات العربي الصغير حملت ايحاءات وتعبيرات غريبة مثل: ايذاء الآخرين يسعدني ــ ساغدر به ــ انك سيئ.
هـ ــ الكمبيوتر لغة المستقبل: فيه ترويج للبوكيمون رغم ما وجه اليه من نقد.
و ــ صديقي الأسد: قصة سردية لا تحمل أي حبكة درامية وفيها استخفاف بعقل الطفل كما ان الرسوم فيها جهامة.
ز ــ قصة من التراث الشعبي: مناسبة لكنها طويلة (4 صفحات) وورد فيها كلمات من الأفضل تجنبها مثل: خبيثة ـ لعينة.
ح ــ قصة من الهند عن نكران الجميل توحي بأن الحيوانات الشريرة اطيب من الإنسان واقل شراً منه.
ط ــ خلف الشاشة: قصة رمزية غير واضحة الهدف.
42 ــ في العدد (151) في مغامرات العربي الصغير كلمات مليئة بالعنف، (حطموا الأرض ــ دمروا البيئة ــ تباً ــ قطعوه ارباً ارباً ــ اقطعوا لسانه الطويل ــ ساحطمكم). ولست ارى ضرورة لمثل هذه الكلمات في مجلة اطفال، كما انها تنشر القيم الخاطئة.
52 ــ هنالك استهزاء مبطن لبعض الطرائف مثل: (العدد 151) >مجموعة نمل تلعب كرة قدم ومعها صرصور. لماذا؟
ــ لاعب أجنبي.
وفي العدد نفسه طرافة غير مناسبة للاطفال وتحوي ايحاءات خطيرة تحتاج الى تعليق طويل:
>كان الرجل جالساً وهو يدخن، فدخلت سيدة وجلست بالقرب منه وقالت: لو كنت مهذباً لما دخنت هنا:
فقال: لو كنت مهذبة لجلست بعيداً عني.
فصاحت: لو كنت زوجي لقدمت لك سماً.
فأجاب: لو كنت زوجتي لأخذت السم فوراً
وهذه ملاحظة متكررة مثل (601).
62 ــ في العدد (151) في باب الرياضة وتحت عنوان اسطورة ملاكمة كلاي، تشجيع للفتيات على ممارسة الملاكمة، وفيها ما يشير الى ذلك: >دخلت جاكي الملاكمة لترد اعتبار والدها<.
72 ــ في العدد (951) سيناريو شجاعة ناقة، قصة يبدو انها تاريخية، وصاحبها يحمل عود ثقاب؟!
82 ــ لا بد من الاشادة بملحق المجلة المميز رغم انه لم يدخل في عينة البحث.
92 ــ من الملاحظ ان المجلة ــ عينة البحث ــ لم تهتم الا نادراً بقضية الانتفاضة الفلسطينية. ومقتل المئات من الاطفال العرب الصغار على ايدي الاحتلال الإسرائيلي، وقد ورد تحقيق واحد عن مدينة القدس في العدد (901).
03 ــ لوحظ غياب النصوص الشعرية والاناشيد التي يحبها الاطفال.
9 ــ اقتراحات وتوصيات عامة:
1 ــ اصدار >العربي الصغير< بشكل اسبوعي.
2 ــ تبسيط اللغة.
3 ــ الاعتماد على الرسوم والصور الحية بشكل أكبر.
4 ــ مواكبة الاخبار العالمية التي تهم الاطفال.
5 ــ التركيز بشكل اكبر على القضايا التي تهم الأمة.
6 ــ الابتعاد تماماً عن الخيال غير المعقول والاقتصار على الخيال المتصور.
7 ــ الابتعاد عن مشاهد العنف ونصوص السحر.
8 ــ الاكثار من السيناريو المصور وألا يزيد في القصة الواحدة عن اربع صفحات على الأكثر.
9 ــ زيادة القصص السردية على صفحة واحدة او صفحتين على الأكثر.
01 ــ الابتعاد عن القصص المترجمة التي لا تناسب البيئة العربية.
11 ــ نشر نصوص شعرية مناسبة.
21 ــ عدم التركيز على الشخصيات الغربية وزيادة الشخصيات العربية.
31 ــ نشر اخبار الاطفال العرب المتميزين والاهتمام بالطاقات المبدعة.
41 ــ فتح مجال الكتابة للاطفال في كل ابواب المجلة.
51 ــ الرسام الخاص بالمجلة لا نجد له اثراً واضحاً على عكس المجلات الاخرى.
61 ــ الاهتمام بشكل سيناريو >العربي الصغير< ونصوصه وابعاده عن العنف والمعارك والكلام الصارخ.
71 ــ الغاء باب الطرائف وضمه الى باب من العرب الصغار.
81 ــ تغيير باب الرياضة من مجرد اخبار عالمية قديمة إلى اخبار حديثة وتعريف الاطفال بانواع الرياضة المتنوعة.
91 ــ تعزيز دور الاعلانات التي تناسب المجلة ويحتاج إليها الطفل.
02 ــ الاعتماد على الكمبيوتر بشكل أكبر في الرسوم والاخراج.
12 ــ تكبير حجم الحرف المستخدم وتقليل عدد الاسطر في كل صفحة.
22 ــ ايجاد مساحات بيضاء وملونة مريحة.
32 ــ زيادة عدد الصفحات في باب الإسلام حضارة الى اربع صفحات.
01 ــ أخيراً:
لابد من التأكيد على الدور الكبير الذي تؤديه مجلة >العربي الصغير<، كأكبر وأهم مجلة عربية من حيث الثبات والانتشار والتوزيع، وما الملاحظات السابقة الا محاولة بسيطة لتسديد بعض الملامح التي وجدنا أنه من المناسب مراجعتها، وإن خالف رأينا عدداً من الآراء.
وكنا نتمنى لو كان هنالك متسع أكبر من الوقت لاجراء دراسة مسحية شاملة لاعداد مجلة >العربي الصغير< وليس لبعض الاعداد الأخيرة السابقة، لأن هذه المجلة هي طليعة مجلات الاطفال العربية ونأمل لها خلواً من كل ما نراه خطأ، فإن كان ما اشرنا اليه في الصفحات السابقة قابلاً للنقد، وهذا ما نرجوه ونأمل، فإننا على استعداد لقراءة جديدة وثابتة، وكذلك لدينا الجرأة الكاملة على الاعتذار والعودة عن الخطأ، ونأمل في المقابل ان تعيد ادارة المجلة قراءة الملاحظات، ودراستها وقراءة ابعادها، فإن وجدت في راينا ما هو صواب، فالاصلاح ممكن ويسير، أما ان لم تجد، فإننا حاولنا جهدنا ــ بحسب ما اتيح لنا من وقت ــ لابراز ما رأيناه من ثغور وفجوات، والجواب لا بد ان يكون مقنعاً، لأننا جميعاً نهدف الى خدمة الطفولة العربية.
وفي الحقيقة اقول، لا بد من الاعتراف، أنه اعتراني خطب شديد في مراجعتي لاخطاء ما وددت اكتشافها ــ من وجهة نظري ــ لما تمثله >العربي الصغير< من مارد كبير في عالم صحافة الاطفال.
ولابد من القول ان صحافة الاطفال لا تنال حظها الحقيقي من اهتمام القيادات المسؤولية، فبينما نجد المجلات الخاصة بالكبار يعمل بها العشرات، وربما المئات، نجد ان مجلات الاطفال تأتي في المرتبة الثانية وربما الأخيرة من الاهتمام.
واعتقد ان مجلة بحجم >العربي الصغير< تحتاج الى أكثر من رسام، واكثر من محرر، وارشيف خاص بصحافة الاطفال. على ان يكون الرسامون والمحررون متفرغين للمجلة، بشرط التخصص والاحتراف.
ولا ادري ان كان المسؤولون على ادارة المجلة يتفقون معي على ما قلته في الصفحات السابقة، وان كنت اتمنى ان يكون الاتفاق على الحد الادنى على الاقل للنهوض بالمجلة بشكل أكبر واكثر فاعلية.
وهنا نشيد بانتشار المجلة الواسع، وانخفاض سعرها الذي يناسب شريحة الاطفال على امتداد العالم العربي، بشكل يلائم الفقراء والاغنياء على حد سواء، وسعر المجلة بالتأكيد لا يعطي تكاليف طباعة العدد الواحد، فضلاً عن تكاليف الشحن والكتاب والرسامين.
ولابد ان نهنئ ادارة المجلة وجميع العاملين فيها على جهدهم الكبير، ونؤكد ان كل ما قلناه لا يقلل ابداً من مستوى المجلة ولا من مكانتهم.
كما نعبر عن فخرنا بهذا المؤتمر الكبير، الذي شهدت مصر قبل نحو عقد من الآن مثيلاً له، لكن الاطروحات والابحاث بقيت في معظمها حبراً على ورق.
واغتنم هذه المناسبة لادعو الى تشكيل رابطة عربية او اتحاد يضم الصحافة الخاصة بالاطفال ينتسب اليها فقط من يملك الامكانيات الحقيقية التي تتطلبها هذه المهنة الصعبة التي ترقى لتكون رسالة اخلاقية ومستقبلية خطيرة.
ونسأل الله تعالى أن نصل جميعاً الى عقول الأطفال وطموحاتهم.

الباحث في سطور
ــ الاسم: طارق أحمد البكري
ــ مولود في بيروت عام 6691
ــ الجنسية: لبناني
ــ دكتوراه بعنوان: مجلات الاطفال الكويتية عام 99 بتقدير جيد جداً
ــ ماجستير: الصحافة الإسلامية في الكويت 79 بتقدير جيد
ــ ليسانس: لغة عربية بتقدير جيد جداً مع مرتبة الشرف.
ــ يحضر حالياً دراسات عليا في كلية الآداب قسم اللغة العربية بجامعة الكويت.
ــ عمل في عدد كبير من الصحف والمجلات والاذاعات العربية منها: اذاعة صوت الوطن اللبنانية، اللواء اللبنانية، الرسالة اللبنانية، جريدة الانباء الكويتية، مجلة سعد للأطفال، مجلة اسرتي، وتولى مسؤولية مجلة براعم الايمان الكويتية لمدة سنة ونصف السنة، وعمل ايضاً في مجلة الفرحة وقسم تحرير الاخبار في اذاعة الكويت، وكان مسؤولاً لمدة ثماني سنوات متتالية عن صفحة الطفل اليومية في جريدة الأنباء الكويتية.
ــ للباحث اصدارات عديدة منها أكثر من مئة قصة للأطفال نشرت في عدد من الصحف والمجلات، وأكثر من 02 قصة مطبوعة في كتيبات طبعت في سوريا في دار حافظ ودار عيساوي، ويستعد الآن لاصدار 71 قصة عن دار مكتبي السورية، فيما صدر له كتاب في مصر بعنوان مجلات الأطفال العربية، ولديه الآن كتاب تحت الطبع بعنوان: قراءات تربوية في الإعلام الإسلامي.
ــ يعمل حالياً في مجلة اسرتي ومؤسسة ثقافة الطفل.

اسير الصحراء
04-06-2006, 11:50 PM
أفلاطون


أفلاطون
(427 ق.م - 347 ق.م)

فيلسوف يوناني قديم,واحد من اعظم الفلاسفة الغربيين,حتى ان الفلسفة الغربية اعتبرت انها ماهي الا حواشي لأفلاطون.عرف من خلال مخطوطاته التي جمعت بين الفلسفة والشعر والفن.
.. ولد أفلاطون في أثينا لعائلة ارستوقراطية, اسمه الحقيقي هو "ارسطو كليس", سمي أفلاطون لعرض كتفيه, حيث كلمة أفلاطون تعني "عريض الكتفين كان أفلاطون جندياً ومصارعاً بارزاً ,ونال جائزة الألعاب مرتين. أصبح تلميذاً لسقراط وتعلق به كثيراً ,وكان لأعدام استاذه سقراط بالسم وقع كبير على افلاطون, حيث ظهر ذلك جلياً في كتاباته الأولى. بعد اعدام سقراط غادر أفلاطون أثينا, حيث كان ساخطاً على الحكومة الديموقرطية هناك, وهو في الثامنة والعشرين من عمره, وجال عدة بلدان وتأثر بفلسفاتهم,ثم عاد الى أثينا وهو في الأربعينات من عمره.
كانت كتاباته على شكل رسائل وإبيغرامات(ابيغرام:قصيدة قصيرة محكمة منتهية بفكرة بارعة او ساخرة)لحكام الفلاسفة في الدولة المثالية
. إختلفت كتابات أفلاطون مع تقدمه في العمر, حيث يظهر في كتاباته المبكره تأثره بسقراط, أما في كتاباته المتأخره أخذ يأخذ منحى آخر يختلف عن أستاذه
حواراته:
كان افلاطون يستخدم طريقة المحاوره ويسأل الناس عن أشياء يدعون بأنهم يعرفونها وهو يدعي بأنه لا يعلم شيئا و عندما يحاورهم في أي قضية يبين لهم انهم لا يعرفون ما يدعون معرفته وكانت هذه المحاورات والمحادثات التي يجريها بطلها هو الرئيس سقراط الذي كان يمثل افلاطون نفسه كما لا يعطي سقراط أي اجابات عن تساؤلاته, لكنه يكتفي بتوضيح أن أجابات شخصيات الحوار غير كافية. إستطاع أفلاطون من خلال حواراته أن يعرض مضمون أفكاره وأن يتخفى خلف شخصياته
نظرية المُثُـل:
يعتقد أفلاطون اننا نسمي عدة اشياء بمسمى واحد لأنها تتضمن شيئاً مشتركاً, وهذا الشئ المشترك يمثل كمال هذه الصفة, وأطلق على هذا الشئ اسم "المثال".كما اعتقد انه لايمكن معرفة المُثُل بالحواس بل يمكن معرفتها فقط بالذهن, فهذه المُثُل غير موجودة في الواقع, ولأشياء الموجودة لاتعكس سوى قدر ضئيل من المواصفات الحقيقية للمثال, تماماً مثلما نرى فوهة الكهف التي لا تمثل الا جزءاً ضئيلاً من الكهف نفسة. ونظراً لثبات وكمال هذه المثل فإن المعرفة الحقيقية هي معرفة المُثُـل.
يعتقد أفلاطون اننا نسمي عدة اشياء بمسمى واحد لأنها تتضمن شيئاً مشتركاً, وهذا الشئ المشترك يمثل كمال هذه الصفة, وأطلق على هذا الشئ اسم "المثال".كما اعتقد انه لايمكن معرفة المُثُل بالحواس بل يمكن معرفتها فقط بالذهن, فهذه المُثُل غير موجودة في الواقع, ولأشياء الموجودة لاتعكس سوى قدر ضئيل من المواصفات الحقيقية للمثال, تماماً مثلما نرى فوهة الكهف التي لا تمثل الا جزءاً ضئيلاً من الكهف نفسة. ونظراً لثبات وكمال هذه المثل فإن المعرفة الحقيقية هي معرفة المُثُـل.
أفكاره عن المرأة:
تبدو أفكار أفلاطون عن المرأة، في البداية، لغزا لا يقبل الحل، وقد يتساءل المرء: كيف يمكن لفيلسوف متسق التفكير بصفة عامة، أن يؤكد من ناحية أن جنس الأنثى خُلق من أنفس الرجال الشريرة، من أنفس غير العقلاء، ثم يقترح من ناحية أخرى تربية متساوية، ودوراً اجتماعياً واحداً للجنسين؟ كيف يمكن للفكرة التي تقول إن المرأة بطبيعتها شريرة وأكثر شراً من الرجل، أن تتفق مع الفكرة الثورية التي تقول إن المرأة يمكن أن ترتفع إلى مستوى]

اسير الصحراء
04-06-2006, 11:52 PM
الكتابة المسمارية ( حضارة بلاد الرافدين )

من المعلوم ان للغة دور كبير في إنماء الشعور القومي وتعميقه، فاللغة هي الوعاء الذي يحتضن فكر الأمة وينميها وبها يستطيع أبناء الأمة الواحدة التعبير عن آلامهم وآمالهم المشتركة عبر التاريخ الماضي والحاضر والمستقبل، وعن طريقها يستطيعون التفاهم فيما بينهم،وهي الحافظة لتراث الأمة عبر الأجيال،وبواسطتها تستطيع الأجيال المتتالية من قراءة أفكار وتراث آبائها وأجدادها، ومن هذه البديهيات نرى إننا نستطيع ان نعتبر اللغة ركناً من أركان القومية،وقد تكاثرت في الآونة الأخيرة التفسيرات واختلفت الآراء حول ماهية اللغة ركناً أساسيا من أركان القومية، وقد تكاثرت في الآونة الأخيرة التفسيرات واختلفت الآراء حول ماهية اللغة التي يتكلم بها الشعب الذي ينتمي الى حضارة بيث نهرين (الأشورية البابلية) فبعضهم بدأ يلجا الى كتابة اللهجات العامية واعتبارها اللغة الحقيقية وبعضهم الآخر ينفي هذا الأمر وينطلق من مفاهيم عاطفية أو دينية ليؤكد عدم صحة هذه الآراء، لذا سنقوم الآن بتقديم دراسة موجزة عن الكتابة المسماريه احدى اللغات القديمه من حضارة بلاد الرافدين وقد كانت هذه اللغة مكتوبة على الحجارة في الغالب وبأحرف تشبه المسمار في البدء ولذا عرفت بالمسمارية، إلا ان لهجة النطق كانت واحدة بين كافة القبائل الساكنة في بيث نهرين ،وان كان هناك اختلاف في بعض اللهجات سواء كانت القبائل آرامية أم آشورية أم بابلية،حيث نرى ان بعض المؤرخين الأجانب يدعون كل لهجة من هذه لغة مستقلة يضعون لها خصائص معينة، وقد استمرت الكتابة المسمارية فترات زمنية مختلفة وتطورت خلال هذه الفترات الزمنية هي أيضا "وان هذه الكتابة لم تكتب في عصر أو حقبة واحدة أو حقبتين، ولكن في أحقاب كثيرة متتابعة من القرن العشرين الى القرن الخامس قبل المسيح،وان الكتابة المسمارية لها ثلاثة أقلام:

1- قلم يسمونه الديني أو المقدس-2- والعتيق-3- المٌحدث. وان هذه اللغة التي زعم الإفرنج انهم فكوا ختمها وقروها وسموها آثورية ".
بحلول عام 2400 قبل الميلاد تم اعتماد الخط المسماري لكتابة اللغة الأكدية، كما استعمل نفس الخط في كتابة اللغة الآشورية واللغة البابلية، وهي كلها لغات سامية مثل اللغتين المعاصرتين العربية والعبرية.
وتواصل استعمال الخط المسماري للكتابة في لغات البلاد المجاورة لبلاد ما بين النهرين مثل لغة الحطيين واللغة الفارسية القديمة، واستعملت إلى نهاية القرن الأول الميلادي.
وتم فك رموز الخط المسماري في العصر الحديث أي القرن التاسع عشر وبذلك تسنى لعلماء العصر قراءة النصوص الإدارية والرياضية والتاريخية والفلكية والمدرسية والطلاسم والملاحم والرسائل والقواميس.
ان (الكتابة المسمارية) الصورية هي الخاصية الجامعة لتاريخ العراق القديم منذ الالف الرابع قبل الميلاد حتى السقوط الاخير لبابل في القرن السادس قبل الميلاد. بعدها بدأت تنتهي تلك المرحلة مع بدء انتشار لغة شبه جديدة هي اللغة الآرامية سليلة الاكدية السابقة مع تأثير كنعاني شامي واضح.

اسير الصحراء
04-06-2006, 11:54 PM
التنويم المغناطيسي ( علم نفس )

تعريفه: هو حالة من الهدوء تشبه النوم ، يصل إليه المريض بمساعدة الطبيب ، لكنها تختلف عن النوم في أن المريض يستمر في الإستماع إلى طبيبه والإستجابة لما يقوله . وتكون هذه الحالة مناسبة لمساعدة الشخص على قبول ما يطلبه منه الطبيب دون مقاومة.


أول من استخدم التنويم الإحيائي(المغناطيسي):-
أول من استخدم التنويم المغناطيسي هم المصريون القدماء ثم اليونانيون والبابليون، ثم انتشر في معظم بلاد العالم وانقرض في كثير من البلاد. وقيل أن مكتشف التنويم المغناطيسي هو الطبيب السويسري فرانز أنطوان وذلك في القرن الثامن عشر. والتنويم المغناطيسي ظاهرة قديمة قدم التاريخ ولكنها لم تدرس دراسة علمية إلا حوالي القرن الثامن عشر على يد عالم فرنسي اسمه مسمر ، الذي لم يستطع الحصول على تأييد المجتمع الفرنسي لدراسته هذه واعتبرت من نسج الخيال.
وفي أواخر القرن التاسع عشر ظهر عالم اسمه ريد هو الذي أعطى للتنويم المغناطيسي اسمه وبعده ظهر طبيب الأعصاب الفرنسي الكبير جاركوت الذي كان استاذ فرويد الطبيب النفسي الشهير ، واستعمل التنويم المغناطيسي في العلاج ولكنه ترك هذا الأسلوب بعد اكتشافه نظرية التحليل النفسي وانغماسه فيها إلى نهاية حياته. وحين ظهر العالم النفسي ميلتون ايركسن في سنة 1967 استخدم هذه الظاهرة بطريقة مدروسة لعلاج المرضى النفسيين وجعلها جزءا من العلاج النفسي.

حال الشخص أثناء عملية التنويم المغناطيسي:-
1- يقل شعور الشخص المنوم بأي شيء خارجي يسبب له الألم . 2- تزيد قدرته على تخيل الصور والمواقف . 3- يمكنه أن يسمع أو يتخيل أشياء لا وجود لها . 4- يستجيب لأي عبارة أو طلب من الطبيب المعالج.
فوائد التنويم المغناطيسي:-
1- أن طريقة العلاج تناسب بعض المرضى وتساعدهم في التخلص من المشكلات النفسية مثل القلق والكآبة والإضطراب.
2- يمكن للمعالج أن يشجع المريض على تذكر أشياء من مشاهد وأحداث قديمة من الذاكرة.
3- يمكن للمريض أن يتحدث عن نفسه بحرية تامة مما يمكن الطبيب من التعرف على المريض وحالته وعلاجه. 4- يمكن عن طريق التنويم علاج بعض الحالات النفسية ويمكن الإقلاع عن بعض العادات السيئة كالتدخين وكذلك لمن يرغبون في التخلص من الوزن الزائد.


صفات الطبيب والمريض:-
*أولا: يجب أن يكون الطبيب على دراية تامة وخبرة بالتنويم ، ذو شخصية قوية ومؤثرة ، يتحلى بطول البال والصبر والوقار . *ثانيا: يجب أن يكون المريض مقتنع بفاعلية التنويم وفائدته بالنسبة إليه لأنه لن يستطيع الطبيب السيطرة عليه والتأثير عليه إلا برغبته .


كيفية التنويم المغناطيسي:-
- يقوم المريض بالتمدد على ظهره مسترخيا تماما في غرفة هادئة منعزلة عن الضوضاء ذات إضاءة منخفضة ويقوم الطبيب بالسيطرة الكاملة على تركيز المريض فكريا وحسيا وهو ما يسمى بالسيطرة الروحية على العقل والجسد ، تبدأ عملية التنويم بأن يطلب من المريض التركيز على نقطة مضيئة في أعلى الغرفة وأن ينصت لصوت المنوم بتركيز كامل إلى أن تغمض عيناه وتسترخي عضلاته ، منفذا بذلك كل التعليمات والأوامر الموجهة إليه إلى أن يصبح صوت المنوم هو الصوت الوحيد الذي يستمع إليه المريض ، ثم يخفض الطبيب صوته تدريجيا إلى أن يصبح همسا ، إلى أن يصل لتعميق النوم والسيطرة الكاملة والمريض أثناء ذلك يستطيع أن يستوعب ويدرك كل ما حوله ولكنه لا يجيب إلا على الطبيب وما يأمر به يظل راسخا في باله فلا يستطيع أحد التأثير عليه أو تغييره إلا بعد تنويمه مرة أخرى.
تقسيم الشخصيات حسب قابليتهم للتنويم:-
1- المجموعة الأولى: تكون قابليتهم متدنية أو قليلة جدا للتنويم ويتصفون بخاصية مسيطرة في علاقاتهم الشخصية وعندهم شعور عميق بالمسؤولية وفي الغالب يكونون أشخاص غير عاطفيين وواقعيين ويتصفون بالإهتمام بالمستقبل.
2- المجموعة الثانية: تكون قابليتهم عالية للتنويم فإنهم يتصفون بالحساسية المرهفة ويكونون عاطفيين في معاملاتهم ويثقون في الآخرين ثقة كبيرة ويتركون أمورهم تقاد من قبل الآخرين فيتعلقون بالماضي وينسون المستقبل.
3- المجموعة الثالثة: يقعون في متوسط القابلية للتنويم وعادة تكون صفاتهم الشخصية في محل معتدل بين الشخصيتين السابقتين.

التنويم المغناطيسي الذاتي .. وسيلة تأمل واسترخاء:- - إن التنويم المغناطيسي الذاتي قد يعتبر كأفضل وسيلة للإسترخاء والسيطرة على الضغط النفسي والتوتر العصبي والإجهاد خصوصا أثناء ضغط العمل أو في الأيام العصيبة لدى المرأة أثناء الدورة الشهرية ، والتي تكبح بأغلبية الأشخاص لفترات متفاوتة المدى وتزعجهم وتنغص حياتهم وتصبغها بغشاء أسود وتقودهم إلى اليأس والإكتئاب وتؤثر على صحتهم العامة مسببة فرط الضغط الدموي وحالات طبية أخرى يمكن السيطرة عليها باستعمال تلك الوسيلة البسيطة التي يمكن القيام بها في البيت أو حتى في العمل لبضع دقائق بعد أن يتعلمها المرء ويتدرب عليها ويمارسها لبضعة أيام وتقوم هذه الوسيلة على خطوات بسيطة يمكن لأي شخص مدرك أن يتعلمها بسهولة.

خطوات التنويم الذاتي:-
1- اختر وضعا مريحا كالجلوس أو الإستلقاء على السرير لمدة 10دقائق على الأقل بعيدا عن أي إلتهاء خارجي. 2- اغمض عينيك وركز على إرخاء كامل جسدك من الأقدام إلى الرأس .
3- ابتدأ باسترخاء قدميك وأصابعهما وردد لنفسك كلمة"استرخي" مرارا حتى تشعر بوخزة دفء في كل عضلة من عضلات جسمك ابتداء من القدمين وتابع الإسترخاء مهما حصل لأن مع مرور الوقت ستزيد طاقتك على ذلك.
4- عنما تشعر باسترخاء كامل لقدميك حافظ على تركيزك الفكري على ارخاء باقي أعضاء الجسم والشعور بزوال أي توتر عصبي يرتابك. 5- تابع مسيرتك وركز على عضلات الأرجل والكاحلين وعضلة الساق والركب والبطن والصدر والظهر.
6- اشعر باللذة عنما يزول التوتر والإنكماش من كل أجزاء جسدك. 7- عندما تصل إلى الصدر حاول التنفس ببطء وعمق واستنشاق الهواء وزفرة بسرعة مسترخية ومنتظمة حتى تشعر بالإسترخاء التام. 8- بعد استكمال تلك الوسيلة على كل أجزاء جسمك أعد استعمالها مرة ثانية وبسرعة متزايدة مع التركيز على الأجزاء الكاملة في جسدك. 9- بعد حصولك على حالة استرخاء كاملة وعميقة حول أفكارك بعيدا عن الروتين المألوف وابعد عنك كل الهواجس والإضطرابات الفكرية واقترح على نفسك أمنية تستطيع تحقيقها عندما تستيقظ تماما من تنويمك المغناطيسي الذاتي فتردد مثلا أنك ناجح في إمتحان الغد وستحول أي شعور بالقلق إلى ثقة قوية ، عليك أن تردد تلك الإقتراحات عدة مرات. 10- حاول تلك الوسيلة الفعالة والسهلة وستحصل على نتائج مفعمة ومرضية خصوصا إذا ما استعملتها مرة أو مرتين في اليوم.

الخلاصة:-
* إن للتنويم المغناطيسي تطبيقات عملية متعددة في مجال الطب النفسي ، ولكنه لا يكون علاجا بحد ذاته لأي نوع من أنواع الأمراض والعلل وإنما هو مجرد إحدى الطرق التي تسهل العلاج اللازم. يهتم حاليا الأطباء في مختلف دول العالم المتقدمة بالتويم الإيحائي لما وجدوا فيه من نتائج مذهلة في معظم الحالات المستعصية وخاصة في الأمراض النفسية والعصبية ويوجد الكثير من المعاهد تدرسه وتخرج معالجين متخصصين.
* التنويم المغناطيسي خاصة تستعمل قدرة الإيحاء في عدة مراحل أو ظروف حياتية للتنعم بحياة رغيدة والتغلب على التوتر الفكري.

اسير الصحراء
04-06-2006, 11:55 PM
مفهوم أدب الأطفال

يحاول النقاد الآن، تمحيص أدب جديد على الأدب، هو أدب الأطفال، سواء في طبيعته أو مصادره أو غاياته، مما يساهم في وضع حدود لهذا الأدب الناهض، وتتنازع مسؤوليته المؤسسات والأفراد، ويتحمل أعباءه الأدباء والمربون ورجال الإعلام.
وهو جزء من الأدب بشكل عام، وينطبق عليه ما ينطبق على الأدب من تعريفات، إلا أنه يتخصص في مخاطبة فئة معينة من المجتمع، وهي فئة الأطفال، وقد يختلف أدب الأطفال عن أدب الكبار تبعاً لاختلاف العقول والإدراكات، ولاختلاف الخبرات نوعاً وكماَ. ولكن الذي لا خلاف فيه أن المادة الأدبية لقصص الأطفال الفولكلورية والتقليدية، والتي ظلت تحكى لأطفال شعب من الشعوب، على مر الأجيال من آلاف السنين فتستحوذ على عواطفهم وخيالاتهم، لم تكن منعزلة عن التيار العام للخيال والصور أو التفكير في هذا الشعب، بل كانت قصص الأطفال تعبيرات أدبية خالصة صنعها الكبار.

- مفهوم أدب الأطفال :
لقد عرَّف بعضهم أدب الأطفال، بقوله: (إذا أردنا بأدب الأطفال كل ما يقال للأطفال بقصد توجيههم، فإنه قديم قد التاريخ البشري، حيث يلتزم بضوابط نفسية واجتماعية وتربوية، ويستعين بوسائل الثقافة الحديثة، في الوصول إلى الأطفال، فإنه في هذه الحالة ما يزال من أحدث الفنون الأدبية) (1)
ومع عمومية هذا الرأي وانتشاره، ثمة تأكيد على أن هذا الفن ابتدأ منظماً ومضبوطاً بقواعد وأصول، في أوروبا عموماً، وفي فرنسا على الأخص، ومنها عمت بقية دول العالم، حتى بات أدب الأطفال يشكل ظاهرة ثقافية واجتماعية واقتصادية، من حيث تنوع موضوعاته وأحجامه وأصنافه، وعم تقريباً كل مكان في العالم.
(ولأدب الأطفال نوعان من الممارسة، الأول : منتوج أدب الأطفال، الذي يصنعه الكبار غالباً، وتقتصر مشاركة الأطفال فيه على التقليد، أو إبداء الإعجاب، والثاني: نشاط الطفل الأدبي والفني، ويعتمد هذا المنتوج على إظهار الموهبة المبكرة، أو على ما يصنعه الأطفال خلال أداء المناشط الأدبية)(1).
وأدب الأطفال قديم قدم قدرة الإنسان على التعبير، وحديث حداثة القصة أو الأغنية التي تسمع اليوم في برامج الأطفال بالإذاعة المسموعة والمرئية، أو تخرج من أفواه المعلمين في قاعات الدراسة، أو يحكيها الرواة في النوادي، ينسجون أدباً يستمتع به الأطفال ويصلهم بالحياة.
وبذلك فإن أدب الأطفال لا يمكن أن يكون له تعريف مستقل، بل يندرج في إطار الأدب العام، وهو مرتبط بالكتاب والقارئ، فالأدب يمكن أن يعرف بأنه تجربة القارئ حين يتفاعل مع النفس طبقاً لمعانيه الخاصة ومقاصده ودلالاته .

- أهمية أدب الأطفال :
إن الطفل بحاجة إلى أن يعرف ذاته ، ويعرف البيئة المادية المحيطة به، والأديب يساهم في تهيئة الفرص اللازمة لتلك المعرفة، حيث يقدم مجموعة من الخبرات فيها حكمة الإنسان وآماله وطموحاته وآلامه وأخطاؤه ورغباته وشكوكه، والأطفال يميلون بصدق إلى أن يتذوقوا هذا السجل الحافل، ولا أدل على ذلك من شغفهم بالقصص التي تروي عليهم أو يقرؤونها، ومحاولتهم الجاهدة لفهم الكلمات المكتوبة الزاخرة بهذا السجل.
وكتب الأدب للأطفال تقدم لهم الكثير، عن أشياء من بيئتهم المادية. بما فيها من حيوان ونبات وشجر، ويزداد شوقهم للأدب كلما وضح لهم جانباً جديداً من عالمهم بعيد المدى والاتساع.
والأدب بذلك يشغفهم، ويعدهم إعداداً صحيحاً للحياة العملية، بما يقدم لهم من معلومات ومعارف، تمكنهم من السيطرة على عالمهم بعد أن اتضحت لهم جوانب مجهولة منه، وهم تواقون أبداً للسيطرة على هذا العالم، وتزداد حاجة الأطفال للأدب في عصر مثل عصرنا، تتكاثر فيه المسؤوليات، وتغيّر أنماط الحياة اليومية بسرعة فائقة.
وهو يساعد على تحسين أداء الأطفال، ويزودهم بقدر كبير من المعلومات التاريخية والجغرافية والدينية والحقائق العلمية، ولا سيما القصة.
ويوسع الأدب خيال الأطفال ومداركهم، من خلال متابعتهم للشخصيات القصصية، أو من خلال قراءتهم الشعرية، أو من خلال رؤيتهم للممثلين والصور المعبرة. كما أن الأدب يهذب وجدان الأطفال لما يثير فيهم من العواطف الإنسانية النبيلة، ومن خلال مواقف شخصيات القصة أو المسرحية التي يقرؤها الطفل أو يسمعها أو يراها ممثلة، فيندمج مع شخصياتها ويتفاعل معها.
وإضافة إلى ذلك فالأدب يعوِّدُ الأطفال حسن الإصغاء، وتركيز الانتباه لما تفرض عليه القصة المسموعة من متابعة لأحداثها، تغريه بمعرفة الجرأة في القول، ويهذب أذواقهم الأدبية، كما أنه يمتعهم ويسليهم ويجدد نشاطهم، ويتيح فرصاً لاكتشاف الموهوبين منهم، ويعزز غرس الروح العلمية وحب الاكتشافات، وكذلك الروح الوطنية، كما أنه يوجه الأطفال إلى نوع معين من التعليم الذي تحتاجه الأمة في تخطيطها كالتعليم الزراعي، والصناعي، بإظهار مزايا هذا النوع من خلال سلوك محب لأصحاب هذه المهن (1).

ـ الخصائص الأساسية لأدب الأطفال :
يمتاز أدب الأطفال بالخصائص التالية :
1- يشكل فعالية الأطفال إبداعية قائمة بذاتها.
2- يتطلب موهبة حقيقية، شأن أي إبداع أصيل، فهو جنس جديد في الساحة العربية، إن صح التعبير.
3- يتبع من صلب العمل التربوي، الذي يهدف إلى تنمية معارف الأطفال، وتقوية محاكماتهم العقلية، وإغناء حسهم الجمالي والوجداني.
4- يعتمد على اللغة الخاصة بالأطفال، سواء أكانت كلاماً أم كتابة أم صورة أم موسيقا أم تمثيلاً.
5- يشمل جميع الجوانب المتعلقة بالأطفال، من الأشياء الملموسة والمحسوسة، إلى القيم والمفاهيم المجردة.
وتشير هذه الخصائص إلى الأهمية البارزة لأدب الأطفال، التي جعلت منه موضوعاً شغل العديد من الكتّاب والأدباء في العالم، وقد أخذ على عاتقه مسايرة الركب الحضاري والتطور الأدبي بأشكاله وألوانه المختلفة، فقد آمن عدد كبير من الكتَّاب والأدباء والمفكرين بأدب الأطفال، وضرورة التركيز عليه، وإظهاره بشكله ومميزاته، حتى يقف إلى جانب أدب الكبار، وحتى يسهم في خدمة الجيل الصاعد، الذين هم أطفال اليوم ورجال الغد المرتقب، فهم بناة المستقبل المأمول ورجاله.

- أدب الأطفال والمجتمع :
إن مرحلة الطفولة ليست منفصلة عن الحياة التي تقتضي العيش مع الجماعة، فللحياة الاجتماعية خصائصها ومقتضياتها، وللمجتمع مطالبه الآنية والمستقبلية، التي لا يمكن إهمالها عند تقديم مادة أدبية للطفل أو إنتاجها.
وإن ما بين الأدب والحياة من علاقات لا تنفصم عراها، هو ما يميز الأدب القادر على الاستمرار ذلك الذي لا يعيش سوى زمن قصير، فأي أدب لا يمكن النظر إليه منفصلاً عن الحياة، وإنما ينبغي أن يزخر بما تزخر يه الحياة من عادات وتقاليد ونظم وفن وفلسفة، والأدب إحدى الوسائل التي ابتكرها الإنسان لتيسر له فهم الحياة، ورسم أهداف مستقبلية لها، والنهوض بها إلى مستويات أفضل، تلبي له بعضاً من طموحاته وأمنياته.
ومما ينبغي أن يكون عليه أدب الأطفال، عدم إقراره بعيداً عن فهم طبيعة الطفل، وخصائص نموه، ومطالب الحياة الاجتماعية. ولعل فيما يلي من شروط للمادة الأدبية، يمكن أن تسهم في بناء شخصية الطفل، وفي إدماجها في الحياة الاجتماعية:
1 ـ مراعاة المادة الأدبية لطبيعة الطفل وخصوصيتها، وخصوصية المراحل الفرعية التي تتكون منها.
2 ـ مراعاة متطلبات الحياة وأهداف المجتمع، فلا قيمة لأدب من دون رسالة، وأن يحقق التوازن المناسب بين الفرد والبيئة.
3 ـ أن تمتلك المادة الأدبية عناصر الإثارة المناسبة، التي تستدعي استجابات إيجابية من التلقي، ومقومات تجعله قادراً على تحريك دوافع الطفل وتوجيهاً سليماً إيجابياً.
4 ـ الكائن البشري – طفلاً كان أم راشداً – قادر على الاتصال والتفاعل مع البيئة بوجهيها المادي والاجتماعي، وباستطاعته مواجهة تحدياتها التي لا تراعي أصلاً خصوصية المراحل النمائية للإنسان، من خلال قدرة الكائن على التكيف والتلاؤم.
5 ـ مراعاة ما تنطوي عليه حاجة حب الاطلاع عند الطفل كونه باحثاً عالماً مسكوناً بهواجس التنقيب والاكتشاف والفضول، ولا يتعب من طرح الأسئلة التي يتوالد بعضها من بعض وكأنها تفيض عن نبع لا تنضب مياهه (1).

- وسائل تنمية أدب الأطفال :
إن الوصول إلى التنمية المطلوبة في أدب الأطفال، يقتضي أن نعمل على إنجاز ما يلي :
1 ـ الاتجاه إلى الأطفال كجيل جديد، عليه أن يتسلح بقيم عربية أصيلة.
2 ـ إيمان المؤسسات الثقافية والتربوية، بأدب مستقل للأطفال.
3 ـ جعل الوسائط الثقافية والتربوية، تراعي خصائص النمو عند الأطفال، وتستجيب لحاجاتهم في التعبير والاطلاع والإبداع، وتتوافق مع طبيعتهم.
4 ـ ربط الثقافة العربية المعاصرة المكرسة للأطفال بمناهج التعليم.
5 ـ الاهتمام بالثقافة العربية، التي تتبع أساليب تهز وجدان الطفل، وتؤكد على روح الجماعة والتعاون مع الآخرين، وتعنى بتربية العقل واليد معاً.
6 ـ إيقاف الأدب على وعي الفساد والتخلف فيما حولهم وإحلال القيم المتمثلة بالصدق، والأمانة، والإخلاص، والوفاء، والتضحية، والروح الإنسانية.
7 ـ مساعدة الأطفال على وعي الفساد والتخلف فيما حولهم وإحلال القيم المتمثلة بالصدق، والأمانة، والإخلاص، والوفاء، والتضحية، والروح الإنسانية.
8 ـ البحث عن أدوات إيصال ثقافية جديدة تغري الأطفال وتجذبهم.
9 ـ إيجاد وسائل فعالية لقيم أدب الأطفال الجيد.
10 ـ الاعتماد على الأصيل من التراث، وتجسيده لربط الحاضر بالماضي، والانطلاق به إلى مستقبل أفضل.
11 ـ التأكيد على تقديم نوعية متميزة في الشكل والمضمون، أي في الكيف لا في الكم (1).
12 ـ إنشاء حوافز معنوية ومادية، تحث المعنيين من الأدباء والكتاب والرسامين والمثقفين على التفرغ لأدب الأطفال.
إن وسائل تنمية أدب الأطفال، التي ذكرتها، ما هي إلا صورة طموحة رسمتها من خلال الواقع، وعبر تطلعنا إلى أدب خاص بطفلنا، ويقوم بفعالية مدروسة ومشتركة من خلال دعم الثقافة النظرية بالعمل والممارسة، لكثير من الأنشطة العلمية والعملية وغير ذلك من الأنشطة التي تتم داخل المدرسة وخارجها.
وأخيراً، ينبغي أن نشير إلى الأسس التي تدل على مكامن التجربة الإبداعية في أدب الأطفال :
- التعريف بالقاموس المشترك للطفل في هذه المرحلة العمرية أو تلك، وأن يستتبع ذلك إنجاز دليل للإنسان اللغوية والتعبيرية في مخاطبة الأطفال (المفردات، التراكيب، الصور، المجازات، الصفات، الأطفال، الألوان .. .. الخ).
- التعريف بفنون أدب الأطفال، من منظور الاستراتيجية التربوية العربية طبيعة العلاقة بين الإبداع والجمهور، وتناغم العناصر الداخلية للعمل مع المغزى، وتنشيط منطق العمل نحو عقلنة الخيال الشعبي وانتشاره واستخدامه، تشجيع الحوار حول سبل ترشيد أدب الأطفال .. .. الخ.
- التعريف بما يخالط أدب الأطفال، من مؤسسات تربوية أخرى، كالمدرسة، ووسائل الإعلام، وبحث مكانة أدب الأطفال، إزاء هذه المؤسسات جميعها.
- التعريف بمجموعة الأنماط الثقافية، التي تكوِّن المناخ الثقافي والتربوي للطفل، في الحكايات والأساطير والمأثورات والتاريخ والتقاليد الشفوية وسوى ذلك، وفرز ما يدخل في مصادر أدب الأطفال، أو مؤشراته سلباً أو إيجاباً، وعلامة ذلك كله بالتغير الاجتماعي والنهوض التربوي.
- التعريف بوسائط الأطفال إلى أدبهم عبر الإجابة النوعية على مشكلاتها بادية للعيان في هذا الوسيط أو ذاك، وبخاصة بعد تعدد هذه الوسائط، وانتشارها السريع إلى أوسع قواعد جماهير الأطفال (1).

اسير الصحراء
04-07-2006, 12:08 AM
جراح ساخنة( مجموعة قصصية)


الكاتب :الدكتور طار ق البكري
جراح ساخنة( مجموعة قصصية)



الدكتور طارق البكري






جراح ساخنة

قصص قصيرة











القطار الذي لم يصل
د.طــارق البكري

السيد الجالس في المقعد الملاصق للنافذة يوزع نظراته...
حيناً ينظر إلى الخارج عبر الزجاج المكسو بغلالة سميكة من الغبار وحيناً ينظر إلى الناس الذين يخطون في الأرض جيئةً وذهاباً....
كان يحملق في وجهه طفل صغير.. يتنطّط أمامه بحركات صبيانيّة لطيفة..
كانت الأم منهكة ومنشغلة، لا تعنيها نظرات الناس من حولها، زحمة خانقة تسدّ الممرّات؛ بالكاد تستطيع إيجاد مقعد تلقي جسدك فوقه...
الأم تراقب باهتمام.. تلصق في صدرها طفلة في شهورها الأولى؛ تمسك ثدي أمّها.. تغوص في صدرها حتى الانصهار..
قرب المقعد حقيبة ثياب قديمة ممزقة الأطراف باهتة الألوان، تحيطها بنظراتها خشية السرقة والضياع في هذا الازدحام الفظيع..
السيد بدا مستغرقاً بمراقبة الطفل.. يتلهى انتظار وصول القطار المتأخر عن موعده، يطرد النّعاس عن عينيه، يشدّ جفنيه صعوداً ويشتدان نزولاً.. يخشى السقوط في النوم فوق مقعده الجلدي المتحجر، يغلظ على نفسه ليبقى يقظان حذراً...
===>>>

اسير الصحراء
04-07-2006, 12:09 AM
القطار قد يفوت ويمضي.. لن يستطيع الانتظار يوماً آخر.
السيد حملق في الطفل، يراقب حركاته كمشهد سينمائي لافت، صافرات القطار تزعق بلا انقطاع، العجلات الحديدية تبلع الأرض في سباق محموم مع الزمن...
لاحظ السيد حبلاً في ساعد الطفل مربوطاً بإحكام..
فكر أن الأم حذرة جدا،ً تخشى ضياع طفلها في هذا الزّحام..
أطفال يُفقدون، يُخطفون، يتشردون، يتعلمون السرقة والتسول...
"حياة بغيضة كريهة...".

تمنّى السيد لو يملك عصاً سحريةً يغيّر بها العالم...
يبحث عن خلاص حقيقي لكل شيء من أي شيء خصوصاً الانتظار الممل وعادة تأخّر القطارات المزعجة...
" لا الحياة لا يمكن أن تكون بغيضة إلى هذا الحد الناس يريدونها هكذا.." .
السيد كان يسبح في خياله...
الحبل المربوط بساعد الطفل طرفه الآخر مربوط بساعد المقعد الذي تجلس فيه المرأة...
مسح الرجل نظارته السميكة.. أرخى ربطة عنقه..
"فكرة رائعة لا أدري من أين تأتي النساء بأفكارهن... ماذا دعاها لتقوم بذلك؟ أهي وحيدة؟ أرملة؟ مطلقة...؟ ثوبها يوحي بالفقر الشديد؛ لكن ابنها يرتدي ثياباً فاخرة!.." .
التناقض أثار الرجل سرح بالخيال ترك خياله يسير على راحته.. لم يشأ وقفه؛ فالقطار الذي ينتظره متأخر عن الوصول، يريد التسلية، يريد إمضاء الوقت بسلام، لا يريد النوم فيمضي القطار دونه...
مسح الرجل نظارته مرةً ثانيةً..
"اعتقد أنّ هذه المرأة أرملة.. أظنّ أنّها عائدة إلى قريتها.. لو كان زوجها على قيد الحياة لكان في وداعها.." .
فكر الرجل : أين أقاربها وأصدقائها وجيرانها؟
الطفل ما زال يلعب جوار الأم لا يفارق المكان...
الحبل يمتصّه دوماً إلى مقعد الأم..
الطفل لا يتمرّد لم يتململ من العقدة القاسية في معصمه.. يقفز فرحاً بالنّاس... من حوله يمرّ الناس؛ بعضهم يوقعه أرضا..ً يرتطمون به رغماً عنهم.. لا ينتبهون إليه.. منهم من يصيح به: ابتعد عن الطريق، ومنهم من ينحني يقبّل وجنته الصغيرة...
الأم مشغولة بطفلها وبرضيعها وبالحقيبة...
إلى جانبها رجل مشغول بهم جميعاً...
مسح الرجل نظارته من جديد... غبار القطارات يتعلق بكل شيء.. المنديل تغيّر لونه..
نظر الرجل عبر النّافذة.. ألقى نظره على القطارات المتعاقبة.. شعر بالملل الشديد.. النعاس يدب إلى عينيه، تمنى وصول القطار ليسقط نفسه في مقعد من المقاعد لينام. الخوف من عبور القطار ضيف ثقيل يشاركه جلسته مع الملل...
بلّ منديله بقليل من ماء يحمله في زجاجه؛ مسح جبهته.. مسح جفنيه، يريد مقاومة النعاس حتى النهاية...
الناس يمرون به دون اكتراث.. لم يعد يستطيع متابعة الطفل عن كثب، ضاع الطفل بين سيقان الناس، مازال النعاس يتسلل إلى عينيه بكل وقاحة..
رآه يأكل قطعة خبز فخوراً بنفسه..
ازداد الناس غاب الطفل من جديد عن عينيه... غابت الأم.
بعد مدة قام الرجل من مقعده الجلدي المتحجّر، نظر إلى ساعته، شعر أنّ القطار قد فاته منذ زمن، لم تعد يسمع الصافرات، نظر نحو الطفل؛ وجد المكان خالياً، نظر نحو الأم؛ وجد المقعد خالياً.. اقترب من المقعد، التقط قطعة خبز يابسة كان يحملها الطفل، وجدها على الأرض قرب المقعد، الحبل لا يزال مربوطاً في ساعد المقعد.. حل الرجل الحبل.. لفه على معصمه.. خرج مغادراً قاعة الانتظار.
سأل عن موعد القطار القادم..
عاد في اليوم التالي؛ جلس في مقعد الأم وفي يده الحبل مربوطاً في ساعده وفي يده الأخرى قطعة الخبز اليابسة وتذكرة القطار، يريد أن يرحل ويلحق بالطفل...
سكن المقعد، حنّط قطعة الخبز، نسج من خيطان الحبل ثوباً جديداً.
_______________________________



==>>

اسير الصحراء
04-07-2006, 12:10 AM
البيت القديم المهجور

د.طــارق البكري


تنحّت جانباً... خلف عمود يرفع على هامته سقفاً تزينه خيوط عنكبوتية؛ بعضها اسودّت مع مرور السنين، وأخر حديثة جداً لم يكمل صاحبها نشر أوصالها...
شعّ في عينيه بريق خافت مسكون بأحلام الماضي... بعد غياب طويل اقتضته ظروف قاسية؛ لم تمح آثارها بعد..
تنهّدت خلف زجاج المنزل المكسور، المكسو بغلالة ناعمة من الغبار الساكن في هذا البهو الواسع الممتد، واهتزت أصابعها وهي تحاول الإمساك بمقبض الباب؛ فأصابها ارتعاش ينبض بتلك الأيام المحملة بالألم والملونة بالدماء...
أشاحت عينيها لوهلة.....
استجمعت كل قواها الخائرة...
عندما همّت بالدخول؛ تفرّست بعلامة قديمة كانت قد حفرتها بمفتاح قديم... قبل أكثر من أربعين سنة..
فزعت، لم تقو قدماها الثقيلتان على الانتقال ولو خطوة واحدة لوطىء تراب المكان، حسبته شيئاً شريفاً لا ينبغي مسّه لسكناه في مكان عزيز عليها... وربما كان اعتداء على حرمة المكان المحفور في الذاكرة.. مثل نقش على صخرة مصقولة...
عادت بها الذاكرة إلى أيام الطفولة...
لا تزال تذكر بعض الكلمات العربية...
أمها "الجبارة" رفضت الانصياع لأمر إخلاء المنزل؛ ظلّت معسكرة فيه حتى ماتت من الجوع.... صارت الطفلة تبكي ووجدت نفسها بعد ذلك في بلاد بعيدة... تعيش بين أسرة طيبة عوضتها فقدانها للأم والأب...
وقفت مذعورة أمام المشاهد المترائية مثل خيالات تتراقص حولها...

أعمدة متهالكة.. أرضيات متشققة .. جدران متصدّعة ..
عادت الذّاكرة إلى الماضي..
يوم كانت طفلة تملأ الدار ضجيجاً وتطبيلاً..
هناك كانت لعبتها الصغيرة:
"آاااااااااااه "...
ما زالت تتذكر عندما تعثرت قدمها ووقعت على العتبة وسال الدم من أنفها، وتلطخ ثوب أمها الأخضر وهي تحملها لترضيها وتمسح عن عينيها دموع البكاء...
هناك تحت الدرج كانت تجلس لساعات، تعتبره مكاناً خاصاً، تعتبره ملكها لا يجسر أحد على الدنو منه دون إذنها...
كان الجميع يحترم اعتبارها... حتى والدها لم يعترض، رغم أنها جعلت المكان مخزناً دائماً لأشيائها الثمينة...
كانت تعيش حياة رغيدة وسعيدة...
فجأة اختفى أبوها ورأت أمها تبكي.. لم تكتشف سرّ البكاء، لكن الصغيرة أدركت أن أباها رحل إلى الجنّة شهيداً بعدما تصدى لعصابات مجرمة أتت من بعيد...
طلبت العصابات من أمّها إخلاء المنزل، رفضت وتحصّنت لأيّام دون طعام... تحمل بندقية قديمة تهدّد بها من يحاول اقتحام المنزل...
بقي قليل من الطعام فتركته لطفلتها.. فعاشت الطفلة وماتت الأم بعد أيام من الجوع والعطش...
تذكرت الطفلة "الكبيرة" كل ذلك بعدما قررت العودة إلى وطنها بجواز سفر غربي واسم غربي... إلا أن كل ما هو عربي اشتعل في نفسها عندما جاءت ضمن وفد سياحي...
كانت تسعى للوصول إلى قريتها البعيدة...
فوجئت أن بيتها القديم لا يزال جاثماً على ربوة عالية.. ربما هجره العصابات لشدّة بساطته ولمكانه البعيد عن المدينة...
اشترت الطفلة "الكبيرة" بيتها من الإدارة المدنية في المنطقة...
لم تكشف لأحد سر هذا الشراء. بل أن أحدهم إستهزأ بها وظنّ أنها مغفلة...
لكن.. هل تستطيع ولوج المكان ووطىء بساط الغبار...
إنّه أمر عسير جداً، فهذا الغبار احتضن بلاط الأرض لسنوات طويلة...
عايش نسمات الماضي...
امتلأت رئتاه بعبق الماضي الذي تحلم به ..
قفلت الباب بمفتاح قديم... وضعت لوحة كبيرة عليها اسمها الحقيقي... ليس اسمها الغربي الموجود على جواز السفر، بل اسمها القديم، وتحته عبارة:
هنا استشهد أبي وأمي وليس لي ذكرى إلا هذا البيت القديم المهجور.

اسير الصحراء
04-07-2006, 12:11 AM
السـّـاعة المنبّهة

د.طارق البكري

تقلصت كل الرؤى والأحلام على وقع رنين المنبه المزعج، الذي لا يريد أن يهدأ ولا أن يخرس...
فاتح فمه مثل حيوان مفترس يصيح بفريسته، أنا.
تسارعت الأفكار المبهمة على وسادة صفراء مضطربة كجسد يحتضر...
نبشت صيحات السّاعة المنبّهة، المسندة إلى طاولة جانبية بالقرب من سريري، حطام رأسي، شكّلت منه فسيفساءً عملاقة لا تنتمي إلى دنيا الفن بشيء، تشذّ حتى عن السّريالية في عالم من اللامعقول، يحجب دهشة النظرة الأولى..
ضربة واحدة، سريعة خاطفة، كانت كافية لتحلّق السّاعة نحو الجدار الصلب، فتسقط متفتّتة مبقورة البطن، بارزة الأمعاء، تلفظ بقايا العقارب المؤذية، ويتناهى إلى الأسماع أنين الجرس المزعج... وكان الصمت إعلاناً عن موت السّاعة المنبّهة، لتصبح من الآن فصاعداً جثّة هامدة لا حياة فيها..
هو تمرّد، ثورة، اعتراض، سمّه ما شئت.. هذه حياتي لي أنا وحدي.. متى شاركتني فيها السّاعة حتى تحدد لي خياراتي؟.. تتحكم بأنفاسي.. بأوقاتي.. لا أريد بعد اليوم وقتاً، أريد العيش خارج الوقت.. خارج الزمن..
أكره الساعات..
نعم، أكره كل أنواع الساعات الرخيصة منها والباهظة الثمن، لم أنسج معها في أيّ أيام حياتي علاقة تناغم وتفاهم، حتّى إنّي لم أحمل في معصمي ساعة إلا اضطراراً؛ بعد أن كبرت وشاب نصف شعري وباتت طبيعة عملي تلزمني بذلك.
منذ طفولتي والسّاعة تشكل هاجساً لي..
كانت توقظني من أحلامي الصغيرة وتقذفني في الشوارع الضيقة، نحو المدرسة، التي كانت عقارب ساعاتها تمضي مثل السلحفاة المسنّة... لم تكن السّاعة تتحرك بسهولة...
عندما كبرت اعتقدت أني تخلصت من هواجسي وجنوني، لكن ظلّت السّاعة ذلك الوحش الذي ينقضّ على كل شيء جميل أحبّه، وكلّ اللحظات الرائعة التي أعيشها، فيما كانت تسير ببطء فظيع في كل أمر أودّ أن أنتهي منه بسرعة..
اليوم، فجأة، ودون سابق إنذار؛ أعلنت تمردي على كل العقارب، الصغيرة منها والكبيرة... لا أدري كيف جاءتني الجرأة.. لم أكن يوما بهذه الشجاعة.
سأحطّم كلّ ساعات المنزل.. لا، بل كل ساعات الدنيا، أريد أن أحيا هكذا من دون زمن، أنام عندما أريد، أصحو عندما أحب، أخرج إلى عملي وقتما أشاء، آكل وأشرب وأعيش بتلقائية بالغة..
بصراحة.. لقد أعلنت إفلاس الزمن...
أنا لا أريد الالتزام بحركات العقارب وسكناتها، كأنني رهينها...
أسير بين دقّاتها ورنّاتها...
أدور ـ مثلها ـ في حلقة فارغة...
أعيش بين أرقامها وعقاربها، كمن يحيا في جحر العقارب والأفاعي.. فهل يعقل أن أعيش بين العقارب؟ مستحيل ! هل أنا مجنون إلى هذا الحد؟
مجرد التفكير بالسّاعة ودقّاتها يولّد في سريرتي شيئاً من الرعب المجنّح. تكتكاتها ورنّاتها مثل قصف الصواريخ وأزيز المدافع..
حتى أجمل السّاعات تبدو لي دميمة قبيحة، لا أجد لها وصفا في الطبيعة...
هناك عداوة مزمنة بيني وبين الزمن، لم أتغلب يوما على هذه العقدة..
لكن هل سيسمحون لي بذلك؟
هل يقبل أحد بهذا التمرد؟ سأطرد من عملي دون شك... لن يلتزم أحد معي بموعد للقاء.. فأنا متمرد ضد الزمن..
وهل سيسكت عليّ الزمن؟
سيفضحني أمام المكان واللامكان.. سيقودني حتماً في طرقات لا زمن فيها.. ربما أعرى.. أجوع.. أتشرّد !
لا بأس.. سأواصل الاعتراض حتى يرضخ لي الزمن ويستسلم.. لن أتنازل عن آخر ثورة لي.. حتى هذه الأحلام لن يسمحوا لي بها؟!

******
فجأة...امتدت يد أمي بحنان.. أيقظتني من سبات عميق وأحلام فاتنة...
قالت بحب :
" هيا يا ولدي لقد طلع الفجر.. انهض للصّلاة قبل طلوع الشمس من مرقدها".
نهضت مسرعاً.. رمقت السّاعة التي لا تزال في مكانها مسنّدة ـ هناك ـ على طاولة جانبيّة، أسرعت إلى الوضوء وكتفي لا يزال يشعر بتربيت يد أمي.. الأجمل بكثير من رنين الساعة المنبهة.
====>>>

اسير الصحراء
04-07-2006, 12:12 AM
المتسوّلة
د.طارق البكري

جلست على التراب في ظل حائط أمام مدخل المسجد، تستر وجهها بقطعة قماش باهتة متآكلة الأطراف، تضم إلى صدرها طفلة صغيرة شاحبة، بدا من عينيها أنها لم تنم ولم تأكل منذ أيام.
حضرت مبكرة.. فوقت الصلاة الجمعة لم يحن بعد.. هنالك أكثر من ساعتين.. ولولا بعض العابرين من آن إلى آخر لقفر الشارع إلا منهما.
البنت الصغيرة ملّت المكوث في حضن أمها... اللعب في باحة المسجد أمر مغر، قفزت تهرول، لم تمانع الأم، تركتها تلهو ببراءة حتى عثرت في أحد جوانب الباحة على نخلة دانية القطوف، حملت بعض ثمارها وركضت نحو أمها لتشاركها وجبتها الشهية..
نظرت الأم بإشفاق: "مسكينة أنت.. ما ذنبك لتتحملي معي الألم الفقر؟* لقد يتّمت باكراً جداً، حتى إنّك لم تعرفي معنى الأبوّة" ..
تذكرت كيف كانت تعيش عيشة رغيدة بصحبة زوجها.. لقد كانت سعيدة جداً قبل أن يأتي الأشرار ويطردونها من بيتها وأرضها.. حاول زوجها أن يمنعهم.. لم يكلّفهم إلاّ رصاصة واحدة.. سقط إثرها مضرجاً بالدماء ..
خرجت الأم هائمة على وجهها، تجرّ ابنتها جراً، وانقطع أي اتصال بينها وبين أخوتها، كانت متأكدة من موت أبيها وأمها على يد الأشرار هؤلاء... حملها باص صغير... نقلها وابنتها إلى أرض بعيدة.. كرهت نفسها.. كرهت الناس والحياة، تمنت لو ظلّت هناك جثة هامدة إلى جانب تربة زوجها، لأنّ ذلك أفضل مما هي فيه ألف مرة.
بالأمس كانت تعيش ملكة في مملكتها واليوم تمد يدها إلى الناس.. يا سبحان الله كيف انقلب بها الحال؟ هجرت أملاكها ووجدت نفسها في مكان بعيد داخل مزرعة.. لم تكن تقوى على السير... حملها رجل.. ادخلها بيته، وبعد أن استعادت وعيها حاول نهش لحمها المشوي تحت الشمس بلا رأفة ولا رحمة.. ضربته بخشبة امتدت إليها يدها الواهنة.. ضربته في عينه فانقلب على ظهره من الألم، حملت ابنتها وفرت بمصيبتها؛ لقد كان جار أسرتها...
جف حليبها ولم تيأس.. بحثت في القمامة عن بقايا الطعام.. أصبح وجهها كومة عظام يحمل عينين ناتئتين بعدما كانت تتدفق بالحياة..
اقترب موعد الصلاة ولم يأت أحد بعد.. عزت نفسها بثمار النخلة.. اقتربت من باب المسجد فشاهدت ورقة معلقة في ركن جانب المسجد: "مغلق للترميم"، ضحكت كما لو لم تضحك من قبل.. "حتى المسجد أغلق لما جئت إليه؟".. قامت تسير ببطء شديد.. مرّت سيّارة مسرعة.. خافت الطفلة من صوتها المرعب.. أوقف السائق سيارته فأحدثت الإطارات زعيقاً متواصلاً فوق الأسفلت.. تلفت هنا وهناك ثم عاد بهدوء وقال: "إلى أين يا حلوة ؟"
رمقته الأم بأسى وبصقت في وجهه ثم مضت في طريقها..
أغضبت الأم الشاب... عاد وتلفت هنا وهناك وعندما تأكّد أن المكان خالٍ تماماً انقض بسيارته على المرأة المسكينة وطفلتها البريئة وتركهما فوق الرصيف يودعان الحياة.


===>>

اسير الصحراء
04-07-2006, 12:13 AM
المــرأة الغامضة
د.طــارق البكري

من يستطيع فهم تلك المرأة الغريبة...؟؟
جاءت من مكان لا نعرفه...!
سكنت حارتنا الشعبيّة، اشترت أقدم بيت فيها..!
أصلحت البيت.. جدّدته.. حافظت على شكله القديم، أصبح تحفةّ رائعةّ...
سيّارتها الحديثة جداً، تلمع تحت الشمس، ولا تتناسق أبداً مع أزقة حارة ضيقة ممراتها، متّسخة ساحاتها، مختنقة بالباعة الجوالين وبسطات الخضار والفاكهة والثياب المستعملة...
من يفهم المرأة؟
تنزل من سيارتها... تدفع كتلةً دهنيةً عظيمةً... تجعلها مثل بالون منتفخ..
يمسك السائق الباب ويفتحه أقصى ما يستطيع، السيّارة كبيرة واسعة؛ تنزلق المرأة منها برشاقة وخفّة تناقض ما تحمله من تضاريس تشعر أنّها قد تقع من جسمها.
تسير المرأة في محاذاة البيوت المتهالكة، تسير ولا تتلفت.
أهل الحارة ينتظرون يوميّاً هذا المشهد الذي يستغرق ثوانٍ معدودات ثم تختفي المرأة في بيتها القديم المتجدد..
لم يكن أحد يملك شجاعة كافيّة ليلقي التحية على المرأة، أو على الأقل ليسأل سائق السيارة عن السر الغامض...
أصبحت المرأة حديث الناس..
والناس في الحارات الشعبية يعرف بعضهم بعضاً..
يعيشون في بيوت كأنّها من زجاج.. لذا كانت المرأة لغزاً حقيقياً احتار به الجميع.
مواعيد دقيقة جداً مثل رنّات السّاعات السويسريّة الأصيلة، التي بات شباب الحارة يفتخرون باقتناء نسخ مقلّدة منها، يتباهون بحملها..
المرأة تأتي إلى البيت مرّة في الصباح وتخرج بعد ساعة، وأحياناً تأتي قبيل المغرب إلى أذان العشاء، وغالباً يوم الخميس تمكث طوال النهار..
احتار الناس...
لم يجرؤ أحد على الاقتراب منها..
كانت تحضر خادمتها معها؛ تأتيان معا.. يبقى السائق قرب السيّارة منتظراً.. يمسح زجاجها وهيكلها.. يقرأ كتاباً..
تسير المرأة محاطة بعلامات الاستفهام، لا تحرك رأسها، لا تتكلم، تغيب بسرعة كأنّها هاربة من شيء...
نسج أهل الحي البُسطاء عن اللغز قصصاً شعبية...
العم أحمد صاحب جزارة اللحوم، أثرى رجل في الحارة، وأكثر أهلها حرصاً على اكتناه سرّ هذه المرأة.. زوجته ماتت قبل سنوات طويلة.. أولاده تزوّجوا وخرجوا من الحارة ؛ سكنوا العمائر الحديثة التي يقصدها المتعلمون خوفاً من انكشاف أنّهم من أبناء الحارات والأزقة والأبنية الشعبية...
العم أحمد فكّر بالمرأة عروساً له... ببساطة، بعد الستين:
"لا بأس، سنّها مناسب جدا،ً تبدو شابّة.. لكنّها بالتأكيد جاوزت الأربعين، أظنّها أرملة.. أكيد هي أرملة.." .
ترتدي دائما الثياب الداكنة، صحيح أنّها غنيّة وتبدو أيضاً متعلمة؛ لكن العم أحمد أهم رجال الحارة، كلمته كلمة.. الكل يحترمه ويهابه....
الحاج فكري، حلاَّل المشاكل، تصّور المرأة غارقة في بحر من الهموم.. إنها صيد لذيذ حبذا لو سقطت بين يديه ليكشف كلّ هذا الهم الذي يكسوها..
يريد فكري أن يزيل عن المرأة هذا الغمام، ويرى عينيها..
حاول مرة الاقتراب، منها نظر إليه السائق نظرة مرعبة.. تأمل عضلاته المفتولة.. قال في نفسه:
" الهروب ثلثاً المرجلة" .
نساء الحارة أصابتهن الغيرة من السيدة المجهولة بعضهنّ حاولنّ التلصلص عليها من النوافذ المطلة.. لكنهنّ فشلنّ؛ لم تكن نوافذ البيت تفتح على الإطلاق، الستائر السميكة لم تكن تتحرك...
حاول البعض إشاعة خبر:
"المرأة سيئة السلوك.. تأتي بغرض المتعة الحرام" .
لكنّها لم تتجاوز الأفواه؛ لم ير أحد رجلاً على الإطلاق يدخل البيت.. حتى السائق كان لا يدخل أبداً.. ينتظر في السيّارة مثل الحارس الأمين...
الشّباب تفتّحت أذهانهن على أحلام الزواج بسيدة قوية غنية، تلفّها الأسرار والألغاز.. الاسم لا يهم، النسب لا يهم، المهم أنّها تملك سيارةً فخمة وبيتاً رائعاً في حارتهم الشعبية الفقيرة.. سوف يصبح سعيد الحظ سيد الحارة بلا منازع...
شيوخ الحارة تأسفوا على ضياع شبابهم.. تحسّروا لأنهم لم يلتقوا سابقاً بهذه المرأة الغريبة الآتية من المجهول.. وراحوا يتمنونها لأولادهم ..
الصغار فرحوا بالسيارة الفارهة؛ ينتظرونها كل يوم.. يدورون حولها.. يركضون وراءها.. يغنون ويرقصون ويصفقون.. السيّارة بالنسبة لعم عيد يومي.. بل صارت كرنفالاً مجانياً يسرحون فيه ويمرحون...
الجميع بلا استثناء كان مشغولاً بالمرأة الغامضة..
المرأة وحدها لم تكن تفكر بأحد.. كان فكرها مشغولاً بشيء آخر..
ما تزال تذكر هذه الممرات والأزقة والبيوت المكدّسة فوق بعضها..
يوم كانت طفلة.. يوم طردها وأسرتها صاحب البيت لأنهم لا يملكون دريهمات قيمة إيجار غرفة رطبة في أسفل المنزل تحت الأرض، كانت تستخدم كمخزن للأشياء المهملة...
عادت المرأة لتتذكر ماضيها...
عادت غنيّة.. بل غنيّة جداً..
الناس لا يعرفونها، فكروا بكل شيء، إلا أن تكون ابنة الرجل الفقير الذي كان يسكن الغرفة الرطبة البعيدة عن الشمس والهواء قبل نحو ثلاثين عاماً...
لكنّها ما عادت لتسكن البيت.. بل لتسكن ماضيها الأليم..
لتدفن تشرّدها وأهلها سنوات فوق الأرصفة، دون أن يسأل عنها وعن أهلها أحد..
لا العم أحمد ولا الحاج فكري ولا حتى واحدة من نساء الحارة، أو شاب من شبابها أو شيوخها كما يسألون عنها اليوم لـ "سبب"....
كانت ابنة ذلك الفقير، ابنة رجل لا يملك شراء لحمة من جزارة العم أحمد، بل كان يبحث عنها في حاوية القمامة ..
ولا يملك ثمن خياطة ثوب عند الحاج مرعي.. ولا شراء فاكهة من بقالة الكرم..
لم تبدد المرأة الغامضة أحلام حارتها.. لم توقظها من نومها الطويل..
لم تشتري المنزل الكبير لتسكن فيه؛ بل كانت تأتي لتلقي بنفسها دقائق معددات في سريرها القديم.. في الغرفة الرطبة التي لا يصلها الهواء ولا الشمس..
ظل أهل الحارة يتكلمون ويتكلمون ويتكلمون .. وظلت المرأة دفينة أسرارها وغموضها .

====>>

اسير الصحراء
04-07-2006, 12:13 AM
حــاضر سيدي

د.طـارق البكري بقلم :



لم تظهر أي شكل من أشكال الاعتراض .. " حاضر سيدي" قالتها بصوت منكسر لا تملك حتى أن تـعبر في ملامح وجهها عن الرفض .. أبدت الإعجاب.. وافقت فورا على كل ما قاله .. في نفسها كل إمكانيات التمرد ..لكنها امرأة محطمة أو على الأكثر بقايا حطام ..
كانت أفكارها مجمدة ..أحاسيسها مكبله.. عيونها فاترة، تمشي كآلة تحركها أداة التحكم عن بعد .. " حاضر سيدي".. تكفيه هذه العبارة ، لا يريد منها أكثر، يثق بأنها ستنفذ أوامره بدقة تامة.. يعلم أنها تكرهه و تود لو تغرس أنيابها في لحمه تمزق جسده بأظافرها التي تبدو له كمخالب نمرة شرسة في قفص من حديد.
تعطيه ظهرها وتمشي .. يرن جرس الهاتف، يقطع عليه حبال الخوف ، هذا الرعب اليومي الذي يعيشه دون أن يجرؤ على إنهائه .. " أهلا ، كيف أحوالك يا زنبقتي " تجيب بدلال : " توقف عن هذا الكلام ، أنا استحي " .. " أنت تستحين ؟! ها ها ها " ، يضحك ضحكة مجلجلة ..
" هل أنا زنبقتك حقا؟؟" ..
" بل أجمل وأحلى وأغلى زنبقة " ..
"آه.. أتمنى لو أصدقك ".
ينتهي الحوار بموعد مسائي جميل ..
ينادي المرأة : " أريد فنجان قهوة بسرعة " .
" حاضر سيدي "
لا يقدر على منع نفسه من إهانتها، يعلم أنه مخطئ ، لكنه لا يستطيع التوقف عن تصرفاته الغريبة .. اعتاد على ذلك ، لو أراد الآن تغيير أسلوبه معها لعجز ، يظن أنها اعتادت هي أيضا ، ومع ذلك كلما رآها خاف من أنيابها وأظافرها .. يظن أنها ستقضي علــيه يوما ما دون سابق إنذار.. تضع حدا لفظاظته معها..
يرفع هاتفه النقال يطلب سبعة أرقام محفوظة في ذاكرة الهاتف :
" آلو روحي .."
" أين أنت ؟! ظننتك لن تتصل .. "
" اشتقت إليك "
" أتمنى لو أصدقك"
" هل أنت مشغولة اليوم "
" آه يا عفريت .. تتذكرني فقط عندما تريد .."
" لا وغلاك.. أنت دائما في القلب"
" اتمنى لو أصدقك "
" الساعة السابعة في الشقة البحرية ؟"
" اجعلها الخامسة لا أريد أن أتأخر"
" اتفقنا "
تدخل المرأة .. تحمل فنجان القهوة .. كانت تستمع إلى المخابرة قرب الباب ..
" كم هو وقح !! أكرهه .. أكرهه.."
يرمقها بعينيه .. تبدو عليها حالة الرهبة .. لكنه فظ وغليظ ..
من أن يأتي بكلامه المعسول الذي تسمعه على الهاتف...
حفظت كل كلماته المليئة بالكذب تعلم أن كل النساء اللاتي يكلمنه يعلمن أنه يكذب عليهن وأنه يدرك أنهن لا يسعين إلا لماله وهداياه ...
تود لو تقفز وتقبض على عنقه وتخنقه مرة واحدة .. مرات عديدة ، فكرت أن تفعل ، لكنها تخاف منه .. تخاف من عينيه .. تخاف من يديه القويتين ..
كان شعور الخوف متبادلا .. هو يأمرها وهي تقول جملة محددة :
"حاضر سيدي "
لم تجرؤ يوما على الرفض .
تتمنى لو تسحقه تدمره تمزق أمعاءه ..
يرن الهاتف في جيبه :
" من .. آه حبيبتي "
" لم تعرف صوتي .. يا محتال "
" لا .. لا، عرفتك منذ رن الهاتف " أ
" أنت كذاب خفيف الظل .. لم تتصل بي منذ فترة ؟ "
" مشغول جدا "
" كيف أحوالك ؟ لقد وعدتني بإسوارة ذهب ، ومنذ وعدك لي لم أرك ! " .
" إنها جاهزة .. سأتصل بك عندما افرغ من عملي "
" أنت كذاب كذاب ، لكنك كذاب لطيف ، على أي حال لا بأس لقد قضينا وقتا ممتعا وسأنتظرك حتى تمل من الأخريات "
" باي " .
سمعت الحوار من خلف الباب تعلم إنه لا يصدق مع واحدة منهن ..
هكذا حياته لن يتغير ..
فلماذا تظل على أمل يأمر فتستجيب لأمره دون أي كلام ..
فظ معها ، لكنها سعيدة وهو لا يستطيع التخلي عنها لسر لا يعرفه ..
نصحتها صديقتها أن تتجمل له أن توقعه في حبها ..
تقول :
" هذا الرجل ليس له قلب .. التجارة جعلته يتعامل مع الناس بالحساب .. حياته كلها بيع وشراء ونسوان .. "
ومع ذلك كان في قلبها شئ من أمل ..
توترت لم تستطع الصمود أكثر من ذلك ، قررت ترك العمل والبحث عن عمل جديد ... فجأة انقطعت ، ذهبت دون أن تخبره بأنها ذاهبة ..
شعر بفراغ كبير ..
انقطع عن كل اتصالاته .. اشترى خط هاتف جديد ..
منع سكرتيرته الجديدة من تحويل المخابرات النسائية إليه ..
ضاقت نفسه ، لم يصدق ما حدث له .. بحث عنها في كل مكان . لم تترك عنوانها ولا رقم هاتفها ..
أخيرا وجدها ..
كلف كثيرا من الناس البحث عنها..
وجدها في بيت فقير بعيد في أطراف ضاحية المدينة ..
قالت :
" ليس عندي ما تبحث عنه .. اذهب إلى هؤلاء اللاتي يتصلن بك " .
جثا أمامها .. اعتذر .. أظهر كل الخوف الذي كان يشعر به أبدى كل الرعب الذي يضمره ..
لم تصدقه..
أقسم أنه صادق ..
أخيرا أدرك سر المرأة التي كانت تستمع إليه وتقول : " حاضر سيدي " ..
الآن صار يقول لها:
" حاضر يا زوجتي الغالية " .
===>>>

اسير الصحراء
04-07-2006, 12:14 AM
حزمة المال
د.طارق البكري

"انتظر حتى يأتي دورك، لم يحن الأوان بعد، ألا يمكنك أن تتحلى بشيء من الصبر". منذ بضعة أشهر وهو يسمع هذه الكلمات في كل مرة يراجع فيها المشفى الحكومي، حتى ملّ التكرار ورتابة الانتظار...
جلس أكثر من ساعة في الزيّارة الأخيرة... رجلاه لم تعودا كما كانتا في الماضي، المرض نخر حتى عظامه.. قعد منتظراً قدوم الكاتب بعد أن قيل له إنه ذهب ليقضي حاجته، لكن يبدو أنّه ذهب إلى أبعد دورة مياه في المدينة..
"بالله عليك يا بنيّ ألم يحن دوري بعد؟ أنا تعبان تعبان"..
قالها بحسرة وكأنّه يعرف الجواب مسبقاً...
نظر الكاتب للرجل باستعلاء شديد: "إلا تفهم ألا تستوعب الكلام؟؟ أنت تحتاج إلى عمليّة جراحيّة كبيرة.. هناك عشرات مثلك ينتظرون"..
ثم اقترب منه هامساً في أُذنه: " كل شيء ممكن بثمن.. فانظر كم تساوي حياتك؟".
هم الرجل بضربه بقبضة يده الواهنة لكنه تراجع وقال:"كم أيها الحقير"..
"ادفع ما تظنه قيمة حياتك"... ثم مضى ودخل غرفته وأغلق الباب يبتسم ابتسامة عريضة.
خرج الرجل حيران أسفاً.. من أين يأتي بالمال؟ لقد حذّره الطبيب آخر مرة من خطورة حالته الصحيّة وأنّ دقّات قلبه ستتوقف عن النبض في أي لحظة إن لم تجر له عملية جراحية سريعة.. من أين يأتي بالمال ليرضي ذلك الكاتب الجشع؟؟
فكر قليلاً.. ليس لديه خيارات.. لا يملك سوى شقّة قديمة في حي فقير لا تساوي إلا قيمة تافهة من المال.. لكن ليس باليد حيلة، لم يعد هنالك مجال للتأجيل..
قادته قدماه بصعوبة إلى سمسار الحي ، وعده السمسار خيراً بعد أن شرح له ظروفه. وبعد أيام جاء المشتري وبيده كيس فيه حزمه رقيقه من المال فوقّع على بيع شقّته وحمل الكيس وتوجّه إلى المشفى:
"هذه المرة لن أعود خائباً.. سوف أحصل على موعد بأسرع وقت ممكن، سأدفع له المبلغ كاملاً ، المهم أن تجرى العملية" .
قطع الطريق من بيته المباع إلى المشفى بمدة قياسية.. فبعد أن كانت المسافة تستغرق نحو الساعة؛ وصل في أقل من نصف ساعة، أسرع إلى غرفة الكاتب ليرمي الكيس في وجهه وينتزع الموعد القريب... فجأه موظف آخر يجلس في مكانه.. إنه الموظف الجديد.. سأل عن الموظف القديم فقال له: "لقد فارق الحياة قبل أكثر من أسبوعين.. صدمته سيارة أمام مدخل المشفى وتوفي على الفور.. رحمة الله.. الآن قل لي ماذا تريد ؟"
"اسمي جمال السيد لي طلب قديم أنا....".
"مرحباً بك يا سيدي أين كنت؟؟ لم تترك عنوانك؟؟ إنّنا نبحث عنك منذ أسبوع، لقد عثرنا على أوراقك في أحد الأدراج، يبدو إنها كانت ضائعة، لقد قدمت إلى لجنة مختصة فوافقت على إجراء العملية.. وتم تحديد الموعد خلال الأسبوع المقبل يجب أن تدخل المشفى حالاً".
سقط الرجل أرضاً من هول المفاجأة... بعد أسبوعين من العملية غادر المشفى وعاد إلى مزاولة عمله.. استأجر منزلاً جديداً، وظلّ دائماً يترحم على الكاتب القديم.

===>>>

اسير الصحراء
04-07-2006, 12:14 AM
ذاكرة الألم

د.طارق البكري


عاد من رحلته يائساً بائساً..
تخطّ قدماه في الأرض السهلة، تفوح منه رائحة عطر أنثوي يثير الغرائز.
ظنّ أنّه تحرر من قيود التاريخ وحواجز الزمن..
تناسى أنّه خليط من ماض وحاضر، نتاج هذا النسيج المركب، ابن هذا الزمان الذي يحاول الانفكاك منه ، وما استطاع إلى ذلك سبيلاً...
أصرّ بينه وبين نفسه على أنّه مغامر ماهر... أثبت أخيراً رجولته المنسية المسكونة بغلالات رقيقة من الألم والجوع والفقر، والمكوث طويلاً على أعتاب أصحاب الشأن وفي طوابير العاطلين الباحثين عن عمل...
نسيَ أنّ هنالك ملايين مثله...
طموحه الذي تكسّر على صخرة الواقع لم يجبر... بحث لنفسه عن مغامرة حقيقية مهما كلفه ذلك من عرق جبين.. المهم أنّه أثبت للعالم ولنفسه أنّه رجل قادر على كسر القيود.. يستطيع التغلب على ما يفرضه الناس عليه من حجر لأنه عاطل.. لكنّه لم يقصر بحثاً عن عمل شريف..
عمل حتى في تمديد المجاري الصحية، مع أنّه يملك شهادة عالية..
صديقته التي أحبها في الجامعة تخلّت عنه أمام أوّل طارق باب يملك شقّة وسيّارة وحساباً في البنك.. ما زال يتحسر على نفسه.. لم تستطع كل كميات الخمور الرديئة التي شربها لأول مرة أن تمحي ذاكرة الألم..
ظلّ يمشي لا يدري إلى أين ؟
يريد أن يرغم نفسه على الإيمان أنَّ المغامرة الأخيرة أشعرته بالبطولة.. بل إنَّه اليوم هو البطل الحقيقي، يضاهي أبطال السينما العالمية، وجهه الشاحب الذي لوحته الشمس بنارها كان يلمح إلى عكس ما يريد ..
"ما أحلاها من ليلة..".
عاد يهذي.. الخمر خرَّبت رأسه لكنها لم تمح ذاكرة الألم..
أخيراً وصل..
فتح نافذته المطلة على الشارع المظلم..
الشارع أشدّ سواداً من غابة في.. غابة ليس فيها قمر..
النَّاس في حارته ينامون بعد صلاة العشاء مباشرة. عملهم يبدأ مع أذان الفجر.. يخرجون رجالاً نساءً وأطفالاً يبحثون عن أرزاقهم في كل مكان ولا يبقى في الحارة أحد.. قد يظنّها العابرون مليئةً بالأشباح ليلاً و نهاراً.. الحركة فيها تقتصر على وقتين لا ثالث لهما: بعد أذان الفجر وعند عودة الناس منهوكين متعبين حتى الثمالة قبيل مغرب الشمس...
يتسللون إلى غرفهم الرطبة وفرشهم العفنة... يفعلون الشيء الوحيد الذي يحبونه.. يلقون على رؤوسهم بطانيات بالية... يغرقون في نوم عميق مثل آلات علاها الصدأ...
هو وحده تمرّد... اكتشف نفسه في تلك الليلة..
مزّق شهادة الجامعة... شعر أنّ وجوده لا فائدة منه.. اكتشف فجأة أنه شيء ما لا يمت إلى ماضٍ أو حاضر.. تجسد الواقع الذي لا يجسّد واقعه... فكّر؛ ربما لأول مرّة في سنيّ عمره الذي تجاوز الأربعين... قرر التمرد مع سبق الإصرار والترصد..
مساكين أهل هذا الحي الفقير..
فقير؟؟؟
بل معدم، لا تغريهم الحياة..
لا يهمهم إلا الكدح. من الفجر حتى غروب الشمس، وبين المغرب والعشاء يمارسون الغريزة إذا استطاعوا..
لينسوا، للحظات قليلة فقط، تعب النهار وشقاوة الحياة..
وغالبا ما يعجزون..
وحده قرر اختراق حدود العقل وذاكرة الألم...
رسم في رأسه أفكار الموت البطيء، الموت لا يمكن... إنَّها حياة حينما يعز الموت..
غسل يده بصابونة قديمة حركها بصعوبة تحت ماء بارد، مثل الثلج، يابسة، مثل الصخر، من ندرة الاستعمال..
"لا أقبل أن أكون ذلك الإنسان اللاشيء."
اللاشيء حقيقة الفراغ..
يدمِّر التفاصيل الصغيرة حتى الإنسان نفسه.
مغامرة حقيقية خاضها... لم يكن يملك إلا تلك الدراهم البسيطة..
أضاعها كلها على ليلة حمراء، كان يعلم أنّ تلك الغانية تضحك عليه، توهمه أنه بطل... أنه رجل، مع أنّه في الحقيقة لا يدرك معنى الرجولة..
لم يترك فرصة لنفسه.
شرب حتى الثّمالة من أردأ أنواع الشراب, لم يستطع تغييب ذاكرة الألم.. استجمع كل قواه المتبقِّية..
غسل رأسه في طست نحاسي ورثه عن أجداده..
نقع رأسه في الطست، الماء بارد بارد..
أيقن أن لا فائدة من كل ذلك.
النّور بدأ يتسلل برفق، ذاكرة الألم على حالها.. الحارة تغرق في ضوء جديد، وجه الغانية الساخر وهي تطرده بعد أن أخرج من جيبه آخر الدراهم لا يستطيع نسيانه..
"لا بأس... المهم أنني تأكدت من رجولتي، أو على الأقل هذا ما بدا لي".
يتمتم أمام المرآة المتكسِّرة المجروحة من كل جانب... الموروثة هي أيضاً عن أجداده..
"لماذا تعلمت؟؟ ألم يكن الأجدر بي أن أكون فرَّانا أو بنَّاءً؟؟".
عاد إلى صمته.. ارتدى ثوبه الوحيد مرةً ثانية... لم يغسل فمه...
بقايا الخمر الرديء ما زالت تفوح من فمه.
ذهب إلى محطة القطار القريبة، اندس داخل الدرجة الأخيرة .. تلك الدرجة التي يبقى فيها الناس وقوفاً فترةً طويلةً طويلةً..
ترك القطار يسير به حيثما شاء.. يتخفّى من قاطع التذاكر... يبحثُ عن تذكرة واقعة على أرض القطار... يبحث عن محطة جديدة تبعده عن حارته؛ عن ذاكرة الألم، عن تلك الغانية الحمقاء التي ضحكت عليه ونزعت جيوبه من قروشه البسيطة، ثم رمته كقشرة موز تدوسها الأقدام، لا قيمة لها..
====>>

اسير الصحراء
04-07-2006, 12:15 AM
شجرة التفاح
د.طارق البكري

في بيتنا القديم حديقة واسعة واسعة ، في وسطها شجرة كبيرة، عتيقة عتيقة، شاخت مع مضي السنين .. أحبـبتها منذ الصغر، كان لي معها قصص وحكايا على مدى الفصول ومراحل الطفولة والشباب ..
كان أبي يقول إنّ أمّه ، رحمها الله ، غرستها شتلة صغيرة منذ زمن بـعيد، لا يدري متى بالتحديد فقد كان طفلاً، وهي تحمل في قلبه ذكريات غالية عزيزة .
لذا ظلّ يرعاها ويهتم بها كأنّها فرد من أسرتنا ، يقوم بتنظيف الأرض من الأوراق الساقطة منها ، بالرغم من وجود جنايني مهمته رعاية زهور وأشجار الحديقة الكبيرة.. يعتبر أوراقها الساقطة شيئاً غالياً .
في موسم التفاح كنا نفرح كثيراً عندما يقوم أبي بنفسه بقطف ثمارها ويقدّمها لنا ، باعتبارها أحلى وأغلى هديّة سنويّة مستمرّة من أمّه، يرحمها الله .
كنّا نشعر وكأنّ هناك عيداً اسمه: "عيد التفاح" ..
كنا نترقب الموعد يوماً بعد يوم لنرى تلك الفرحة الغامرة التي يعيشها أبي وهو يراقب الشجرة تزهر وتثمر .. وتخرج خيراتها ، "هدية الأم" ، جدتنا الغالية ..
كان أبي يمنعنا من الاقتراب منها ، حتى بعد أن ينتهيَ الموسم ، ولم يكن يسمح لنا باللعب في ظل الشجرة كيلا نتسلقها ونكسر أغصانها ..
لقد كان يحمل لها في قلبه حباً وفياً ، أصدق من روايات الوفاء والحب التي نسمع عنها الكثير الكثير .. من شدّة حرصه على الشجرة؛ بنى حولها سوراً خشبياً مرتفعاً فلا يمكن الوصول إليها إلا عبر بوابة صغيرة، ولها قفل ومفتاح واحد، مكانه الدائم في خزانة أبي ...
مع الأيام كبرنا وكبر أبي وشاخت الشجرة..
أصبح منظرها لا يتوافق مع مشهد الحديقة العام...
موقعها يتنافر مع موقع الأشجار الأخرى التي تحيط بالحديقة ، وتشكل سوراً طبيعيا.ً كنت أعرف أنّ إعدام الشجرة كان مستحيلاً؛ اخترت أهون الحلول، عرضت على أبي أن ننقلها بعناية إلى مكان مناسب في أحد الأركان، وبذلك تبقى في الحديقة، ولا تسبب تشويهاً للمنظر ..
احمرّ وجه أبي غيظاً ... انتفض في مجلسه غاضباً .. قال كلمة الفصل :
" لن تنتقل الشجرة من مكانها ما دمت حياً " .
احترمنا إرادة أبي ... لم يجرؤ أحد من إخوتي على اجتثاثها رغم ما تسببه لنا من إزعاج .
عند وفاة أبي لم يوص أحداً بالشجرة التي أحب وأخلص لها طوال عمره، لقد كان بإمكانه أن يوصيَ بها لكنّه عرف مقدار المعاناة التي تحمّلها من أجلها ، لتبقى ذكرى جميلة من أمّه ... فإن كانت ملزمة في حق نفسه ؛ فإنها ليست بالضرورة ملزمة في حق أولاده ..
أغلق عينيه بصمت ... لم يطلب من أحد منا المحافظة على الشجرة في مكانها..
والآن ، وبعد سنوات طويلة ، لا تزال الشجرة في مكانها، جفّت عروقها وأغصانها... لا تثمر .. لا ورق فيها إلا ما ندر .. لولا اخضرار بسيط فيها لأعلنّا موتها منذ زمن بعيد ...
وفي يوم ، اجتمعت زوجتي وأولادي ... ثم خرجوا ليعلنوا قراراً بالإجماع: "لا للشجرة لا نريدها لقد أصبح شكلها مخيفاً ومزعجاً " .
صاحوا جميعاً :
"إنّها عجوز لا فائدة منها " .
لم أغضب .. لم أرفع صوتي .. بل تمتمت بهدوء، مكرراً ما قاله أبي قبل سنين طويلة :
" لن تنزع هذه الشجرة من مكانها ما دمت حياً " .
اللهم ارحم أبي وجدتي.
===>>

اسير الصحراء
04-07-2006, 12:15 AM
صديقي
د.طارق البكري

كنت أبلع ريقي حال مخاطبتي إياه، متلمساً أطراف أناملي، مراقباً كلماته المرسلة بتأدب شديد واختيار حريص، خلاف غيره من الأصدقاء، وأظل مبتسماً مهما تداعت الخطوب، خشية استفزازه وانتشاله من لحظات الهدوء النادرة التي كنت أعشقها وأعرفها كخبير محنّك يميّز بين الماس الحقيقي والمزيف...
عرفته منذ زمن بعيد.. لا أدري متى تحديداً.. ربما من ثلاثين سنة، ربما أكثر، حتى إنّي نسيت كيف التقينا وفي أي مناسبة، ولماذا أغرقت في ودّ هذا المصقول بالتّجارب الزاخر بالخفايا؟...
كان صديقي القريب وكنت صديقه الوحيد...
بقيت صامداً رغم انفضاض الكلّ عنّه وتأرجحه في دوامه من الحدّة تفشّت في نفسه، بوضوح، طبع أصيل لا ينفك عنه في أفضل الظروف والمواقع...
عصبيته الزائدة فتّاكة نسفت كل الأشياء الجميلة التي يخفيها تحت كومة من الأشواك المسنّنة الحادة...
عاش حياته متناقضاً، لا يمكن أن تفهم ما يريد... ساعةً تراه محباً طيباً ليناً، مستعداً للتنازل عن كل ما يملك لقاء ابتسامة يتلقاها رضيّة من محتاج...
فجأة، دون إنذار أو سبب مفهوم، ينقلب قاطعاً خيوط التّماس، وغالباً ما قذف بعضاً ممن يكون حولـه بكأس ماء أو ملعقة أو بجهاز هاتفه النقال، لسبب أو لغير سبب....
ورغم هذا أحببته بصدق... ربما أكثر من زوجته وأولاده الذين فروا يائسين خائفين، عيل صبرهم فتركوه يمارس هواية القسوة، وكأنّه يتلذّذ عندما يمعن حتى الإضرار..
نعم أحببته... لامني الناس على محبتي؛ حتى زوجتي.. فالأمر لم يكن بيدي، كنت أتنازل عن رأيي الذي أعتبره صائباً وأتخلّى عن كبريائي واعتزازي بنفسي أمامه، لأني أحببته بصدق وآمنت بطيب معدنه، ولو بدا للناس غير ذلك....
في البداية حاولت جاهداً ثنيه عن عصبيته الفريدة من نوعها، ثم تراجعت..
مرّة قلت له مستغلاً لحظة صفائه عارض:
"الغضب مطية الضعفاء"...
انقض عليّ.. كاد يهشم رأسي لولا فراري من أمامه فرار "الشجعان"....
وما زلت أذكر ذلك النادل المسكين الذي كسر عظم يده لأنه أوقع على ثوبه الجديد القليل من الحساء الساخن، فقعد في جبيرته لأيّام، فيما حلّ صديقي ضيفاً على السجن، إلى أن رفق به النادل وتنازل عن حقّه بعد إلحاح ورجاء وتعويض مجزّ منيّ...
كان سراً. لا لشيء إلا مخافة أن يصيبني ما أصاب النادل المسكين..
لم أفهمه يوماً، ربما لقصور في نفسي! وربما لعجز!
لكن هل كل الذين كانوا يحيطون به عاجزون مثلي؟ لست أدري!
كان يفعل المستحيل من أجل إنفاذ حاجة لإنسان وإن كان لا يعرفه، فقد كان خدوماً إلى أبعد الحدود، كنت معجباً كثيراً بإصراره الفريد على فعل المستحيل....
لا يتردد في الدخول إلى مكتب مسؤول كبير وحتى وزير من أجل حل مشكلة إنسان تعرف إليه قبل لحظات.. وربما على باب المسؤول نفسه..
نعم أحببته، رغم كل عصبيته، لأنّه كان صادقاً في كل شيء؛ حتى في غضبه وعنفوانه وثورته.. اليوم صباحاً ودعته للمرة الأخيرة، غادرني رغم أني كنت لصيقاً به على عكس إرادته...
ودّعته من نافذة ترابية أغلقت عليه بهدوء دون أن يعترض كعادته..
رافقته وحدي وبعض البسطاء الذين لا يعرفونه.. حتى أقاربه لم يأت منهم أحد..
تركته هناك تحت الرمال الرطبة...
فوقه شاهد صغير، أكدت له أنني سأزوره من وقت لآخر، متفقّداً ومستذكراً أيّامه التي لا تنسى.. موصياً بمكان يكون لي قريباً منه..
واليوم.. ورثت عنه العصبيّة...
أصبحت وحيداً رغم كثرة الذين هم حولي...
والآن فقط، بعدما لملم أوراقه وتركني في وحدتي فهمته....
نعم.... فهمته، ربما أبلغ مما أفهم نفسي....
من سجن الحياة إلى سجن النساء
د.طارق البكري

"سيدي القاضي …أنا امرأة مسكينة، ما عرفت يوماً معنى الحرام، ولا اقترفت يداي جرماًً استحق معه كل هذا العذاب..
كلُّ الأدلّة التي جاءوا بها كذب وافتراء، ليست حقيقية، لا شك أنّهم يتحدثون عن امرأة أخرى، لست أنا هي بالتأكيد...
لا أعرف الأحداث التي يذكرونها، أنا لا أطلب منكم الرحمة، ولا استجدي منكم العطف والرأفة... فأنا بريئة رغم كل ما قيل عني...
لا أريد الرحمة.. لا أريد البراءة، أريد حقي في الحرية...
ابحثوا عن المرأة التي يتحدثون عنها فأنا لست هي بالتأكيد، كفى كفى"..
كانت تتحدث بقوة..
لم تثنِ كل الأحداث المرعبة من عزيمتها، بل زادتها قوة وعنفواناً وتصميماً.
القاضي رفع الجلسة للمداولة...
"محكمة".
"حكمت المحكمة حضوريّاً على المتهمة حوريّة صبري بالسجن عشر سنوات.. رفعت الجلسة".
لم تسقط من عينيها دمعة واحدة... قويّة صلبة.. نكبات الدهر علمتها الصبر.
الحضور كان سعيداً بقرار المحكمة.. كلماتها.. نظراتها.. ثقتها الزائدة بنفسها... رفضها استدرار عطف الحاضرين...
لم يترك كل ذلك مجالاً لشعور حتى بالشفقة نحوها...
حياتها الطويلة وهي تبدأ أولى خطواتها داخل السجن عادت إليها بكل ذكرياتها الحلوة والمرة: " خمسون سنة كاملة مضت.. خمسون سنة في سجن الحياة الواسع فما هي السنون العشر داخل القضبان؟؟".
لم تكن مبالية لم تطلب استئناف الحكم... السجن بالنسبة لها محطة استراحة ؛ بعد رحلة طويلة من العذاب.. ليس الآن فقط بل منذ الولادة. أمها المسكينة حملتها بعد وفاة زوجها رضيعاً، وانتقلت بها إلى المدينة.. لم يقبل أحد أن تعمل عنده برفقة طفلتها.. ظنوا أنّها هاربة.. أنّها حملت سفاحاً... عرض عليها رجال كثيرون "شهامتهم" التي كانت تخفي طمعاً بلحم هذه المرأة الضعيفة..
لم تجد مكاناً تأوي إليه... دافعت عن شرفها بشدّة، الوحوش لم ترحم توسلاتها، لم ترحم بكاء طفلتها الرضيع، لم تستطع احتمال كل القهر الذي أصابها لم تقوَ على اغتصاب كرامتها...
في اليوم الثاني اكتشف المارة طفلةً ملفوفةً بعباءة الأم السوداء، وعلى العباءة آثار دماء، والطفلة تكاد تتجمد من البرد، أمّا الأم فوجدوها بعد أيّام طافيةً قرب شاطئ النهر الذي يخترق المدينة..
نشأت الطّفلة في يتم... لا أب ولا أم.
كانت تراقب الأطفال الذين يسيرون في الشوارع، يمسكون أيدي أمهاتهم وآبائهم.. كبرت، وكبرت معها آلامها.. تكررت مأساة الأم : " شهامة الرجال" تزداد عند امرأة وحيدة.. الكلّ يقدّم خدماته، الكلّ يريد قيمة واحدة للخدمة...
ورثت عن أمها شيئاً خاصاً.. لم تستسلم لكل المغريات جابهت حتى الموت.. تعلمت.. كانت تريد إكمال دراستها لكن.. من يعلّمها ؟
وقفت عند المرحلة المتوسطة، بدأت تعمل شغّالة في البيوت.. الميتم لا يتّسع إلا لعدد محدود من الأيتام.. عندما يكبر الصغار قليلاً يبحثون لهم عن عمل ومكان يقيمون فيه...
زوج السيّدة التي تعمل عندها لم يرحم طفولتها...
مسنّ كريه، رائحة العفن تفوح من فكيه...
اغتصب براءتها.. لم تستوعب ما يحدث لكنها رفضت...
غريزتها أبت ذلك.. أغراها بالمال.. بالعطف..
أظهر لها ابتسامة تخفي مكراً عظيماّ، لكنها لم تستسلم..
عضته في يده... كادت تنهش لحمه، ذاقت طعم الدم لأول مرة، لم تسمح له أن يسقط نقطة دم من شرفها...
هامت في الشوارع بائسة... خرجت في ثياب بسيطة، لا مال لا طعام لا مأوى.. ادعى أنها كانت تسرق... حاول القبض عليها، لكنّه كبير بالسن، كانت أقوى منه، سرقت ماله وهربت...
أخفى الحقيقة... ماذا يمكن أن يقول لزوجته لأبنائه...
صدقته الشرطة...
صدقه القاضي... صدقته زوجته رغم أنّها لم تصدقه.. رجل محترم من أسرة محترمة، موظف كبير، لماذا يكذب؟ هي متشردة لا أب ولا أم.
هي السّارقة ولا فائدة من الكلام الذي تقوله..
مكثت في سجن الأحداث سنوات..
تعرفت على كل صنوف الانحراف.. صمدت.. لم تتأثر.
ورثت عن أمّها نزعة الخير، حاولت الفتيات هناك أن يفسدنها..
كان يسيء أكثرهن هذه المسكينة وإصرارها على التمسك بالشرف... هن يميزن أكثر من الشرطة ومن القاضي؛ يعرفن من منهن الشّريفة العفيفة ومن هي المنحرفة.
صمدت... لم تتأثر.
خرجت ناضجة: جسمها استدار، أنوثتها اكتملت، نقمتها على الناس والمجتمع ازدادت.. لكن من يوظّف عنده مثل هذه الفتاة.. من يفكّر بالزواج من فتاة مثلها؟
فكّرت بالعودة إلى قريتها البعيدة التي لا تعرف غير اسمها: " دير الشمس".
لكن من يستقبلها هناك؟! لا عم ولا خال ولا أقارب... حتى لو وجدت أقارب لها؛ هل سيصدقها أحد ؟
لقد صدقتها بنات السجن لخبرتهن.. و لم يصدقها المحقّق...
القاضي حكم بشهادة الرجل المعتدي.. كانت تفكر: كيف استراح ضمير ذلك الرجل؟ كيف قام بذلك دون أن يرحم طفولتها وحياتها وحكم عليها بالموت؟
ومع ذلك لم تستسلم...
في كل مكان بحثت فيه عن عمل كانت تُسأل عن ماضيها وهي تقول الحقيقة... لا تحاول إخفاءها.. العروض انهالت عليها من أصحاب العمل و الموظفين الكبار.. لكن: "خارج إطار العمل".
ما يعجبهم فيها ؟
"هيكل عظمي وبقايا امرأة". لكن يبدو أنّ شهوة الرّجال لا تميّز إلا بعد انقضائها.. العروض كانت واضحة جداً، تصريحاً وتلميحاً:
" لنقض وقتا ممتعاً في مكان جميل.. سوف تنالين ما يرضيك".
الجواب الذي كانت تملكه واحد لا يتغير:
" تفووووووووووووووه ".
طلقة رصاص محددة الهدف... تبصق حتى يتطاير البصاق، أصبحت ماهرة في ذلك، بل كانت تحضّر البصقة مسبقاً لمعرفتها و ثقتها بما يحدث..
أما النّساء فلم تكن واحدة منهنّ تقبل تشغيلها... سجلها السّابق يقول إنّها سارقة... أنوثتها الحاليّة.. شبابها.. محلّ اتهام دائم...
من تخاطر بواحدة مثلها في منزلها ؟؟ من المؤكد أنّها قد تفتن زوجها وأولادها..
هي أيضا لم تكن راغبة في الأصل أن تعمل شغالة في المنازل.. تجربتها الأولى رمتها في السجن سنوات طويلة مع أنها بريئة... والسجن "ليس إلا للمجرمين"!!!
عاشت تتمنى الموت...
قبضت عليها دورية شرطة وهي نائمة تحت جسر... اتهمتها الشرطة بالتشرّد.. ضابط الشرطة همس لها: "تخرجين الآن بشرط".
"تفووووووووووووووووووه"..
بصقت في وجهه...
ليخفي جريمته سجل لها: إهانة شرطي يزاول عمله...
قضت في السجن بضعة شهور لأنّ القاضي لم يصدقها... صمدت لم تتنازل.. صارت نزيلة دائمة في السجون.. كلما حدثت سرقة أو جريمة استدعتها الشرطة للتحقيق.. ويبدأ التهديد والوعيد وأخيراً الضرب...
باعت على الطرقات كل شيء إلا لحمها..
التقت بشاب متشرّد مثلها..
حتّى هو لم يرحم عذاباتها، ضربته بيدها بكل قوة، وقع على الأرض ثم فرّ هارباً... ظنّته سيقدّر مصائبها.. لكنّه لم يكترث.. كان مثل غيره من الرّجال..
حاويات الطّرقات تعرفها... تبحث في القمامة عن طعام مرمي.. قطع خبز يابس.. علب فارغة.. ملابس قديمة.. أي شيء يمكن تنظيفه وإعادة بيعه بثمن بخس..
مضت أيام وأيام.. شاخت قبل أوانها، لكنها لم تسقط، كانت تذوق الدم ولا تسمح لأحد أن يسرق عفّتها.. صمدت رغم كل شيء.. ابيضّ نصف شعرها، تقلّبت في آلام الحياة ولم تستسلم.. حتى جاء يوم ووقعت مجدداً في قبضة الشرطة.. قيل إنها تلك المرأة التي يبحثون عنها..
أنكرت لكن "حضرة القاضي" لم يصدقها.. ظلّ الماضي يلاحقها... الاعترافات تقول إنّها هي.. وشهد البعض إنّها هي بالفعل.. ضحكات ساخرة كانت تسمع من داخل القاعة؛ ضحكة نسائية ساخرة...
أكثر من شخص ادّعى أنّها تلك التي يبحثون عنها.. كل القرائن كانت ضدها.. لم يكفل لها ماضيها شيئاً من الرحمة..
بعد صدور الحكم؛ رأت المرأة، ذات الضحكة الساخرة، تلوّح لها من بعيد وعلى ثغرها ابتسامة ماكرة.. غادرت المرأة مكانها، اتجهت نحو مخرج القاعة مطمئنة سعيدة بالحكم.

====>>

اسير الصحراء
04-07-2006, 12:16 AM
الوصيَّة الأخيرة


بقلم: د. طارق البكري
docbakri@yahoo.com



ليس الهروبُ متاحاً بعد الآن..
فراغ الإطار من الصورة لا يعني سوى "النّهاية"..
الأشياء الفارغة لا قيمة لها.. التماثيل الجوفاء تزول مع الزمن، وتبقى حكاياتها..
انهيار كلّ أحلامي ما كان متوقعاً عندي.. نقيض توقُّع الآخرين..
لتذهبْ كلُّ الأشياء الثمينة والرخيصة.. الرفيعة والوضيعة..
ما بديل هذا غير الهروب إلى سراب.. إلى وادٍ سحيق.. حيث المجهول يختلط بحَبِ التراب الأسود.. كالقطران.. اختزالاً لمصائب السنين..
أينَ أصبحتُ أنا اليوم؟!
أينَ كلُّ المدَّاحين والمطبّلين.. والملمِّعين.. وأنا لا آمن الآن على نفسي من نفسي..
فقدت الهواء الرطب المعطَّر الذي كنتُ أتنشّقه...
فقدت كل حاجاتي الصغيرة قبل الكبيرة..
مضيت سالكاً طريق وحدتي، كمن أصابه وباء لا براء منه.
لما سقطتُّ.. سقطتُّ وحيداً.. ومع سقوطي سقطتْ كلُّ الأقنعة المزيفة..
كنتُ أُدرك ما تُخفيه.. وأخفي..
رنينُ الذهب اللمَّاع ساحرٌ أخَّاذ.. به تطوى الحقيقة..
عشرون عاماً وحَوْلي الطبول تدقُّ.. والمزامير تعزف.. والهاماتُ تنحني..
لا يدخل "بلاطي" إلا من يغسل قدميه بماء الذل والطاعة والهوان..
عشتُ هكذا؛ أتلذَّذ بماء الوجوه يلسع الوجنات، ينهمر تحت أحذيتي التي لا أكاد أعرض واحداً منها.. حتى يذوب من بعدُ في ظلام طويل، ربما لا يخرج منه مرّةً ثانيةً..
هذا التلذّذ كان رفيق روحي.. أعشقه كما يعشق الفراش النورَ، أو كما يعشق النّسرُ الفضاء.. أوكما يهيم القطا بعشه..
تكشَّفتْ أماميَ الحقائقُ متأخرةً..
ذلك "المجدُ" الذي بنيته من عذابات النَّاس ما أفادني بشيء..
نعم.. بنيت مجدي على جماجم الآخرين.. صنعتُ أبراجاً من الوهم، صِغْتُ من الظلم أساور وتيجاناً، أُزيِّن بها "جَمَالي".. ولم أعِ الحقيقة إلا بعد مضي الزمن..
ذات مساء..
جاءت إليَّ أمِّي زاجرة:
"ألم أعهد إليك يا بنيّ ألاّ تمثّل الشيطان في الأرض.. ألم أحملك وليداً.. وأربّك صغيراً.. فلمَ كل هذا الظلم يا ولدي؟!!"..
فما زادني ذلك إلا نفوراً..
أمرتُ أتباعي بإخراجها من "بلاطي"..
أبعدتها عني..
بنيت لها مكاناً فاخراً يليق بأمّ من هم "مثلي".. رفضت المكوث في هذا المكان.. وأتباعي كانوا يمنعونها من الخروج دون إذني..
سمعتُها مراتٍ تدعو لي..
"الله يهديك يا بنيّ.."..
كنت أسخر من دعواتها..
حتى زوجتي المسكينة عاشت رعباً متواصلاً.. لم تكن جريئةمثل أمي، تعلم أننَّي مع كلِّ ما أنا فيه لا يمكن أن أؤذي أمي.. أما هي فشيء آخر.. لذا كانت تلوذ بالصّمت بينما أطعنها في قلبها.. في كرامتها..

آتي إليها والخمرة تفوح مني.. وعطر الغواني تخبر عني..
تبكي في سرّها..
حتى البكاء كان ممنوعاً في "حضوري"..
لم أشعر بكل الخطايا التي تموج في داخلي موج البحار..
هل كنت مسحوراً.. أم عميت بصيرتي؟!..
ولدي الصغير "شجاع".. حاول مرة أنْ يقول لي بلطف ما لا يجرؤ أحدٌ على قوله..
نفيتُهُ.. حرمته من كلِّ شيء.. كنتُ أريد أنْ أفعل ما هو أعظم من ذلك، لكن بقايا مشاعر الإنسان في داخلي.. منعتني، وكدت ألا أستجيب لها لولا نصح بعض المقرَّبين مني.. فوجدتْ النصيحة في نفسي هوى لها..
ما حسبتُ أنني سأصل يوماً إلى هنا..
أعمتني أشياء كثيرة عن الرؤية، عن التمييز والتفكير والتقرير..
كنتُ محور نفسي.. ولا دليل لي..
البعض من حولي يرددون كلماتي أكثر مما يرددون كلام ربهم.. وفي السرّ.. ربما، كانوا يلعنونني..
دعوت الأدباء والشُّعراء والفنانين..
أمرتهم.. نعم أمرتهم.. عظّموا شأني كما لم يعظَّمْ أحد قبلي..
لاحظتُ في أعين البعض منهم سخريةً.. فظلّوا ضيوفاً عندي ولم يعودوا إلى ديارهم..
لم يجرؤ أحد عن مجرد السؤال عنهم.. حتى أمهاتهم..
تفننت في السقوط..
أبدعت بشيِّ من يجرؤ على معارضتي.. كان لحم الشِّواء يمتعني..

"فما نفع الإنسان بناظريه.. إذا استوت عنده الأنوار والظلم؟"..


فتحتُ على الحياة نافذةً من صنعي أنا لوحدي.. من أراد الوصول إلى ما يريد عليه أن ينظر إلى الحياة من خلال هذه النافذة ولا شيء سواها..
لم تكن التفاصيل تثير اهتمامي.. العناوين العامة تسكنُ تفاصيلي "أنا".. لا تفاصيل سواي.. وليذهب الآخرون إلى الجحيم..
كل المرايا لا تعكس غيرَ صورتي..
غنَّى المطربون "لي"..
أنشد الشعراء أجمل قصائدهم كرمى لعيوني.. لا لعيون ليلى ولا سلمى..
كتب الطلاب عني أبحاثهم..
اشتغلت المطابع والمسارح والمعاهد..
لا شيء قبلي.. ولا شيء بعدي..
اعتاد الناس عليَّ كما "أنا".. مثلي.. فقد اعتدت عليهم كما "هم"..
سعادتي في تعاستهم..
البعض من حولي ظلّوا يصفقون.. هذه حاجة لا تنقصني.
أغدقت أموالي على هؤلاء "البعض"، والويل.. الويل لمن شذّ، فعاقبته "ناري".
عشتُ سنوات طويلة أسير ظلمي.. أسير هواي..
فقدت "رموش" عينيَّ وما تخليّت عن "كبريائي".
قادني ظلمي إلى كهوفٍ ومزالق..
انكب الناس عليّ من كل جانب.. أيقنت نهايتي.. أيقنت آخر فصولي.. لكنّي لا أنحني.. كيف أتركُ كلَّ هذا المجد الذي صنعته، وأدعه لـ "يتلذذ" به الآخرون؟!
هواجسي كانت تفتك بسنوات ظلمي، لن أرحل قبل أن أقضي على كل شيء.. لن أترك مكاني بسهولة..
فيا جبال اهتزي.. ويا سماء ارعدي.. ويا أرض اخسفي.. ويا بحار تفجّري.. ويا غمام اهطلي.. ويا صواعق اقصفي..
جننتُ.. نعم.. جننتُ.. ومازلت أسمع التصفيق حادّاً.. لكنَّ المصفقين قلّوا.. وبدأوا يتباعدون ويتشتتون كما تتباعد السحب وتتشتت في يوم ربيعي صافٍ..
بقيتُ وحدي..
تذكرتُ أمِّي في "سجنها"..
تذكرتُ ولدي في "منفاه"..
تذكرتُ.. وتذكرتُ.. وتذكرتُ.. وأي "شيء" أتذكر؟؟؟
فما فائدة التذكّر.. وكلّ مَنْ معي ذهبوا.. وبقيت وحدي أجرُّ خذلاني ووحدتي.. ويأسي.. وعاري.. وانكساري؟؟؟..
بعض المرتعدين مثلي ارتبطوا بمصيري.. أمسكوا بي.. كادوا يقتلونني..
وعدتهم بأموالٍ وبنين.. ومجدٍ لا يلين.. ما صدقوا، لكنهم تبعوني..
وفي الطريق كلٌّ هرب من جانب.. لم يمنحوني فرصة جديدة.. أرادوا الفرار بأرواحهم.. فلا أملك لهم ولا لنفسي ضراً ولا نفعاً..
فإلى أين المصير؟!
الشرُّ من أمامي.. والخوف من ورائي.. وما زرعتُ ينبتُ من تحت قدميَّ الحافيتين.
صرتُ أركض كالمجنون هارباً من كل شيء.. هربت حتى من ظلِّي.. لا أريدك أيها الظل "العفن"... لا أريدك.. أنت تعرف كلَّ خفايايَ وأسراري.. انطلقْ.. ابتعد عني.. لا تلبسني.. ارتد هذا النهر أو ذاك الوادي..
وأنتِ أيتها الشمس.. أطفئي نورك.. اخلعي نارك.. اسكني خوفي وجرمي..
صرتُ أتقلب بين الجبال.. أمتطي جواد الفزع والجوع والتشرد.. من كهف إلى آخر..
أصادف "الوحوش".. وحوش البراري.. تشفق عليّ فتتركني..
أكلت أوراق الشجر، حشائشَ الأرض.. حضنتُ برودة البادية.. شربت الماء الموحل.. ارتديت خشونة التراب.. توسدت صلابة الصخر..
وفجأة.. وجدتُ نفسي في قبضة رعاة الأرض.. وحيداً بلا تصفيق ولا تطبيل...
حملوني.. أطعموني.. أسقوني حليب نياقهم..
ألبسوني جلد نعاجهم..
شعرتُ بالدفء.. وبعض الأمل والأمان..
بعضهم عرفني.. لم يفشوا سري.. كانوا ينظرون إلى بعضهم، يعرفون أنّهم يعرفون.. لكنّهم لا يتكلمون..
ربما كانت قلوبهم أرقّ من نسائم الربيع.. أومن أوراق الزهور..
عرفت متأخراً.. لكن ماذا استفدت؟!
سمحوا لي أن أكتب على جلد نعجة وصيّتي.. آخر كلماتي..
كانت جراحي متعفِّنة.. أطرافي متيبِّسة.. الدود يعشعش في كهوف مفاصلي.. يطل برأسه ثم يختفي..
لم يتكلموا..
أحضروا لي جلد نعجة.. وعوداً مقلماً..
غرست رأس العود في جروحي.. ما شعرت..
بللتُ طرفَ العود بدمي.. لأكتب وصيتي.. لأكتب "اعترافي..".
ترفقوا بي.. مع أنّي قد أكونُ سببَ وجودهم في الجبال والوديان..
حنّت عليَّ قلوبهم.. وما "حنيّت".
مسحوا جراحي الكثيرة.. وما "شفيتُ"..
حاولوا تبريد عروقي المحترقة.. وتحريك جوارحي المتبلدة.. وما أفلحوا..
كانوا أكثر مني قوّة.. وكنت أكثر منهم ضعفاً..
كتبت آخر كلماتي.. لكن لمن أكتبها؟؟؟.. لا أحد يريدها.. لا أحد يريد أن يسمع عني شيئاً.. حتى أمِّي.. ربما.. وبمَ أوصي.. لا شيءَ عندي لأوصي به..
حتى الكفن لا أملكه..
لا أقدر على مواصلة الكتابة..
أشعر بثقل العود بين أصابعي.. هذه الأصابع التي فعلت.. وفعلت.. الآن لا تقوى على طرد ذبابة.. آااه.. آاااه..







في الصباح.. اجتمع الرعاة قرب صخور بيضاء.. دعوا الله بسكون، تأمّلوا هذا القبر النائي.. الذي يحتضن صاحب "الجراح" الكثيرة بعدما لفُّوهُ بجلدِ نعجةٍ.. عليها وصيّته.. دفنوها معه.. دون أن يقرأوها.. لم يحتفظوا بها كي لا يقرأها أحد.. نظروا إلى بعضهم.. قرروا إخفاء هذه الذكرى.. أرادوا طمس معالم القبر.. اتفقوا ألا يتكلموا.. ربما "خوفاً" من "بطش" صاحب القبر.. مع أنّه ميت، أو احتراماً للموت نفسه، ساروا بصمت نحو أنعامهم..
ساروا معاً.. يعرفون الطريق الذي يتوجهون إليه، الهدف الذي يسعون إليه، منذ سنوات طويلة.. عادوا إلى بيوتهم التي هجروها.. إلى زوجاتهم.. إلى أهلهم.. إلى أولادهم.. وأخفوا ذكرى ذلك القبر حتى لا يتحدث عنه أحد..
ذهبَ كلٌّ منهم بأنعامه ترعى من جديد بالقرب من بيوتهم، تحفّهم الذكرى.. ويغشاهم الأمل..
أمَّا ذلك القبر.. فقد سحقته صخور الجبال، وهبت عليه أعاصير البادية، وغطّته الرمال.. وأبادته الأحلام.. ولم يعد شاهده يدل عليه..
أمَّا تلك الوصية.. أو "الاعتراف".. فلم تعد تنفع الآن، وجدت الديدان فيها وجبة لذيذة.. فنخرتها حتى طُمست.. ولم يبق من حروفها حرف..
ومرَّت فوق القبر نعاج..
ومرَّت فوق القبر خراف..
ومرّت فوق القبر جمال..
ما عاد لظلمه مكان..
ولا لظلامه مصفّقون ولا مطبّلون.. ولا من "يحزنون"..
الكويت : 16/9/2003

اسير الصحراء
04-07-2006, 12:19 AM
الأسلوبية عند ميشال ريفاتير

الأسلوبية عند ميشال ريفاتير

الدكتور طارق البكري

تمهيد:
الأسلوب في اللغة والأصطلاح :
يقول ابن منظور في اللسان: ( يقال للسطر من النخيل وكل طريق ممتد فهو أسلوب، فالأسلوب هو الطريق والوجه والمذهب، ويقال أنتم في أسلوب سوء... ويقال أخذ فلان في أساليب من القول أي أفانين منه).
ويعرف ابن خلدون الأسلوب في المقدمة فيقول: ( إنه عبارة عن المنوال الذي تنسج فيه التراكيب أو القالب الذي يفرغ فيه ولا يرجع إلى الكلام باعتبار فادته كمال المعنى من خواص التركيب الذى هو وظيفة الإعراب ولا باعتبار افادته كمال المعنى من خواص التركيب الذي وظيفته البلاغة والبيان ولا باعتبار الوزن كما استعمله العرب) ويخلص للقول إن الأسلوب هو(الصورة التي ينتزعها الذهن من أعيان التراكيب الصحيحة باعتبارالإعراب والبيان فيرصها فيه رصاً).
وفي اللاتينية كلمة(stilus) تعني ريشة ثم تطورت لتصل إلى الأعمال الأدبية .
وأشهر تعريف للمصطلح الحديث المعاصر نجده عند الكونت بوفون بقوله:
( الأسلوب هو الإنسان نفسه ولا يمكن أن يزول ولا ينتقل ولا يتغير) .



مقدمة :
يعتبر ميشال ريفاتير من أبرز الباحثين في الدراسات الأسلوبية الحديثة، فقد قدم العديد من الأفكار والمبادئ التي تفاعلت بمجملها مع أفكار غيره المصنفين في دائرة الأسلوبية البنيوية وسواهم من الضالعين في سبر أغوار الأسلوبية وسبك بنائها المتماسك من نواحيه.
وبالفعل، فقد وضع ريفاتير مجموعة قيمة من الأسس استطاعت أن تشقً طريقها وتثبت ذاتها، وتقدم للباحثين أضواء ساطعة كاشفة .
ركز ريفاتير على جملة من القضايا الهامة، وتكلم على عدد من الظواهر الأسلوبية البارزة في النص، ولفت إلى الجمل التي تستوقفنا كقراء وتلفت انتباهنا، معتبراً أن الأسلوب يعد إبداعا من المنشيء وإرجاعا من المتلقي ، فالمبدع يسعى للفت انتباه المخاطب والوسيلة هي شيفرات تستوجب كشفاً من القارىء.
ويعتبر ريفاتير من أبرز الأسلوبيين، وقد عمل في جامعة كولومبيا منذ مطلع العقد الخامس من القرن الماضي وله دراسات عديدة منها "إنتاج النص" و " دراسات في


ريفاتير والأسلوب:
يصنف ريفاتير مع الأسلوبية البنيوية ومن الذين يقولون بأن الأدب شكل راق من أشكال الإيصال وأن النص الابداعي ما أن يتم خلقا ويكتمل نصا حتى ينقطع عن مرسله لتبقى العلاقة بين الرسالة والمستقبل زمنا لا يتنتهي دوامه. وهو بذلك خالف ياكبسون الذي يهتم بالمرسل والمرسل إليه وينصب اهتمامه بالدرجة الأولى على القارئ دون أن ننسى الوظيفة الشعرية.
ويعتبر ريفاتير من المجددين في التنظير الأسلوبي بمقالاته التي نشرها في بداية الستينات ثم جمعت واستكملت في أوائل السبعينيات من القرن الماضي في كتابه مقالات في الأسلوبية البنيوية (Essais de stylistique structurale).
ويعرف ريفاتير الأسلوب بأنه: ( إظهار عناصر المتوالية الكلامية على اهتمام القارئ ) وتظهر من كتابات ريفاتير أن الأسلوبية ما هي( سوى هذا التأثير المفاجئ الذي يحدثه اللامتوقع في عنصر من السلسلة الكلامية بالنسبة إلى عنصر سابق).ويستشهد ريفاتير ببيت شعر لكوريني: (هذه عتمة مضيئة تسقط نجوما) ويقول : هذه مفارقة غير متوقعة.
ولا شك أن ريفاتير أحسن كثيرا بالاستشهاد بهذا النص الفريد، فمن حيث التباين الظاهر يقع القارئ في حيرة بين الضوء والعتمة والاستعارة غير المتوافرة في تكتيك شعري فريد ينقل المتلقي من حيثيات الكلمات المعتادة إلى أفق جديد غير متوقع ، وهذه الصدمة المفاجئة التي تحدث لدى المتلقي هي المقصودة من فعل التغيير المنطقي للكلمات المتتالية في السياق، ويرى البعض أن هذه الطريقة هي بنية ثنائية متباينة منتظمة في زمن التكون التتابعي للنص .
ويقدم ريفاتير في كتابه أسلوبية البنيوية تعريفاً محدداً للأسلوب يتولى بعد ذلك شرحه والتعليق عليه، فيقول :
يفهم من الأسلوب الأدبي كل شكل مكتوب فردي ذي قصد أدبي أي أسلوب مؤلف ما أو بالأحرى أسلوب عمل أدبي محدد يمكن أن نطلق عليه الشعر أو النص وحتى أسلوب مشهد واحد.. ويعلق المؤلف نفسه على تعريفه هذا بقوله: إن هذا التعريف محدود للغاية وكان من الأفضل أن نقول بدلا من (شكل مكتوب) كل شكل دائم ، حتى يشمل الآداب الشفاهية التى لا تستمر نتيجة للحفاظ المادي عليها كشكل نصي متكامل فحسب، بل بوجود خواص شكلية فيها تجعل من الميسور فك شفراتها، مثل : الافتتاحية الموسيقية بطريقة منظمة ومستمرة ، وقابلة لأن نتعرف عليها بالرغم من أي تنويعات أو أخطار في طريقة عزفها أو تفسيرها من مختلف القراء.
أما قوله ذو قصد أدبي) فلا يشير في هذه الحالة إلى ما أراد المؤلف أن يقوله ولا يهدف إلى التمييز بين الأدب الجيد والردئ ولكنه يعني أن خواص النص المحدد تدل على أنه ينبغي اعتباره عملاً فنياً وليس مجرد تعاقب كلمات.
من هذه الخواص شكل الطباعة وشكل الوزن وعلامات الأجناس الأدبية والعناوين الفرعية مثل رواية أو قصة أو حتى ظهوره في الوقت الحاضر في مجموعات معينة قصصية أو مسرحية أو شعرية .
ويبدو أنه من الأسهل لنا في ريفاتير أن نطلق كلمة الأدب على كل كتاب ذات طابع أثري أي كل كتابة تجذب انتباهنا بصياغتها وشكلها.
ثم يعود إلى تعريفه للأسلوب قائلا :
وهنا نفهم من الأسلوب كل إبراز وتأكيد سواء أكان تعبيريا أو عاطفيا أو جماليا يضاف إلى المعلومات التي تنقلها البنية اللغوية دون التأثير على معناها. ويشرح كلماته فيما بعد مشيرا على أن هذا التعريف لا يتميز بالمهارة اللازمة لأنه يبدو كما لو كان يفترض معنى أساسياً لوناً من ألوان درجة الصفر- على حد تعبير بارت-
تقاس عليه عملية التكثيف التي نسعى لتقييمها ولا يمكن أن نصل إلى هذا المعنى الأساسي إلا عن طريق نوع من الترجمة أي عن طريق تحطيم النص كشيء أو نقص القصد منه أي استبعاد النص المكتوب وإحلال فرض يدور حول المؤلف حوله. ثم يضيف: ( لكنني كنت أفكر في نوع من الكثافة التي يمكن أن تقاس عند كل نقطة من القول في المحور التركيبي طبقا للمحور الاستبدالي حيث تعد الكلمة
==>>

اسير الصحراء
04-07-2006, 12:20 AM
الماثلة في النص (أقوى) بشكل أو بآخر من نظيراتها أو مترادفاتها الممكنة دون أن يؤدي هذا إلى خلل في المعنى، لكن هذا المعنى - مهما كان المستوى اللغوي الذي ننظر إليه من خلاله- لا بد أن يختلف بما يسبقه وما يلحقه). ويردف قائلا: (وربما كان من الأوضح والأدق أن نقول أن الأسلوب هو البروز الذي تفرضه بعض لحظات تعاقب الكلمات في الجمل على انتباه القارئ بشكل لا يمكن حذفه دون تشويه النص ولا يمكن فك شفرته دون أن يتضح أنه دال ومميز مما يجعلنا نفسر ذلك بالتعرف فيه على شكل أدبي أو شخصية المؤلف أو ما عدا ذلك. وباخصار فإن اللغة تعبر والأسلوب يبرز).


الأشكال الفردية:
الأشكال الفردية عند ريفاتير بالنسبة للأسلوب كالكلام بالنسبة للغة، فدراستها تسمح بالحصول على البيانات اللازمة لإقامة النظام وعندما يستخدم المؤلف عناصر اللغة الأدبية لإحداث تأثير خاص تتحول إلى عناصر أسلوبية وميزتها تكمن في هذا التنفيذ الخاص لقيمتها لا في قيمتها المحتملة في نظام موحد. ولولم تستخدم لإحداث تأثير محدد فإن أقصى ما يقال حينئذ إنها تمثل خلفية سياقية متخصصة بالنسبة للأسلوب الفردي أكثر من القول العادي.على أن الأساليب الفردية في الكلام يصعب في أحسن الحالات وصفها ويسهل وضعها في أنماط عامة، مما يجعلها أقل تخالفاً فيما بينها وأقرب إلى اللغة العامة من الأساليب الكتابية، أما الأساليب الأدبية فهي معقدة متشابكة، ولهذا فهي ذات ملامح يمكن تمييزها بوضوح .


وعي المؤلف:
ويرى ريفاتير أنه إذا كانت مهمة عالم اللغة تنحصر في الإمساك بجميع ملامح القول دون استثناء فإن دارس الأسلوب ينبغي له أن يعتد فحسب بتلك الملامح التي تنقل المقاصد الواعية للمؤلف، مما لا يعني أن وعي المؤلف يشمل كل ملامح القول. وغالبا ما يستحيل التعرف على هذه المقاصد دون تحليل الرسالة مما يمكن أن يؤدي إلى حلقة مفرغة لولا أن هذه المقاصد ربما تتضح بإجراءات أخرى، مثل التحليل الفيلولوجي أو تصريح المؤلف بها وغير ذلك من الإشارات.
كما يرى أن هذا التمييز بين الاختيارات الواعية واللا شعورية لا يفيد إلا في حالة دراسة كيفية توليد الأسلوب، إما في دراسة ظاهرة الأسلوب نفسها وتأثيرا على توجه إليه، فإن جدواه ضئيلة للغاية، إذ لا يمكن الوصول فيه حينئذ إلى نتائج حاسمة .


الفرادة في العمل الأدبي :
يذهب ريفاتير في كتابه ( إنتاج النص) باحثا عن سمة الفرادة في العمل الأدبي ومن أجل الوقوف على هذه السمة يقترح مقاربة شكلية ويذكر أن التحليل الذي يعتزم إجراءه لا علاقة له بالأسلوبية المعيارية القديمة أو البلاغة، وإذا كان ريفاتير للبلاغة مفارقا فإنه أيضا من النقد الأدبي نفور.
وليس ذلك منه إلا لأنه لا يريد أن يجعل من التحليل مطية تعلوها أحكام القيمة، وما هذا الموقف بدعا، فمنهجه في التحليل يقف عند الظاهرة ويتحقق من وجودها، وأما النقد فيأتي بعد ذلك أي بعد هذه الخطوة فيتبنى الظاهرة التى وقف عليها وتحقق من وجودها.ولكن ريفاتير عندما عمد إلى دراسة سلوك الكلمة في العمل الأدبي، لاحظ أن سمة قرابة تجمع بين دراسته التحليلية والدرس اللساني، غير أنه أكد أم السمات الخاصة بالعمل الأدبي تتطلب أن يبقى التحليل النصي واللسانيات مختلفين ضمن هذا التقارب نفسه .
ولتعليل هذا الأمر يرى أنه لا يكفي أن نلجأ إلى اللسانيات فقط لدراسة الأدب، ذلك لأن العمل الفني يطرح على اللسانيات قضية غير لسانية، ألا وهي الأدبية.
ويلاحظ ريفاتير أن ثمة محاولة قامت لحل هذه القضية وذلك بتعميم الوقائع التي تم الكشف عنها في النصوص من جهة وباستخلاص القواعد الخاصة باللغة الشعرية من جهة أخرى .
وقد كانت غاية هذه المحاولة - كما يرى ريفاتير- تكمن في وضع التعبير الأدبي في إطار نظرية عامة للإشارات، غير أنه لم يلبث أن وجد في هذه المحاولة مطعنا جعله يعرض عنها، ويمكن أن نستدل على هذا الأمر بقوله: ( إن هذا البحث الذي هو ميدان الشعرية، لا يستطيع أن يكشف عن السمة الخاصة بالرسالة الأدبية)، وهويرى( أن الشعرية تعمم هي الأخرى على حين أن طبيعة الرسالة هي النص).
ويؤكد ريفاتير أننا لا نستطيع أن نعرف حقاً هذا النوع من الرسائل إلا بالنصوص، خاتماً نقده لهذه المحاولة بقوله: ( إن القواعد المستخلصة من النص حتى ولو كانت لا تنتج إلا جملا منحرفة وموازية لجمل النص فإنها لا تنتج مع ذلك نصا أدبيا جديداً).
ثم يتدرج ريفاتير منهجا وطريقة في بحثه إلى أن ينتهي إلى تقرير أمور ثلاثة:
1- الأدبية وفرادة النص .
2- الفرادة هي الأسلوب.
3- النص والأسلوب .

وسنحاول فيما يلي تقديم تعريف مختصر لكل من هذه الأمور الثلاثة :

أولاً: الأدبية وفرادة النص :
يقول ريفاتير: ( النص فريد دائما في جنسه، وهذه الفرادة هي التعريف الأكثر بساطة، وهو الذى يمكن أن نعطيه عن الأدبية، ويمكننا أن نمتحن هذا التعريف فورا إذا فكرنا أن الخصوصية في التجربة الأدبية تكمن في كونها تغريبا وتمرينا استلابياً وقلبا لأفكارنا ولمدركاتنا ولتعبيراتنا المعتادة) .

ثانياً: الفرادة هي الأسلوب:
يقول ريفاتير إن النص يعمل كما يعمل برنامج الحاسوب، وذلك لكي يجعلنا نقوم بتنفيذ تجربة الفرادة .. الفرادة التي نعطيها اسم الأسلوب، والتي تم خلطها ردحا طويلاً مع الفرد المفترض المسمى الكاتب).
==>>

اسير الصحراء
04-07-2006, 12:21 AM
ثالثا: النص والأسلوب :
في نهاية المطاف يعلن ريفاتير مقرراً الأسلوب في الواقع هو النص).

وأشار هنا بعض الباحثين إلى ملاحظتين:

الأولى : أن الأسلوب يخرج من كونه بصمة من بصمات الشخص ليصبح شيئا من أشياء النص، او بمعنى أدق ليصبح هو النص نفسه وليس الشخص أو الرجل كما ذهب بيفون إلى ذلك.

الثانية : أن هذا الأمر عند ريفاتير بمنزلة الشيء الذي يدور على نفسه، إذ إن مفهوم النص عنده يرتبط بأدبيته والأدبية ترتبط بالفرادة والفرادة أسلوب والأسلوب هو النص، وبما أن الأدبية لا تقوم إلا ضمن هذا الأخير فإن خلو أي نص من الأدبية يرفع عن صفته كنص.

ويستنتج الباحثون من هاتين النقطتين السابقتين ما يلي :
إن دل هذا الأمر على شيء فإنما يدل على أن حاجة النص الأدبي إلى أسلوبه حاجة واكدة، بها يصير إلى وجوده، وهذا يعني أنه لا وجود لنص إلا في أسلوبه ولا وجود لأسلوب إلا في فرادته.
وهكذا ترتبط الفرادة والأدبية بالنص كما يرتبط النص بالأسلوب، ويدور الأمر على نفسه حتى لا إنفكاك.


ريفاتير وموقفه من القاريء:
يرى ريفاتير في كتابه دراسات في الأسلوبية البنيوية (أن القاريء يجلي الأسلوب بفعل الأثر الذي يتركه، فالأسلوب يستأثر بانتباه القاريء واهتمامه عبر ما يفضيه في سلسلة الكلام ، والقارئ يستجيب بدوره للأسلوب فيضيف إليه من نفسه عن طريق رد الفعل الذي الذي يحدثه فيه)، وهذا يشير إلى خلاصة مفادها أننا نقول ما نقول، أي نعبر في استعمالنا للكلام،ولكن الأسلوب هو يجعل لما نقول ميزة ويعطيه فرادته ، وريفاتير يقول:
( إن االلغة تعبر والأسلوب يجعل لهذا التعبير قيمة).
ويرى ريفاتير ( أن إطالة الأثر الأسلوبي زمنا والإحساس بالشعر في أي لحظة من اللحظات إنما هو أمر يتعلق كلية بالقارئ. ثم يخلص للقول: ( إن هذا التداخل بين الطريقة الأسلوبية والإحساس بها، إنما هو من صلب القضية) ولذا يقترح أن نتبنى هذا الإحساس ( لتعيين الوقائع الأسلوبية في الخطاب الأدبي).
ويعلق عبد السلام المسدي عل موقف ريفاتير هذا فيقول: ( ويفضي هذا التقدير بريفاتير إلى اعتبار أنً البحث الموضوعي يقتضي ألا ينطلق المحلل من النص مباشرة، وإنما ينطلق من الأحكام التي يبديها القارئ حوله .
وفي كتابه إنتاج النص يتضح منظوره بشكل أكبر فيما يخص القارئ حيث يرى أن ( الظاهرة الأدبية ليست هي النص فقط ولكنها القارئ أيضاً بالإضافة إلى مجموع ردود فعله إزاء النص) .
من هنا نستطيع أن نستنتج أن ريفاتير يولي الأهمية الكبرى لأمر خارج حدود النص نفسه، فهو لا ينسب الفضل للمؤلف ولا للسياق الأسلوبي أو التعبير النسقي في الكلام ولكنه يميل صراحة إلى الاعتراف بدور القارئ باعتباره المنتج الأول للنص حيث تتحدد قيمة النص عبره وحده.
وهذا الاعتبار الذي يقودنا إليه ريفاتير يقدم للقارئ فضاءات واسعة ويجعلة حاكماً وحكماً ومنفذاً للحكم، وبذلك يكون القارئ هو صاحب السلطة والسلطان والقدرة على التحكم بالنص برفعه أو بخفضه.
وهو يقول بشكل أو بآخر ( إن النص في وجوده مدين لمباشرة القارئ له، أو بكلمة أخرى وجود غير محقق لا يتم ظهوره وتنفيذه إلا بقراءة القارئ له ). وبهذا نستطيع أن نفهم معنى قوله ( إن الظاهرة الأدبية ليست هي النص فقط ولكنها القارئ أيضاً بالإضافة إلى مجموع ردود فعله إزاء النص) .
ويطلق ريفاتير اسم (القارئ النموذج) ويدفع الباحث عن نفسه تهمة إحلال القارئ ورد فعله محل المؤلف ونفسيته، ملاحظا أن المؤلف لا يبقى منه سوى النص، أما القارئ فالبرغم من أن عملية تلقيه إنما هي نفسية، إلا أنه وباستخدام القارئ النموذجي فإننا نصفي العناصر الشخصية من المتلقي بحيث لا يبقى منها سوى ما يتصل بالمثيرات الموضوعية، وإقامة التفسير بعد ذلك على أساس الوقائع نفسها لا على أساس النص الذي استصفته شخصية القارئ أو حصرته فيما يذكره به بما يتوافق مع ذوقه أو فلسفته أو ما يظن أنه ذوق وفلسفة المؤلف المدروس.
ويؤكد ريفاتير أهمية الزمن كعامل مغير في الدلالة الأسلوبية، فاستجابة القارئ النموذجي لا تصلح إلا بالنسبة لحالة اللغة التي يفهمها، إذ إن وعيه اللغوي الذي يتحكم في ردود فعله يتصل فحسب بفترة زمنية وجيزة في تطور اللغة.


النص والمستقبل :
وهنا يعالج ريفاتير القضية بما لها من صلة من نظرية الإيصال، بحيث يصل إلى نتيجة يفترق فيها الإيصال الأدبي عن العادي فالإيصال الأدبي لا يحتوي إلا عنصرين لهما تمثيل مادي فيه وهما: النص والقارئ، أما العناصر الأخرى التى يقوم عليها الإيصال العادي فأشياء بديلة عن النص.
ويعلق على الشرح الذي يستهدف القارئ بقوله: ( إن الشرح يقتضي إظهار الأثر الأدبي الذي تحمله العبارة في مظانها فهي توجه القارئ نحو بعض التأويلات وتزوده بشفرات لفك شيفرات النص). وهنا يؤكد مجددا على دور القارئ وعلى مكانته الأولى بالنص مهما كان هذا النص باعتبار أنه رسالة موجهة إليه ولولاه لما كان هنالك رسالة والرسالة نفسها لا تنفتح على مغاليقها إلا من خلال قارئ يفك رموزها.


===>>

اسير الصحراء
04-07-2006, 12:22 AM
طاعة واعية للنص:
لكنه من جانب آخر يؤكد أن الوحدات الأسلوبية تفرض نفسها على القارئ وهو يرى وجود شرطين للتحقق من وجودها:
أولا : يجب أن يقوم التحليل على طاعة مطلقة للنص.
ثانيا: أن تكون الطاعة القاعدة الأصولية للشرح.
لكن تجدر ملاحظة قضية هامة وهي أن الطاعة للنص عند ريفاتير ليست مطلقة، ولا تعني مجرد أن يبتعد القارئ تماما عن التدخل في النص لتصحيحه أو لاستكماله، ولكنها تعني أيضا أن يكون الشرح قائما على عناصر ذات قابلية إدراكية إجبارية، وهو يؤكد ( أن الشرح يختلف بهذا التحديد عن التأويل البنيوي العادي الذي يبحث أن يضم كل شيء إلى نظامه ولكنه لا ينجح إلا في ضم النص باعتباره مادة لسانية وليس باعتبار النص نصا ً).


الوحدة الأسلوبية :
ويقدم ريفاتير تعريفا قيما للوحدة الأسلوبية بأنها: ( ثنائية لقطبين لا يفترقان، الأول منهما يبدع الاحتمال والثاني يلغيه) ويعتبر أن الأثر الأسلوبي ينتج عن التضاد الحاصل بينهما).ولا يمكن لهذه الوحدة الأسلوبية برأيه أن تختلط مع التقطيع الطبيعي، أي مع الكلمة والجملة ذلك لأنها ( لا تستطيع أن تكون سوى مجموعة من الكلمات أو الجمل المرتبطة بطريقة أخرى غير المقطعية ).
وقد دفع هذا الموقف بريفاتير إلى الإعراض عن شرح الكلمة معزولة لأن ذلك يؤدي إلى إنكار الحدث الأسلوبي ( ومن أراد الشرح عليه أن يذهب إلى ما وراء الكلمة ). ويقترب ريفاتير هنا تماما مع رأي عبد القاهر الجرجاني بأن الكلمة المفردة وحدها ليست هي الأسلوب بل طريقة نظم الكلم .


السياق الأصغر والسياق الأكبر:
الطريقة الأسلوبية ليست عند ريفاتير هي الأسلوب، فما هي سوى مظهره المنتظم، إن أسلوب نص أو عمل أو كاتب ليس مجموع طرائقه الأسلوبية،بل هو علاقاتها التركيببية المحتملة. وأول خطوة على طريق توسيع المنظورات يميز ريفاتير إلى جانب السياق الذي يسميه بالسياق الأصغر (Microcon****e) الذي يسهم في إنتاج الأسلوبية، ويميز ما يطلق عليه السياق الأوسع (Macrocaon****e)، وهو بالتحليل الأولي خارجي ومتقدم على هذه الطريقة الأسلوبية ولكنه ذات مدى متبدل سواء في البداية أو النهاية وقابل للائتلاف مع سابقه،
أو لإعادة التشكيل في نهايته، والتحديد من خلال اللامتوقع في العناصر التي تكونه.


الانحراف والسياق:
الانحراف عند ريفاتير حيلة مقصودة لجذب انتباه القارئ، وكان الاعتقاد السائد أن النمط العادي يحدده الاستعمال، غير أن مفهوم الاستعمال نسبي، ولا يمكن الدارس من مقياس موضوعي صحيح، فيقترح ريفاتير تقويض مفهوم لاستعمال بماهو يسميه ( السياق لأسلوبي ).
ومفهوم الانزياح والانحراف عند ريفاتير ( انزياح عن النمط التعبيري المتواضع عليه، وهو خرق للقواعد حينا ولجوء إلى ما ندر من الصيغ حينا آخر).
وقد استقر ريفاتير عند فكرة الانحراف الداخلي بعد أن تبين له أن طريقة القارئ العمدة -الذي سنتعرض له لاحقاً- تكفي لاكتشاف الانحراف، ويحدد ريفاتير معيار الانحراف بالسياق الخارجي ويسمي وحدته الأساسية السياق الأصغر فهما مع الانحراف أو المخالفة يكونان معا ما يسميه مسلكا أسلوبيا نحو وصف الشيء بما لا يعد من صفاته، كأن يقال: شمس سوداء أو ضوء خجول، فالاسم الأول من العبارتين سياق أصغر والوصف مخالفة أو انحراف، ويضع ريفاتير المعادلة التالية:

سياق أصغر + مخالفة = مسلك أسلوبي

لكن لا بد ملاحظة أن السياق الأصغر لا يقتصر على هذا النوع فقط .
وعموماً يمكن للسياق الأصغر أن يدخل في سياق أكبر، ليشكل سلسلة لغوية ممتدة يكون السياق جزئا منها، ولا تنحصر داخل حدود الجملة النحوية أو عدد معين من الجمل، وإنما تتحدد نهايتها بشعور القارئ كما تتحدد بدايتها بقدرته على التذكر.ويعين ريفاتير شكلين أساسيين للسياق الأكبر:

سياق + مسلك أسلوبي + سياق
سياق + مسلك أسلوبي يبتدئ سياقاً أسلوبياً جديدا + مسلك أسلوبي

فكأن السياق الأكبر في كلتا الحالتين يتحدد بالعبارات التي تحيط بالسياق الأصغر، وإن كان من الجائز أن تمتد المخالفة حتى تصبح هي نفسها سياقاً.
ولتوضيح ما يقصده، نورد هذا المثال الذي قدمه للنوع الأول وهو قول لبرنارد شو:
إنهم يصورون المسكين على أنه مجرم، مع أنه لم يكن إلا رجلاً إنكليزياً صميماً ذا عيال.
فالعبارة الأخيرة تكون مع العبارة التي تسبقها مباشرة مسلكاً أسلوبياً، وهي في هذه الحالة تعد سياقاً أصغر، والعبارة ليست في النهاية إلا جزءا من السياق الأكبر الذي يبدأ مع بداية الجملة حتى نهايتها.
==>>

اسير الصحراء
04-07-2006, 12:22 AM
التشبع عند ريفاتير:
التشبع مصطلح يستخدم بالكيمياء عادة، ويعني أن المادة المنحلة في السائل - كالسكر في الماء - قد بلغت كميتها حداً لم يعد لكمية السائل معه القدرة عل الامتصاص.
أما ريفاتير فقد استعمل هذا المصطلح مجازا للدلالة على أن الخاصية الأسلوبية هي بمثابة المادة المنحلة، والنص بمثابة السائل، فإذا تكررت السمة الأسلوبية باطراد تشبع النص فلم يعد يطيق إبرزها كعلامة مميزة.
ومثال ذلك أن ينبني نص على ظاهرة السجع فإذا تراوحت مواطنها ظلت محتفظة بطاقتها التأثيرية، وإن اطردت اختفي تأثيرها بل لعل عدول صاحب النص عن ظاهرة السجع يصبح هو نفسه خاصية أسلوبية.
ويمكن تلخيص هذه الفكرة بأن الاستخدام المتكرر لظاهرة أسلوبية معينة لدى كاتب ما أو عدة كتاب يجعل الظاهرة أمراً عادياً ولا يعود لها أي مزية أسلوبية، وهذا الأمر يستدعي من الكاتب أن يبتكر دائماً ولا يعتز بظاهرة معينة ويواظب على استخدامها، فمع استخدامها المتكرر تفقد بريقها ولا تعود لها قيمة لدى القارئ .


القارئ العمدة (architecteur):
لكن من هو القارئ الذي لديه القدرة على تمييز النص واكتناهه وسبر محتواه؟
الأثر الأسلوبي كما ذكرنا سابقاً يتعلق بالقارئ، لذا فإن النص نفسه سيتعدد دائما بتعدد القراء له ، لذلك أراد ريفاتير أن يحل العقدة فرأى تعيين الانحراف بمعونة عدد من القراء، وبمجموع القراءات يصل إلى ما يسميه بالقارئ العمدة.
فريفاتير يعين مواضع الانحراف بمعونة عدد من القراء المدربين على هذا النوع من القراءة، كما يفعل علماء اللغة في الفروع الأخرى لهذا العلم، فيعتمدون على أخبار الرواة من أهل اللغة عن كيفية النطق ومعاني الكلمات...، ويسمى مجموع هذه الأخبار على سبيل التجريد " القارئ العمدة".
وعيب على هذا الاقتراح الأخير أنه يجرد العملية التذوقية من محتواها الشخصي باسم الموضوعية.
والقارئ العمدة بتعبيره هو محصلة ردود أفعال عدد من الخبراء اللغويين تجاه النص بضمنهم نقاد ومترجمون وعلماء وشعراء وغيرهم، فالقارئ العمدة ليس قارئا بعينه إنما هو مجموعة الاستجابات للنص التي يحصل عليها المحلل من عدد من القراء الخبراء.
ويحدد ريفاتير القارئ العمدة بقوله: ( هو مجموع الرواة الذين يستخدمون لكل مثير أو متواليه أسلوبية كاملة... إنه وسيلة لاستخراج مثيرات النص لا أكثر ولا أقل) لكنه يستدرك قائلا من الضروري أن نستبعد تصنيفات القراء حتى لا نتورط في تصنيفات جاهزة).
وهنا لا بد من الاشارة إلى أن قضي القارئ العمدة تحتاج إلى دراسة قائمة مستقلة تتناول هذا الجانب بالبحث والتحليل نظرا لأن ريفاتير أولى هذه المسألة جانبا مهما من أبحاثه وهي تحتاج إلى تعمق أكبر ومجال أوسع للبحث .


الأسلوبية البنيوية:
مع ميشال ريفاتير بدأت الأسلوبية البنيوية مساراً مهماً في تناول الأسلوب في النص الأدبي، وقد افرد كتابا خاصاً لهذا الغرض وسماه (محاولات في الأسلوبية البنيوية) صدر عام 1976. وتمثلت غاية الكاتب في أن الأسلوبية البنيوية تقوم على تحليل الخطاب الأدبي لأن الأسلوب يكمن في اللغة وووظائفها ولذلك ليس ثمة اسلوب أدبي إلا في النص.وقد عرف ريفاتير الأسلوب الأدبي بأنه كل شيء مكتوب وفردي قصد به أن يكون أدباً.
ويرى ريفاتير في مقال له ( لا يمكن فهم الوقائع إلا في اللغة، لأن اللغة هي أداتها، ومن ناحية أخرى يجب أن تكون للوقائع الأسلوبية خاصة مميزة، وإلا لم نستطع أن نميزها عن الوقائع اللغوية).



التواصل :
يركز ريفاتير على فكرة التواصل التى تحمل طابع شخصية المتكلم في سعيه إلى لفت نظر المخاطب، ولهذا اعتنى عناية كبيرة بالمنشيء الذي هو يشفر (Encode) تجربته الذاتية، وبالمخاطب الذي يفك شيفرة (decode) .
هذا التعبير، وهو بذلك يؤكد تجاوز ما جاء به جاكبسون الذي كانت نظريته لا تنظر إلى الرسالة الشعرية بوصفها تكيفاً لمتطلبات التواصل، وبدلا من ذلك ينظر إلى إسقاط مبدأ التماثل على الرسالة بكيفية ما، بوصفه يحررها من المقام الأول ويجعلها غامضة وغير تداولية، وبذلك يتجاوز ما يطرحه جاكبسون في أن الرسالة قائمة بذاتها، ولا يظهر من ذلك أن هذه الرسالة تحقق تواصلا مع المخاطب، أما ريفاتير فإنه يرى أن الرسالة لا يمكن أن توجد بذاتها، وإنما هناك علاقة يجب أن تنشأ بين الرسالة والمخاطب، فالعلاقة التي تقوم بينهما عنصر مهم من عناصر الأسس التي أقام عليها ريفاتير أسلوبه ، وهي رؤية تتجاوز كون الأسلوبية تحليلا ألسنيا يميز عناصر الأسلوبية في رسالة ما، وإنما يكون للقارئ دور في تمييز هذه العناصر، ولذلك يقوم القارئ في أسلوبية ريفاتير بدور مهم جدا(كما أشرنا سابقاً) وهو دور يقوم على الوعي والإدراك لما تمثله العناصر الأسلوبية من وظائف داخل النص الأدبي.
ويصبح طرفا الإخبار عند ريفاتير المرسل والمتلقي، ويتضح ذلك من القول: ( فإذا كانت عملية الباث في عملية الإبلاغ العادي أن يصل بالمتقبل إلى مجرد تفكيك الرسالة اللغوية لإدراكها، فإن الغاية من الباث في عملية الإبلاغ الأدبي تتمثل في توجيه المتقبل توجها يقوده إلى تفكيك الرسالة اللغوية على وجه معين مخصوص، فيعمد الباث عندئذ إلى شحن تعبيره بخصائص أسلوبية تضمن له هذا الضرب من الرقابة المستمرة على المتقبل في تفكيكه للمضمون اللغوي).
وهذه الأفكار الخطيرة التي يطرحها ريفاتير بجرأة تفصل ما بين نوعين من التواصل البشري، الأول التواصل العادي المجرد من الأسلوب الأدبي البليغ، والتواصل القائم على الحاجات والتبادل والخدمات، أما الجانب الأدبي وهو الجانب المتمثل بالشعور فغير ذلك تماماً، فالنص الذي يشحنه الشاعر أو الأديب بنصه يحتاج برأي ريفاتير إلى رقابة مستمرة ليس على نفسه فقط بل وأيضا على المستقبل في عملية التمحيص والتفكيك وإعادة التشكيل، ولكن من حيث الاجمال فإن ذلك يبدو مستحيلا من الناحية العملية، وربما يكون القصد
==>>

اسير الصحراء
04-07-2006, 12:22 AM
غير ذلك حيث على الباث أن يكون مهيئاً ليستوعب قدرة المتقبل على تفكيك النص واستشعاره، وهو أقرب إلى الظن لأن الباث بطبيعة الحال يستحيل له مراقبة كل المستقبلين وخصوصاً مع مرور الزمن واستمرارية النص بعد سنين من زوال صاحبه .




عنصر المفاجأة:
وهنك عنصر مهم جدا أشار إليه ريفاتير أهميته ليست دون أهمية ما سبق، وهو عنصر المفاجأة من خلال المثير والمنبه الأسلوبي، حتى إنه رد الميزة بالنص إلى هذا العنصر، فقال: ( تنتج القوة الأسلوبية من إدخال عنصر غير متوقع إلى نموذج، فالسياق الأسلوبي يتكون من نموذج لغوي يكسره بغتة عنصر لا يتنبأ به).
ويرتبط مفهوم الأسلوب عنده بعنصر المفاجأة التي تصدم المستقبل وتحدث صدمة في نفسه، فكلما كانت السمة الأسلوبية متضمنة للمفاجأة فإنها تحدث خلخلة وهزة في إدراك القارئ ووعيه.
وقد ساق ريفاتير مثلا هو قول كورني ( عتمة مضيئة تسقط نجوما) فجمع العتمة مع الضوء، وبهذا أحدثت المقابلة منبها أسلوبيا لا بد له أن يحدث استجابة ما لدى المستقبل، فكل واقعة أسلوبية تنشأ من سياق ومن تعارض ولذلك على الدارس الأسلوبي أن يمنح التعارض عنايته، لأنه يشكل الأجراء الأسلوبي في النص المدروس.
ومما لا شك فيه أن عنصر المفاجأة عند ريفاتير هو بنفسه تجسيد للانحراف( الذي تحدثنا عنه سابقا)، فقد عرف الأسلوب على أنه انحراف عن المعيار، كما وصف الانحراف بالانزياح، والمقصود انزياح أو انحراف الأسلوب عن الاستخدام العادي للغة، مما يجعل اللغة تستخدم استخداما غير مألوف.
وقد لقي مفهوم الانحراف عند ريفاتير تطورا جذريا استخلص منه مقولة ( التضاد البنيوي ) وحدد ما يترتب عليها من إجراءات أسلوبية أي من عمليات التكوين الأسلوبي حسب مصطلحه، وهي إجراءات تعتمد على القارئ أساسا لأنه هدف الكاتب الموجه إليه الرسالة.
ولا شك أن الكتابة الفنية تتطلب من الكاتب أن يفاجئ قارئه من حين لآخر بعبارة تثير انتباهه حتى لا تفتر حماسته بمتابعة القراءة أو يفوته معنى يحرص الكاتب على إبلاغه إياه. وفي هذا تختلف الكتابة الفنية عن الاستعمال العادي للغة فالإنسان في حديثه العادي يستطيع أن يلجأ إلى وسائل كثيرة مصاحبة للكلام كي ينبه سامعه إلى فحوى الرسالة: من استخدام النبر والتعبير بحركات الوجه أو الإشارة باليدين إلى هز ذراع السامع إذا كان المتكلم في حالة انفعالية تدفعه إلى ذلك، وأما إذا تأملنا الكتابة الفنية وجدنا في تعابير اللغة أحيانا ما يشبه هز الذراع وربما الإمساك بالتلابيب، وإذا كانت هذه الحركات والنبرات في لغة الحديث لا تفعل فعلها إلا لكونها خارجة عن المألوف، فكذلك وسائل اللغة التي يراد بها جذب الانتباه إنما تحدث ذلك بفضل ما فيها من المفاجأة أو الخروج على سياق الكلام العادي ، أي بفضل ما فيها من الانحراف.





السياق الأسلوبي :
بما أن التقوية الأسلوبية تنتج من إدخال عنصر غير متوقع في نسق، فهي تفترض إشعارا بالانقطاع الذي يغير السياق، وهنا فرق جوهري - كما يقول ريفاتير- بين المفهوم الشائع لكلمة السياق وبين السياق الأسلوبي.
فليس السياق الأسلوبي ترابطيا، بمعنى أنه ليس السياق اللفظي الذي يقلل تأثير لمشترك اللفظي أو يضيف إيحاءات إلى لفظة ما، فالسياق الأسلوبي كما يقول ريفاتير: ( نسق لغوي يقطعه عنصر غير متوقع- مفاجئ كما أشرنا في الفقرة السابقة- والتقابل الذي ينشأ عن هذا الاقتحام هو المثير الأسلوبي) ويوضح ريفاتير أنه يجب أن يفهم أن هذا الانقطاع ليس من باب الفصل، فقيمة المقابلة الأسلوبية ترجع إلى نظام العلاقات الذي تقيمه بين العنصرين المتصادمين، وما كانت لتحدث أي تأثير بدون وصلهما في متتابعة.
إن صنع النسق الذي تتوقف عليه "المفاجأة" يرجعه ريفاتير بالضرورة إلى سير المتواليات، والسياق يبتع القارئ مارا بكل متواليات الحدث.
ويرى ريفاتير أن السياق لا ينفصل عن الإجراء الأسلوبي ويتمايز بالخواص التالية :
1- التلاؤم اللازم مما لا يحدث بالنسبة للقاعدة.
2- قابليته الفورية للتحديد وإمكانية الإمساك به على التو فليس غامضا ولا مبهما ولا ذاتيا.
3- التنوع، إذ إنه يشكل مجموعة من مظاهر التضاد مع الإجراءات الأسلوبية المتوالية، وهذا التنوع هو الذي يوضح لنا السبب في أن وحدة لغوية ما تكتسب تأثيرها الأسلوبي أو تعدله أو تفقده نظرا لوضعها، كما أنه هو الذي يوضح السبب في عدم اعتبار اطراد القاعدة واقعة أسلوبية بالضرورة بمثل ما أن التأثير الأسلوبي لا يتوقف دائما على الشذوذ عن القاعدة.

الانصباب:
وهناك ظاهرة تتصل بالسياق الأسلوبي يطلق عليها ريفاتير اسم الانصباب، فقد تتجمع العناصر الناجمة عن الإجراءات الأسلوبية مما يجعل تأثيرها يعتمد على التوافق بين الجوانب الدلالية والصوتية وتتراكم حتى تصل إلى نقطة محددة، بحيث يكون كل إجراء أسلوبي منها- على استقلاله في ظاهر الأمر- جزءا من بنية أكبر تمثل القوة التعبيرية التي تصب فيها جميع الإجراءات المستخدمة.
وهذا الانصباب ذو طبيعة تراكمية ويمثل السياق الدلالي الذي يحد من تعدد معاني النص ويوضح مقاصد المؤلف، كما أن هذا الانصباب هو الإحراء الوحيد الذي يمكن أن يوصف بأنه يتم بطريقة واعية إذ إنه حتى لو كان قد نبت في النص بشكل لا شعوري من المؤلف فإنه لا يلبث أن يدركه على التو عند قراءة ما كتب ولو اقتصر على الاحتفاظ به أو اجتهد في تكوينه، فإنه يصبح مثلا للوعي الواضح في استخدام اللغة.
==>>

اسير الصحراء
04-07-2006, 12:23 AM
ويعد الانصباب أقوى وأعقد أشكال الإجراءات الأسلوبية، ومن المسلم به أنه معيار خصب للتحليل فلو فرض أن القارئ النموذجي قد لاحظ وجود إجراء أسلوبي ما لكنه لا يمثل تضادا موسوما مع السياق السابق فبوسع الدارس أن يبحث حينئذ عن الانصباب كواقع أسلوبي.
وكثيرا ما ينجم عن خطأ حذف لإجراءات الأسلوبية ألا يستطيع قارئ اليوم استجلاء البروز الأسلوبي للنصوص القديمة وبوسعه حينئذ أن يعتمد على الانصباب ليكتشف هذا البروز بتحليل اتجاه الإجراءات الأسلوبية الأخرى، وتوقع أن تكون الإجراءات المندثرة مساوقة للتيار نفسه مما يساعده في نهاية الأمر على اكتشافها وتحديدها وجبر حذفها. فالانصباب في الواقع هو العامل الأسلوبي الذي يضمن استمرار نظام التشفير في النص، ولو كانت هناك أجيال من القراء لم تعد تتبين اتجاه بعض الإجراءات الأسلوبية لأنها فقدت قدرتها على التضاد في النظام اللغوي الجديد، كأن تكون المصطلحات الجديدة أو المستعارة قد فقدت جدتها وطرافتها وصارت من اللغة الأدبية المشتركة فمن الممكن أن تظل بعض هذه العناصر محتفظة بفاعليتها كمثير أسلوبي للتعبير يمس مجموعة الإجراءات التي وضعها المؤلف، ويصبح الانصباب هو وسيلتنا للتعرف على بقيتها.

==>>

اسير الصحراء
04-07-2006, 12:46 AM
مصطلح التخييل ما بين الجرجاني والقرطاجني

مصطلح التخييل ما بين الجرجاني والقرطاجني


)تعريف التخييل لغة(

خَيَل: ( ) خال الشيء يخال خَيْلاً، وخَيْلَه, ويُكْسَران، و خاَلاً، وخَيَلاناً، مُحرّكةً، وَمخِيلَة ومَخَالَةً وخَيْلولة: ظنّه....
وفي التهذيب خِلْته زيداً خيلاناً، بالكسر، ومنه المثل:مَنْ يَسْمَعْ يَخَلْ أي يظن.
وخَيّل عليه تَخْييْلاً، وتَخَيُّلاً: وجه التُّهْمة إليه كما في المحكم.
وخيَّل فيه الخير: تفرّسه
وتَخيّل الشيء له إذا تشبّه.
وقال الراغب: التخيُّل: تصُّور خَيَال الشيء في النفس....
وقال الراغب: أصل الخيال القوّة المجرّدة كالصورة المتصوّرة في المنام وفي المرآة وفي القلب، ثم استُعمل في صورة كل أمر مُتصوَّر، وفي كل دقيق يجري مجرى الخيال.
وأخال الشيء اشتبه، يقال: هذا أمر لا يُخيل. قال:
والصدق أبلج لا يُخيل سبيله
والصدق يعرفه ذوو الألباب
وخُيّل إليه أنه كذا.. من التخييل والوهم، ومنه قوله تعالى: «يُخيَّل إليه من سحرهم أنها تسعى».
والتخييل: تصوير خيال الشيء في النفس...
وشيء مُخِيل: مُشْكِل.
وكذلك باقي المعاني التي يمكن أن نلخصها بـ:
الظن وتوجيه التهمة والتفرّس والتشبه وتصور خيال الشيء في النفس والاشتباه والتوهم، والإشكال.
وقد جاء في التعريفات للجرجاني ( ):
الخيال: وهي قوة تحفظ ما يدركه الحس المشترك من صور المحسوسات بعد غيبوبة المادة بحيث يشاهدها الحس المشترك كلما التفت إليها.
فهو خزانة للحس المشترك، ومحله مؤخر البطن الأول من الدماغ.
ولم تخرج بقية كتب اللغة والتعريفات عن هذه المعاني وهذا الاصطلاح( ).
توطئة:
إن دراسة التخييل والتخيل عند الجرجاني أو حازم القرطاجني، أو حتى عند غيرهما من الأدباء والنقاد والبلاغيين بَل والفلاسفة العرب، لا تكتمل ولا تتوضح إلا بمعرفة هذا الموضوع عند اليونانيين.
إذ إن نظرية الخيال في التراثَيْن العربي والغربي تدين للثقافة اليونانية التي تلقفها العرب وأفاضوا في تفسيرها والإضافة إليها.
وقد تأثر كلٌّ من الفلاسفة والأدباء والنقاد والبلاغيين بمن سبقهم من فلاسفة اليونان، كأرسطو وأفلاطون( )، ولذا أرى أنه لا بد من أن أمهد بشيء عن التخييل لدى أرسطو وبعض الفلاسفة المسلمين، حتى نصل إلى الجرجاني والقرطاجني، فإن الأخيرَيْن قد تأثرا بشكل ملحوظ بالفلاسفة المسلمين أمثال ابن سينا بل إن حازماً القرطاجني يكاد لا يخرج عن أقوال ابن سينا.
وابن سينا وغيره من فلاسفة الإسلام تأثروا بفلاسفة اليونان فالموضوع مترابط لا يمكن فصله، ومالا يدرك كله لا يترك جُلّه.
لقد اهتم أرسطو في تعريف التخييل وعالجه في كتابه النفس، ولم يتعرض له في فن الشعر إلا بإشارة سريعة( ).
أما رأي أرسطو في طبيعة التخيل ومدى حظه من الصدق والكذب، فيمكن إيجازه في أن التخيل ضرب من الحركة في الذهن يقابل الحركة في عالم الحس (كما مرّ آنفاً) وحركة التخيل يجب في رأيه أولاً: ألا تكون قادرة على الوجود بدون الإحساس، وأن تنتمي إلى الكائنات التي لا تحس. ثانياً: أن تجعل صاحبها قادراً على أن يفعل وينفعل بعدد كبير من الأفعال.
وأخيراً أن تكون هي نفسها صادقة أو كاذبة( ).

التخييل عند ابن سينا:
إن الكلام في التخييل عند الفلاسفة المسلمين من حيث مصدره ومفهومه فيه آراء ومواقف متباينة كثيرة، فقد اختلفوا في ذلك مذاهب شتى، ومنهم من يخلط بين المحاكاة والتخييل، ومنهم من يجعل التخييل والوهم شيئاً واحداً.
إن تأثير كل واحد منها بالآخر واستمداده من الفلسفة اليونانية وأثره في الثقافة العربية، كل ذلك يحتاج إلى دراسة مطولة متأنية تفصل بين الآراء المختلفة وتبين الفرق بين هذه المصطلحات ( ).
- ويظهر التقصي التاريخي على أن مذاهب اليونانيين في علاقة الإدراك الحسي بالتخيّل، قد انتقلت برمتها إلى تراث الثقافة العربية، ومما يدل على هذا تأثر الفلاسفة المسلمين بذلك أمثال الفارابي وابن سينا وابن رشد. وأولهم تأثراً الفارابي، وكان لأرسطو النصيب الأوفى من التأثير بفضل الترجمة، وقد حظي بعناية كبيرة.
أما ابن سينا فقد تأثر بالفارابي في كل ما كتبه في المحاكاة والتخيل والتخييل، وأفاد منه إفادة كبرى جعلته يوضح هذه الأمور ويسهب فيها ويطورها عما كانت عليه( ).
«وجدير بالذكر أن ابن سينا هو -فيما نعلم- أول فيلسوف من فلاسفة المسلمين وصف الشعر بأنه كلام مُخَيِّل، كما سنرى بعد عند تعريفه للشعر. وابن سينا هو آثر الفلاسفة عند حازم، نقل عنه في أربعة عشر موضعاً في كتابه، ولذا هناك علاقة وثيقة بين حازم وابن سينا في الفكر»( ).

تعريف الشعر عند ابن سينا:
يقول ابن سينا: «إن الشعر هو كلام مُخيِّل مؤلّف من أقوال موزونة متساوية، وعند العرب مقفّاة».
إن هذا التعريف للشعر خاص بابن سينا، وهو في الشعر عامة، ثم ينسحب على الشعر العربي بقوله: «وعند العرب مقفاة».
ولم يقف ابن سينا في تعريفه للشعر على أنه قول موزون ومقفى، كما هو شائع عند النقاد العرب، بل ذهب إلى أبعد من هذا وجعله في الدرجة الأولى «كلام مخيِّل» وهكذا يبدو دور الشعر في المتلقي. فإن المقصود عند ابن سينا بـ«كلام مخيِّل» أي «فعل مخيِّل».
يشرح ابن سينا معنى «مخيل» فيقول: والمخيِّل هو الكلام الذي تذعن له النفس فتنبسط عن أمور، وتنقبض عن أمور من غير روية
===>>

اسير الصحراء
04-07-2006, 12:47 AM
وفكر واختيار، وبالجملة تنفعل له انفعالاً نفسانياً غير فكري، سواء كان المقول مصدَّقاً به أو غير مصدق. فإن كونه مصدقاً به غير كونه مخيلاً أو غير مخيل: فإنه قد يصدق بقول من الأقوال ولا ينفعل عنه، فإن قيل مرة أخرى وعلى هيئة أخرى انفعلت النفس عنه طاعة للتخييل لا للتصديق فكثيراً ما يؤثر الانفصال ولا يحدث تصديقاً وربما كان المتيقن كذبه مخيلاً.
ومما يلاحظ على هذا الكلام تركيز ابن سينا على عملية التخييل ودورها الهام في المتلقِّي، أو بتعبير آخر الاهتمام بالأثر الذي يتركه الشعر في نفس المتلقي، الذي لا تتشكل صوره بوساطة القوة الحاسة، كما هو الحال عند الشاعر في المرحلة الأولى، تتشكل مباشرة من الصور الذهنية المخيلة.
وفي كل الأحوال لا نستطيع أن نفصل فصلاً حاداً بين النص الشعري وأثره في المتلقي أو بين التخيّل الشعري والتخييل الشعري( ).
ونذكِّر أن ابن سينا لا يربط مفهوم الشعر بالمضمون الأخلاقي الديني، من حيث الصدق والكذب.
- والتخييل عند ابن سينا هو الفصل بين ما هو شعر وغير شعر، أو بين الشعر والنثر، أو بين الشعر والخطابة.
يقول: «الشعر يستعمل التخييل والخطابة تستعمل التصديق»، وليس التخييل هنا ضد التصديق من حيث الطبيعة ولكن من حيث الفاعلية والأثر في المتلقي، أو بقدر درجات الاستجابة والإذعان والنزوع لهما.
فالخطابة تستعمل التصديق للإقناع بالبرهان فتكون لها استجابة عقلية ادئة وباردة «لأنها محصورة متناهية يمكن أن توضع أنواعاً ومواضع».
وتظهر الفوارق عند ابن سينا بين الشعر والخطابة على الأسس التالية:
1- الخطابة تستعمل التصديق، بمعنى أن تقوم على محاكاة الأشياء المعروفة والمشهورة بدون زيادة أو نقصان، بأسلوب تقريري مباشر يقبله العقل والمنطق.
2- الشعر يستعمل التخييل: بمعنى أن الشعر خلق وإبداع لا يحاكي الموضوعات المشهورة والمحصورة، أي لا يقلد الأشياء وينسخها بأمانة، وعدم الأمانة بالنسخ والنقل والمحاكاة هنا –هو الكذب- من حيث الشكل- بالتقسيم المنطقي للخبر (صادق – كاذب) والكذب الفني بهذا التقسيم المنطقي للشعر مرتبط بالمستحسن في الشعر، أي بالتجديد الذي يحدث الدهشة والمتعة لدى المتلقي.
أو بتعبير آخر أن الكذب في الشعر يساوي عملية الخلق والإبداع الفني، وهذا ما جعل القدماء يقولون:
«أكذب الشعر أعذبه» ومن هنا أصبح للكذب قوة تخييلية يستعملها الشعر( ).
في قضية علاقة التخييل بالصدق أو بالكذب، يفهم من كلام ابن سينا أن الجهة منفكة، فالنفس تنفعل للكلام المخيل كما ذكرنا قوله سابقاً «انفعالاً نفسانياً غير فكري سواء كان المقول مصدقاً به أو غير مصدق، فإن كونه مصدقاً غير كونه مخيلاً أو غير مخيل». وهذه العلاقة المنفكة هي في صالح القول الصادق إذا كانت العبارة عنه بكلام مخيل، لأنه «إذا كانت محاكاة الشيء بغيره تحرك النفس وهو كاذب، فلا عجب أن تكون صفة الشيء على ما هو عليه تحرك النفس وهو صادق، بل ذلك أوجب» ويرى ابن سينا «أن الناس أطوع للتخييل منهم للتصديق، وكثير من الناس إذا سمع التصديقات استكرهها وهرب منها. وقال: «القول الصادق إذا حرف عن العادة وألحق به ما تستأنس به النفس أفاد التصديق والتخييل، وربما صرف التخييل عن الالتفات إلى التصديق والشعور به.
ومن هنا يرد ابن سينا أصل البراعة الشعرية إلى التخييل، وهذا التخييل يمكن أن يكون في خدمة الحقيقة كما قد يكون في خدمة الكذب، وهو في كلتا الحالتين إنما يخاطب قوة النزوع والشوق يجذبها إلى ما تحب ويطردها عما تكره. ومرد ذلك كله إلى عبقرية الشاعر وبراعته في القول والتعبير، لأن التخييل إذعان، والتصديق إذعان، ولكن التخييل إذعان للتعجب والالتذاذ بنفس القول، والتصديق إذعان لقبول أن الشيء على ما قيل فيه، فالتخييل يفعله القول لما هو عليه، والتصديق يفعله القول بما المقول فيه عليه( ).
وإذا عدنا إلى تعريف ابن سينا للشعر بأنه كلام مخيل نجد أن سبيل الشعر إلى التخييل هي المحاكاة بعنى التشبيه والتمثيل، فمجال الشاعر هو النفس وليس العقل، وعمله فيها هو التأثير، وطريقه إلى هذا التأثير هو التخييل.
ومعنى التخييل هنا هو مخاطبة القوة المتخيلة في النفس. وهذه القوة تعمل في صور المدركات الحسية التي تصل إلى قوة الخيال من الفنطاسيا أو الحس المشترك، وتقوم فيها بالجمع والتفريق كما تشاء، كما تقوم بهذه العملية أيضاً مع المعاني المدركة من المحسوسات الجزئية التي تنالها قوة الوهم وتحتفظ بها الذاكرة( ).
ويرى ابن سينا أيضاً «أن الشعر من جهة ما يُخيِّل ويحاكي بأشياء ثلاثة: باللحن الذي يتنغم به، فإن اللحن يؤثر في النفس تأثيراً لا يرتاب به، وبذلك التأثير تصير النفس محاكية في نفسها لحزن أو غضب أو غير ذلك. وبالكلام نفسه إذا كان مُخيِّلاً ومحاكياً، وبالوزن فإن من الأوزان ما يُطيش وما يُوقّر، وربما اجتمعَت هذه كلها وربما انفرد الوزن والكلام المخيل( ).
ونجد كذلك أن ابن سينا قد ربط بين التخييل وإثارة التعجب، وهو ربط يعني أن أخيلة الشعر تبعث في المتلقي إعجاباً بالصور التي تبدعها مخيلة الشاعر من المعطى الحسي.
إن الإعجاب في هذا السياق غير دال، فالتعجب تعبير عن ضرب من الاستحسان وإثارة الدهشة، لما يحيل عليه التدهش من تنوع وجدة يبدعها الخيال.
وفي كلام ابن سينا ما يؤذن بوضع التخييل والانفعال في مساق واحد، إذ التخييل من شأنه أن ينفعل له المتلقي بغير روية فكرية، بحيث يحدث هيآت مختلفة من تلذذ وغبطة وانتشاط من عقال، أو تألم وحزن تنقبض له النفس ويحرج منه الصدر. إن من وظائف التخييل على هذا النحو إحداث وضع كيفي من الانفعال( ).
ومن ملاحظات ابن سينا الجديرة بالاعتبار ما أورده في تعريف القوة المتخيلة، إذ ذكر أن من شأنها أن تركب بعض ما في الخيال مع بعض، وأن تفصل بعضها عن بعض. إن هذه الوظيفة المنسوبة للوعي التخيلي سوف تعود للظهور بتألق زائد عند النقاد والفلاسفة من ذوي النزعات الرومانتيكية، وهو ما عبروا عنه: بأن الخيال ينشر ويبدد ويفكك ويعيد بناء العناصر من جديد( ).
وقبل أن نختم الكلام عن ابن سينا فلا بد أن نشير إلى قضية مهمة وهو إدخاله التخييل الفني في قوالب المنطق، ومما يدل على هذا اعتباره الشعر بمثابة مقدمات فحيلة، كأنما يشاكل بينه وبين القياس، وتمييزه بين التخييل والتصديق. كما مر سابقاً معنا عندما ذكرنا نوعي الإذعان بين التخييل والتصديق.
فابن سينا يعد القول المخيل من أقسام المنطق، وعبارته في ذلك أن للمقدمات المخيلة لواحق وعوارض... وكذلك الوزن لكن القول في الوزن أولى بصناعة الموسيقيين، وأما الذي من صناعة المنطق فالنظر في المقدمات المنطقية ولواحقها وكيف تكون حتى تصير مخيلة( ).
لقد كان ابن سينا ينظر في الشعر نظر المنطقي في القضايا والأقيسة والبراهين، وإليه يرجع الفضل في إذاعة كلمة التخييل.
وقد حدد بعض الدارسين أربعة معان لكلمة التخييل عند ابن سينا، ومن دلالتها: أن الكلام المخيل موجه إلى مخاطبة الغير.
وهنا نرى أثر ارتباط الشعر بالمنطق عند العرب، فالجدل يراد به إقناع الغير ويعتمد على المقدمات المقبولة عند العلماء، والخطابة يراد بها إقناع الغير وتعتمد على المقدمات المقبولة عند الجمهور، والشعر يراد به إيقاع المعاني في نفوس السامعين، فالتخييل الشعري نظير التصديق الجدلي والخطابي.
===>>

اسير الصحراء
04-07-2006, 12:48 AM
ومن دلالات التخييل عند ابن سينا:
1- أن التخييل أمر خارج عن التصديق، فالتصديق راجع إلى مطابقة الكلام للواقع، أما التخييل فراجع إلى ما للكلام نفسه من هيئة تحدث الانفعال، ومن هنا جاز أن تكون مواد التخيلات صادقة أو كاذبة إذا أحدثت في النفس الانفعال المقصود بالشعر.
2- أن التصديقات والتخييلات بمنزلة المادة والصورة، مما يترتب عليه أن حقيقة الشعر الذاتية ليست في مادة المعاني بل في صورتها.
ومن ملاحظاته أن التخييلات الشعرية قد توجه نحو «الأغراض المدنية» من سياسة وغيرها( ).
ويمكننا أن نختم بالقول إن التخييل إبداع وابتكار عربي إسلامي من ابن سينا أفاده من مبحث أرسطو في النفس، ومن اجتهاده الشخصي في هذا المجال، وإن مفهوم التخييل عند ابن سينا مفهوم جيد لطبيعة الصناعة الشعرية ووسائلها التعبيرية.

التخييل عند عبد القاهر الجرجاني:
لم يكن الدرس البلاغي والنقدي بمعزل عن منهج الفلاسفة وقد تشبث نفر من المشتغلين بالبلاغة والنقد بما انتهى إليه الفلاسفة من نتائج، وأثاروا قضايا هي من ثمرات هذا التأثر من مثل: قضايا اللفظ والمعنى، والصدق والكذب والخبر والإشارة، وأدخلوا التخييل في قوالب المنطق. ويجد الدارس هذا التأثير أوضح ما يكون عند عبد القاهر الجرجاني في أسرار البلاغة، وحازم في منهاج البلغاء.
(مع أن للدكتور سعد رأي مختلف في عبد القاهر سنورد جزءاً منه في هذا المبحث( ).
ولم يكن عبد القاهر بِدْعاً بين المشتغلين بالبلاغة فيمن سبقوه، ذلك أنه ربط مبحث التخييل بالأخذ والسرق وما فيهما من التقليل، وقد بث فكرة التخييل في "أسرار البلاغة" ومن هذا حديثه عن الفرق بين العقلي والتخييلي، وقياسه ما نعته بالمعاني العقلية في الشعر في الاستنباط المنطقي للأدلة البينة، وإلحاقه قسماً من التخييلات بالاحتجاج والقياس بضرب من التلطف والمرانة والحذف والصنعة التي يحتال بها الشعراء، وخلاصة القول في مذهبه إنه قصد بالتخييل ما قصده المتأخرون بالإيهام وحسن التعليل، وراغ إلى ما راغ إليه الأوائل من مشكلات الصدق والكذب، مصطنعاً الموازين المنطقية التي اصطنعوها للتمييز بين معان عقلية هي نسب للتصديق يحكم بإثباتها أو نفيها، وأُخَر تخيلية لا شأن لها إلا بصورة الصيغة الشعرية، فلا يقال فيها إن الشاعر بسبيل الصدق أو الكذب، ومن هذه المعاني التخيلية طائفة مصنوعة سبيلها البرهان والقياس( ).
ولكن التخييل عند عبد القاهر فيه اختلاف عن التخييل عند فلاسفة المسلمين، فإن الفلاسفة درسوا التخييل من خلال الأثر الذي يتركه الكلام المخيِّل في نفوس السامعين، أو بتعبير آخر يركزون على سيكولوجية المتلقي، ولم يهتموا بطبيعة العمل الفني، أي بطبيعة هذا الكلم المخيّل.
أما عبد القاهر فقد حلل التخييل على أنه جزء لا يتجزأ من العمل الفني، وتحدث عن تكوّنه وإنشائه ووجوده، وبهذا يكون: الشعر كلام مخيِّل ومخيَّل عنده( ).
ومما يدل على هذا أقوال عبد القاهر وهو يتحدث عن التخييل الشعري «أعلم أن الحكم على الشاعر بأنه أخذ من غيره وسرق، واقتدى بمن تقدم وسبق، لا يخلو من أن يكون في المعنى صريحاً أو في صيغة تتعلق بالعبارة. ويجب أن نتكلم أولاً على المعاني وهي تنقسم قسمين: عقلي وتخييلي، وكل واحد منهما يتنوع، فالذي هو العقلي على أنواع، أولها عقلي صحيح، مجراه في الشعر والكتابة والبيان والخطابة مجرى الأدلة التي تستنبطها العقلاء، والفوائد التي تثيرها الحكماء، ولذلك نجد الأكثر من هذا الجنس منتزعاً من أحاديث النبي e وكلام الصحابة، ونقولاً من آثار السلف الذين شأنهم الصدق وقصدهم الحق، أو ترى له أصلاً في الأمثال القديمة والحكم المأثورة عن القدماء»( ).
ويضرب أمثلة على هذا النوع من المعنى العقلي( )، ويكمل قوله «وهذا من باب من المعاني التي تجمع النظائر... ومكانه من العقل ما ظهر لك واستبان ووضح واستنار، ومنه قول المتنبي:
وكل مكان ينبت العز طيب وكل امرئ يولي الجميل محبب
وهو صريح معنى ليس للشعر في جوهره وذاته نصيب، وإنما له ما يلبسه من اللفظ ويكسوه من العبارة، وكيفية التأدية من الاختصار وخلافه».
وهذا يبين لنا أن عبد القاهر يعتبر المعاني العقلية ليست من جوهر الشعر وإن لبست رداءه، مع أنه لا يقلل من أهميتها ومن دورها في النواحي العقلية والاجتماعية والدينية بقوله بعد الاستشهاد بـ:
حتى يراق على جوانبه الدم لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى
«معنى معقول، لم يزل العقلاء يقضون بصحته ويرى العارفون بالسياسة الأخذ بسنته، وبه جاءت أوامر الله سبحانه وتعالى...»( ).
وبهذا تمثل المعاني العقلية عند عبد القاهر الحقائق الصادقة التي يقبلها العقل والمنطق، والتي تعتمد الأساليب المباشرة التي تصور الأمور تصويراً واضحاً.
ثم يمضي عبد القاهر بعد هذا القسم في بيان القسم التخييلي للمعاني فيقول:
«وأما القسم التخييلي للمعاني فهو الذي لا يمكن أن يقال فيه إنه صدق وإن ما أثبته ثابت وما نفاه منفي، وهو مفتن المذاهب كثير المسالك... ثم إنه يجيء طبقات، ويأتي على درجات، فمنه ما يجيء مصنوعاً قد تلطف فيه واستعين عليه بالرفق والحذق، حتى أعطي شبهاً من الحق... باحتجاج يخيّل، وقياس يصنع فيه ويعمل»( ).
وقبل أن نكمل قولـه وتمثيله لما ذكر، نرى بأن ما يفهم من كلامه أن المعاني التخييلية ليست صادقة كالمعاني العقلية، لأنها أعم وأشمل فلا تنحصر ولا تخضع لمقاييس حادة كالمعاني العقلية، وتتسم بطبقات من المعاني ودرجات مختلفة حتى تعطي شبهاً من الحق بقياس يصنع فيه، ونجد أن عبد القاهر تأثر بالمنطق الأرسطي، فموضوع الصدق والكذب والقياس والسبب والعلة من ضمن تحليلاته.
ونعود لنراه يستشهد على كلامه بقول أبي تمّام:
فالسيل حرب للمكان العالي لا تنكري عطل الكريم من الغنى
وهذا البيت يجري عنده على القياس التخييلي لا العقلي فيقول:
«فهذا قد خيل إلى السامع، أن الكريم إذا كان موصوفاً بالعلو والرفعة في قدره، وكان الغني كالغيث في حاجة الخلق إليه وعظم نفعه، وجب بالقياس أن ينزل عن الكريم نزول ذلك السيل عن الطود العظيم، ومعلوم أنه قياس تخييل وإيهام، لا تحصيل ولا إحكام، فالعلة أن السيل لا يستقر على الأمكنة العالية أن الماء سيّال لا يثبت إلا إذا حصل على موضع له جوانب تدفعه عن الانصباب، وتمنعه من الانسياب، وليس في الكريم والماء شيء من هذه الخلال( ).
يتبين من كلامه هنا بعض المنهج الأرسطي حيث استخدم "وجب القياس" وحلل البيت بوساطة القياس العقلي بقوله: «فالعلة أن السيل......».
فقد احتج عبد القاهر لفقر الكريم وعطله من المال والغنى بقياس فحيل، أو بتعبير آخر: تخيل معنى بوساطة معنى آخر عن طريق القياس التخييلي.
===>>

اسير الصحراء
04-07-2006, 12:49 AM
ومن جهة أخرى فقد جعل عبد القاهر للمعاني التخييلية منطقاً خاصاً بها يصفه بقوله: «ومن ذلك صنيعهم إذا أرادوا (أي الشعراء) تفضيل شيء أو نقصه أو مدحه أو ذمه فتعلقوا ببعض ما يشاركه في أوصاف ليست هي سبب الفضيلة والنقيصة... كما تراه في باب الشيب والشباب كقول البحتري:

إن تأملت من سواد الغراب وبياض البازي أصدق حسناً
وليس إذا كان البياض في البازي آنق في العين وأخلق بالحسن من السواد في الغراب، وجب لذلك كله ألا يذم الشيب: لأنه ليس الذنب كله لتحول الصبغ وتبدل اللون... ولو عدم البازي فضيلة أنه جارح وأنه من عتيق الطير ولم تجد لبياضه الحسن الذي تراه، وكما لم تكن العلة في كراهة الشيب بياضه. لم يكن هو الذي غض عنه الأبصار... كذلك لم يحسن سواد الشعر في العيون لكونه سواد فقط، بل لأنك رأيت رونق الشباب ونضارته ورأيت بريقه وبصيصه يعدانك الإقبال ويحضرانك الثقة بالبقاء ويبعدان عنك الخوف من الفناء.
وعلى هذا موضوع الشعر والخطابة أن يجعلوا اجتماع الشيئين في وصف علة الحكم يريدونه وإن لم يكن في المعقول ومقتضيات العقول، ولا يؤخذ الشاعر بأن يصحح كون ما جعله أصلاً وعلة كما ادعاه فيما يبرم أو ينقض من قضية وأن يأتي ما صيره قاعدة وأساساً ببينة عقلية، بل تسلم مقدمته التي اعتمدها بينه وكذلك قول البحتري:

في الشعر يكفي عن صدقه كذبه كلفتمونا حدود منطقكم
أراد كلفتمونا أن تجري مقاييس الشعر على حدود المنطق... مع أن الشعر يكفي فيه التخييل والذهاب بالنفس إلى ما ترتاح إليه من التقليل...
ولا شك أنه إلى هذا النحو قصد وإياه عمد، إذ يبعد أن يريد بالكذب إعطاء الممدوح حظاً من الفضل والسؤدد ليس له ويبلغه بالصفة حظاً من التعظيم يجاوز به من الإكثار محله لأن هذا الكذب لا يبين بالحجج المنطقية والقوانين العقلية وإنما يكذب فيه القائل بالرجوع إلى حال المذكور واختباره فيما وصف به والكشف عن قدره وخسته ورفعته أوضعته، ومعرفة محله ومرتبته( ).
ويفهم من تفسير عبد القاهر الجرجاني لقول البحتري ما يلي:
1- رفض الصنعة الشعرية القائمة على حدود المنطق بمعنى أن الشعر لم يكن قسماً من أقسام المنطق.
2- الشعر ليس عملاً عقلياً ولا قولاً محققاً.
3- يكفي في الشعر الكذب عن الصدق، الكذب هنا ليس الكذب الأخلاقي بل الكذب الفني بمعنى الإبداع والبعد عن النسخ الحرفي للأشياء. يعني أن الصورة الفنية ترتبط بإحساس الشاعر أكثر من ارتباطها بأصلها الخارجي الذي هو مقياس صدقها الأخلاقي.
4- الشعر هو ما ترتاح إليه النفس ولو رفضه العقل( ).
ثم ينتقل عبد القاهر الجرجاني إلى جوهر قضية المعاني التخييلية ويعالجها من خلال قول القائل: «خير الشعر أكذبه» فيقول: «وكذلك قول من قال خير الشعر أكذبه»، فهذا مراده لأن الشعر لا يكتسب من حيث هو شعر فضلاً ونقصاً وانحطاطاً وارتفاعاً بأن ينحل الوضيع من الرفعة ما هو منه عار، أو يصف الشريف بنقص وعار، فكم جواد بخَّله الشعر وبخيل سخّاه وشجاع وسمه بالجبن، وجبان ساوى به الليث وذي صفة أوطأه قمة العيوق وغبي قضى له بالفهم وطائش ادّعى له طبيعة الحكم ثم لا لم يعتبر ذلك في الشعر نفسه حيث تنتقد دنانيره، وتنشر ديابيجه ويفتق مسكه فيضوع أريجه( ).
ويفهم من كلامه:
1- الشعر يقوم على المعاني التخييلية.
2- استقلالية المعاني التخييلية عن الواقع الخارجي وقوانينه.
3- الكذب في الشعر، معناه الإبداع الفني في التغيير والصدق في التعبير( ). ثم يقابل عبد القاهر الجرجاني بين قول «خير الشعر أكذبه» ومعارضة هذا القول «خير الشعر أصدقه» ويستنتج هذا القول من هذا البيت:

بيت يقال إذا أنشدته صدقاً وإن أحسن بيت أنت قائله
فيقول: «فقد يجوز أن يراد به أن خير الشعر ما دلَّ على حكمة يقبلها العقل، وأدب يجب به الفضل، وموعظة تروض جماح الهوى، وتبعث على التقوى، وتبين موضع القبح والحسن في الأفعال، وتفصل بين المحمود والمذموم من الخصال، وقد تنحني بها نحو الصدق في مدح الرجال، كما قيل: كان زهير لا يمدح الرجل إلاّ بما فيه»( ).
إن رأي عبد القاهر الجرجاني بأن «خير الشعر أكذبه» هو ما يقابله عند فلاسفة المسلمين وبخاصة عند أبي سينا –كما مرّ بنا- الشعر يستعمل التخييل بمعنى الكذب لقوله «الخطابة تستعمل التصديق والشعر يستعمل التخييل». كما أن مفهوم عبد القاهر للشعر في هذا الجانب يلتقي مع مفهوم ابن سينا عندما يقول –كما مر بنا- «الناس أطوع للتخييل منهم للتصديق».
وفي رأينا أن هذا المفهوم للشعر عند عبد القاهر الجرجاني والفلاسفة المسلمين وبخاصة ابن سينا: (خير الشعر أكذبه) أو الشعر يستعمل التخييل، والناس أطوع للتخييل منهم للتصديق) هو مفهوم عربي أصيل للشعر.
ثم يكمل الموضوع فيقول: «فمن قال "خيره أصدقه كان ترك الإغراق والمبالغة والتجوز إلى التحقيق والتصحيح، واعتماد ما يجري من العقل على أصل صحيح، أحب إليه وآثر عنده، إذ كان ثمره أحلى وأثره أبقى وفائدته أظهر وحاصله أكثر ومن قال "أكذبه" ذهب إلى أن الصنعة إنما يمد باعها، وينشر شعاعها، ويتبع ميدانها وتتفرع أفنانها حيث يعتمد الاتساع والتخييل ويدعى الحقيقة فيما أصله التقريب والتمثيل، وحيث يقصد التلطف والتأويل ويذهب مذهب المبالغة والإغراق في المدح والذم والوصف والبث والفخر والمباهاة وسائر المقاصد والأغراض وهناك يجد الشاعر سبيلاً إلى أن يبدع ويزيد، ويبدئ في اختراع الصور ويعيد ويصادف مضطرباً كيف شاء واسعاً ومدداً من المعاني متتابعاً، ويكون كالمغترف من غدير لا ينقطع والمستخرج من معدن لا ينتهي»( ).
إن كلام عبد القاهر واضح جداً في الفصل بين المفهومين، وليس بحاجة إلى شرح. ويوضح مدلول الكذب في الشعر ومدلول الصدق فيه ويقارن بينهما إلى درجة يجعل الكذب هو أساس الصنعة الشعرية الحقة ونسيجها الأصيل.
فجملة القول إن الكذب في الشعر على نقيض معناه الأخلاقي فهو في مجال الشعر يعني:
1- حرية التعبير المطلقة.
2- الاتساع والتخييل.
3- الحقيقة فيما أصله التقريب والتمثيل (وجه الشبه بين الأشياء).
4- التلطف والتأويل (التعبير عن الرؤى والمقاصد).
5- المبالغة (التعبير عن الإحساس العميق حيث الرضا الممكن عما يختلج النفس – وتسد مسد النقص اللغوي في التعبير المطلق).
6- الإبداع والزيادة (التجاوز والتخطي – الخروج عن المألوف السائر التجديد الدائم بمعنى الإضافة والزيادة).
====>>

اسير الصحراء
04-07-2006, 12:49 AM
7 - اختراع الصور الفنية باستمرار حيث تقدم مدداً من المعاني المتتابعة( ).
ولم يقف عبد القاهر الجرجاني عند هذا الحد في التخييل، بل تحدث عن أنواع أخرى للتخييل مثل:
1- التخييل بتعليل حسن.
2- التخييل بغير تعليل.
ويعرف عبد القاهر التخييل المعلل بقوله: «وهو أن يكون للمعنى من المعاني والفعل من الأفعال علة مشهورة من طريق العادات والطباع ثم يجيء الشاعر فيمنع أن يكون لتلك المعروفة ويضع له علة أخرى. مثاله قول المتنبي:

يتقي إخلاف ما ترجو الذئاب ما به قتل أعاديه ولكن
الذي يتعارفه الناس أن الرجل إذا قتل أعاديه فلإرادته هلاكهم وأن يدفع مضارهم عن نفسه، وليسلم ملكه ويصفو من منازعاتهم، وقد ادعى المتنبي كما نرى العلة في قتل هذا الممدوح لأعدائه غير ذلك»( ).
وأما التخييل بغير تعليل، يشير هنا إلى دور التشبيه والاستعارة والمجاز في هذا النوع الذي يعرفه بقوله: «وهذا نوع آخر من التخييل، وهو يرجع إلى ما مضى من تناسي التشبيه وصرف النفس عن توهمه إلا أن ما مضى معلل. بيان ذلك أنهم يستعيرون الصفة المحسوسة من صفات الأشخاص للأوصاف المعقولة، ثم تراهم كأنهم قد وجدوا تلك الصفة بعينها، وأدركوها بأعينهم على حقيقتها وكأن حديث الاستعارة والقياس لم يجر منهم على بال»( ).
ويوضح هذا النوع عندما يشرح أبيات ابن الرومي:

نفس أعز عليّ من نفسي قامت تظللني من الشمس
شمس تظللني من الشمس قامت تظللني ومن عجب
«فلو أنه أنسى نفسه أن ههنا استعارة ومجازاً من القول وعمل على دعوى شمس على الحقيقة لما كان لهذا التعجب معنى، فليس ببدع ولا منكر أن يُظِلَّ إنسان حسن الوجه إنساناً ويقيه وهجاً بشخصه( ).
ويمكننا أن نلخص رأي عبد القاهر ومفهومه في التخييل بقوله: «وجملة الحديث الذي أريده بالتخييل ههنا ما يثبت فيه الشاعر أمراً هو غير ثابت أصلاً، ويدعي دعوى لا طريق إلى تحصيلها، ويقول قولاً يخدع فيه نفسه ويريها ما لا ترى، أما الاستعارة فإن سبيلها الكلام المحذوف في أنك إذا رجعت إلى أصله وجدت قائله وهو يثبت أمراً عقلياً صحيحاً ويدعى دعوى لها شبح في العقل»( ).
فهنا يحكم على التخييل بالكذب المطلق ويعده من الخداع، ولا علاقة له بالاستعارة. ومن هنا يمكننا أن نفهم رأي د.سعد مصلوح المخالف لآراء غيره من الدارسين في عبد القاهر حيث ينفي د.سعد تأثر الجرجاني بابن سينا في التخييل ويبين بأن التخييل عند عبد القاهر إنما هو الإيهام والكذب أو القياس الشعري الخادع وأنه نوع من الكذب البارع، وأن عبد القاهر يدور في فلك هذا المعنى بعد مزجه بفكرة المنطقية عن المادة والصورة في الشعر( )، ومهما يكن فقد أدرك عبد القاهر أن الشعر بصورة عامة يحتوي على معان عقلية ومعان تخييلية؛ الأولى ليست من جوهر الشعر، والثانية من جوهره.
التخييل عند حازم القرطاجني
إن مفهوم التخييل الذي بدأه الفلاسفة، اتسع عند البلاغيين وصار له حظ أوفى من الدراسة عند عبد القاهر الجرجاني كما رأينا وإن اختلفت آراؤهم، ثم اتضحت أصوله وتبلورت معانيه عند حازم القرطاجني. ويمكن القول إنه بحازم أصبحت مفاهيم التخييل تشكل نظرية كاملة المعالم واضحة الأهداف في تقويم الشعر.
وما أن يصل الدارس إلى حازم حتى يتبين له التخييل بوضوح وعلى منهج ابن سينا، فحازم استجاب لكلام ابن سينا بل لعله أول من تمثل رأي ابن سينا (فيما ظهر لنا)، حيث يعد أبو الحسن حازم القرطاجني امتداداً لتأثر الدرس البلاغي بالفلسفة اليونانية كما في كتابه «منهاج البلغاء»، وقد ردد حازم في كثير من المواضع آراء ابن سينا، وإن كان قد أشار إلى غيره كالفارابي، إلا أن ابن سينا كان آثر الفلاسفة عند حازم، وأشد نفوذاً وتأثيراً.
سبق أن قلنا:
إن مفهوم التخييل عند حازم أصبح نظرية متكاملة، ولذلك ليس من السهل إيجاز نظريته، ولا بد لكل دارس من أن يقسم بحثه إذا أراد أن يتحدث عن التخييل لدى حازم، مِثْل: تأثره بابن سينا، وأثر التخييل عنده في الأغراض الشعرية، وكذا أثره في المعاني وتأثيره بالنفس. وعلاقة التخييل بالتحسين والتقبيح، والإقناع وقضية الصدق والكذب وغير ذلك( ).
يتبين من عرض حازم للتخيل متابعته من سبقوه في فهم الشعر على غرار القياس والتقسيم الصوري، والمماثلة بين الشعر وبين القضية في أشكالها المختلفة، واعتبار الأقاويل الشعرية قسماً من المقولات، قد تصدق فيها المقدمات أو تكذب، إذْ لا عبرة هنا بالصدق أو الكذب لأن مدار الشعر على الكلام من حيث هو مخيل. وهذا يدخلنا إلى قضيتي الصدق والكذب، والفرق بن الشعر والخطابة وعلاقتهما بالإقناع والتصديق.
فقد ربط حازم بين الصياغة الشعرية وتقسيم المناطقة للمقولات إلى برهاني وجدلي وخطابي.
فيقول: "إن ما قام من الأقاويل القياسية على التخييل والمحاكاة هو قول شعري سواء كانت مقدماته برهانية أو جدلية أو خطابية، يقينية أو مشتهرة أو مظنونة، وإن ما بني على الإقناع خاصة أصيل في الخطابة دخيل في الشعر، وما بني على غير الإقناع لا يرد في شعر ولا خطابة"( ).
ويفهم من هذا أن وقوع الأقاويل الصادقة في الشعر صحيح، ولكن الشعر يختص باستعمال المقدمات الكاذبة، أو بمعنى أدق الموهمة الكذب، لأنه لا ينافي الكذب كما لا ينافي الصدق. لذلك يقتصر على النسبة إليه كل كلام مخيل مقدماته كاذبة. ولكن الشعر في هذه الحال يكون شعراً باعتبار "ما فيه من المحاكاة والتخييل لا من جهة ما هو كاذب كما لم يكن شعراً من جهة ما هو صادق بل بما فيه أيضاً من التخييل"( ).
وهكذا نجد أن حازماً تابع المناطقة في بيان الأقاويل الشعرية المخيلة وجعلها على قاعدة الصدق والكذب، وتأثر بالفلاسفة وبخاصة ابن سينا، وبسط الفكرة على طريقة المناطقة في التفريع والاستقصاء وردّ الخبري للقاعدة إلى خمسة أشكال فقال: "فقد تبين... أن الشعر له مواطن لا يصلح فيها إلا استعمال الأقاويل الصادقة، ومواطن لا يصلح فيها إلا استعمال الأقاويل الكاذبة، ومواطن يصلح فيها استعمال الصادقة والكاذبة واستعمال الصادقة أكثر وأحسن، ومواطن يحسن فيها استعمال الصادقة والكاذبة أكثر وأحسن، ومواطن يحسن فيها استعمال الصادقة والكاذبة أكثر وأحسن، ومواطن تستعمل فيه كلتاهما من غير ترجح( ).
ومن يتابع كلام حازم يجده يحذو حذو ابن سينا عندما يتحدث عن التخييل والتصديق، بل ينقل حازم كلام ابن سينا في هذا: "والمخيل هو الكلام الذي تذعن له النفس فتنبسط الأمور أو تنقبض عن أمور من غير روية وفكر واختيار، وبالجملة تنفعل له انفعالاً نفسياً غير فكري سواء كان المقول مصدقاً به أو غير مصدق به، فإن كونه مصدقاً به غير كونه مخيلاً أو غير مخيل، فإنه قد يصدق بقول من الأقوال ولا
===>>

اسير الصحراء
04-07-2006, 12:50 AM
ينفعل عنه، فإن قيل مرة أخرى أو على هيئة أخرى انفعلت النفس عنه طاعة للتخييل لا للتصديق، فكثيراً ما يؤثر الانفعال ولا يُحدث تصديقاً، ... والناس أطوع للتخييل منهم للتصديق"( ).
ومن هنا نجد أن حازماً جعل التخييل قوام الشعر، والإقناع قوام الخطابة، وعالج على أساس هذه المقولة كثيراً من القضايا التفصيلية الخاصة بالفن الشعري، وأهمها قضية الصدق والكذب في الشعر التي أعطاها من اهتمامه قدراً كبيراً، وأقامها على أساس فرق ما بين الشعر والخطابة من حيث التخيل والإقناع. وقد تابع حازم ابن سينا في مخالفته التقسيم التقليدي لمراتب الصدق والكذب في الأقاويل هذا التقسيم الذي يجعل مراتب الصدق تنازلية مبتدئاً بالقول البرهاني فالجدلي فالخطابي فالسوفسطائي حتى يصل إلى القول الشعري الذي هو كاذب بالكل لا محالة( ).
لقد كان حازم شديد الفتون بالتعبير عن مذهبه في الخيال بأساليب متنوعة، تدور أحياناً على فكرة يلم بها، ثم يشققها ويقلبها ويستنفد مضمونها بضرب من الاستقصاء وذلك حسب طريقة المتفلسفين وكأنه رغب في أن يقنن للشعر وأن يضع للخيال الفني معايير يقاس بها ويعرض عليها، ومن هذا القبيل حديثه عن أنحاء التخييل الأربعة. المعنى والأسلوب واللفظ والوزن، وتقسيمه التخييل الشعري على طريقة الفلاسفة والمتكلمين إلى ضروري وعارض مستحب، وعبارته في ذلك "أن التخييل في الشعر يقع من أربعة أنحاء: من جهة المعنى، ومن جهة الأسلوب، ومن جهة اللفظ، ومن جهة النظم والوزن، وينقسم التخييل بالنسبة إلى الشعر قسمين: تخييل ضروري وتخييل ليس بضروري ولكنه أكيد أو مستحب... والتخاييل الضرورية هي تخاييل المعاني من جهة الألفاظ، والأكيدة والمستحبة تخاييل اللفظ في النفس وتخاييل الأسلوب وتخاييل الأوزان والنظم، وآكد ذلك تخييل الأسلوب( ).
ولم يكد حازم يفرغ من التصنيف الرباعي حتى راغ إلى تقسيم ثنائي أدرج بوساطته تخييل المعاني من جهة الألفاظ تحت ما نعته بالضرورة، وأدخل تخييل الأوزان والألفاظ والأساليب فيما هو غير ضروري ولكنه بالتعبير الفقهي مستحسن ومستحب. ولا شك أن للتخييل الواقع من قِبل الضرورة رتبة أعلى من التخييل الآخر، وكأنه يعالج مشكلة المفاضلة بين اللفظ والمعنى بواسطة هذا التصنيف الذي يغلب عليه المصطلح الفقهي، وكأنه أراد بتخاييل المعاني من جهة الألفاظ أن يحدد خاصية أساسية للخيال تتمثل في تخيل المجردات وتجسيد المعاني بإبرازها في الصور المحسوسة. ولإيقاع التخييل في النفس عند حازم طرائق ومسالك تنحل إلى التصور والمحاكاة والتداعي بواسطة ما تنشئ الذاكرة من علاقات. وهذه الطرق عنده تكون "بأن يتصور في الذهن شيء من طريق الفكر وخطرات البال، أو بأن تشاهد شيئاً فتذكر به شيئاً أو بأن يحاكي لها الشيء بتصوير نحتي أو خطى أو ما يجري مجرى ذلك، أو يحاكي لها صوته أو فعله أو هيأته... أو بأن يحاكي لها معنى بقول يخيله لها".
لقد عرض حازم ما يبديه الخيال من فعالية ونشاط في النحت والتصوير والموسيقى والمسرح والشعر، معتبراً التصوير الذهني طريقاً من طرق وقوع التخييل، برغم ما بين التخييل والتصور من تمايز واختلاف ولعله تأثر في ذلك بابن سينا ومذهبه في أن الخيال يعين على التصور والإدراك في بعض العلوم التي تحتاج إلى التخيل كالأشكال الهندسية( ).
ولحازم في المنهاج تقسيم آخر للتخييل من جهة متعلقاته، يدور على تصور الموضوع والأداة، أو على ما يسميه النقاد المحدثون المضمون والشكل، فثم تخييل واقع في المضمون، وأداة هذا التخيل ماثلة في الشكل وثم تخيل للمضمون وللشكل بواسطة الأنساق والأسلوبية وما تضم من معان وألفاظ. وأجرى حازم هذين النوعين من التخيل على نمط ما تداوله البلاغيون واللغويون من حديث عن الدلالات الأوائل والدلالات الثواني. فتحدث عن التخييل الأول والتخييلات الثواني، وعول في وصف التخيل الثاني على ما أثر عن طائفة من النقاد والبلاغيين الذين كانوا يتناولون الصيغ الشعرية فيحللونها ويصفونها بمعجم لغوي مشتق من العقود المصنوعة من كرائم الأحجار، ومعاجم أخرى مأخوذة من التصوير والأزياء التي كان الصناع يتفننون في تفصيلها وتزيينها، ومن هذا القبيل ما تصادف عندهم من تقويم انطباعي يدور على التنضيد والتسهيم والتوشية وما شاكل هذه الألفاظ يقول حازم "وينقسم التخييل بالنظر إلى متعلقاته قسمين: تخيل المقول فيه بالقول، وتخيل أشياء المقول فيه وفي القول من جهة ألفاظه ومعانيه ونظمه وأسلوبه. فالتخييل الأول يجري مجرى تخطيط الصور وتشكيلها في فرائد العقود وأحجارها. وتلك الصيغ والهيئات هي التخاييل الثواني فهي تجري من الأسماع مجرى الوشي في البرود، والتفصيل في العقود من الأبصار. والنفوس تتخيل بما يخيل لها للشاعر من محاسن ضروب الزينة فتبتهج لذلك، ولهذا نقلوا إلى بعض الهيئات اللفظية التي من هذا القبيل، أسماء الصناعات التي هي تنميقات في الموضوعات فقالوا الترصيع والتوشيح والتسهيم في تسهيم البرود، وكثير من الكلام ليس بشعري باعتبار التخييل الأول، يكون شعراً باعتبار التخاييل الثواني"( ).
ثم بدأ يفصل ويستقصي كعادته من هذا تعبيره عن التخاييل الأوائل والتخاييل الثواني من خلال تصور يرد التخيل الأول إلى الكلي ويعزو الثاني إلى الجزئي وإذا أخذ حازم بهذا التصور، رد التخاييل إلى ثمانية أقسام: أربعة للتخيل الكلي الأول ومثلها للتخيل الجزئي الثاني. يقول حازم في هذا السياق: ".... للمخيلين في التخييلات التي يحتاجون إليها في صناعتهم أحوال ثمانية، الحال الأولى يتخيل فيها الشاعر مقاصد غرضه الكلية التي يريد إيرادها في نظمه أو إيراد أكثرها.
الحالة الثانية أن يتخيل لتلك المقاصد طريقة وأسلوباً أو أساليب متجانسة أو متخالفة، ينحو بالمعاني نحوها ويستمر بها على مهايعها.
الحالة الثالثة أن يتخيل ترتيب المعاني في تلك الأساليب، ومن أهم هذه التخيلات، موضع التخلص والاستطراد.
الحالة الرابعة أن يتخيل تشكل تلك المعاني وقيامها في الخاطر، في عبارات تليق بها، ليعلم ما يوجد في تلك العبارات من الكلم التي تتوازن وتتماثل مقاطعها، ما يصلح أن يبني الروى عليه، وفي هذه الحال أيضاً يجب أن يلاحظ ما يحق أن يجعل مبدأ ومفتتحاً للكلام وربما لحظ في هذه الحال موضع التخلص والاستطراد. فهذه أربع أحوال في التخاييل الكلية.
الحالة الخامسة وهي أول حال من التخاييل الجزئية، أن يشرع الشاعر في تخيل المعاني معنى معنـى بحسب غرض الشعر. الحالة السادسة أن يتخيل ما يكون زينة للمعنى وتكميلاً له، وذلك يكون بتخيل أمور ترجع إلى المعنى من جهة حسن الوضع والاقترانات والنسب الواقعة بين بعض أجزاء المعنى وبعض، وبأشياء خارجة عنه ما يقترن به يكون عوناً له على تحصيل المعنى المقصود به.
الحالة السابعة أن يتخيل لما يريد أن يضمنه في كل مقدار من الوزن الذي قصد. عبارة توافق نقل الحركات والسكنات فيها، ما يجب في ذلك الوزن في العدد والترتيب بعد أن يخيل في تلك العبارات ما يكون محسناً لموقعها في النفوس.
الحالة الثامنة أن يتخيل في الموضع الذي تقصر فيه عبارة المعنى عن الاستيلاء على جملة المقدار المقفى معنى يليق أن يكون ملحقاً بذلك المعنى وتكون عبارة المعنى طبقاً لسد الثلمة التي لم يكن لعبارة الملحق به وفاء بها ومن هذا قول المتنبي في مدح سيف الدولة:
نهبت من الأعمار مالوحويته لهنئت الدنيا بأنك خالد( )
إذن الكلام لا يكون شعراً إلا باعتبار التخاييل الثواني التي هي التخاييل الشعرية، وهذا يعني أن التخاييل الثواني تشمل كل خصائص التجربة الشعرية وتشكلها.
ولكن هذا لا يعني أن التخييل الأول غير مهم ولا دور له، فالتخييل الأول بالتعبير المنطقي هو المقدمات الأساسية للشعر، وهو الذي يقدم المادة الأولى للبناء الشعري، وبهذا تكون التخاييل الثواني تابعة له من حيث الدرجة، ومختلفة عنه من حيث النشاط والوظيفة( ).
وإذا انتقلنا إلى جهة أخرى نجد أن حازماً قد اهتم كثيراً في أثر التخييل عند المتلقي، ودوره في توجيه السلوك، وهو بذلك يظهر دور الشعر الفعال في الجماعة، فالشعر عملية تخييلية تؤثر في المتلقي وتعدل من سلوكه. يقول: "....وتقوم في خياله (أي السامع) صورة أو
==>>

اسير الصحراء
04-07-2006, 12:50 AM
صور ينفعل لتخيلها وتصورها، أو تصور شيء آخر بها، انفعالاً من غير روية من الانبساط أو الانقباض( ). (ونذكر هنا أن حازماً يتبع مفهوم ابن سينا للتخييل) ويقول أيضاً في هذا الاتجاه: "وكان القصد في التخييل والإقناع حمل النفوس على فعل شيء أو طلبه أو اعتقاده أو التخلي عن واحد واحـد من الفعل والطلب والاعتقاد بأن يخيل لها أو يوقع في غالب ظنها أنه خير أو شر بطريق من الطرق التي يقال بها في الأشياء إنها خيرات أو شرورات"( ).
وهذا يؤدي بنا إلى نظرة حازم إلى تقسيم أغراض الشعر التي خالفت فيها من سبقه من البلاغيين.
فهو قد رفض تقسيمات قدامة والرماني وابن رشيق ورأى فيها خللاً أو نقصاً( )،وقدم تقسيماً آخر هو: "أن مقصد الشعر هو استجلاب المنافع واستدفاع المضار ببسط النفوس إلى ما يراد من ذلك وقبضها عما يراد بما تخيل لها من خير أو شر"( ) ويصل حازم من خلال فهمه للتخييل إلى رفض كل معنى أو أسلوب أو كلام في الشعر إذا لم يحقق التخييل، فهو ينظر إلى الشعر العربي على أنه حقيقة فنية، وأن القيمة الجمالية للشعر العربي كامنة في التخييل، وهذا التخييل يكون معدوماً إذا كانت معاني الشعر مبهمة، وهكذا يربط حازم جمال الشعر بمدى استجابة المتلقي، وهذا أدى به إلى القول ليس كل كلام موزون ومقفى شعراً "إن الشعر كلام مخيل موزون مختص في لسان العرب بزيادة التقفية إلى ذلك، والتئامه من مقدمات مخيلة، صادقة كانت أو كاذبة لا يشترط فيها بما هي شعر غير التخييل"( ).
ومن تعريفه للشعر يظهر أن الشعر يتحول إلى هيكل أجوف إذا فقد معانية العريقة وفقد القدرة التخييلية، ولا يعني هذا أن الوزن غير مهم، ولكن حصر مفهوم الشعر بالوزن والقافية هو ما يأباه حازم.


خــــاتمة
إن مفهوم التخييل قد بدأ عند الفلاسفة المسلمين بأصل، وإن كانوا استمدوا أو استفادوا من اليونانيين شيئاً، وإن ما استفادوه كان من خلال نظرة الفلاسفة اليونانيين للنفس، وليس للشعر، فالتخييل نظرية إسلامية أصيلة، قَنَّنَ لها في مظهرها الفلسفي ابن سينا،وتبناها من بعده الفلاسفة المسلمون والبلاغيون، وصاغها ووسعها حازم القرطاجني، حيث تمثّلت فكرة التخييل عند حازم تصوراً عاماً للصناعة الشعرية، وأنه البلاغي الوحيد الذي اعتنق هذه الفكرة بحيث تكاد تكون نظرية عامة يطبقها على طبيعة فن الشعر ووسائله التعبيرية( ).
وقد حقق حازم تقدماً على عبد القاهر الجرجاني بمفهوم التخييل حيث جعله أعم وأشمل وذا فائدة إنسانية، ويخالف الجرجاني في الفصل في الشعر بين المعاني العقلية والمعاني التخييلية، ويرى حازم أن المعاني العقلية مثل المعاني التخييلية صالحة للشعر المخيَّل الذي يؤثر في نفوس السامعين.
وأذكَّر بأنني لم أتطرق إلى نقد آراء مَن ذكرت من أرسطو وابن سينا وعبد القاهر والقرطاجني، ولم أبين آراء النقاد والدارسين، وأنني اكتفيت بعرض النظرية أو مفهوم التخييل، إذ إن المناقشات والاعتراضات تحتاج إلى روية وإمعان تفكير، وأرى أنها تستحق دراسة ماجستير للغوص في هذه النظرية.
وحسبي أنني اجتهدت في تقريب هذا المفهوم (التخييل)، وذكرت أصله وتطوره، وأجريت دراسة موجزة حوله مع عدد من العلماء الفلاسفة والبلاغيين (أرسطو – ابن سينا – عبد القاهر الجرجاني – حازم القرطاجني).
فإن أصبت شيئاً فذاك من توفيق الله، وإن ظهر نقص فهذا شأن الإنسان. وما من أحد يكتب شيئاً ويعيد النظر فيه إلى وقال لو قدّمْتُ أو أخرت أو حذفت أو زدت لكان أحسن كما روينا عن أساتذتنا.
ولله الحمد في الأولى والأخرى،،،






)المصادر والمراجع(
1- الجرجاني : عبد القاهر، أسرار البلاغة، دار المعرفة للطباعة والنشر دلائل الإعجاز مكتبة القاهرة 1961.
2- القرطاجني : حازم بن محمد، منهاج البلغاء وسراج الأدباء، تح: محمد الحبيب ابن الخوجة، تونس 1966م.
3- بدوي : د. أحمد أحمد، أسس النقد الأدبي عبد العرب، مكتبة نهضة مصر ط1، 1958م.
4- جيده : د. عبد الحميد، التخييل والمحاكاة في التراث الفلسفي والبلاغي دار الشمال طرابلس لبنان، ط1، 1984م.
5- مصلوح : د.سعد، حازم القرطاجني ونظرية المحاكاة والتخييل في الشعر، عالم الكتب القاهرة، ط1، 1400هـ-1980م.
6- نصر : عاطف جودة، الخيال مفهوماته ووظائفه، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1984م.
المعاجم
7- الجرجاني : علي بن محمد، التعريفات، مكتبة لبنان بيروت، 1969م.
8- الزبيدي : محمد مرتضى، تاج العروس من جواهر القاموس، دراسة وتحقيق علي شيري دار الفكر بيروت لبنان، 1414هـ - 1994م [مادة خيل، مجلد"14"].
9- ابن منظور : محمد بن مكرم، لسان العرب، دار صادر بيروت، 1375هـ 1956م. [مادة خيل، مجلد11]

اسير الصحراء
04-07-2006, 12:51 AM
التفكيكية من الفلسفة إلى النقد الأدبي

التفكيكية من الفلسفة إلى النقد الأدبي (*)
ممدوح الشيخ
"التفكيكية" مصطلح ينتمي لعائلة من المصطلحات المتداولة في الدراسات النقدية المعاصرة، وهو مصطلح مثير للجدل بسبب ما يتضمنه معناه – كما سيرد – من مفاهيم معادية للغيبيات (الميتافيزيقا). وقد تمحور الاهتمام في التفكير النقدي العربي حول هذا المصطلح أمثاله بعد أن توقفت جهود كانت تستهدف إبداع نظرية نقدية عربية.
وكما هو الحال في معظم مجالات العلوم الإنسانية والاجتماعية مثلت قضية السياق الذي تنشأ فيه الأفكار وتنمو وتتطور قضية خلافية بين من يرون الظاهرة الإنسانية تتطور وفق قوانين ثابتة لا تتأثر بالسياق الحضاري الذي تنشأ فيه، ومن يرون كل فعل وفكرة انعكاسا لرؤية حضارية تتضمن بالضرورة – بشكل ظاهر أو مضمر – تصورات عن الذات والآخر والكون وما وراء الكون. وعلى كل حال فإن واقع الدراسات النقدية العربية مشغول بمدارس النقد ذات المنشأ الغربي من ظاهرية وبنيوية وتفكيكية و. . . . .
وسواء كان دافع الانشغال الخوف من تبعية ثقافية تطرق الأبواب مترافقة مع تبعية اقتصادية وسياسية وإعلامية تعطي مشروعية لهذه المخاوف أو كان دافعه الرغبة في اللحاق بقطار يتحرك بالفعل وفي رحلته محطات عديدة، فإن من المفيد إدارة نوع من الحوار الإيجابي حول هذه الأفكار والمدارس النقدية.
التفكيك/ التقويض
أول مظاهر الجدل هو ما دار حول المقابل العربي للفظ الإنجليزي “ DECONSTRUCTION”، فبينما يرى الدكتور محمد عناني أن استخدام مصطلح التفكيكية هو استخدام موفق، فالتفكيك الذي اشتق منه المصدر الصناعي هو فك الارتباط أو حتى تفكيك الارتباطات المفترضة بين اللغة وكل ما يقع خارجها(1) يذهب مؤلفا "دليل الناقد الأدبي" إلى أن مثل هذه الترجمة لا تقترب من مفهوم صاحب النظرية، وإن كانا يقران أن مصطلح "التقويضية" الذي يستخدمانه يعيبه هو الآخر العيب نفسه، ولكنهما يفضلانه، فهي (أي النظرية) لا تقبل – حسب ما يذهب إليه نقاد عرب – البناء بعد التفكيك. فصاحب النظرية يرى أن الفكر الماورائي الغربي صرح أو معمار يجب تقويضه وتتنافى إعادة البناء مع المفهوم، فكل محاولة لإعادة البناء لا تختلف عن الفكر المراد هدمه، وهو الفكر الغائي(2).
ظهرت التفكيكية/ التقويضية على يد الفيلسوف الفرنسي جاك دريدا في ثلاثة كتب أصدرها عام 1967(3)، وقد بدأ دريدا نظريته بنقد الفكر البنيوي الذي كان سائدا آنذاك بإنكاره قدرتنا على الوصول بالطرق التقليدية على حل مشكلة الإحالة، أي قدرة اللفظ على إحالتنا إلى شئ ما خارجه، فهو ينكر أن اللغة "منزل الوجود" ويعني بذلك القدرة على سد الفجوة ما بين الثقافة التي صنعها الإنسان والطبيعة التي صنعها الله. وما جهود فلاسفة الغرب جميعا الذين حاولوا إرساء مذاهب على بعض البدهيات أو الحقائق البدهية الموجودة خارج اللغة إلا محاولات بائسة كتب عليها الفشل. وقد وصف دريدا مواصلة هذا الطريق بأنها عبث لا طائل من ورائه وحنين إلى ماض من اليقين الزائف(4) عبر عنه الفكر الغربي بألفاظ لا حصر لها عن فكرة المبادئ المركزية مثل: الوجود، الماهية، الجوهر، الحقيقة، الشكل، المحتوى، الغاية، الوعي، الإنسان، الإله(5).
ورغم هذه الخصائص التي تتصف بها النظرية فإن دريدا يصر على عدم ارتباط مشروعه بالعدمية بل يرى أن قراءته التفكيكية/ التقويضية قراءة مزدوجة تسعى إلى دراسة النص دراسة تقليدية أولا لإثبات معانيه الصريحة ثم تسعى إلى تقويض ما تصل إليه من معان في قراءة معاكسة تعتمد على ما ينطوي عليه النص من معان تتناقض مع ما يصرح به، أي أنها تهدف إلى إيجاد شرخ بين ما يصرح به النص وما يخفيه. وبهذا تقلب القراءة التفكيكية/ التقويضية كل ما كان سائدا في الفلسفة الماورائية. ويرى دريدا أن الفكر الغربي قائم على ثنائية ضدية عدائية يتأسس عليها ولا يوجد إلا بها مثل: العقل/ العاطفة، الجسد/ الروح، الذات/ الآخر، المشافهة/ الكتابة، الرجل/ المرأة(6).
التفكيكية/ التقويضية كمنهج نقدي
في كل قراءاته يقوم دريدا بسك مصطلحات يشتقها مما هو قيد الدراسة ولا يتأتى فهم النظرية إلا من خلال متابعة هذه المصطلحات والكيفية التي تعمل بها داخل النص المدروس، وجميعها تستعصي على الوجود إلا نتيجة تفاعلها داخل نصها، وأهم هذه المصطلحات كما صاغها دريدا:
الانتشار أو التشتيت “DIFFERENCE”
الأثر “TRAC”
الاختلاف/ الإرجاء “DEFFERANCE”
ويطلق جاك دريدا على مثل هذه المصطلحات التي يشتقها من المادة قيد الدراسة "البنية التحتية"(7).
الأثر “TRAC”:
صب دريدا جام غضبه على ما زعم البنيويون أنه طموح إلى اتباع المنهج العلمي، فالعلم في نظره – مثله في ذلك مثل الدين والفلسفة الميتافيزيقية – يقيم نظامه على ما يسميه "الحضور" ومعناه التسليم بوجود نظام خارج اللغة يبرر الإحالة إلى الحقائق أو الحقيقة. وهو يبسط حجته على النحو التالي: "تحاول الفلسفة الغربية منذ أفلاطون تقديم أو افتراض وجود شيء يسمى الحقيقة أو الحقيقة السامية المتميزة" أو ما يسميه هو "المدلول المتعالي" أي المعنى الذي يتعالى على (أو يتجاوز) نطاق الحواس ونطاق مفردات الحياة المحددة. ويمكن في رأيه إدراك ذلك من خلال مجموعة من الكيانات الميتافيزيقية التي احتلت مركز الصدراة في كل المذاهب الفلسفية مثل: الصورة، المبدأ الأول، الأزل، الغاية، الهيولي، الرب، ويمكن اعتبار اللغة المرشح الأخير للانضمام لهذه القائمة(8).
فمفهوم "الأثر" في التفكيكية/ التقويضية مرتبط بمفهوم الحضور الذاتي ودريدا يرى في الأثر شيئا يمحو المفهوم الميتافيزيقي للأثر وللحضور(9). وهدف دريدا هو تفكيك الفلسفة وتفكيك تطلعاتها إلى إدراك الحضور عن طريق ما حاول إثباته من أن عمل اللغة نفسه يحول دون الوصول إلى تلك الغاية. وفي مقابل التركيز على المقابلة بين الدال والمدلول (اللفظ والمعنى) عند سوسير يرفض دريدا أسبقية المدلول على الدال، لأن تصور سوسير كان يعني وجود مفاهيم "حاضرة" خارج الألفاظ(10).
الاختلاف/ الإرجاء “DEFFERANCE”:
هذا المصطلح سبب مشكلة في الترجمة بسبب الالتباس الحتمي المرتبط به، فترجمه البعض (الاختلاف والإرجاء)(11) وترجمه آخرون (الاختـ(ت)ـلاف)(12)، أما الدكتور عبد الوهاب المسيري فترجم هذا الاصطلاح إلى "الاخترجلاف" وهي كلمة قام بنحتها من كلمتي "اختلاف" و"إرجاء" على غرار كلمة “LADIFFERANCE” التي نحتها دريدا من الكلمة الفرنسية “DIFFER” ومعناها أرجأ والكلمة “DIFFERENCE” بمعنى اختلاف وتحمل معنى الاختلاف (في المكان) والإرجاء (في الزمان). ويرى دريدا أن المعنى يتولد من خلال اختلاف دال عن آخر، فكل دال متميز عن الدوال الأخرى ومع ذلك فهناك ترابط واتصال بينهما، وكل دال يتحدد معناه داخل شبكة العلاقات مع الدوال الأخرى، لكن معنى كل دال لا يوجد بشكل كامل في أية لحظة (فهو دائما غائب رغم حضوره)، وهكذا فالاخترجلاف عكس الحضور والغياب بل يسبقهما(13).
الانتشار أو التشتيت “DIFFERENCE”:
هذا المصطلح وأصله الإنجليزي “DISSEMINATION” ، كانت ترجمته هو الآخر موضوع اختلاف بين النقاد العرب، فبينما اختار الرويلي والبازعي ترجمته "الانتشار والتشتيت" اختار المسيري ترجمته "تناثر المعنى"، والكلمة يستخدمها دريدا في مقام كلمة دلالة وهي من فعل “DISSEMINAT” بمعنى: يبث أو ينثر الحبوب، وللكلمة معان أهمها: أن معنى النص منتشر فيه ومبعثر فيه كبذور تنثر في كل الاتجاهات ومن ثم لا يمكن الإمساك به. ومن معانيه أيضا: تشتيت المعنى – لعب حر لا متناه لأكبر عدد ممكن من الدوال، تأخذ الكلمة معنى وكأن لها دلالة دون أن تكون لها دلالة أي أنها تحدث أثر الدلالة وحسب(14). ويأخذ مصطلح تناثر المعنى بعدا خاصا عند دريدا الذي يركز على فائض المعنى وتفسخه وهو سمة تصف استخدام اللغة عامة(15).
بين الفلسفة والأدب
لم يبرز تأثير فلسفة دريدا في النقد الأدبي إلا في كتابات نقاد جامعة ييل وبخاصة بول دي مان، ويصور دي مان العلاقة بين الأدب والفلسفة بقوله: "إن الأدب أصبح الموضوع الأساسي للفلسفة ونموذجا لنوع الحقائق (أو الحقيقة) التي تطمح الفلسفة لبلوغها" ويعني ذلك أن الأدب لا يزعم أنه يحيل القارئ إلى الواقع الحقيقي خارج اللغة فهو تعريف خيالي، وتاريخ الفلسفة حسب تصور دي مان كان رحلة طويلة في دنيا الإحالة أو الإحالية، وإلى المضمون بعيدا عن الوعي بذاته، أي بأن الفلسفة استمدت أصولها من مصادر بلاغية أو من علم البلاغة نفسه. ويستند دي مان هنا على قول دريدا بأن الأدب يمكن اعتباره حركة تفكيك ذاتية للنص، إذ يقدم لنا معنى ثم يقوضه في آن واحد، فالأدب أقرب ما يكون إلى تجسيد مبدأ الاختلاف. وهو يحتفل بوظيفة الدلالة وفي الوقت نفسه بحرية عمل الكلمات في نطاق الطاقات الاستعارية وألوان المجاز والخيال دون الجمع بين المتناقضات فلا يصل أبدا إلى الوحدة(16).
وأهم ما يلاحظ هنا هو أن هذا التصور للأدب باعتباره نصوصا متداخلة ينفتح بعضها على بعض ولا يجد النص منها حدودا تمنعه من تجاوز ذاته بدلا من التصور القائم على وجود نص مستقل أو كتاب مغلق يناقض تعريف الأدب الذي جاء به النقد الجديد باعتباره عملا يتمتع بالوحدة العضوية. وتستند النظرية كذلك إلى ما يطلق عليه "خبرة القارئ" أو تجربة قراءته للنص وهو مرتكز يؤدي آخر الأمر إلى التصالح بين المعاني وتوحيد القوى المتصارعة وإحالة النص والقارئ جميعا في آخر المطاف إلى العالم الخارجي، ومن ثم يقول التفكيكيون – والكلام لجيفري هارتمان- إن الحقيقة الشعرية كانت تستمد حياتها في نظر النقد الجديد من العالم الخارجي باعتباره حقيقة فوق الواقع اللغوي أي متعالية عليه(17).
ويرى التفكيكيون أن المزية الأولى للأدب ترجع إلى أنه خيال أو كذب، فالشعر يحتفل بحريته من الإحالة وهو واع بأن إبداعاته ذات أساس تخيلي، ولذا فإنه لا يعاني مثلما تعاني النصوص الأخرى من مشكلة الإحالة إلى خارج النص وهو ما يلخصه أحد شراح النظرية – فيرنون جراس – بقوله: "ترجع أهمية الأدب في ظل التفكيكية / التقويضية إلى طاقته على توسيع حدوده بهدم أطر الواقع المتعارف عليها، ومن ثم فهو يميط اللثام عن طبيعتها التاريخية العابرة، فالنصوص الأدبية العظيمة دائما تفكك معانيها الظاهرة سواء كان مؤلفوها على وعي بذلك أم لا من خلال ما تقدمه مما يستعصي على الحسم. والأدب أقدر فنون القول على الكشف عن العملية اللغوية التي تمكن الإنسان بها من إدراك عالمه مؤقتا وهو إدراك لا يمكن أن يصبح نهائيا أبدا"(18).
لا شئ خارج النص:
تشكل هذه العبارة أساسا من أهم أسس النظرية التفكيكية/ التقويضية وقد عبر دريدا عن ذلك بقوله: "لا يوجد شئ خارج النص" ومعنى ذلك رفض التاريخ الأدبي التقليدي ودراسات تقسيم العصور ورصد المصادر لأنها تبحث في مؤثرات غير لغوية وتبعد بالناقد عن عمل الاختلافات اللغوية. ويعتبر التفكيكيون أن الغوص في الدلالات وتفاعلاتها واختلافاتها المتواصلة تعد معادلا للكتابة، فمن حق كل عصر أن يعيد تفسير الماضي ويقدم تفسيره الذي يرسم طريق المستقبل، فالتفسيرات أو القرارات الخاطئة المنحازة هي السبيل الوحيد لوضع أي تاريخ أدبي بالمعنى التفكيكي. وقد طبق جيفري هارتمان هذه القناعة على أعمال لودذوورث قتلت بحثا فانطلق بحدود تفسيراته لشعره وكتب مقالات مستوحاة من النص دون أن تتقيد به تحفل بالتوريات اللفظية بأشكالها المختلفة وإحالات الألفاظ والتعابير إلى أعمال سواه ومن ثم احتمالات التناص مظهرا في ذلك براعة يحسده عليها الشباب ولا يوافقه عليها الشيوخ لهدم المعاني التي ألفتها الأجيال على مدى قرنين من الزمان(19).
وحسب الدكتور محمد عناني فإن المذهب يشهد في التسعينات تحولا عجيبا يسمى "استخدام المصطلح دون مضمونه"، فالنقاد التفكيكيون أصبحوا يسخرون من القول بأن للغة وظيفة عقلانية أو معرفية وقد أجروا تعديلات غريبة على مفهوم العلاقة بين اللغة والواقع أو الحقيقة فبدأوا يرصدون حركة اللغة من الخارج عن طريق رصدها في تلافيف النص أو النص الباطن مثل الرغبات الجنسية (فرويد) أو المادية الماركسية أو ما وصفه نيتشة بالنزوع إلى التسلط وإرادة القوة. منهم من يقول إن هذه الرغبات غير العقلانية تساهم في عملية الدلالة على المعنى أكثر مما تساهم فيه المعرفة العقلية، وإن كان الدكتور عناني يصف هذه الاتجاهات الجديدة بأنها تنتفع بالتفكيكية/ التقويضية دون أن تكون تفكيكية/ تقويضية(20).
منتقدو التفكيكية/ التقويضية
من بين ردود الأفعال التي أثارتها النظرية انتقادات عديدة لعل أهمها في نظر ميجان الرويلي وسعد البازعي أنها رغم قدرتها التقويضية على زعزعة المسلمات التقليدية الميتافيزيقية الغربية تصل في النهاية إلى "عماية محيرة"، فدريدا لم يقدم بديلا عن مسلمات الميتافيزيقا الغربية بعد أن قوضها. بل إن البديل نفسه كما يرى دريدا نفسه سيتسم بسمات الميتافيزيقا لا محالة، لذا اكتفى دريدا بالتقويض. ويذهب الرويلي والبازعي ويشاركهما في ذلك عبد الوهاب المسيري إلى أن التفكيكية/ التقويضية تدين بمنهجها لممارسات التفسير التوراتي اليهودي وأساليبه. فكل ما فعله دريدا هو نقل الممارسات التأويلية للنصوص المقدسة اليهودية وتطبيقها على الخطاب الفلسفي مرسيا بذلك دعائم ما ورائية لاهوتية مألوفة لتحل محل الميتافيزيقا الغربية، أما المسيري فيرد الأفكار الرئيسة في نظرية دريدا إلى أصولها اليهودية، ففي مداخل: الأثر، تناثر المعنى، الهوة، الكتابة الكبرى والأصلية، التمركز حول المنطوق، من موسوعته يورد تأصيلا فكريا تاريخيا لهذا الأثر الواضح ليهودية دريدا وللفكر اليهودي في نظريته النقدية(21).
وقد نقل الدكتور عبد العزيز حمودة في "المرايا المحدبة" نماذج عديدة من النقد الذي وجه للتفكيكية/ التقويضية ي الغرب، فمثلا ليتش يقول في تمهيده لدراسته عن التفكيكية /التقويضية إنها باعتبارها صيغة لنظرية النص والتحليل تخرب كل شئ في التقاليد تقريبا وتشكك في الأفكار الموروثة عن العلاقة واللغة والنص والسياق والمؤلف والقارئ ودور التاريخ وعملية التفسير وأشكال الكتابة النقدية، وفي هذا المشروع فإن الواقع ينهار ليخرج شئ فظيع(22).
أما جون إليس وهو أحد أشهر منتقدي التفكيكية فيقول: "هناك وسيلة يلجأ إليها التفكيك/ التقويض للحفاظ على صلاحيته: تتم صياغة الموضوعات في مصطلح جديد وغريب وهو ما يجعل المواقف المألوفة تبدو غير مألوفة، ومن ثم تبدو الدراسات المتصلة غير متصلة. إن الهجوم على نظرية إحالة المعنى يترجم إلى هجوم على ميتافيزيقا الحضور برغم أن الاثنين يعبران عن الرأي الساذج القائل بالعلاقة بين الكلمات والأشياء، لكن المصطلحات تجعل الموضوع يبدو مختلفا"(23).
وفي النهاية:
لا شك في أن هذه الورقة المختصرة غير مناسبة نظرية التفكيك وإن كانت قد عرضت أهم ملامحها ومرت على أهم الانتقادات الموجهة لها. وقد يكون في ترجمة مثل هذه النظريات النقدية إفادة عظيمة لدرس تاريخ الآداب والفلسفات الغربية، فهي نشاط فكري بشري ينبغي ألا نكون غافلين عن الإحاطة به، أما التغافل عمدا عن موقف النظرية من الغيب والإنسان والمنظومات القيمية الراسخة في حضارتنا فهو خطر عظيم يهدد أول ما يهدد الأدب العربي الذي يبلغ عمره الآن أكثر من سبعة عشر قرنا حافلة بالعطاء الثري تحت ظل منظومة قيمية عربية إسلامية ينبغي أن تكون حاضرة عندما نتفاعل مع أية نظرية وافدة.

اسير الصحراء
04-07-2006, 12:52 AM
هوامش

(*) قدمت هذه الورقة في الورشة النـقدية التي نظمتها "دائرة الثقافة والإعلام" بحكومة الشارقة – دولة الإمارات العربية المتحدة – إبريل 2000 للفائزين بجوائز الدورة الثانية من "جائزة الشارقة للإبداع العربي". وقد فاز كاتب الورقة بالمركز الثاني في مجال المسرح.
ونشرت في مجلة "الآطام" السعودية (إصدارة دورية تعنى بالإبداع والدراسات الأدبية تصدر عن نادي المدينة المنورة الأدبي) – العدد الثامن – شعبان 1421 – نوفمبر 2000 – الصفحات: 47 – 58.
(1) محمد عناني (دكتور)، المصطلحات الأدبية الحديثة: دراسة ومعجم إنجليزي/ عربي، الشركة المصرية العالمية للنشر - لونجمان، الطبعة الثانية، سنة 1997، ص 131.
(2) ميجان الرويلي (دكتور) وسعد البازعي (دكتور)، دليل الناقد الأدبي، دون ناشر، 1415 هـ، ص 49 – 50.
(3) محمد عناني (دكتور)، المصطلحات الأدبية الحديثة، سبق ذكره، ص 132.
(4) محمد عناني (دكتور)، المصطلحات الأدبية الحديثة، سبق ذكره، ص 133.
(5) رامان سلون، ترجمة جابر عصفور (دكتور)، النظريات الأدبية المعاصرة، الهيئة العامة لقصور الثقافة، مصر، سلسلة آفاق الترجمة، سنة 1995، ص 163 – 164.
(6) ميجان الرويلي (دكتور) وسعد البازعي (دكتور)، دليل الناقد الأدبي، دون ناشر، 1415 هـ، ص 50.
(7) ميجان الرويلي (دكتور) وسعد البازعي (دكتور)، دليل الناقد الأدبي، دون ناشر، 1415 هـ، ص 54.
(8) محمد عناني (دكتور)، المصطلحات الأدبية الحديثة: دراسة ومعجم إنجليزي/ عربي، الشركة المصرية العالمية للنشر - لونجمان، الطبعة الثانية، سنة 1997، ص 135 – 136.
(9) ميجان الرويلي (دكتور) وسعد البازعي (دكتور)، دليل الناقد الأدبي، دون ناشر، 1415 هـ، ص 55.
(10) محمد عناني (دكتور)، المصطلحات الأدبية الحديثة: دراسة ومعجم إنجليزي/ عربي، الشركة المصرية العالمية للنشر - لونجمان، الطبعة الثانية، سنة 1997، ص 137 – 138.
(11) محمد عناني (دكتور)، المصطلحات الأدبية الحديثة: دراسة ومعجم إنجليزي/ عربي، الشركة المصرية العالمية للنشر - لونجمان، الطبعة الثانية، سنة 1997، ص 138.
(12) ميجان الرويلي (دكتور) وسعد البازعي (دكتور)، دليل الناقد الأدبي، دون ناشر، 1415 هـ، ص 60.
(13) عبد الوهاب المسيري (دكتور)، موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية – نموذج تفسيري جديد، دار الشروق، مصر، الطبعة الأولى، 1999، المجلد الخامس، ص 426.
(14) عبد الوهاب المسيري (دكتور)، موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية – نموذج تفسيري جديد، دار الشروق، مصر، الطبعة الأولى، 1999، المجلد الخامس، ص 437.
(15) ميجان الرويلي (دكتور) وسعد البازعي (دكتور)، دليل الناقد الأدبي، دون ناشر، 1415 هـ، ص 66.
(16) محمد عناني (دكتور)، المصطلحات الأدبية الحديثة: دراسة ومعجم إنجليزي/ عربي، الشركة المصرية العالمية للنشر - لونجمان، الطبعة الثانية، سنة 1997، ص 143 – 144.
(17) محمد عناني (دكتور)، المصطلحات الأدبية الحديثة: دراسة ومعجم إنجليزي/ عربي، الشركة المصرية العالمية للنشر - لونجمان، الطبعة الثانية، سنة 1997، ص 145 – 146.
(18) محمد عناني (دكتور)، المصطلحات الأدبية الحديثة: دراسة ومعجم إنجليزي/ عربي، الشركة المصرية العالمية للنشر - لونجمان، الطبعة الثانية، سنة 1997، ص 147.
(19) محمد عناني (دكتور)، المصطلحات الأدبية الحديثة: دراسة ومعجم إنجليزي/ عربي، الشركة المصرية العالمية للنشر - لونجمان، الطبعة الثانية، سنة 1997، ص 148.
(20) ميجان الرويلي (دكتور) وسعد البازعي (دكتور)، دليل الناقد الأدبي، دون ناشر، 1415 هـ، ص 54.
(21) ميجان الرويلي (دكتور) وسعد البازعي (دكتور)، دليل الناقد الأدبي، دون ناشر، 1415 هـ، ص 54 - عبد الوهاب المسيري (دكتور)، موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية – نموذج تفسيري جديد، دار الشروق، مصر، الطبعة الأولى، 1999، المجلد الخامس، ص 420 إلى 440.
(22) عبد العزيز حمودة (دكتور)، المرايا المحدبة من البنيوية إلى التفكيك، سلسلة عالم المعرفة، رقم 232، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، 1998، ص 291 – 292.
(23) عبد العزيز حمودة (دكتور)، المرايا المحدبة من البنيوية إلى التفكيك، سلسلة عالم المعرفة، رقم 232، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، 1998، ص 296