المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : رواية المفاتيح السبعة الجزأ ـ 4


أنور المشايخي
12-30-2007, 02:03 AM
--------------------------------------------------------------------------------

بسم الله الرحمن الرحيم
بداخل كل منا تلك الروح الطفولية التي سواء عاشها الواحد منا بكل تفاصيلها, أو ممكن يتذكر البعض منها.
ولكن جميعنا يحاول إسترجاع تلك المشاعر الدافئة التي كان يتلقاها أحيانا عندما كان يستمع لقصة خيالية من جدته في ليلة قمرية تسبح بخياله إلى عالم خاص به.

هذه روايتي المفاتيح السبعة التي إعتنيت بكل جزأية من جزأياتها لكي تكون مركبتك إلى ذلك العالم الذي كنت فيه من زمان.






الفصل الأول



قبل 333سنة ق .م تنقشع سحابة مظلمة لتظهر من السماء تلك البلاد البعيدة. مملكة (زيتا) .التي أنهكتها حروب الطمع والجشع والتنافس على السلطه. حيث يظهر قصر تضيء نيرانه ظلمة الليل الحالك. ندخل من خلال تلك الشرفة الكبيرة في غرفة أعلى ذلك القصرلنرى الملك أجمنون يجلس على كرسيه الكبير داخل مكتبة قصره الضخمة. تحيط به أرفف الكتب والقراطيس والأجهزة العلمية والمخطوطات. يتنهد من كرسيه ناظراً إلى أرفف الكتب الملونة . فحمل جسده إلى رف الكتب شارد الذهن ووقف أمامها ومد يده ليأخذ إحدى الكتب قائلاً:إذا كم حصيلة اليوم ؟ خمسون قتيلاً رد عليه أخوه الأصغر حيث كان واقفا خلفه ببضع خطوات وبينهما منضده خشبية كبيرة عليها بعض الكتب. خمسون قتيلاً هكذا أجابه الأخ الأصغر متحسراً.
أقفل الملك راجعاً إلى كرسيه وبيده ذلك الكتاب وعلامات الأسى بادية عليه . وكأنه فقد رغبته بالمطالعة. جلس على كرسيه ماسكاً بالكتاب على فخذية وقال بصوت ملؤه السخط والغضب: لم يجلب علينا حكم الملك سليمان إلا الخراب, منذ ثلاث مائه سنة ونحن على هذه الحال مات وترك وراءه سبعة مدن يقتل بعضنا بعضاً, يقتلون فنقتل فيقتلون. ولبرهه كان الملك ينظر إلى الأرض فرفع رأسه وهو يقلب كفيه قائلاً: حتى يفني بعضنا بعضا ... وصرخ قائلاً:إنها نقمه ..ثم هدأ وقال : نعم ليست إلآ نقمة .
قال الأمير وهو يسير في طريقه إلى الشرفه ناظرا من هناك إلى فناء القصر العشبي تحته : نعم هي كذلك ... ثم إستدارإلى حيث يجلس الملك وانحنى بإتجاه جانب الكرسي عند رأس الملك قائلاً: أو درساً منه في الحكمة مقدرعلينا أن نتعلمه بأنفسنا بهذه الطريقة. إستدار الأمير إلى الباب وهو يقول عندما وصل إليه : تصبح على خير. خرج الأمير وأحكم إرداف الباب ثم إستدار ليكمل طريقه فإذا كاد أن يصطدم بأحدهم وهو في وجهه فرفع الأمير بصره ليراه ولكن ذلك الرجل ذو الزي العسكري لم يقل شيئا. بل تجاوز الأمير الواقف أمامه ومد يده إلى باب المكتبة ملتفتاً إلى الأمير بنظرة إزدراء وإحتقار والأمير واقفا هناك ينظر إليه بإستغراب ويقول في نفسه: كيف لرجل من رحم إمرأة أن يحمل هذا الحقد كله في صدره , تكاد عيناه تخرقان جسمي إلى العظم .
دخل الرجل على الملك ومنذ رآه الملك داخلاً بادره الملك بالقول وهو مستبشراً مبتسماً رافعاً كلتا يديه إليه مرحبا : آه هاتان العينان تحملان خبراً ساراً, إني بحاجة إلى الأخبار السارة بعدما سمعته من الأمير من الأخبار السيئة. قل يا وزيرنا ماذا لديك؟ في هذه الأثناء كان ما يزال الوزير يخطو بإتجاه الملك وهو يقول : أجمنون سيدي ومولاي لقد إكتمل بناء المرصد ويمكنكم إستعماله بدأ من اللحظة . إلتفت الملك ناظرا إلى كتاب ضخم مفرد على تلك الطاولة الخشبية الكبيرة التي تتوسط المكتبة وقال : في الوقت تماماً, لدينا ثلاثة أيام حتى يحين وقت الرصد الذي وصفه كتاب الملك سليمان العظيم . الوقت الكافي لنختبر دقة عمل المرصد . ثم قام الملك ووضع يده على كتف الوزير الأيسر وقال : قل لي ؟ ثم أمسك الملك بيده اليسرى على ذقنه هو ناظرا إلى الأرض نظره المتفكر واتجه بخطى بطيئة إلى أمام الشرفة واستطرد قائلاً: لماذا يكون الماء ثلجاً أحياناً؟ فكر الوزير لبرهة مدركاً أن الملك يختبر سرعة بديهته بهذا السؤال الغريب المخادع وما لبثت أن لمعت عينا الوزير الماكرتان حينما تيقن أن الجواب سيكون من جنس السؤال ورد قائلا: الماء يا مولاي يكون ثلجا عندما لا يستطيع أن يكون بخارا أحيانا ... فاستدار إليه الملك ضاحكا بقهقهة قوية وأمسك بالوزير من جهة رقبته اليسرى وهزه قائلا : هذا ما يعجبني فيك ... إبتعد الوزير خطوة إلى اليمين قائلاً: مولاي لماذا غادر سيدي الأمير مبكراً هذه الليلة ؟ رد الملك قائلاً: لقد أصبح لديه من ينتظره الآن, زوجة جميلة, دافئة, حنونة, في ليلة مظلمة باردة ... واستدار إلى الوزير قائل له من خلفه : غداً بعد غروب الشمس حيث السماء صافية سنجربه .
في هذه الأثناء كان الأمير يشق طريقة عبر ممرات قصر الملك حتى خرج ونزل من على سلم بوابة ومدخل قصر الملك. وسار في حديقة القصر متجها إلى الفاصل العشبي الذي يفصل قصره عن قصر الملك حيث فتحة صغيرة في ذلك الفاصل العشبي زينت بقوس حديدي نمت عليه الأعشاب. فتحة تؤدي بين القصرين .وعلى بعد أمتار من تلك الفتحة حيث الظلام أكثرحلكه وبين الأحراش وقف الأمير مكانه ووقف شعر رأسه . إثر إشتباهه حركة مريبة وصوت خشخشة عند الفتحة فبدأ قلبه بالخفقان بسرعة ورأسه ملئتها الوساوس . حينها سمع صوتا صادرا من هناك : سيدي سيدي الأمير هذا أنا بستاني القصر . عندها تقدم الأمير بحذر وهو ما زال لا يرى شيئاً أمامه . حتى ظهر له من تحت الأشجار رجل تبدو عليه هيئة من ألمت به مصيبة من السماء وقال : سيدي الأمير أعذرني أرجوك أطلب منك الصفح .. ونزل الرجل على يدي الأمير يقبلهما بحركة فجائية أجفلت الأمير وظن به الغدر وقال البستاني: سيدي لقد انتظرت لقائك طيلة اليوم. ولم أجد فرصة أحسن من هذه بعيداً عن الجميع... وإذا بالبستاني يقبل يد الأمير قائلاً: أرجو أن تغفر لي وتسامحني ... عندها أخذ الأمير يلاطفه ويهديئ من روعه لكي يفهم منه. حيث كان الرجل يتلعثم ويكاد أن يبكي. ترتفع رأتيه بالهواء فلا يخرج من فمه شئ مفهوم. فأمنه الأمير على نفسه وأخذه من يده وقال له : تعال معي وسنتكلم بالداخل ... وإذا بالبستاني يجر الأمير إلى الخلف رافضاً الذهاب معه وقال وهو فزعا : لا أرجوك لا ينبغي لمن بالقصر أن يعلموا بهذا .. قال الأمير : لقد أشغلتني ما عندك ؟ تكلم . قال البستاني: سيدي الأمير أعلم فضلك وكرمك بل هذا لا يخفى على أحد من رعيتك, الجميع يصفك باللطف والرحمة , وحبك لمساعدة الضعفاء والمساكين لذلك لجأت إليك وليس أحد سواك يخلصني من هذه المحنة . قاطعه الأمير وقد فقد صبره قائلاً: قل ما عندك إن الهواء بارد هنا, هيا تكلم فقد أنهكتني. قال البستاني : أحببت فتاة من قصر مولاي الملك أجمنون , وقد كنا نلتقي خلسة عندما ينام الجميع . عندها هجم عليه الأمير ممسكاً بعضديه و شد عليه مخنقه وقال بحنق : إحدى الأميرات ؟ ورد عليه البستاني مفزوعاً : لا ...لا ... إنها إحدى عاملات المطبخ الملكي ياسيدي . عندها تركه الأمير وانبسطت ملامح وجهه إذ ظن أنه تجرأ على إحدى فتيات الأسرة المالكة وقال الأمير : إذ ما المشكلة ؟ قال البستاني : إنها حامل وعلى وشك أن تلد ...الليلة ! قال الأمير مندهشاً : وكيف إستطاعت أن تخفي حملها كل هذه الفترة عن الجميع ؟ قال البستاني :الفتيات والطباخات في المطبخ الملكي كن يساعدنها على ذلك, ويساعدن في عدم ظهورها. قال الأمير: وأين هي الآن؟ قال البستاني: إنها في المنومة . قال الأمير وهو يجر البستاني خلفه : هيا خذني إليها .
أخذ البستاني يجر الخطى والأمير خلفه إلى الغرف الخاصة بخدم الملك خلف قصره . وعندما وصلا إلى حيث السكنات تقدم البستاني وفتح باب إحدى الغرف فإذا يخرج من الغرفة صوت تأوه وتألم . تقدم الأمير إلى داخل الغرفة حيث كانت إمرأة مستلقية على السرير وهي في المخاض وحولها نسوة من الخادمات فوقفن مباشرة مدهوشات لدى دخول الأمير عليهن الغرفة . وأحنين رؤسهن إحتراما وخوفاً. أمر الأمير النسوة بأخذ المرأة إلى مساكن خدم قصره . وذهبوا جميعاً إلى الجانب الأخر من قصر الملك حيث مساكن خدم قصر الأمير محاولين عدم إصدار أصوات تسترعي إنتباه حراس أيا من القصرين. أدخل الأمير المرأة إلى غرفة من مساكن خدمه. وأوصى خادمات قصره بكتمان الأمر والإعتناء بالمرأة. ثم أخذ بيد البستاني إلى خارج المساكن وقال له : تعلم أنك ستعاقب على فعلتك هذه من قبل كبير الخدم. فأجابه البستاني : لا أبالي بنفسي سيدي الأمير, ولكني أخشى عليها هي من العقاب أو ما هو مصير إبننا المولود؟ ترى ماذا سيفعلون ببوجابت؟ قال الأمير : هل هذا هو أسمها ؟ أجابه : نعم سيدي. وخر البستاني ساجدا يقبل قدم الأمير وهو يبكي ويستجدي الأمير والأمير يحاول منعه من ذلك. فرفعه وقال له هل تحبها ؟ هز البستاني رأسه إجابة بنعم وقال : كثيراً سيدي لم أحب إمرأة من قبل ولا يمكن أن أحب غيرها. حينها قال الأمير : لا عليك دعها معي حتى تلد وعندها أكلم كبير الخدم في أمرها لا تخف أنت و هي في حمايتي لا تقلق عندها قبل البستاني يدي الأمير وذهب شاكراً داعياً حتى دخل الأمير قصره .
دخل الأمير غرفة نومه الواسعة وهو ينادي حيث لم يشاهد زوجته : ماري ... ماري... لن تصدقي ما حصل معي هذه الليلة .


في الصباح ومع إرتفاع الشمس في الأفق وقد عكست أشعتها الذهبية على المروج الخضراء في حدائق القصور ,لاح الأمير وهو يعبر الحدائق والممرات من قصره حتى دخل قصر الملك. فمن ثم الى ديوانه حيث كان يجلس الملك على عرشه وحوله حراسه الأشداء وندمائه وحكمائه ومستشاريه وبالأخص عن يمينه وزيره الماكر الذي كان يكره الأمير ويناصبه العداء . وعند دخول الأمير للديوان ألقى التحية والسلام فأذن له الملك بيده أن يجلس فجلس عن يسار الملك وهو ينظر إلى وزير الملك كيف يجلس هناك مزهواً مغروراً ولم تزغ عيناه عن النظر إلى الأمير منذ دخوله حتى جلوسه, ولم يقاطع ذلك إلا صوت الملك يقول للأمير : كيف كانت أحداث الأمس ؟ فالتصقت شفتا الأمير وامتص لعابه حيث كان سؤالاً مفاجأ, فاستمسك الأمير حتى أجاب : مولاي لم أعي سؤالكم ,عذرا منكم ... أعني أنك حضرت مجلسنا متأخراً هكذا قال الملك للأمير وهو يتجه برأسه ناظراً إلى وزيره بابتسامه خبيثة فقال: لابد وأنها كانت ليلة مثيرة . فقال الأمير بتردد: سيدي الملك... فقاطعه الملك بإشارة من كفه أي لا داعي للإجابة وقال الملك : هذه هي حال المتزوجين الجدد. وأدار الملك وجهه إلى الحاضرين قائلاً : أليس كذلك؟ وضحك الملك فتضاحك معه الحاضرون. أما الأمير فرسم على شفتيه إبتسامة صفراء مجاملة ولاذ بالصمت .
عند الظهيرة إنفض مجلس الملك فتوجه كل من الحاضرين إلى شأنه.عندها خرج الأمير متوجها إلى قصره. وعند تلك الفتحة العشبية الفاصلة بين القصرين كان ينتظره البستاني فلما رأى البستاني الأمير توجه إليه والفرحة تقفز من صدره وقال : لقد أنجبت يا سيدي.. أنجبت ليلة البارحة لقد أصبحت أباً. وارتسمت الفرحة في وجه الأمير وذهبا معا عبر البوابة لرؤية الصغير ولم ينتبها إلى من كان واقفا على سلم مدخل قصرالملك يراقبهما. إنه الوزير كان ينظر إليهما من بعيد, ورأى ذلك منهما ولم يسمع كلامهما لبعد المسافة فأخذت الأفكار تتدافع في رأسه حيث لم يكن يسمح لخدم قصر الملك بالذهاب إلى القصر الآخر, ثم تلك الطريقة إلى كانا يتحدثان بها وسرعة ذهابهما معاً.
في الطريق إلتقى الأمير والبستاني بزوجته الأميرة جالسة في حديقة قصرها على طاولة تنتظر قدومه هناك . فتوجه اليها الأمير وأمسك بيدها وأطلق كلمه واحده من فمه في عينيها قائلاً : أنجبت. وإذ تلاقت عيناهما أغنت عن التفسير فقفزت ماري من كرسيها تعدو والأمير خلفها يتسابقان إلى سكنات الخدم ومن ورائهما البستاني. دخل الثلاثة تتقدمهم الأميرة ماري يدفعها الفضول إلى حيث ترقد زوجه البستاني بوجابت. فإذا هي راقدة على سريرها وبجانبها طفل صغير ملفوف بخرقة. فتقدمت ماري من الصغير وحملته. عندها استيقظت بوجابت لتنظر إلى الأميرة بنظرة تعبة فابتسمت لها ماري وهي تمسك بالمولود بين ذراعيها وقالت لها : صبية ؟ هزت رأسها بوجابت بنعم عندها قبلت ماري الصغيرة وخلفها زوجها الأمير يداعب أنف الصغيرة. فخلعت ماري من صدرها سلسلة ذهبية تنتهي بقلادة مرصعة بحجر كريم أخضر كبير وألبستها للرضيعة وذلك كان كل ما تتمناه زوجة لم تكمل ثلاثة أشهر من زواجهاوهو أن تصبح أماً.
في اليوم التالي إستدعى الأمير كبير الخدم وعرض أن يشتري بوجابت لتخدم في قصره ولكن كبير الخدم رد قائلاً : لم أعد مسؤولاً عن ذلك القسم من أمور الخدم, إنما أصبح الوزير هو من يحدد ملكية خدم قصر الملك ياسيدي. عندها ضاق صدر الأمير لعلمه أن الوزير بالتأكيد سيرفض طلبه لما يكنه له من بغض وعدم توافق. فقال لكبير الخدم : حسناً لا بأس أكتم هذا الأمر وسأحدث أخي الملك في الأمر. وانصرف عنه الأمير دونما يبدي مخاوفه لكبير الخدم .
الوزير استطاع أن يشتري أحد خدم قصر الأمير ليأتيه بالأخبار عن علاقة بستاني قصر الملك بالأمير, فوعده ذلك الخادم بالأخبار الكاملة. إنقضى ذلك اليوم على ذلك وفي اليوم التالي ما بين اجتماعات الملك ومحادثاته وكالعادة حتى الظهيرة رجع الأمير إلى قصره وذهب هو وزوجته ماري للاطمئنان على ضيفتهما الصغيرة .
خرج بالليل أحد خدم الأمير لملاقاة الوزير فأخبره بالموضوع وما حدث من أمر البستاني مع الأمير, ومن نية الأمير الطلب من الملك نقل ملكية بوجابت إليه. فأجزل الوزير له العطاء وانصرف الخادم مسروراً. وبعد قليل خرج الأمير لملاقاة الملك كالعادة يتسامران قليلاً قبل أن يفترقا للنوم. فدخل على الملك المكتبة فقال له الملك : هل رأيت المرصد الذي بنيته؟ رد الأمير : ليس تماما سيدي . فقال الملك : إذا تعال نذهب لتفحصه. تقدم الملك والأمير من خلفه حتى خرجا إلى ربوة عند إحدى زوايا حديقة القصر حيث شيد هناك برج عالي. وإذهما في الطريق قريبا من البرج لحق بهما الوزير فتسلق الثلاثة سلم ذلك البرج من داخله حتى أعلاه حيث غرفة المرصد. فتوجه الملك إلى قطعة نحاسية كبيرة ذهبية اللون ذات حلقات ومسننات مطلة من فتحة كبيرة في الغرفة نحو السماء. فقال الملك للأمير : هل تعلم ما هذه يا نحميا ؟ تقدم الأمير يتفحص تلك الدائرة الذهبية ذات الدوائر الداخلية الصغيرة وعليها نقوش ورموز وأعداد. والوزير ينظر إليه من خلفه فقال الأمير : أظنها هذه هي التي يقرأ بها كتاب السماء سيدي. فتقدم الملك الى حيث يقف الأمير بجانب القطعة وهو يقول فرحاً بالإجابة :أصبت, إنها ما نسميه الإسطرلاب, بها نعرف المسافة بين النجوم والكواكب, وإرتفاعها وهبوطها, وكلها معلومات مسجلة منذ القدم, وعن طريق هذه الأداة نستطيع تحديد إسم ذلك النجم أو الكوكب. ثم قال الأمير للملك : الحقيقة هناك ما أريد أن أسالك أن تلبيه لي يا مولاي, وأرجو ألا يخيب رجائي... وكان يريد أن يفاتحه في موضوع بوجابت ولكن الوزير قاطعهما بسرعه قائلاً : مولاي الملك هذه الكتب التي أمرت أن نحضرها من مكتبة قصركم, كلها هنا. وكانت هناك طاولة وأرفف وضعت عليها بعض الخرائط السماوية والأوراق. فتنبه الملك إليها وأخذ يتفحصها فقال : نعم كلها هنا. ثم وقف الملك عند الطاولة حيث وضع عليها ذلك الكتاب الضخم . ففتحه وقلب صفحاته والأمير من خلفه ينظر إليه مندهشاً من عدم مبالاته بشيء آخر غير كتبه. ثم قال الملك : ياأخي الصغير هل تعلم من صاحب هذا الكتاب العظيم ؟ أجابه الأمير بتحفظ : تعلم يا مولاي أنه ليس لدي شغف بالنجوم وكواكب السماء كما لمولاي الملك الخبرة الواسعة في هذا المجال وخبرة أوسع بالكتب. رفع الملك بصره من على الكتاب ونظر إلى وزيره وكأنه يحول السؤال إليه. فتنبه الوزير و قال : إنه كتاب سليمان يا مولاي ... سليمان الملك. فقال الملك : نعم نستطيع أن نقول أنه لسليمان, أو الأ صح أنه أحد كتبه, لقد كان للملك سليمان وزيراً يقال له آصف بن برخيا بن شمويل, وكان يعلم الإسم الأعظم ويكتب كل شئ بأمر سليمان ويدفنه تحت كرسي عرش سليمان, فلما مات سليمان أخرجت الشياطين تلك الصحائف والكتب فكتبوا بين كل سطرين سحراً, وقالوا للناس هذه كتب سليمان. ووضع الملك أجمنون يده على الكتاب قائلاً : وهذا أحدها , وقد كان خاتم سليمان الذي حكم به الإنس وخضعت له الجن به, وسخر به الطير والوحش والرياح والأمطار, يحتوي على سبعة أحرف هي سر ذلك الخاتم, وقبل موته وزع تلك الأحرف على سبعة مدن, وضع في كل مدينة حرفاً في مفتاح منها. وأشار الملك بيده إلى الإسطرلاب قائلا: وهذا سبب بناء هذا المرصد. ورجع الملك إلى الكتاب وفتح فيه صفحة وقال : فقد ذكر هنا أن بإجتماع هذا الكوكب مع هذا النجم وذلك لا يحدث إلا كل عدة قرون من السنين, فإذا حدث وجامع الرجل زوجته في ساعة إقترانهما فإنها تنجب ولداً يستطيع أخذ وفك تلك المفاتيح السبعة, وهو فقط الوحيد الذي يستطيع أن يخرج تلك المفاتيح من أقفالها, ولا غيره يمتلك تلك المقدرة. وكان الملك يقول ذلك وأعين الأمير والوزير مستغرقه بين تكذيب وتشويق حتى صدمهما الملك بالقطع قائلا : وذلك الرصد هو الليلة, بعد منتصف الليل في الساعة السادسة تماما. وأشار بيده إلى القطعة النحاسية قائلا : كما أوضح ذلك كتاب السماء بهذا الإسطرلاب. ثم توجه الملك إلى الحائط وكانت هناك خريطة معلقة للمدن السبعة من ضمنها مدينته زيتا. فوضع الملك إصبعة على مدينة( زيتا) وكانت أول الخريطة وقال : هذا نحن. وأشار بيده إلى المدن الستة الأخرى قائلاً: وهذه المدن السته, فبعد أن يتم لنا ذلك نزحف على هذه المدن ونأخذ مفاتيحها. والتفت الملك إلى الإثنين من خلفه وهما كأنهما يستمعان إلى قصة خرافية حتى قال الأمير : وهل نملك نحن أحد هذه الأقفال ,أعني المفاتيح السبعة ؟ قال الملك : نعم ومن يملكها كلها يملك الملك السليماني. وفتح الملك ذراعية بوسع قائلا : أي العالم كله تحت تصرفه . هبط الجميع من البرج وانصرف الملك إلى قصره واثقا مما خطط له. ولم يكن حال صاحبية كذلك. فقد بدت في رأسيهما وكأنها قصة أسطورية مبالغ فيها.

الراسبي وفتخر
12-30-2007, 02:13 AM
ثاكسسسسسسسسسسس انور المشايخي
ناقل كتاب كامل ههههه برابو عليك شباب صفجوله صفجه حاره وعطوه درجه ونص في الغه العربيه

أنور المشايخي
12-30-2007, 02:45 AM
أشكر لك مرورك الظريف يا أخ راسبي
وقد أثبت فعلا أنك من الكرام والنعم بيك
بس كنت أتمنى لو تصحح لنا الأخطاء التي بالقصة
يعني مثلا سأصحح لك الأخطاء التي وردت في ردك
من ناحية إملائية وليس من ناحية نحوية فتلك أنتم ضليعين بها:
التصحيح ال>ي على اليمين هاه والخطأ باليسار ــ طيب يالله يا حبيبي:
الراسبي وأفتخر ـــ الراسبي وفتخر
برافو ـــــــ برابو
اللغة العربية ـــ الغة العربية

أنور المشايخي
12-30-2007, 02:55 AM
ذهب الأمير إلى قصره وبفارغ من الصبر كي يخبر زوجته بتلك القصة المسليه حتى يتسامرى بها. أما الوزير فوجدها فرصة سانحة للقضاء على خصمه الأمير, فذهب واتفق مع إحدى خدم قصر الملك أن تضع المنوم للملك في تلك الليلة, فوضعت له المادة في إبريق شرابه ووضعته بداخل غرفته. وعندما إنتهى الملك من مكتبته دخل غرفته وغير ملابسه وارتشف من ذلك الإبريق وقبل نومه حدث إمرأته وأوصاها بأن توقظه بعد منتصف الليل لأمر بغاية الخطورة, وشدد عليها في ذلك حتى أنه إحتاط ونادى إحدى الوصيفات وأمرها بأن توقظه في تلك الساعة وعلى ذلك نام الملك. أما الوزير فقد كان في الحديقة يبحث عن البستاني. فوجده في الإسطبل فدخل عليه وقال له : إسمع يا هذا : إقترفت ذنبا لا يغتفر في حق خدم قصر الملك, لا تحاول الإنكار فأنا أعلم بأمر المولودة الصغيرة .عندها خرجت روح البستاني من عينيه عندما تيقن أنه هالك لا محالةحتى قال الوزير : ولكن أستطيع وأنا وحدي أن أخرجك من هذا المصير. عندها دبت الحياة في البستاني من جديد لوهله وقاطعة الوزير قائلا: ولكن بشرط. فأطرق البستاني رأسه وجشأ بالبكاء فصفعه الوزير صفعه قوية رمته أرضاً. وأخذ البستاني يصيح ويقول : أي شئ...أي شي ياسيدي آمرني أنفذه في الحال .عندها قال الوزير وهو يرفع أنفه : إذا إسمعني جيداً .
الأمير نحميا دخل غرفته وكانت ماري بانتظاره فساعدته في خلع ثيابه وقالت : لقد تأخرت هذه الليلة بعض الشيء. وارتمت ماري على عرض السريرعلى بطنها فتبعها الأمير وارتمى بجانبها قائلا : لن تصدقي هذا, فقد ذهبنا لرؤية المرصد الذي بناه أجمنون. فقالت ماري: وما العجيب في ذلك ؟ فقال : العجيب هو القصة التي خرج بها أجمنون علينا, فقالت مستنكره: علينا ! من أنتم؟ قال : أنا ووزيره ذلك الشيطان. قالت : لكن أتعلم أن الملك طيب القلب ويحبك ولكن الوزير هو من يوغر عليك عنده ويفسد بينكما. قال الأمير: هذا أمر طبيعي, فالوزير يعلم أني أستطيع أن أخبرأخي عن قسوته في معاملة الناس وتسلطه وجبروته وظلمه ليس ذلك فقط بل ونصبه وجمعه الأموال لحسابه الخاص, بل حتى وسرقته من أموال المملكة, لذلك هو يكرهني ويشوه صورتي عند أخي حتى إذا ما حاولت فضحه لا أجد أذن صاغية عند أخي الملك. ثم نهض نحميا عن السرير وتوجه ليسكب كأسين من الشراب. وإذ هو يصب الشراب إستقبل بإتجاه ماري وأكمل يقول : ليس هذا العجيب, بل ان أجمنون يدعي أن من عاشر زوجته الليلة أنجبت إبنا يملك قوى خارقة وقصةهناك عن مفاتيح.. وخاتم سليماني.. وامتلاك العالم.. لا أدري أعتقد أن أجمنون قد أكلت الكتب رأسه فبدأ يخرف قبل أوانه. قال الأمير ذلك بعدم مبالاة وهو يتقدم إلى السرير وفي يده كأسين من الشراب, وإذ يمد الأمير كأسا لزوجته فإذا هي قد سرحت تفكر فيما قاله بشده ثم أخذت الكأس من يده وقالت : لعله إختبار من الملك. رد عليها بتعجب : وكيف ذلك؟ قالت : ليعلم أيا منكما سيحاول فعل ذلك فمن فعل علم أنه طامع بالسلطة. فكر الأمير قليلا وقال : معك حق يمكن أن يكون الامر كذلك ,لا بد وأنها خدعة, وإلا لماذا يفصح لناعن سر خطير كهذا , وبتلك الأهمية, وإلا إحتفظ به لنفسه إن كان ينوي إمتلاك العالم, لماذا يريد أن يسبقة أحدالى ذلك. ودق الأمير كأسه بكاس ماري وارتشفا من الشراب وهما ينظران إلى بعضهما بتغزل ثم قالت : ولما لا نفعلها ؟ قال : هل تصدقين أمرأ كهذا ؟ فقالت : نحن نفعلها في مطلق الأحوال فلم لا نفعلها؟ قال : ولكنه إشترط أن يكون ذلك بعد منتصف الليل أي في الساعة السادسة تماما. قالت : لا بأس نتسامر إلى حين ولم يبقى إلا القليل. وفعلا فعلآ ما خططا له في الساعة السادسة بعد منتصف الليل .
أما الملك أجمنون فإنه صحا من نومه فاذا قد تجاوزت الساعة السابعة,أي فات الوقت المطلوب بساعة فجن جنونه وضرب زوجته واستدعى الوصيفة وأراد قطع رأسها لولا أن زوجته أخبرته أنها حاولت إيقاظه بكل الطرق فلم يستيقظ . فلم يصدق حتى أن زوجته أخذته إلى سريره وأرته أثر بلل الماءعلى فراشه والذي رشته عليه في محاولة أخيره لايقاظه ولكنه لم يستيقظ. فتحسس الملك السرير فوجده فعلا رطبا وإذ ذاك فتح الملك الكتاب السليماني ونظر فيه ثم ذهب إلى زوجته قائلا : لا بأس الكتاب يشير إلى أنه بعد ذلك الكوكب يقترن بكوكب بعده بساعة فمن عاشر زوجته فيه ولدت أقوى الرجال. وهكذا فعل راضيا بأقل القليل مما كان يطمح إليه ومما كان ينتظره زمنا طويلاً.
في تلك الليلة والجميع نيام ما عدى بوجابت وحبيبها البستاني. فها هي وهو في الإسطبل يعرض عليها ما شرطه عليه الوزير فقال البستاني لبوجابت : لقد طلب مني الوزير أن أذهب في الصباح إذا ما رأيت الأمير قد دخل على ديوان الملك وأخبره أن الأمير نحميا طلب منك وضع منوم في شراب الملك ليلة البارحة أي هذه الليلة وذلك كي يفوت على الملك فرصة إنجاب ولد يحكم العالم ويستأثر هو بذلك من دونه فيؤل إليه الحكم في المملكة من دون الملك وأولاده من بعده, وأن تشهدي معي على ذلك, عندها سيعتقك الوزير لنتزوج. لا.. لا يمكن. قالت بوجابت ذلك وأعطت ظهرها للبستاني ثم قالت : هل تريدني أن أخون من أحسن إلينا بل.. وأكذب.. وأشهد زوراً,هل هذا ما أنت عليه؟ هل هي كذلك أخلاقك التي أحببتك من أجلها؟ رد البستاني : الوزير أقوى مكانه عند الملك من أخيه الأمير. قالت : وكيف سيصدق الملك ما نقول؟ قال : سندعي أنه هددنا بفضح أمرنا لدى الملك وبالقتل إن لم نفعل, عندها من غير المعقول أن لا يصدق الملك إدعائنا عليه. قالت : ولما نؤذي من ساعدنا؟ الأمير وزوجته من أطيب الخلق,لا يستحقان ذلك , وخاصة منا, أنا وأنت من إستضافانا. قال : أنت لا تفهمين, لقد هدد الوزير بقتلي وقتلك, بل وقتل الطفلة قبل ذلك,هل تريدين أن تشاهدي طفلتك تقتل أمامك؟ عندها ترددت بوجابت وهي تفكر في مشهد إبنتها الصغيرة تذبح أمام ناظريها فصكت وجهها بكفيها وأخذت بالبكاء من فضاعة المشهد . ثم هزت رأسها بالانكار وهي تقول لا ... لا وانطلقت تجري باكية إلى السكنات بينما ظل البستاني بالإسطبل فوق كومه القش يفكر ويقول لنفسه لوفعلنا ما طلب الوزير لا أظن أن الملك يعاقب أخاه هم ملوك وأمراء مع بعضهم أما نحن فنحن مستضعفون من سيدافع عنا لا أظن أن يلحق به الأذى إنهم كبراء ونحن صغار جدا. وقضى البستاني ليلته ساهرا بتأنيب الضمير. مره يراه مناسبا ومره أخرى تغلب عليه أخلاقه الكريمة فيستنكر ويرفض .
طلع الصباح والجميع عند الملك في مجلسه. إذ دخل عليه أخوه الأميرنحميا فحياه وجلس في مكانه المعتاد. لاحظ الأمير نحميا أن الملك واجما وكأن الطير على رأسه والوزير كالمعتاد على يمين الملك أجمنون قبالة الأمير ينظر إليه واثقا من مخططه الذي أعده له. تكلم الأمير نحميا وكسر السكون في المجلس وقال : مولاي الملك, إن مطابخ قصر مولاي أجمنون العظيم تزخر بأفضل الطباخين في البلادين كلها, بل وتفخر بأكثرهم عددا, فلو يأذن لي مولاي بإحدى الطباخات تنضم إلى مطبخ بيتي المتواضع من فضله ومنه. نظر الملك أجمنون إلى نحميا وقطب حواجبه بإستغراب لطلبه السخيف ذاك ولإن شيئا أكبر من ذلك يشغل باله فلم يهتم كثيراً وقال : حسنا أذنا لك. وتوجه الملك بالكلام إلى الوزير قائلا : فليضم الأمير من يشاء من المطبخ إلى قصره ولم يتم الملك كلامه حتى دخل عليهم المجلس البستاني ووقع في وسطه ساجدا متضرعا صائحا: مولاي عفوك وحلمك يا مولاي الملك العظيم أجمنون. نظر إليه الملك وقال : قف وتكلم يا هذا من أنت ؟ ولأي شيء جأت ؟ وكيف دخلت ؟ وقف البستاني بذلة وخضوع وقد إندهش الأمير نحميا منه ومن فعله وأصبحت عينا الأمير في رأسه بينما إتسع صدر الوزير وانشرح ببدأ مخططه بالتنفيذ فقال البستاني : مولاي الملك أرجو أن تأمنني بعفوك إن تكلمت. فقال الملك لضيق ما ألم به تلك الليلة : تكلم لا ضرر عليك. فقال البستاني : لقد نشأت علاقة بين عبدك وخادمك الفقير هذا وطباخة من مطبخ قصركم العظيم فولدت منها بنتا قبل ثلاث ليالي يا مولاي, في سكنات خدم قصر أخيكم الأمير نحميا .عندها نظر الملك إلى نحميا فاحمرت عينا الملك واشتط غضبا فرجع إلى البستاني وقال: أكمل قبل أن أقطع رأسك. فقال البستاني : الفتاة أم إبنتي تدعى بوجابت فاستدعاها الأمير بعد أن ولدت طفلتها وهددها بفضحها لديكم إن لم تضع... فسكت البستاني خوفا ونظر إلى الأمير نحميا فقال له الملك بغضب وقد إصطكت أسنانه : تضع ماذا ؟ فقال البستاني:أمرها مقابل تستره علينا أن تضع لجلالتكم المنوم في إبريق الشراب, وسمعت بوجابت الأمير نحميا وزوجته يقولان الملك لم ينجب غير ثلاث إناث, كما سمعتهما يتآمران على نقل الملك في ذريتهما وأن وضع المنوم لمولاي جزأ من الخطة . عندها التفت الملك إلى أخيه الأمير الذي إنعقد لسانه من صدمة الخيانة وقال له الملك: هل كنت تعلم بأمر هذا البستاني وتلك الفتاة ؟ هل هي هذه الطباخة التي سألتنيها قبل قليل ؟ فأجاب الأمير متلعثما خائفا : نعم يا مولاي ولكن... ولم يتم حديثه حيث دخل على الملك طبيب القصر وبيده الإبريق الذي شرب منه الملك في تلك الليلة وقال : صحيح ما ظننته يا مولاي إن هذا الشراب يحتوي فعلا على المنوم. في تلك الأثناء كانت بوجابت في قصر الأميره ماري تخبرها عن المؤامره فتقدم الملك من الأمير نحميا ولم يعطه فرصة للدفاع عن نفسه واستل خنجرا من وسطه حتى أن وصل الملك إلى الأمير فإذا ماري تدخل المجلس مسرعة, فرآها الملك وهي تبكي زوجها فرق قلبه على أخيه وأمر الجند بأخذه إلى السجن وتكفل الوزير بذلك بكل سرور. أما الأميره ماري فقد حاولت التدخل لمنع الجند من أخذ زوجها واسترحمت الملك في أخيه الأمير الذي وقف هناك بأيدي الجند يجرونه وهو يرى زوجته في الذل والمهانة. رجع الوزير من السجن حيث إطمأن على حبس الأمير نحميا فقال له الملك : فلتسجن الأميرة ماري في قصرها لا يدخل عليها أحد ولا تخرج منه حتى تلد, وبعد أن تلد نأخذ ولدها فنربيه فلا يعرف أباه ونقضي به حاجتنا. فقال الوزير للملك: هل تأمر بقتل الأمير نحميا يا مولاي؟ رد عليه الملك مباشرة لا .. لا ليس الأن دعني أنظر في أمره إلى حين إذهب وأفعل ما أمرتك به. إنصرف الوزير وجلس الملك على كرسيه وقد زاد همه وغمه. الوزير خاف من أن الملك بعد حين يعفو عن أخيه الأمير فدبر مكيدة مع البستاني لمحاولة تهريب الأمير من سجنه فطلب البستاني وقال له : لم تنتهي مهمتك بعد لكي تنجو بجرمك عليك أن تمثل وسيله لتهريب الأمير من سجنه وعند ذلك يكون الجند بإنتظاره فيقتلوه ونتخلص منه للأبد. وافق البستاني الوزير. واتفق مع بوجابت على وضع المنوم للحراس في تلك الليلة ولكن البستاني لم يكن ينوي إرسال الأمير إلى حتفه وإنما كان فعلا ينوي إنقاذه وعندها يمكن أن يقول أنه قد نفذ الجزأ الخاص به من مهمته بتسهيل فرار الأمير ولكن الخطأ ليس خطاه وإنما خطأ الجند وبذلك يتخفف من ألم تعذيب الضمير لدية. فأحضر عربة ووضعها خارج بوابة المدنية .
ذهبت بوجابت إلى مطبخ قصر الملك واتفقت مع زميلاتها على وضع المنوم للحراس وأن تقدمه لهم إحدى الخادمات . وبعد أن نام الحرس كانت بوجابت تحمل طفلتها ومعها ماري عند العربة ينتظران, بينما دخل البستاني السجن وحررالأمير وإذا هما لدى باب السجن قابلهما الوزير فاستل البستاني سيفا من أحد الحراس النيام ودارت بينهما معركة سرعان ما حسمها الوزير المتمرس على حمل السلاح وليس كالبستاني الذي لم يتعود إلا على قص الحشائش فضربه على رأسه فشجه صريعا وأراد أن يبطش بالأمير ولكن الوزير تلقى ضربة قوية على رأسه من الخلف, لقد كانت تلك بوجابت إستخدمت عصى قوية فأوقعته مغشيا عليه وألبست بوجابت الأمير لباس النسوة وانطلقا إلى البوابة متخفيان. وإذا هما في لحظة خروجهما من الباب الكبير حيث الأميرة ماري في العربة تحمل طفلة بوجابت يصرخ عليهم الوزير وهو يجرى بإتجاههم والدماء قد سالت من رأسه قائلا : أوقفوهم . وحالما سمع الفارين ذلك أركب الأمير نحميا بوجابت في العربة وإذ يهم الأمير بالقفز إلى العربة أطلق أحد حراس السور سهما بإتجاههم فأصاب الأمير نحميا فوقع على الأرض ثم توالت السهام عليهم فجفلت خيول العربة وانطلقت مسرعه بينما تنظر ماري إلى زوجها ملقا على الارض وقد غرز السهم ظهره وهو ينظر إليهم يبتعدون مشيرا إليهم بيده مودعا زوجته ماري التي أخذت تراقبة و تبكي إذ العربة تبتعد بهم وتنطلق وراءهم ثله من الخياله يقودهم الوزير وتجري المطاردة عبر الغابات المظلمة وقلب الأميرة ماري مع زوجها متأملة أن يكون قد نجى من ذلك السهم القاتل وقد غسلت الدموع وجهها.أخذت العربة مجرى جانبيا من الطريق. وعلى بضعة أميال في أخر ذلك الطريق علمت بوجابت التي أمسكت بلجام الخيل أن أفضل وسيلة لهم الإبتعاد عن الطريق العام والإختباء وإلا عثروا عليهم إذا ما استمروا بالحراك. فأوقفت العربة عند مفترق طريق و ترجلتا عنها. ثم ضربت بوجابت الخيول لتعدوا في الغابة الكثيفة وهما بدورهما نزلتا منحدرا كثيفا مليء بالأشجار. بعده شاهدتا كوخا في أسفل المنحدر فتوجهتا إليه مسرعتان. ودخلتا من باب الكوخ على سرعة ووجل فإذا هو كوخ مليء بالحاويات الزجاجية الصغيرة والمتوسطة وبعض الأجهزة الغريبه والأوراق والقراطيس والمناضد الخشبية وكأنه مستودع بل وكأنه مختبر . دفعت بوجابت باب الكوخ بقوة دخولاً إلى غرفته وتبعتها ماري ورائها ممسكة بذيل ثوبها حتى أصبحتا على بضع خطوات من الباب بداخل تلك الغرفة الرثة. فالتصقتا بجدار الغرفة وقد إنقطعت أنفاسهما من الجري وشخصت أبصارهما حينما رأتا رجل ذو شعر كثيف وقد على بعض البياض شعر رأسه وفي بعض جوانب لحيته خصلات بيضاء. واقفا أمام إحدى المناضد يعمل على شيء وقد إلتفت إليهما لفتة دفاعية. توجه إليهما الرجل وقال متفحصا هاتان السيدتان اللتان قد بدتا من ملابسهما أنهما ليستا من العامة. وأحدهما قد بدت ملابسها وحليها تنطق بوضوح على ثرائها. من أنتما ؟ وماالذي أتى بكما علي هكذا ؟ ردت عليه بوجابت : هناك من يطاردنا من الرجال خلفنا, أرجوك ألا يوجد مكان نختبأ فيه عندك حتى رحيلهم؟ نظر الشيخ نظرة سريعة إلى المكان. والتفت وراءه ناظراً إلى بعض المداخل من تلك الغرفة حيث بعض الغرف الأخرى ولكنه علم أنهم إذا ما فتشوا المكان لن يجدوا صعوبة في إيجادهما حيث لا يوجد مخبأ عنده لهما. فتوجه مسرعا إلى بعض أوانيه الزجاجية وفتح إحداها وأخذ بعض من ما يشبه الدقيق وأغلق فم الزجاجة على عجل وتوجه إلى السيدتان وقد سمع ضجة الخيل مقبلة على الكوخ من الخارج وقال لهما : مهما يحدث إلزما مكانكما ولا تتحركا ولا تأتيا بأي صوت. وأخذ ينشر بعض من ذلك الدقيق على رأسيهما قائلا : لا تخافا فقط إلزما السكون التام. دخل الجنود باب الكوخ بقوة حيث لزم الشيخ مكانه واقفا بلا حراك وكانت السيدتان على يساره مباشرة خائفتان تترقبان ولكن الجنود لم يبدوا أي إنتباه إليهما فلم يكونوا يستطيعون رأيتهما . عندها تقدم الوزير داخلا إلى الغرفة عبر جنوده إلى أن وصل إلى منتصف الغرفة ثم إستدار وواجه الشيخ وقال له متفحصا المكان بنظره: هل جاءك زوار منذ دقائق ؟ رد الشيخ : نعم سيدي الفارس. عندها كادت السيدتان أن يغشى عليهما عندما سمعا الشيخ يقول نعم. فقال الوزير : وأين هما ؟ فقال الشيخ مشيرا إليهم والى الوزير ؟ أنتم ياسيدي . نظر إليه الوزير بخبث وهو يتمشى متفحصا الغرفة ورد وجهه إلى الشيخ قائلا : ألم تأتك سيدتان مع طفلهما إلى هنا منذ قليل؟ إنهما مجرمتان فارتان من العدالة وإيواء المجرمين عقوبته الإعدام. وقد أشار الوزير بإصبعه إلى الشيخ عندها قامت الصغيرة من نومها وبدأت تتحرك بعض الشيئ في يد بوجابت. فخافت من أن تبدأ الصغيره بالبكاء فوضعت بوجابت إصبعها بهدوء على فم الصغيرة فأخذت الصبية تمص إصبع أمها وراحت في سبات عميق. رد الشيخ على الوزير : سيدي المكان ملكك وهو كما ترى لا أحد سوانا هنا. أمر الوزير الجنود بتفتيش المكان بينما بقي هو مع الشيخ فدخل الجند إلى الغرف المجاوره ثم رجعوا فلم يجدوا أحد. فنظر إليهم الوزير وهم خالين الوفاض ثم قال وهو يخرج من الكوخ مسرعا: هيا بنا لا يمكن أن يكونا قد ابتعدتا. وخرج جميع الجند من الكوخ وانطلقوا في إثر ماري وبوجابت. بعد فترة بسيطة من خروجهم قالت ماري : شكراً لك أيها الشيخ الطيب لقد أنقذتنا من موت محقق. عندها تحركت بوجابت فظهرتا للشيخ عيانا فقالت ماري للشيخ: ما هذا الذي رششته علينا فأخفانا عن العيون ؟ هل أنت ساحر؟ فقال الشيخ وهو يبتسم: ساحراً! بالتأكيد لست ساحراً يا سيدتي وإنما أنا طبيب, لست إلا طبيب القرية.

ابن قروان
12-30-2007, 02:59 AM
يعطيك الف عافيه يا انور

أنور المشايخي
12-30-2007, 03:06 AM
رجع الوزير بالجنود بعد تفتيش مضني بعد الفجر بقليل إلى المدينة فدخل الوزير قصر الملك أجمنون مسرعا ليحمل إليه الأخبار. إستأذن الوزير على الملك باب غرفته فخرج إليه الملك قائلا: ما الذي أتى بك مبكرا يا لوذا؟ قال الوزير : أخبار سيئه مولآي أجمنون. فقال الملك: قل ما عندك لم تزل الأخبار سيئه منذ إقتران تلك النجوم. قالها الملك مستسلما. فقال الوزير لوذا : يجب أن تراها بنفسك مولاي. قال أجمنون : حسنا إنتظرني عندك. دخل الملك وارتدى ملابسه وخرج مع الوزير فأخذه الوزير إلى سجن القصر. وعندما وصلا شاهد الملك الحرس ممددين على الأرض وقد ضرحوا بدمائهم فحزن لذلك المنظر. ولكن ما أن رآ أخيه الأمير ممددا بقربهم بلا حراك وقد غرس سهم في ظهره حتى إشتد حزن الملك وأقبل على أخيه فوضع رأسه على حجره متألما له وقال: ما الذي حدث ؟ قال لوذا وهو يشير إلى البستاني الممدد هناك وقد شق رأسه إلى نصفين : بمساعدة هذا الخائن مولاي لقد ساعد هو وفتاته الطباخة مع زوجة أخيكم الأمير على قتل الحراس, وصادف أني كنت في الجوار فاستطعت التغلب على البستاني ولدى محاولة أخيكم وزوجته والطباخة الهروب والفرار من البوابة أطلق الجند عليهم السهام فأصابوا الأمير فأردي قتيلا كما ترى يا مولاي. قال الملك وقد انسابت الدموع من عينيه: وماذا حل بزوجته؟ قال الوزير: لقداستطاعتا هي والطباخة ومعها طفلتها الفرار مولاي. قال الوزير ذلك وقد كان خلف الملك واقفا وقد ارتسمت فرحة غامرة على محياه.






الفصل الثاني

أما من حال ماري وبوجابت ورضيعتها فقد باعتا ما لديهما من حلي وثياب, واشترتا ثياب أخرى كحال الرعية, حتى أن بوجابت أرادت بيع تلك القلادة التي أعطتها الأميره ماري لمولودتها يوم ولادتها, ولكن ماري منعتها من ذلك. وعاشتا معا في كوخ ذلك الشيخ الطبيب الطيب. وكون أن الأميرة ماري لم تعتد على الأعمال اليدوية فقد كان صعبا عليها أن تتعود على الطبخ والغسل و الأعمال المنزلية الأخرى. ولكنها تعودت عليها بعد فترة بمساعدة بوجابت التي لم تسمح للأميرة في البداية أن تعمل بيديها, ولكن مع إصرار الأميرة ماري قامت بوجابت بتعليمها كل ما يلزم من متطلبات ربات البيوت كما تناوبتا الإعتناء بالصغيرة التي أسمتها روث .
كان الشيخ يكسب رزقة من تطبيب أهل القرية. فقد كان عالما متمرسا في مهنة الطب والأعشاب. قبل طلوع الشمس وظهورها تناول الشيخ سكينا ذات نصل كبير عريض معلقة بخيط على مسمار في الحائط . وسار بها ووضعها على الطاولة وتناول القلم وكتب على نصلها بالطول هذه الأحرف كل حرف لوحده . ط ل ق ض ر ا ط ثم خرج من باب الكوخ يحمل السكين. وأمسك بالسكين بكلتا يديه ورفعها معامدا جسمه بإمتداد ذراعية أمام وجهه ,وقابل بالكتابة ناحية شروق الشمس وأخذ يتمتم ويردد إذ الشمس تظهر من الأفق وتصيب بأشعتها ذلك النصل : بيوهن بيوهن بسمسيم بسمسيم بيلهن بيلهن سبريوش سبريوش شيموش شيموش صعي صعي كعي كعي أرميال أرميال. عندها إكتمل ظهور الشمس عند إنتهاءه من كلامه فدخل إلى الكوخ ووضع السكين معلقة في مكانها على الجدار وتوجه إلى نافذة تطل على خلف الكوخ. الكوخ الذي أصبح أكثر نظافة وترتيبا. فشاهد من النافذة ماري وبوجابت وهما تعتنيان بمزرعة قد أنشأتاها هناك بالخلف للحصول على خضار المطبخ حيث يجري ينبوع ماء صغير بجانب تلك المزرعة الصغيرة. وراح الشيخ يطالع ماري وهي تفتش عن الخضروات وقد إنتفخ بطنها وكبر. فتوجه الشيخ الى الغرفة المجاوره وأخذ يلاعب روث .
في أخر ذلك النهار دخل الشيخ الكوخ فإذا ماري هناك تجهز لإعداد العشاء. وعند جدار الغرفة تجلس بوجابت وهي ترضع روث فتوجه الشيخ إلى الجدار حيث تلك السكين وأخذها وذهب بها إلى مسافة قريبة من الكوخ في الغابة حيث حقل دوار الشمس. فبحث بينها عن واحدة وجهتها إلى المغرب حتى وجدها, فربط خيطا رفيعا عند آخر نصل السكين مما يلي المقبض, فقاس بطرف نصل السكين من وسط دائرة دوارالشمس حتى انتهاء النصل عند الخيط, ثم مد الخيط عموديا باتجاه ساق دوارالشمس زاوية مستقيمة, ثم مد الخيط عموديا بإتجاه تلاقي الخيط بالساق وعلمه بشطبة صغيرة خطا بالسكين ووضع السكين بالطول أمام دوار الشمس بحيث ظل طرف السكين عند تلك الشطبة التي بالساق فإذا بسقوط الشمس غربا يطول ظل السكين ويمتد كلما زاد سقوط الشمس في الغروب حتى وصل ظل السكين إلى منتصف دائرة دوار الشمس المكان الذي قاس منه أولا. عندها أخذ الشيخ يقول والسكين في تلك الوضعية : بيوهن بسمسيم بيلهن سبريوش شيموش صعي كعي أرميال. ثم أخذ السكين وأخذ يقطع رأس دوارالشمس وهو يقول بيوهن بسمسيم بيلهن سبريوش شيموش صعي كعي أرميال فما أتم ذلك حتى قطعها تماما. فأخذ الرأس ودخل الكوخ فاذا بوجابت قد تبادلت مع ماري تطبخ الطعام بينما تجلس ماري هناك تشاهدها وتلاعب روث. وضع الشيخ رأس دوار الشمس على المنضدة وقام بإخراج بذرة بينما تطالعه بوجابت وهي تحرك القدر على النار وتنظر بابتسام إلى ماري التي شاركتها الابتسامة من حيث الشيخ لا يراهما خلفه. قام الشيخ بدق البذر ناعما طحينا ثم وضعه في زجاجة وأحكم إغلاقها وكتب عليها ( للحالات الصعبة ) واتجه بالزجاجة إلى الأرفف فمر ينظر إلى ما كتب على القنائن الزجاجية المصفوفة وهو يقرأها : هذا آلوسن وهذا أطريال وهذا إبهل وهذا أبو فايس وهذا أترج وهذا أثل أين أين وهذا الإجاص. الأحيون. إذخر. أذان الأرنب. أرقيطون أسارون أسل آس أسد العرس أستيون أشنة أشخيص أشراس أثرار أشنان أصابع صفر أصابع هرمس إكليل الجبل فمر على الجميع لا يعلم أين يضعها حتى أخرها حيث وضعها في أخر الصف. وفي صباح اليوم التالي جاءه أحد القرويين يبكي وقد كسرت ذراعة فأقعده الشيخ على الكرسي ومد الشيخ يده على ساعد الرجل وتمتم وهويمسح بيده عليها ثم لواها فخرج صوت طقطقة فرجعت اليد سليمة معافاة ففرح القروي الفقير وأعطى بعض النقود للشيخ رغم إمتناع الشيخ عن أخذ المال إلا أنه أخذه عند إصرار القروي. أخذ الشيخ يراقب القروي وهو واقف بخارج الكوخ حتى إختفى الرجل. سموطان..سموطان.. سمع الشيخ من يناديه من خلفه فالتفت الشيخ خلفه فإذا رجل أخر مقبل عليه وعليه ثياب الرخاء وزينة الأثرياء فقال الرجل وهو يمشي بإتجاه الشيخ : سموطان أيها المخادع. حتى إقترب الرجل من الشيخ والشيخ في دهشة من أمر الرجل. فقال الثري للشيخ : سموطان لست إلا مخادع كذاب الدواء الذي أعطيتني إياه البارحة عندما جأتك أشتكي عسر هضم معدتي لا يزال الألم كما هو ولم يفدني دوائك في شيء, تأخذ مالي وتسرقني ولا تفعل لي شيئا. فغضب الشيخ وكتم غيضة ثم دبر فكره لحظة وقال له : لا بأس عندي لك دواء شافيا هذه المرة. فقال الرجل : ولكني لن أدفع لك من جديد. فقال الشيخ : لا داعي أن تدفع شيئ . ودخل الشيخ إلى الداخل والرجل ينتظره بالخارج. فتح الشيخ قنينة الحالات الصعبة وأخذ منها بطرف أصابعه وأغلقها وماري تراقبة يفعل فتبعته وهو يخرج للرجل ووقفت لدى الباب تراقب. وصل سموطان إلى عند الرجل ونثر ذلك الدقيق على وجهه قائلا : بيوهن بسمسيم فما أن وصل ذلك الغبار إلى أنف الرجل حتى بدأ بالظراط الشديد رغم محاولته منعه بلا جدوى. فأخذ الرجل يقعقع بأنغام شتى وهو موليا مدبرا يصيح من شدة الضراط. وماري وبوجابت يضحكان وهما ينظران إلى الرجل يبتعد يصيح من شدة ما ألم به .

بعد عدة أشهر ولدت ماري صبيا وفرح الجميع بالفرد الخامس في العائلة الصغيرة وفي نفس اليوم ولدت زوجة الملك أجمنون صبيا ففرحت به أخواته الثلاث الأكبر منه كما كانت سعادة الملك أجمنون بأول أولاده الذكور لا توصف ولم يعادلها شيئ إلا عندما ولدت له زوجته بعد سنتين ونصف مولودا أخر و كذلك كان صبيا .
أخذ الصبي ابن ماري والذي أسمته ديفي يكبر ويلعب مع إبنة البستاني روث التي تكبره بسنة. فكانت تعتني به حتى ظهرت على ديفي علامات التخلف الجسمي الخلقي فلقد كان ديفي من ذوي الإحتياجات الخاصة لقد كان منغوليا, ينموا عقله ببطأ شديد.
كبر الأولاد مع مضي السنين وأصبحوا الأن في سن المراهقة فأخذت روث لعبة من ألعاب ديفي وأخفتها عنه فإذا هو يبحث عنها ويصيح فحاولت أم روث بوجابت معرفة مكان الخبيئة من روث وروث ترفض الإدلاء عن مكانها. حضر سموطان من الغابة من خلف الكوخ وسار بإتجاه مدخل الكوخ يمسك بيده حبلا تتدلى منه أربعة أرانب مذبوحة الرأس. فنظر إلى ماري وبوجابت وديفي يجادلون روث هناك في الساحة الخارجية للكوخ فرأوه وهم يكملون محاولتهم معرفة مكان لعبة ديفي المفضلة الذي لم يسكت عن الصراخ والبكاء وهي ترفض إخبارهم. فدخل سموطان الكوخ وخرج والأرانب ليست معه بل معه قطعة خشب مستوية مربعة الشكل وقلم و مداد حبر. فمشى حتى وصل إليهم فتوقف الجميع عن الكلام حينها. بل ينظرون إليه وحتى ديفي توقف عن الصراخ وخفت الضجة. وضع الشيخ الخشبة على الأرض وقعد وبدأ يرسم في قطعة الخشب هذا الشكل . وقعد ديفي بجانب سموطان يشاهده. وقعدت معهما روث تنظر إلى ما يفعل بفضول بينما بقيتا ماري وبوجابت واقفتان مندهشتان مما يفعل سموطان.


فما أن أتم الشيخ رسمه ذهب إلى الكوخ وهم بانتظاره. فحضر إليهم وبيده خيطا قدر ذراع ونصف ومسمارا صغيرا ومطرقة ووضع المسمار على الخشبة في وسط الشكل حيث الدائرة وضرب عليه قليلا بالمطرقة حتى ثبته ثم ربطه بالخيط والتفت إلى ديفي وأعطاه طرف الخيط وهو يقول له هل تريد لعبتك؟ فهز ديفي رأسه بالإيجاب وهو زعلاً. فأمسك ديفي طرف الخيط عندها بدأت الخشبة تدور دورانا عجيبا مصدرة صوتا من دورانها كالزوبعة. فاستغرب الجميع من صنع سموطان وفاجأتهم عندما انطلقت تدور وتزحف فشدت ديفي معها وهو يتبعها غير مفلت للحبل من يده. فتبعته روث تهرول وراءه وكذلك ماري وبوجابت والشيخ خلفهم ليعلموا أين يذهب اللوح فساقهم إلى مكان خلف الكوخ ثم توقف عن الزحف وعن الدوران. فنظروا إليه بإمعان ونزل الشيخ إلى مكان اللوح وأزاحه ثم حفر قليلا مكان ما وقف. فاذا سموطان يخرج بيده لعبة ديفي التي خبأتها روث فقفز ديفي عند رؤيته لعبته وأصدر صفيرا وصرخة فرحة قوية وأفلت الحبل من يده وتناول لعبته من سموطان والجميع يضحك من ذلك الموقف الظريف .
كذلك كان هيرود وهو الاسم الذي أطلقه الملك أجمنون على إبنه. كان في حديقة القصر يتبارز مع الجند بسيفه فيغلبهم. وقد برزت عضلاته وبانت رجولته في سن مبكرة والملك يجلس مع زوجته ووزيره على طاولة في الحديقة غير بعيد من إبنه. يراقب شجاعته وبراعته في القتال مسرورا به فضرب هيرود بسيفه أحد الجند بقوة فصدها الجندي ولكن من قوة الضربة وقع الجندي أرضا وبقي هناك يراقب هيرود مندهشا من قوة هذا المراهق. فرمى هيرود عليه بسيفه فصرخ الجندي خوفا من أن يغرز السيف فيه ولكن السيف غرز في الأرض بالضبط بين فتحة صغيرة بين رجلي الجندي الذي التقط أنفاسه عندما علم أن السيف لم يصبه فسر الملك لدى مشاهدته ذلك وضحك بصوت عالي فالتفت هيرود إلى أبيه الملك وكان هيرود مقتضبا فأنشرح غرورا عندما سمع أبيه يضحك فرحا . ونادي على أخيه الأصغر الذي كان معهم في التدريب يقف منعزلا وقد لبس لباس المحاربين مثلهم وقال له هيرود : سامويل هيا أهجم علي بسيفك. وأخذ هيرود يخاتله مقتربا منه بيديه العاريتين. ولكن سامويل كان يمسك سيفه برخاوة إلى الأرض ويتراجع إلى الوراء بينما هيرود يتقدم منه متحفزا لقتاله قائلا : هيا إطعني به إضرب سامويل إضرب. وسامويل عيناه تدوران من الخوف كلما زاد هيرود من الإقتراب منه حتى وصل هيرود إليه ولم يفعل سامويل شيئا غير ارتعاد فرائصه. فنظر هيرود بتركيز في عينا أخيه الخائفتان وهو يقرب وجهه من وجه أخيه حتى كاد ان يلمسه بانفه وفاجأه هيرود بضربة من كفه على صدغ وجهه أدارت برأسه فأوقع سامويل سيفه ووقع أرضا, ونهض متعثرا يركض بإتجاه أبيه الملك يبكي بينما هيرود يضحك عليه ويصيح وراءه قائلا : أركض سامويل أركض. بينما كان الملك وزوجته يشاهدان ذلك وحيث سامويل قادم إليهما يبكي قالت الملكة لزوجها: سوف يقتله في يوم من الأيام. فقال لها الملك أجمنون واثقا : إنه ليس كأي فتى, إن السماء اختارت ولادته, ومن معه السماء لا تهزمه الأرض. صرخ هيرود قائلا : شهلون. عندها حضر أحد الفتية الذين من سن هيرود وهو يلبس اللباس العسكري ومحملا بشتى أنواع الأسلحة .لا يكاد يبان جسمه من كثرتها عليه وهي تقلقل بصوت إثر اصطدامها ببعضها أثناء جرية ليلبي نداء سيده هيرود . وهيرود يشاهده حتى وصل إليه شهلون ووقف عنده قائلا : مولاي الأمير، شهلون السريع في خدمتكم. عندها تقدم منه هيرود وخلع من ظهر شهلون النشاب بغضب وقوة.
في ضحى يوم من الأيام سمع سموطان صوت خيول تصهل متوقفة خارج كوخة حيث كان يجلس بالداخل. فخرج ليرى من هناك. وعند وصوله إلى باب الكوخ وهو يمشي إلى الخارج شاهد عربه تجرها أربعة خيول ويقودها راهب يلبس لباس الرهبان أسود اللون, ويضع على صلعته البيضاء طاقية سوداء صغيرة وقد ظهر من هيئة عربته وخيوله أنه قادم من مكان بعيد ففرح به سموطان وحياه قائلا : قيسوس الرومي, يا صاحبي مرحبا بك مرحبا. وبدا ذلك الراهب فرحا بلقاء سموطان فنزل عن عربته وتقابلا بحرارة وقال له سموطان : أين كنت كل هذه الفترة لم نرك منذ زمن؟ فقال قيسوس وهو يتوجه إلى عربته ويشير إلى ما بداخلها : كنت أجمع لك ما طلبته مني من قبل أربع سنين فتقدم سموطان إلى العربة ينظر إلى ما أشار إليه قيسوس بداخلها. فنظر في العربة هناك جونية بيضاء كبيرة وقطع جلود مرصوصة فوق بعضها مربوطة بحبل فأشار سموطان إلى الجونية قائلا : هل تعني ما تقول أم هي مزحة ؟ فابتسم قيسوس الرومي وقال لسموطان وهو يشير بكفه إلى الجونية : أنظر بنفسك. عندها أخذ سموطان يفتح الجونية وهو يضحك حتى فض فوهتها ونظر بداخلها ثم أدخل يده وأخذ يقلب الأشياء بداخلها فأصدر أصوات زجاج وقوارير وخشخشة أكياس صغيرة تحتوي على أعشاب وعقاقير ثم التفت سموطان إلى قيسوس الذي ينظر إلى شدة تلهف الشيخ سموطان وقال سموطان له : إذا فأنت تستحق الضيافة تعالى لندخل . عندها أخذ سموطان الجونية وحملها على ظهره وحمل قيسوس مجموعة الجلود ودخلا الكوخ وجلس كلا منهما على الطاولة منتاظران. فقال له سموطان : هل تذكر تلك الايام عندما كنا تلامذه عند شيخنا الكبير ؟ فتبسم قيسوس قائلا: وكيف أنسى وتلك الايام هي السبب فيما نحن فيه الآن. فقال سموطان: ولكنها كانت طريقة حياة. فقال قيسوس متنهداً : وأي حياة هذه ؟ حياة الرهبنة والإنعزال؟ فقال سموطان : ولكنها بثمن, فالجميع بحاجة إلينا ولسنا بحاجة لأحد أليس كذلك ؟ فهز رأسه قيسوس قائلا : نعم هذا صحيح. ثم غير قيسوس الموضوع عندما نزع من جيبه طاقية مصنوعة من جلود مختلفة ولوح بها لسموطان قائلا : هل تعرف هذه ؟ فنظر إليها سموطان وقيسوس يعرضها عليه عاليا بيده ويريه ما كتب بداخلها من طلاسم ونقوش. ثم تبين سموطان ماهي وابتسم غير مصدق وأمسك بها من يد قيسوس الذي أفلتها وهو يضحك وقال سموطان: لقد فعلتها إذا. فضحك قيسوس قائلا: تماما كما أخبرتني أن أصنعها جلد البوم وجلد الأسد وجلد التمساح وأسمائها السرية منقوشة بداخلها, هل تريد أن تجربها ؟ فقال سموطان وهو يقلبها بين يديه : لا أنا أثق بك وفجاة أمسك سموطان بساعد قيسوس الذي كان على الطاولة وهزه بحرارة قائلا : مرحبا بك يا صديقي القديم .
عند الظهيرة ماري وبوجابت كانتا تمشيان في طريقهما إلى الكوخ, و تحمل ماري على رأسها سلة من الخضار وبعض الأغراض كما تحمل بوجابت سلة من الخضار قد أسندتها على خاصرتها, وروث وديفي يتقافزان أمامهما يمرحان. وتوقفتا أمام ساحة الكوخ تنظران إلى سموطان من خلفه وهو يودع راهبا يركب على عربه. ولوح بيده لسموطان الذي كان يقف أمام الكوخ. ولوح سموطان لذلك الراهب الذي إنطلق بعربته مسرعاً. ثم إلتفت سموطان إليهما. فاتجة الجميع للدخول إلى الكوخ. فقال سموطان ومارى تمشي خلفه وخلفها الصبية وبوجبات تمشي أمامه: كيف كان بيعكم في السوق اليوم؟ فقالت بوجابت من أمامه: مثل المعتاد, ولكن بيع الفائض من خضروات المزرعة خيرٌ من الإحتفاظ بها فتفسد علينا . دخلت بوجابت ووضعت سلتها في الغرفة. بينما كانت تمشي ماري وراء الشيخ, وهي تنظر إلى يده التي تحمل تلك الطاقية الغريبة الشكل حتى دخل سموطان أمامها ووضع الطاقية على الطاولة. وخلفه ماري فقالت له : ما هذه ؟ وأشارت إلى الطاقية فنظر سموطان إلى الطاقية وحملها قائلا: هذه طاقية جدتي ! فقالت ماري مندهشة : طاقية جدتك ! لم تخبرنا أبدا عنها. فقال سموطان : جدتي كانت تحكي لنا حكاية عن طاقية إذا لبستها تختفين . وعندما سمعت بوجابت ذلك خرجت إليهما يدفعها الفضول, ووقفت عند باب غرفتها تنظر إلى تلك الطاقية كما تجمعت عندهم روث التي قالت لسموطان : هل أختفي إذا لبستها ؟ فقال سموطان بثقة تامة: نعم. فقالت بوجابت : هل تذكر يا سموطان أول لقائنا بك وذلك المسحوق الذي رششته علينا فأخفيتنا ؟ عندها نظرت روث إلى أمها بإنتباه وإمعان فقال سموطان نعم ولكن ذلك المسحوق لإخفاء الأشياء الساكنة لا تستطيعين الحراك وإلا ظهرتي للعيان. وأشار سموطان بالطاقية قائلا: أما هذه فمختلفة, تلبسينها وتذهبين إلى أي مكان فلا يراك أحد . فقالت ماري وهي تضع السلة على الطاولة وذهبت لتجلس مع بوجابت على الكرسي الخشبي الطويل: هذا ما لا يمكن .عندها سار سموطان ووقف قبالتها وأمسك بالقبعة واستدار بقوة إلى خلفه وهو يلبس الطاقية على رأسه فلم يكمل دورته حتى إختفى فشهقت ماري وغطت فمها واسغربوا من ذلك وبدأ ديفي يبحث عن الشيخ من حيث مكان ما إختفى وكذلك روث وبوجابت وماري يبحثون ويتحسسون الهواء وتحت الأشياء. فإذا تلك السلة التي على الطاولة ترتفع في الهواء فشاهدوها وتعجبوا مبهورين غير مصدقين أعينهم ثم إندفع ديفي بقوة إلى تحت السلة الطائرة واصطدم بشيء في الفراغ تحتها فاهتزت السلة عندها ظهر الشيخ وفي يده القبعة وفي اليد الأخرى كان يحمل السلة.

أنور المشايخي
12-30-2007, 03:12 AM
مرت ثماني سنوات, وها هي بوجابت وماري تجلسان في السوق باسطتان سلتاهما أمامهما. والعامة تجول في السوق تشتري من كل مكان إلا منهما, وقد بدا عليهما البؤس وتقدمت بهما السنون ومن بين العامة كان الوزير يتفقد حال السوق وحده يمشي بين الباعة, وفجأة توقف الوزير لوذا عندما رأى تلك المرأتان جالستان هناك وأخذ يتفقدهما ويركز فيهما, فإذا هو يتعرف على ماري فاختبأ بسرعة بين الباعة.
في كوخ الشيخ وقد تغيرت أحوالهم للأحسن, إذ نستطيع رؤية الدخان يخرج من سقف الكوخ حيث صنعوا مدخنة تقيهم البرد. وبداخل الكوخ كان سموطان يجلس على الأرض وقد كثر الشيب في رأسه ولحيته, وبجانبه طاحونة حجرية وقد أحضر بعض الأقداح المصفوفة بجانبه. وهناك روث وقد كبرت وأصبحت إمراة جميلة ترقد مستلقية على بطنها بجانب طاحونة الشيخ تراقبه وديفي يقف أمامها يشاركهما التحضير لشيء ما فسالته روث قائلة : ماذا تحضر ؟ فقال سموطان وهو يتناول تلك الأقداح الواحد تلو الآخر ويضعها بداخل الطاحونة: أوقية من ألأذخر, ثم درهمين ماء بابونج مع ثلاثة دراهم فربيون, حبة الفرصاد خمسة دراهم , عشرة دراهم من شحم التمساح ومثلها شحم الدلفين, وكذلك شحم الحوت. ثم قام الشيخ بتدوير الطاحونة, ثم أخذ ما طحنه وصنع منه أقراص على شكل دراهم فقالت له روث : والآن ماذا؟ عندها دخلت ماري وبوجابت عليهما راجعتان من السوق بسلتيهما فركض ديفي واحتضن أمه ماري فرحا بعودتها. فقالت روث وهي ما تزال مستلقية: تعالوا شاهدوا هذا. وأشارت إلى أقراص الشيخ فقال الشيخ : إذا دخنت إحدى هذه الأقراص في النار توهم الجميع أنهم على النهر وقد خرج عليهم تمساح عظيم يريد أن يلتهمهم. فتقدمت بوجابت من الشيخ بعد أن وضعت سلتها على الطاولة. وتناولت أحد الأقراص تنظر إليه وقالت وهي ترجعه: سموطان إن لك أشياء عجيبة. فنهضت روث قائلة بفضول وهمه : لنجربها. فمنعتها أمها ولكن روث أصرت كما الأطفال. عندها تقدم ديفي من الأقراص وأخذ واحدا وبسرعة رمي به في المدخنة حيث النار وهم يشاهدون صنع ديفي ويترقبون فإذا الدخان يبدأ بالتصاعد من المدخنة. وإذا يتوهم لهم مثل ما قال الشيخ ويخرج عليهم تمساح عظيم من النهر من جانب المدخنة حيث حرق القرص فاتح فمه الكبير يريد أن يلتهمهم فتدافع الجميع إلى الباب جريا مفزوعين حتى صار الجميع خارج الكوخ يلتقطون أنفاسهم, يتأكدون من الباب كي لا يتبعهم ذلك التمساح الضخم الذي بحجم الغرفة. وإذا الشيخ يلتقط أنفاسه قال: نصف قرص تكفي لكان التمساح على ألأقل أصغر حجما من هذا. ثم نظر إلى الباب وتقدم ببطأ والجميع من خلفة وجلين من محاولة سموطان فتح الباب قليلا ليرى ما بداخل الكوخ. ففتحه سموطان ونظر فلم يرى شيئا فدخل ببطأ وتبعه الجميع عندما تبين لهم زوال ذلك التمساح. كان بين الأشجار الكثيفة من يراقب ذلك, إنه الوزير وقد ربط خيله خلفه على شجرة وأزاح الأشجار بيديه متلصصا عليهم فشاهدهم جميعا هناك حيث كانوا بالخارج, فرجع إلى جواده بهدؤ. و بعد فترة وقف الوزير قبالة باب الكوخ ثم دفعه بقوة داخلا ودخل وراءه جنوده مباغتين الجميع, ودخل الجند على سموطان الذي تحفز لهم, ولكن لم تكن لديه فرصة حيث تكاثروا عليه واقتادوه, وإذاهم يريدون القبض على روث أخذت قرصا من تلك الاقراص من على الطاولة واقتادوها إلى الخارج, وقبض جندي على ديفي وسحبه من يده يجره فإذا هو لدى الباب رأى ديفي طاقية الإخفاء فسحبها فقال الجندي : لا بأس أن تأخذ قبعتك معك فقد تحتاجها. ولكن ديفي أخفى القبعة في ملابسه.

أحضر الجميع إلى بلاط الملك أجمنون وأخذ الملك يتفقد المجموعة ولم يتعرف على أحد منهم. فقال الوزير وهو يشير إلى ماري: مولاي الملك هذه ماري زوجة أخيكم نحميا واللذان تآمرا على ملككم ,وهذا إبنها منه وهذه زوجة البستاني ومعها إبنتها, وقد أخفاهم هذا الشيخ عنده كل هذه السنين. نزل الملك من على كرسيه وأخذ يتفقد ماري فعرفها وقد تغيرت ملامحها وأخذ ينظر إلى ملابسها الرثة ومنظرها الشحيح وقال : ماري بعد أربع وعشرون عاما. ثم قال الوزير للشيخ سموطان: ألم أقل لك حينها أن جزاء المتستر على المجرمين القتل. وحاول الوزير أن يقترب منه لقتله فصاح به الملك قائلا: توقف. وأمر الملك أحد قواده وقال : خذوه إلى السجن, وكان يشير إلى سموطان: أما البقية فخذوهم واحصروهم في قصر الأمير أخي الراحل وشددوا عليهم الحراسة. وعندما هم القائد بأخذهم قال له الملك: لا أبقها معي بعض الوقت. وقد كان يعني ماري. وعندما خلي المجلس إلامن الملك والوزير وماري قال لها الملك : لقد أحسنت إليك وزوجك وكانت مكافأتي أن حاولتما السيطرة على مملكتي والقضاء علي, لابد وأن هذا من تدبيرك ودفعك له للقيام بما قام به. فقالت ماري : لسنا بخونة لقد أحبك وأخلص لك ولكنها مكيدة دبرها له هذا الحقود. وأشارت إلى الوزير الذي أطلق ابتسامه حاقده. فأسكتها الملك وقال: لقد حزنت على موته, على كل حال ما تقولين لو تزوجتك . عندها رفعت ماري رأسها مستغربة سؤال الملك وقالت : حزني على زوجي يمنعني ولطالما منعني من الزواج من بعده. عندها غضب عليها الملك وأمر الجند بأخذها إلى المعتقل فأخذوها وتوجه الملك إلى الوزير ووقف إلى جانبه الأيسر وقال : إبن نحميا ما هو إلا مسخ. ونظر الملك إلى الوزير وهو يقول : كان يمكن أن يكون إبني ,إنهما بنفس العمر, ولكن هيرود لم يستطع إنتزاع المفتاح من القفل رغم قوته وسطوته. إذا سنحاول أن نجعل هذا المسخ إبن نحميا المحاولة في المفتاح, فكل ذي عاهة جبار.
أخذ الجند الشيخ إلى غيابت السجن وعند باب غرفة السجن وقف الشيخ وهو ينظر إلى داخلها عبر القضبان حيث سلاسل أربعة تمتد من الجدار, وكل سلسلة بطول ثلاثة أمتار تنتهي بحلقة ذات قفل. والسلاسل متدلية ومتكدسة على الأرض. فتح الجند الزنزانة وأدخلوا الشيخ ووضعوا الأغلال في يديه ورجليه وأخذ الشيخ ينظر إلى تلك الغرفة المظلمة الرطبة الواسعة ويتحرك بداخلها حيث كان طول السلاسل يسمح بذلك. أما ماري وبوجابت وروث وديفي فقد أدخلهم الجند إلى قصر الأمير الراحل نحميا وأغلقوا الباب ورائهم وشددوا الحراسة عليهم, فدخلت ماري وهي تمسك بديفي وأخذت تمشي به وهي تنظر وتتأمل المكان فقالت لها بوجابت من ورائها: هل عادت اليك الذكريات؟ فقالت ماري بحزن وهي تنظر إلى المكان وتتأمله: هذه رواية قصر كنت أسكن فيه .
في صباح اليوم التالي دخل الوزير لوذا واضعا يده على كتف ديفي يسوقه إلى حيث يقف الملك بقرب كرسي عرشه وهو ينظر إليهما يقتربان, واستقبل الملك أجمنون ديفي بالترحيب والملاطفة وقال له : إبن أخي الحبيب, عمك يريد منك خدمه صغيرة, لعبة هل تحب اللعب؟ فهز ديفي رأسه بنعم عندها نظر الملك إلى وزيرة ووضع يده على كتف ديفي وأداره ناحية المخرج وخطى به إلى خارج الديوان والملك يحادث ديفي والوزير من ورائهما .
فتح الجندي الزنزانة وبيده صحن من الطعام وقربة ماء, ودخل حتى وصل إلى سموطان الذي يجلس على الأرض مادا رجليه والأغلال عليها, غير مباليا بمن دخل, ينظر إلى الأرض بتركيز. فدخل الجندي ووضع الطعام والماء بجانبه وانصرف وأغلق الباب وهو ينظر إلى الشيخ الذي لم يتحرك ولو قليلا, ثم إنصرف فزحف سموطان إلى الوراء قليلا حتى أسند ظهره على الجدار وأخذ يتمتم بصوت منخفض وعزيمة قوية قد بانت من حدة عينيه: برهتيه كرير تتليه طوران مزجل بزجل ترقب برهش غلمش خوطيرقلنهود برشان كظهيرنموشلخ برهيولآ بشكيلخ قزمزأنغلليط قبرات غياها كيدهولآ شمخاهر شمخاهير شمهاهير بكهطهونيه بشارش طونش شمخا باروخ اللهم بحق العهد القديم كهكهيج يغطشي بلطشغشغويل أمويل جلد مهجما هلمج وروديه مهفياج بعزتك ألا ما أخذت سمعهم وأبصارهم سبحان من ليس كمثله شيء وهو السميع البصير .

عاد الملك إلى ديوانه مسرع الخطى وهو في أشد الغضب والحيرة, ومن وراءه ديفي والوزير فالتفت إليهما الملك قائل: ا لم ينجح في الاختبار, لم يستطع إخراج المفتاح من قفله, هل يعقل أن ما في كتاب سليمان ما هو إلا خرافة ؟ ووجه الملك كلامه إلى الوزير وقال : ما العمل الآن؟ وقد بدا الملك يائسا فأجابه الوزير : لا أدري يا مولاي العظيم لعلنا لم نستوفي شروط العمل, أو هناك خلل ما لم نحط به. حينها صرف الملك الغلام وقال للجند : خذوه إلى أمه خذوه وصرخ بهم .
كانت ماري تدق على الباب ليفتح لها الجند بقوة وغضب ومن ورائها بوجابت وروث ولكن الجند لم يبالوا بها حتى فتح الباب ودخل ديفي وارتمى في حضن أمه تضمه بقوة فرحة تتأمله إذ لم يمسه سؤ. ودخل من خلفه من الباب الوزير لوذا وقال شامتا : لم يستطع إخراج المفتاح هذا المتخلف, لقد قتلتي زوجك نحميا للاشيء, ليست إلا خرافة وكذبة كبيرة. فنظرت إليه ماري باحتقار وهي تحتضن إبنها وخرج من الباب وأشار إلى الجند فاغلقوا عليهم. تقدمت بوجابت من ماري وديفي واحتضنتهم فقالت روث من خلفهم : سموطان ؟ فقالت بوجابت: أرجو ألا يلحقوا به الآذى. فقالت ماري : إنه لا ذنب له في هذا كله. فقالت بوجابت : يجب أن نجد طريقة لإنقاذه. ففكرت ماري في قول بوجابت .

أنور المشايخي
12-30-2007, 03:40 AM
الله يعافيك أخي ابن قروان
أشكرك على مرورك العطر
وبارك الله لنا في أنفاسكم الطيبة

أمير الوافي
12-30-2007, 06:15 AM
مشكووور ع القصه

أنور المشايخي
12-30-2007, 08:18 AM
أشكرك أخي المنصور
في الدنيا والآخرة
بارك الله بك

التفاحة
01-06-2008, 05:51 PM
مشكـــــــــووووووور انور المشايخي
ع القصة.. يعطيك العافية,,