أنور المشايخي
12-30-2007, 02:03 AM
--------------------------------------------------------------------------------
بسم الله الرحمن الرحيم
بداخل كل منا تلك الروح الطفولية التي سواء عاشها الواحد منا بكل تفاصيلها, أو ممكن يتذكر البعض منها.
ولكن جميعنا يحاول إسترجاع تلك المشاعر الدافئة التي كان يتلقاها أحيانا عندما كان يستمع لقصة خيالية من جدته في ليلة قمرية تسبح بخياله إلى عالم خاص به.
هذه روايتي المفاتيح السبعة التي إعتنيت بكل جزأية من جزأياتها لكي تكون مركبتك إلى ذلك العالم الذي كنت فيه من زمان.
الفصل الأول
قبل 333سنة ق .م تنقشع سحابة مظلمة لتظهر من السماء تلك البلاد البعيدة. مملكة (زيتا) .التي أنهكتها حروب الطمع والجشع والتنافس على السلطه. حيث يظهر قصر تضيء نيرانه ظلمة الليل الحالك. ندخل من خلال تلك الشرفة الكبيرة في غرفة أعلى ذلك القصرلنرى الملك أجمنون يجلس على كرسيه الكبير داخل مكتبة قصره الضخمة. تحيط به أرفف الكتب والقراطيس والأجهزة العلمية والمخطوطات. يتنهد من كرسيه ناظراً إلى أرفف الكتب الملونة . فحمل جسده إلى رف الكتب شارد الذهن ووقف أمامها ومد يده ليأخذ إحدى الكتب قائلاً:إذا كم حصيلة اليوم ؟ خمسون قتيلاً رد عليه أخوه الأصغر حيث كان واقفا خلفه ببضع خطوات وبينهما منضده خشبية كبيرة عليها بعض الكتب. خمسون قتيلاً هكذا أجابه الأخ الأصغر متحسراً.
أقفل الملك راجعاً إلى كرسيه وبيده ذلك الكتاب وعلامات الأسى بادية عليه . وكأنه فقد رغبته بالمطالعة. جلس على كرسيه ماسكاً بالكتاب على فخذية وقال بصوت ملؤه السخط والغضب: لم يجلب علينا حكم الملك سليمان إلا الخراب, منذ ثلاث مائه سنة ونحن على هذه الحال مات وترك وراءه سبعة مدن يقتل بعضنا بعضاً, يقتلون فنقتل فيقتلون. ولبرهه كان الملك ينظر إلى الأرض فرفع رأسه وهو يقلب كفيه قائلاً: حتى يفني بعضنا بعضا ... وصرخ قائلاً:إنها نقمه ..ثم هدأ وقال : نعم ليست إلآ نقمة .
قال الأمير وهو يسير في طريقه إلى الشرفه ناظرا من هناك إلى فناء القصر العشبي تحته : نعم هي كذلك ... ثم إستدارإلى حيث يجلس الملك وانحنى بإتجاه جانب الكرسي عند رأس الملك قائلاً: أو درساً منه في الحكمة مقدرعلينا أن نتعلمه بأنفسنا بهذه الطريقة. إستدار الأمير إلى الباب وهو يقول عندما وصل إليه : تصبح على خير. خرج الأمير وأحكم إرداف الباب ثم إستدار ليكمل طريقه فإذا كاد أن يصطدم بأحدهم وهو في وجهه فرفع الأمير بصره ليراه ولكن ذلك الرجل ذو الزي العسكري لم يقل شيئا. بل تجاوز الأمير الواقف أمامه ومد يده إلى باب المكتبة ملتفتاً إلى الأمير بنظرة إزدراء وإحتقار والأمير واقفا هناك ينظر إليه بإستغراب ويقول في نفسه: كيف لرجل من رحم إمرأة أن يحمل هذا الحقد كله في صدره , تكاد عيناه تخرقان جسمي إلى العظم .
دخل الرجل على الملك ومنذ رآه الملك داخلاً بادره الملك بالقول وهو مستبشراً مبتسماً رافعاً كلتا يديه إليه مرحبا : آه هاتان العينان تحملان خبراً ساراً, إني بحاجة إلى الأخبار السارة بعدما سمعته من الأمير من الأخبار السيئة. قل يا وزيرنا ماذا لديك؟ في هذه الأثناء كان ما يزال الوزير يخطو بإتجاه الملك وهو يقول : أجمنون سيدي ومولاي لقد إكتمل بناء المرصد ويمكنكم إستعماله بدأ من اللحظة . إلتفت الملك ناظرا إلى كتاب ضخم مفرد على تلك الطاولة الخشبية الكبيرة التي تتوسط المكتبة وقال : في الوقت تماماً, لدينا ثلاثة أيام حتى يحين وقت الرصد الذي وصفه كتاب الملك سليمان العظيم . الوقت الكافي لنختبر دقة عمل المرصد . ثم قام الملك ووضع يده على كتف الوزير الأيسر وقال : قل لي ؟ ثم أمسك الملك بيده اليسرى على ذقنه هو ناظرا إلى الأرض نظره المتفكر واتجه بخطى بطيئة إلى أمام الشرفة واستطرد قائلاً: لماذا يكون الماء ثلجاً أحياناً؟ فكر الوزير لبرهة مدركاً أن الملك يختبر سرعة بديهته بهذا السؤال الغريب المخادع وما لبثت أن لمعت عينا الوزير الماكرتان حينما تيقن أن الجواب سيكون من جنس السؤال ورد قائلا: الماء يا مولاي يكون ثلجا عندما لا يستطيع أن يكون بخارا أحيانا ... فاستدار إليه الملك ضاحكا بقهقهة قوية وأمسك بالوزير من جهة رقبته اليسرى وهزه قائلا : هذا ما يعجبني فيك ... إبتعد الوزير خطوة إلى اليمين قائلاً: مولاي لماذا غادر سيدي الأمير مبكراً هذه الليلة ؟ رد الملك قائلاً: لقد أصبح لديه من ينتظره الآن, زوجة جميلة, دافئة, حنونة, في ليلة مظلمة باردة ... واستدار إلى الوزير قائل له من خلفه : غداً بعد غروب الشمس حيث السماء صافية سنجربه .
في هذه الأثناء كان الأمير يشق طريقة عبر ممرات قصر الملك حتى خرج ونزل من على سلم بوابة ومدخل قصر الملك. وسار في حديقة القصر متجها إلى الفاصل العشبي الذي يفصل قصره عن قصر الملك حيث فتحة صغيرة في ذلك الفاصل العشبي زينت بقوس حديدي نمت عليه الأعشاب. فتحة تؤدي بين القصرين .وعلى بعد أمتار من تلك الفتحة حيث الظلام أكثرحلكه وبين الأحراش وقف الأمير مكانه ووقف شعر رأسه . إثر إشتباهه حركة مريبة وصوت خشخشة عند الفتحة فبدأ قلبه بالخفقان بسرعة ورأسه ملئتها الوساوس . حينها سمع صوتا صادرا من هناك : سيدي سيدي الأمير هذا أنا بستاني القصر . عندها تقدم الأمير بحذر وهو ما زال لا يرى شيئاً أمامه . حتى ظهر له من تحت الأشجار رجل تبدو عليه هيئة من ألمت به مصيبة من السماء وقال : سيدي الأمير أعذرني أرجوك أطلب منك الصفح .. ونزل الرجل على يدي الأمير يقبلهما بحركة فجائية أجفلت الأمير وظن به الغدر وقال البستاني: سيدي لقد انتظرت لقائك طيلة اليوم. ولم أجد فرصة أحسن من هذه بعيداً عن الجميع... وإذا بالبستاني يقبل يد الأمير قائلاً: أرجو أن تغفر لي وتسامحني ... عندها أخذ الأمير يلاطفه ويهديئ من روعه لكي يفهم منه. حيث كان الرجل يتلعثم ويكاد أن يبكي. ترتفع رأتيه بالهواء فلا يخرج من فمه شئ مفهوم. فأمنه الأمير على نفسه وأخذه من يده وقال له : تعال معي وسنتكلم بالداخل ... وإذا بالبستاني يجر الأمير إلى الخلف رافضاً الذهاب معه وقال وهو فزعا : لا أرجوك لا ينبغي لمن بالقصر أن يعلموا بهذا .. قال الأمير : لقد أشغلتني ما عندك ؟ تكلم . قال البستاني: سيدي الأمير أعلم فضلك وكرمك بل هذا لا يخفى على أحد من رعيتك, الجميع يصفك باللطف والرحمة , وحبك لمساعدة الضعفاء والمساكين لذلك لجأت إليك وليس أحد سواك يخلصني من هذه المحنة . قاطعه الأمير وقد فقد صبره قائلاً: قل ما عندك إن الهواء بارد هنا, هيا تكلم فقد أنهكتني. قال البستاني : أحببت فتاة من قصر مولاي الملك أجمنون , وقد كنا نلتقي خلسة عندما ينام الجميع . عندها هجم عليه الأمير ممسكاً بعضديه و شد عليه مخنقه وقال بحنق : إحدى الأميرات ؟ ورد عليه البستاني مفزوعاً : لا ...لا ... إنها إحدى عاملات المطبخ الملكي ياسيدي . عندها تركه الأمير وانبسطت ملامح وجهه إذ ظن أنه تجرأ على إحدى فتيات الأسرة المالكة وقال الأمير : إذ ما المشكلة ؟ قال البستاني : إنها حامل وعلى وشك أن تلد ...الليلة ! قال الأمير مندهشاً : وكيف إستطاعت أن تخفي حملها كل هذه الفترة عن الجميع ؟ قال البستاني :الفتيات والطباخات في المطبخ الملكي كن يساعدنها على ذلك, ويساعدن في عدم ظهورها. قال الأمير: وأين هي الآن؟ قال البستاني: إنها في المنومة . قال الأمير وهو يجر البستاني خلفه : هيا خذني إليها .
أخذ البستاني يجر الخطى والأمير خلفه إلى الغرف الخاصة بخدم الملك خلف قصره . وعندما وصلا إلى حيث السكنات تقدم البستاني وفتح باب إحدى الغرف فإذا يخرج من الغرفة صوت تأوه وتألم . تقدم الأمير إلى داخل الغرفة حيث كانت إمرأة مستلقية على السرير وهي في المخاض وحولها نسوة من الخادمات فوقفن مباشرة مدهوشات لدى دخول الأمير عليهن الغرفة . وأحنين رؤسهن إحتراما وخوفاً. أمر الأمير النسوة بأخذ المرأة إلى مساكن خدم قصره . وذهبوا جميعاً إلى الجانب الأخر من قصر الملك حيث مساكن خدم قصر الأمير محاولين عدم إصدار أصوات تسترعي إنتباه حراس أيا من القصرين. أدخل الأمير المرأة إلى غرفة من مساكن خدمه. وأوصى خادمات قصره بكتمان الأمر والإعتناء بالمرأة. ثم أخذ بيد البستاني إلى خارج المساكن وقال له : تعلم أنك ستعاقب على فعلتك هذه من قبل كبير الخدم. فأجابه البستاني : لا أبالي بنفسي سيدي الأمير, ولكني أخشى عليها هي من العقاب أو ما هو مصير إبننا المولود؟ ترى ماذا سيفعلون ببوجابت؟ قال الأمير : هل هذا هو أسمها ؟ أجابه : نعم سيدي. وخر البستاني ساجدا يقبل قدم الأمير وهو يبكي ويستجدي الأمير والأمير يحاول منعه من ذلك. فرفعه وقال له هل تحبها ؟ هز البستاني رأسه إجابة بنعم وقال : كثيراً سيدي لم أحب إمرأة من قبل ولا يمكن أن أحب غيرها. حينها قال الأمير : لا عليك دعها معي حتى تلد وعندها أكلم كبير الخدم في أمرها لا تخف أنت و هي في حمايتي لا تقلق عندها قبل البستاني يدي الأمير وذهب شاكراً داعياً حتى دخل الأمير قصره .
دخل الأمير غرفة نومه الواسعة وهو ينادي حيث لم يشاهد زوجته : ماري ... ماري... لن تصدقي ما حصل معي هذه الليلة .
في الصباح ومع إرتفاع الشمس في الأفق وقد عكست أشعتها الذهبية على المروج الخضراء في حدائق القصور ,لاح الأمير وهو يعبر الحدائق والممرات من قصره حتى دخل قصر الملك. فمن ثم الى ديوانه حيث كان يجلس الملك على عرشه وحوله حراسه الأشداء وندمائه وحكمائه ومستشاريه وبالأخص عن يمينه وزيره الماكر الذي كان يكره الأمير ويناصبه العداء . وعند دخول الأمير للديوان ألقى التحية والسلام فأذن له الملك بيده أن يجلس فجلس عن يسار الملك وهو ينظر إلى وزير الملك كيف يجلس هناك مزهواً مغروراً ولم تزغ عيناه عن النظر إلى الأمير منذ دخوله حتى جلوسه, ولم يقاطع ذلك إلا صوت الملك يقول للأمير : كيف كانت أحداث الأمس ؟ فالتصقت شفتا الأمير وامتص لعابه حيث كان سؤالاً مفاجأ, فاستمسك الأمير حتى أجاب : مولاي لم أعي سؤالكم ,عذرا منكم ... أعني أنك حضرت مجلسنا متأخراً هكذا قال الملك للأمير وهو يتجه برأسه ناظراً إلى وزيره بابتسامه خبيثة فقال: لابد وأنها كانت ليلة مثيرة . فقال الأمير بتردد: سيدي الملك... فقاطعه الملك بإشارة من كفه أي لا داعي للإجابة وقال الملك : هذه هي حال المتزوجين الجدد. وأدار الملك وجهه إلى الحاضرين قائلاً : أليس كذلك؟ وضحك الملك فتضاحك معه الحاضرون. أما الأمير فرسم على شفتيه إبتسامة صفراء مجاملة ولاذ بالصمت .
عند الظهيرة إنفض مجلس الملك فتوجه كل من الحاضرين إلى شأنه.عندها خرج الأمير متوجها إلى قصره. وعند تلك الفتحة العشبية الفاصلة بين القصرين كان ينتظره البستاني فلما رأى البستاني الأمير توجه إليه والفرحة تقفز من صدره وقال : لقد أنجبت يا سيدي.. أنجبت ليلة البارحة لقد أصبحت أباً. وارتسمت الفرحة في وجه الأمير وذهبا معا عبر البوابة لرؤية الصغير ولم ينتبها إلى من كان واقفا على سلم مدخل قصرالملك يراقبهما. إنه الوزير كان ينظر إليهما من بعيد, ورأى ذلك منهما ولم يسمع كلامهما لبعد المسافة فأخذت الأفكار تتدافع في رأسه حيث لم يكن يسمح لخدم قصر الملك بالذهاب إلى القصر الآخر, ثم تلك الطريقة إلى كانا يتحدثان بها وسرعة ذهابهما معاً.
في الطريق إلتقى الأمير والبستاني بزوجته الأميرة جالسة في حديقة قصرها على طاولة تنتظر قدومه هناك . فتوجه اليها الأمير وأمسك بيدها وأطلق كلمه واحده من فمه في عينيها قائلاً : أنجبت. وإذ تلاقت عيناهما أغنت عن التفسير فقفزت ماري من كرسيها تعدو والأمير خلفها يتسابقان إلى سكنات الخدم ومن ورائهما البستاني. دخل الثلاثة تتقدمهم الأميرة ماري يدفعها الفضول إلى حيث ترقد زوجه البستاني بوجابت. فإذا هي راقدة على سريرها وبجانبها طفل صغير ملفوف بخرقة. فتقدمت ماري من الصغير وحملته. عندها استيقظت بوجابت لتنظر إلى الأميرة بنظرة تعبة فابتسمت لها ماري وهي تمسك بالمولود بين ذراعيها وقالت لها : صبية ؟ هزت رأسها بوجابت بنعم عندها قبلت ماري الصغيرة وخلفها زوجها الأمير يداعب أنف الصغيرة. فخلعت ماري من صدرها سلسلة ذهبية تنتهي بقلادة مرصعة بحجر كريم أخضر كبير وألبستها للرضيعة وذلك كان كل ما تتمناه زوجة لم تكمل ثلاثة أشهر من زواجهاوهو أن تصبح أماً.
في اليوم التالي إستدعى الأمير كبير الخدم وعرض أن يشتري بوجابت لتخدم في قصره ولكن كبير الخدم رد قائلاً : لم أعد مسؤولاً عن ذلك القسم من أمور الخدم, إنما أصبح الوزير هو من يحدد ملكية خدم قصر الملك ياسيدي. عندها ضاق صدر الأمير لعلمه أن الوزير بالتأكيد سيرفض طلبه لما يكنه له من بغض وعدم توافق. فقال لكبير الخدم : حسناً لا بأس أكتم هذا الأمر وسأحدث أخي الملك في الأمر. وانصرف عنه الأمير دونما يبدي مخاوفه لكبير الخدم .
الوزير استطاع أن يشتري أحد خدم قصر الأمير ليأتيه بالأخبار عن علاقة بستاني قصر الملك بالأمير, فوعده ذلك الخادم بالأخبار الكاملة. إنقضى ذلك اليوم على ذلك وفي اليوم التالي ما بين اجتماعات الملك ومحادثاته وكالعادة حتى الظهيرة رجع الأمير إلى قصره وذهب هو وزوجته ماري للاطمئنان على ضيفتهما الصغيرة .
خرج بالليل أحد خدم الأمير لملاقاة الوزير فأخبره بالموضوع وما حدث من أمر البستاني مع الأمير, ومن نية الأمير الطلب من الملك نقل ملكية بوجابت إليه. فأجزل الوزير له العطاء وانصرف الخادم مسروراً. وبعد قليل خرج الأمير لملاقاة الملك كالعادة يتسامران قليلاً قبل أن يفترقا للنوم. فدخل على الملك المكتبة فقال له الملك : هل رأيت المرصد الذي بنيته؟ رد الأمير : ليس تماما سيدي . فقال الملك : إذا تعال نذهب لتفحصه. تقدم الملك والأمير من خلفه حتى خرجا إلى ربوة عند إحدى زوايا حديقة القصر حيث شيد هناك برج عالي. وإذهما في الطريق قريبا من البرج لحق بهما الوزير فتسلق الثلاثة سلم ذلك البرج من داخله حتى أعلاه حيث غرفة المرصد. فتوجه الملك إلى قطعة نحاسية كبيرة ذهبية اللون ذات حلقات ومسننات مطلة من فتحة كبيرة في الغرفة نحو السماء. فقال الملك للأمير : هل تعلم ما هذه يا نحميا ؟ تقدم الأمير يتفحص تلك الدائرة الذهبية ذات الدوائر الداخلية الصغيرة وعليها نقوش ورموز وأعداد. والوزير ينظر إليه من خلفه فقال الأمير : أظنها هذه هي التي يقرأ بها كتاب السماء سيدي. فتقدم الملك الى حيث يقف الأمير بجانب القطعة وهو يقول فرحاً بالإجابة :أصبت, إنها ما نسميه الإسطرلاب, بها نعرف المسافة بين النجوم والكواكب, وإرتفاعها وهبوطها, وكلها معلومات مسجلة منذ القدم, وعن طريق هذه الأداة نستطيع تحديد إسم ذلك النجم أو الكوكب. ثم قال الأمير للملك : الحقيقة هناك ما أريد أن أسالك أن تلبيه لي يا مولاي, وأرجو ألا يخيب رجائي... وكان يريد أن يفاتحه في موضوع بوجابت ولكن الوزير قاطعهما بسرعه قائلاً : مولاي الملك هذه الكتب التي أمرت أن نحضرها من مكتبة قصركم, كلها هنا. وكانت هناك طاولة وأرفف وضعت عليها بعض الخرائط السماوية والأوراق. فتنبه الملك إليها وأخذ يتفحصها فقال : نعم كلها هنا. ثم وقف الملك عند الطاولة حيث وضع عليها ذلك الكتاب الضخم . ففتحه وقلب صفحاته والأمير من خلفه ينظر إليه مندهشاً من عدم مبالاته بشيء آخر غير كتبه. ثم قال الملك : ياأخي الصغير هل تعلم من صاحب هذا الكتاب العظيم ؟ أجابه الأمير بتحفظ : تعلم يا مولاي أنه ليس لدي شغف بالنجوم وكواكب السماء كما لمولاي الملك الخبرة الواسعة في هذا المجال وخبرة أوسع بالكتب. رفع الملك بصره من على الكتاب ونظر إلى وزيره وكأنه يحول السؤال إليه. فتنبه الوزير و قال : إنه كتاب سليمان يا مولاي ... سليمان الملك. فقال الملك : نعم نستطيع أن نقول أنه لسليمان, أو الأ صح أنه أحد كتبه, لقد كان للملك سليمان وزيراً يقال له آصف بن برخيا بن شمويل, وكان يعلم الإسم الأعظم ويكتب كل شئ بأمر سليمان ويدفنه تحت كرسي عرش سليمان, فلما مات سليمان أخرجت الشياطين تلك الصحائف والكتب فكتبوا بين كل سطرين سحراً, وقالوا للناس هذه كتب سليمان. ووضع الملك أجمنون يده على الكتاب قائلاً : وهذا أحدها , وقد كان خاتم سليمان الذي حكم به الإنس وخضعت له الجن به, وسخر به الطير والوحش والرياح والأمطار, يحتوي على سبعة أحرف هي سر ذلك الخاتم, وقبل موته وزع تلك الأحرف على سبعة مدن, وضع في كل مدينة حرفاً في مفتاح منها. وأشار الملك بيده إلى الإسطرلاب قائلا: وهذا سبب بناء هذا المرصد. ورجع الملك إلى الكتاب وفتح فيه صفحة وقال : فقد ذكر هنا أن بإجتماع هذا الكوكب مع هذا النجم وذلك لا يحدث إلا كل عدة قرون من السنين, فإذا حدث وجامع الرجل زوجته في ساعة إقترانهما فإنها تنجب ولداً يستطيع أخذ وفك تلك المفاتيح السبعة, وهو فقط الوحيد الذي يستطيع أن يخرج تلك المفاتيح من أقفالها, ولا غيره يمتلك تلك المقدرة. وكان الملك يقول ذلك وأعين الأمير والوزير مستغرقه بين تكذيب وتشويق حتى صدمهما الملك بالقطع قائلا : وذلك الرصد هو الليلة, بعد منتصف الليل في الساعة السادسة تماما. وأشار بيده إلى القطعة النحاسية قائلا : كما أوضح ذلك كتاب السماء بهذا الإسطرلاب. ثم توجه الملك إلى الحائط وكانت هناك خريطة معلقة للمدن السبعة من ضمنها مدينته زيتا. فوضع الملك إصبعة على مدينة( زيتا) وكانت أول الخريطة وقال : هذا نحن. وأشار بيده إلى المدن الستة الأخرى قائلاً: وهذه المدن السته, فبعد أن يتم لنا ذلك نزحف على هذه المدن ونأخذ مفاتيحها. والتفت الملك إلى الإثنين من خلفه وهما كأنهما يستمعان إلى قصة خرافية حتى قال الأمير : وهل نملك نحن أحد هذه الأقفال ,أعني المفاتيح السبعة ؟ قال الملك : نعم ومن يملكها كلها يملك الملك السليماني. وفتح الملك ذراعية بوسع قائلا : أي العالم كله تحت تصرفه . هبط الجميع من البرج وانصرف الملك إلى قصره واثقا مما خطط له. ولم يكن حال صاحبية كذلك. فقد بدت في رأسيهما وكأنها قصة أسطورية مبالغ فيها.
بسم الله الرحمن الرحيم
بداخل كل منا تلك الروح الطفولية التي سواء عاشها الواحد منا بكل تفاصيلها, أو ممكن يتذكر البعض منها.
ولكن جميعنا يحاول إسترجاع تلك المشاعر الدافئة التي كان يتلقاها أحيانا عندما كان يستمع لقصة خيالية من جدته في ليلة قمرية تسبح بخياله إلى عالم خاص به.
هذه روايتي المفاتيح السبعة التي إعتنيت بكل جزأية من جزأياتها لكي تكون مركبتك إلى ذلك العالم الذي كنت فيه من زمان.
الفصل الأول
قبل 333سنة ق .م تنقشع سحابة مظلمة لتظهر من السماء تلك البلاد البعيدة. مملكة (زيتا) .التي أنهكتها حروب الطمع والجشع والتنافس على السلطه. حيث يظهر قصر تضيء نيرانه ظلمة الليل الحالك. ندخل من خلال تلك الشرفة الكبيرة في غرفة أعلى ذلك القصرلنرى الملك أجمنون يجلس على كرسيه الكبير داخل مكتبة قصره الضخمة. تحيط به أرفف الكتب والقراطيس والأجهزة العلمية والمخطوطات. يتنهد من كرسيه ناظراً إلى أرفف الكتب الملونة . فحمل جسده إلى رف الكتب شارد الذهن ووقف أمامها ومد يده ليأخذ إحدى الكتب قائلاً:إذا كم حصيلة اليوم ؟ خمسون قتيلاً رد عليه أخوه الأصغر حيث كان واقفا خلفه ببضع خطوات وبينهما منضده خشبية كبيرة عليها بعض الكتب. خمسون قتيلاً هكذا أجابه الأخ الأصغر متحسراً.
أقفل الملك راجعاً إلى كرسيه وبيده ذلك الكتاب وعلامات الأسى بادية عليه . وكأنه فقد رغبته بالمطالعة. جلس على كرسيه ماسكاً بالكتاب على فخذية وقال بصوت ملؤه السخط والغضب: لم يجلب علينا حكم الملك سليمان إلا الخراب, منذ ثلاث مائه سنة ونحن على هذه الحال مات وترك وراءه سبعة مدن يقتل بعضنا بعضاً, يقتلون فنقتل فيقتلون. ولبرهه كان الملك ينظر إلى الأرض فرفع رأسه وهو يقلب كفيه قائلاً: حتى يفني بعضنا بعضا ... وصرخ قائلاً:إنها نقمه ..ثم هدأ وقال : نعم ليست إلآ نقمة .
قال الأمير وهو يسير في طريقه إلى الشرفه ناظرا من هناك إلى فناء القصر العشبي تحته : نعم هي كذلك ... ثم إستدارإلى حيث يجلس الملك وانحنى بإتجاه جانب الكرسي عند رأس الملك قائلاً: أو درساً منه في الحكمة مقدرعلينا أن نتعلمه بأنفسنا بهذه الطريقة. إستدار الأمير إلى الباب وهو يقول عندما وصل إليه : تصبح على خير. خرج الأمير وأحكم إرداف الباب ثم إستدار ليكمل طريقه فإذا كاد أن يصطدم بأحدهم وهو في وجهه فرفع الأمير بصره ليراه ولكن ذلك الرجل ذو الزي العسكري لم يقل شيئا. بل تجاوز الأمير الواقف أمامه ومد يده إلى باب المكتبة ملتفتاً إلى الأمير بنظرة إزدراء وإحتقار والأمير واقفا هناك ينظر إليه بإستغراب ويقول في نفسه: كيف لرجل من رحم إمرأة أن يحمل هذا الحقد كله في صدره , تكاد عيناه تخرقان جسمي إلى العظم .
دخل الرجل على الملك ومنذ رآه الملك داخلاً بادره الملك بالقول وهو مستبشراً مبتسماً رافعاً كلتا يديه إليه مرحبا : آه هاتان العينان تحملان خبراً ساراً, إني بحاجة إلى الأخبار السارة بعدما سمعته من الأمير من الأخبار السيئة. قل يا وزيرنا ماذا لديك؟ في هذه الأثناء كان ما يزال الوزير يخطو بإتجاه الملك وهو يقول : أجمنون سيدي ومولاي لقد إكتمل بناء المرصد ويمكنكم إستعماله بدأ من اللحظة . إلتفت الملك ناظرا إلى كتاب ضخم مفرد على تلك الطاولة الخشبية الكبيرة التي تتوسط المكتبة وقال : في الوقت تماماً, لدينا ثلاثة أيام حتى يحين وقت الرصد الذي وصفه كتاب الملك سليمان العظيم . الوقت الكافي لنختبر دقة عمل المرصد . ثم قام الملك ووضع يده على كتف الوزير الأيسر وقال : قل لي ؟ ثم أمسك الملك بيده اليسرى على ذقنه هو ناظرا إلى الأرض نظره المتفكر واتجه بخطى بطيئة إلى أمام الشرفة واستطرد قائلاً: لماذا يكون الماء ثلجاً أحياناً؟ فكر الوزير لبرهة مدركاً أن الملك يختبر سرعة بديهته بهذا السؤال الغريب المخادع وما لبثت أن لمعت عينا الوزير الماكرتان حينما تيقن أن الجواب سيكون من جنس السؤال ورد قائلا: الماء يا مولاي يكون ثلجا عندما لا يستطيع أن يكون بخارا أحيانا ... فاستدار إليه الملك ضاحكا بقهقهة قوية وأمسك بالوزير من جهة رقبته اليسرى وهزه قائلا : هذا ما يعجبني فيك ... إبتعد الوزير خطوة إلى اليمين قائلاً: مولاي لماذا غادر سيدي الأمير مبكراً هذه الليلة ؟ رد الملك قائلاً: لقد أصبح لديه من ينتظره الآن, زوجة جميلة, دافئة, حنونة, في ليلة مظلمة باردة ... واستدار إلى الوزير قائل له من خلفه : غداً بعد غروب الشمس حيث السماء صافية سنجربه .
في هذه الأثناء كان الأمير يشق طريقة عبر ممرات قصر الملك حتى خرج ونزل من على سلم بوابة ومدخل قصر الملك. وسار في حديقة القصر متجها إلى الفاصل العشبي الذي يفصل قصره عن قصر الملك حيث فتحة صغيرة في ذلك الفاصل العشبي زينت بقوس حديدي نمت عليه الأعشاب. فتحة تؤدي بين القصرين .وعلى بعد أمتار من تلك الفتحة حيث الظلام أكثرحلكه وبين الأحراش وقف الأمير مكانه ووقف شعر رأسه . إثر إشتباهه حركة مريبة وصوت خشخشة عند الفتحة فبدأ قلبه بالخفقان بسرعة ورأسه ملئتها الوساوس . حينها سمع صوتا صادرا من هناك : سيدي سيدي الأمير هذا أنا بستاني القصر . عندها تقدم الأمير بحذر وهو ما زال لا يرى شيئاً أمامه . حتى ظهر له من تحت الأشجار رجل تبدو عليه هيئة من ألمت به مصيبة من السماء وقال : سيدي الأمير أعذرني أرجوك أطلب منك الصفح .. ونزل الرجل على يدي الأمير يقبلهما بحركة فجائية أجفلت الأمير وظن به الغدر وقال البستاني: سيدي لقد انتظرت لقائك طيلة اليوم. ولم أجد فرصة أحسن من هذه بعيداً عن الجميع... وإذا بالبستاني يقبل يد الأمير قائلاً: أرجو أن تغفر لي وتسامحني ... عندها أخذ الأمير يلاطفه ويهديئ من روعه لكي يفهم منه. حيث كان الرجل يتلعثم ويكاد أن يبكي. ترتفع رأتيه بالهواء فلا يخرج من فمه شئ مفهوم. فأمنه الأمير على نفسه وأخذه من يده وقال له : تعال معي وسنتكلم بالداخل ... وإذا بالبستاني يجر الأمير إلى الخلف رافضاً الذهاب معه وقال وهو فزعا : لا أرجوك لا ينبغي لمن بالقصر أن يعلموا بهذا .. قال الأمير : لقد أشغلتني ما عندك ؟ تكلم . قال البستاني: سيدي الأمير أعلم فضلك وكرمك بل هذا لا يخفى على أحد من رعيتك, الجميع يصفك باللطف والرحمة , وحبك لمساعدة الضعفاء والمساكين لذلك لجأت إليك وليس أحد سواك يخلصني من هذه المحنة . قاطعه الأمير وقد فقد صبره قائلاً: قل ما عندك إن الهواء بارد هنا, هيا تكلم فقد أنهكتني. قال البستاني : أحببت فتاة من قصر مولاي الملك أجمنون , وقد كنا نلتقي خلسة عندما ينام الجميع . عندها هجم عليه الأمير ممسكاً بعضديه و شد عليه مخنقه وقال بحنق : إحدى الأميرات ؟ ورد عليه البستاني مفزوعاً : لا ...لا ... إنها إحدى عاملات المطبخ الملكي ياسيدي . عندها تركه الأمير وانبسطت ملامح وجهه إذ ظن أنه تجرأ على إحدى فتيات الأسرة المالكة وقال الأمير : إذ ما المشكلة ؟ قال البستاني : إنها حامل وعلى وشك أن تلد ...الليلة ! قال الأمير مندهشاً : وكيف إستطاعت أن تخفي حملها كل هذه الفترة عن الجميع ؟ قال البستاني :الفتيات والطباخات في المطبخ الملكي كن يساعدنها على ذلك, ويساعدن في عدم ظهورها. قال الأمير: وأين هي الآن؟ قال البستاني: إنها في المنومة . قال الأمير وهو يجر البستاني خلفه : هيا خذني إليها .
أخذ البستاني يجر الخطى والأمير خلفه إلى الغرف الخاصة بخدم الملك خلف قصره . وعندما وصلا إلى حيث السكنات تقدم البستاني وفتح باب إحدى الغرف فإذا يخرج من الغرفة صوت تأوه وتألم . تقدم الأمير إلى داخل الغرفة حيث كانت إمرأة مستلقية على السرير وهي في المخاض وحولها نسوة من الخادمات فوقفن مباشرة مدهوشات لدى دخول الأمير عليهن الغرفة . وأحنين رؤسهن إحتراما وخوفاً. أمر الأمير النسوة بأخذ المرأة إلى مساكن خدم قصره . وذهبوا جميعاً إلى الجانب الأخر من قصر الملك حيث مساكن خدم قصر الأمير محاولين عدم إصدار أصوات تسترعي إنتباه حراس أيا من القصرين. أدخل الأمير المرأة إلى غرفة من مساكن خدمه. وأوصى خادمات قصره بكتمان الأمر والإعتناء بالمرأة. ثم أخذ بيد البستاني إلى خارج المساكن وقال له : تعلم أنك ستعاقب على فعلتك هذه من قبل كبير الخدم. فأجابه البستاني : لا أبالي بنفسي سيدي الأمير, ولكني أخشى عليها هي من العقاب أو ما هو مصير إبننا المولود؟ ترى ماذا سيفعلون ببوجابت؟ قال الأمير : هل هذا هو أسمها ؟ أجابه : نعم سيدي. وخر البستاني ساجدا يقبل قدم الأمير وهو يبكي ويستجدي الأمير والأمير يحاول منعه من ذلك. فرفعه وقال له هل تحبها ؟ هز البستاني رأسه إجابة بنعم وقال : كثيراً سيدي لم أحب إمرأة من قبل ولا يمكن أن أحب غيرها. حينها قال الأمير : لا عليك دعها معي حتى تلد وعندها أكلم كبير الخدم في أمرها لا تخف أنت و هي في حمايتي لا تقلق عندها قبل البستاني يدي الأمير وذهب شاكراً داعياً حتى دخل الأمير قصره .
دخل الأمير غرفة نومه الواسعة وهو ينادي حيث لم يشاهد زوجته : ماري ... ماري... لن تصدقي ما حصل معي هذه الليلة .
في الصباح ومع إرتفاع الشمس في الأفق وقد عكست أشعتها الذهبية على المروج الخضراء في حدائق القصور ,لاح الأمير وهو يعبر الحدائق والممرات من قصره حتى دخل قصر الملك. فمن ثم الى ديوانه حيث كان يجلس الملك على عرشه وحوله حراسه الأشداء وندمائه وحكمائه ومستشاريه وبالأخص عن يمينه وزيره الماكر الذي كان يكره الأمير ويناصبه العداء . وعند دخول الأمير للديوان ألقى التحية والسلام فأذن له الملك بيده أن يجلس فجلس عن يسار الملك وهو ينظر إلى وزير الملك كيف يجلس هناك مزهواً مغروراً ولم تزغ عيناه عن النظر إلى الأمير منذ دخوله حتى جلوسه, ولم يقاطع ذلك إلا صوت الملك يقول للأمير : كيف كانت أحداث الأمس ؟ فالتصقت شفتا الأمير وامتص لعابه حيث كان سؤالاً مفاجأ, فاستمسك الأمير حتى أجاب : مولاي لم أعي سؤالكم ,عذرا منكم ... أعني أنك حضرت مجلسنا متأخراً هكذا قال الملك للأمير وهو يتجه برأسه ناظراً إلى وزيره بابتسامه خبيثة فقال: لابد وأنها كانت ليلة مثيرة . فقال الأمير بتردد: سيدي الملك... فقاطعه الملك بإشارة من كفه أي لا داعي للإجابة وقال الملك : هذه هي حال المتزوجين الجدد. وأدار الملك وجهه إلى الحاضرين قائلاً : أليس كذلك؟ وضحك الملك فتضاحك معه الحاضرون. أما الأمير فرسم على شفتيه إبتسامة صفراء مجاملة ولاذ بالصمت .
عند الظهيرة إنفض مجلس الملك فتوجه كل من الحاضرين إلى شأنه.عندها خرج الأمير متوجها إلى قصره. وعند تلك الفتحة العشبية الفاصلة بين القصرين كان ينتظره البستاني فلما رأى البستاني الأمير توجه إليه والفرحة تقفز من صدره وقال : لقد أنجبت يا سيدي.. أنجبت ليلة البارحة لقد أصبحت أباً. وارتسمت الفرحة في وجه الأمير وذهبا معا عبر البوابة لرؤية الصغير ولم ينتبها إلى من كان واقفا على سلم مدخل قصرالملك يراقبهما. إنه الوزير كان ينظر إليهما من بعيد, ورأى ذلك منهما ولم يسمع كلامهما لبعد المسافة فأخذت الأفكار تتدافع في رأسه حيث لم يكن يسمح لخدم قصر الملك بالذهاب إلى القصر الآخر, ثم تلك الطريقة إلى كانا يتحدثان بها وسرعة ذهابهما معاً.
في الطريق إلتقى الأمير والبستاني بزوجته الأميرة جالسة في حديقة قصرها على طاولة تنتظر قدومه هناك . فتوجه اليها الأمير وأمسك بيدها وأطلق كلمه واحده من فمه في عينيها قائلاً : أنجبت. وإذ تلاقت عيناهما أغنت عن التفسير فقفزت ماري من كرسيها تعدو والأمير خلفها يتسابقان إلى سكنات الخدم ومن ورائهما البستاني. دخل الثلاثة تتقدمهم الأميرة ماري يدفعها الفضول إلى حيث ترقد زوجه البستاني بوجابت. فإذا هي راقدة على سريرها وبجانبها طفل صغير ملفوف بخرقة. فتقدمت ماري من الصغير وحملته. عندها استيقظت بوجابت لتنظر إلى الأميرة بنظرة تعبة فابتسمت لها ماري وهي تمسك بالمولود بين ذراعيها وقالت لها : صبية ؟ هزت رأسها بوجابت بنعم عندها قبلت ماري الصغيرة وخلفها زوجها الأمير يداعب أنف الصغيرة. فخلعت ماري من صدرها سلسلة ذهبية تنتهي بقلادة مرصعة بحجر كريم أخضر كبير وألبستها للرضيعة وذلك كان كل ما تتمناه زوجة لم تكمل ثلاثة أشهر من زواجهاوهو أن تصبح أماً.
في اليوم التالي إستدعى الأمير كبير الخدم وعرض أن يشتري بوجابت لتخدم في قصره ولكن كبير الخدم رد قائلاً : لم أعد مسؤولاً عن ذلك القسم من أمور الخدم, إنما أصبح الوزير هو من يحدد ملكية خدم قصر الملك ياسيدي. عندها ضاق صدر الأمير لعلمه أن الوزير بالتأكيد سيرفض طلبه لما يكنه له من بغض وعدم توافق. فقال لكبير الخدم : حسناً لا بأس أكتم هذا الأمر وسأحدث أخي الملك في الأمر. وانصرف عنه الأمير دونما يبدي مخاوفه لكبير الخدم .
الوزير استطاع أن يشتري أحد خدم قصر الأمير ليأتيه بالأخبار عن علاقة بستاني قصر الملك بالأمير, فوعده ذلك الخادم بالأخبار الكاملة. إنقضى ذلك اليوم على ذلك وفي اليوم التالي ما بين اجتماعات الملك ومحادثاته وكالعادة حتى الظهيرة رجع الأمير إلى قصره وذهب هو وزوجته ماري للاطمئنان على ضيفتهما الصغيرة .
خرج بالليل أحد خدم الأمير لملاقاة الوزير فأخبره بالموضوع وما حدث من أمر البستاني مع الأمير, ومن نية الأمير الطلب من الملك نقل ملكية بوجابت إليه. فأجزل الوزير له العطاء وانصرف الخادم مسروراً. وبعد قليل خرج الأمير لملاقاة الملك كالعادة يتسامران قليلاً قبل أن يفترقا للنوم. فدخل على الملك المكتبة فقال له الملك : هل رأيت المرصد الذي بنيته؟ رد الأمير : ليس تماما سيدي . فقال الملك : إذا تعال نذهب لتفحصه. تقدم الملك والأمير من خلفه حتى خرجا إلى ربوة عند إحدى زوايا حديقة القصر حيث شيد هناك برج عالي. وإذهما في الطريق قريبا من البرج لحق بهما الوزير فتسلق الثلاثة سلم ذلك البرج من داخله حتى أعلاه حيث غرفة المرصد. فتوجه الملك إلى قطعة نحاسية كبيرة ذهبية اللون ذات حلقات ومسننات مطلة من فتحة كبيرة في الغرفة نحو السماء. فقال الملك للأمير : هل تعلم ما هذه يا نحميا ؟ تقدم الأمير يتفحص تلك الدائرة الذهبية ذات الدوائر الداخلية الصغيرة وعليها نقوش ورموز وأعداد. والوزير ينظر إليه من خلفه فقال الأمير : أظنها هذه هي التي يقرأ بها كتاب السماء سيدي. فتقدم الملك الى حيث يقف الأمير بجانب القطعة وهو يقول فرحاً بالإجابة :أصبت, إنها ما نسميه الإسطرلاب, بها نعرف المسافة بين النجوم والكواكب, وإرتفاعها وهبوطها, وكلها معلومات مسجلة منذ القدم, وعن طريق هذه الأداة نستطيع تحديد إسم ذلك النجم أو الكوكب. ثم قال الأمير للملك : الحقيقة هناك ما أريد أن أسالك أن تلبيه لي يا مولاي, وأرجو ألا يخيب رجائي... وكان يريد أن يفاتحه في موضوع بوجابت ولكن الوزير قاطعهما بسرعه قائلاً : مولاي الملك هذه الكتب التي أمرت أن نحضرها من مكتبة قصركم, كلها هنا. وكانت هناك طاولة وأرفف وضعت عليها بعض الخرائط السماوية والأوراق. فتنبه الملك إليها وأخذ يتفحصها فقال : نعم كلها هنا. ثم وقف الملك عند الطاولة حيث وضع عليها ذلك الكتاب الضخم . ففتحه وقلب صفحاته والأمير من خلفه ينظر إليه مندهشاً من عدم مبالاته بشيء آخر غير كتبه. ثم قال الملك : ياأخي الصغير هل تعلم من صاحب هذا الكتاب العظيم ؟ أجابه الأمير بتحفظ : تعلم يا مولاي أنه ليس لدي شغف بالنجوم وكواكب السماء كما لمولاي الملك الخبرة الواسعة في هذا المجال وخبرة أوسع بالكتب. رفع الملك بصره من على الكتاب ونظر إلى وزيره وكأنه يحول السؤال إليه. فتنبه الوزير و قال : إنه كتاب سليمان يا مولاي ... سليمان الملك. فقال الملك : نعم نستطيع أن نقول أنه لسليمان, أو الأ صح أنه أحد كتبه, لقد كان للملك سليمان وزيراً يقال له آصف بن برخيا بن شمويل, وكان يعلم الإسم الأعظم ويكتب كل شئ بأمر سليمان ويدفنه تحت كرسي عرش سليمان, فلما مات سليمان أخرجت الشياطين تلك الصحائف والكتب فكتبوا بين كل سطرين سحراً, وقالوا للناس هذه كتب سليمان. ووضع الملك أجمنون يده على الكتاب قائلاً : وهذا أحدها , وقد كان خاتم سليمان الذي حكم به الإنس وخضعت له الجن به, وسخر به الطير والوحش والرياح والأمطار, يحتوي على سبعة أحرف هي سر ذلك الخاتم, وقبل موته وزع تلك الأحرف على سبعة مدن, وضع في كل مدينة حرفاً في مفتاح منها. وأشار الملك بيده إلى الإسطرلاب قائلا: وهذا سبب بناء هذا المرصد. ورجع الملك إلى الكتاب وفتح فيه صفحة وقال : فقد ذكر هنا أن بإجتماع هذا الكوكب مع هذا النجم وذلك لا يحدث إلا كل عدة قرون من السنين, فإذا حدث وجامع الرجل زوجته في ساعة إقترانهما فإنها تنجب ولداً يستطيع أخذ وفك تلك المفاتيح السبعة, وهو فقط الوحيد الذي يستطيع أن يخرج تلك المفاتيح من أقفالها, ولا غيره يمتلك تلك المقدرة. وكان الملك يقول ذلك وأعين الأمير والوزير مستغرقه بين تكذيب وتشويق حتى صدمهما الملك بالقطع قائلا : وذلك الرصد هو الليلة, بعد منتصف الليل في الساعة السادسة تماما. وأشار بيده إلى القطعة النحاسية قائلا : كما أوضح ذلك كتاب السماء بهذا الإسطرلاب. ثم توجه الملك إلى الحائط وكانت هناك خريطة معلقة للمدن السبعة من ضمنها مدينته زيتا. فوضع الملك إصبعة على مدينة( زيتا) وكانت أول الخريطة وقال : هذا نحن. وأشار بيده إلى المدن الستة الأخرى قائلاً: وهذه المدن السته, فبعد أن يتم لنا ذلك نزحف على هذه المدن ونأخذ مفاتيحها. والتفت الملك إلى الإثنين من خلفه وهما كأنهما يستمعان إلى قصة خرافية حتى قال الأمير : وهل نملك نحن أحد هذه الأقفال ,أعني المفاتيح السبعة ؟ قال الملك : نعم ومن يملكها كلها يملك الملك السليماني. وفتح الملك ذراعية بوسع قائلا : أي العالم كله تحت تصرفه . هبط الجميع من البرج وانصرف الملك إلى قصره واثقا مما خطط له. ولم يكن حال صاحبية كذلك. فقد بدت في رأسيهما وكأنها قصة أسطورية مبالغ فيها.