المقدمة:
من حكمة الله عز وجل أنه خلق الناس متفاوتين في كل شي ومن بين ذلك تباينهم في الأصل ظهر بسبب ذلك في بعض المجتمعات ما يسمى بالطبقية والعنصرية ومنها مجتمعنا الخليجي حيث توجد الطبقية في كل مجتمع، أقرها من أقرها، ورفضها من رفضها، إلا أنها واقع معايش كم تقابلت وتضاربت وتراشقت من خلاله الأفراد والمجتمعات، ولو لم تكن بالضرورة صحيحة، أو حتى منطقية، فليس الكل يأخذ بالمنطق، كما أن ليس الكل يتفق على منطق واحد.
وبالتالي نجد أن الطبقية أخذت صورا مختلفة حسب كل مجتمع ، فالمجتمع العربي يختلف عن مجتمع غير عربي ، ومجتمع قبلي يختلف عن مجتمع حضري ، فإذا تشكل مجتمع ما من عرقيات ، أو فئات مختلفة ، فتتشكل ثقافته من ثقافة هذه العرقيات ، أو الفئات مجتمعة ، وإنما يكون تأثره بالفئة الأكثر تأثيرا ، وليست بالضرورة أن تكون هذه الفئة هي الأكثرية .
نتج من ذلك جدلا كثيرا وكبيرا نتجت عنه مصطلحات مختلفة، ويختلف تفسيرها ، أو تعليلها نتيجة لاختلاف المجتمعات والثقافات. فقيل أن الخضيري في نجد ، هو ذلك الذي لا ينتمي إلى قبيلة عربية "على وجه اليقين" . بينما الخضيري في الإحساء القريبة من نجد ، يطلق على قدامى سكان الإحساء ممن توارثوا مهنة من المهن ، كما يطلق عليهم أيضًا "الصناع" ،هذا طبعا بصرف النظر عن معرفتهم أو جهلهم بأصلهم القبلي.

في حين أن مصطلح بيسري وهو الاسم المكافئ لاسم الخضيري في بعض بلدان الجزيرة العربية حسب بعض مفردات التعريف. حيث نجده انه غير شائع في الإحساء ، أو نجد ، وذلك بسبب أنه نشأ في مدن الساحل الهندي كما يقال، ومن ثم شاع في مجتمعات الساحل ، كالبحرين ، قطر ، الكويت ، وربما سيراف على الخليج الفارسي ، وذلك أن العرب عندما يذهبون إلى هناك بقصد التجارة ، يتزوجون من نساء ذلك الساحل ، فيطلق على أبناءهم من تلك النساء مصطلح "بيسري" لتمييزهم عن العرب من جهة الأبوين ، ولذلك شاع استخدامه في مدن الساحل ، بفعل الاتصال عن طريق التجارة وغيرها .

الحقيقة المجهولة:
تصفحت في الكتب الحديثة وفي المواقع الالكترونية والمنتديات بشبكة الانترنت عن قبيلة البياسر والتي سمعت عنها منذ نعومة أظافري ولكن وبحق لم أجد منصفا لهم لا ادري سبب ذلك هل هو لأسباب عدائية لهم أو حسد منهم علما إن هناك الأكثرية الهائلة من هذه الفئة في كل مجتمعات الجزيرة العربية ومنها الخليج العربي كما أنها فئة منتجه يتصف أهلها بالعمل والعلم و الدين ولهم دورا كبيرا في تنمية أوطانهم التي ينتمون إليها ولكنهم لم ينصفوا وكل ذلك بسبب شح المصادر وعدم وجود توثيق صادق ودقيق للحقائق القبلية القديمة.في المنطقةِ.فقيل عنهم أنهم أناس غير أصليين وقيل أنهم اقل من الخدم وقيل عنهم الكثير مما لا يقبله عقل ولا يرضى به منطق ولا ضمير.
إن كتب التاريخ العربي لم تنقل الواقع التاريخي بصورة واضحة تجعل عند القارئ الصورة الكاملة الوافية وذلك نظرا لما مر على شبه الجزيرة العربية من ظروف الحروب وظواهر طبيعيه أدت إلى عدم ازدهارهم الثقافي بصورته الصحيحة وان من بين الفئات التي لم تنل حقها هي فئة البياسر.
البياسر هم جماعة كبيرة من عرب الخليج فقد قيل عنها الكثير من الكلام ولكن إليكم ما يقبله العقل وتستسيغه النفس فما ورد في كتب التاريخ وما علمناه نتيجة البحث والتمحيص من أهل العلم والدراية بالتاريخ هي عدة أقوال منها.

• القول الأول: قيل أن البياسر هم أسرى الحروب خلال الفتوحات الإسلامية القاطنين جزيرة العرب وبالأخص سلطنة عمان.
ويؤكد ذلك عددهم الكبير في معظم القبائل المهاجرة العربية القديمة بعد انهيار سد مأرب حيث تذكر الرواية الشهيرة التي ذكرتها بعض المصادر العمانية وما يتناقله المثقفون من هذه الفئة أنهم سكان عمان الأصليين اختلفوا مع القبائل العمانية القديمة فتحالفت عليهم القبائل العمانية وحاربتهم ثم غنيمتهم كأسرى حرب وتقاسمتهم فيما بينها وهذه الرواية ربما هي الأقرب إلى الحقيقة ولكن لا يمكن قبوله بدون مزيد من النظر والتأمل. حتى أن بعض قبائل البياسر في عمان لا يزال محتفظا باستقلاليتها دون الانتماء لأي قبيلة وكان لبعضها صولة وجولة في فصول التاريخ العماني العريق بل حتى البياسر الموجودون في القبائل العمانية لهم صلاحيات كبيرة تتحدى حدود السبي أو حتى أسرى الحروب فلا تعقد الألوية في الحروب القديمة ولا يفصل في المسائل القبلية بدونهم وبإذنهم بل أن بعضهم من تزوج حتى من بيوت الشرف في القبائل التي ينتمون إليها ويمثل بعضهم بعض ادوار شيوخ قبائلهم بإقرار من القبيلة نفسها و هكذا الأمر الذي يؤكد عدم دقة المعلومات عن هذه القبيلة.
والسبب الثاني هو أنه في اللغة العربية وجه من القبول من حيث يمكن أن تقلب الباء ميما و الميم باء. فاسم مكة جاء ورده في القران الكريم باسم بكه أي تقلب الميم إلى الباء. وكذا في كلمة مأسور يمكن نطقها بأسور.

• القول الثاني: جماعة البياسر هم جماعة من قبيلة ما انفصلوا عن جماعتهم وانظموا ووالوا قبيلة أخرى لأسباب اجتماعية أو سياسية أو دينية. وان هذه الموالاة ليست بموالاة رق واستعباد كما يفسرها البعض فهم لم يتم شراءهم أو بيعهم كالعبيد ولكن والوا تلك القبيلة بإرادتهم وباتفاق بينهم وبين القبيلة التي انضموا إليها. ولكن مع مرور الأيام انقلبت تلك المفاهيم وتغيرت مما أدى إلى إهدار حقوق البياسر وتصنيفهم في ما هم عليه.
• القول الثالث: ورد ذكرهم في كتاب الهمداني " صفة جزيرة العرب " على أن البياسر هم قبيلة كانت ساكنة منطقة ريسوت بجنوب عمان حيث نهكتهم قبيلة من الازد وترأستهم. وهذه الرواية تساند ما جاء طرحه في القول الأول.
• القول الرابع: وورد ذكرهم في مروج الذهب على أن البيسر هي صفة كانت تطلق على كل مسلم يولد في بلاد الهند. وهذا ما يوافق على الأغلب القول الذي يقول بأنهم أبناء العرب من نساء غير عربيات ، وليس الرجل نفسه ، أو أخوته وجماعته وإنما لتمييزهم عن العرب من جهة الأبوين ، ولذلك شاع استخدامه في مدن الساحل ، بفعل الاتصال عن طريق التجارة وغيرها .

من كل هذه الأقوال يتضح على أن البياسر ليسوا بخدم أو اقل من خدم كما تزعم معظم القبائل العربية وحتى من بعض رجالات الدين الذين استثارتهم العاطفة وقدموا العرف على الدين. فإذا جئنا لنظرة الدين ورأي الإسلام, فان المجال لا يتسع إلى ذكر أدلة القران الكريم وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم وسلفه الصالح والتابعين من بعدهم. فلنا في رسو ل الله والصحابة الأسوة الحسنة في التعامل مع الطبقية التي كانت سائدة في زمانهم حيث ذكرت سيرتهم بشكل مستفيض في كتب السير و الفتاوى وغيرها.
و في النهاية بجدر بنا أن نشير إلى مقولة الفاروق عمر ابن الخطاب رضي الله عنه حين قال لعمر بن العاص :" متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا".

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته


المراجع:
1. كتاب الهمداني " صفة جزيرة العرب". ص92
2. كتاب مروج الذهب