مصباح الهدى



لم تكن تعلم إن عجلة القدر توقفت عندما تم زواجها من هلال ، تفاجئت مشاعل
بتصرفات زوجها ، إنه يحب السهر خارج المنزل كثيرا ، عصبي المزاج في
الغالب ، والمصيبة الكبرى إنه يتعاطى الخمور ...
يا إلهي هل أستسلم لهذا القدر المخيف ، أم أطلب الطلاق واتخلص منه نهائيا ..
لا لن أستسلم بهذه السهوله ، لعل هناك طريقة في إصلاح هلال ..
فكرت مشاعل كثيرا ، واستعملت كل الطرق والاساليب في محاولة تعديل سلوك
زوجها ، تارة بالحب ومرات بالتهديد ، ولكن كل ذلك كان يتبخر ويتحول كل مجهودها
الى سراب مع اول رشفة من الخمر الملعون ...

(في بيت جارتها)ذات يوم ذهبت لزيارة جارتها أم كمال ، وبدأت تشتكي من هلال ومشاكله مع الخمر
وكيف إنه صار يسهر خارج المنزل كثيرا ، ولا يهتم لأمور الاولاد ، فبكت كثيرا ،
فتاثرت أم كمال لبكاء جارتها جدا ...
فقالت لها : إسمعي يا مشاعل هناك ربما أمل صغير في تحسين وضع زوجك ، سمعت عن عشابا في السوق ، إسمه خيرالله ، يمدحه كثير من الناس ، لوصفاته وحكمته في كثير من الامور ، ولا يكلفك ذلك درهماً...
فإذهبي عنده وإطلبي منه العلاج او أي طريقه لكي يساعدكي في تعديل سلوك هلال .

سمعت مشاعل كلام جارتها ام كمال ، وذهبت في نفس اليوم عند العشاب خيرالله .
وعند العشاب إشتكت وبكت كثيرا وإستنجدت به في مساعدتها لتغيير طباع زوجها.
رق قلب العشاب لحالها وتأثر كثيرا وحمد الله إن هناك نساءً يالفعل لا ييأسن في الحياة بسهولة وفي نفس الوقت إنهن صبورات مثابرات في الاخلاص ..

فقال لها العشاب خير الله : يا إبنتي أريد منكي شيء صغير ، أريكي أن ترسلي زوجكي عندي يوم الجمعه قبل صلاة الظهر بقليل ...
فقالت مشاعل : صعب جدا بأن يرضى في المجيأ إليك ..
قال لها العشاب : لا اراكي الله صعبا بعد اليوم ، يا إبنتي قولي لزوجكي ، إن هناك عشابا في السوق يوزع الفلوس قبل صلاة الجمعه ، فإذهب واحصل لنا منه شيئاً..
ردت عليه مشاعل بشيء من الفرحه : حسنا ، سوف أخبره واتمنى مجيئه عندك ...

في نهار يوم الجمعه ، كانت مشاعل نشيطه جدا ، جهزت الحمام لزوجها ، ومن ثم طبخت له الفطور ، ولم تشتكي امامه ولم توبخه كالعاده ، بل كانت هادئه مبتسمه
وبشوشه ... وإنتهزت أفضل وأحسن الفرص ...
حينها قالت لزوجها : سمعت إن عشابا في السوق يدعى خيرالله يوزع الفلوس مجانا لوجه الله كل يوم جمعه قبل الصلاة في دكانه ، ولكن للأسف أنت لا تذهب إليه للحصول على بعض الفلوس ، لكان ينفعنا لعدة ايام على الاقل ...


فتوسعتا حدقتا عيني هلال وبعده قال : هل أنتي متاكد من كلامك ؟؟؟
فردت عليه كأنها غير مكترثه : نعم يا زوجي ...
فأصبح هلال في حلم وامل جميل ، وقال في سره ، سوف اذهب الى العشاب وآخذ منه الفلوس وتكون الليله سهرتي جميله مع الخمر والطرب والرفاق ...
وبعد قليل غير هلال ملابسه ورتب هيئته وخرج من المنزل قاصدا دكان العشاب.

( في دكان العشاب )
هلال : السلام عليكم يا ايها العشاب الطيب سمعت إنك كريم وتوزع الفلوس لوجه الله
نظر العشاب إليه وبحكمته عرف إن هذا هو زوج مشاعل ، لأنه لم يخبر أحد إنه يوزع فلوسا سوي شخص واحد وهي المرأة المنكوبه مشاعل .....
فرد عليه العشاب : وعليكم السلام يا ولدي ، إسترح قليلا وإشرب شيء من الماء حتى ارى كم بقى في جيبي من الفلوس ..
فأخرج العشاب ما بجيبه .. ومن ثم قال ، وا أسفا يا ولدي ، لم يبقى الكثير معي ، هذا
شيء قليل ، ولكن لا تجزع ولا تحزن ، خذ هذا ودعهم في جيبك ، ومن ثم نذهب لصلاة الجمعه ولما نخرج من المنزل ، نذهب سويا الى بيتى القريب من المسجد وهناك إن شئت تتغدى معي فمرحبا بك ، وإن شئت أن تأخذ با قي الفلوس فأعطيك وتوكل على الله .....
حين إستلم هلال جزء من المال فرح كثيرا ، فقال هذا العشاب كريم جدا ، سوف اذهب معه وأتظاهر بالصلاة معه وبعد ذلك استلم با قي الفوس...

( في المسجد )
توضأ الرجلان العشاب وهلال الخمار معا ، دخلا المسجد ، وصلى السنن ،
وانتظرا الامام للخطبه ، وتم التكبير الثاني ...
صعد الامام المنبر ....
دهش هلال حين شاهد ذاك العشاب العجوز المتهالك يصعد المنبر لخطبة الجمعه
( في خطبة الجمعه )
بعد أن صلى خير الله على سيد المرسلين وأهل بيته الكرام وصحابته الاخيار
قال : يا قوم اليوم أمتحن شيبتي وجسدي المتهالك في وجهكم جميعا ، الصغير والكبير فيكم ، واتحدى أن تكونوا شجعانا في صدقكم واماناتكم مع ربكم ..
أتحدى أي شارب للخمر بالسر او بالعلن ان يقف في وسط المسجد ويقول انا شارب للخمر ... نعم انا اتحداه أن يقف بالمسجد الان ويقول أنا شارب للخمر ويعلن ذلك أمام الجميع

( صار صمت مطلق في المسجد ، الكل بلتفت ، جميع الذين يشربون الخمر شعروا كأن فوق رؤوسهم طير يشير إليهم بأنهم شاربي الخمر ،)واصل العشاب الامام خير الله خطبته قائلا : إسمعوني يا جبناء ، لقد هزمتكم انا العجوز وخفتم مني انا ، انا المشرف على الموت ، ولكنكم لم تخافوا من الله العظيم ، أليس هذا عارا عليكم ان تخافوا من البشر وتخجلون منهم ولا تخجلون من الله عز وجل ...


أنتم الان مثل من يرضى ان تهتك عرضه ويغض البصرعن ذلك ، لأنه لا يستحي من الله ولا يخافه ، ومن لا يستحي منكم على نفسه ، فالبتأكيد لا يستحى على عرضه وشرفه ...
تأثر كل من كان بالمسجد ، وأكثرالمتأثرين كان هلالا ، لأنه أحس كم كان مذنبا في حق نفسه وحق ربه وأحس بالغيرة تقتله ، وكيف لا ؟؟ ألم يقل الامام إن شارب الخمر فاقد للحياء والغيره ....
ومن دون ان يشعر كانت عيناه تدمعان .. وواصل سماع الخطبه حتى النهايه ، وصلى الجماعه مع المصلين ومن ثم وقف عند باب المسجد ينتظر العشاب ..
وبعد قليل كان العشاب قادما نحوه ببطىء ، فإذا بهلال يذهب نحوه مسرعا ويقبل رأسه ويديه والدموع في عينيه ...
فقال له العشاب ، لنذهب الى المنزل ونتغدى و بعد ذلك أعطيك باقي المبلغ الذي وعدتك ...
قال هلال والدموع في عينيه : لقد أعطيتني أغلى من الفلوس ، لقد شققت قلبي وأخرجت الشيطان منه بوعظك وخطبتك الطيبه وجزاك الله خيرا ، وهذه الفلوس التى اخذتها منك ارجعها لك ، لأني لم آخذها منك إلا لشرب الخمر .... وسامحني على إني كنت جبانا في المسجد ولم أستطع ان اقف واعترف إني شارب للخمر .

نظر العشاب الى هلال وشاهد مصباح الهدى قد أنار وجهه وان شعور الندم مرسوم على وجهه ..
فقال العشاب : ستأتي معي الى منزلي ، نتغدى معا ، ومن ثم أعطيك بعض الفلوس لكي يعينك الله في حياتك ، وعندي مطلب لديك إن كنت بالفعل تبت الى الله ..
فرد هلال : بإذن الله لن اعود لشرب الخمر ما حييت ..
فقال له خيرالله : يا ولدي انا كبرت في السن ، ولا أقدر ان أقسم وقتى بين المسجد والدكان ، فأريد منك ان تدير الدكان وتحصل على نصيبك من اجر شهري وانا اتفرغ للمسجد ...
قشهق هلال وذرفت دموعه على خده بغزاره وهو لا يصدق ذلك ..
فقال للعشاب انا موافق على كل ما تطلبه مني ..
فسارا معا الى منزل العشاب بعد إصراره على ان يتغدى معه وفي الطريق قال
له ، يا بني بعد كل صلاة إشكر الرحمن الذي أعطاك زوجة صالحه صبوره ..
فقال هلال : إن شاء الله يا أيها الرجل الطيب ...........

عبدالعزيز بن علي البلوشي

يعطيك العافيه
ومشكور ع القصه والمشاركه
يا بو ااالسلط

قصة مؤثره جدا..
الحمدلله ان هداه وربي يهدينا اجمعين..
ابو السلط
شكرا لطرحك الجميل ..