في إحدى العروض المسرحية شدت إنتباهى ضحكة قصيرة متقطعة وبنغمة خاصة ‍ .. وعلى الرغم من أن طبيعة دوري في المسرحية لا تسمح لي باقامة أية صلة بالجمهور ،لكن تلك الضحكة المتفردة استوقفتني لحظات ..صاحبها يجلس في الصف الأمامي يصغي بصمت ، يضحك بعمق ، يمتعض ، يرفض ، يتلفت يمنة ويسرة ،ينوع أساليب جلوسه على المقعد ،يصفق يتحسر يتململ ويغفو أحيانا في الأسابيع الأولى من العرض لم يغير مقعده الملاصق لخشبة المسرح .. في الشهر الثالث ، انتقل الى الصف الثاني فالثالث ثم اختفى ليظهر بين يوم وأخر في أماكن متفرقة من الصالة .. في الفصل الأول من المسرحية تارة وفي الثاني تارة اخرى ... ويكتفي أحيانا بمشاهدة جزء من الفصل الاول والثاني ثم يختفي بهدوء فافتقده
لقد كان بحق باروميتر العرض ..فحالاته تعكس إيقاع الحياة الأخرى التي نجسدها على الخشبة .. ذات يوم وقبل فتح الستارة فاجأني خلف الكواليس بقبلة حارة وبكلمات متلعثمة ، قال " أنا سالم ..أحبك " .
وجلس بجانبي فيما راحت أنظاره تستعرض وجوه الممثلين الأخرين ببرود واضح عرفت بعدها أن الله قد ابتلي سالم بمرض عقلي منذ نعومة أظفاره التي استطالت وتصلبت بمرور الزمن ومع ذلك ظلت الأصوات القاسية تطارده وتاسره بقيد رهيب "سالم المجنون ..سالم المجنون "
في تلك المسرحية كنت أمثل دور رشيد المنصور ، رجل كادح بسيط يتعرض لظلم اجتماعي ، صادق كريم ، النفس وفي يعمل باخلاص قنوع يتالم بصمت يتوتر بهدوء لينطفىء بعنف ... فهل كان رشيد المنصور هو ما يربطني بسالم هذا ؟ هل كان رشيد نفسه أم نجم الدين الممثل هو ما يشد سالم للخشبة ؟ لقد استفزني سالم بعمق من خلال الكم الهائل من الأسئلة التي تبحث عن إجاباتها بتعب يبعث في النفس اللذة والأسى معا ... وفي الأسبوع الذي انقطع فيه سالم عن ارتياد الصالة تقرر ايقاف عرض المسرحية نهائيا... ورحنا جميعا نبحث عن سالم في شوارع المدينة دون جدوى لقد رحل سالم وترك لنا الجنون .

نضال

سيدة الحرف ( نضال ) //

كان لا بد من رحيل ( سالم ) و لا جدوى من

رحلة البحث عن المجنون ... ربما كان قريباً من خشبة المسرح


نضال //

روعة و دقة في اختيار الألفاظ ... الغموض يسيطر على النص

وما يعطي النص اسلوب التشويق و الاثارة للقارئ


نضال //

واصلي سيدتي و الحرف هنا يسجد لمقام ابداعك

سنكون بالقرب ... كوني بخير

كان لابد من رحيل سالم
لنحس بطعم الجنون
سيدي قيس"
الخير يعم المكان
بوجوك