منتديات جعلان > جعلان للشعر والترفيه > جعلان للقصص والروايات | ||
بيـــــــــن الصحـــــــــــــراء والمــــــاء |
الملاحظات |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
جعلاني متميز
![]() ![]()
![]() غير متواجد
|
بيـــــــــن الصحـــــــــــــراء والمــــــاء
بين الصحراء والماء ذات فجر صحراوي شتوي ندي ببرودة ريح الكوس ، سرت في ذلك الوقت المبكر من اليوم حركه غير مألوفة في وادي المر : قرية نائية صغيره تسمى بذلك الاسم على خلاف طبيعتها البكر ومذاق مياهها العذبة ونقاء هوائها واتساع فيافيها..... تقع على تخوم الرمال الشرقية من صحراء الربع الخالي تلك التي تسكنها الريح والخواء في الأرض والسماء . وعلى أصوات جعجعة الجمال ورغائها ، استيقظت القرية من نومها الهاني ، ودب النشاط في أوصال ساكنيها ، جاء رجالها ونساؤها لمساعدة أهلي على تجهيز الأمتعة والمقتنيات وربطها على ظهور جمال القافلة التي ستقلنا إلى مدينة صور . كان صبحا حزينا لا كغيره من صباحات تلك القرية الوديعة الهاربة بعيدا في عمق الصحراء عن صخب الحياة العصرية والمتخفية بين كثبان رمليه يستعصى على غير البدو عبورها .. ذرفت فيها النساء الدموع ، وأجهش بعضهن بالبكاء عندما أخذ الرجال يساعدون أمي وأخواتي على اعتلاء ظهور الركائب . وبعد رحلة استغرقت يوما ، وعند مصب وادي شياع على الساحل الممتد بين مدينة صور ورأس الحد ، حيث يلتقي بحر العرب وخليج عمان ، قرر المكاري التوقف للمبيت . فرغم قصر المسافة إلى المدينة ، إلا أن الطريق الساحلي المؤدي إليها يصعب تجاوزه ليلا خاصة بعد هطول الأمطار التي تمطر سيولها المنحدرة بشدة طرق القوافل بالصخور والطمي ، ويتطلب عبور تلك الشعاب مهارة قد لا تتوفر في كل مكار أو صاحب قافلة ، ويشكل قطعها ليلا مجازفة محفوفة بمخاطر كثيرة. وبعد رحلة استغرقت يوما ، وعند مصب وادي شياع على الساحل الممتد بين مدينة صور ورأس الحد ، حيث يلتقي بحر العرب وخليج عمان ، قرر المكاري التوقف للمبيت . فرغم قصر المسافة إلى المدينة ، إلا أن الطريق الساحلي المؤدي إليها يصعب تجاوزه ليلا خاصة بعد هطول الأمطار التي تمطر سيولها المنحدرة بشدة طرق القوافل بالصخور والطمي ، ويتطلب عبور تلك الشعاب مهارة قد لا تتوفر في كل مكان أو صاحب قافلة ، ويشكل قطعها ليلا مجازفة محفوفة بمخاطر كثيرة. وعلى صوت أذان المكاري لصلاة الفجر، وإن تأخر كثيرا عن موعده، نهضت من النوم مذهولاً من اتساع البحر وبعد أفقه، وراقبت بعينين ملؤهما الدهشة للشمس وهي تبزغ من الماء بعد أن ظننت طوال سنوات طفولتي أنها لا تطلع إلا من خلف الكثبان الرملية! وكنت أظن أن الصحراء فقط لا حجوج لها، لكن تبين لي فيما بعد أن لا شيء أوسع من البحر ولا شيء أكثر إثارة منه. وسرت نحو الماء على عجل .. اقتربت أكثر فأكثر من هذا العالم الواسع الذي صنعت له في مخيلتي عوالم أسطورية وصورا غريبة من خلال حديث أبي الدائم عن البحر والبحارة .. عن الأسفار والمخاطر التي تتعرض لها السفن وهي تمخر عباب البحر في ذهابها وإيابها من وإلى مرافئ ومدن بعيدة!.. وحيث يلتقي البحر اليابسة، جلست على ركبتي وطبعت كفي على التراب الرطب قبل أن أقفز إلى الخلف مبتعداً عن شفة الموج وهي تسح زبد غثائها على وجه التراب!.. تابع >> الصفحة الثانية
|
جعلاني متميز
![]() ![]()
![]() غير متواجد
|
![]()
أما عندما يأتي على ذكر أسماء السفن وأنواعها: البغلة والسنبوك والبوم، والغنجة أو عروس البحر كما كان يحلو له تسميتها، فإن من يستمع إليه لا يمكنه إلا أن يشعر بالعشق الذي يكنه للبحر والسفن وحين يغالي في وصفها ويستطرد، يغدو حديثه حينئذ وكأنه يصف مخلوقات" حية لها قلوب تنبض وعيون ترى وآذن تسمع!
وطوال تلك الجلسات التي تمتد أحياناً إلى منتصف الليل، كنت أتوسد فخذ أبي وأتدفأ بردائه وأنا أصغي بشغف لقصص البحر والبحارة وأتابع حديثه الجذل عن "عروس البحر" المتماهية كبرا بهيكلها الانسيابي الضخم ونقوش مؤخرتها وزخارف أكليل رأسها البديع وصلابة بدنها وقدرتها على شق الأمواج والسير عكس الرياح والتيارات البحرية! كان البدو يجلسون وهم يصغون إليه بانتباه شديد، لكنهم لا يكفون عن مقاطعته والاستفسارعن مفردات لم تألفها أذانهم، أو جوانب يصعب عليهم بحكم بيئتهم تخيلها. وكانوا يلفون أجسادهم الهزيلة . إذا كان الوقت شتاء . بأردية نسجتها زوجاتهم من صوف الماعز أو وبر الجمال، ويدسون أقدامهم داخل "زرابيل" (1) ويدفنوننها تحت الرمل الناعم بحثا عن دفء حرارة الشمس التي يحتفظ بها الرمل خلال فترة طويلة بعد غيابها. وكان الحديث يطول ويتشعب ولا يتوقف حتى يذكر من يهم بالمغادرة الجالسين أن " كل علة وأبوها البرد" ! *** بعد مضي ثلاث سنوات على ذلك الصباح حين وقفت أتأمل الشمس بعينين مفتوحتين على وسعهما وهي تبزغ من بحر العرب، وفي مدرسة المرقاب الابتدائية بدولة الكويت ، قال مدرس مادة "الاجتماعيات" لتلاميذ الصف الرابع الابتدائي وهو يسحب إصبعي إلى اليمين قليلا إثر طول بحث عن موقع مدينة " صور" بعد أن حددت موقع عمان على خارطة الوطن العربي المعلقة على أحد جدران الفصل: "إنها أول أرض عربية تطلع عليها الشمس". فتذكرت ذلك اللقاء الصباحي المدهش حين طبعت يدي على التراب الرطب ووقفت أتأمل الشمس وهي تثير أشعتها الذهبية على وجه الماء . وفي سري تساءلت من يدري؟. لعلي كنت أول صبي عربي تلامس الشمس صفحة خده ذلك الصباح!، وعرفت من المدرس أيضا أني كنت أقف على مرمى حجر من أكثر خطوط الملاحة أهمية حيث تمر فيه أكثر من نصف صادرات العالم من النفط حينئذ! *** مثله في ذلك مثل غيره من جوّابي البحار الذين يعتقدون أن سفن الماء تصنع الرجال وتقرب الأرحام مثلما نفعل سفن الصحراء، قرر والدي أن الوقت حان لتعليمي بعض مهارات الإبحار والتعرف عن كثب على البحر، ولم يكن ثمة أفضل وسيلة لخوض تلك التجربة على ظهر سفينة العائلة الملقبة بـ (( صوت العرب)). وهي سفينة شحن ونقل ركاب تبلغ حمولتها حوالي 150 طناً، وقد اشتهرت خلال الستينيات وأوائل السبعينات بسرعتها ومهارة بحّارتها .. خاصة في حركة نقل المسافرين والبضائع بين مسقط وصور، ولهذا أطلع الصوريون عليها ذلك اللقب نسبة إلى إذاعة ((صوت العرب)) التي كانت تبث حينئذ من القاهرة وتسمع على نطاق واسع في العالم العربي، والتي اشتهرت بسرعة إذاعة الأخبار قبل غيرها من الإذاعات. كان الوقت ظهرا عندما تعاون البحارة على سحب المرساة أو ال(( أنجر)) (2)( وهم يغنون واحدة من (( شلات الباورة )) (3) وقبل ادارالدفة شرقا، وكعادة بحارة (( صوت العرب)) دائما، أدار الـ(( سكوني)) (4) مقدمة السفينة نحو اليابسة ثم استدار إلى اليسار وقادها بمحاذاة شاطئ أم قريمتين (5) (( الحي القديم من مدينة )) في حركة استعراضية لتوديع أهلنا والجيران من الأحياء المجاورة الذين اصطفوا على طول ساحل ((مخرمة)) وهم يلوحون بأياديهم مودعين، وأجهشت النساء اللواتي وقفن على أسطح المنازل بالبكاء، وأثناء ذلك كنت أجلس في مكان مرتفع حيث يلتقي الفرمال بالدقل (5) .. أراقب ما يدور على ظهر السفينة وألوح بيدي لنساء وأطفال بيتنا اللواتي اخرجن أذرعهن من بين قضبان الحديد في نوافذ السبلة المطلة على البحر. وعندما بلغت السفينة حلق خور البطح (6)، أدار السكوني دولاب الدفة بسرعة إلى اليسار وأبقى السفينة تسير بمحاذاة الممر الضيق للخور حتى تجاوزت رأس (( الميل )) وما كاد السكوني يدير الدفة يمينا حتى أسرع أجد البحارة بإنزال الـ (( بنديرة )) (7) دلالة على بدء الرحلة. ومن هناك أبحرت صوت العرب شرقا باتجاه رأس الحد مرورا بشياع وخور الحجر وخور جراما ومنطقة رأس الحد في أول رحلة لها إلى المكلا باليمن تابع الصفحة الثالثة >>>
|
جعلاني متميز
![]() ![]()
![]() غير متواجد
|
![]()
ذكريات لا تُنسى
لم يكن نومي الأول على ظهر سفينة صوت العرب ليمر دون أن يترك لي ذكرى لا تنسى، فالأمر لم يجر. بالنسبة لي على الأقل . مثلما أردت. وبرغم أن هذه الرحلة البحرية ليست الأولى لي، فقد سبق أن سافرتُ في صوت العرب مرتين بين مسقط وصور، إلا أن البحر كان هذه المرة مختلفا. فما أن دارت السفينة حول رأس الحد وانفتح أمامها بحر العرب ومن ورائه المحيط برياحه وأمواجه العالية وتياراته القوية حتى أصبت بدوار بحر شديد، وأمضيت الجزء الأول من تلك الليلة أتقياء. ولعل ما زاد الأمر سوء هو أني حاولت قدر ما استطعت إخفاء ما أصابني حتى فرّغت معدتي كل ما كان فيها! فكيف لمن يكون أبوه ربان السفينة ومالكها يصاب بالدوار لا سيما أن والدي اتخذ قرار منذ أن وطأت قدماي سطح السفينة أن لا أكون ابن "النوخذه" (8) فوضعت فراشي وأمتعتي وصرة الزاد الذي زودتني به أمي تحت "الشتري(9)" وليس على سطحه! ولم أكن لأقبل أن أغدو موضوع سخرية بحارة صوت العرب وان كان اغلبهم من أهلي، إلا أنهم يجيدون افتعال المواقف الساخرة ويطلقون النعوت والصفات على بعضهم بعضا كوسيلة للترفيه والتسلية خلال رحلاتهم الطويلة. كانت الرؤية ضعيفة حين استيقظت من النوم صباح اليوم التالي، وإذ جلت بنظري في كافة الاتجاهات، لم أر شيئا غير البحر! وحين سألت أبي، الذي كان في ذلك الحين يمسك بعجلة توجيه الدفة: أين نحن؟ أشار بيده صوب الغرب وقال: هناك على حد الشوف الرويس ومن خلفها وادي المر!". حين ذكر والدي "وادي المر" غشاني الحزن، وامضيت وقتا وانا انظر إلى حيث أشار بيده كأني أبحث عن شيء .. عن جدتي وكلبها الأعور وبقرتها الحمراء، وغثاء الماعز، ورائحة عشب الجليب(10). تمثل بلدة الرويس بالنسبة لي شخصيا أهمية خاصة، فقد اقترن تاريخ ميلادي بغرق " مركب النصارى" قبالة ساحلها. لم يكن احد من أقاربي يعرف بالضبط متى ولدت غير ما جاء في كتابات جدارية في غرفة بالطابق الأول من منزل الأسرة في مدينة صور حيث كان عمي يدون بالسخام على أحد جدران غرفته المبلطة بالنورة أهم الأحداث التي تمر بها أسرتنا . ويبدو أن حدث ولادتي كان من الأهمية بالنسبة للأسرة ليدرج ضمن تلك القائمة ! بيد أن شهادة عمي لم تذكر شيئا عن يوم ولادتي ولا تاريخة، ولك ما جاء على الجدران هو أني ولدت خلال الفترة التي تحطمت فيه سفينة "النصارى" بعد أن قذفت بها الأمواج إثر تعطل محركاتها إلى شاطئ بلدة ساحلية في المنطقة الشرقية من عمان تدعى " الرويس" . المفارقة أني ولدت في الصحراء داخل خيمة أقيمت من سعف النخيل وجذوع الشجر في حين أرخ عمي مناسبة ولادتي على جدران غرفته في الطابق الأول من منزل الأسرة في مدينة صور على خليج عمان، بينما وقع الحدث الذي ارتبط به تاريخ ميلادي. أي غرق مركب الـ"النصارى". في بلدة الرويس على الساحل الغربي لبحر العرب.. أقرب لبدة ساحلية إلى القرية التي ولدت فيها . ولا غرابة، إذ ذاك أن أجد نفسي حين كنت صبيا مشتت الانتماء بين الصحراء والماء. كان صبيان وادي المر يلقبونني بـ"راعي بحر" رغم أني ولدت بينهم، وترعرعت معهم، بينما ظل صبيان المدينة لفترة طويلة، بعد انتقالنا إلى صور، يلقبونني بـ"بدوي" . لم يكن غرق سفينة الشحن تلك حدثا عابرا لسكان تلك البلدة المنسية والقرى المجاورة لها على امتداد ساحل المنطقة الشرقية من عمان، فقد أمضى السكان أياما عدة يجمعون ما لفظته السفينة المنكوبة من محتويات بعثرتها الأمواج وشتتها الريح والتيارات البحرية أينما شاءت: فتذوق أهالي الرويس والقرى المجاورة لها الـ"بسكويت المملح" قبل غيرهم بسنوات عندما أخذوا يجففون تحت الشمس شرائح الخبز ، وقيل أنهم استمروا لأشهر ينعمون بأكل معلبات الفواكه واللحوم والأجبان وسواها من مواد غذائية، واستمتعوا بشرب المشروبات الغازية وغير الغازية ... تلك التي تتزود بها أطقم سفن الشحن العملاقة خلال رحلاتها الطويلة في البحار والمحيطات. تلك الحادثة بما مثلته في حياة سكان تلك البلدات، أصبحت من الأهمية بحيث يرجعون المناسبات المختلفة في حياتهم كالولادة، والزواج، أو الحروب إلى السنة التي غرق فيها مركب النصارى". كأن يقول أحدهم أنه زوج ابنه عام غرق مركب "النصارى" !!!!!.... .......................... (1) زرابيل: جوارب تنسج من خيوط الصوف ويلبسها البدو ليلا تفاديا للسع العقارب. (2) أنجر: محرفة من المفردة الإنجليزية .anchor (3)شلات الباورة: غناء يؤدى اثناء رفع المرساة، حيث يتزامن إيقاع الغناء وتصفيق البحارة مع كل شدة على حبل المرساة. (4) السكوني: قائد الدفة. الشتري: مكان جلوس وغقامة الربان على ظهر السفينة. (5) ام قرينتين: سميت بذلك نسبة إلى وجود شجرتي قرم على مصب احد الاودية إلى الجنوب من الخور والتي تنحدر من التلال المطلة على الخور من حهته الجنوبية. (6) الدقل والفرمال: الصارية وحامل الشراع. خور البطح: لسان مائي افعواني يحيط بالمدينة القديمة أم قريمتين من كل الجهات ويترك لها ممرا لا يتجاوز عرضه نصف كلم. وتدين مدينة صور للخور بشهرتها البحرية وازدهارها التجاري في السابق.. (7) بنديرة: علم. (8) النوخذه: قبطان السفينة. (9) الشتري: سطح مرتفع في مؤخرة السفينة حيث توجد عجلة الدفة ويتخذه القبطان مكانا للاقامة. (10) الجليب: أرض خصبة يكثر فيها العشب بعد المطر. تحياتي لاهالي الشرقية كافه ولبلد عيني وبلد روحي تحياتي لكم أخوكم مرجـــان
|
جعلاني متميز
![]() ![]()
![]() غير متواجد
|
![]() الشكر لك أختي الغالية دموع الشتاء على تواصلك الرااااااااائع وان شاء الله ما ننحرم من هذا التواصل أخوكِ مرجــان
|
انواع عرض الموضوع |
![]() |
![]() |
![]() |
|
|