منتديات جعلان > جعلان العامة > جعلان للمواضيع العامة | ||
الأحكام المسبقة |
الملاحظات |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
عضو شرف
![]() غير متواجد
|
الأحكام المسبقة
في الأسبوع الماضي وصلتني رسالة قصيرة عبر جهاز الهاتف النقال، رسالة استوقفني فيها مستوى الجرأة على الله في إطلاق الأحكام في مختلف أنواعها، فهناك من يكفر، وهناك من يعطي صكوك الدخول إلى الجنة، وغيرها، وهي ليست الرسالة الأولى التي اقرأها، أو ترسل إلي، خاصة عبر رسائل البريد الالكتروني، وربما التطرق إليها يحول دونه أطروحات أخرى، وتأجيل الحديث حولها، ولكن يبدو أن المسألة تتنامى، ويواصل هؤلاء الذين نصبوا أنفسهم في إطلاق الأحكام بدلا عن رب العباد، تعالى الله علوا كبيرا جهدهم في هذا الجانب.
هذه الرسالة التي وصلتني وضع في مقدمتها عشرة أسماء من أسماء الله الحسنى، وختمت بالعبارة التالية: "الله لا يعجز أبدا، أرسلها لـ (9) أشخاص، واسمع خبرا سعيدا غدا، لو تجاهلتها يصيبك حظ سيء لـ (9) سنوات، وقد ثبت أنها حقيقة، لا تخاطر إنها باسم الله". هذا التهديد الواضح في الرسالة يميت القلوب، ولا يحيها، ويوقف حركة العقل، ويزيدها تكريسا في تشرب مثل هذه الأفكار الهدامة للوعي الذي يفترض أن الإنسان اليوم قد وصل إليه، واقر يقينا أن مثل هذه الرسائل يتداولها شباب في أعمار مختلفة لا تتجاوز الأربعين سنة، ومن صاغها بهذه الطريقة، وبهذا الأسلوب الرخيص أيضا لن يخرج عن هذا العمر، ولذلك لا يجب السكوت عن مثل هذه الانفلاتات في حقيقة الوعي، وفي حقيقة العصر الذي يعيشه إنسان اليوم، وهو عصر على درجة كبيرة من الوعي الحضاري، وليس في وقته الحالي فقط. وهي جرأة غير عادية، وتطاول على سنة الله في الكون، وعلى بصيرته عز وجل في معاملة خلقه، وفي علمه بهم، ولن يستطيع كائن من كان، حتى الرسل الذين قربهم الله إليه تكريما لخلقه، وخلقهم، واصطفائه لهم، أن يصدروا أحكاما مسبقة على الله سبحانه، وبالتالي فيكف ببشر بسطاء في العلم والمعرفة يصدرون مثل هذه الأحكام، ويقرؤون الغيب لتسع سنوات – على سبيل المثال – كما جاء في هذه الرسائل، وغيرها، وما أحزنني أكثر وأكثر أن تجد مثل هذه الأفكار من يباركها، وما تداولها إلا دليل على هذه المباركة؛ وهي ضربة قاصمة في حق الوعي مهما كانت المبررات. منذ فترة ليس طويلة حضرت إلقاء درس في احد المساجد، وكان الذي يلقي الدرس واحد من الشباب الذين، ربما، لا يتجاوز عمره الثلاثين، أو أكثر قليلا، واجزم هذا الداعي فيما لا يدع مجالا للشك، انه من لم يكن على هيئة كذا، فهو غير مقبول عمله، وان لم يفعل كذا فهو مغضوب عليه، وان لم يحفظ كذا فهو لن يدخل الجنة، ومن لم يفعل كذا، وكذا، سيكون مصيره في النار، ومما اغضب عليه الحاضرون انه قام يسأل بصورة عشوائية الحضور، أنت ماذا تحفظ من الأحاديث، أنت ماذا تقرأ من القرآن في الصباح، أنت ماذا تعرف عن أدعية الصباح، أنت هل تقوم الليل، وطبعا كل من يسأله بهذه الصورة المباغتة يقف حائرا عن الرد، ولا أتصور أن هذه الحيرة لعدم معرفة الرد، ولكنه نوع من التحفظ، فجل هذه الممارسات يود الواحد منا أن يمارسها بعيدا عن أعين الناس. هذا الأسلوب اغضب أناس كثيرون كانوا حاضرين، وقالوها بصريح العبارة: "أنت لا تعرف الغيب حتى تكفر هذا، وتبرئ الثاني"، مما أوقع صاحبنا في حرج شديد، وماجت الجلسة بالهرج والمرج، وأنقذ الموقف موعد صلاة العشاء. الذي يحير من هذه المواقف كلها أن هناك ضريبة مستمرة يدفعها الإنسان لهذا الجهل المتواصل بمعرفة الله، على الرغم من تيسر المساحة العلمية لدى الناس، ووصولهم إلى مراتب علمية كبيرة، وهذه ليست لها علاقة بالأمية التي تحاربها كل الدول، فيبدو أن الأمر اكبر من محو أمية شعب، وتوصيله إلى القراءة والكتابة، المشكلة الكبرى في الجهل بمختلف الأشياء، وأشدها ضررا هو الجهل بالعلاقة مع الله رب هذا الكون. ومن هنا تأتي مجموعة الممارسات الخاطئة في حق الله من ناحية، وفي انتقاص الإنسانية من حقها الشرعي في المعرفة، والوعي بمختلف القضايا من ناحية ثانية، وهي ضريبة، متى تستوفي حقها وتنتهي؟ مرهون أمر ذلك كله إلى علم الله، لأنه هذه المرحلة من تقدم الإنسانية في العلم والمعرفة لا تزال هناك ممارسات خاطئة في حق الله، ويمارسها أناس – من النظرة الأولى - لا يمكن أن يقال عنهم أنهم غير واعين، فمتى إذن تصل الإنسانية إلى مرحلة التوازن في معرفتها بعلاقتها الحقيقية مع الله؟ بمعنى هل هناك مرحلة من الوعي اكبر مما عليه الآن؟.
|
انواع عرض الموضوع |
![]() |
![]() |
![]() |
|
|