•رواية~ حب سامي•
• • •
تأليف~ Throe
• • •
شبكة المعالي
• • •
~١~
كانت لأول مرّة تدخل بيتاً واجتماعاً يجمع شتاتٍا من نخب أسرتها الكبيرة، و قد أعجبت بأمور في التنظيم رأتها.. كما ساءها نواحٍ أخرى فيها بعض القصور الذي لا ينبغي أن يحصل من نخبة مميزة كهؤلاء!!
أبدت معارضتها لبعض ما رأت و شجعها الجميع.. مما حمَّسها لبذل المزيد والبقاء في هذا الاجتماع بقدر ما يسمح به وقتها!!
ومرت الأيام وتوالت زياراتها لهذا البيت وكونت مجموعة رائعة من الأخوات اللاتي كنَّ لها خير معينٍ على الخير وبذله.. وكان هناك شاب يشابهها فكراً وإن حصل منه بعض الزلل رجع سريعاً.. واكتشفت من أهلها بأن هذا الشاب قريب لها بدرجة لم تتصورها.. فهو فلان الذي نشأ معها وتربى في نفس البيت..
نشأت بينهما علاقة مميزة جداً من التعاون على الخير بدون أي تواصل مباشر مما قربه إليها، لكنها لم تفكر فيه خارج إطار أخوة الإسلام ونفع الأسرة، حتى أتتها تلك الرسالة من قريبة لها تذكر فيها بأن فلان يعد العدة لتجهيز بيت الزوجية الذي وجد من تستحق أن يبني لها قصره و ينثر فيه رياشه..
صدمت بالخبر!!
"لمَ تأثرت بذلك؟"
هكذا سألت نفسها!
ثم أضافت: هل يضيركِ أن يبحث عمن تساعده و تعينه على هموم الدنيا و مشقتها؟ هل وضعتِه بموضع الأخ المسلم، صاحب المنهج القويم و الفكر السديد، والذي تفرحين بانتمائك لأسرة تخرج أمثاله و تأملين أن يعم شباب الأمة لتجدي أحلامك حقيقة ماثلة للعيان ببركتهم و بركة صلاحهم؟!!
- آه.. لست أدري لكن وجدتْ ألماً بقلبها جعلها تعيد حساباتها مع نفسها!!
عادت لمحاورة قلبها من جديد: هل يعني لك سامي شيئاً خاصاً؟ هل كنت تطمعين أن تكوني له؟
- لا.. ما خطر ذلك ببالي أبداً.. شعرت بأنها وضعت قلبها في قفص اتهام ولا تدري أهو مظلوم أم ظالم!!
الشيء الذي تأكدت منه أنها لن تستطيع الرد على رسالة قريبتها تلك الآن!!
فهي تخشى أن ينتقل ما تشعر به عبر أثير الحروف لتلك القريبة فتعلم به!!
و كأنها تقول: عفي عنَّا ما نحدث به أنفسنا فلم نكشف ستراً أرخاه ربي علينا؟...
و بعد أيام.. نسيت الموضوع فشعرت براحة عظيمة كونه لم يعد يعكر صفو راحتها وتفكيرها...
في مجلة تصدر بشكل دوري من قبلهم توزع على أفراد الأسرة في اجتماعهم كتب كلاماً ذكرها به و أعاد ذلك الألم الذي تناسته مدة!!
و كانت لجنة إخراج المجلة تعرض عليها بعض ما كتب فلما قرأت كلمته التي كان نصها:
"نهيم في كتب السير نبحث عن قدوات نسير على هداها فيلفت نظرنا سير نساء السلف فتحفر في القلوب أثراً، ثم تصادف رسوماً لما بقي من قراءتنا للقصص الرومانسية التي أدمنّاها زمناً فتخرج صورة فريدة نسجناها في أخيلتنا يعز علينا أن نجدها!!
و إن وجدناها خشينا أن لا نكون أهلاً لها؛ لكونها عملة نادرة لا يظفر بها إلا الموفق!!
ونحن أقل في أعيننا من كوننا كذلك ولكن الله كريم، ونحن نسأله من فضله وجوده، وإن لم نكن أهلاً لذلك!!
وهذه هموم فئة منّا لا تقنع بكثرة المعروض المتوفر ولا تضمن العالي النادر؛
فدعواتكم لنا بقرة عينٍ أو قناعة"
حين قرأت كلمته وجدت نفسها تسطر كلمتها المطلوبة منها والتي سبق لها إرسالها، لكنها رأت في نفسها رغبة جامحة للكتابة بما في ذهنها الآن..
فكتبت: (من العجز أن يقنع الإنسان بأقل مما يطمح إليه مهما بلغت صعوبة تحقيقه، فالجنة غالية و لا نبلغها بأعمالنا، لكن أمرنا ببذل كل الأسباب الموجبة لدخولها، بل وأمرنا ليكون طموحنا بالدرجات العلى منها وهو فردوسها الذي سقفه عرش الرحمن، و كذلك أمور الدنيا، أمرنا أن نسعى بكل ما نستطيع لبلوغ أعلى المنازل..
لكن الفرق بين المؤمن وغيره أنه إذا تبين له القدر رضي به وسعى في المستقبل كسعيه الماضي بلا تأثير لما سبق من أقدار!!
و العجز والكيس قدر؛ و لكننا أمرنا بالكيس و نهينا عن العجز.. فمن العجز أن نرضى بأقل من طموحنا، وما تهفو نفوسنا إليه)..
وبعثت بها للجنة تحرير المجلة طالبة وضعها بدلاً عما كتبته سابقاً و تأجيل تلك للعدد القادم..
لم تمض أيام بعد صدور المجلة إلا وسامي لديهم في البيت.. كان حضوره لزيارة والدها.. شيئا مثيرا للانتباه بالنسبة لها، فلم يحدث أن حصل قبل ذلك أن ذكر بهذا الشكل لديها،
تحسست بعد تلك الزيارة خبراً عن سببها لكن لم تحظ بما يشفي ذلك الفضول؛
فقالت لعلها كسائر زياراته!!
وفي طريقها لجامعتها مع والدها ذلك اليوم لمست منه أمراً لم تعهده منه!
فقد تحدث عن المستقبل وحياة الأسر و تفرعها و كأنه يمهد لخبرٍ يريد أن يوصله لها...
و فاتحها في الأمر!
رقص قلبها ورجف بمجرد ذكر سامي، لكنها لاذت بالصمت.. فما كان من والدها إلا أن غير حديثه بعد أن دعاها للاستخارة في الأمر؛ لما رأى من حرجها منه...
أمضت يومها كاملاً تفكر في أمرها وسامي، كان سامي هو النموذج الرائع الذي تتخيله، فهل ستكون حياتها معه جنة وعملٍ وبذلٍ وعطاء؛
كان يمرر لها كل ما يحب في مقالاته في تلك المجلة وكانت هي تفعل ذلك،
حتى بلغ من أمرهما ما لم يحلما به،
وفي غمرة الأنس و قمة الفرح...
• • •
~٢~
حصل ما أحال أحلامها رمادًا تذروه السنين، وذلك أنه في ليلة العقد وقد غردت طيور الفرح في أرجاء البيت حولها، وبعد أن اجتمع القلبان حلالاً، كل منهما قد أمضى على شقه توقيعاً بأنه مطابق لمواصفات و مقاييس الآخر، إذ كان كليهما يعزف نفس اللحن برؤية مكملة لسيمفونية أحلامه، التي لم تنحصر في أحلام الشباب التقليدية بل شملت عصوراً خلت و عصوراً لم يخلق من يتنفس بها حتى اللحظة.. كان كل منهما يكتب في ملحمة الحياة نقشاً يحرص أن يحيا به و يُزاد في أثره به، لم يرسما لوحة عمريهما معاً بألوان الذاتية، لا.. بل بألوان طيوف أمة تحتاج رجالاً كالسحاب المثقل بماء الحياة ونساء كالأرض الطيبة التي ترسم أجمل لوحة تزين الأرض وتملؤها هناء وأنساً وبركة!
كان كل منهما يعرف ما الذي يريده صاحبه منه وماذا يحتاج هو بالمقابل ..
فبقدر الهمة تعظم الأهداف في المشاريع العظيمة، وبقدر النجاح في قيام المشاريع ابتداءً تعظم الآمال في تحقيق أهدافها واستواء ونضج ثمرتها!
في غمرة هذا الأنس والهناء...
أتت مكالمة من أحد أبناء عمومتها لوالدها يخبره فيها بأن ندى لا تحل لسامي لكونه أخاً لها بالرضاعة.. صعق الوالد من الخبر ولم يدرِ كيف يتصرف لكنه أنهى المكالمة سريعاً طالباً البينة على هذا الزعم.. وعاد لأم ندى يخبرها بما قال ابن أخيه عن سامي وندى!!
قالت: لا أذكر أن ندى رضعت من غيري ولم أرضع أنا أحداً لأرضع سامي!!
لكني كنت أتركها عند أمه رحمها الله و هي صغيرة حين أسيّر على جيراني،
قال: تكتمي على الأمر حتى أستبينه، فأنا أخشى أن يكون هناك من يريد إفساد هذا الزواج لغاية سيئة..
و تناقل الأقارب الخبر بسرعة بعد نشره من قبل فيصل وأمه، التي أكدت أن أم سامي أرضعت ندى مرات متكررة تجاوزت الخمس، وتعجبت من نسيان أم ندى لهذا أو عدم علمها به!!
وأكدت إحدى قريباتها الخبر..
كانا قد تم أسبوعان على عقدهما وهي مدة كافية ليبلغ الحب بينهما مبلغاً عظيماً، سيَّما و كل منهما فرح مغتبط بالآخر!
حين بلغ سامي الخبر استقبله بسخرية شديدة و تهكم، ظناً منه بأن الأمر خطة حقيرة من فيصل الذي تحداه يوماً أن تقبل به ندى وهو الفقير المعدم بعد أن رفضت من هو خير منه!
لكنه فوجئ بالجميع يتحدثون بجدية كبيرة وقد خيم الحزن على قلوبهم،
قال: عمي.. هل أنت مصدِّق ما يقال؟!! أظنها لعبة حقيرة لا تنطلي على أمثالك..
- للأسف يا بني كنت أظنها كذلك، لكن سألنا وتقصينا فوجدنا الخبر صحيحاً!
- والحل؟
هي أختك.. هذا شرع الله يا بني،
- لكني أحبها وهي كذلك.. ولن أصدق ما جرى أبداً..
أين أم فيصل و قريبتها طول هذه الأعوام؟!! ولمَ لمْ تظهر هذه الرضاعة إلا الآن؟!
- لكن هل تستطيع إتمام هذا الأمر بعد سماعك بأنها أختك؟!
- صدقني يا عم لو تيقنت هذا لما ترددت في قبول أمر الله،
لكن قلبي ممتلئ شكاً، خصوصاً وأن الخبر أتى بواسطة فيصل!!
ففيصل تحداني يوماً أن أفوز بندى ولم يذكر أمر الرضاعة، فهل كان يجهلها؟!
الفيصل في الأمر قول المرضعة وهي متوفاة.. سأبقي على ندى ولن أتركها حتى أتيقن ما أخبرونا به!
- لكنك لن تستطيع أن تكون زوجاً لها حتى يثبت أن الشاهدتين كذبتا..
- لا بأس يا عم.. لعل الله يقضي في أمرنا بما يكون الخير والهناء فيه..
أما ندى فقد كانت أشد من سامي ألماً وحزناً وشكاً، حتى مرضت و احتاجت لرعاية طبية لشدة ما وجدت!
وبقيا على هذه الحال ما يقارب السنتين لا زوجين ولا أخوين،
و الشاهدتان تصران على أن الرضاعة أمر متيقن،
وفتوى أهل العلم تباينت؛ فالبعض قال: لا يبطل عقد النكاح بقول امرأتين ليس بينهما المرضعة!! والبعض قال: تجتنب الشبهة سيَّما ولم يدخل بها وليس بينهما أولاد!!
أما هما فكانا لا يملك أحدهما أن يتخذ قراراً بالمضي ولا بالتراجع، حتى دخل عليها يومًا سامي وهو يبتسم وفاجأها بقراره..
•يتبع •to be continued•