السابعة صباحا: بدأ المسلحون افراغ مخيم شاتيلا وحي صبرا ممن بقى فيهما من السكان. في الليلة السابقة كانت مجموعة من الرجال حاولت يائسة الدفاع عند مدخل صبرا لجهة سينما الشرق، واوفقوا تقدم عناصر الميليشيا عند السوق. كانت مكبرات الصوت تدعو العائلات الى الخروج من منازلها والتجمع في الشارع الرئيسي. فيخرج المدنيون في هذا الحي، بأغليبتهم، يلوحون بالاعلام البيض .
هكذا وصل الى الشارع الرئيسي الذي يجتاز الحي ما بين الفين وثلاثة الاف شخص ليكتشفوا انهم امام ميليشيات لبنانية تابعة لحزب الكتائب او لسعد حداد. كذلك شاهدوا الجثث المرمية في الشوارع والتي لا تحصى. لكنهم لم يعودوا قادرين على التراجع.
ثم اقتيد الجميع في صفوف نحو المدخل الجنوبي لمخيم شاتيلا. اكتشفوا المقابر الجماعية على امتداد الشارع الرئيسي والشوارع المتفرعة منه. وفي منتصف الطريق، فصلوا الرجال عن النساء والاطفال فبدأت النساء يولولن، لكن عدة رشقات اسكتتهن. المسيرة تتقدم، لكن من وقت الى اخر يتم اقتياد بعض الرجال امام احد الجدران وتطلق النار عليهم. الجرافات تعمل. بضربة واحدة تنهار اعمدة المبنى فيسقط الركام ليدفن الجثث تحته.
بالقرب من السفارة الكويتية ومقر القيادة لاسرائيلية ازيلت البيوت، ولم يبق سوى مقبرتين جماعيتين على جانبي الطريق. من هناك اعطي الامر بالتقدم نحو المدينة الرياضية. لا للجميع، اذ تم اختيار بعض الرجال واصعدوا الى شاحنتين متوقفتين امام السفارة الكويتية. لا مكان للجميع، فيطلب من الفائض النزول ارضا وعدم النظر في الاتجاه الذي سلكته الشاحنتان. ثم طلب منهم الالتحاق بالبقية في المدينة الرياضية، وقد تعرضوا في الطريق للضرب والاهانات على انواعها. انفجر بعض الالغام في الطريق فاوقع قتلى وجرحى، واستغل اخرون الفرصة للفرار.
ابتداء من المستديرة الواقعة بالقرب من السفارة الكويتية، تسلم الجيش الاسرائيلي الاسرى واقتادهم الى المدينة الرياضية حيث تم فرز اللبنانيين من الفلسطينيين. اقتيد الشبان الفلسطينيين الى الغرف الموجودة تحت المدرجات، وبقي مصير الكثير منهم مجهولا. بعد ايام وجد المسعفون جثثا لا يمكن التعرف على اصحابها المقيدين من ايديهم وارجلهم، وهي في حالة تحلل متقدم. وقد امكن التعرف على بعضهم من خلال ثيابهم. وتعرف اطباء مستشفى غزة على جثة طفل كان في المستشفى حتى يوم الجمعة 17 ايلول /سبتمبر بين الساعة العاشرة والحادية عشرة. وكانت المدينة الرياضية في ذلك الوقت تحت السيطرة الكاملة للجيش الاسرائيلي. اما الذي نقلوا بالشاحنات فظل مصيرهم مجهولا.
من يوم السبت توافد الصحافيون والمصورون. واذ صدمهم رعب المشهد راحوا يلتقطون صور المجزرة الجماعية واكوام الجثث المنتفخة والتي تصفرّ وهي تشوى تحت اشعة الشمس الحارقة.
وكانت اثار تقطيع الاعضاء، والحبال التي قيدتها، والثياب الممزقة، وفروات الرؤوس، وفقأ العيون، تشهد كلها على العنف واعمال التعذيب التي رافقت المجزرة. حتى الاحصنة اعدمت.
وكانت رائحة لا تطاق تنتشر في المكان، بينما النساء هائمات زائغات بحثا عن ابن او زوج او طفل. كان بعض الجثث مرميا هناك منذ ثلاثة ايام، والمطلوب عملية دفن بسرعة. لا وقت لعد الجثث، او للتعرف على اصحابها. فشرعت فرق الاسعاف التابعة لكل من الصليب الاحمر الدولي والصليب الاحمر اللبناني والدفاع المدني والكشاف المسلم والجيش اللبناني، في العمل. تم حفر حفرة كبيرة، وقرئت الفاتحة على عجل فوق أشلاء لم يتم التعرف على اصحابها، وفوق جثث مقطعة ستبقى بلا اسماء الى الابد. كم كان عددها؟ لن يعرف ابدا. لم يحدث اي تنسيق بين فرق الاسعاف، فالهول والخوف جعلا الامور تجري باكبر سرعة ممكنة. المشهد لم يكن يطاق.
من جهة اخرى، كان هناك اولئك الذين لم يعثر على جثثهم ودفنوا تحت ركام المنازل المدمرة والتي جرفت بواسطة الجرافات التي كانت تدك المخيم، واولئك الذين رميت جثثهم في مقابر جماعية جرفها مرتكبو المجزرة. بعد ظهر يوم الجمعة كان احد الصحافيين النرويجيين التقى جرافة تحمل في رفشها كتلة من الجثث. لم تنبش الحفر التي رميت فيها هذه الجثث.
شارون ومجزرة صبرا وشاتيلا (*)
إحدى السيدات الفلسطينيات قالت: "كنا في البيت في يوم الجمعة الموافق للسابع عشر من أيلول جاء الجيران وبدءوا يقولون لنا: "إسرائيل" دخلت استسلموا للإسرائيليين أنهم سيأخذون الأوراق ويأخذون توقيعكم. فجأة بعد أن خرجنا للاستسلام للإسرائيليين وعندما استسلمنا وكانت الدبابات والجنود “الاسرائيليين” هناك فوجئنا بمشاهدة القوات اللبنانية (الكتائب) معهم. وقاموا باخذ الرجال تاركين النساء والاطفال معا. عندما اخذوا اولادي مني وكل الرجال قالوا لنا اذهبوا الى المدينة الرياضية واقتادونا الى هناك. وتركونا هناك حتى الساعة السابعة مساء ومن ثم قالوا لنا اذهبوا للفاكهاني ولا تعودوا الى البيت وشرعوا في اطلاق القذائف والرصاص علينا. كان هناك رجال وقفوا جانبا فاخذوهم من هناك ولم نسمع اخبارهم منذ تلك اللحظة، ولا نعرف حتى اليوم ما هو مصيرهم وهم يعتبرون في عداد المفقودين".
سيدة أخرى قالت:" عندما بدأ القصف وعندما عرفنا ان “اسرائيل” قد حاصرت المخيم طلب منا والدي الفرار. علمنا ان والدنا قتل وشاهدنا صوره في الصحيفة. ساقه كانت مقطوعة وروت جارتنا لنا كيف قتلوه".
شهادات اخرى تربط بين الكتائب والجنود “الاسرائيليين”:" في المدينة الرياضية شاهدت العسكريين “الاسرائيليين” ودباباتهم وبلدوزراتهم كما شاهدت مجموعات من الكتائب مع “الاسرائيليين”" قالت جميلة خليفة في شهادتها، وأضافت" “الاسرائيليين” والكتائب عادوا في وقت متأخر ودعونا من خلال المكبرات للاستسلام. ووعدوا بالحفاظ على حياتنا اذا خرجنا من الملاجئ. رفعنا الراية البيضاء وعندما خرجنا من الملجأ قال والدي انهم لن يحافظوا على حياتنا وانهم سيقتلوننا. قلت له بان لا يخاف وان يأتي معنا. هم اخذوا الجميع نساء واطفالا ورجالا، والدي حاول الفرار فاطلقوا النار عليه امام والدتي واختي الصغيرة".
أما سويد سرور فقال:" وصل حوالي ثلاثة عشرة شخصا الى البيت وقرعوا الباب، والدي سأل عن هويتهم فاجابوا:”اسرائيليين”. قمنا لنرى ماذا يريدون , فسألوا والدي ان كان لديه شيء ما. فقال ان لديه مال فاخذوا المال وضربوا والدي".
"ابان اطلاقهم للنار" يقول شخص آخر "كل المخيم كان محاصرا بالمدرعات “الاسرائيلية”".
محمد يونس الذي كان في الحادية عشرة من عمره ابان الاحداث يستذكر:" في المدينة الرياضية شاهدت عسكريين “اسرائيليين” ودبابات وبلدوزرات ومدفعية وكلها “اسرائيلية”. كما شاهدت مجموعات من الكتائب مع “الاسرائيليين”. المدينة الرياضية كانت مليئة بالنساء والاطفال وبقينا هناك حتى حلول الظلام، “اسرائيلي” وصل وقال لنا : اذهبوا لمنطقة الكولا. ومن سيعود للمخيم سيموت".
سناء سرساوي تقول:" “الاسرائيليون” الذين كانوا متوقفين امام السفارة الكويتية وامام محطة الكهرباء صرخوا بالمكبرات من خلفنا فجأة عروا الرجال من ملابسهم الداخلية حتى يربطوا بها عيونهم في المدينة الرياضية. “الاسرائيليون” حققوا مع الشبان والكتائب اعطوهم 200 رجل. وهكذا لم يعد زوجي وزوج اختي".
ويشير المدعون بان المجزرة تضمنت جرائم خطيرة فضلا عن اعمال القتل من بينها الاغتصاب وجرائم اخرى. وهذه الجرائم مع حقيقة ان المجزرة جرت "بتنظيم وكسياسة " هي من صفات جريمة دولية.
ويكرر المدعون الادعاء بشأن الحوار الذي جرى بين شارون وبين بشير جميل حول " تنظيف لبنان من الفلسطينيين" ويطالبون ولاول مرة بفحص "تعاون “الاسرائيليين” ليس في اعمال القتل بل في التحقيقات ونقل عشرات المدنيين الى اماكن غير معروفة".
يتبع....