بسم الله الرحمن الرحيم
آللهمَ صل على محمد وآلِ محمد
... ولذلك أقول: إن فاطمة سالم كان لها أسلوبها الخاص في التدريس وأسلوبها الخاص في التعامل مع الآخرين في الحياة لأنها كانت على قدر كبير جدا من العطاء على كل المستويات,
ولا أبالغ حين أقول ذلك إذ يشهد لها الجميع بذلك, هذا بالإضافة إلى أن من ضمن سمات شخصيتها الدقة المتناهية والمطالبة دائما بأن تكون الأمور كما يجب,
ولذلك كانت ترفض عدم الانضباط وقلة النظام والأشياء الخطأ. وتنزعج لذلك انزعاجا شديدا ,
عادة ما كان هذا الانزعاج هو مؤشرنا الأول بنوعية مزاجها حيث ارتفاع درجة صوتها وهي تمر بممرات كلية الآداب,
فنعرف مباشرة وقبل دخولها قاعة المحاضرة إذا ما كانت اليوم الدكتورة عصبية أم لا ؟ غاضبة أو الحالة عادية ؟
وكان أحيانا يمر أسبوع كامل دون أن تنزعج د. فاطمة سالم من شيء.
وهنا يوحشنا كثيرا صوتها وإرشاداتها في التوجيه والأمر والنهي,
ومن ثم كنا نتعمد أن نرمي لها قصاقيص من الورق في الممر حتى نسمع منها جملتها المعتادة حين تدخل القاعة: (الحضارة اليونانية حضارة عريقة واللغة اللاتينية لغة الشعوب المتحضرة,
فكيف لي أن أعلمها لكم وأنتم تفتقدون إلى أبسط قواعد التحضر: النظافة).
رحم الله أستاذتي لقد كانت تنتمي إلى جيل الرواد الأوائل.
إذ تمثل الدفعة الأولى من فتيات الجامعة اللاتي تخرجن من جامعة القاهرة. ذلك في بداية الثلاثينيات وهي ذات الدفعة على ما أعتقد,
التي ضمت الرائدة أ.د سهير القلماوي.. رائدات القرن الماضي تركوا فينا بصمة بداخلنا نلمسها في جدية شخصياتهم وعمق أبحاثهم.. أنا مثلا ما زلت أحتفظ في مكتبتي في القاهرة ببحث للأستاذة الدكتورة فاطمة سالم منذ الستينيات وهو عبارة عن كتاب كامل يحوي تراجم للدكتورة فاطمة سالم عن الخطب الكتلينية.
ولذلك أقول لروحها العطرة ولكل جيلها ممن رحلوا عن دنيانا: أنهم حقا كانوا أستاذة فجامعة الإسكندرية في زمانهم كانت حقا جامعة أما الآن فلا تعليق.
وفي عمارة من العمارات العتيقة بشارع (هيرودوت) بالقرب من جامعة الإسكندرية,
تقطن شوقية محمد محفوظ حرم اللواء عبدالحميد علي جامع.
امرأة في العقد السادس من عمرها عرفت أ.د فاطمة سالم فترة زمنية طويلة بحكم علاقة الجيرة والسكن تقول شوقية: أعرف د. فاطمة سالم لأنها سكنت معي في نفس العمارة.
فقد كانت تسكن بالدور الأول شقة رقم(1),
العلاقة بيننا كانت صداقة قوية بدأت منذ خمسة وأربعين عاما واستمرت إلى أن رحلت عن الإسكندرية.. ولذلك تجمعني بها ذكريات كثيرة (بعدد شعر رأسي), وقبل كل هذه الذكريات أقول: إن أ.د فاطمة سالم صاحبة فضل عظيم علي وعلى أولادي.. إذ كانـت دائما ترعاهم,
وتشـرف عليهم في المذاكرة وتعلمهم اللغة الإنجليزية والفرنسية,
فهي التي ألحقتهـم بمدارس اللغات (مدرسة فيكتوريا) (victoria ـ college),
إذ أن تعليمي محدود ولا أعرف أي لغة أجنبية فأولادي كانوا يحبونها كثيرا وقد كانت دائما تلاعبهم.
حسن المعاملة والثقة والمودة بيننا كانت متينة, فقد كانت د. فاطمة سالم تسافر إلى القاهرة ثلاثة أيام أسبوعيا وتترك معي أحفادها (علي وعلية),
وهذه المعاملة الطيبة بيننا استمرت حتى انقطعت أخبارها عنا, ومع ذلك ذهبت أنا وأولادي إلى حي (لوران) بكورنيش الإسكندرية للسؤال عنها,
حيث أقامت هناك في فيلا صغيرة جميلة مقابل البحر بعد أن تركت شقتها هنا بحي الشاطبي.
أنا وأولادي تعلمنا منها الكثير. فالدكتورة فاطمة سالم لم تكن أستاذة جامعية فحسب,
بل أستاذة في شؤون الحياة. أنا شخصيا حين تزوجت لم أكن أعرف أمورا كثيرة في الحياة أو كيفية التعامل معها فعلمتني د. فاطمة سالم وتعلمت منها الكثير.. ويرجع الفضل لله أولا ولها ثانيا في النهوض بأولادي علميا فهي التي كانت تعلمهم إلى أن أصبح أكبرهم طيارا والأوسط مهندسا بشركة نفط, والأصغر ابني أحمد مترجما .
ولذلك أشعر بداخلي أنني مهما قلت أو ك تب عنها لن نوفيها حقها في المكانة.. رحمة الله عليها وأسكنها فسيح جناته. كانت سيدة فاضلة تفعل الخير دائما .. فكم من أولاد درست لهم دون مقابل ومنهم بالطبع أبنائي.. كانت امرأة عظيمة شخصية كريمة اليد, ولذلك نال من عطاياها الكثير. معرفتها كانت معرفة فخر وخير ومحل ثقة الجميع.. فأنا وزوجي ليس من طبعنا الاختلاط بأحد,
لكن د. فاطمة سالم كانت الوحيدة التي اختلطنا بها لأخلاقها الحميدة التي لم نجدها في أحد غيرها.
الدراسة للكاتبة الأستاذة "آسية البوعلي " بتصرف