بسم الله الرحمن الرحيم
آللهمَ صل على محمد وآلِ محمد
... ويهمني في هذا الموضع أن أبين بشيء من التفصيل مجموعة من النقاط التي كانت موضع جاذبية وبموجبها تم اختيار البحث. فرغم أنني لست طالبا مباشرا للراحلة العظيمة فاطمة سالم,
إذ كنت أدرس الفلسفة بكلية الآداب وهي ذات الكلية التي كانت ت درس فيها أ.د الدكتورة فاطمة سالم ورأست أحد أقسامها خلال فترة الستينيات,
فإنه في تلك الفترة كانت أ.د فاطمة سالم لها اهتمام بالغ بدراسة الكلاسيكيات أي الدراسات القديمة,
لكنها تتناولها بروح فلسفية ولذلك حين الاطلاع على كل أبحاث الأستاذة فاطمة سالم ستجد أن هذه الروح حاضرة ومهيمنة على الدراسة,
وهذا ما شدني وزملائي من الفريق المكلف بالعمل إلى البحث, وبهذه المناسبة أود أن أوضح أن بحث (فن الشعر لهوراتيوس والنقد الأدبي) للدكتورة فاطمة سالم هو بحث قديم أنجزته الراحلة عام 1965م وأول نشرة له كان في المجلد التاسع عشر (19) من المجلة الأكاديمية المحكمة من مجلدات كلية الآداب بجامعة الإسكندرية.
والمطلع على البحث يلاحظ أنه يلقي أمامنا مجموعة من الاعتبارات المهمة. منها أنه بحث في الكلاسيكيات,
والكلاسيكيات هي لب اهتمام فاطمة سالم وشغلها الشاغل, وأيضا أنه بحث يحوي على موضوعات الأدب وهو الشعر,
ولكن ليس ذلك التناول التقليدي للنظرة النقدية للشعر, بل التناول الممزوج بنظرة فلسفية شاملة للموضوع وبكل ما يتعلق به.
ومن ثم ورد نقد فاطمة سالم في البحث على نحو موضوعي شديد يؤكده مجموعة من المصادر والمراجع التي وظفتها في تحليل مقالات فكرة البحث.
وهذا النوع من النقد نخلص منه إلى الهدف العام والمتمثل ـ من وجهة نظري ـ في عدة اتجاهات أبرزتها الراحلة وتحدث عنها منها: المقدمة وتوظيف الحواشي.
فقد اتسمت المقدمة بنظرة نقدية عامة, وهذه النظرة هي التي أضفت على طريقة التحليل والموضوع قدرا كبيرا من الموضوعية,
والرؤية الذاتية في نفس الوقت. تلك الرؤية التي أجلت لنا مدى الاهتمام بالأطر الفلسفية والميتافيزيقية التي اتخذتها فاطمة سالم كأساس للانطلاق في تناول الموضوع ككل,
فضلا عن تقييمها لعمل هوراتيوس, وهو تقييم يعبر عن رؤيتها الخاصة ذات الجانب الفلسفي والأدب في التعامل مع موضوع البحث.
وباستعراض النظرة النقدية لموضوع البحث نجد وبصورة دقيقة أن أ.د فاطمة سالم اهتمت بشكل واضح بعرض الاتجاهات المختلفة في تعريف النقد الأدبي سواء القديم منها أو الحديث,
وقد توصلت إلى أن نظريات النقد ـ وعند القدماء بصفة خاصة ـ جاءت في الأبحاث والدراسات لتكشف عن مدى إحساس هؤلاء بالجمال,
وتقديرهم له. كما أن اختيار فاطمة سالم لنص (فن الشعر لهوراتيوس) جاء بغرض إيضاح وضع الفلسفة في ذلك الوقت من خلال نص أدبي ي عد نموذجا للكلاسيكيات القديمة.
كما يجب أن نلاحظ أن كتاب (فن الشعر لهوراتيوس), وكما تشير أ.د فاطمة سالم أنه كتب فيما بين عام 8 قبل الميلاد وعام 23 قبل الميلاد,
الأمر الذي ينم عن اختلافات كثيرة في وجهات النظر أدركتها الراحلة فاطمة سالم,
واعتبرتها بمثابة اجتهادات من جانب المفكرين القدماء, والتي من خلالها توصلت إلى أن: العصر (المتأغرق) لا يشتهر بنظرية أدبية نتيجة لضياع وثائقه,
كما أن هذا العصر لم ينتج نظرية أدبية يمكن أن تقارن في جدتها بنظريات القرن الرابع في أثينا,
بالإضافة إلى أن هذا العصر لم ينتج أي فن أدبي يمكن أن يقارن بعصر (باركليز) أو بفن (هوميروس),
كما أن العصر (المتأغرق) اشتهر بالدراسات التاريخية الجادة والتكنولوجيا, واشتهر أيضا بظهور المذاهب الجمالية المغالية.
وأضف إلى ذلك أن كل هذه الأمور وجهت اتجاه المفكرين في العصر (المتأغرق) إلى الاهتمام بالبحث العلمي والدراسات المتعلقة بمكتبة الإسكندرية خاصة الفهارس المكتبية,
كما اتجه الكتاب نحو نشر نصوص (هوميروس) ونقدها ونشأة الخلاف بين القديم والحديث.
لجملة تلك الأسباب وما يندرج تحتها من تفاصيل وأفكار أخرى,
قررنا اختيار بحث (فن الشعر لهوراتيوس والنقد الأدبي) للأستاذة للدكتورة فاطمة سالم,
حتى يكون نصا معبرا عن روح الكتابة لعصر معين وهو العصر (المتأغرق) الذي يمثل مرحلة مهمة,
وكما ترى أ.د فاطمة سالم, من مراحل الحياة الفكرية وتطورها بمكتبة الإسكندرية القديمة,
والبحث ي عد تعبيرا أصيلا عن فترة من فترات الإنتاج العلمي والفكري في مصر وفي تاريخ الحضارة عموما ,
الذي ساهمت في صنعه فكريا أ.د فاطمة سالم بواسطة أبحاثها وبصورة أساسية.
الأستاذ: سيد حسن أبو راس. أحد طلاب أ.د فاطمة سالم والآن هو أحد الشخصيات البارزة في مجال السياحة بالإسكندرية,
حيث يعمل مديرا عاما لشركة (مصريم) للسياحة بكورنيش الإسكندرية,
بحي سيدي بشر. يقول:إنني أساسا من صعيد مصر تحديدا منطقة (النوبة) حيث مسقط رأسي,
لكنني أتيت إلى الإسكندرية للدراسة الجامعية ومن هنا كانت أول معرفتي بأستاذتي أ.د فاطمة سالم,
حيث إنني في سنة 1964م التحقت بالجامعة للدراسة في قسم الدراسات اليونانية واللاتينية (كلاسيك),
فمن الطبيعي أن تدرسني أ.د فاطمة سالم اللغة اللاتينية, بيد أن فاطمة سالم لم تكن بالنسبة لي أستاذة فحسب,
بل مثلا أعلى يحتذى به في جميع مواقف الحياة.
ولذلك حين أتذكر شخصية أستاذتي لابد أن تمر التفاصيل عبر الذاكرة بدقة متناهية.
إذ كانت أ.د فاطمة سالم مثالا للتفاني وكان لها مقدرة رهيبة في إشعارنا أنا وزملائي من طلابها بتلاشي رهبة الأستاذية لديها فقد كانت في مواقف كثيرة وبشكل طبيعي أختا أكثر منها أستاذة,
قريبة إلى طلابها الذين كان يتراوح أعدادهم بين ثلاثة وثمانية طلاب, وحين كانت تدرسنا كانت تغرس فينا روح البحث العلمي تلك الروح التي كانت أمرا ملموسا وطبيعة في شخصيتها وشخصيات زملائها من أساتذة جيلها فضلا عن طلابهم,
ومن ثم كنا نتعلم المادة العلمية بوصفنا باحثين لا متلقين للمعلومات فحسب, ورغم ندرة المتخصصين في قسم الدراسات اليونانية واللاتينية لصعوبة الدراسة فإن أ.د فاطمة سالم بتفانيها العلمي استطاعت حقا أن تجعل من اللغة اللاتينية وهي لغة صعبة وميتة إلى لغة حية سلسلة مع كل طلابها سواء في مرحلة الليسانس أو الدراسات العليا.
وأنا شخصيا لم يكن تفوقي في اللغة اللاتينية سوى ثمرة مجهودها وأسلوبها في التدريس الذي أعده من وجهة نظري قمة أساليب التدريس.
كيف لي أن أسرد شخصية أستاذتي ؟
ففاطمة سالم كأستاذة قبل كل شيء علمتني كيف أن أتعامل مع العلم بعمق وحب وهو من وجهة نظري أهم بكثير من مجرد التعامل مع المواد بوصفها مواد تخصصية علمية أو مناهج فقط.
وعلى مستوى الحياة تعلمت منها كيف أن يكون الإنسان متواضعا ومن الضروري قبل أن يكون أستاذا أو أي شيء آخر من هذا القبيل,
أن يكون إنسانا . لذلك هناك واقعة مهما بعد بي الزمان لن يستطيع محوها. حين كنت طالبا بالفرقة الأولى أو الثانية على ما أذكر,
انقطعت عن الكلية أسبوعا كاملا بسبب مرضي ولن أنسى أن الأستاذة الجليلة ورئيسة القسم أ.د فاطمة سالم,
كانت قلقلة علي بوصفي أحد طلابها تأتي بعنواني من شؤون الطلاب بالجامعة,
وتجيء لزيارتي في بيتي.. مهما قلت أو وصفت لن أستطيع أن أوفي هذه الزيارة حقها.
لأنها زيارة غرست في نفسي أثرا وعرفت منها معنى التواضع والإنسانية حقا . هل يعقل في زمننا الآن أن أستاذا جليلا يزور طالبا عاديا مثلي بنفسه ...