منتديات جعلان - عرض مشاركة واحدة - فاطمة المعمري...المرأة الأسطورة !
عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 10  ]
قديم 05-17-2010, 07:56 PM
جعلاني فعال


المشاركات
70

+التقييم

تاريخ التسجيل
Jul 2008

الاقامة
دولة الكويت

نظام التشغيل
oman

رقم العضوية
6322

نديم العمر is on a distinguished road
غير متواجد
 
افتراضي
بسم الله الرحمن الرحيم

آللهمَ صل على محمد وآلِ محمد

... حين تأخذني الذاكرة لبعيد فأتذكر شخصية أستاذتي فاطمة سالم دائما خيالي يجعلني أتوقف عند سمة الثبات في شخصيتها,
وإلى أي مدى كانت هذه السمة غالبة عليها في كل المواقف وحين أقول: الثبات أعني بذلك الثبات على تكوين معين ففاطمة سالم كانت دائما شخصية واحدة في كل المواقف تمثل لي: القيمة والخلق والمثل الأعلى في الثقافة والجدية.
فضلا عن الالتزام والثقة بالذات وقوة الشخصية في العمل والإنسانية.
ولذلك مثل هذا النوع من الشخصيات بما لديها من ثبات وقوة وثقة بالذات لم يكن يهمها مطلقا ما يطرح عليها من مناصب أو نفوذ,
إذ كانت فاطمة سالم وجيلها برمته من الرواد شغلهم الشاغل العلم والبحث يؤمنون تماما أن مكانة الإنسان تنبع من مدى علمه وسعة ثقافته لا من رئاسة لقسم في الكلية أو استحواذه لسلطة ما.


ويختتم أ.د سامي شنودة حديثه بكلمات تنطقها عيناه وقد أغرورقت بالدموع: رحمة الله على فاطمة سالم الأستاذة والزميلة فهي ذكرى لا تنسى.


الأستـاذ الدكتـور: لطفـي عبدالوهـاب يحيـى, أستاذ تاريخ الحضارة بقسم الحضارة اليونانية والرومانية حاصل على الدكتوراه من جامعة يونيفرستي كوليدج ـ لندن (Universty College of London) يقول: إنني عاصرت أ.د فاطمة سالم في مصر من قبل ابتعاثي إلى لندن فضلا عن أنني عرفتها بشكل أكثر قربا في لندن,
لأن الجامعة التي درست فيها هي ذاتها التي واصلت فيها فاطمة سالم دراستها الجامعية مرحلة الدكتوراه,
وأتذكر جيدا وقبل حصولي على الدكتوراه في بداية الخمسينيات أنني كنت أقابل فاطمة سالم كثيرا بجامعة لندن إذ كانت تعد أبحاثا هناك.
ولما كانت الغربة تتيح مساحة أوسع للاقتراب من الآخر ومعرفته فضلا عن استكشاف جوهره,
فإنني في لندن عرفت أشياء جميلة وطريفة في مكنون فاطمة سالم لم أكن أعرفها خلال معرفتي بها في مصر.
من هذه الأشياء واقعة لن أنساها من كثرة غرابتها وطرافتها. إذ كان لنا صديق مشترك من كينيا اسمه (جوزيف مورمبي) وفي ذلك الوقت كان نائبا لرئيس حزب الاتحاد الأفريقي,
ولأنني كنت على صلة حميمة به كنت أدعوه لإلقاء المحاضرات في الندوات التي تقام في جامعة لندن بخصوص قضية استقلال كينيا.
فصديقنا هذا الذي أصبح فيما بعد نائبا لرئيس جمهورية كينيا بعد استقلالها,
أتى معي في يوم للغذاء في كفتيريا الجامعة,
وبما أنني كنت أقابل فاطمة سالم كثيرا في الكافتيريا فقد صادف هذا اليوم أن قابلناها.. وفوجئت في الجلسة أن فاطمة سالم تتكلم مع صديقي الكيني بلغة لم أفهمها,
وعرفت فيما بعد أنها اللغة السواحلية فمن هذا الموقف فقط عرفت أن فاطمة سالم رغم جنسيتها المصرية أنها تمتد بجذورها العائلية إلى زنجبار وأنها من مواليد هذه الجزيرة,
أسعدتني المفاجأة وضحكت لها كثيرا بيد أنها أدهشتني كذلك لأنني كنت أحسب أن فاطمة سالم مصرية أبا عن أم.

بالنسبة إلي أعتبر أ.د فاطمة سالم من جيل أساتذتي وأعد نفسي من جيل طلابها ورغم أنني لم أكن تلميذا مباشرا لها,
فإنني أتذكر لها مواقف كثيرة يشوبها الحكمة منها على سبيل المثال: قيامها في منتصف الستينيات بأعباء رئاسة القسم خلفا للدكتور علي حافظ, وقد كانت رئاستها محبوبة لدينا جميعا إذ كانت تتسم بكل الاتزان والعدل مع الآخرين,
ولذلك فإنني لا أستطيع أن أنسى شخصيتها.. لقد كانت شخصية جبارة في حقيقتها وهذه الصورة راسخة في ذهني لأنها مع ذلك كانت متواضعة جدا رغم عظمة مكانتها وأستاذيتها تواضع غير عادي ـ فمثلا ـ رغم معرفتي في قرارة نفسي بقدري وضآلة حجمي العلمي أمامها إلا أنها كانت تشعرني وكأنني في نفس مستواها العلمي.. ليس فقط ذلك بل لديها القدرة أن تجعلك أن تصدق ذلك.. فمثلا : كانت في مواقف كثيرة تأتيني لتأخذ رأيي في موضوع من الموضوعات العلمية,
ليس بغرض التقييم من حيث الخطأ أو الصواب, بل بغرض المشاركة في الرأي العلمي وقد كنت ـ وما زلت ـ أرى ذلك قمة في الثقة بالذات وسعة أفق في التعامل الأكاديمي,
وفرادة شخصية فاطمة سالم كانت في مواقف أخرى كثيرة حتى على المستوى الاجتماعي ـ فمثلا ـ أتذكر ونحن في لندن كانت كثيرا ما تسألني عن الزملاء حين لا تراهم لفترة طويلة وكنت دائما أشعر من طريقة السؤال ونبرة الصوت أن السؤال ليس الغرض منه الفضول, بل الشعور الصادر برغبة الاطمئنان عليهم.

ومثل هذه الصفات كانت من القوة والأساس بحيث تجعل الصورة راسخة في الذهن دائما بالنسبة لجيل الرواد الذي كانت فاطمة سالم منه,
ذلك الجيل الذي أعده محل تقديري وأنظر إليه دائما بنظرة تقديس فقد كانوا حقا أ ناس يستحقون أكثر من ذلك إذ أنهم كانوا مستغرقين في العلم يجيدون ما يفعلون بدون تظاهر أو ادعاء علمي وإنما جدية في كل شيء ومعرفة حقيقية فحين أقارنهم في ذاتي بالجيل الحالي لا أرى وجها للمقارنة فقد كانوا ممتازين في كل ما يفعلونه... حبهم للمعرفة إلى درجة تتبعها وتقصيها وإيمانهم العميق بأن المعرفة هي البصمة المميزة أو العلامة للأستاذية الحقيقية لا الدرجات العلمية أو الأكاديمية فحسب مثل: مدرس أو أستاذ مساعد أو أستاذ.

لذلك كل هذه الدرجات أو المسميات الأكاديمية لم تكن موضع اهتمام بالنسبة إليهم,
إذ كانت تأتي بشكلها الطبيعي من جراء مجهودهم العلمي دون سعي ورائها,
ولذلك حين أتذكر أستاذتي فاطمة سالم وغيرها ممن رحلوا عن دنيانا من أساتذة جيل الرواد أقف لهم جميعا في قرارة نفسي,
وقفة إجلال واحترام, حقا لم تكن مسألة الأستاذية لديهم وظيفة, بقدر ما كانت رسالة سامية تستحق كل التضحية.

إنني حزين لرحيل أ.د فاطمة سالم وأتمزق ألما من الداخل لاسيما حين أتذكر مواقفها الكثيرة ولمساتها الخاصة. فقد كان كل موقف من مواقفها كافيا ليستشف منه مبدأ وحكمة وفلسفة في الحياة.. وحتى لا تبدو كلماتي وكأنها مبالغة,
الذاكرة تسترجع موقفين من تلك المواقف التي يستشف منها الكثير.. أنني أتذكر خلال الستينيات وحين تحول اسم قسم الآثار اليونانية والرومانية إلى قسم الحضارة اليونانية والرومانية وض م إليه قسم (الكلاسيك) أو الدراسات الأوروبية القديمة والذي ض م إليه بعد ذلك قسم الآثار فأصبح اسمه قسم الحضارة اليونانية والرومانية,
الذي كان يرأسه الدكتور عواد ونتيجة لسفره الأخير لإعارة خارجية, كان من الطبيعي والمفترض أن تكون أ.د فاطمة سالم هي رئيسة القسم. بيد أنها رفضت بشدة وتنازلت عن هذه الرئاسة ورغم إلحاح الجميع عليها ومحاولتي جاهدا من موقع التلميذ الذي يحاول أن يقنع أستاذته بالموقف, فإنها رفضت بشدة ولن أنسى جملتها إذ أدهشتني حين قالت: (حنكون رؤساء أكثر من مرة كفاية كده علشان إنتم كمان تأخذوا فرصتكم) وحدث ما لم أكن أتوقعه أنها صممت بأن أكون أنا رئيس القسم رغم أنني آنذاك لم أكن أستاذا مثلها, بل أستاذا مساعدا فقط.

وحين أتأمل هذا الموقف النادر حدوثه في زمننا الحالي,
أراه ينطوي على معان كثيرة منها: أن أ.د فاطمة سالم كانت على درجة من العمق والنظرة الفاحصة للآخرين من حولها,
وعليه فإنها كانت تسبر أغوار الآخر لاكتشاف نواحي كفاءته وقدراته, ومن وجهة نظرها ليس بالضرورة أن ترتبط هذه النواحي بدرجة أكاديمية معينة.
إذ أن هذه الدرجات في قرارة نفس فاطمة سالم مجرد شكليات ورئاسة القسم تحتاج إلى الكفاءة الإدارية في المقام الأول لا إلى درجة الأستاذية فحسب,
كما أن تنازل فاطمة سالم وهي الأستاذ عن رئاسة القسم يؤكد فكرها وسلوكها من حيث كونها لا تلقي اهتماما لمسألة المنصب,
وأن الأخير ليس موضع اهتمامها سواء رأست القسم مرة أو مرتين أو لم ترأسه على الإطلاق ففاطمة سالم هي فاطمة سالم رمز من الرموز سواء برئاسة القسم أو بدونها,
وموقعها كرمز سيظل خالدا ومحفوظا سواء بوظيفة إدارية أو بدونها إذ المناصب بالنسبة إليها مجرد مسؤوليات.

وكما أسلفت أن فاطمة سالم كانت سيدة ذات لمسات خاصة ضمن هذه اللمسات ما زلت أسترجعها,
أنه حين عودتي من البعثة من لندن, كنت أنا وزوجتي نقطن فيلا صغيرة بالإسكندرية,
فجاءت أ.د فاطمة سالم لزيارتنا كي تبارك لنا وكانت هذه الزيارة هي زيارتها الأولى لنا بعد عودتي من البعثة ولن أنسى هديتها اللاتقليدية إذ اشترت لنا فانوسا صغيرا وجميلا وغاليا جدا أحضرته خصيصا كقطعة ديكور لتزين بلكون (شرفة) الفيلا. وحين أتأمل طبيعة الهدية أجدها حقا تعكس فكر فاطمة سالم الذي يرمي دائما إلى الأمام والبعيد,
فهي حتى في هذا الموقف البسيط, أرادت أن نتذكرها بشيء جميل وأيضا نافع ومستديم.
بينما نجد السواد الأعظم من الناس في مثل هذه المواقف يقدمون هدايا تقليدية مؤقتة مثل زهور أو علبة شكولاته سرعان ما ت ستهلك فت نسى.



الأستاذ الدكتور: مصطفى عبدالحميد العبادي أستاذ الدراسات الكلاسيكية بكلية الآداب بجامعة الإسكندرية يقول:اسم فاطمة سالم اسم عزيز جدا علي ولولا هذا الاسم ما اقترنت معرفتي بالتراث اليوناني والروماني,
ذلك لأنني التحقت بكلية الآداب عام 1947م,
وكان نظام الدراسة وقتها يسمح باختيار مواد تتصل بمجال التخصص, ولما كانت رغبتي تتجه نحو دراسة التاريخ اليوناني والروماني,
فإنني قمت باختيار دراسة اللغة اللاتينية في الفرقة الأولى بجانب المواد التخصصية الإلزامية الأخرى والمقررة على كل السنوات في مراحل الدراسة مثل: مادة التاريخ واللغتين الإنجليزية والعربية.. ومن ثم كانت أ.د فاطمة سالم هي أول مَنْ علمتني اللغة اللاتينية في الفرقة الأولى, ومن هنا بدأت معرفتي بهذه اللغة كثقافة جديدة وغريبة علي , فضلا عن معرفتي بأستاذتي والتي استمرت من سنة 1947م حتى يومنا هذا.

وحقيقة الأمر أن معرفتي بالدكتورة فاطمة سالم لم يوطدها محدودية عدد الطلاب الذين كانوا يدرسون اللاتينية معها فحسب;
إذ كنا اثني عشر طالبا من مختلف الأقسام: تاريخ إنجليزي.. إلخ, بحكم أن طبيعة المادة كانت اختيارية فعددنا القليل وتدريس فاطمة سالم لنا أربع مرات في الأسبوع كان ضمن أسباب توطيد هذه الصلة,
بل بالنسبة إلي بالإضافة إلى ما سبق كان هناك أسباب أخرى لتوطيد هذه الصلة;
إذ أن أ.د فاطمة سالم كانت تعرف والدي منذ أن كانت في جامعة القاهرة,
وهي نفس الجامعة التي كان يدرس فيها والدي قبل قدومه إلى جامعة الإسكندرية وعمله أستاذا بقسم التاريخ بكلية الآداب,
وفيما بعد عميدا للكلية.
وكنت دائما أسمع الكثير عن أ.د فاطمة سالم من والدي فمثلا من خلاله عرفت أنها من خريجات جامعة القاهرة,
فضلا عن أنها كانت من الطالبات المقربات جدا للأستاذ الدكتور: طه حسين ـ رحمه الله ـ فهو الذي شجعها على التخصص في الدراسات الأوروبية القديمة (لاتيني ويوناني),
وفيما بعد حين تعرفت على د. فاطمة سالم كانت تقول لي نفس ما كنت أسمعه عنها من والدي.
ورغم أنها لم تكن طالبة مباشرة للأستاذ الدكتور طه حسين,
ذلك لأن في الفترة التي التحقت فيها فاطمة سالم بجامعة القاهرة وكان ذلك تقريبا في نهاية العشرينيات بداية الثلاثينيات,
كان أ.د طه حسين عميدا لكلية الآداب بجامعة القاهرة وأستاذا للأدب العربي,
وكان معروفا عنه اهتماماته بمجال التاريخ اليوناني حتى أنه في سنة 1925م حين تأسست جامعة فؤاد الأول (القاهرة حاليا ),
قام بتدريس التاريخ اليوناني وهي نفس المادة التي كان ي درسها فور عودته من البعثة في بداية العشرينيات,
ومن هذا المنطلق كان تشجيعه الدائم لفاطمة سالم على التخصص في مجال الدراسات الرومانية واليونانية القديمة أو ما يطلق عليها الدراسات الكلاسيكية,
ومن هنا كانت الصلة الوطيدة بين فاطمة سالم وطه حسين ...