منتديات جعلان - عرض مشاركة واحدة - فاطمة المعمري...المرأة الأسطورة !
عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 9  ]
قديم 05-17-2010, 07:51 PM
جعلاني فعال


المشاركات
70

+التقييم

تاريخ التسجيل
Jul 2008

الاقامة
دولة الكويت

نظام التشغيل
oman

رقم العضوية
6322

نديم العمر is on a distinguished road
غير متواجد
 
افتراضي
بسم الله الرحمن الرحيم

آللهمَ صل على محمد وآلِ محمد

وبمناسبة افتتاح مكتبة الإسكندرية في عهد الرئيس محمد حسني مبارك, تحديدا في أكتوبر 2002م,
ذلك الافتتاح الذي عد حدثا ثقافيا جللا على مستوى العالم بأكمله.
فبمناسبة هذا الحدث الثقافي شاركت جامعة الإسكندرية بإصدار عدد تذكاري لمجلة كلية الآداب,
يتكون من خمسة مجلدات, حوت دراسات عريقة وأبحاث جادة كتبها كبار الأكاديميين المتخصصين عن كل ما يتعلق بالإسكندرية.
وبلغات مختلفة: العربية والإنجليزية والفرنسية, وغنى عن البيان أن الغرض من إعادة نشر تلك الأبحاث,
وضعها موضع التناول للجميع من أجل المعرفة والإفادة, ومن ثم أختير بحث أ.د فاطمة سالم (فن الشعر لهوراتيوس) لإعادة نشره في كتاب: (الإسكندرية عبر العصور في ذاكرة المجلة ـ بمناسبة افتتاح مكتبة الإسكندرية),
طبعة جامعة الإسكندرية, كلية الآداب, المجلد الأول, ص ص 175ـ235.

وبالرجوع إلى ما سبق نلاحظ أن اسم أ.د فاطمة سالم قد ضم ضمن الواجهة الثقافية التي أحيطت بالإسكندرية مرتين: الأولى حين إنشاء جامعة الإسكندرية سنة 1942م في القرن الماضي,
والثانية: حين إعادة بناء مكتبة الإسكندرية وافتتاحها سنة 2002م, القرن الحادي والعشرين.
ومن ثم فإن تكريم فاطمة سالم جاء عظيما قويا , معززا بصور أخرى حية أكيدة تتمثل في كلمات زملائها وطلابها وكل مَنْ عرفها.
وليس بغرو أن هذه الشخصية التي اتسمت بالتواضع الاجتماعي الشديد الذي حال دون توقع عظمة مكانتها في مواقف كثيرة,
أن تنال مكانة خاصة ومعاملة مميزة خلال مرحلة حياتها الثانية المتمثلة في وطنها الأم سلطنة عُمان من (سنة 1974م ـ سنة 2002م),
فرغم أن السواد الأعظم من الناس لم يعرف ما لها من مرجعية مكانية وتاريخ,
إلا أن الجميع احترمها وقدرها لاسيما أصحاب وصاحبات السمو من أفراد العائلة المالكة (آل سعيد),
وبعض الشخصيات المرموقة ومسؤولي الدولة الذين كانوا على دراية تامة بمكانتها ومن ثم قدروها وأحاطوها برعاية جمة ومعاملة خاصة أثناء حياتها وحتى وفاتها.


عاشراً: ماذا قالوا عنها ؟

ها هي الأمكنة: جامعة الإسكندرية, حي الشاطبي, شارع هيرودوت حي الأزاريطة,
شارع بورسعيد, حي سموحة وسيدى بشر, ميدان علي بن أبي طالب,
دار أحمس خليفة للمسنين.. جميعها أمكنة شهد مَنْ فيها ذكرى فاطمة سالم..
فالشخصيات تستنطق مفردات الأماكن وتجتر ذكرياتها,
لتنثر على أريكة الزمان مختلف المشاهد والصور التي ستبقى دوما شاهدا على المرأة التي كانت يوما وهج تلك الأمكنة وبريق زمانها.. ولأنها كذلك فإن ما قيل عنها من أ ناس عاصروها وعرفوها عن كثب لا ي عد مجرد شهادات,
بل أحاديث تسمو إلى أعلى درجات الرصد والتوثيق للواقعة والمشهد, ولا تدع أدنى مجال للشك,
إذ صدرت الأقوال عن دراية كاملة للملمح الحقيقي لشخصية الفضلى فاطمة سالم: الباحثة والمربية والمبدعة,
وقبل كل ذلك الإنسانة التي كر ست حياتها خدمة للع لم والبحث واستشراقا للموضوعية والمنهاجية.

ومن ثم دعونا نسمع كيف سيحكي شهود العيان ذكرياتهم معها ؟
وكيف سيرد وصفهم لها ؟
إذ قربهم منها كان كفيلا بقهر أي طمس زمني,
فجاءت كلماتهم عن الأمس البعيد وكأنه قريب.. مشجوة بلحظات وخلجات تمور بالحيوية والصدق وبأبهى صور الحب,
كما أن الكلمات تفتح آفاقا للمخيلة كي تتماهى مع زمن رغم ماضيه يظل حاضرا يفيض بسرابية الحلم ووضوح الأمنية.

ولأنهم كانوا الأصدقاء والأهل والزملاء والتلاميذ فهم الأحرى بالرواية الصحيحة عنها. فترى ماذا قالوا عنها ؟


الأستاذ الدكتور: سامي شنودة كان طالبا لدى أ.د فاطمة سالم ثم زميلا لها فيما بعد بنفس قسم الآثار والحضارة اليونانية والرومانية القديمة بكلية الآداب جامعة الإسكندرية. يسترسل قائلا عن الراحلة في حزن عميق يؤكده فيض دموعه تأثرا بالموقف حين علم بوفاتها.. فاطمة سالم بالنسبة لي تعني كل شيء.. حياتي بأكملها بالإسكندرية.. دخولي والتحاقي بالقسم ليس هذا فحسب,
بل إنشاء القسم وتطوره ورحلاته, وكل ما يتعلق به يرتبط بفاطمة سالم.
ومن ثم إذا ما قلت فاطمة سالم لا أستطيع أن أربط هذا الاسم بموقف أو بشيء معين لأن حياتي كلها مرتبطة بها.
وعلاقتي بالمرحومة أ.د فاطمة سالم بدأت منذ عام 1940م واستمرت إلى أن رحلت عن مصر وانقطعت أخبارها بيد أنها ظلت دائما في القلب والخاطر.
لذلك أتذكر لها مواقف كثيرة تنم بالفرادة منها: أنها حصلت على الدكتوراه من جامعة لندن,
قد لا أستطيع تحديد التاريخ بالضبط, لكن ذلك كان من المؤكد في منتصف الخمسينيات لأنني أتذكر جيدا أن قبل عام 1956م.
لم يكن عميد الكلية حاملا لدرجة الدكتوراه ولا من جاء من بعده من عمداء,
وعليه فإن الكلية خلال 1956م, قامت باستبعاد بعض الأساتذة من القسم لعدم نيلهم درجة الدكتوراه باستثناء الدكاتره: فاطمة سالم, محمد مندور, علي حافظ.

ولما كانت اللغة اللاتينية تدرس منذ 1942م بقسم الآثار والحضارة اليونانية والرومانية,
بكلية الآداب جامعة الإسكندرية, وكانت عبارة عن مقرر إلزامي لكل مراحل التعليم الجامعي,
فإن مَنْ قام بتدريسها كانوا أساتذة أجانب باستثناء الدكتورة: فاطمة سالم فقد كانت أول امرأة مصرية عربية تجرؤ على تدريس هذه اللغة. وحين أقول: امرأة مصرية عربية أو عربية مصرية أقصد بهذه الثنائية علمي بجذور عائلتها,
إذ أن فاطمة سالم تنتهي بأصولها العربية إلى زنجبار وأعلم أنها من مواليد أرقى العائلات العربية بتلك المنطقة, وكانت تتحدث اللغة السواحلية بجانب اللغات الأخرى,
كما كانت تعلمنا مقاطع منها ورغم علمي ويقيني أن فاطمة سالم كانت مصرية بالتجنس فقط,
فإنني لم أكن أعلم أن أصولها العربية تعود إلى سلطنة عُمان قبل زنجبار,
ولكن أود أن أؤكد أن مسألة الجنسيات بالنسبة لزماننا لم تكن موضع اهتمام أو نقاش فقد كنا نتعامل كعائلة واحدة.

وبما أن الدكتورة فاطمة سالم كانت متخصصة في اللغة اللاتينية فإنني كنت أحد طلابها,
وأتذكر أنه في السنة الأولى من دراستي لهذه اللغة حصلت على أعلى درجة إذ منحتني أستاذتي أربع عشرة درجة من عشرين, وهي تعد درجة ممتازة إذ أقصى درجة كان يطمح إليها الطالب آنذاك في مادة اللغة اللاتينية هي اثنتا عشرة درجة.

أ.د فاطمة سالم درستني لمدة ثلاث سنوات وكنا في سنة 1942م لا نتجاوز الخمسة طلاب في المحاضرة مع العلم أن بالقسم كان يوجد خمسة أساتذة أجانب فضلا عن عدد محدود من المصريين منهم فاطمة سالم والدكتور مندور.
وكانت محاضراتنا عادة بعد الظهر ولذلك كانت أ.د فاطمة سالم تسافر من القاهرة إلى الإسكندرية,
إذ كانت في تلك الفترة لم تستقر بعد في الإسكندرية, ورغم عناء ومشقة السفر كانت لا تنسى أن تشتري لنا خمسة باكوات شوكولاته (كورونا), باكو لكل واحد منا,
في الحقيقة كانت امرأة حميمة في معاملاتها لنا فقد كنا بالنسبة لها طلابها وأولادها وإخوانها إلى درجة أنها حين استقرت بالإسكندرية وأخذت شقة بحي الشاطبي بجوار الكلية,
كانت تهتم جدا أيام الامتحانات أن تعزمنا في شقتها وتطبخ لنا الملوخية والفراخ.. ونتغدى جميعا من أكل لذيذ من ص نع يديها.

إن معاملة فاطمة سالم لنا كانت ذات بصمة خاصة, إذ تشعرك هذه المعاملة بتلاشي كل الفجوات الجافة التي قد تكون بين الإنسان والآخر.
لأن بطبعها الإنساني كانت حساسة جدا حنونة ولماحة لشعور احتياج الآخر لها,
والعطاء لديها لم يكن له حدود يكفي أن أقول: إنها كانت مستعدة للشرح ولفتح الكتاب في أي وقت وفي أي مكان طالما أن الطالب جاد في مطلبه.
فاطمة سالم كانت تنتمي إلى جيل الرواد من الأساتذة وهذا الجيل كان له سماته الكثيرة منها: معرفتهم لكل طلابهم والمتابعة الدقيقة لهم, إذ أن محدودية عدد الطلاب كان يعزز الرسالة السامية للتعليم من حيث كونها علاقة بناءة على كل المستويات التي تربط بين طرفين: الأستاذ من جهة والطالب من جهة أخرى,
ومن ثم العلاقة بين الطرفين لم تكن لتنتهي مع انتهاء المحاضرة, بل تمتد لخارج أسوار الجامعة.
ويكفي أن أمثل على ذلك بأننا في رحلاتنا الجامعية كان يصطحبنا أساتذتنا جميعا وعلى رأسهم عميد الكلية.. طبعا مثل هذه المثالية في العلاقة لا وجود لها الآن على الإطلاق لاسيما مع التزايد الرهيب لأعداد الطلاب والطالبات في الجامعة .