بسم الله الرحمن الرحيم
آللهمَ صل على محمد وآلِ محمد
كيكـر والخطب الكتيلينيـة, القاهـرة, المطبعـة العالميـة بضريح سعد, سنة 1956م, ص ص 3-128.
وبالرجوع إلى تلك الأبحاث سنلاحظ أن الأغلب الأعم منها كان بحوثا ترقية ن شرت بمجلة علمية (أكاديمية) محكمة هي: مجلة كلية الآداب بجامعة الإسكندرية.
بيد أن الملاحظ في هذه الأبحاث أنها أبحاث مطولة,
تجاوز بعضها عدد المائة صفحة, الأمر الذي ي عد مخالفا لقانون النشر في مثل هذه المجلات بالنسبة لوقتنا الحالي,
ذلك القانون الذي يقتضي أن لا يكون البحث كتابا وأن لا يتجاوز صفحاته عدد الخمس والعشرين صفحة,
بحيث يكون ذلك شاملا لقائمة المصادر والمراجع. وهنا يجب التوضيح أن هذا الأسلوب كان متبعا ومسموحا به بالنسبة لجيل الرواد من الأساتذة لاسيما من يشتغلون في مجال الدراسات اليونانية واللاتينية
وربما الطبيعة المطولة في أبحاثهم كانت سببا لقلتها. لما تنطوي عليه اللغتان اليونانية واللاتينية من صعوبة بالغة حين دراستهما.
ومرجعية ذلك أن ترجمة كلتا اللغتين تقتضي وجود قواميس لغوية قد لا تتوافر في آحايين كثيرة,
فضلا عن تراكيب نحوية خاصة بطبيعة اللغتين.
وبالنسبة للغة اللاتينية التي تخصصت فيها أ.د فاطمة سالم. غني عن البيان أن طبيعة هذه اللغة ميتة أي غير منطوقة, وضمن صعوبات هذه اللغة أنها لغة تعنى بنهايات الكلمات أكثر من عنايتها بترتيب الجملة,
تلك النهايات التي يطلق عليها بالخواتيم والتي تتغير وفقا لطبيعة الكلمة (اسم, فعل, حرف ... إلخ).
فمثلا إذا كان ترتيب الجملة الفعلية في اللغة العربية يقتضي وجود فعل وفاعل ثم تكملة الجملة,
وترتيب ذات الجملة في الإنجليزية يقتضي وجود فاعل وفعل وتكملة, فإن اللاتينية تختلف اختلافا بينا , إذ ليس بالضرورة أن يأتي الترتيب على النحو السابق فقد يكون الفعل في نهاية الجملة مفصولا عن فاعله وبقية كلمات الجملة بسطور عديدة.
والترجمة الصحيحة لأي نص لاتيني لا تتم إلا بمعرفة موضع الفعل وطبيعة نهايته.
فضلا عن أن دقة الترجمة تأتي بتحديد معنى الكلمة في إطار السياق وفي إطار علاقتها بالسوابق واللواحق.
وتكمن صعوبة ترجمة الكلمة اللاتينية في البحث عن معناها من خلال معاجم أو قواميس وسيطة, إذ ليس هناك قاموس لاتيني عربي, ومن ثم يجب تحديد معنى الكلمة اللاتينية من خلال السياق أولا ثم البحث عن ترجمتها من خلال قاموس وسيط (لاتيني ـ إنجليزي) أو (لاتيني ـ فرنسي), ثم العودة إلى القاموس العربي للبحث عن معنى ملائم للكلمة اللاتينية, والموجه في ذلك هو المعنى الوسيط الإنجليزي أو الفرنسي. وعليه فإن ترجمة النصوص اللاتينية تستغرق زمنا طويلا .
ثامنا : مقاطع من أبحاث أ.د فاطمة سالم
تقول: أ.د فاطمة سالم شارحة منشأ الكوميديا في روما وكيف كان هذا المنشأ في الأصل رقصات تصاحب الناي ثم طورت من قبل الشباب,
بإضافة حوارات إليها, طورت فيما بعد إلى عروض مسرحية غنائية تتضمن موضوعات مختلفة تؤدى بشعر غنائي يتألف من مختلف الأوزان ويطلق عليه فن (الساتورا)
ففي ذلك تقول: <<الساتورا عرض مسرحي غنائي لمشاهد من مختلف الموضوعات تصور بمزيج من النثر والشعر بمصاحبة الموسيقى.
وشعر الساتورا من مختلف الأوزان. ولكن رغم هذا المزج فإن أنغام الساتورا كانت تتألف مع كلماتها وحركات ممثليها تآلفا فنيا جميلا ,
ثم ارتقت الساتورا إلى عرض مسرحي تنقصه عقدة الملهاة يقوم به رجال محترفون. وساهمت الساتورا في تكوين الكوميديا والهجاء>> (أندريا ترنتيوس, 1964م, ص201).
وفي موضع آخر من أبحاثها تتكلم عن (شيشرون) ووضعه أسس فن الخطابة والشروط التي يجب توافرها في الخطب
فتقول: <<ولم ينس شيشرون أن يربط بين جمال الأسلوب ووضوح الفكرة, وهو يرى أن الفصاحة تكون دائما نتاجا بين هذا الجمال والوضوح على أنه يرى أن الفكرة يجب أن تسبق الكلام من ناحية ترتيبها والتأمل في مضمونها,
ثم إنه يؤكد أن نجاح الخطيب يتوقف على إدراكه لطبيعة النفس الإنسانية ودراسة ميولها ورغباتها حتى تكون لغة الخطيب متسقة مع عواطف الناس وإحساساتهم,
وحتى ينجح الخطيب في إثارة الناس وإذكاء حماسهم لما يقول وانفعالهم به واستجابتهم له,
وعلى ذلك حدد شيشرون واجب الخطيب في ثلاث كلمات وهي أن <<يمتع ويعلم ويثير>> (فن الشعر لهوراتيوس, النقد الأدبي, كتاب الإسكندرية عبر العصور..., المجلد الأول, 2002م, ص182).
كما تتكلم عن تأثير الرسائل في مجتمع روما إبان عام 63 قبل الميلاد فتقول: <<كانت الرسائل التي يتبادلها رجال السياسة وقادة الفكر والرأي في هذا الوقت فنا أدبيا رفيعا ينال من عناية الكاتب ومن اهتمام القارئ قسطا عظيما .
وقد تتداول هذه الرسائل إن لم يكن لها صفة السرية, فتقرأ في حلقات الأصدقاء,
وتقرأ أحيانا في الاجتماعات العامة ويعجب الناس بأسلوبها وبفنها وبلاغتها. فإن كانت خاصة فهي أصدق تعبيرا ,
وقد تكون أكثر استرسالا مع السليقة دون تعمل ولا تصنع>> (كيكرو الخطب الكتيلينية, 1956م, ص20).
تاسعا: الريادة والتكريم
حين الحديث عن ريادة أ.د فاطمة سالم نجد هذه الريادة ترتبط بمستويين: الأول, هو الشرق الأوسط بصفة عامة والثاني, دول مجلس التعاون والخليج العربي بصفة خاصة.
فبالنسبة للمستوى الأول, تعد أ.د فاطمة سالم سيف رائدة من رائدات القرن العشرين في المجال الأكاديمي,
على مستوى الشرق الأوسط, وذلك لانتمائها إلى أول دفعة بنات تخرجن من الجامعة بدرجة ليسانس سنة 1933م.
وأيضا لانتمائها إلى الدفعة الثانية من السيدات اللائي حصلن على درجة الدكتوراه سنة 1955م,
إذ سبقت هذه الدفعة دفعة أولى تمثلت في الدكتورة: فاطمة عابدين أول إمرأة عربية (مصرية) نالت درجة الدكتوراه على مستوى الشرق الأوسط وذلك في سنة 1949م. في مجال الطب, تخصص علم (الباثولوجي).
أما على مستوى الخليج العربي ودول مجلس التعاون وبالطبع منها سلطنة عُمان, ففاطمة سالم هي أول مَنْ حظي بالتعليم العالي وحصلت على الدكتوراه,
إذ لم يسبقها في ذلك رجل ولا امرأة, وهذا من باب التصحيح التاريخي, ومن باب الإفادة إذ الكثير يغيب عنهم ذلك.
ولكون أ.د فاطمة سالم رائدة من رائدات القرن الماضي, كان من الطبيعي أن تستتبع هذه الريادة بالاعتراف والتعبير بما تستحقه الشخصية,
لما لها من تميز وخصوصية. ومن ثم تكريم فاطمة سالم أخذ أشكالا عدة ومستويات مختلفة.
ـ فعلى مستوى الدولة, كرمت أ.د فاطمة سالم بميدالية ذهبية تذكارية, من قبل الزعيم الراحل: محمد أنور السادات,
وذلك في سنة 1978م, خلال الاحتفال الذي أقامته جمهورية مصر العربية, تكريما وعرفانا للدور البناء الذي قام به جيل الأوائل من رواد ورائدات القرن العشرين.
ـ وعلى المستوى الجامعي, كرمت أ.د فاطمة سالم في سنة 1978م بشهادة تقدير من قبل جامعة الإسكندرية تضمنت الشكر والامتنان والعرفان بجهودها في مجال الأبحاث العلمية,
فضلاً عن أداء رسالتها في مجال التعليم وخدمة المجتمع طوال مدة خدمتها وبوصفها أستاذة للغة اللاتينية.
ـ وبالانتقال إلى سلطنة عُمان كرمت أ.د فاطمة سالم على مستوى السلطنة وذلك في (1) ديسمبر سنة 1982م,
في الاحتفال الذي أقامته وزارة التربية والتعليم وشؤون الشباب ـ بالنادي الجامعي (الثقافي حاليا) بمنطقة القرم,
مسقط العاصمة ـ من أجل تكريم الخريجين, وقد تم تكريم أ.د فاطمة سالم بوصفها أول خريجة جامعية فضلاً عن نيلها درجة الدكتوراه على مستوى نساء ورجال السلطنة قاطبة.
ولم يتوقف تكريم أ.د فاطمة سالم عند هذا الحد, بل أخذ أشكالا أخرى غير مباشرة, وغير منطوقة,
بيد أنها تؤكد التواصل المستمر مع الذكرى ودلالات الخلود عبر الزمان.
ـ إذ أن كليـة الآداب بجـامعـة الإسكندريـة, وبمناسبـة احتفالهـا باليوبيـل الذهبـي (سنة 1942مـ 1992م) أصدرت كتابا ,
طبعه دار المعرفة الجامعية, تضمن اسم أ.د فاطمة سالم في صفحة (29) ضمن أسماء الأساتذة المعترف بإسهاماتهم وجهودهم في النهوض بقسم الدراسات الأوروبية سنة 1963م.
لاسيما بعد رحيل الأساتذة الأجانب خلال أزمة العلاقات المصرية البريطانية التي بدأت في سنة 1951م.