بسم الله الرحمن الرحيم
آللهمَ صل على محمد وآلِ محمد
فاطمة المعمري...المرأة الأسطورة !
هي رائدة عمانية من رواد القرن الماضي
أشرقت في زنجبار وعلمها أضاء نوراً في مصر واستقرت في حضن عُمان
لم تتزوج وكانت أما حنونا لكل إخوانها وأخواتها وأبنائهم
عاصرت حركة التنوير بمصر ونالت الدكتوراه بلندن عام 1955
عميد الأدب العربي يجبر مجلس الوزراء المصري على منحها الجنسية
وإليكم التفاصيل
.
.
.
.
الأستاذة الدكتورة "فاطمة المعمري" حياتها في أسطر
حين نتكلم عن التفرد والتميز والنجومية، فقد اعتادت الاقلام ملء الصفحات بكلمات تمازج بين الواقع والخيال.. وربما تؤثر المبالغة على الحقيقة.. فتنبهر العيون بتعابير تكسي الرموز بريقا وتألقا.. ويغيب الوعي سعيا وراء سراب، ولكن ماذا عن حقيقة ما؟.. حقيقة عاشت بيننا وتعايشنا معها.. وفي يوم باتت شمس راحلة.. حلم يتلاشى مع الفجر.. نتألم لرحيله، ننفجع لذكراه، لكن يراودنا امل عسى مثيله كائنا في يوم ما.. طالما ان الزمن سرمدي.
ان يكون الانسان في طليعة اقرانه او رائدا من رواد عصره.. فهو بلا شك شخص يستحق التقدير والتكريم.. ولكن ان يكون هذا الرائد (امرأة) متفردة في زمن لا يؤمن بتعليم المرأة ولا عملها.. وفي مجتمع كالمجتمع المصري ان حاول جاهدا ان يرقى نحو الافضلية، اكاد ازعم انه خفق في الانفصال الكامل عن توائمه من المجتمعات العربية الاخرى التي تسعى تطرفات الجهالة والتخلف فيها حثيثا نحو سبي كل سبل الفكر ودروب التنوير.. اننا حقا ازاء موقف يستوجب الدهشة والفخار والتوقف والدراسة للتعلم والاقتداء. انها الاستاذة الدكتورة فاطمة بنت سالم بن سيف بن سعيد المعمري.
ولأن الحب هو التفتح نحو الآخر.. والتقبل.. وهو محاولة تقديم الآخر دون مبالغة او تحريف.. فاني لاستطيع التكهن بالمدى الذي يمكن ان يصل اليه هذا الصوت الذي يحاول ان يرسم فضاءات الذاكرة، وقد كرستها تجربة ذاتية مع هذا الآخر، الذي اكاد ازعم الآن وبعد كل هذه السنوات انه (انا)، فلكم قرأت صيرورتي على يديها، ولكم استبقت الزمن المقبل في عينيها، ولانني لست بصدد الخوض في تداعيات الذات، بقدر ما احاول ان اكون مجرد شاهد على تجربة انسانية فريدة وراكزة، فانني سأعمد الى بوح من نوع آخر.. بوح يمازج ما بين التاريخ والرؤية، التاريخ الذي هو دائما متاهة الرصد، والرؤية التي تظل دوما مشرعة بالاسئلة التي لا تنتظر الاجابات.
التاريخ يقول: من واقع شهادة الميلاد، انها ولدت في بدايات العقد الثاني من القرن الماضي، والتاريخ يقول ايضا: اننا الآن في العام الثاني من بعد الالفين، ولكم ان تتخيلوا الظرفية الزمكانية التي يمكن ان تنضح باحتمالات الحدس والتأويل لامرأة اعتلت كل عظيم ونادر يسمها بالعلم والثقافة، قبل ان يأتي عصر ازدهار العلوم وتطور التقنية، ناهيك عن كونها امرأة فهل اتحدث اذا عن الريادية هنا؟ ام المسألة اعمق من ذلك؟ وقد تصل الى حد تجاوز الحقائق نفسها.
الدكتورة: فاطمة بنت سالم بن سيف المعمري، التي اصبحت استاذة جامعية، حققت كينونتها بامتياز واستحقاق. وشهد على كفاءتها وخبرتها ودربها اعلام افذاذ ينتمون الى عصر العمالقة.. ومن لا وزن له لا يمكن ان يزعم اي وجود او فرض او تخيل في حياتها.
والتاريخ ذاته الذي اكن له بكل التقدير.. يجعلنا في آحايين كثيرة نتوهم انه يدون كل التفاصيل الصغيرة منها والكبيرة.. وفي الحقيقة قد يسقط من ذاكرته المكتظة مثل هذا النوع من الرمز او العيار الثقيل.. وهنا يكمن خوفي من تلك الفجيعة التي نصاب بها بعد فوات الآوان.. ومن ثم فلابد من قلم يحفظ الاعتبار الزمني لمن مضوا عن دنيانا، ويحفظ لهم حقهم في التخليد ويرسم آثارهم واعمالهم وبصماتهم.. ولكم هي كثيرة حين تتصل بجيل من جيل الرواد.. وحين تتمثل في امرأة فضلى كفاطمة سالم، فان كنت مدينة لها بتربية الذائقة والحواس.. فأنا في الواقع مدينة لها بما انا فيه الآن، وهل كنت اظنني سأتوشح بدكتوراه النقد لولا ان الفقيدة جدتي؟ وان المسافة بيننا لا تسمح الا بوضعي على نفس الطريق التي اختطته لي، ولثلة من الاهل والاقرباء حين راهنوا على العلم كوجود والمعرفة كحياة، وحاولوا جاهدين ان ينسخوا من ذواتهم صورا اخرى على نسق المثال: فاطمة سالم.
فاطمة سالم التي اعرفها، ربما ايقظت فيَّ شجون وايقظت بداخلي شكوكا ايضا، وانا اكتشف للتو فقط انها اصطفتني بأوراقها التي هي اغلى ما عندها لانها الشاهد الحقيقي على انجازاتها، والمكونة للمزجة الاسطورية للوصايا التي ربما تفوق العشر.. كي ادرك الآن كم هي عظيمة ونادرة.
فللقارئ وللتاريخ سيرتها من واقع تاريخ العائلة، ومن اوراق ملف خدمتها رقم (321) بادارة كلية الآداب، جامعة الاسكندرية، ورقم (13) بمبنى رئاسة جامعة الاسكندرية، ومما هو مثبت في شهاداتها العلمية والعملية واوراقها الخاصة.
اولا: الخلفية الاجتماعية:
ولدت فاطمة بنت سالم بن سيف بن سعيد المعمري، بجزيرة (زنجبار) في الثالث من شهر مارس عام 1911م.
الراحلة عمانية الجنسية والدتها هي: خديجة بنت عبدالله بن حمد البوسعيدي، ووالدها هو: سالم بن سيف بن سعيد المعمري، والمعمري اسم لقبيلة يرجع اصولها الى قرية (منصفة) بولاية (ابراء) منطقة (الشرقية) سلطنة عمان، حيث يوجد بيت الجد (سيف بن سعيد المعمري) الذي عرف بثرائه المالي، ومن ثم أُطلق على بيته اسم (البيت الكبير).
ان القبائل العمانية ـ لا سيما المقتدرة منها ـ قد دأبت على الهجرة من عُمان الى جنوب شرق افريقيا (زنجبار ـ تنزانيا ـ بمبا ـ كينيا ـ بوروندي..) منذ القرن السادس عشر الميلادي، ابان الفتح العماني الاسلامي لتلك المنطقة والذي استمر حتى يناير عام 1964م، حيث ثورة الزنوج على العرب (العمانيين) في زنجبار. فـ(الجد)، سيف بن سعيد المعمري آثر ان يهاجر الى زنجبار التي كانت جزءا من دولة عُمان، لينجب فيها اولاده الثلاثة وهم: ماجد وسالم وسعيد.
ومن ثم ولدت فاطمة سالم في كنف الارستقراطية العمانية بزنجبار، ارستقراطية تتمتع بحس حضاري، وبعد ثقافي وتؤمن ان الكيان الحقيقي للانسان يكمن في زاده الثقافي والمعرفي لا المالي او المادي.
وحيث ان مصر هي منبع العلم والثقافة، ومصدر حركة التنوير في الشرق الاوسط إبان القرن التاسع عشر واوائل القرن العشرين. فالاخوان: سالم وسعيد آثرا الرحيل اليها لاسيما بعد وفاة الاخ الاكبر ماجد. ومن ثم تركا زنجبار ـ ابان الربع الاول من القرن العشرين ـ الى القاهرة لتعليم اولادهما وبناتهما. خاصة وان نظام التعليم آنذاك في زنجبار كان مقصورا على تلقين النشء القرآن في الكتاتيب، بينما اقتصر تعليم المواد الثقافية والتخصصية الاخرى على اللغة الانكليزية في مدارس التبشير الخاصة المشتركة (Co - Educational) (ST. JOSEPH'S CONVENT SCHOOL) تلك المدارس التي كان يفدها اولاد وبنات الطبقة الارستقراطية، فرغم ما اتسمت به من كفاية في التعليم والتدريس والتثقيف، فان من اسوأ آفاتها ان خريجيها لم يعرفوا اللغة العربية باعتبارها لغة ثقافة، الامر الذي نجم عنه ان فرض عليهم في مرحلة التعليم العالي تخصصات باللغة الانكليزية. وقد ساعد على اضمحلال اللغة العربية بزنجبار ان المجتمع العماني ـ لاسيما النساء فيه ـ لم يمارس اللغة على مستوى التعاملات الحياتية، بل كان يتكلم اللغة السواحلية.
ومن ثم رحل (الاب) سالم بن سيف بن سعيد المعمري عن زنجبار الى القاهرة في عام 1920م ومعه اسرته باحثا عن مجتمع يتكلم اللغة العربية، ويحوي في طياته ثقافات متنوعة وآفاقا ارحب. سانده في ذلك قوة عزيمته وثرائه المالي الذي مكنه واسرته من الاستقرار في القاهرة، بل واقتناء بعض العقارات والاراضي بأحيائها المختلفة: (ميدان الجيزة ـ منيل الروضة ـ المنيرة ـ حدائق القبة ـ جاردن سيتي..) وفي نهاية الخمسينيات وحين اكتظت تلك المناطق بالسكان قرر سالم بن سيف ان يستقر في منطقة هادئة تعد زراعية حينذاك هي: المهندسين، فبني عليها فيلا صغيرة مسميا اياها (فيلا الوفاء)، اي وفاء للعلم وللثقافة ولمصر التي ربى بها اولاده وبناته، وشاءت الاقدار ان تكون فيلا الوفاء هي آخر بيت استقرت فيه أ.د. فاطمة سالم منذ نهاية الخمسينيات الى منتصف السبعينيات (1974م) حين رحلت عن مصر عائدة الى وطنها الام سلطنة عمان، ليسدل الستار على حياتها في مستشفى الدفاع بالخوض (مسقط) عن عمر يناهز واحد وتسعين عاما، وبعد رحلة مرض دامت سنوات، لتسلم روحها الى بارئها في تمام الساعة السابعة من مساء يوم الاثنين الموافق الثامن من شهر يوليو عام 2002م.