حكى لي صديق عزيز انه قرأ ذات يوم في إحدى الصحف خبرا – شبه – علمي، أن أكل الفاكهة بعد وجبة الطعام يسبب عسرا للهضم، وبالتالي لكي يتدارك احدنا هذه المظنة عليه أن يأكل أي كمية من الفاكهة قبل اخذ أية وجبة، على الأقل بنصف ساعة.
في الوقت ذاته يشاع أيضا أن أكل الفاكهة بعد وجبة الطعام الدسمة يعمل على هضم الطعام، ويحفز الإنزيمات الهاضمة في المعدة على عملها بصورة ممتازة.
وقبل فترة، أيضا، خضت شخصيا تجربة مماثلة، عندما قرأت في إحدى الصحف أن شرب الماء أثناء الأكل يعمل على عسر الهضم، وبالتالي، ومن باب المحافظة على الصحة، على الشخص منا أن لا يشرب الماء إلا بعد ساعتين من أكل أية وجبة دسمة، وفعلا طبقت النصيحة، فلاحظت من اثر توقفي عن شرب الماء كل هذه المدة بعد تناول الوجبات أن حدثت تشققات على أطراف أصابع اليدين، بعد شهرين من تطبيق هذه النصيحة، فعدلت حالا عن هذه النصيحة المغلوط في الإفصاح عنها، وفي تقديرها من قبل المتلقي، وان كان التراث الأدبي يوثق هذه الرؤية أيضا، حيث نلحظ ذلك من خلال بيت الشعر الذي يقول فيه صاحبه:
"لا تشربن بعد أكلك ساعة: فان ذلك موجب لهلاك"
في الوقت الذي نرى فيه أشخاصا كوب الماء في يد، ولقمة الطعام في اليد الأخرى، ويظلون هكذا إلى أن ينتهوا من وجبة الطعام تلك، ونرى على ملامحهم الصحة، والنضارة، فأين موقع هذه النصيحة منهم؟.
وما ينطبق على هذا الجانب ينطبق على أشياء كثيرة تستوقف احدنا فنعطيها الكثير من الاهتمام، والتركيز، في الوقت نفسه هناك آخرون لا يعيرون مثل هذه الأشياء أية التفاته، وإنما يوكلون الأمر لرب الخلق، ولا يحصرون أنفسهم فيما يسمعون، أو يقرؤون، ومن المواقف التي سمعت عنها من روايات كبار السن ان رجلا عنده شيء من العلم جاء مرة إلى جبة ماء للاستحمام، فأجرى حساباته أولا فوجد أن الساعة الفلكية في تلك اللحظة غير مناسبة للاستحمام، وان كل من يلمس جلده الماء سوف يصاب "بالبرص" وهو مرض جلدي معروف، ينتج عن نقص في الهرمونات المحفزة للون البشرة، فجلس العالم ينتظر حتى تنتهي تلك الساعة، في وقتها جاء رجل من عامة الناس، فخلع ملابسه ونزل في الماء واستحم ولبس ثيابه ورحل، وكأن شيئا لم يكن، فما كان من هذا العالم إلا أن اغمس احد أصابعه في الماء فخرجت "برصاء" وكأن ماسحا كيميائيا مر عليها، فاستغرب من ذلك، وأيقن أن الأعمال بالنيات، وان العلم بالشيء قد لا يكون – أحيان – في صالح الإنسان، وما يعزز هذه الصورة النص القرآن الذي يقول فيه الله سبحانه وتعالى: ( ولا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم، وان تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم).، (ولو كنتم تعلمون الغيب لاستكثرتم من الخير).
هذا التأثر بما نقرأ تتماثل فيه المواقف عندما يشرع احدنا في أمر، فيأتي آخر فيطرح فكرة أخرى مغايرة، وفي الحال ترانا نعدل عما أشرعنا فيه بكل سهولة، ونحن الذين عايشنا الحالة حتى تمخضت عنها هذه الفكرة، أو تلك، ونأخذ برأي الصاحب الذي لم تتمخض في نفسه الفكرة، وقد لا يعي مجموعة الأشياء المحيطة بها.
هل معنى هذا أن لا نستشير احد، أو لا نقف عند وجهة نظر معينة، أن نصم آذاننا عن كل ما نقرأ، وما نسمع؟ لا احسب أن الأمر بهذا التبسيط، أو بهذا الإهمال، لكن يجب أن تبقى هناك مساحة نؤصل فيها فعلا ما يعبر عن ذاتنا، وعن رأينا، وعن مواقفنا، المبني كل هذا على العلم والمعرفة، والتيقن، وعدم تسليم أنفسنا ببساطة مطلقة.