الموضوع
:
ملف للثاني عشر شرح النصوص الأدبية والقرائية للفصل الدراسي الثاني
عرض مشاركة واحدة
رقم المشاركة : [
3
]
03-20-2009, 08:56 PM
جعلاني فضي
المشاركات
2,948
+
التقييم
تاريخ التسجيل
Dec 2008
الاقامة
نظام التشغيل
oman
رقم العضوية
7783
غير متواجد
نص حب إلى مطرح
يبدو أن الأبواب هي الأبواب. ماذا لها غير أن تفتح أو تفلق. مهمة غير عسيرة. ولكنها أيضا مهمة لهذه الروح أن تفته على أريحية المكان، أو تفلق على ضيقه.
لم نكن بعيدين عن المشهد.. فالطفولة مخزون الذكريات. البداية كانت الفاتحة لقراءة المكان بامتداده وضيقه، كنا صفارا وكان البحر في كفوفنا أسماكا وطحالب. سفنا نقرأ أيدينا كمفاتيح لدروب الغواية واللغة الملتبسة بقدمين نحيلتين كان الجسد ورقة للهوا، والأهواء لم نكن صفارا فقط كان كل شي صغيرا، بقدر ضخامتنا واتساع المكان وأفقه اللامتناهي.. البحر يمتد والسوق يمتد بنا.سفينة هذا السوق لا بل جزيرة هذا السوق. يمتد السوق فيخرج البحر لسانه وتمتد، أصابع السوق ألوانا على أجسامنا وأجساد العابرين والذين ترحوا وحشتهم على بابه.
أيها الصابغ بلون الأرض.. أنت رملي أم رمادي أم من نحت ذلك البازلت المطبق على عنق الفضاء لحان عليه أن يستنشق هواء الجبال المحيطة ليدفن الصوت القادم بالصوت الساكن.
صوتك ساكن ومجروح في هدوء المكان، لا بل في ضجيجه والغرباء.
أنت أيضا غريب مثلي.. لماذا هذه القدسية هل لفحتك شمس القيظ. أم تركت دبس الفضيلة في قاع "الخن ".
حتى واحلتك أناختك بعيدا أو قذفت بتمر الصيف على أرصفة الميناء والسوق.. نحن وأنت ألوان في ظلمة هذا السوق.
كان سوق الظلام المبهر بنور شمس الشرق دوما تجعل منه اكثر بياضا من لب الشمس.
كنا صغارا وكان البحر يخطف أقدامنا بفرشاته السمكية وأظلاف محاراته الشوكية التي تلون المكان بصبغة الدم. نعبر الهواء كما نعبر المكان أو نحبرهما على هودج الطفولة البريئة، الشقية. لحان البحر أو لحانت الجبال فاصل لقائنا وافتراقنا حيرة في المكان، كما اللغة.. اللغات الساقطة من الألسن وهي تدب في أرقته، كل زاوية بلغة وكل لغة مطوية بموجة سحبتها أسنان الوحشة وقلة الحيلة.
اللغة :شممتها بأنفي، الصدمة الأولى لحضور المكان بطقوسه وحكا ويه. لحت أعتقد أن صوتي يصل بي نهاية الجبل حين تنخطفه لغة مغايرة. لا بل سحنات مغايرة. بدأ المكان يكشف ذاته كبضائعه المعلقة بين الخطوة والخطوة.
مندهشا كنت أول الأمر. قريتي النائية تسكنها الضاد، وقليل من البشر. يبدو أن بحرنا القروي طري وطازج بملحه وأسماكه. بحر مطرح لا يشبه الا بلون السماء ومن وصلوا تنكشف الطفولة بالقرب من سوق الظلام على طفولات متعددة، كانكشاف المكان في صيرورته الأبدية.
نركض تركض الطفولة خلفنا. مشهد واحد في السوق يف... عن سفرة بعيدة أهوالها لا تعد ولا تحصى. لحان البحر يأتي لكي ينظف ما تركه جدال المبايعة وجمهرة الفضوليين وفاعلو الخير. وللشتاء موكبه الخاص فالوادي المنجرف من أعلى جبال مطرح يجري كالمنقاد بحد السيف الى نهايته في كنف البحر.
ضاقت بسوق الظلام ظلمته المنيرة. كيف لنا أن نسمي سوقا مشحونا بكل هذه الشمس التي تعمي البصر، بأنه مظلم، بانوراما الضوء والظل لوحة تخترق سعفات النخل لتخلق في ممرات السوق خطوطا فسيفسائية موهمة العابر بالحذر والخديعة من الوقوع بين الظل والظل.
يأتي البحر الى عنق آخر دكان في السوق بملوحته ورطوبته اللزجة وكما نأتي نحن من جبل ناء أو أرض باعدها الفراغ بين عنق الزجاجة وقعرها المسكون بنخيل وأشجار ليمون لنطعم بها هذا السوق وذاك البحر الذي يسقط أمامنا بسفنه ومخلوقاته التي لم نعهدها من قبل.
كنت أشاهد وليمة الاستغراب في عيون البحر لا في عيون الذين يشاهدونه لأول مرة. الدهشة خديعة الفضول. البحر فرحنا وخديعتنا وليمة لنا ووليمة له. نأكل منه وربما يأكلنا.
الوحوش تتقدم،كنا نضج ونبيح بالاحلام كصراخنا. أصواتنا دليل وجودنا يأتي أحدهم يصحح معلوماتنا البدائية، هذه ليست وحر شد بحرية.. انها سفن. ماذا؟ كنا نهز رؤوسنا والدهشة تلبس ثوب التصديق عن حكايات البحر وأهواله وما يقذفه من خيرات على شاطيء تنام البيوت بأبوابها ونوافذها على أطراف أقدامة. وصوته مراجيح أطفال يسترقون بين صمته غفوة عابرة.
والأيدي تتلمس ماءه كدليل على الاطمئنان من خطورته وأهواله.
في سوق الظلام كان لطفولتنا مذاقها الخاص والعابر. كنا نرى ولو بشكل ضبابي انقياد الغرب للشرق، لم تكن لتسقط هواجس فرانسيس فوكوياما وصامويل هننجتون على رؤوسنا في دورتها النهائية بين صراع وصراع، كان الشرق تاج الشمس والقطن ملبوسنا والحرير. كم هي دائرة معرفتنا صغيرة. وكم هي محيرة أيضا. لحيرة لأننا نستكبر حالتنا بالمكان وان كان صغيرا وبدائيا ففيه أفكارنا الصغيرة النابتة بين جمرات الصحراء والماء.
هانحن نرمم حنينا كمن يسوق السوق الى متوالية الذكريات حين تذكر المجانين قبل العقلاء المشترين قبل الباعة العابرين قبل المقيمين. حضور المكان ببشره وكائناته زواره والغرباء دهاليزه التي تنتهي الى الانفتاح أو الانطلاق دكاكينه ومحلاته التي تجعل من بلدانه بين قبضتي الجسد والمعدة عابرون من عبروا هذا المكان المليء بالواقعي والمطلسم بروائح الشرق بخوره وسحرته حكاية تطوي مثيلتها كالمسبحة التي تكرر ذاتها لم نكن على عجل من سماع ألف حكاية ربما تسكن شهرزاد قلب الحاكي.. كما تسكن الظلمة قلب السوق أو يسكن السوق قلب الرماد البحري.
حركة بسيطة في ظلمة الليل الدامس تجعل الحواس متيقظة "كالأواكس " لهذا فالقطة السوداء ملمح بانهزام الغرائز الى ركنها القصي في وحشة الذات. لليل أمطرته وللنهار مسطرة البيع والشراء في سوق الظلام.
عندما يكون الهواء معتلا كنا نقومه على أغصان طفولتنا ونيممه شطر الماء فنغتسل ويغتسل الماء بنا. بقدر ما تثيرنا بضائعه والحلم المستحيل بالأرض التي زرعت بضائعها أمامنا. كنا نرى الشرق خطوة لحوت عابر ينثر عنبرا على قلوب الغواية والشواطيء القي تخرج البلاد من سباتها الباسم نحو البحر كان السوق والميناء بوابة المكان ونهاية النهايات في زواياه وامتداداته لهذا يأخذنا السوق بحركة سندبادية من أول اليوم الى نهايته بين الهند والصين وافريقيا، وكانت آسيا نبتته الطرية التي ما انفلقت زمرتها بوحشية كالتي نواها اليوم بقي ما بقي.. هو السوق شاهد وشهادة، تغيرت أحوال وازمان وتغير السوق بمعروضاته وبشره كما تغيرت ظلاله بألوان الطيف.
* سوق الظلام.. غلالة تشف هي التاريخ تصل ما بيننا وما نراه في هذه الدروب التي تضيق. وتقسن وفق هوى خاص،غلالة تسمح لنا برؤية ما، للمكان والزمان وفريستهما الانسان لكنها في الوقت :اته تفصلنا عنه في تحد غريب.
كالداخل الى المدن الأسطورية عليك بتلاوة تعويذات، تعبر بك تلك البوابات التي تشهق تارة وتختفي تارة أخرى في حياء بين جدران بيوت لم تنتظم أبدا، لو أنصت قليلا لأدركك صدى وقع أقدام خلفك، الأقدام التي تحمل أوزارا من الذكريات المدهشة والآسرة والأليمة في مزيج فطري.
الحديث عن السوق يبدأ وينتهي بالبحر، كما الحديث عن البحر يبدأ في السوق وينتهي اليه. ترى ماذا يجمع البحر من سمات مع سوق الظلام ؟ يلتصق السمع بذاكرة محدثك كما يذوب مله البحر في الكلمات العذبة :
( كان البحر العدو كما كان الصديق، وكان قبر الفريق مثلما هو قشته، وكان الباب الذي يشق الظلمات أو يلج بك النور.لم يكتف البحر بما منحنا من فيض كائناته الحية، لكنه كان يرسل بين الحين والآخر كنوزا ابتلعها من سفينة غرقت، لم يعرف بحارتها كلمات السر لعبور غياهب المحيط. فيجمع الصبية والشباب تلك الكنوز فيأتون بها الى السوق).
توقف محدثنا قليلا، وأشار:
(هاهنا أسطرلاب ومنظار، وساعة بحار، وقطع نقود فضية وأخرى ذهبية، وصندوق لم يحتفظ بما حواه يوما من حلي. البحر أعطانا الكثير، لم يبخل علينا بشي ء، حتى الخوف، لا تزال تدق في أذني ضرباته القوية على بوابات السوق الخشبية الضخمة، كما لان لت أسمع النساء يتمتمن من وراء المشربيات بالدعوات أن يبعد، ونحن الأطفال آنذاك - نداعبه بأكفنا الصغيرة عبر النوافذ العالية، ولو أدركنا خوفه ما أدركتنا حرفة اللعب معه).
لا تعد تلك المحلات التي يعود بعضها الى مشارف هذا القرن، إلا أن تكون جزرا صنعت لنفسها مدها المميز وجزرها الأثير، جعلت لها زوارها وقاطنيها واحتفظت بطقوسها الخاصة.
تدخل محلا للعطور، للوهلة الأولى تخال تلك الزجاجات صورا مكرورة، تتأملها قليلا لتدرك الاختلاف بينها، عطور من كل لون بامتد اذ درجات الأصفر والبني والأحمر وعطور من كل صنف السوائل والدهون والمساحيق، عطور تنتمي بأسمائها لأماكن عديدة، تدخل بك الى طقوسها التي تشبا طقوس الليالي العربية.
مضمخا برائحة العرد والعنبر - أوسواهما - ستسلمك الأزقة الضيقة من حانوت العطور الى متاجر العاديات أصبحت مقصد جل زوار سوق الظلام، المشغولات اليدوية كثيرة، صاغتها أيد لفتها الفن، ولهجتها البراعة ولكتنها التفرد، ولسان حالها يختزل التاريخ في قطع نحاسية خشبية، عاجية أو قماشية خزفية أو زجاجية، ربما تدرك أي القطع جمعتها أمرار التجإرة من شرق الساحل الافريقي أو جنوب الشاطيء الآسيوي.. وربما يعوزك القليل من التخمين والكثير من المساعدة :
هذه التماثيل تخيل صاغتها يدا مثال عجوز وضرير من زنجبار هذا الجرامفوز تركه الورثة، مع اسطوا نته المشروحة، وبوقه النحاسي، لابد أنه أشجى صاحبه دهرا!
- أما هذه فآلة تصوير من بولندا، لا تجربها فهي لا تعمل، يكفي أن تحتفظ بها بجانب كتاب مطبوع بلغة غير مفهومة !
محلات تبيع العطور، تعبق برائحة أعواد البخور المشكلة أبدا ربما تسأل عن عطر بعينه، فيحاول أن يبيعك آخر. دكان لبيع التوابل والحبوب والليمون المجفف والأعشاب، تخبر البائع اللحوح أنك ستعود اليه. متجر متخصص في الحقائب الجلدية وما على شاكلتها، لابد أن تجادل كثيرا في السعر. معلم صغير تفوح منه رائحة أطباق آسيوية تسرع الخطي حتى تتجاوز برابته. جوسق عصير وغزل البنات وفيشار، تلتهم الفيشار الساخن كما لو كنت تستعيد طفولة منسية سوبر مار كيت يبيع كل شي ء، فتلتقط منه أي شيء. مكتبة عتيقة تشتري منها كتابا يحمل اسم تودد الجارية، أحدى حكايات ألف ليلة وليلة. تاجر عاديات يبيعك الفضة بالجرام، وآخر يكتشف فيك آثار السائح فيعرض عليك سوارا تقليديا يبالغ في ثمنه كثيرا. حظك في الصباح أن تكون المشتري الأول، أو هكذا يوهمك البائع، تدرك أن السعر سيكون على هواك.
تخلق المحلات من تنافرها لحنا متجانسا، بعضها يجلس أمامها أصحابها، شواهد على عصر مختلف، لحان بالأمس القريب، منذ 3عقود بالتحديد يموج بحركة مختلفة :
(بالأمس قسمت السوق الحرف والألسن، كما قسمته العائلات واليوم ترى كل شيء ينصهر في بوتقة واحدة، كل شي. مختلط، ضاهت الحدود أو وهنت وربما تناساها الزمن. اختلفت لغة التعامل، كما اختلفت الأقدام الواردة عليه).
(هنا أمام المحلات هنا نشغل الوقت بالسمر، حلقات تجتحه طوال النهار، ولا يفرقها إلا الايذان بإغلاق السوق عند المغرب لم يكن هناك مكان للمبيت داخل السوق، ولم يكن مسموحا بذلك، ويفك الليل ضفائره الطويلة ينثرها بين الطرقات الملتوية، نجري خلفها حتى البوابات كي لاتفلق دوننا).
للأسواق العربية عبقها الخاص وسحرها الأثير، تنسه لفضاءات العوالم كلها تحت سقف واحد، رحابة لا يطويها ضيق الحارات والأزقة التي تربط بين أجزاء ذلك الجسد كما الشرايين،تتدفق فيها الحياة هل صباح حاملة معها رتابة متجددة.
تصافحك وجوه المحلات بكرنفالية رائعة، في أحد محلات التوابل يتوسط البائع مر آتين خلفه، تعكس في تناسق بهي صور الأواني والعلب والزجاجات والصناديق والأكياس التي تحرق الأعشاب والحبوب والمساحيق والثمار المجففة وغيرها. نلقي عليه التحية، كان يعرف أن طقس جلسته هو الذي جذبنا، يبتسر وهو يقدم لنا عرضا لشرا، شيء ما.. نشكره ونمضي.
كلما ابتعدنا، خفت الضوء واتسعت العبارة،. داخل ذلك الزقاق الضيق، المحلات تحمل أسما0مألوفة وغريبة، آسيوية وافريقية، كتبت بحروف عربية وغربية، بعضها جديد، وأكثرها احتفظ بطلائه الأول، في غرابة تقتفي خطواتنا العيون التي اكتشفت طزاجة معرفتنا بالمكان، وبعضها حرص على مواصلة عمله الأزلي في صمت أبدي، بينما أكثرها توقف ربما لادراكه أن شيئا مختلفا يدور.
تحمس بعض أصحاب المحلات لالتقاط الصور، رفض معظمهم الاستجابة.
لكنها كانت تختلف، رمقتني بنظرة ما وهي تسر في أذن زميلي بكلمات. لم يعبر ضوء آلة التصوير نقابها الذي لم يبرز غير عينيها. كانت تيبع الكحل وعيناها كحيلتان، تمسك قارورة العطر ومر مضمخة به، تربت على صندوقها بكف ذات أصابع دقيقة حناؤها داكنة كبشرتها(هكذا اكتشفت حينما السوق كمها قليلا عن ساعدها الأسمر) كثيرات يعبرن السوق بهذه الصناديق الساحرة التي تحتفظ للمرأة بسر ما، لكن قليلات كن في مثل سنها. كان هناك ميثاق، كالأسطورة بينها وبين بضاعتها لا يفك طلسمه، إلا من تجلس اليها لتشتريه منها.
ترسل الفوانيس نورها في تناسقية بديعة وبالوان زاهية. مصابيح السوق منارة بشكل دائم، فأسقفه السعفية البديعة تمنع أشعة ضوء الصباح من أداء مهمتها بشكل لحامل. ستعيش طقس الدخول الى الليل حتى في قلب النهار.
لابد أن تتمتع بحاسة مكانية استثنائية حتى تتجنب التجول في دوائر لا تنتهي، ربما كان من الأجدى أن تجد علامة ما على أنك وطئت هذا الركن أو ذاك حتى لا تعود اليه، فطرق السوق تتشابك كما تتشابك أيدي العشاق.
............
يتبع
[/color]
توقيع
عطــر الأماكنــ
شفت المقفي وربي مـــــــا أتبعه لـــو خطوتين
وأصبعي وهو أصبعي لامـــــــــــن غدرني أقطعه
بسألك سؤال واحـــــــد والجـــــــــواب بكلمتين
لاصار قدرك والهوى خصمين من تقف معه؟
!!
اقتباس
عطــر الأماكنــ
مشاهدة ملفه الشخصي
إرسال رسالة خاصة إلى عطــر الأماكنــ
البحث عن كل مشاركات عطــر الأماكنــ