بين الفكرة المشخّصة والفكرة المجرّدة
لست أحب التعصّب، ولا أتخذه منهجاً، بل أطلق لعقلي العنان في التفكير والتأمل، وتقليب وجهات النظر، واستيعاب الأدلة، وتفهم وجهات النظر المختلفة في المسألة الواحدة، متخذاً منهج: ((رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصّواب)) على أقل تقدير، وأكثر ما أنزع منه وأفر مناظرة أحادي الرأي، ومن يتصّلبون ويتمسمرون على رأيهم وفكرتهم دون إعطاء العقل فرصة لتفّهم وجهة النظر المقابلة فضلاً عن فحص الأدلة والحجج الواردة.
وأكثر ما يزعجني التمحور حول الذات والأشخاص، فلا أقبل لنفسي أن أكون أسيراً لشخص مهما بلغ علمه، وكان له فيه قدم راسخة، مع كل الإحترام والتوقير له وأمثاله من أهل العلم والمعرفة. فلقد تعلمت أنه لكل جواد كبوة ولكل عالم هفوة، فما بالكم إن كانت هفواته بالمئات؟!.
ولقد تعلمت أن كل إنسان يؤخذ منه ويرد إلا رسول الله صلى الله عليه وسلّم فيما هو مبلِّغ فيه عن ربِّه سبحانه وتعالى، لأنه وحي يوحى.
بعض الناس يقتنع بالفكرة لأن قائلها فلان من العلماء، ولو كان رأيه ضعيفاً في المسألة، أو ظهر خطؤه فيها، فالتابع للفكرة المشخّصة بلا تمحيص الدليل يدور مع قائلها حيثما دار، وإن ضعفت حجته أوّلها والتمس المعاذير، ولف ودار حتى لا يضطر للقول أن شيخه قد أخطأ!!.
تعلم أن تتعامل مع الفكرة المجردة، بغض النظر عن قائلها، وأعمل عقلك فيها، وفكر بها بطريقة منهجية علمية سليمة، تسلم ولا تضطر للحرج.
أطلق لعقلك العنان، ولا تجعله أسيراً لغيرك، فكما أعطاهم ربنا تبارك وتعالى عقولاً أعطاك، فلا تدع الآخرين يفكرون عنك بعقولهم فتندم، وتبقى في ذيل القافلة.
|