رواية المفاتيح السبعة الجزأ ـ 2
ذهب الأمير إلى قصره وبفارغ من الصبر كي يخبر زوجته بتلك القصة المسليه حتى يتسامرى بها. أما الوزير فوجدها فرصة سانحة للقضاء على خصمه الأمير, فذهب واتفق مع إحدى خدم قصر الملك أن تضع المنوم للملك في تلك الليلة, فوضعت له المادة في إبريق شرابه ووضعته بداخل غرفته. وعندما إنتهى الملك من مكتبته دخل غرفته وغير ملابسه وارتشف من ذلك الإبريق وقبل نومه حدث إمرأته وأوصاها بأن توقظه بعد منتصف الليل لأمر بغاية الخطورة, وشدد عليها في ذلك حتى أنه إحتاط ونادى إحدى الوصيفات وأمرها بأن توقظه في تلك الساعة وعلى ذلك نام الملك. أما الوزير فقد كان في الحديقة يبحث عن البستاني. فوجده في الإسطبل فدخل عليه وقال له : إسمع يا هذا : إقترفت ذنبا لا يغتفر في حق خدم قصر الملك, لا تحاول الإنكار فأنا أعلم بأمر المولودة الصغيرة .عندها خرجت روح البستاني من عينيه عندما تيقن أنه هالك لا محالةحتى قال الوزير : ولكن أستطيع وأنا وحدي أن أخرجك من هذا المصير. عندها دبت الحياة في البستاني من جديد لوهله وقاطعة الوزير قائلا: ولكن بشرط. فأطرق البستاني رأسه وجشأ بالبكاء فصفعه الوزير صفعه قوية رمته أرضاً. وأخذ البستاني يصيح ويقول : أي شئ...أي شي ياسيدي آمرني أنفذه في الحال .عندها قال الوزير وهو يرفع أنفه : إذا إسمعني جيداً .
الأمير نحميا دخل غرفته وكانت ماري بانتظاره فساعدته في خلع ثيابه وقالت : لقد تأخرت هذه الليلة بعض الشيء. وارتمت ماري على عرض السريرعلى بطنها فتبعها الأمير وارتمى بجانبها قائلا : لن تصدقي هذا, فقد ذهبنا لرؤية المرصد الذي بناه أجمنون. فقالت ماري: وما العجيب في ذلك ؟ فقال : العجيب هو القصة التي خرج بها أجمنون علينا, فقالت مستنكره: علينا ! من أنتم؟ قال : أنا ووزيره ذلك الشيطان. قالت : لكن أتعلم أن الملك طيب القلب ويحبك ولكن الوزير هو من يوغر عليك عنده ويفسد بينكما. قال الأمير: هذا أمر طبيعي, فالوزير يعلم أني أستطيع أن أخبرأخي عن قسوته في معاملة الناس وتسلطه وجبروته وظلمه ليس ذلك فقط بل ونصبه وجمعه الأموال لحسابه الخاص, بل حتى وسرقته من أموال المملكة, لذلك هو يكرهني ويشوه صورتي عند أخي حتى إذا ما حاولت فضحه لا أجد أذن صاغية عند أخي الملك. ثم نهض نحميا عن السرير وتوجه ليسكب كأسين من الشراب. وإذ هو يصب الشراب إستقبل بإتجاه ماري وأكمل يقول : ليس هذا العجيب, بل ان أجمنون يدعي أن من عاشر زوجته الليلة أنجبت إبنا يملك قوى خارقة وقصةهناك عن مفاتيح.. وخاتم سليماني.. وامتلاك العالم.. لا أدري أعتقد أن أجمنون قد أكلت الكتب رأسه فبدأ يخرف قبل أوانه. قال الأمير ذلك بعدم مبالاة وهو يتقدم إلى السرير وفي يده كأسين من الشراب, وإذ يمد الأمير كأسا لزوجته فإذا هي قد سرحت تفكر فيما قاله بشده ثم أخذت الكأس من يده وقالت : لعله إختبار من الملك. رد عليها بتعجب : وكيف ذلك؟ قالت : ليعلم أيا منكما سيحاول فعل ذلك فمن فعل علم أنه طامع بالسلطة. فكر الأمير قليلا وقال : معك حق يمكن أن يكون الامر كذلك ,لا بد وأنها خدعة, وإلا لماذا يفصح لناعن سر خطير كهذا , وبتلك الأهمية, وإلا إحتفظ به لنفسه إن كان ينوي إمتلاك العالم, لماذا يريد أن يسبقة أحدالى ذلك. ودق الأمير كأسه بكاس ماري وارتشفا من الشراب وهما ينظران إلى بعضهما بتغزل ثم قالت : ولما لا نفعلها ؟ قال : هل تصدقين أمرأ كهذا ؟ فقالت : نحن نفعلها في مطلق الأحوال فلم لا نفعلها؟ قال : ولكنه إشترط أن يكون ذلك بعد منتصف الليل أي في الساعة السادسة تماما. قالت : لا بأس نتسامر إلى حين ولم يبقى إلا القليل. وفعلا فعلآ ما خططا له في الساعة السادسة بعد منتصف الليل .
أما الملك أجمنون فإنه صحا من نومه فاذا قد تجاوزت الساعة السابعة,أي فات الوقت المطلوب بساعة فجن جنونه وضرب زوجته واستدعى الوصيفة وأراد قطع رأسها لولا أن زوجته أخبرته أنها حاولت إيقاظه بكل الطرق فلم يستيقظ . فلم يصدق حتى أن زوجته أخذته إلى سريره وأرته أثر بلل الماءعلى فراشه والذي رشته عليه في محاولة أخيره لايقاظه ولكنه لم يستيقظ. فتحسس الملك السرير فوجده فعلا رطبا وإذ ذاك فتح الملك الكتاب السليماني ونظر فيه ثم ذهب إلى زوجته قائلا : لا بأس الكتاب يشير إلى أنه بعد ذلك الكوكب يقترن بكوكب بعده بساعة فمن عاشر زوجته فيه ولدت أقوى الرجال. وهكذا فعل راضيا بأقل القليل مما كان يطمح إليه ومما كان ينتظره زمنا طويلاً.
في تلك الليلة والجميع نيام ما عدى بوجابت وحبيبها البستاني. فها هي وهو في الإسطبل يعرض عليها ما شرطه عليه الوزير فقال البستاني لبوجابت : لقد طلب مني الوزير أن أذهب في الصباح إذا ما رأيت الأمير قد دخل على ديوان الملك وأخبره أن الأمير نحميا طلب منك وضع منوم في شراب الملك ليلة البارحة أي هذه الليلة وذلك كي يفوت على الملك فرصة إنجاب ولد يحكم العالم ويستأثر هو بذلك من دونه فيؤل إليه الحكم في المملكة من دون الملك وأولاده من بعده, وأن تشهدي معي على ذلك, عندها سيعتقك الوزير لنتزوج. لا.. لا يمكن. قالت بوجابت ذلك وأعطت ظهرها للبستاني ثم قالت : هل تريدني أن أخون من أحسن إلينا بل.. وأكذب.. وأشهد زوراً,هل هذا ما أنت عليه؟ هل هي كذلك أخلاقك التي أحببتك من أجلها؟ رد البستاني : الوزير أقوى مكانه عند الملك من أخيه الأمير. قالت : وكيف سيصدق الملك ما نقول؟ قال : سندعي أنه هددنا بفضح أمرنا لدى الملك وبالقتل إن لم نفعل, عندها من غير المعقول أن لا يصدق الملك إدعائنا عليه. قالت : ولما نؤذي من ساعدنا؟ الأمير وزوجته من أطيب الخلق,لا يستحقان ذلك , وخاصة منا, أنا وأنت من إستضافانا. قال : أنت لا تفهمين, لقد هدد الوزير بقتلي وقتلك, بل وقتل الطفلة قبل ذلك,هل تريدين أن تشاهدي طفلتك تقتل أمامك؟ عندها ترددت بوجابت وهي تفكر في مشهد إبنتها الصغيرة تذبح أمام ناظريها فصكت وجهها بكفيها وأخذت بالبكاء من فضاعة المشهد . ثم هزت رأسها بالانكار وهي تقول لا ... لا وانطلقت تجري باكية إلى السكنات بينما ظل البستاني بالإسطبل فوق كومه القش يفكر ويقول لنفسه لوفعلنا ما طلب الوزير لا أظن أن الملك يعاقب أخاه هم ملوك وأمراء مع بعضهم أما نحن فنحن مستضعفون من سيدافع عنا لا أظن أن يلحق به الأذى إنهم كبراء ونحن صغار جدا. وقضى البستاني ليلته ساهرا بتأنيب الضمير. مره يراه مناسبا ومره أخرى تغلب عليه أخلاقه الكريمة فيستنكر ويرفض .
طلع الصباح والجميع عند الملك في مجلسه. إذ دخل عليه أخوه الأميرنحميا فحياه وجلس في مكانه المعتاد. لاحظ الأمير نحميا أن الملك واجما وكأن الطير على رأسه والوزير كالمعتاد على يمين الملك أجمنون قبالة الأمير ينظر إليه واثقا من مخططه الذي أعده له. تكلم الأمير نحميا وكسر السكون في المجلس وقال : مولاي الملك, إن مطابخ قصر مولاي أجمنون العظيم تزخر بأفضل الطباخين في البلادين كلها, بل وتفخر بأكثرهم عددا, فلو يأذن لي مولاي بإحدى الطباخات تنضم إلى مطبخ بيتي المتواضع من فضله ومنه. نظر الملك أجمنون إلى نحميا وقطب حواجبه بإستغراب لطلبه السخيف ذاك ولإن شيئا أكبر من ذلك يشغل باله فلم يهتم كثيراً وقال : حسنا أذنا لك. وتوجه الملك بالكلام إلى الوزير قائلا : فليضم الأمير من يشاء من المطبخ إلى قصره ولم يتم الملك كلامه حتى دخل عليهم المجلس البستاني ووقع في وسطه ساجدا متضرعا صائحا: مولاي عفوك وحلمك يا مولاي الملك العظيم أجمنون. نظر إليه الملك وقال : قف وتكلم يا هذا من أنت ؟ ولأي شيء جأت ؟ وكيف دخلت ؟ وقف البستاني بذلة وخضوع وقد إندهش الأمير نحميا منه ومن فعله وأصبحت عينا الأمير في رأسه بينما إتسع صدر الوزير وانشرح ببدأ مخططه بالتنفيذ فقال البستاني : مولاي الملك أرجو أن تأمنني بعفوك إن تكلمت. فقال الملك لضيق ما ألم به تلك الليلة : تكلم لا ضرر عليك. فقال البستاني : لقد نشأت علاقة بين عبدك وخادمك الفقير هذا وطباخة من مطبخ قصركم العظيم فولدت منها بنتا قبل ثلاث ليالي يا مولاي, في سكنات خدم قصر أخيكم الأمير نحميا .عندها نظر الملك إلى نحميا فاحمرت عينا الملك واشتط غضبا فرجع إلى البستاني وقال: أكمل قبل أن أقطع رأسك. فقال البستاني : الفتاة أم إبنتي تدعى بوجابت فاستدعاها الأمير بعد أن ولدت طفلتها وهددها بفضحها لديكم إن لم تضع... فسكت البستاني خوفا ونظر إلى الأمير نحميا فقال له الملك بغضب وقد إصطكت أسنانه : تضع ماذا ؟ فقال البستاني:أمرها مقابل تستره علينا أن تضع لجلالتكم المنوم في إبريق الشراب, وسمعت بوجابت الأمير نحميا وزوجته يقولان الملك لم ينجب غير ثلاث إناث, كما سمعتهما يتآمران على نقل الملك في ذريتهما وأن وضع المنوم لمولاي جزأ من الخطة . عندها التفت الملك إلى أخيه الأمير الذي إنعقد لسانه من صدمة الخيانة وقال له الملك: هل كنت تعلم بأمر هذا البستاني وتلك الفتاة ؟ هل هي هذه الطباخة التي سألتنيها قبل قليل ؟ فأجاب الأمير متلعثما خائفا : نعم يا مولاي ولكن... ولم يتم حديثه حيث دخل على الملك طبيب القصر وبيده الإبريق الذي شرب منه الملك في تلك الليلة وقال : صحيح ما ظننته يا مولاي إن هذا الشراب يحتوي فعلا على المنوم. في تلك الأثناء كانت بوجابت في قصر الأميره ماري تخبرها عن المؤامره فتقدم الملك من الأمير نحميا ولم يعطه فرصة للدفاع عن نفسه واستل خنجرا من وسطه حتى أن وصل الملك إلى الأمير فإذا ماري تدخل المجلس مسرعة, فرآها الملك وهي تبكي زوجها فرق قلبه على أخيه وأمر الجند بأخذه إلى السجن وتكفل الوزير بذلك بكل سرور. أما الأميره ماري فقد حاولت التدخل لمنع الجند من أخذ زوجها واسترحمت الملك في أخيه الأمير الذي وقف هناك بأيدي الجند يجرونه وهو يرى زوجته في الذل والمهانة. رجع الوزير من السجن حيث إطمأن على حبس الأمير نحميا فقال له الملك : فلتسجن الأميرة ماري في قصرها لا يدخل عليها أحد ولا تخرج منه حتى تلد, وبعد أن تلد نأخذ ولدها فنربيه فلا يعرف أباه ونقضي به حاجتنا. فقال الوزير للملك: هل تأمر بقتل الأمير نحميا يا مولاي؟ رد عليه الملك مباشرة لا .. لا ليس الأن دعني أنظر في أمره إلى حين إذهب وأفعل ما أمرتك به. إنصرف الوزير وجلس الملك على كرسيه وقد زاد همه وغمه. الوزير خاف من أن الملك بعد حين يعفو عن أخيه الأمير فدبر مكيدة مع البستاني لمحاولة تهريب الأمير من سجنه فطلب البستاني وقال له : لم تنتهي مهمتك بعد لكي تنجو بجرمك عليك أن تمثل وسيله لتهريب الأمير من سجنه وعند ذلك يكون الجند بإنتظاره فيقتلوه ونتخلص منه للأبد. وافق البستاني الوزير. واتفق مع بوجابت على وضع المنوم للحراس في تلك الليلة ولكن البستاني لم يكن ينوي إرسال الأمير إلى حتفه وإنما كان فعلا ينوي إنقاذه وعندها يمكن أن يقول أنه قد نفذ الجزأ الخاص به من مهمته بتسهيل فرار الأمير ولكن الخطأ ليس خطاه وإنما خطأ الجند وبذلك يتخفف من ألم تعذيب الضمير لدية. فأحضر عربة ووضعها خارج بوابة المدنية .
ذهبت بوجابت إلى مطبخ قصر الملك واتفقت مع زميلاتها على وضع المنوم للحراس وأن تقدمه لهم إحدى الخادمات . وبعد أن نام الحرس كانت بوجابت تحمل طفلتها ومعها ماري عند العربة ينتظران, بينما دخل البستاني السجن وحررالأمير وإذا هما لدى باب السجن قابلهما الوزير فاستل البستاني سيفا من أحد الحراس النيام ودارت بينهما معركة سرعان ما حسمها الوزير المتمرس على حمل السلاح وليس كالبستاني الذي لم يتعود إلا على قص الحشائش فضربه على رأسه فشجه صريعا وأراد أن يبطش بالأمير ولكن الوزير تلقى ضربة قوية على رأسه من الخلف, لقد كانت تلك بوجابت إستخدمت عصى قوية فأوقعته مغشيا عليه وألبست بوجابت الأمير لباس النسوة وانطلقا إلى البوابة متخفيان. وإذا هما في لحظة خروجهما من الباب الكبير حيث الأميرة ماري في العربة تحمل طفلة بوجابت يصرخ عليهم الوزير وهو يجرى بإتجاههم والدماء قد سالت من رأسه قائلا : أوقفوهم . وحالما سمع الفارين ذلك أركب الأمير نحميا بوجابت في العربة وإذ يهم الأمير بالقفز إلى العربة أطلق أحد حراس السور سهما بإتجاههم فأصاب الأمير نحميا فوقع على الأرض ثم توالت السهام عليهم فجفلت خيول العربة وانطلقت مسرعه بينما تنظر ماري إلى زوجها ملقا على الارض وقد غرز السهم ظهره وهو ينظر إليهم يبتعدون مشيرا إليهم بيده مودعا زوجته ماري التي أخذت تراقبة و تبكي إذ العربة تبتعد بهم وتنطلق وراءهم ثله من الخياله يقودهم الوزير وتجري المطاردة عبر الغابات المظلمة وقلب الأميرة ماري مع زوجها متأملة أن يكون قد نجى من ذلك السهم القاتل وقد غسلت الدموع وجهها.أخذت العربة مجرى جانبيا من الطريق. وعلى بضعة أميال في أخر ذلك الطريق علمت بوجابت التي أمسكت بلجام الخيل أن أفضل وسيلة لهم الإبتعاد عن الطريق العام والإختباء وإلا عثروا عليهم إذا ما استمروا بالحراك. فأوقفت العربة عند مفترق طريق و ترجلتا عنها. ثم ضربت بوجابت الخيول لتعدوا في الغابة الكثيفة وهما بدورهما نزلتا منحدرا كثيفا مليء بالأشجار. بعده شاهدتا كوخا في أسفل المنحدر فتوجهتا إليه مسرعتان. ودخلتا من باب الكوخ على سرعة ووجل فإذا هو كوخ مليء بالحاويات الزجاجية الصغيرة والمتوسطة وبعض الأجهزة الغريبه والأوراق والقراطيس والمناضد الخشبية وكأنه مستودع بل وكأنه مختبر . دفعت بوجابت باب الكوخ بقوة دخولاً إلى غرفته وتبعتها ماري ورائها ممسكة بذيل ثوبها حتى أصبحتا على بضع خطوات من الباب بداخل تلك الغرفة الرثة. فالتصقتا بجدار الغرفة وقد إنقطعت أنفاسهما من الجري وشخصت أبصارهما حينما رأتا رجل ذو شعر كثيف وقد على بعض البياض شعر رأسه وفي بعض جوانب لحيته خصلات بيضاء. واقفا أمام إحدى المناضد يعمل على شيء وقد إلتفت إليهما لفتة دفاعية. توجه إليهما الرجل وقال متفحصا هاتان السيدتان اللتان قد بدتا من ملابسهما أنهما ليستا من العامة. وأحدهما قد بدت ملابسها وحليها تنطق بوضوح على ثرائها. من أنتما ؟ وماالذي أتى بكما علي هكذا ؟ ردت عليه بوجابت : هناك من يطاردنا من الرجال خلفنا, أرجوك ألا يوجد مكان نختبأ فيه عندك حتى رحيلهم؟ نظر الشيخ نظرة سريعة إلى المكان. والتفت وراءه ناظراً إلى بعض المداخل من تلك الغرفة حيث بعض الغرف الأخرى ولكنه علم أنهم إذا ما فتشوا المكان لن يجدوا صعوبة في إيجادهما حيث لا يوجد مخبأ عنده لهما. فتوجه مسرعا إلى بعض أوانيه الزجاجية وفتح إحداها وأخذ بعض من ما يشبه الدقيق وأغلق فم الزجاجة على عجل وتوجه إلى السيدتان وقد سمع ضجة الخيل مقبلة على الكوخ من الخارج وقال لهما : مهما يحدث إلزما مكانكما ولا تتحركا ولا تأتيا بأي صوت. وأخذ ينشر بعض من ذلك الدقيق على رأسيهما قائلا : لا تخافا فقط إلزما السكون التام. دخل الجنود باب الكوخ بقوة حيث لزم الشيخ مكانه واقفا بلا حراك وكانت السيدتان على يساره مباشرة خائفتان تترقبان ولكن الجنود لم يبدوا أي إنتباه إليهما فلم يكونوا يستطيعون رأيتهما . عندها تقدم الوزير داخلا إلى الغرفة عبر جنوده إلى أن وصل إلى منتصف الغرفة ثم إستدار وواجه الشيخ وقال له متفحصا المكان بنظره: هل جاءك زوار منذ دقائق ؟ رد الشيخ : نعم سيدي الفارس. عندها كادت السيدتان أن يغشى عليهما عندما سمعا الشيخ يقول نعم. فقال الوزير : وأين هما ؟ فقال الشيخ مشيرا إليهم والى الوزير ؟ أنتم ياسيدي . نظر إليه الوزير بخبث وهو يتمشى متفحصا الغرفة ورد وجهه إلى الشيخ قائلا : ألم تأتك سيدتان مع طفلهما إلى هنا منذ قليل؟ إنهما مجرمتان فارتان من العدالة وإيواء المجرمين عقوبته الإعدام. وقد أشار الوزير بإصبعه إلى الشيخ عندها قامت الصغيرة من نومها وبدأت تتحرك بعض الشيئ في يد بوجابت. فخافت من أن تبدأ الصغيره بالبكاء فوضعت بوجابت إصبعها بهدوء على فم الصغيرة فأخذت الصبية تمص إصبع أمها وراحت في سبات عميق. رد الشيخ على الوزير : سيدي المكان ملكك وهو كما ترى لا أحد سوانا هنا. أمر الوزير الجنود بتفتيش المكان بينما بقي هو مع الشيخ فدخل الجند إلى الغرف المجاوره ثم رجعوا فلم يجدوا أحد. فنظر إليهم الوزير وهم خالين الوفاض ثم قال وهو يخرج من الكوخ مسرعا: هيا بنا لا يمكن أن يكونا قد ابتعدتا. وخرج جميع الجند من الكوخ وانطلقوا في إثر ماري وبوجابت. بعد فترة بسيطة من خروجهم قالت ماري : شكراً لك أيها الشيخ الطيب لقد أنقذتنا من موت محقق. عندها تحركت بوجابت فظهرتا للشيخ عيانا فقالت ماري للشيخ: ما هذا الذي رششته علينا فأخفانا عن العيون ؟ هل أنت ساحر؟ فقال الشيخ وهو يبتسم: ساحراً! بالتأكيد لست ساحراً يا سيدتي وإنما أنا طبيب, لست إلا طبيب القرية.
|