ذكر الخبر عن وفاة أمه آمنة بنت وهب و حضانة أم أيمن له و كفالة عبد المطلب إياه
قال ابن إسحاق : فكان رسول الله صلى الله عليه و سلم مع أمه و جده عبد المطلب في كلاءة الله و حفظه ينبته الله نباتاً حسناً ، لما يريد به من كرامته ، فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه و سلم ست سنين توفيت أمه آمنة بالأبواء بين مكة و المدينة .
قال أبو عمر بن عبد البر : و قيل : ابن سبع سنين . قال : و قال محمد بن حبيب في المحبر : توفيت أمه صلى الله عليه و سلم و هو ابن ثمان سنين . و قال : و توفي جده عبد المطلب بعد ذلك بسنة و أحد عشر شهراً ، سنة تسع من عام الفيل . و قيل : إنه توفي جده عبد المطلب و هو ابن ثمان سنين .
رجع إلى ابن إسحاق : قال : و كانت قد قدمت به على أخواله من بني عدي بن النجار تزيره إياهم ، فماتت و هي راجعة إلى مكة فكان رسول الله صلى الله عليه و سلم مع جده عبد المطلب ، و كان يوضع لعبد المطلب فراش في ظل الكعبة ، فكان بنوه يجلسون حول فراشه ذلك حتى يخرج إليه ، لا يجلس عليه أحد من بنيه إجلالاً ، فكان رسول الله صلى الله عليه و سلم يأتي و هو غلام جفر حتى يجلس عليه ، فيأخذه أعمامه ليؤخره عنه ، فيقول عبد المطلب إذا رأى ذلك منهم : دعوا بني فو الله إن له لشأناً ، ثم يجلسه معه عليه ، و يمسح ظهره بيده . و يسره ما يراه يصنع .
قرأت على أحمد بن محمد المقدسي الزاهد ، أخبرك أبو إسحاق إبراهيم بن عثمان ، عن محمد بن عبد الباقي ، عن أحمد بن الحسن ، قال أبو إسحاق : و أخبرنا أحمد بن محمد بن علي بن صالح ، أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسين ، قالا : أخبرنا أبو علي بن شاذان ، أخبرنا ابن درستويه قال : أخبرنا يعقوب بن سفيان : حدثنا ابو الحسن مهدي بن عيسى ، أخبرنا خالد بن عبد الله الواسطي ، عن داود بن أبي هند ، عن العباس بن عبد الرحمن عن كندير ابن سعيد ، عن أبيه قال : حججت في الجاهلية فبينا أنا أطوف بالبيت ، إذا رجل يقول :
رد إلي راكبي محمداً اردده رب و اصطنع عندي يدا
قال : قلت : من هذا ؟ قال : عبد المطلب بن هاشم بعث ابن ابنه في إبل له ضلت و ما بعثه في شيء إلا جاء به ، قال : فما برحت حتى جاء و جاء بالإبل معه . قال : فقال له : يا بني حزنت عليك حزناً لا يفارقني بعده أبداً .
قالوا : و كانت أم أيمن تحدث تقول : كنت أحضن رسول الله صلى الله عليه و سلم فغفلت عنه يوماً فلم أدر إلا بعبد المطلب قائماً على رأسي يقول : يا بركة ! قلت لبيك . قال : أتدري أين وجدت ابني ؟ قلت : لا أدري . قال : وجدته مع غلمان قريباً من السدرة . لا تغفلي عن ابني ، فإن أهل الكتاب يزعمون أن ابني نبي هذه الأمة ، و أنا لا آمن عليه منهم و كان لا يأكل طعاماً إلا قال علي بابني فيوتى به إليه .
و روينا عن ابن سعد قال : أخبرنا هشام ابن محمد بن السائب الكلبي ، قال : حدثني الوليد بن عبد الله بن جميع الزهري ، عن ابن لعبد الرحمن بن موهب بن رباح الأشعري حليف بني زهرة ، عن أبيه ، قال : حدثني مخرمة بن نوفل الزهري ، قال : سمعت أمي رفيقة بن أبي صيفي بن هاشم بن عبد مناف تحدث ـ و كانت لدة عبد المطلب ـ قالت : تتابعت على قريش سنون ذهبن بالأموال و أشفين على الأنفس . قالت : فسمعته قائلاً يقول في المنام : يا معشر قريش ! إن هذا النبي المبعوث : منكم ، و هذا إبان خروجه . و به يأتيكم الحيا و الخصب ، فانظروا رجلاً من أوسطكم نسباً طوالاً عظاماً ، أبيض ، مقرون الحاجبين ، أهدب الأشفار ـ جعداً ، أسهل الخدين ، رقيق العرنين ، فليخرج هو و جميع ولده ، و ليخرج منكم من كل بطن رجل رجل ، فتطهروا و تطيبوا ، ثم استلموا الركن ، ثم ارقوا إلى رأس أبي قبيس ، ثم يتقدم هذا الرجل فيستسقي و تؤمنون ، فإنكم ستسقون . فأصبحت فقصت رؤياها عليهم ، فنظروا فوجدوا هذه الصفة صفة عبد المطلب ، فاجتمعوا إليه ، و خرج من كل بطن منهم رجل ، ففعلوا ما أمرتهم به ، ثم علوا على أبي قيس ، و معهم النبي صلى الله عليه و سلم و هو غلام . فتقدم عبد المطلب و قال : لا هم ! هؤلاء عبيدك و إماؤك و بنو إمائك وقد نزل بنا ما ترى ، و تتابعت علينا هذه السنون ، فذهبت بالظلف و الخف و الحافر ، و أشفت على الأنفس ، فأذهب عنا الجدب و ائتنا بالحيا و الخصب ، فما برحوا حتى سالت الأودية ، و برسول الله سقوا ، فقالت رقيقة بنت أبي صيفي بن هاشم بن عبد مناف :
بشيبة الحمد أسقي الله بلدتنا و قد فقدنا الحيا و اجلوذ المطر
فجاد بالماء جوني له سبل دان فعاشت به الأنعام و الشجر
مناً من الله بالميمون له طائره و خير من بشرت يوماً به مضر
مبارك الأمر يستسقي الغمام به ما في الأنام له عدل و لا خطر