ذكر الخبر عن رضاعه صلى الله عليه و سلم و ما يتصل بذلك من شق الصدر
روينا عن ابن سعد ، أخبرنا محمد بن عمر بن واقد الأسلمي قال : حدثني موسى ابن شيبة ، عن عميرة بنت عبد الله بن كعب بن مالك ، عن برة بنت أبي تجراة قالت : أول من أرضع رسول الله صلى الله عليه و سلم ثويبة بلبن ابن لها يقال له مسروح أياما ، قبل أن تقدم حليمة ، و كانت قد أرضعت قبله حمزة بن عبد المطلب و بعده أبا سلمة بن عبد الأسد .
" أخبرنا أبو العباس الساوي بقراءة والدي عليه : أخبرنا أبو روح المطهر بن أبي بكر البيهقي سماعاً عليه ، قال : أخبرنا أبو بكر الطوسي ، قال : أخبرنا أبو علي الخشنامي أخبرنا أحمد بن الحسن النيسابوري ، أخبرنا محمد بن أحمد ، أخبرنا محمد بن يحيى ، حدثنا محمد ابن عبيد ، حدثنا الأعمش عن سعد بن عبيدة ، عن أبي عبد الرحمن ، عن علي قال : قلت يا رسول الله : ما لك لا تتوق في قريش و لا تتزوج إليهم ؟ قال : و عندك قلت : نعم ابنة حمزة . قال : تلك ابنة أخي من الرضاعة " .
قرأت على أبي النور إسماعيل بن نور بن قمر الهيتي بسفح قاسيون أخبرك أبو نصر موسى بن عبد القادر الجيلي قراءة عليه و أنت تسمع ، " أخبرنا أبو القاسم سعيد بن أحمد ابن البناء قال : أخبرنا أبو نصر محمد بن محمد الزينبي ، أخبرنا أبو بكر محمد بن عمر بن علي الوراق ، حدثنا أبو بكر عبد الله بن سليمان بن الأشعث ، حدثنا أبو موسى عيسى بن حماد زغبة ، أخبرنا الليث ، عن هشام بن عروة ، عن عروة ، عن زينب بنت أبي سلمة ، عن أم حبيبة أنها قالت : دخل علي رسول الله صلى الله عليه و سلم فقلت : هل لك في أختي ابنة أبي سفيان و فيه قالت : فو الله لقد أنبئت أنك تخطب درة بنت أبي سلمة . قال : ابنة أبي سلمة ؟ قالت : نعم . قال : فو الله لو لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي ، إنها لابنة أخي من الرضاعة ، أرضعتني و إياها ثويبة ، فلا تعرضن علي بناتكن و لا أخواتكن .. " الحديث .
و ذكر الزبير أن حمزة أسن من النبي صلى الله عليه و سلم بأربع سنين ، و حكى أبو عمر نحوه ، و قال : و هذا لا يصح عندي ، لأن الحديث الثابت أن حمزة و عبد الله بن عبد الأسد أرضعتهما ثويبة مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ، إلا أن تكون أرضعتهما في زمانين . قلت : و أقرب من هذا ما روينا عن ابن إسحاق من طريق البكائي أنه كان أسن من رسول الله صلى الله عليه و سلم بسنتين ، و الله أعلم .
و استرضع له من بني سعد بن بكر امرأة يقال لها حليمة بنت أبي ذؤيب ، و كانت تحدث أنها خرجت من بلدها مع زوجها و ابن لها ترضعه في نسوة من بني سعد بن بكر . قالت : و في سنة شهباء لم تبق لنا شيئاً . قالت : فخرجت علىأتان لي قمراء ، معنا شارف لنا و الله ما تبض بقطرة لبن ، و ما ننام ليلتينا أجمع مع صبينا الذي معنا من بكائه من الجوع ، ما في ثديي ما يغنيه ، و ما في شارفنا في ما يغذيه ، و لكنا نرجو الغيث و الفرج ، فخرجت على أتاني فلقد أدمت بالركب حتى شق ذلك عليهم ضعفاً و عجفاً ، حتى قدمنا مكة نلتمس الرضعاء ، فما منا إمرأة إلا و قد عرض عليها رسول الله صلى الله عليه و سلم فتأباه إذا قيل لها إنه يتيم ، و ذلك أنا إنما كنا نرجو المعروف من أبي الصبي ، فكنا نقول : يتيم ! ما عسى أن تصنع أمه وجده ؟ فكنا نكرهه لذلك ، فما بقيت امرأة قدمت معي إلا أخذت رضيعا ، غيري ، فلما أجمعنا الانطلاق قلت لصاحبي : و الله إني لأكره أن أرجع من بين صواحبي و لم آخذ رضيعا ، و الله لأذهبن إلى ذلك اليتيم فلآخذنه . قال : لا عليك أن تفعلي ، عسى الله أن يجعل لنا فيه بركة . قالت : فذهبت إليه فأخذته ، و ما حملني على أخذه إلا أني لم أجد غيره ، فلما أخذته رجعت به إلى رحلي ، فلما وضعته في حجري أقبل عليه ثدياي بما شاء من لبن ، و شرب حتى روي ، و شرب معه أخوه حتى روي ، ثم ناما و ما كنا ننام معه قبل ذلك ، فقام زوجي إلى شارفنا تلك فإذا إنها لحافل ، فحلب منها ما شرب و شربت حتى انتهينا رياً و شبعاً ، فبتنا بخير ليلة يقول صاحبي حين أصبحنا : تعلمي و الله يا حليمة لقد أخذت نسمة مباركة . قلت : و الله إني لأرجو ذلك ، ثم خرجت و ركبت أتاني و حملته عليها معي ، فو الله لقطعت بالركب ما يقدر علي شيء من حمرهم ، حتى إن صواحبي ليقلن لي يا بنت أبي ذؤيب ويحك اربعي علينا ، أليست هذه أتانك التي كنت خرجت عليها ؟ فأقول لهن : بلى و الله إنها لهي . فيقلن : و الله إن لها لشأنا . قالت : ثم قدمنا منازلنا من بني سعد و لا أعلم أرضاً من أرض الله أجدب منها ، فكانت غنمي تروح علي حين قدمنا به معنا شباعاً لبناً ، فنحلب و نشرب و ما يحلب إنسان قطرة لبن و لا يجدها في ضرع ، حتى كان الحاضر من قومنا يقولون لرعيانهم : ويلكم اسرحوا حيث يسرح راعي بنت أبي ذؤيب ، فتروح أغنامهم جياعاً ما تبض بقطرة لبن ، و تروح غنمي شباعاً لبناً ، فلم نزل نتعرف من الله الزيادة و الخير حتى مضت سنتاه و فصلته ، و كان يشب شباباً لا يشبه الغلمان ، فلم يبلغ سنتيه حتى كان غلاماً جفراً . فقدمنا به على أمه و نحن أحرص شيء على مكثه فينا لما نرى من بركته ، فكلمنا أمه ، و قلت لها : لو تركت بني عبدي حتى يغلظ فإني أخشى عليه وباء مكة ، فلم يزل بها حتى ردته معنا فرجعنا به ، فو الله إنه بعد مقدمنا به بأشهر مع أخيه لفي بهم لنا خلف بيوتنا ، إذ أتانا أخوه يشتد فقال لي و لأبيه : ذاك أخي القرشي عبد الله قد أخذه رجلان عليهما ثياب بيض ، فأضجعاه فشقا بطنه فهما يسوطانه . قالت : فخرجت أنا و أبوه نحوه فوجدناه قائما منتقعاً وجهه ، قال : فالتزمته و التزمه أبوه فقلنا : ما لك يا بني ؟ قال : جاءني رجلان عليهما ثياب بيض فأضجعاني فشقا بطني فالتمسا فيه شيئاً لا أدري ما هو . قالت : فرجعنا به إلى خبائنا ، و قال لي أبوه : يا حليمة ! لقد خشيت أن يكون هذا الغلام قد أصيب فألحقيه بأهله قبل أن يظهر ذلك به . قالت : فاحتملناه فقدمنا به على أمه . فقالت : ما أقدمك يا ظئر ؟ و لقد كنت حريصة عليه و على مكثه عندك . قلت : قد بلغ الله يا بني ، و قضيت الذي علي و تخوفت الأحداث عليه فأديته عليك كما تحبين . قالت : ما هذا شأنك فأصدقيني خبرك . قالت : فلم تدعني حتى أخبرتها . قالت : أفتخوفت عليه الشيطان ؟ قلت : نعم . قالت : كلا و الله ما للشيطان عليه سبيل و إن لبني لشأنا أفلا أخبرك خبره ؟ قلت : بلى . قالت : رأيت حين حملت به أنه خرج مني نور أضاء له قصور بصرى من أرض الشام ، ثم حملت به فو الله ما رأيت من حمل قط كان أخف منه و لا أيسر منه ، و وقع حين ولدته و إنه لواضع يديه بالأرض رافع رأسه إلى السماء ، دعيه عنك و انطلقي راشدة .
قال السهيلي : و ذكر غير ابن إسحاق في حديث الرضاع أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان لا يقبل إلا على ثديها الواحد ، و تعرض عليه الآخر فيأباه ، كأنه قد أشعر أن معه شريكاً في لبانها ، و كان مفطوراً على العدل مجبولاً على جميل المشاركة و الفضل صلى الله عليه و سلم .
و يروى أن نفراً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم قالوا له : يا رسول الله ، أخبرنا عن نفسك . قال : " نعم ، أنا دعوة أبي إبراهيم و بشارة عيسى بن مريم عليهما الصلاة و السلام ، و رأت أمي حين حملت بي أنه قد خرج منها نور أضاء له قصور الشام ، و استرضعت في بني سعد بن بكر ، فبينا أنا مع أخ لي خلف بيوتنا نرعى بهماً لنا أتاني رجلان عليهما ثياب بيض بطست من ذهب مملوءة ثلجاً ، فأخذاني فشقا بطني ، ثم استخرجا قلبي فشقاه فاستخرجا منه علقة سوداء فطرحاها ، ثم غسلا قلبي و بطني بذلك الثلج حتى أنقياه ، ثم قال أحدهما لصاحبه زنه بعشرة من أمته فوزنني بعشرة فوزنتهم ، ثم قال : زنه بمائة من أمة فوزنني بهم فوزنتهم ، ثم قال زنه بألف من أمته فوزنني بهم فوزنتهم . فقال : دعه عنك فلو وزنته بأمته لوزنها " .
و في رواية : " فاستخرجا منه مغمز الشيطان و علق الدم " . و فيها : " و جعل الخاتم بين كتفي كما هو الآن " .
شرح الغريب :
قوله في هذا الخبر : " و ما في شرفنا ما يغذيه " . قيل بالدال المهملة من الغذاء و قيل بالمعجمة . و قال أبو القاسم : و هو أتم من الأنصار على ذكر الغذاء دون العشاء . و عند بعض الناس : يعذبه : و معناه ما يقنعه حتى يرفع رأسه و ينقطع عن الرضاع ، يقال منه : عذبته و أعذبته إذا قطعته عن الشرب و نحوه ، و العذوب ، و جمعه عذوب بالضم ، و لا يعرف فعول جمع على فعول غيره ، قاله أبو عبيد . انتهى كلام السهيلي رحمه الله . و أنشدني أبي رحمه الله لبعض العرب يهجو قوماً بات ضيفهم :
بتنا عذوباً و بات البق يلبسنا نشوي القرح كأن لاحي بالوادي
و ذكر فعول على فعول غير عذوب ، و حكي ذلك عن كتاب ليس لابن خالويه .
و قوله : " أدمتة بالركب " حبستهم و كأنه من الماء الدائم و هو الواقف . و يروى أذمت : أي الأتان ، أي جاءت بما تذم عليه ، أو يكون من قولهم : بئر ذمة : أي قليلة الماء .
و قوله : " يسوطانه " . يقال : سطت اللبن أو الدم أو غيرهما أسوطه ، إذا ضربت بعضه ببعض ، و [ المسوط ] : عود يضرب به .
و قوله : " مغمز الشيطان " : هو الذي يغمزه الشيطان من كل مولود إلا عيسى بن مريم و أمه لقول أمها حنة : " وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم " [ آل عمران : 36 ] و لأنه لم يخلق من مني الرجال و إنما خلق من نفخة روح القدس . قال السهيلي : و لا يدل هذا على فضل عيسى عليه الصلاة و السلام على نبينا محمد صلى الله عليه و سلم ، لأن محمداً عندما نزع ذلك منه مليء حكمة و إيماناً بعد أن غسله روح القدس بالثلج و البرد .
و قد روي أنه عليه الصلاة و السلام ليلة الإسراء أتي بطست من ذهب ممتلئ حكمة و إيماناً فأفرغ في قلبه ، و أنه غسل قلبه بماء زمزم ، فوهم بعض أهل العلم من روى ذلك ذاهباً في ذلك إلى أنها واقعة واحدة متقدمة التاريخ على ليلة الإسراء بكثير . قال السهيلي : و ليس الأمر كذلك بل كان هذا التقديس و هذا التطهير مرتين : الأولى في حال الطفولية ليبقى قلبه من مغمز الشيطان ، و الثانية : عندما أراد الله أن يرفعه إلى الحضرة المقدسة ، و ليصلي بملائكة السماوات ، و من شأن الصلاة الطهور ، فقدس باطناً و ظاهراً و ملئ قلبه حكمة و إيماناً وقد كان مؤمناً ، و لكن الله تعالى قال : " ويزداد الذين آمنوا إيمانا " [ المدثر : 31 ] .
رجع إلى الأول : و انطلق به أبو طالب ، و كانت حليمة بعد رجوعها من مكة لا تدعه أن يذهب مكاناً بعيداً ، فغفلت عنه يوماً في الظهيرة ، فخرجت تطلبه حتى تجده مع أخته . فقالت : في هذا الحر ؟ فقالت أخته يا أمه ما وجد أخي حراً ، رأيت غمامة تظل عليه إذا وقف وقفت و إذا سار سارت ، حتى انتهى إلى هذا الموضع . تقول أمها : أحقاً يا بنية ؟ قالت : إي و الله . قال : تقول حليمة : أعوذ بالله من شر ما يحذر على ابني . فكان ابن عباس يقول : رجع إلى أمه و هو ابن خمس سنين . و كان غيره يقول : رد إليها و هو ابن أربع سنين ، و هذا كله عن الواقدي .
و قال أبو عمر : ردته ظئره حليمة إلى أمه بعد خمس سنين و يومين من مولده ، و ذلك سنة ست من عام الفيل ، و أسلمت حليمة بنت أبي ذؤيب ، و هو عبد الله بن الحارث ابن شجنة بن جابر بن رزام بن ناضرة بن قبيصة بن نصر بن سعد بن بكر بن هوازن .
قال أبو عمر : روى زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، قال : جاءت حليمة ابنة عبد الله أم النبي صلى الله عليه و سلم من الرضاعة إلى النبي صلى الله عليه و سلم يوم حنين فقام إليها و بسط لها رداءه فجلست عليه ، و روت عن النبي صلى الله عليه و سلم و روى عنها عبد الله بن جعفر .
قرئ على أبي العباس أحمد بن يوسف الصوفي و أنا أسمع منه سنة ست و سبعين قال : أخبرنا أبو روح البيهقي سماعاً عليه سنة خمس و ستمائة ، قال : أخبرنا الإمام أبو بكر محمد بن علي الطوسي قراءة عليه و نحن نسمع ، أخبرنا أبو علي نصر الله بن أحمد بن عثمان الخشنامي ، أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن النيسابوري ، أخبرنا أبو علي محمد بن أحمد الميداني ، أخبرنا أبو عبد الله محمد بن خالد بن فارس ، حدثنا أبو عاصم النبيل ، عن جعفر بن يحيى بن ثوبان ، عن عمه عمارة ، عن أبي الطفيل ، قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقسم لحماً بالجعرانة و أنا غلام شاب ، فأقبلت امرأة ، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه و سلم بسط لها رداءه ، فقعدت عليه . فقال : من هذه ؟ قال : أمه التي أرضعته .
هكذا روينا في هذا الخبر ، و كذا حكى أبو عمر بن عبد البر عن حليمة بنت أبي ذؤيب أنها أسلمت و روت . و من الناس من ينكر ذلك ، و حكى السهيلي أنها كانت وفدت على النبي صلى الله عليه و سلم قبل ذلك بعد تزويجه خديجة تشكو إليه السنة و أن قومها قد أسنتوا ، فكلم لها خديجة فأعطتها عشرين رأساً من غنم و بكرات .
و ذكر أبو إسحاق بن الأمين في استدراكه على أبي عمر : خولة بنت المنذر بن زيد ابن لبيد بن خداش التي أرضعت النبي صلى الله عليه و سلم . و ذكر غيره فيهن أيضاً أم أيمن بركة حاضنته عليه الصلاة و السلام .