![]() |
•رواية~ حب سامي• \\ من أجمل ما قرأت
•رواية~ حب سامي• • • • تأليف~ Throe • • • شبكة المعالي • • • ~١~ كانت لأول مرّة تدخل بيتاً واجتماعاً يجمع شتاتٍا من نخب أسرتها الكبيرة، و قد أعجبت بأمور في التنظيم رأتها.. كما ساءها نواحٍ أخرى فيها بعض القصور الذي لا ينبغي أن يحصل من نخبة مميزة كهؤلاء!! أبدت معارضتها لبعض ما رأت و شجعها الجميع.. مما حمَّسها لبذل المزيد والبقاء في هذا الاجتماع بقدر ما يسمح به وقتها!! ومرت الأيام وتوالت زياراتها لهذا البيت وكونت مجموعة رائعة من الأخوات اللاتي كنَّ لها خير معينٍ على الخير وبذله.. وكان هناك شاب يشابهها فكراً وإن حصل منه بعض الزلل رجع سريعاً.. واكتشفت من أهلها بأن هذا الشاب قريب لها بدرجة لم تتصورها.. فهو فلان الذي نشأ معها وتربى في نفس البيت.. نشأت بينهما علاقة مميزة جداً من التعاون على الخير بدون أي تواصل مباشر مما قربه إليها، لكنها لم تفكر فيه خارج إطار أخوة الإسلام ونفع الأسرة، حتى أتتها تلك الرسالة من قريبة لها تذكر فيها بأن فلان يعد العدة لتجهيز بيت الزوجية الذي وجد من تستحق أن يبني لها قصره و ينثر فيه رياشه.. صدمت بالخبر!! "لمَ تأثرت بذلك؟" هكذا سألت نفسها! ثم أضافت: هل يضيركِ أن يبحث عمن تساعده و تعينه على هموم الدنيا و مشقتها؟ هل وضعتِه بموضع الأخ المسلم، صاحب المنهج القويم و الفكر السديد، والذي تفرحين بانتمائك لأسرة تخرج أمثاله و تأملين أن يعم شباب الأمة لتجدي أحلامك حقيقة ماثلة للعيان ببركتهم و بركة صلاحهم؟!! - آه.. لست أدري لكن وجدتْ ألماً بقلبها جعلها تعيد حساباتها مع نفسها!! عادت لمحاورة قلبها من جديد: هل يعني لك سامي شيئاً خاصاً؟ هل كنت تطمعين أن تكوني له؟ - لا.. ما خطر ذلك ببالي أبداً.. شعرت بأنها وضعت قلبها في قفص اتهام ولا تدري أهو مظلوم أم ظالم!! الشيء الذي تأكدت منه أنها لن تستطيع الرد على رسالة قريبتها تلك الآن!! فهي تخشى أن ينتقل ما تشعر به عبر أثير الحروف لتلك القريبة فتعلم به!! و كأنها تقول: عفي عنَّا ما نحدث به أنفسنا فلم نكشف ستراً أرخاه ربي علينا؟... و بعد أيام.. نسيت الموضوع فشعرت براحة عظيمة كونه لم يعد يعكر صفو راحتها وتفكيرها... في مجلة تصدر بشكل دوري من قبلهم توزع على أفراد الأسرة في اجتماعهم كتب كلاماً ذكرها به و أعاد ذلك الألم الذي تناسته مدة!! و كانت لجنة إخراج المجلة تعرض عليها بعض ما كتب فلما قرأت كلمته التي كان نصها: "نهيم في كتب السير نبحث عن قدوات نسير على هداها فيلفت نظرنا سير نساء السلف فتحفر في القلوب أثراً، ثم تصادف رسوماً لما بقي من قراءتنا للقصص الرومانسية التي أدمنّاها زمناً فتخرج صورة فريدة نسجناها في أخيلتنا يعز علينا أن نجدها!! و إن وجدناها خشينا أن لا نكون أهلاً لها؛ لكونها عملة نادرة لا يظفر بها إلا الموفق!! ونحن أقل في أعيننا من كوننا كذلك ولكن الله كريم، ونحن نسأله من فضله وجوده، وإن لم نكن أهلاً لذلك!! وهذه هموم فئة منّا لا تقنع بكثرة المعروض المتوفر ولا تضمن العالي النادر؛ فدعواتكم لنا بقرة عينٍ أو قناعة" حين قرأت كلمته وجدت نفسها تسطر كلمتها المطلوبة منها والتي سبق لها إرسالها، لكنها رأت في نفسها رغبة جامحة للكتابة بما في ذهنها الآن.. فكتبت: (من العجز أن يقنع الإنسان بأقل مما يطمح إليه مهما بلغت صعوبة تحقيقه، فالجنة غالية و لا نبلغها بأعمالنا، لكن أمرنا ببذل كل الأسباب الموجبة لدخولها، بل وأمرنا ليكون طموحنا بالدرجات العلى منها وهو فردوسها الذي سقفه عرش الرحمن، و كذلك أمور الدنيا، أمرنا أن نسعى بكل ما نستطيع لبلوغ أعلى المنازل.. لكن الفرق بين المؤمن وغيره أنه إذا تبين له القدر رضي به وسعى في المستقبل كسعيه الماضي بلا تأثير لما سبق من أقدار!! و العجز والكيس قدر؛ و لكننا أمرنا بالكيس و نهينا عن العجز.. فمن العجز أن نرضى بأقل من طموحنا، وما تهفو نفوسنا إليه).. وبعثت بها للجنة تحرير المجلة طالبة وضعها بدلاً عما كتبته سابقاً و تأجيل تلك للعدد القادم.. لم تمض أيام بعد صدور المجلة إلا وسامي لديهم في البيت.. كان حضوره لزيارة والدها.. شيئا مثيرا للانتباه بالنسبة لها، فلم يحدث أن حصل قبل ذلك أن ذكر بهذا الشكل لديها، تحسست بعد تلك الزيارة خبراً عن سببها لكن لم تحظ بما يشفي ذلك الفضول؛ فقالت لعلها كسائر زياراته!! وفي طريقها لجامعتها مع والدها ذلك اليوم لمست منه أمراً لم تعهده منه! فقد تحدث عن المستقبل وحياة الأسر و تفرعها و كأنه يمهد لخبرٍ يريد أن يوصله لها... و فاتحها في الأمر! رقص قلبها ورجف بمجرد ذكر سامي، لكنها لاذت بالصمت.. فما كان من والدها إلا أن غير حديثه بعد أن دعاها للاستخارة في الأمر؛ لما رأى من حرجها منه... أمضت يومها كاملاً تفكر في أمرها وسامي، كان سامي هو النموذج الرائع الذي تتخيله، فهل ستكون حياتها معه جنة وعملٍ وبذلٍ وعطاء؛ كان يمرر لها كل ما يحب في مقالاته في تلك المجلة وكانت هي تفعل ذلك، حتى بلغ من أمرهما ما لم يحلما به، وفي غمرة الأنس و قمة الفرح... • • • ~٢~ حصل ما أحال أحلامها رمادًا تذروه السنين، وذلك أنه في ليلة العقد وقد غردت طيور الفرح في أرجاء البيت حولها، وبعد أن اجتمع القلبان حلالاً، كل منهما قد أمضى على شقه توقيعاً بأنه مطابق لمواصفات و مقاييس الآخر، إذ كان كليهما يعزف نفس اللحن برؤية مكملة لسيمفونية أحلامه، التي لم تنحصر في أحلام الشباب التقليدية بل شملت عصوراً خلت و عصوراً لم يخلق من يتنفس بها حتى اللحظة.. كان كل منهما يكتب في ملحمة الحياة نقشاً يحرص أن يحيا به و يُزاد في أثره به، لم يرسما لوحة عمريهما معاً بألوان الذاتية، لا.. بل بألوان طيوف أمة تحتاج رجالاً كالسحاب المثقل بماء الحياة ونساء كالأرض الطيبة التي ترسم أجمل لوحة تزين الأرض وتملؤها هناء وأنساً وبركة! كان كل منهما يعرف ما الذي يريده صاحبه منه وماذا يحتاج هو بالمقابل .. فبقدر الهمة تعظم الأهداف في المشاريع العظيمة، وبقدر النجاح في قيام المشاريع ابتداءً تعظم الآمال في تحقيق أهدافها واستواء ونضج ثمرتها! في غمرة هذا الأنس والهناء... أتت مكالمة من أحد أبناء عمومتها لوالدها يخبره فيها بأن ندى لا تحل لسامي لكونه أخاً لها بالرضاعة.. صعق الوالد من الخبر ولم يدرِ كيف يتصرف لكنه أنهى المكالمة سريعاً طالباً البينة على هذا الزعم.. وعاد لأم ندى يخبرها بما قال ابن أخيه عن سامي وندى!! قالت: لا أذكر أن ندى رضعت من غيري ولم أرضع أنا أحداً لأرضع سامي!! لكني كنت أتركها عند أمه رحمها الله و هي صغيرة حين أسيّر على جيراني، قال: تكتمي على الأمر حتى أستبينه، فأنا أخشى أن يكون هناك من يريد إفساد هذا الزواج لغاية سيئة.. و تناقل الأقارب الخبر بسرعة بعد نشره من قبل فيصل وأمه، التي أكدت أن أم سامي أرضعت ندى مرات متكررة تجاوزت الخمس، وتعجبت من نسيان أم ندى لهذا أو عدم علمها به!! وأكدت إحدى قريباتها الخبر.. كانا قد تم أسبوعان على عقدهما وهي مدة كافية ليبلغ الحب بينهما مبلغاً عظيماً، سيَّما و كل منهما فرح مغتبط بالآخر! حين بلغ سامي الخبر استقبله بسخرية شديدة و تهكم، ظناً منه بأن الأمر خطة حقيرة من فيصل الذي تحداه يوماً أن تقبل به ندى وهو الفقير المعدم بعد أن رفضت من هو خير منه! لكنه فوجئ بالجميع يتحدثون بجدية كبيرة وقد خيم الحزن على قلوبهم، قال: عمي.. هل أنت مصدِّق ما يقال؟!! أظنها لعبة حقيرة لا تنطلي على أمثالك.. - للأسف يا بني كنت أظنها كذلك، لكن سألنا وتقصينا فوجدنا الخبر صحيحاً! - والحل؟ هي أختك.. هذا شرع الله يا بني، - لكني أحبها وهي كذلك.. ولن أصدق ما جرى أبداً.. أين أم فيصل و قريبتها طول هذه الأعوام؟!! ولمَ لمْ تظهر هذه الرضاعة إلا الآن؟! - لكن هل تستطيع إتمام هذا الأمر بعد سماعك بأنها أختك؟! - صدقني يا عم لو تيقنت هذا لما ترددت في قبول أمر الله، لكن قلبي ممتلئ شكاً، خصوصاً وأن الخبر أتى بواسطة فيصل!! ففيصل تحداني يوماً أن أفوز بندى ولم يذكر أمر الرضاعة، فهل كان يجهلها؟! الفيصل في الأمر قول المرضعة وهي متوفاة.. سأبقي على ندى ولن أتركها حتى أتيقن ما أخبرونا به! - لكنك لن تستطيع أن تكون زوجاً لها حتى يثبت أن الشاهدتين كذبتا.. - لا بأس يا عم.. لعل الله يقضي في أمرنا بما يكون الخير والهناء فيه.. أما ندى فقد كانت أشد من سامي ألماً وحزناً وشكاً، حتى مرضت و احتاجت لرعاية طبية لشدة ما وجدت! وبقيا على هذه الحال ما يقارب السنتين لا زوجين ولا أخوين، و الشاهدتان تصران على أن الرضاعة أمر متيقن، وفتوى أهل العلم تباينت؛ فالبعض قال: لا يبطل عقد النكاح بقول امرأتين ليس بينهما المرضعة!! والبعض قال: تجتنب الشبهة سيَّما ولم يدخل بها وليس بينهما أولاد!! أما هما فكانا لا يملك أحدهما أن يتخذ قراراً بالمضي ولا بالتراجع، حتى دخل عليها يومًا سامي وهو يبتسم وفاجأها بقراره.. •يتبع •to be continued• |
فيني فضول شو بيصير ممكن التكمله؟
بلييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييز |
هلا وغلا وردة غلا ^^
لعيونك........هذي هي التكمله [صح طويلة بس صدجيني ما بتندمي....كل مرة تحلو أكثر ونهايتها أحلى كنت ناويه أجزأها بس ألحين بحطها كاملة.......وبحط نسخة جوال فالملفات المرفقة للي يبي يقرأها براحته فالموبايل] • • • ~٣~ الذي قال أنه اتخذه بعد استخارة واستشارة، وهو أن يدعها لعل الله أن يكتب لها خيراً منه، نزل عليها قراره كالصاعقة رغم كل ما جرى؛ فالأمل فيها كان عظيماً بزوال ما سبب لهما كل هذه المعاناة، أخذت تبكي وهو يبكي لبكائها!! ثم مسح على رأسها وقال: ندى الله وحده يعلم ماذا تعنين لي، لكني سأكون لئيماً لو تركتك هكذا، مضى الآن أكثر من ثلاث سنين و نحن على هذه الحالة، ومن العقل والكياسة والدين أن أكرم من أكرمني وأرحم من تأذى بسببي، أنت حلم جميل قدر الله ألا أعيشه واقعاً، لكن سأكون سعيداً وربما جبر بعض مصابي أن تعيشي حياتك سعيدة قارة العين ولو مع غيري، وإن لم يقدر الرحمن اجتماع قلبينا كزوجين فنحن أخوين، وسأبقى لكِ أخاً مخلصاً ما حييت.. فقط شيء واحد أتمناه منكِ أن لا تلتفتي للماضي، وامضِي في دنياك بنفس أحلامك و علوك الذي أعرفه، أما أنا فسأنتقل لمدينة رسول الله -صلى الله عليه و سلم-؛ لأكمل دراستي هناك وقد قدمت أوراقي طالباً نقلي للعمل في تلك المدينة التي ستعوضني بعض فقدي! - سامي.. ما تقول؟ مجنون أنت؟ ألا تعلم من أنا، أنا لا أبدل خيارات قلبي كما تريد، قلبي ليس بيتاً للإيجار يتعاقب عليه الخلق، أتظن أنه من السهولة أن أبحث عمن يشغله ويسكن ألمه..؟؟ أتفهم موقفك تماماً، لكن تأكد أنني سأبقى كما أنا، أترقب أملاً قادماً، وحتى ذلك الحين سأبقى أختك المحبة وروحك الأخرى الوفية، لن أضعك حتى في أحلامي موضع الزوج حتى يقضي الله في أمرنا بالحق، و ستبقى بالنسبة لي سامي الأخ الحبيب، الطاهر الذي لم أشعر يوماً بأنه أناني، يقدم له مصلحة على غيره فكيف على روحه الأخرى، سامي.. صدقني أنت عندي شامخ شموخ الجبال وسامٍ سمو السحاب، حتى أخطاؤك لها عندي ما يبررها، لم تجرحني يوماً ولو كنت جارحاً، حتى في فضاضتك مع والدي الذي لا يستحق منك ذلك وأنت المقرب لديه كنت ألتمس لك عذراً.. صدقني حياتي من الخير أن تنتهي إن لم تكن معك.. - وأحلامك وأمانيك؟ والقادة العظماء الذين ستنجبينهم؟ - دعك من هذا الآن، فالمرأة تحب بقلب واحد وبلون واحد، ولن أتأخر عن مشروعي لو تغيرت مشاعري يوماً، ثم أنا الآن مشغولة بتعليم نشء جديد سأغرس فيه القيم التي أريد، و سأقضي بقية وقتي في طلب العلم.. فلا تحمل همي.. فقط لي طلب، أن تبقيني كما أنا، لا تنو طلاقي بقلبك فأنا إن ثبت يوماً زور ما قيل سأكون زوجتك.. لم يستطع سامي أن ينطق حرفاً، و قام وقد صرف وجهه للناحية الأخرى وهو يتمتم: لكِ ما أردتِ، لكن بشرط؛ أن تستشيري والديك.. - لن أشاور أحداً الآن؛ فقد استخرت ربي كثيراً و دعوته راجية أن يشرح صدري لما يحب، وأجد راحة لما طلبت.. -قال: اللهم إن كان فيصل وأمه كذبوا فأرني فيهم ما يشفي قلبي ويريحه من عذابهم.. - لا.. لا تدع إلا بخير.. ما الذي ستستفيده من عذابهم؟ الله عالم و مطَّلع عليهم؛ فكل الأمر له، و لا تدع على مسلمٍ إلا بخير.. أسأل الله أن يهديهم إن كذبوا، ويغفر لنا إن صدقوا ويتولانا جميعاً برحمته! خرج سامي من بيت ندى وهو يجر قدميه جراً لثقل الهم الذي يحمله؛ فهو بين همِ حبس ندى وضياع مستقبلها المعلق هكذا وبين همَّ تركها الذي يكرهه .. وقد شاع بين الناس بأن سامي وندى فرق بينهما الرضاع واتجه كل منهما لطريق.. وفي يوم من الأيام أتتها رسالة من سامي بعد استقراره بالمدينة النبوية بمدة يطلب استشارتها في أمرٍ يخصه.. فعلى الفور اتصلت به: - السلام عليكم ورحمة الله. - وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.. هلا بالغالية، كيف حالك طمنيني عليك! - بخير الحمد لله، كيف حالك أنت؟ عسى ما شر؟ - لا أراك ربي شراً.. فيه أمر مشغل بالي منذ مدة ولم أرَ أقرب من أستشيره فيه منك! - تفضل.. - لي زميل دراسة ذكر لي قصة أطارت النوم من عيني، ووجدت في قلبي من الألم تجاهها ما لم يفقه إلا ما أصابنا.. والمحروم يحن للمحرومين والمظلوم يرق للمظلومين!! - أكمل.. - ذكر لي قصة جار لهم كفل ابنة أخيه بعد أن توفي أهلها في حادث سير ولم يبق سواها، وذكر لي من الظلم الواقع عليها في بيت عمها ما لم يخطر لي ببالِ يوماً، كما تحدثه أخواته وأمه. حتى أنها تقضي أغلب الليل تبكي في فناء المنزل بسبب طرد زوجته لها من البيت! - يا الله.. يا رب لا تترك لظالم على ضعيفٍ سبيلاً.. أليس لها أقارب آخرون؟ أخوالها وباقي أعمامها في منطقة أخرى، والعلاقات بينهم ضعيفة نوعاً، ويقول بأنها كما يذكر أهله مصابة برهابٍ، فلا تستطيع الحديث مع الآخرين وبث ما تجد من عمها وزوجته، وحتى الدراسة تركتها بعد رسوبها المتكرر! - يا رب رحمتك بها وبكل ضعيف مظلوم يا رباه.. أسأل الله أن يرسل لها من ينقذها من هذا الظلم.. - ندى تراودني فكرة خطبتها لأنقذها من عذابها لعل الله أن يرحمني وينقذني مما أعاني ويمن علي بما أحب! - هاه.... - ندى يشهد الله لا إرب لي بالنساء ولا حاجة.. ولو عرضت علي نساء الأرض ما كن كشعرة ساقطة من رأسك، لكني أبتغي بعملي هذا وجه الله وإكرام مسلمة ضعيفة ورفع الظلم عنها.. وحتى والله ما سألت ولن أسأل عنها، فلا فرق عندي سواء كانت سوداء أو بيضاء قبيحة أم جميلة.. وأنت.. - حفظك ربي يا سامي الخصال.. قالتها وهي لا تكاد تبينها من البكاء.. - ندى.. هل يضرك قراري هذا؟ - لا.. لو كنت زوجتك التامة لزهيت في نظري بهذا النبل.. فكيف وحالنا ما تعلم؟ أسعد الله قلباً لا يحوي إلا الخير والرحمة.. - ندى.. أحقاً ما تقولين؟ - نعم.. وفخورة والله بك أنا.. ذكرتني بالسلف الذين عاشوا للآخرة وسعوا لها سعيها، ولم يسجنوا أنفسهم في دنيا ظالمة حقيرة، أهلها عبيد شهواتهم ورغباتهم.. - الحمد لله.. يشهد الله إني لم أفكر إلا بك، خشيت أن يجرحك قراري ويزيد ألمك.. - على بركة الله.. عجِّل عليها بالفرج عجَّل الله عليك بسعدك.. و سأكون معك أعينك بما أستطيع، فأنا أختك يا سامي! - بل أنت روحي وحلمي الذي لن أيأس منه. أعتذر ندى.. خرجت والله بلا شعور مني.. - سامي.. منذ حدوث ما حدث وأنا متوقفة فيك حتى في أحلامي.. لم أضعك موضع الزوج أبداً رغم أن كل شيء في مرتبط بك، خشية أن تكون أخوتنا ثابتة.. آه.. رددتني لما أحاول أن أدعه نائماً حتى يأتي أجله.. توكل الله، وعجل في خطبتها.. - سأحاول.. وبعد أسبوع اتصل عليها ليخبرها بأنه خطبها، ولم يرض عمها إلا بثمانين ألفا وبعد مشقة كبيرة.. واتفقوا أن يكون العقد والزواج معاً بعد ثلاثة أسابيع من الآن.. -تصدقين ما سألني عن بيت ولا عمل.. فقط المهر هو ما يريده!! - نقول مبارك إذن؟ - أسأل الله أن يبارك لي ولك.. - والشقة جاهزة يا سامي؟ - الله يسامحك.. لا تجرحيني بهذه الأسئلة، أنا حريص على إبعادها عن الظلم فقط.. - لكنها ستكون زوجتك.. ولها عليك حقوق.. - أعلم.. ولن أغمطها حقها. - هل رأتها إحدى أخواتك؟ نعم.. ذهبت ريم معي، وذكرت لي من حالها ما جعلني أستعجل الأمر، يا رب أعني على بلوغ رضاك.. كتمت ما بقلبها ندى من حب استطلاع ما رأت أخته خشية أن تؤذي سامي، أو تؤذي قلبها.. وطلبت من أهلها أن يحضروا زفاف سامي، فوافقوا لظنهم بأنها نسيته وأن زواجه سيكون باباً لانصرافها التام عنه، ولعله يكون فألاً لأن يخطبها غيره، فمنذ حصول ما حصل بعد زواجها من سامي لم يخطبها إلا فيصل الذي تقول بأنها لو بقيت أيماً ما تزوجته.. ونزلوا صبيحة الزواج على سامي في بيته لينتقلوا لأهل العروس ثم يذهبوا للفندق الذي حجزوا به بجوار الحرم.. كانت ندى محملة بأكياس معها.. و قد أعادت ترتيب بيت سامي من جديد ورتبت غرفة نومه.. وبكت حين رأت أن أغراض العروس لم تحضر بعد، بكت رحمة بها و حزناً على حبيب لم يكتب لها الفرح به.. وفي بيت عمِّ العروس، رأت وجوهًا لم تعظم الله كما ينبغي له أن يعظم، إذ كيف تعظمه وقد نسيت بطشه بالظالمين؟ كيف تعظمه وقد أساءت لمن أمرت بالإحسان له؟ كانت وجوهاً شائهة ردها الرحمن إليه ردَّاً جميلاً.. ودخلت تسلم على العروس التي منذ رأتها وهي لا تملك لدموعها حبساً، حتى خشيت أن يظن من يراها بأنها تبكي على سامي، وهي والله تبكي رحمة عليه وعلى هذه المسكينة التي لا يبدو عليها الفرح حتى في هذه الليلة.. كانت نحيلة لدرجة اتضاح عروق جسدها وتجلي عظامها.. تتلون أطرافها بآثار حروق، وندبات ظاهرة.. غير يديها التي لم تجد لها تشبيهاً إلا بيد امرأة في أحد سفراتهم صافحتها فسحبت يدها من شدة خشونتها. -يا الله.. أيوجد ظلم في ديارنا لهذه الدرجة؟ طيب وأين مهرها؟ لمَ لمْ يزينوها كما ينبغي كأقل واجب تجاهها وهي تودعهم!!؟ تذكرت سامي فرقت لتلك اليتيمة وله!! كل رجل يتمنى أن تكون ليلته الأولى مع زوجة جميلة هو محب لها.. ترى هل سيظلمها سامي بمقارنتها بغيرها؟ "لا لا سامي أرفع من هذا".. هكذا كانت تردد في نفسها، وبعد انتهاء الفرح المحزن توجهت مع أهلها للفندق الذي حجزوا به بجوار الحرم، وتوضأت ونزلت لمسجد النبي صلى الله عليه و سلم تقضي بقية ليلها في رحابه مع إحدى أخواتها.. أما سامي، فقد أخذ عروسه التي لم يرها إلا الليلة وكاد يبكي رحمة بها حين رآها، وشعر بأنها ابتلاء جديد له سأل الله أن يوفقه لاجتيازه.. فقد ذكرته بالبؤساء الذين كانت تجري عيونه لمرآهم وهو الذي لم يسح دمعاً إلا على فجيعته بندى!! ولما دخل بيته فوجئ بترتيبه بطريقة غير ما تعودها، ولما دخل غرفة النوم كانت أكبر مفاجأة... • • • ~٤~ حيث كانت الغرفة مرتبة بطريقة في غاية الجمال والرومانسية. وقد نثرت الورود على السرير وبخِّر بأطيب الروائح والعطور، ونسقت التسريحة بطريقة جذابة، ووضعت عليها مجموعة من الهدايا المغلفة، كانت قد وضعتها ندى لتبدو كأنها من سامي لعروسه، لأنها خجلت أن تذكره بذلك و علمت بأن الرجل يتصرف تجاه زوجته بما تمليه عليه مشاعره تجاهها لا بما يفترض أن يكون، كما هو حال الأنثى! فهو إن كان محباً لها فرحاً بها تفنن في إبداء حبه بما يترجمه كل بحسب تربيته و ثقافته، وإن كان مشفقاً عليها راحماً لها فقط بلا حب وشوق ووله كان همه وفق مشاعره وأهمل وجوب إظهار ما يستوجبه الموقف!! وحمدت الله أنها أحضرت بعض ملابسها الخاصة بالعرائس والتي كانت تشتريها لها والدتها كلما ذهبت للسوق ووجدت ما يناسب العروس منذ خطبها سامي؛ فالعروس يتيمة عند أعداء لا يهمهم أمرها وليس لديها كما يبدو من تعينها في تجهيزها فلعلها تؤدي زكاة حبها لسامي وحبه لها بفرح تدخله على قلب هذه اليتيمة! كانت بتغليفها الذي تمنته وقد حشيت بعطور وأطايب لم تضع منها عليها يوماً، لكي لا تربط بينها وبين زوجته أو يتذكرها بها.. وكتبت ورقة إهداء وضعتها بين تلك الأغراض وكأنها من سامي، ختمتها بعبارة: (أحبك، وإن لم تقع عيني عليك)..كانت تعلم بأن هذه اليتيمة ربما لم تسمع هذه الكلمة من قبل رغم حاجة القلب لها وافتقاره للإحساس بها.. وتخشى ألا تسمعها من سامي الذي تعلم يقيناً أنه يحبها هي.. لذا ربما وجد من الصعوبة أن يقول لها ذلك، خصوصاً أن الرجل لا يترجم عواطفه بكلمات إلا عندما تفيض ويصعب عليه ترجمتها لفعل!! وبعد أن فرشت السرير ونثرت الورود والعطور عليه، كانت تبكي من قلبها، ولكن ترجو من الله أن يرحمها ويصرف قلبها عن سامي إن كان ما بينهما رضاعة حقاً بإدخال الفرح في قلب هذه اليتيمة المسكينة.. علِم سامي أن ندى هي من صنع هذا إلا أنه لم يفطن لما وضع في الخزانة ولم ينتبه له، وحتى الهدايا التي على التسريحة لم ينتبه لها ليلاً وفي الصباح ظنها من جهاز زوجته! بعد أيام من الزواج شعر بارتياح لكون زوجته بدأت تشعر بإنسانيتها، كانت تشعره بالضعف كلما نظر إليها فيملأ هذا الضعف قلبه لها رحمة! لم تكن تتقن الحديث ولا الكلام، لكنها خادمة متميزة!! أدخلها إحدى حلقات المسجد النبوي لتحفظ القرآن الكريم، وأصبحت تتحدث معه قليلاً، شعر بأنه بنى بها إنسانة جديدة وإن كانت بسيطة الأفكار والأهداف، أخذا عمرة بعد شهرين من زواجهما وكانت لهما زيارة لأهل ندى، وبعد خروجهم من تلك الزيارة التي لم تخرج له فيها ندى ولم تكلمه أو ترسل له منذ زواجه إلا رسالتين كانت رداً على رسالة له يسألها عن بعض أحوال النساء والتعامل معها.. ومنذ ركبت زوجته معه وهي تدعو لندى وأهلها! مما أشعل في قلبه ما كان يهرب منه قبلاً! فأخبرها بالحقيقة كاملة وذكر لها قصته مع زوجته الأولى مع وقف التنفيذ ندى! لكنه لم يذكر أنه لم يدخل بها.. فأخذت زوجته تبكي، مما عصر قلبه ألماً خشية أن يكون جرحها بذلك، لكن لابد أن تعلم من هي ندى، سأعاملها كما لو كانت زوجتي التي أحبها حقاً، وكما لو كنت سأعامل ندى، لأن لها واجباً علي وحقاً ولأني أخذت على نفسي ألا أريها إلا الخير ما بقيت حيَّاً، لكن هذا لا يعني أن أكون حكراً عليها فلو ظهر ما أرجوه من كذب فيصل وأمه ستكون ندى شريكتها في رجلٍ لولا القدر لما كان لسواها!! عاد من سرحانه ولمس يد زوجته: ما يبكيك يا أسماء؟ - معقول ما ذكرته؟ هل ندى زوجتك حقيقة؟ - نعم.. لكن ما ذكر من رضاع لم يتأكد بعد.. لذا اجتنبتها حتى نتأكد من الأمر.. - هل تحبك؟ - نعم.. وأنا أحبها، واكتشفت أيضاً أني أحبك، ففيك ما يدعوني لحبك، وفيها ما يدعوني لحبها، ثم نحن مسلمون لنا غاية من كل عمل، وغاية المؤمن يجب أن تكون سامية بسموه، طبعاً لا علاقة لاسم سامي بالأمر.. - سأبوح لك بشيء. - ما هو؟ - ندى غريبة جداً، شعرت بحبها لك لكن لم أكن أظنها زوجتك وتعجبت لأنها أخبرتني عمّا تحب وما تكره، وكانت تتحدث عما ينبغي أن تفعله الزوجة مع زوجها لتكسب رضاه.. ثم فاجأته: لم تزوجتني إذن؟ - لأنك مسلمة وجب علي أن أقف بجوارك بعد أن عرفت حالك، ولا سبيل لي إلا بالزواج منك.. واكتشفت لاحقاً بأنك جوهرة حزتها في خزينتي! - سامي.. لا تجامل وكن صريحاً، فأنا لا أقارن مع زوجتك لا شكلاً ولا ثقافة، صحيح كثر الله خيرك وبارك في عمرك أن أنجيتني من جحيم بيت عمي، لكن نظرة الرحمة والشفقة فقط مؤلمة!! - وهل أشعرتك يوماً بما يظهر أنني لا أحمل لك إلا الشفقة؟ زواجي منك كان رحمة وشفقة وواجباً أراه على الحر لازم.. لكن أوجد الله في قلبي لك ما يمكِّن لك به منزل الزوجة المحبوبة.. الرجل يا أسماء عنده استطاعة يحب أكثر من امرأة ربما ليس بالمنزلة الواحدة، لكن المرأة بحسن تعاملها قد تبلغ من قلب زوجها مكاناً تحوزه خاصاً بها، ثم الله تعالى على لسان نبيه صلى الله عليه و سلم أخبرنا بأنه لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلق رضي منها آخر.. وكل بشر به مزايا ليست بغيره وعيوب كذلك! - أنت صاحب فضل علي، وخلقك كريم و قلبك واسع، ولن أستطيع أن أؤدي شكر فضلك مهما حصل.. - بالعكس يا أسماء، أنت أيضاً كنت على بركة، و... قاطعته: تلك العلبة الرائعة التي وجدت بها ما كنت يائسة منه أن يحصل لي في زواجي وكنت أقرأ أن العرائس يحتجنه وجدته فيها وبطريقة لم أحلم بربعها!! - أي علبة؟ - علبة الهدية الغالية التي وضعت بها رسالة لي! - أي رسالة وأي علبة؟ بدأت تحكي له ما وجدت فعرف أنها ندى! ولكن لم يرد أن يجرح كبريائها فقال: الحمد لله أنها أعجبتك أردت أن أعرف رأيك بها و أطربني أنها وقعت منك هذا الموقع.. ظننت أنها لم تعجبك كونك لم تذكريها قبلاً!! - بالعكس بكيت والله فرحاً منها ولا زلت أقرأ ما كتبت وأضمه لقلبي، فلم يكتب لي من قبل أحد بهذا! حاول أن يخفي دمعة ذرفت من عينه، وقال: أما زلت محتفظة بها؟ - نعم وستبقى ما حييت مهما حصل، وسأبقى أحبك حتى ولو عدت لزوجتك الطيبة.. ربما قاومت نفسي لأقول عنها أنها طيبة، ولكن هذا ما لمسته؛ فقد كانت تحدثني حديث الأخت لأختها!! - سبح عقله مع ندى، وردّد قلبه: آه لو تعلمين أنها هي من كتب لك ما أحببت! طيبة كلمة قليلة في حق ندى، واعتصر قلبه أسى أنه لم يرها هذه المرة، هل كانت مجروحة؟ أم لم ترد أن تحيي الجروح في قلبي! لكنها والله ما اندملت بل يزيدها تعلق زوجتي بي!! وقلبي هناك لا يبرح ندى رغم ما أشعر به لزوجتي! يا رب لا تحرمني فضلك يا كريم.. ردّدها مرتين! وكانت زوجته تظنه يعني ما تدندن حوله.. في البيت أظهرت له الرسالة. بكى واحتضنها قائلاً: أحبك.. أحبك، اعذريني إن لم أرددها على مسامعك فأنا أترجم حبي لأفعال.. مضت ستة أشهرٍ على زواجه بأسماء، وتطورت وحفظت عشرة أجزاء من القرآن، لكن ندى حبٌ لا يندمل جرحه، تذكرها فاشتاقت نفسه لها وروحه، فاستأذن من زوجته وخرج يتمشى في الشارع العام الذي أمام منزله حتى وصل حديقة صغيرة جلس على مقعد فيها، و أخرج جواله، واتصل على ندى بعد كل هذه المدة.. كان قلبه يدق مع كل نغمة حتى كاد ينفجر بعدم ردها عليه.. كرر المحاولة، وتكرر عدم الرد! أرسل رسالة قال فيها: أشتاق لك والله يا أغلى من عرفت، أريدك قليلاً لو تكرمتِ.. وعاود الاتصال فأتاه صوتها كريح باردة في لفح الهجير.. - نعم.. - السلام عليكم .. - وعليكم السلام ورحمة الله. - هلا ندى كيف حالك، وكيف الأهل؟ - بخير الحمد لله بشرنا عنك وعن أسماء؟ - الحمد لله.. ندى هل من جديد؟ - لا.. - ندى أنا لم أتغير شعرة والله أنت بالقلب كما أنت! فلمَ تغيرت علي!؟ -ما تغيرت.. لكن استجد أمر جعلني لا أدري كيف أتصرف، سبحان مقدر الأقدار.. - ندى.. ماذا جرى؟ أرجوك شغلت قلبي.. - سأخبرك لاحقاً، ترى ما حصل هو سبب عدم مجيئي إليك للسلام حين زيارتي.. - ندى أنت تعلمين طبعي.. أرجوك ماذا حصل؟ - أعدك أني سأخبرك غداً إن شاء الله، أما الآن فلا أرى الوقت مناسباً.. أعتذر سامي مضطرة لقطع المكالمة الآن.. - حفظكِ الله.. - تصبح على برٍّ وطاعة وخيرٍ من ربك.. - وأنتِ كذلك.. • • • |
~٥~ رجع مهمومًا مغمومًا، فنبرة صوت ندى أشعرته بشيء ما يخافه، ثم لم يشعر بتلك اللهفة والشوق الذي كان يغلف أحرفها وإن أظهرت غير ذلك!! ترى هل سلت عني وعافتني؟ هل قتل الحب الكبير الذي كان يسكنها؟ هل حقاً قلوب النساء كالقدور سريعة الغليان؟ آه.. ليتني لم أحادثها، ليتني بقيت في سباتي! صوتها حرك فيَّ كل الحنين وأيقظ المارد الغافي! توضأ ودخل غرفة نومه ليرى زوجته نائمة، حمد الله أنها نائمة، وخرج ليصلي في الغرفة البعيدة هناك، حيث سيدع لعينيه العنان لتغسل الحزن الذي كساه، صلّى وقرأ سورة الفرقان لعلها تريح قلباً معنى! كان يبتهل إلى الله أن يجمعه بمن أحب إن علم في ذلك سعادته في دنياه وآخرته، وأطال صلاته وعلا نشيجه، فلما فرغ اتكأ وغفت عينه، ولم يوقظه إلا زوجته قرب الفجر، فتح عينه ونظر إليها وخيل إليه أنها ندى لأنه كان يحلم بها!! عاد إليه عقله، فابتسم لها وقال: أردت أن أريحك، فأنا لا أعرف القراءة بصوت منخفض.. - هل أوترت؟ - نعم.. - سأوتر أنا.. - تقبل الله طاعتك، لا تنسيني من دعائك.. ذهب لعمله ذلك اليوم وهو لا يزال مشغول الفكر بندى! كان يستعجل ساعات اليوم لتمضي بسرعة ليعرف سر ندى، لم يطق صبراً فأرسل إليها قبيل الظهر: (صدقيني من البارحة وأنا على حال الله به عليم، أخبريني بما لديك أرجوك، فما والله أطيق صبراً، ولم أنم حتى هذه اللحظة) مضت نصف ساعة بلا رد، فاتصل عليها.. - السلام عليكم.. - وعليكم السلام ورحمة الله، هلا سامي هداك الله ما هذه العجلة؟ - ندى والله لم أعد أطيق صبراً، قولي ما لديك.. - الآن الوقت غير مناسب، بعد العصر اتصل علي.. - ندى.. قولي ما لديك الآن.. صدقيني لن أكون لئيماً.. إن كنت تغيرت مشاعرك تجاهي فأنت في حلٍ، وسيعوض الله كلاً منا عن صاحبه.. - أنت لم تسأل منذ زمن، حتى عن الرضاعة المزعومة لم تسأل، فقلت لعله تغيرت أحواله.. - ألسنا متفقين أن تبلغيني بأي جديد حول الأمر؟ ثم أنا أشعر بالخجل والله منك، كيف لم أراع مشاعرك فيما مضى؟ الله وحده العالم بما أكنه لك، فهو إن لم يزد لم ينقص! - سامي.. اكتشفنا أن الرضاعة لعبة قذرة كما كان ظننا، فالمرأة الأخرى اتصلت علي وأنا بالمستشفى بعد زواجك وأخبرتني بالخبر! -أمتأكدة؟ - نعم.. - ندى أسألك بالله أحقاً ما تقولين؟ - ..... - ندى؟ - والله صادقة! - ياه.. معقوووووووووولة؟ ندى أنا سآتيك الآن، سأكون عندك الليلة.. كانت تبكي، فقفل الخط وقعد يبكي، خرج من عمله وذهب للمسجد النبوي قعد يصلي ويبكي حتى أذن العصر، انتبه إن جواله ليس معه، لم يشعر أين وضعه. تذكر زوجته، أكيد انشغلت عليه! خرج يجري للسيارة، وإذا بجواله بها وأبوابها مفتوحة! وجد 10 اتصالات من زوجته وضعفها من ندى! اتصل بزوجته و طمأنها عليه وأرسل رسالة لندى (أنا بخير وسأتصل عندما أفيق من الفرحة المذهلة) صلى وخرج من المسجد وهو يشعر بفرحٍ فاق فرحه بموافقة ندى عليه! ركب في السيارة وشغل المكيف واتصل بندى.. - هلا سامي.. - روح سامي وحياته! - سامي..!! - أنت زوجتي يا ندى... - أعلم.. لكن الجميع لا يظن ذلك.. ما همني أحد من الخلق أنت زوجتي على سنة الله ورسوله، ياه يا ندى هل تشعرين بما أشعر به؟ كانت تبكي لكن لم يكن يعني بكاها له إلا ما يختلج بقلبه.. - ندى أنا قادم إليك، يا روحاً تشرق أيامي بها.. - لا لا يا سامي، أنا لن أكون سبباً في أذية أسماء، هذه اليتيمة التي وجدت الحضن الدافئ بعد زمهرير الشتاء لأسلبه منها.. أنا... - ندى، لن يحول بيني و بينك بشر، لا أسماء ولا غيرها.. - سامي اتق الله.. -ندى.. هل تغيرت مشاعرك؟ - لا.. لكن أخشى أن أكون سبباً في هدم بيتك الذي بنيته لله يا سامي، صدقني أنا أحبك، لكن حبك هذا يخيفني، أخشى أن تؤذيها بسببي بعد أن أشعرتها بالأمان.. - من قال ذلك؟ أنت زوجتي التي لم تفارق خيالي يوماً، وهي زوجتي التي لله بدأت علاقتي معها ووجدت بها من الخير ما يجعلني أتمسك بها.. والله أحل لي أربعاً، ومن هي خير منك ومنها نكحت على نساء ونكح النساء عليها؛ ندى هل تغيرت رؤاك عن التعدد؟ -أستغفر الله، لا والله.. لكني أحبك و ربما غرت فآذيتها، بالمناسبة بعد زواجك مرضت من الحزن حتى وصل بي الحال للنوم بالمستشفى! وأخشى أن لا تعدل بيننا بسبب حبنا، و... - لا تخشي شيئاً، أنا قادر على العدل إن شاء الله! ثم هي تعلم بأنك زوجتي وأنني أحبك وأننا متى ما تأكدنا من عدم صحة الرضاعة عدنا زوجين! - هل أخبرتها؟ - نعم.. وبكل شيء، إلا أنها تظنني قد دخلت بك وهذا سيقلل غيرتها قليلاً! -والله يا سامي كلما تذكرتها اعتصر قلبي، أنا... -دعك منها الآن، هي لها خالة في القصيم تحبها وكم تتمنى زيارتها، سآخذها إليها لتزورها وتمكث عندها أياماً، وسآتي إليك فاستعدي.. اتصل سامي بعمه والد ندى وعاتبه على كتمان الأمر عنه، وأخبره أنه مازال زوج ندى وسيأتي ليتزوجها رسمياً، قال له والدها: الأمر لها يا بني.. سامي: كلمتها و أعطيتها خبراً، ثم يا عم نحن زوجان حقيقة وليس هناك أمر و نهي، أنا لم أطلق، و الرضاع ثبت ظني فيه، فما الذي سيمنعني عن زوجتي؟ ضحك أبوها وقال: ما زلت غضوباً يا سامي، حياك الله، وما يحتاج الأمر زواج كبير سأقيم حفل عشاء خفيف، وخذ زوجتك، الله يجمع بينكما على الخير، ما عنيته بموافقتها كونك معدد الآن وربما تغير رأيها فيك، أما إذ وافقتك فهي زوجتك كما ذكرت! -اعذرني يا عم، أظن أن ما أصابني يشفع لي.. أقفل الخط مع عمه، وذهب لزوجته و أخبرها بأنه على استعداد للذهاب بها لخالتها بالقصيم .. فرحت وكادت تطير فرحاً، و أعدت ما تحتاجه لها، وأعدت له حقيبة سفره لأنه أخبرها بأنه سيسافر لمدة أسبوع وستبقى هذا الأسبوع عند خالتها، أوصلها للقصيم ورجع جواً لحيث تقيم ندى حيث حجز مسبقاً من المدينة! وفي بيت ندى كان هناك موعد مع الفرح بعد أيامٍ وسنين من الأحزان والألم!! لكن هل تتم فرحة سامي بها هذه المرة؟ • • • ~٦~ كانت حفلة بسيطة جدًًا، لكنها نادرة في كل شيء! في إعدادها وترتيباتها وعرسانها ومشاعرها وطيوف فرحها، وأنفاس لحظاتها، وتباشير صباحها، كل شيء فيها كان نادراً.. صالة البيت كساها الورد، وتناثرت فيها الشموع العطرية الذكية، وعروسها كانت في قمة الأناقة والنعومة، كيف جهزت نفسها بهذه السرعة؟ هذا من أسرار ندى التي لم تبح بها لنا! كأنها عاشت فرحة العروس الهاربة منذ زمن!! العروس المحبة التي نسجت حلمها ليْلكيًّا لتحياه واقعاً نعيماً ساحراً سرمدياً!! لم يكن هناك نساء إلا مجموعتها المفضلة، شريكات الهم والأهداف؛ لأنها لم ترد أن يراها في ليلة عمرها إلا حبيبٌ!! وأتى سامي، فلا تسألوا كيف كان اللقاء.. كانت الأعين تتبادل حديث القلوب، فسكنت الألسن والأطراف.. كأن لقاء العاشقَين إذا هُما تلاقا.. ثُعول الحب والشوق إذ همى! تحدِّث عين الحِب عين خليله بأشواقه الحرى حديثاً مترجما وترسم أجواء اللقاء بريشة تفوق جمالاً في الربيع ترسَّما تعانقت العينان حبًّا ولهفة وكأس الهوى تسقي فؤاداً تصرما! فكيف إذا كان الكتاب هداهما به القلب في روض الحياة منعَّما؟! فيا ربِّ أسعد كل خلٍ بخله إذا كانت التقوى لباساً مُتمِّما وفي الفندق الذي كان حلم سامي أن يجتمع فيه بندى قبل ثلاث سنين وأربعة أشهر، قضيا أول ليلة لهما بعد هذا الفراق والشتات! لم يخرجا ذلك اليوم إلا بعد العشاء باستثناء خروجه للصلوات! وكانت نزهة قصيرة عادا بعدها للفندق الذي آواهما ثلاثة أيام وفي اليوم الرابع اتجها لبيت الله محرمين بالعمرة ! وبعد إتمام النسك ذهبت ندى لقسم النساء وسامي لقسم الرجال على أن يلتقيا بعد أن يأخذ من شعره ليتجها للفندق الذي سيسكنان فيه! اتصل عليها وواعدها مكاناً معيناً فلما وصلت وجدته ينتظرها وقد تلفع بردائه، كان منظره مثيراً للفضول فلما اقتربت منه شدت رداءه فجأة فإذا هو حليق الرأس!! ابتسم وقال: أعلم أنك تحبين منظر الشعر، ولولا أنني أتقرب بحلقه لربي شكراً على نعمائه ما حلقته لأجلك!! - بل رائع أثر الطاعة على وجه الطائعين، ولولا الحياء ممن حولنا من الخلق لقبلت رأسك من سروري بإزالة ما أحب لمن لا ينبغي أن يقدم على محبته محبوب ولا يوازى حب بحبه! - لا حرمني ربي منكِ، أتدرين يا ندى؟ لولا إيمان العبد بربه ويقينه واعتقاده بأن هناك دار أخرى يجد العبد فيها ثواب كل مصابٍ يصيبه لما أطاق البلاء أحد، والله لقد مرَّت علي أيام لو وقعت على كافر لانتحر! لذا يكثر الانتحار فيمن قلَّ إيمانه، فما بالكِ بمن لا إيمان له!؟ - الحمد لله على كل حال.. - تفكرت بالأمس فإذا أنا سامي الذي فاتني الهناء قبل هذه السنوات، بكل ما فيه لم يتغير شيء! وكأنها ما كانت ولا مضت! إلا ما قدَّره الله وقدَّر تلك المحنة لتكون سبباً لوقوعه! كنت أقول لو تزوجت ندى سأجوب بها الأرض، وسأريها كل منزلٍ نزلته وكل بقعة أعجبتني! سأختلي بها بعيداً عن الخلق ما استطعت لذلك سبيلاً، فإذا بالأقدار تحول بيني وبين تلك الأمنية التي ما برحت قلب محبٍ ولا أخطت بريد مشاريع سعادته مع محبوبه، لكن قدر الله سبق ما هو حاصل الآن! وجرى القلم بزواجي من أسماء وإنقاذها من عذابها، ولولا تقدير الله لما حصل بيننا ما تزوجتها! - سامي.. الشيء الذي لا ريب فيه أن ما جرى هو الخير؛ لأن الله سبحانه لا يقضي قضاء إلا وبه الخير لعباده، خير إن لم يكن في الدنيا فهو في الآخرة!! ثم لو خيّرت قلوب المحبين بين لقاء ساعة بينهما حلالاً أم الحرمان من المحبوب ومعاشرة الخلق ممن سواه، لاختار تلك الساعة إن كان صادقاً في حبه... وأنا لي نصف عمر محبوبي وليس ساعة... - بل كله لكِ فالعمر لا يبعَّض، فهو ليس من التركة ليقسم بين الورثة.. أحياناً أتعجب ممن تترك زوجها إذا تزوج أو سكن مع أهله بدافع الحب! - لا أظن من تحب تترك محبوبها، ربما تقاتل عليه لكنها لن تتركه.. - تقاتل عليه حباً للتملك لا حباً له.. وانقطع الحديث بولوجهما باب الفندق، طلب منها أن تسبقه للغرفة لأنه سيحدث موظف الاستقبال قليلاً.. وبعد أن تأكد من صعودها، أخرج هاتفه واتصل بأسماء، اطمأن عليها، وحدثها قليلاً ، ولحق بندى!! يومان قضياها في مكة ثم عادت لأهلها وودعتهم، واتجها للمطار مسافرين للمدينة حيث أسكنها في أحد الفنادق القريبة من الحرم حتى يعدّا لهما بيتاً صغيراً.. وفي يوم الجمعة وجد عدة اتصالات من أسماء بعد استيقاظه من نومه، ليس من عادة أسماء أن تتصل إلا لغرض، سيَّما وهو يكلمها يومياً! نزل مسرعاً لبهو الفندق واتصل عليها، فردت وكأنه أيقظها من النوم! - السلام عليكم.. - وعليكم السلام.. - مابكِ يا أسماء؟ شغلتني عليك.. - كنت سأسألك، متى ستأتي؟ - فقط؟ متى ما أردت.. - بنات خالتي موضي عندهم ملكة لأخوهم الأسبوع القادم وودهم أحضرها، ويريدون يوصوني بأشياء أشتريها لهم من المدينة.. - لم أفهم!! هل تريدين أن تأتي وتشتري لهم ما طلبوا ثم تعودي الأسبوع القادم إليهم للحفلة؟ - نعم.. - أسماء.. يسعدني أن تكوني سعيدة وتخدمي من تحبين، لكن لا أظنني سآتي لآخذك ثم أعيدك الأسبوع القادم ثم أرجع لآخذك!.. يسعدني خدمتك وربي لكن الطريق شاق! إذا لك رغبة في الحضور ابقي عندهم حتى انتهاء حفلتهم ثم آتي لآخذك، وليتني أحسن التبضع لأشتري لهم ما يريدون وآتي به إليك، فسيارتي هناك.. - الله يسعدك، ما عندك مانع؟ - لا.. أبداً، بل يسعدني ما يسعدك.. - إذن أوصيك لو ما عليك كلفة؟ - لا كلفة.. لكن لا ذوق عندي! - ما شاء الله أنت لا ذوق عندك، أجل الله يرحمني أنا من عنده الذوق؟! ترى كنت أبيك أنت تختار لي! - لا مانع، اكتبي كل ما تريدين وبالتفصيل وأرسليها على جوالي، وإن شاء الله ستكون عندك قبل الموعد.. - جزاك الله خيراً.. مدري كيف أشكرك.. - يا عمري.. لا شكر على واجب، فأنا خادم من أحب..! - هههههههههه - في أمان الله يا غالية.. بعد انتهاء المكالمة، رفع كفيه للسماء وقال: يا رب ما أكرمك، الحمد لك ربي كما ينبغي.. وردد بينه وبين نفسه: كنت أخشى أن تأتي أسماء وتلاحظ علي تغيراً، سيَّما وأنا حديث عهد بلقاء ندى، أسبوع آخر كفيل بتهدئة المشاعر الساخنة.. أرسلت له أسماء رسالة فيها ما تريد بالتفصيل، فيها أشياء لم يعرفها، وفيها أشياء سمع عنها لكن يجزم لو ذهب ليشتريها لما عرفها... أخبر ندى بما تريد أسماء فضحكت حتى دمعت عيناها حين قرأ ما بالرسالة فقد كان ينطق بعضها بغير اسمه.. مما يعني أنه لو ذهب ليشتريها لما وجدها.. كان من ضمنها فستان لأسماء.. في اليوم الثاني ذهبا للسوق واشتريا كل ما تريد إلا أنهما لم يجدا لها فستاناً مناسباً.. دارا كل أسواق المدينة المعدودة فلم يجدا ما يناسبها، فهي نحيلة جداً ومن الصعب إيجاد قياسٍ مناسبٍ لها.. تذكرت ندى بأن لديها فستانا جديدا طريقة تصميمه تناسب النحيلات، ومعه كامل ملحقاته، فأخبرت سامي، ففرح لشدة تعبه، و لتفرح أسماء به، فذوق ندى أعجبها جداً في هديتها السابقة.. طلب من الفندق تغليف الأغراض في كراتين ليشحنها معه في الطائرة أما الفستان فحمله بيده! وكان قد حجز له ولندى في اليوم التالي.. لم تمض نصف ساعة أو قريب منها إلا وهو يحلق في أجواء القصيم.. وبمجرد نزوله توجه لسيارته، وكان أكبر همه ندى أين يذهب بها؟ فهو لا يستطيع أخذها معه لهم، ولا يستطيع أن يتركها بمفردها! طلبت منه أن يضعها في سوق النساء لتشتري بعض منتوجات القصيم حتى يعود! استحسن الفكرة وإن كان من طبعه الحيطة والحذر، فهو يخشى أن يؤخره شيء أو يجري عليه قدر بعيد عنها!! مضت ساعة أو تزيد بعد أن تركها وهي في سوق النساء، ولكنها انشغلت بالسواليف مع البائعات والتجول ولم تشعر بالوقت حتى أتاها.. صليا العشاء في جامع الراجحي الكبير، وقفلا راجعين للمدينة النبوية، وفي الطريق..!! • • • |
~٧~
وفي الطريق كان الظلام يلفهما، وكانا يسترجعان ماضيهما، فيبدو لهما أن الألم أصبح ذكرى لا يشعران بمرارتها!! بل تولت وكأن لم تكن، وأما الفرح فبدا كرائحة عابرة بالنسبة لما يتلبسهما الآن من هناء وأنس، تذكرا عندها الجنة والنار وأن النعيم والعذاب الدنيوي ما هو إلا كحلم يطوف على نائم فيستيقظ منه سعيداً بسعد عابر أو متألم خائف بمس عابر كذلك، ويحكمه واقعه نعيماً كان أو عذاباً.. نظر سامي لندى وقال: النعيم الباقي من دنيانا يا ندى هو ذلك النعيم الذي يتذكره العبد حين يدخل الجنة ويشعر بنعيمها ولذتها فيقول: ياه لقد مر علي شيء يشبه هذا لكنه لا يقارن به؛ لأنه لا شيء مع نعيم الجنة، فكان مما يشوقني للجنة ويزيد همتي إليها، كزوجة حسناء جميلة باطناً وظاهراً حين يضمها إليه يقول لئن كان في الجنة كهذه وخسرتها إني إذن لأحمق!! أو يغاضبها يوماً فتأتي قبل نومه وتأخذ بيده تقبلها وتهمس: لن يغمض لي جفن حتى ترضى! - أراك تطرق على هذا الوتر يا سامي، لنا الله معاشر النساء!! - أليست إن صنعت ذلك استوجبت الجنة يا أسماء بعد رضا ربها ورحمته؟ - بلى.. كنت أشاكس لا غير، سامي صدقني أحاول أن أعيش لحظتي معك فقط لأنجح، أما لو تأملت حياتي مستقبلاً فسأشعر بألم.. - ولمَ الألم؟ - أشعر بأني سأتأذى كثيراً من الغيرة مستقبلاً؛ لأنني سأتأذى منها ذاتها وسأتأذى من نتيجتها حينما أندم على فعلها خصوصاً لو أسأت لك بها..! - الغيرة في حدودها شيء جميل يعطي للحياة مذاقاً، ويشعر الزوج بقيمته لدى زوجته! لكنها بلاء حين تكون بلا ضوابط أو أذية للآخرين!! - لقد آلمني قلبي الآن حين خاطبتني بأسماء! - أوَ فعلت؟ - نعم.. لكن لا عليك.. أحياناً يا أس آه يا ندى نألف بذاكرتنا السريعة أسماء فتقذف على ألسنتنا بلا شعور، ونمررها بلا أي مشكلة أو حتى تعجب، إلا عند الزوجة وربما الزوج فتفسَّر بسبب الغيرة بما يسوء، ولا أشك بأنه تحريش من الشيطان.. كان في نفسه يقول: بدأت يا سامي في طريق جرح القلوب، من أولها سأنادي كل باسم الأخرى!! سأعتزل الأسماء بعد اليوم سأستبدلها بحبيبتي وروحي وغالية وغيرها مما يطرب القلوب! - لكن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم غرن! انتبه لها بعد أن كررت السؤال مرتين.. فقال: غرن غيرة لذيذة.. أما ما ذكر من غيرة عائشة رضي الله عنها فكانت لحكمة عظيمة، وهي درس لمن كانت له زوجة صغيرة في السن أن يعاملها بألين مما يعامل ضرائرها!! - دليلك؟ - دليلي فِعْلُه صلى الله عليه وسلم، وقولها رضي الله عنها (لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم على باب حجرتي والحبشة يلعبون بالحراب في المسجد وإنه ليسترني بردائه لكي أنظر إلى لعبهم ثم يقف من أجلي حتى أكون أنا التي أنصرف، فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن الحريصة على اللهو) إذن كانت لها معاملة خاصة يتطلبها سنها! ندى أتدرين حين كانت تغار وتكسر الإناء وتغار من ضرتها الميتة التي لم ترها كم كان عمرها؟ ربما لم تتجاوز الرابعة عشر أو فوقها قليلاً وربما أقل من ذلك!! هل من العقل أن تعامل بنفس معاملة الكبيرة؟ ألست ترين أنك الآن أكثر منك اتزاناً قبل سنوات قليلة؟ - صدقت.. سبحان الله لأول مرة أتأمل هذا بعقلي، كنت يمر بي خاطر لمَ كان يعامل رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة بتلك المعاملة المتميزة عن نسائه، فأطرده وأردد إنها ابنة أبي بكر!! وهذا سببٌ وجيه.. لكن حاشاه أن يأتي لأمته بالعدل ولا يقوم به.. هي بشر يا قرة عيني كباقي النساء إلا بما فضلها الله به من الصحبة والمكانة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا بد أنها مرت عليها انفعالات الفتيات حديثات الأسنان، فلو قارنت بين أفعالها ومن هن في سنها لرأيت تشابهاً، حتى في استشهادها بالقرآن في قصة الإفك بدا عليها علامة حداثة السن وهو ما بررت به استشهادها! ولو لاحظنا مكانتها بين أزواجه بعد و فاته لعرفنا سر تربيته لها صلى الله عليه وسلم وحكمته! دعينا يا ندى نتأمل قوله صلى الله عليه و سلم: (عن أنس بن مالك أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أتي بلبن قد شيب بماء، وعن يمينه أعرابي، وعن يساره أبو بكر فشرب، ثم أعطى الأعرابي، وقال: الأيمن فالأيمن).. في حين تكرر نفس الموقف برواية ابن عباس وكان الذي عن يساره خالد بن الوليد فشرب وقال لابن عباس الذي كان عن يمينه: أتأذن لأبي سليمان _يعني خالداً_ قال والله لا أوثر بسؤر رسول الله أحدًا.. أترين خالداً أكرم على رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبي بكر رضي الله عنهما؟ لا والله ولكنها ستقع من خالدٍ موقعاً لن تقعه من أبي بكر، فخالد كان حديث عهد بإسلام ولا زال فيه من عوالق الجاهلية من حب الجاه والرئاسة والتقديم على الخلق ما ليس في أبي بكر الذي مستقر موقعه وفضله ومستغن بما في قلبه عن نظرة الرئاسة وجاه التقديم!! لو تأملنا السيرة والحديث لوجدنا عجباً من الحكمة نحن عنه غافلون!! ندى هل أثقلت عليك بثرثرتي؟ - لا لا.. بل أحييتني، أحيا الله قلبك.. - غداً إن شاء الله سنبدأ البحث عن شقة مناسبة، ما رأيك بأن تكون قريبة من شقتي حتى أطمئن كل يوم بأن الأخرى قريب مني وبخير؟ - أخشى أن يكون القرب سبباً للمشاكل.. - ولمَ يا غالية؟ حبيبتي، أنا أعلم واجبي تجاه كليكما ولن أفرط في آخرتي بسبب ميل قلبٍ أو شهوة، بل سأكون واضحاً في كل تصرفاتي؛ لذا لن أخشى من القرب شيئاً، يخشى القرب من يذهب بتلك ويشتري لتلك بما لا يعمله للأخرى، أما إذا استشعر الرجل مسؤوليته تجاه من استرعاه الله إياهم فسيكون مرتاحاً داخلياً وإن وجد نوع تعب ومشقة.. ولن أخشى شيئاً حتى وإن مال قلبي مع من أحب؛ فالقلب لا سلطان لعبد عليه، بيد من خلقه يملؤه بما شاء ويفرغه مما يشاء، المقسطون لم ينالوا ما نالوا يوم القيامة إلا بالعدل الذي يجعل عدوك يحبك فما بالكِ بزوجٍ أو ولد! حين يستشعر العبد أنه يعيش مع عادل سيحبه ولو كان عدوًا! وإن لم يحبه سيحترمه ويقدره لعدله، أما الظلم فتتنغَّص معه الحياة ولو كان من والدٍ لولده! كانا في حديث أراده سامي أسساً يبني عليها علاقته مع زوجتيه حتى أشرفا على المدينة فقال: حبيبة القلب جعلتك مستمعة لملقٍ مبتدئ طوال هذه المدة لأرى ما طرأ على فكر ندى بتلات روحي الذابلة، فوجدته صيّباً كما عهدته، يروي الظمأ وينعش الذبول.. أثبتّ فعلاً أنك رائعة، حقاً يا حبيبة أشعر بغبطة لا حدود لها، أتدرين؟ كنت أرهف سمعي لأنفاسك المتلاحقة في الضيق والمسترخية في الرضا فوجدت الثانية رغم أن حديثي كان كفيلاً بجلب الأولى.. ابتسمت وقالت: لو بقيت العمر كله تتحدث لن أتضجر فأنا يطربني حديثك.. - ولمَ لا يكون لي نصيب من الطرب؟ - كيف؟ -أريد أن أسمع! -لكني كما ذكرتَ آنفاً مستمعة جيدة لملقٍ مبهر في طريقة إلقائه وهو مبتدئ فكيف سيصبح حينما يمتلك الخبرة؟ -لكني قرأت أن المرأة تحب الثرثرة وتحب أن يستمع لها من تحب.. -قرأت؟ -نعم.. أما واقعاً فأظنني لم أعثر على المرأة حتى الآن. التفتت إليه فتعانقت العيون وتبادلا ابتسامة أوصلت لكل منهما ما كان سيهمس به... مرَّ الأسبوع سريعاً، وكذلك أيام الأنس تطوى سراعاً، وأتى يوم الجمعة الذي سيكون موعداً لمجيء أسماء من عند خالتها.. صلى العصر في المسجد النبوي و توجه للقصيم ليأتي بأسماء، بينما أوصى ندى بأن تبقى بالمسجد حتى يرجع.. كاد في طريقه أن يتسبب في حادث يروح ضحيته هو وصاحب سيارة أخرى ولكن الله سلم، ولما وصل، وجد أسماء تنتظره، تناول فنجان قهوة و أخذها وقفل راجعاً من نفس طريقه، كانت أسماء في قمة السعادة، مما يدل بأنها قد ارتاحت عند خالتها.. - يبدو عليك السعادة يا حبيبة.. - الحمد لله.. تصدق يا سامي أول مرة في حياتي أشعر بالأسرة.. كنت محرومة من هذا الإحساس.. - شدَّ على يدها وقال: ألستُ أسرتك يا أسماء؟ - بلى، لا حرمني الله منك، لكني أقصد بالأسرة الأهل.. كادت أن تسقط دمعته وهو يقول: اغفري لي يا أسماء تقصيري معك، لم أكن أظن بأنك تحبين خالتك لهذه الدرجة.. منذ الآن سأذهب بك متى ما أردت.. - بارك الله لي فيك، أعلم أنك لن تقصر.. - من قابلت من أحبابك؟ خالتي موضي وبناتها وخالتي منيرة وبنتها وخالي علي وواحدة من بناته.. تصدق لأول مرة أقابلهم، عدا خالتي منيرة قابلتها في الحرم مرتين هي وبعض بناتها.. - نعم أذكر حين قدموا ولم يستطيعوا زيارتنا بسبب مرض إحدى بناتها.. - صحيح.. - الحمد لله أنك استأنست، أأعجبك القصيم؟ - أي أرض فيها لك حبيب تحبها لأجله.. - يا روحي أنت، كلمة تكتب بماء الذهب! أسماء.. وأريد أن أخبرك بأمر، و أريد رأيك فيه.. - تفضل - ندى.. - ما بها؟ - ثبت أن ليس هناك أي رضاع بيننا.. -.......... - لمَ سكتِ؟ - ماذا سأقول؟ - أسماء، هي زوجتي من قبل، و ابتلينا بمن أراد أن يفرقنا، لكن الله فضح سعيه! أنا أضمن لكِ ألا تري منها ما يسوء، وأعلم أنكِ ربما فقتها حباً للخير.. أنت زوجتي الحبيبة التي فتح الله قلبي لها، وهي كذلك.. أسماء، تخطئ بعض النساء حين يعتقدن بأن الرجل لا يحب إلا واحدة، صدقيني قلبه يتسع لأكثر، لكن ربما غلبت إحداهن بحسن تبعلها وتقواها؛ فمن أحبه الله أحبته قلوب الخلق، فكيف بمن يعيش معه؟ - أين هي الآن؟ -لمَ سألتِ عنها؟ - أقصد هل أتيت بها؟ - الآن؟ - سامي حين تخبرني ماذا تريد أن أقول؟ هذا أمر يخصك أنت، أنت كنت لي نعم الزوج.. - كنت؟ - ولا زلت.. - وسأبقى إن شاء الله، فقط أريد أن تكوني لي خير معين على الطاعة، لن أشعرك بأني لدي أخرى إلا القسمة فهذا لا بد منه، لكن لو اعتبرت المرأة زوجها حين يذهب لزوجته الأخرى في رحلة وانشغلت بما يفيدها ستشعر بالسعادة، ستجد وقتاً لتنظيف البيت وحفظ القرآن وتعلم العلم حين يكون زوجها بعيداً وحين يأتي تتفرغ له، صحيح أن الغيرة موجودة لكنها لذيذة إن لم تخرج عن إطارها، ثم يا قرة العين ويا سلوة الروح نحن نعمل للآخرة أيضاً؛ فهناك دار سنعيش بها لا كدر فيها ولا وصب، للأسف أن الكثير يحرم نفسه منها بسبب عيبه أو كرهه لشرعٍ شرعه الله كالتعدد.. - أعلم ذلك، الله يعين، ومهما حصل فأنت صاحب فضل وإحسان لن أنساه، حتى أن بنات خالتي يغبطنني عليك.. - وأنا أغبط نفسي عليك يا حبيبة.. - سامي.. أحقًا تحبني؟ - أحبك؟ طبعاً أحبك، والله أحبك، لك وحشة يا غالية.. - ومتى ستأتي بندى؟ - ما رأيك أنت؟ - متى ما شئت.. - هي الآن بالحرم، سآخذ لها غرفة بجوارنا قرب الحرم حتى أجهز لها شقة قريبة من بيتنا.. ما رأيك؟ - الرأي رأيك.. - سحب يدها و قبلها وأخرج من درج السيارة علبة حمراء مزينة فيها هدية كان قد حضَّرها لها.. نظرت إليه بامتنان فأخذ يدها ووضعها على قلبه، شعر في تلك الأثناء بأنها تستمد من نبضات قلبه قوة تعينها على صدمتها مما سمعت.. و فجأة........ • • • |
~٨~ وفجأة .. إذ بجسم هائل أمامهم وكأنه كرتون تتقاذفه الرياح، وكالبرق لاح بناظر سامي، حاول أن يتلافاه ولكن لم ينتبه له إلا بعد فوات الأوان.. - يا الله.. وآخر ما لامس أسماعه صوت ارتطامٍ شديد، فارق بعده الوعي! كانت سيارة مسرعة على الطريق المعاكس واصطدمت بأخرى فانحرف مسارها مع شدة الضربة وطارت في الهواء لتتدحرج أمامهما على الطريق الآخر، وهما منشغلين بالحديث! أما ندى فقد بقيت في المسجد حتى انتصف الليل وكان آخر ما تلقته من سامي رسالة بعد صلاة المغرب: (أنا في الطريق إليك.. الآن سنخرج من القصيم، اشتاق القلب لمحبوبه، فهل هو كذلك؟) فردت: (بل يحترق، سامي أرجوك لا تنشغل بالهاتف، ولا تنس الأذكار والحصون، حماك ربي وردك لي سالمًا) لم ترد أن تزعج أسماء باتصال ولا إشغاله برسائل لأنها تعلم بأنه سيرد.. لكن حين انتصف الليل بدأت تقلق بصورة غير طبيعية، إذ لو أراد أن يمر بزوجته إلى مطعم للعشاء أو للفسحة، لما تأخر هذا التأخير، فاتصلت ولكن لا مجيب!! يا الله.. وكلما كررت المحاولة كانت النتيجة نفسها.. رباه من لي سواك.. قامت تصلي وتتوسل لربها وتدعو، وجوالها أمامها لعلها تلمح منه بشرى! ساعة.. ساعتان.. ثلاث.. ولا جديد!! لم يعد لها إلا الدموع والتهليل والاستغفار لأنها لم تعد قادرة حتى على الدعاء!! حاولت أن تطمئن نفسها بأنه ربما أخبر أسماء فغضبت واضطر للذهاب بها لبيتها، لكن محال أن يتركها هكذا!! بدأ المصلون يتوافدون على المسجد لصلاة الوتر، تيقنت الآن أن في الأمر سوءًا ولا بد؛ فاتصلت بربها تصلي وتدعو وتبتهل: رباه من لي سواك يا من يجيب المضطر إذا دعاه، غريبة مقطوعة لا قريب ولا حبيب إلا من أفتقد.. لم تعد تشعر بمن يأتي حولها كانت في عالم آخر، كل الاحتمالات السيئة تراءت أمامها، رأت حبيب القلب مسجى، فتقطع قلبها عليه وأخذ الشيطان يذكرها بأنه ربما سيصلى عليه هنا ويدفن في البقيع كما تمنى! حاولت تطرد تلك الوساوس فما استطاعت لذا توجهت لربها حين أصبح فؤادها فارغاً إلا من الخوف.. رُفع أذان الفجر، وزاد ما بها حتى لفتت أنظار كل من حولها، ومع ذلك زادت على ربها إلحاحاً، فشعرت ببعض طمأنينة أثناء قراءة الإمام لآيات حركت في القلب ثقة بالله سكبت سكوناً على مشاعر خوف وقلق أشعلت صدرها ناراً. فسبحت مع كلام ربها العليم بخلقه، الحكيم اللطيف في أقداره! وهكذا الإيمان، يسقي القلوب الواجفة السكينة، ويغشاها بالأمن، فتسكن لربها تترقب فرجه ونفحات رحمته بين سحب الشدائد، وعتمة الحزن، و الألم وضجيج الخوف! فما انصرف الإمام من صلاته إلا وقد ملأت الثقة بالله قلبها وأسلمت إليه أمرها، فأخذت تردِّد الأذكار بقلب مستسلم وله بكلِ حالٍ مسلِّم، في تلك اللحظات رأت هاتفها يومض فالتقطته قبل أن يبدأ رنينه المكتوم كقلبٍ كتمت آهاته بالذكر فسكن! كان رقم سامي، فكاد قلبها يتوقف من فرحته - هلا سامي الحمد لله ويــ، -هل هناك رجل أكلمه؟ كان صوت رجل غريب وليس سامي! - من أنت؟ قل ما لديك.. - وقع حادث لصاحب هذا الرقم وهو الآن في مستشفى الملك فهد بالمدينة. - الحمد على كل حال، بالله عليك يا أخي هل هو حي أم ميت؟ أسألك بالله، - أنت والدته؟ - تقريباً.. أجبني لا حرمك ربي رضاه، لا لا.. مصاب وإن شاء الله يكون بخير.. اتصلت على والدها، وأخبرته بالخبر، وجدت سكوناً في قلبها غير طبيعي مع أنها شعرت بأنها لن ترى سامي بعد اليوم، هكذا قُذف في قلبها من طريقة حديث الرجل، حاولت أن تتذكر ما يقال عند المصيبة فما وجدت غير إنا لله و إنا إليه راجعون، كررتها مع الاستغفار وحمدت الله أن هداها لها فقد شعرت بأنها لم تهتد لها إلا بمشقة كبيرة، كانت متجمدة تماماً على غير عادتها حتى الدموع التي كانت تجري، حتى أن حلقها لا تزال به بعض ملوحتها تجمَّدت في مآقيها وقلصت فلم تعد تتلمس لها أثراً! إلا طيف خراب بيتٍ لم يكتمل بناؤه بعدما تناثرت أرجاؤه وتمزقت أوصاله وناح نائح البين والفراق على أطلاله، اتكأت على إحدى سواري المسجد وقد لفها من الأسى ما لم تشعر به عمرها كله، هل سأحرم من سامي ما بقي لي من عمر!؟ يا رب.. يا رب.. طردت طيوف الموت التي تراءت أمامها.. انفجر بركان في صدرها، يا رب، - ما بكِ يا أخية؟ هل أنت مريضة؟ خاطبتها إحدى المصليات التي شغلت بحالها من قبل الفجر فمنظرها كان ملفتًا!! - الحمد لله على كل حال، يا رب؛ -وش فيك؟ وبلا شعور حدثتها بخبرها وكأنها فتحت باباً فاندفعت دموعها كمياه سدٍّ تفجَّر من شدة الضغط، احتضنتها وأخذت تبكي معها، فالتصقت بها شعرت بأنها وجدت ما كانت تفتقده؛ إنسان يشاركها الخوف والألم ولو تفاعلياً.. وبعدما هدأتها قليلاً وزرعت فيها فألاً، عرضت عليها أن توصلها مع زوجها للمستشفى الذي ذكره الرجل. وافقت على الفور وبلا تفكير، فاتصلت تلك المرأة على زوجها، وأخبرته بخبر ندى، فوافق وواعدها في مكان معين، أخذت بيد ندى وهي متشبثة بها، ومنذ ركوبها معهم وهي في عالم آخر، تصورت سامي مسجى أمامها، هل ستستطيع تحمل منظر كهذا. سامي الذي كادت تفقد عقلها عندما شعرت بأنها ستفارقه وهو حيّ هل ستتحمل أن تفارقه ما بقيت؟ كيف تفقده بعد أن نهلت من معين وده ولامست روحها روحه وامتزجت بها؟ كيف لروحين مزجتا معاً أن تفترقا؟!! وقفت ذاهلة عند هذا.. والله ما بقي للحياة بعدك معنى يا سامي.. تذكرت أنها مع غرباء لا تعرف حتى أسماءهم، خشيت أن تسقط معهم حين شعرت بدوار وغثيان، فعادت للذكر وكلما هجم عليها ناعي للقلب يذكرها بحبيبها طردته بالذكر، وفجأة خطر ببالها موت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يا رباه كيف تحملت قلوب أصحابه فراقه؟!! فحبي له أعظم من حبي لسامي، فكيف بحب أصحابه له؟ عادت إليها سكينتها، تذكرت أباها وتذكرت أن جوالها منخفض تنبيهه فأخرجته ووجدت عدة اتصالات من والدها ورسائل، أرسلت له ما جرى لها وأنها في طريقها للمستشفى مع امرأة وزوجها، فاتصل بها: وبصوت منخفض واهٍ ردّت: - نعم.. - ندى بشريني يا ابنتي أشغلتني عليك؟ - الحمد لله، - أكثري من ذكر ربك، ولا تدخلي المستشفى حتى آتي، أنا لم أجد حجزًا قريبًا فأتيت بسيارتي. بعد حوالي ساعة ونصف سأكون عندك إن شاء الله، أكثري من ذكر ربك. وسامي أبشرك طيب اتصلت على المستشفى وأخبروني عن حالته هو وزوجته! أهم شيء قوي نفسك بالذكر ولا تدخلي بدون محرم.. وطلب منها أن يحادث الرجل الذي معها.. مدّت يدها للمرأة وحركتها فالتفتت لها فأشارت لها بأن هناك من يريد محادثة زوجها؛ فأخذته وقالت لزوجها: يبدو أن رجلاً يريد أن يكلمك.. أخذ زوجها الهاتف: - ألو.. وعليكم السلام و رحمة الله، لا عليك نحن أخوة، إن شاء الله.. آمين.. آمين، ربك لطيف يا رجل، والحمد لله على كل حال، أعانكم الله، أعانكم الله، سأكون هناك، لا لا هذا واجب يا رجل.. وإياك.. في رعاية الله، هذا كل ما سمعته من حديث الرجل مع والدها! حاولت أن تستشف منه الحقيقة لكنها كانت مجرد طلاسم لم يتضح منها شيء.. وصلوا للمستشفى، فأدخلها الرجل وزوجته استراحة للنساء بعد أن اشترى لهما شيئاً يأكلانه، فقالت للمرأة التي معها: أنا صائمة.. وطلبت منها أن تطلب من زوجها أن يذهب ويسأل عما جرى بعد أن أعطتها اسمه كاملاً! مضت ساعة كاملة وزوج المرأة لم يعد، فأيقنت بأن ما ظنته قد وقع! وأن سامي قد أصابه ما تخشى، فأخذت تتذكر آخر لحظاتها معه، تذكرت وداعه لها.. ابتسامته التي كانت تلبسها السرور إذا أشرق بها وجهه! آخر كلمة سمعتها منه كانت: أستودعك ربي يا روح أنسي! فقد ودّعت هي أنسها ودنياها معه يوم ودّع!! - ندى اذكري الله يا أخية.. خير إن شاء الله.. - ومن لنا غير الله.. اتصلت بوالدها، فقال: أنا عند بوابة المستشفى، سآتي إليك الآن.. دقائق مرّت ولم يأت، اتصلت فوجدت جواله مغلقاً، فزاد توترها و خصوصاً بعد أن أخبرتها رفيقتها بأن زوجها مع والدها، فسقطت بحجر المرأة مغشيًّا عليها.. • • • ~٩~ تفاجأت المرأة المسكينة مما حصل لندى التي سقطت وكأنها ميتة، و دبَّ الرعب في قلبها فاتصلت بزوجها وأخبرته بما حصل، فلم تمض دقائق حتى أتى مع والدها وممرضتين وإذا بطبيب يركض خلفهم، نقلت فوراً على سرير لقسم الطوارئ وأصرت المرأة أن تبقى معها، اجتمع عليها مجموعة من الأطباء وطمأنوا والدها بأنه هبوط في الضغط وإجهاد، وتحتاج للراحة وبعض المحاليل الطبية، ذهب الرجل وزوجته، وبقي والد ندى، وأتى أخو سامي الذي اتصل به والد ندى وأخبره، كان سامي في غرفة العناية المركزة به كسور في رأسه وأضلاعه، وغائب عن الوعي تماماً، أما زوجته أسماء فكانت بحالة طيبة عدا بعض الرضوض البسيطة، وكسر بسيط بالحوض، زار والد ندى أسماء في غرفتها، كانت جد متأثرة مما جرى وتظن سامي قد مات، إلا أنهم أخبروها بأنه لا يزال حياً في غيبوبته؛ طرق الباب: -السلام عليكم. -وعليكم السلام.. - كيف حالك يا ابنتي؟ بشرينا عنك؟ - الحمد لله.. - أبشرك سامي بخير إن شاء الله، أسأل الله أن يمنّ عليه بعاجل شفائه.. - آمين، الله يقبل منك.. - أنا والد ندى.. - حياك الله.. رقَّ لها إذ لم يسأل أحد عنها، فلو كان لها أهل لما تأخروا عنها، تذكر ما ذكرته ندى عن حالها مع عمها، وكان يظن بأن هناك نوع مبالغة، فهل يعقل أن تموت القلوب لهذه الدرجة عند بعض الناس؟ هل يعقل أن يساء ليتيم غريب لهذه الدرجة، حتى يساء ليتيمة ضعيفة ذات قربى ورحم؟ لكنها القلوب حين تموت بالبعد عن مبادئ الحق والعدالة والرحمة وتصبح أقسى من الجبال، وعاد لندى التي جاورت رفيقيها في غرفة أخرى إثر الصدمة مما حدث، وجدها قد أفاقت، وبمجرد ما رأته أخذت تبكي، هوّن عليها الأمر وأكدَّ لها أن سامي لا يزال حياً يرزق، ولكنه لم يفق بعد! بعد ساعات خرجت ندى بعد أن تحسنت قليلاً من الدوخة والإعياء الذي انتابها، وذهبت لترى سامي وقلبها كله شوق لرؤيته، لكنها ومن خلف ذلك الباب الزجاجي رأت جسداً لا تعرفه لولا تأكيد والدها بأنه سامي، وقد أحاطت به الأجهزة من كل مكان.. انتابها شعور عظيم بالرحمة ملأ كل جوارحها حتى إنها لتشعر بأنه كطفل صغير يصرخ، يستجدي حضن الأم ليحتويه ويحميه مما يؤذيه ويؤمنه مما يخاف! تمنت أنها لم تره بهذا الشكل، لكن حين تذكرت أنه كان في ذهنها ميّتاً حمدت الله وأثنت عليه وشكرته على نعمائه، وألطافه بعد أحكامه في أقداره.. عرَّجت على أسماء لتزورها بعد أن دلها والدها على غرفتها.. -السلام عليكم ورحمة الله.. - وعليكم السلام ورحمة الله.. -حمداً لله على سلامتك يا أخية.. - الحمد لله.. من أنت؟ - أنا ندى! - حياك الله.. - طمئنيني.. كيف حالك أخية؟ - الحمد لله جلست بجوارها وأخذت تسألها عما جرى وتفاصيل الحادث، كان يبدو على ندى التأثر الشديد، وزفرات صدرها تخرج مع كل زفير وشهيق، مما هوَّن على أسماء مصابها، وبقيت معها في غرفتها كمرافقة يومين كاملين، تسترق النظرات ثلاث مرات في اليوم لسامي الذي يتجاذب أنفاسه بين الحياة والموت! في اليوم الثالث أتى أمر بنقله بالإخلاء الطبي للمستشفى التخصصي بناء على طلب من والد ندى! وتم إخراج أسماء مع ندى ووالدها في نفس الطائرة، وذهبت معهما للبيت، حيث تولت ندى رعايتها حتى تماثلت للشفاء، في تلك الأثناء كانت ندى تزور سامي يومياً وهو على حاله، وفي إحدى زياراتها له سقطت من الإعياء مع والدها مما دعاه لإدخالها للكشف لكنها رفضت ذلك بحجة أنها قليلة الطعام فملازمة الدوخة لها أمر طبيعي! وحين صعدوا لسامي وجدوا البشارة بانتباهه من غيبوبته، دخلا عليه وسلم والدها وهي ساكتة، لم يرد السلام، تكلم والدها وسأل الطبيب: سامي، أتعرف من هذا؟ لم يصدر منه أي رد فعل يدل على أنه عرفهم، اندفعت ندى نحوه تفرغ ما بقلبها لكن والدها جذبها خشية أن تسقط عليه فتؤذيه أو تتأذى.. وبقي على هذا الحال أياماً وهو لا يبدو عليه أنه يعرف من حوله، كان يحرك عينيه فيهم لكن لا يتحدث وربما لا يسمع، كانت ندى تحضر عنده يومياً تقرأ عليه القرآن وتخرج مع والدها، استقرت حالته قليلاً، وخرج من العناية الفائقة لغرفة أخرى، لكنه لا زال تحت الملاحظة الدقيقة، فسمح لها الوضع أن تبقى معه ساعات، كانت تقرأ القرآن فترى عينيه تدمع، إذن هو يسمع، استمرت في القراءة عليه شهرًا كاملاً وهي تقضي عنده نصف النهار، وأصبحت تشاركها أسماء العناية به أحياناً بعد أن تحسنت حالتها مع كونها لا زالت تعاني من عرج بسيط أثناء مشيها! أزالوا عنه كل الأجهزة ومع ذلك لازمه صمته.. وفي يوم من الأيام كانت عنده في الغرفة فسمعته ينادي لم تصدق أذنها كان يطلب ماءً، جرت وناولته الماء وهي تبتسم وتبكي في الوقت ذاته.. كان يسألها أين أنا؟ - سامي تعرفني؟ - ندى - الحمد لله، الحمد لله سألها أين هو فأخبرته لم يستطع أن يتذكر ما جرى! قالت له: إن أسماء بخير وهي تأتي معي هنا أحياناً لتطمئن عليك.. لم تكد تسعها الدنيا فرحة بعودة سامي لوعيه الكامل، اتصلت بوالدها أخبرته وأخبرت أسماء ووالدتها، وبعد ساعات كان الجميع حول سامي في المستشفى مستبشرين بما حصل! شعرت بعظم المنة وجزالة الكرم فأخذت على نفسها أن تصوم يوماً وتفطر يوماً شكراً لله على فضله عليها وكرمه، فهي تحمل في أحشائها بذرة لحبهما هي وسامي خشيت أن يقاسي مرارة اليتم فتحمل همه مع ألم فقد حبيب كتب الله لها أن تغرق في حبه وسط مآسٍ لا تنتهي لوحة منها منذ عرفته إلا ويبدأ رسم أخرى! لم يكن أحد يعلم بحملها فقد كتمته عن الجميع لكي لا تدخل دائرة شفقة أهلها مرة أخرى والتي تحاول أن تتخلص منها منذ زمن! بقي سامي خمسة عشر يوماً في المستشفى ثم خرج، وبقي فترة نقاهة مثلها في بيت أهل ندى، حتى شعر بالتحسن الكامل، كانت ندى تلحظ أن أسماء لم تعد كما كانت قبل خروجه أصبحت تتضجر ويكسوها الحزن وكثيرة الانعزال، فآثرت أن تبقي حملها سراً حتى لا تزيدها أسىً.. قدم أخو سامي ليأخذ سامي وزوجتيه للمدينة فطلبت ندى من سامي أن تبقى عند أهلها أياماً، ثم تلحق به أو يأتي هو لأخذها عندما يتعافى تماماً، لكنه رفض وأصر على أن ترافقه! وأطاعته.. وليتها لم تفعل • • • |
• • •
~١٠~ دخل سامي بيته بزوجتيه، ولأول مرة تدخله ندى بعد ذلك اليوم الذي جمع سامي بأسماء، شعرت بوحشة وغربة عند دخوله، مع أن سامي كان يتصرف ويشعرها و كأنه بيتها، جرَّت حقيبتها للغرفة الأبعد حيث وضع له سامي مكتبة يستقبل فيها ضيوفه، حزَّ في نفسها أنها لم تسمع كلمة ترحيب من أسماء، تلك الإنسانة التي كانت تحاسب نفسها حساب الشحيح لماله لكي لا تظلمها، لكونها لا ذنب لها ولا جريرة، صحيح أن المرأة طبعت على الغيرة ولازمتها هذه الصفة، لكن كتم الغيرة وتحكيم العقل وتذكُّر الآخرة مما يضبطها، فهي أيضاً لا ذنب لها؛ قدرٌ فرّق بين قلبين امتزجا وروحين تآلفتا، وأتى بطرف ثالث وجوده يقلل من سعادة القلبين، ولا يزيلها بالكلية، ويزيد في راحتها وإن نقص منه اجتماعهما! فمن العقل والمصلحة أن يتعايشوا لينعم كل منهم بالقدر الذي يسعده ولو كانت سعادة ناقصة! ولو فكر كل منهم بمصلحته هو فقط فلن يكون الآخران على هناء بقراره! عزّت نفسها بأنها دنيا، وتذكرت أن لقاءها بحبيبها ولو جزئياً خير من البعد عنه، ما كان سبباً لسعادته. تذكرت أنها لولا علمها بسعادة سامي في وجوده مع زوجته ووجودها هي معه لما رضيت لنفسها بهذا. فراحته أهم من راحتها لكونها من أسبابها، نظرت للكتب حولها فاشتاقت لهوايتها وحمدت الله أن هداها لتأتي هنا، وفي أثناء تجول بصرها بين الكتب وقع بصرها على كتابٍ له ذكرى عندها، إنه أول هدية تقدمها لسامي! قامت وتناولته، وأخذت تقلب صفحاته وإذا هي بقصاصة ورقية فيها كلمات كأنما وقعت على جرح وأيقظت ألمه؛ (أجمل لحظة من كل لحظات العمر، حين تسعد بأنس لا تكره أن يختم لك به عليه، وأجمل لقاء لقاء روحين يذكر كل منهما صاحبه بالجنة؛ وأجمل الفرح فرح بالموت مع أمن على من تحب مما تكره، وأكره المكروهات أن تطلب حاجتك من بخيل، ولا أبخل ممن يبخل بابتسامة تدخل على من حوله سروراً لكي لا يراها).. تذكرت سامي الذي كادت أن تفقده، وآلت على نفسها ألا تتأخر عن عملٍ يحبه، مهما آذاها في نفسها، تذكرت روحاً تتكون بين أحشائها هي مزيج منهما طالما كانت محور الآمال والأحلام التي اشتركا في نسجها؛ - ماذا تعملين هنا؟ - بسم الله.. - هل أخفتكِ؟ - أنت لا تخيف، بل تفاجئ يا غالي.. الله يسعدك يا رب.. - ندى.. لمَ هربت هنا؟ - لم أهرب إلا لأرتاح، ثم حظي الذي جلبني إلى هنا يبدو كبيراً.. - تعالي.. تعالي معي إلى هناك، - أرجوك سامي دعني على راحتي، سأقرأ حتى أنام، لي زمنٌ لم أحظ بمكان كهذا! - سأنام معكِ إذا.. - لا.. لا سامي كن مع أسماء الليلة، فهي تبدو حزينة مكتئبة.. - هذه طبيعتها يا ندى، صدقيني، حساسة جداً، مغلفة بالصمت والحزن، لكنها طيبة، وإن لم تجد مهارات التواصل مع الغير.. - الله يوفقها.. - أتيت بعشاء تعالي نتعشى سوياً - بارك الله فيك، لا شهية بي لطعام الآن.. غداً سأصوم إن شاء الله فاتركوا لي نصيبي لأتسحَّر به .. لمح سامي الكتاب في يدها وقال: هذا الكتاب غالٍ جداً علي فاحرصي عليه.. - همس لها بكلمة دغدغت مشاعرها وخرج، ثم أتى لها بما تحتاجه للنوم.. - شكراً من القلب سامي على هذه الحفاوة.. - أعلم قصدك، ولو كان ما يفترشه الإنسان بمقدار قيمته لأفرشتك عيني وألحفتك هدبها.. - لا حرمني ربي وجودك في حياتي يا روحاً لا سعادة لي بدونها.. ابتسم ومسح على رأسها بحنان كعادته وخرج.. مضت قرابة الشهرين وهم على هذه الحال، وسامي ينام ليلة عند هذه وليلة عند تلك، كانت ندى تصوم حين يكون سامي ليس عندها قسمته، ويوم تنتقل القسمة لها تقوم بصنع الطعام وترتيب قسمها الذي تنام فيه وهو قسم استقبال الضيوف! وكانت أسماء تذهب كل يوم لحلقة التحفيظ التي كانت منتظمة بها في الحرم، أما ندى فكانت تذهب حينما تكون صائمة فقط لأنه يوم لا شأن لها بسامي فيه ولا بطعامه، لكن حال أسماء سبب لها ضيقاً شديداً، دخلت عليها يوماً وهي تعد طعام العشاء فقالت لها كلمات أذهلتها، فلم تكن تصدق أن من أمامها هي أسماء المسكينة الهادئة، أهانتها وسفهت رأيها ورمتها بما لم تسمعه في حياتها.. استغفرت الله، وقالت: ماذا جرى لك؟ احترمي نفسك أنت؛ فوالله ما ظننت هذا يأتي من مثلك، ولو نقل لي لما صدقت! - تذكري أنك ضيفة في بيتي.. - ونعم خلق الكرماء إذن..!! هل يعامل صاحب البيت ضيفه بهذه الطريقة؟ - نعم.. إن أراد أن يستولي عليه.. - هاه.. ماذا؟ خرجت أسماء من المطبخ وهي تتمتم بكلمات لم تعيها ندى من هول المفاجأة.. يا الله.. ما الذي قلب حالها؟ ماذا جرى لها؟ أنا محافظة على مشاعرها لأقصى حدود الاستطاعة إكراماً لها واحتراماً لمشاعرها، وطلباً لراحة قلب سامي، حتى حملي الذي بدأ يظهر لذي البصيرة كتمته احتراماً لها وكأنه حرام!! ثم أنا زوجة مثلها تماماً لي من الحقوق ما لها، كانت تحدث نفسها بهذا وأخذت تبكي.. لأول مرة تشعر بجرح كرامتها هكذا.. أكملت عملها وذهبت للغرفة التي تنام بها، أتى سامي فوجد الوضع غريباً إذ عادة يجد الطعام وندى أو أسماء أو كلاهما في انتظاره في صالة البيت! أخذ ينادي: - ندى، أسماء.. أتته أسماء، فقال: -أين ندى؟ - لا أدري.. - كيف لا تدرين؟ من جهز الطعام؟ - المهم تريده أم لا؟ انصرف عنها لأنها كانت تبدو مغضبة وعليها آثار بكاء.. وذهب لغرفة ندى، ووجدها تقرأ كتاباً لكنها على غير ما تعود منها.. - ندى ماذا جرى..؟ - لا شيء يا سامي، هل ترغب في الطعام؟ - نعم.. قامت وأعدته له كما هي العادة لكنها استأذنت أن تذهب لغرفتها، أدرك سامي أنه قد حصل بينهما شيء، فأسماء منذ جاؤوا وهي غير طبيعية، لكن ماذا حصل لندى لتتصرف هكذا..؟ قال: لا حاجة لي بالطعام، وتركه وقام.. لحقته ندى وأخذت تتوسل إليه أن يعود ويأكل، فعاد بشرط أن تكون كعادتها، ضحكت وعادت معه وتناولا الطعام كعادتهم إلا أن أسماء لم تأت معهم، بعد ذلك رفعت الطعام وانقلبت لغرفتها، واستلقت على سريرها وأخذت تفكر في أسماء وما عملته، وهي تشعر بجرح كرامتها المهرق اليوم، لكنها لن تستطيع إخبار سامي بما حصل، فهي لا ترضى أن تكون سبباً في غضبه ولا أن يؤذى مسلم بسببها. فكيف بيتيمة كأسماء؟، وأخذت تحدِّث نفسها: لكن ما فعلته اليوم ينسف كل فكرة بنيتها في ذهني عنها أو رحمة وطَّدت فيه لها. فليس من العقل ولا من الدين أذية البشر بلا سبب! وبينما هي تعوم في بحار فكرها إذ هي بسامي يدخل عليها.. - ندى.. أخبريني بصدق ماذا حصل؟ -............. - ندى أنا أنتظر! - سامي، أخبرتك قبلاً أن وضعي غير مناسب.. - من أي ناحية؟ - هذا البيت لأسماء. وكوني أشاركها بيتها كما شاركتها فيك يؤلمها!! - لكنك صاحبة حق من قبلها.. ثم أنا رجل.. وأعلم حدودي وحقوقي وحقوق كل منكما، فلتلزم كل منكما حدّها.. - سامي.. أنت الليلة لست عندي فرجاء لا تزد الطين بلةَّ بمجيئك هنا.. - أخبريني، ما الذي جرى إذن؟ - اذهب الآن، وأعدك أني سأخبرك غداً إن شاء الله، - لن أخرج حتى أعلم ما جرى! - دعها تخبرك هي!! - هي أخبرتني ولست مقتنعاً، فهات ما عندكِ أنت! - كنت كعادتي في المطبخ فأتت وتكلمت غفر الله لها بما يدل على أنها تحمل في قلبها علي؛ لي طلب أرجوك لا ترده. أريد غرفة ليومين أو ثلاثة قرب الحرم. فأنا جد ضائق صدري!! - إذن حصل بينكما شيء!! الراحة يا ندى في القلب وسلامته، ثم أنت تعلمين أنك مؤقتاً هنا حتى أدبِّر أمر سكنٍ مستقل؛ وهي تعلم ذلك أيضاً! - سامي.. هي ربما تغار كوني أصبحت أشاركها في البيت وأنا ضاغطة على نفسي، لست مرتاحة لكوني غير مرغوب في وجودي، ثم هنالك أمر أخفيته عنك لكنه لا يخفى! ووالله ما أخفيته إلا لله تعالى وخشية أن يكون سبباً في تألم أسماء، وكنت أنتظر فرج الله و تحسن نفسيتها لأخبرك به، لكن يبدو أنني لن أستطيع الكتمان أكثر.. - تكلمي.. - ألم تسألني قبل أيام عن شكل جسمي الذي بدأت تظهر عليه بعض التغيرات؟ - لم أفهم.. - ماذا لاحظت على جسمي من تغير؟ - ما دخل تغير جسمك؟ أخذت يده ووضعتها على بطنها وقالت هنا تنمو الآن بضعة منك يا سامي! • • • ~١١~ تأمل وجهها برهة وابتسم: - أنت حامل يا ندى؟ - نعم.. اخفض صوتك.. - أسألك بالله.. - نعم.. - ولمَ كتمتِ عني؟ ياه هذا أسعد خبر في حياتي.. - لكن سيؤلم أسماء، وسيزيد كرهها لي.. - ولمَ؟ وهو رزق من الله، ندى النفوس الطيبة لا تتألم لعطايا الله لخلقه، ولا تكرهها لهم بل تسعد بذلك.. وإنما تتألم النفوس الحاقدة الحاسدة. - سامي الشيطان حريص على التحريش بين الناس وربما ألقى في ذهنها أني سأسيطر عليك لكوني أماً لولدك إضافة لكونك تظهر حبك لي أمامها، وهذا.... - وهل صنعت منكراً إن أظهرت حبي لزوجتي؟ عجيب أمر النساء!! حتى هي أظهر لها الحب وأحنو عليها وأرأف بها! - سامي، نساء النبي غرن! - لكن لم تتجاوز إحداهن حدها! من الظلم أن نرمي أخطاءنا على غيرنا، فكيف لو كانوا سادتنا؟ سأعود إليك يا أم عمر! وخرج مسرعاً.. دخل على أسماء وهي تبكي، وكان قد سمع الباب ضرب بقوة! - أسماء.. ما بك؟ - لمَ أتيت؟ عد إليها وأكمل الليل عندها! - دعينا من هذا.. ما الذي حدث اليوم؟ - لا شيء، اسأل حبيبة قلبك! - حبيبة قلبي أعرفها وضمنتها لك، لكن أنت لا أعلم ما أصابك!! أسماء أنت زوجتي وهي زوجتي وأنا لا أفرق في المعاملة بينكما، أما ما تفعلينه منذ أشهر من كثرة التلميح فتأكدي بأني أكرهه، وكوني أسكت عن أمور وأتجاهلها فليس معنى ذلك أني عاجز عن علاجها، بل لكوني أترفع عن النزول لمستواها.. أحبها لا أحبها، هذا شيء لا يخصك، لكِ حقوق طالبي بها، حتى البيت وهو بيتي لم أحضرها فيه إلا بموافقتك، ليس خوفاً ولا ضعفاً وإنما تقديراً وإحساناً، أما وقد تماديت بهذا الإحسان فاعلمي أن راحتي عندي أهم، فمن أرادت أن تحرمني منها فلتبحث عن سواي! لو قدر لي الموت في ذلك الحادث لعرفت قيمة ربع رجل، وليس التنافس على حرمانه من سعادته ليكون لك أو لها، أنا أتحدث بالعموم يا أسماء، أنا لست عقاراً تختاره امرأة لأصبح مملوكاً لها، من حقوقي أن أتزوج من أشاء ومتى شئت، وليس لبشرٍ أن يصادر حقاً لي! ابحثي في كتاب الله يا قارئة القرآن، وفي السنة فأي حق لك فتشبثي به وطالبي بتحقيقه، فهذا حق لك لا مُشاحَّة فيه، أما حقوق غيرك فاحترميها فلهم حق هم أيضاً في المطالبة بها!! أسماء.. لك الخيار في الاستمرار معي بهذا المنهج أو البحث عن حياة أخرى مع شخص يكون مفاتيحه بيدك وزمامه! أما أنا فرجل حر لا سلطان لأحدٍ علي إلا من ربي! - واضح جداً.. أمرتك فأتيت تنفذ! - أسماء، لا يهمني ما تقولين، لكن يبدو أنك سلّمتِ أمرك لإبليس ليوردك المهالك! - أنا أسمع للشيطان وهي تسمع للملائكة، هذا ما تقصده؟ - أي قلب استبدلت بعد الحادث؟ أما لها عليك فضل؟ تريدين الحق، هي ليس لها علي سلطان وأمر، بل لها إحسان سابغ لا أجد له ما يرده! سأعرفك بندى يا صاحبة القلب الرقيق! ندى، علمت عني خطأ كبيراً لا يصدر ممن يخشى الله ويخافه، ليس مخلاً بالأدب ولله الحمد ولكن ضعف دين وتقوى كان يلم بي وستره الله حتى هتك هذا الستر لها يوماً، فأرسلت مع أختي شريطاً وكتباً فيها ورقة، قرأتها، فلم أفهم منها حرفاً!! لكن عرفت بأن لها منها هدف، فعدت للشريط والكتب فقرأت وسمعت، فشعرت بتفاهتي، سألت أختي من أين لها بهذا؟ قالت: أنا أحببت أن تقرأ وتسمع ما ينفعك، لكن الكلمات تلك أشعرتني بعد سماع الشريط وقراءة الكتب أنها تنهاني عن التمادي في ذلك الخطأ، وهذا الخطأ لا يعلم به بشر إلا تلك التي دخلت بكامل حجابها فلما رأتني بموضع لا ينبغي أن يكون به الرجال قالت: اتق الله ولا تهن نفسك! بعد أن رفعك!! ومنذ ذلك اليوم ما هممت بالسوء ولا عرفته، والله لقد وضع الله لها في قلبي من الود ما لو وزِّع على البيوت ما رأيت امرأة تشكو من زوجها قلة الود! ومع هذا لم أطمح فيها لكونها كنجم في السماء وأراني حجراً في الأرض، لكني حرصت على ارتقاء إيماني وتصحيح علاقتي بربي، ففتح الله علي حين علم صدقي وانكساري بذنبي الذي لم يعلم عنه سواها وبطريقة المصادفة، فتمنيت زوجة تعينني على التقوى لكني كلما فكرت فيها رأيت عظم المسافة وقلة الزاد وضعف القوة، فتأخرت، حتى كتبت يوماً خاطرة بما في قلبي وما عنيت منها شيئاً، فوجدت لها بالصفحة الأخرى مقالاً رفع الهمة وقوى العزيمة، فتقدمت لها فوجدتها نعم المعين على كل حدث سواءً كان مؤلماً أم مفرحاً! بل وكانت تشعرني ولا زالت بأني أنا صاحب الفضل عليها في كل شيء، تشعرني بأني الأعلم والأقوى والأفضل ، وأنها بدوني لا شيء! أشعر معها برجولتي، وتشعرني بالأنثى الحقيقية! ندى هذه لولا موافقتها وتشجيعها لي بالزواج منك بعد إرادة الله ما فعلت، فوالله لو أمرتني بعدم الزواج منك ما فعلته، لكن الآن والله لو أمرتني مع أن حبها لم ينقص في قلبي شعرة بطلاقكِ ما فعلت، مع يقيني بأنها لو رأتني أتقطّع من حبِّ غيرها ما أمرتني بطلاقها، لأنها تحب ربها أشدّ من حبي خالصاً لها، ندى بنت بيني وبين والدها ووالدتها وبيني وبين إخوتي وأقاربي جسوراً من الود من غير أن أدري؛ تمسك الجوال وترسل باسمي لتصنع لي قصوراً في قلوبهم.. ندى هذه هي من زيَّن لك البيت الذي عجزتِ أن تقولي لها فيه حياكِ الله، لترفعي نفسكِ، فالرفيع من يكرم وافده! ندى هذه هي من أهدى لكِ تلك الهدية التي ظننتها مني وهي من كتب على لساني تلك الرسالة لتدخل الفرح في قلبكِ! لأنها تحب ذلك فصنعت ما تحب!! ندى التي وهبها الله جنيناً فكتمت حمله لئلا يحزنك، وهي تدعو الله أن يرزقك مثله لكي لا تشعري بنقص! ندى يا أسماء، ليست ملكاً لكنها بشر، تحب الله أكثر من أي حب، فتقدم أمره على كل أمر، وتحتسب عند الله ما تتألم منه ليعوضها عنه في الجنة، فقط لا غير!! وبتلك الروح ظهر الصحابة وتابعيهم على الأمم وسادوا! أسماء، لو فارقت روحي ما فارقت ندى، ولكني سأعدل بينك وبينها في كل شيء أستطيعه؛ لأن هذا شرع الله الذي هو أحب إلي من كل شيء محبوب! فانظري لنفسك واختاري ما تريدين.. وخرج وأغلق الباب خلفه.. ذهلت أسماء فكأنما سقط عليها حجر ثقيل هشَّّم رأسها، شعرت بذهول لما سمعت، تذكرت معاملة ندى الرقيقة لها أثناء مرضها وإقامتها في بيتهم، تذكرت أن الجميع كان يعاملها كأنها فرد من الأسرة، حقدت على صاحبتها تلك التي ما فتئت تخيفها من ندى وتشكك في مقصدها حتى صورتها شيطانة في زي امرأة، تذكرت سامي الذي آواها وأعلى منزلتها وأشعرها بإنسانيتها، وحققت معه ذاتها! ندمت على ما فعلت وخشيت أن يكرهها سامي لو علم بأنه ما زاد كرهها لندى إلا بسبب الحمل حين علمت بذلك حين سمعت اتصالاً من ندى بالمستشفى تسأل عن كثرة الدوخة للحامل طبيعية أم لا، وكانت تسترق السمع وهي لا تعلم عنها شيئاً، فكيف لو علم سامي بأنها منذ ذلك اليوم وهي تدعو عليها بأن يحرمها الله منه؟ وتدعو أن يفرح قلبها بسقوطه؟ خرجت فسمعت ندى تلوم سامي على قسوته عليها، في تلك اللحظة شعرت بحقد يملأ قلبها عليها، تأملت نفسها فكرهت نفسها أيضاً، فأخذت تبكي بصوت عال! سمعاها فخرجا مسرعين، اقتربت منها ندى وجلست بجوارها، وقالت: هوني عليك يا أخية، فالخطأ مشترك، والله إن دنيانا لا تستحق هذا.. واحتضنتها وأخذت تبكي معها، منذ ذلك اليوم لم تحدث أي مشكلة بين أسماء وندى، وهما كالأختين، مع احتمال الخلاف لكنه خلاف أخوة وليس خلاف أعداء.. الآن كلاهما داعيتان، لم ترزق أسماء حتى الآن بأبناء، أسأل الله أن يرزقها وكل محروم، أما ندى فلديها ثلاثة أبناء وبنت، أحدهم ربَّته أسماء وكلهم ينادونها بأمي أسماء، سامي شيخ معروف ومشهور بالتقوى وحبه لأهل الجهاد! يسكنان في بيت واحد، وكلما سافر سفراً أقرع بين زوجتيه فيأخذ من تخرج قرعتها وتبقى الأخرى مع الأبناء! العجيب أن أسماء بعدما عرفت خطورة صديقة السوء التي كادت أن تنهي سعادتها ولازمت القرآن تتلوه و تتدبره، تبدلت كل مشاعر الحقد والكره في قلبها لحب وخير، حتى إن زوجها يذكر بأنها لو اختلفوا هو وندى تنحاز لها و تبقيه بلا معين!! طبعاً لا تخلو أي حياة من إشكال، لكن بالنظر للآخرة نشعر بحقارة الدنيا وأنه لا ينافس على حطامها إلا الحمقى! (تمت ^^) ودمتم للخير قارئين.. سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك |
|
الساعة الآن 11:19 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir
][ ملاحظة: جميع المشاركات تعبر عن رأي الكاتب فقط ولا تمثل راي ادارة المنتدى بالضرورة، نأمل من الجميع الالتزام بقوانين الحوار المحترم ][