![]() |
حينَ يُصبح كلّ شيء بارداً .!!
كلّ شيء يتشابه , الأمس .. اليوم وحتّى الغد .. أنامُ قريرة العين وأصحُو والإحباط يملؤني ؛ فهو يوم آخر !! منذُ أن هاجمتني عاصفة الذكريات خارَت تفاصيلي منهزمة , ودمعة تواطأت معها فسقطت من مقلتي حارقة , شكّلت التضاريس على وجنتي لتعبر بملائكيّة وهيبة ! الأمور التي أوهمتنا أنّها جنّة قطوفها دانية , فيها ما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت ولا خطرَ على قلب بشرْ ! هي ذاتها الأمور التي تخبرنا الآن أنّها هادم اللذات ومفرّق الجماعات ! التضادّ في كلّ ما حولي يُشعل رأسي شيبا , الشعور بأنّك المسؤول عنكَ والوحيد الذي عليه التجديف بمركبه حتّى يصل إلى الساحل وهو يلفظ ما تبقّى من هلاك الروح فيه ! أن تصحو يوماً على صوت أحدهم وهو يناديك لتشاركه قهوة الصباح , وتنام وأنتَ تراه يهدهدك ويغنّي لك ما يستدركه عقله من أغاني المساء الهادئ .. واليوم تصحو على صوت المنبّه لتجدك قد كتبتَ " ويومٌ آخر لا جديد فيه صدّقني " .. تزفر بألم وكسل عن الكون أجمع , تجرّ ذيل الخيبة وتنهض , ترى كوب قهوة الأمس لا زال ممتلئ ويسعلُ من البرد , يستجديكَ أن تسكبه على أي مكان , المهمّ أن لا يكون في هذا الكوب فقد ضاق به ! أن يكون الإنس وحتّى الجماد يوماً حولكَ, يهلّلون لقدومك وبأناشيد الترحيب وعبارات المودّة التي لا تنتهي يستقبلونك , واليوم لا تجد حولك أحد .. حتى ذلك العصفور الصغير الذي كانَ بالأمس يغرّد ليمتعك , قد لفظَ روحه اليوم مللاً منك ومن رتابة حياتك ! تلك الكنبة التي كثيراً ما سقطتَ عليها وأسقطتَ معكَ همومك التي أثقلتك , اليومَ لم تعُد موجودة .. ثَقُلت بهمومك ورحلتْ , لا ترغب بالمزيدْ ! تلفازك الذي كان يدور رأسه من تقليبك لقنواته بعجل غير مكترث , اليوم ماتَ احتراقاً ولن يعود ! هاتفك الذي انفرطَ سمنةً من رسائل صوتيّة لم تسمعها , اليوم انقطع لأنّه لم يعُد يحمل ذاكرة تكفيك وتحتمل لا مبالاتك ! برّادتك التي فاحت منها رائحة الطعام الفاسد , اليوم صرخت فيك أن ترحمها وتلقي ما بداخلها وطرحت عليك خيارَ أن تعتقها , فهي لا تحمل القدرة على الاهتمام بمراهق مثلك ! نور منزلك الذي احترق لأجلك , محاولاً بعبث أن يضيء ظلمة روحك , أن يخبرك بأنّ الدنيا تحمل ألواناً عديدة وليس كما ترى عينك التي لا تُبصرْ ! البريد الذي تراكم من أوراق الفواتير التي تحمل تهديدات بفصل التيّار , قطع الماء , وعزلك عن وسائل الراحة التي ركلتها رافضاً إيّاها ! الكثير الكثير من الأمور التي كانت بالأمس تعني لكَ شيئاً أو بضع شيء , اليوم أصبحت " لا شيء " الذين التفوا حولك , اليوم يرحلونْ , ذلك الرحيل الذي لا عودة له ! أن تشعر برغبةٍ في اقتلاع بصرك , سمعك , وكلّ حواسّك .. كي لا تشعر باللوم على نفسك المكلومة .. أن تشعر بأنّك المحارب الوحيد في معركة ضدّ الدنيا , تحاول أن تسترّد ما سلبه القدَر منك , والمُضحك أنّك تخوض معركة نتائجها محسومة قبل البدء ! أن تشعر بأنّك جدّ لا تكترث , لا بهامات البشر الذين يسيرون على الطريق , الشواهق من المباني التي لم تكُن موجودة , الموسيقى التي كانت بالأمس ملهمتك , الجوّ الذي كان بالأمس مثيرك , لون السماء , سرب الحمام , والأدخنة التي تعلو وتعلو .. لا تكترث بشيء .. تشعُر بأنّك طفلٌ وُجد فجأة وعليه أن يجدَ حياته بنفسه , يسير وهو فاغر الفاه ينظر هنا وهناك متسائلاً عن تلك الأشياء , يتحسّس الجدران ويضربها محاولاً معرفة ماهيّتها , يُلصق أذنه عليها معتقداً بأنها ستعرّف عن نفسها أو أقلّها ستوبّخه على ضربه ! تمشّط الطُرق وأنتَ تشعر بأنّك تريد معرفة كلّ شيء في لحظة واحدة , وفي ذات اللحظة تشعُر بأنّك خائف , خائف جداً .. تريد أحدهم بجانبك ليحيطك بذراعيه , يمسح على رأسك , يطمئنك ويُمسك بيدك لتمضي معه .. وخطوة بخطوة يُخبركَ عن كلّ ما حولك .. إبريق الشاي يحذّرك من لمسه وهو ساخن , تتساءل عن السبب فيخبركَ بأنّه سيؤلمك , تستدرك حديثه بعفوية المحبّ وتخبره بأنّك لن تتألم ؛ لأنّه بجانبك ! أخبرتكَ بأنّك طفل , تريد أن ترى الدنيا بعينِ أحدهم لا بعينك , تريد جسداً تتكئ عليه وقت التعب , صدراً تغفو عليه في ليالي الشتاء القاسي , وقلباً يجعلك تطفو على بحر السعادة ! أن تكونَ الأمور سواء في نظرك , إن حدثَ هذا أو ذاك .. إن صرَخت جارتك على أبناءها , وإن رفَع جارك مذيَاعه على صوتِ امرأة تصرُخ وفي رواية – تغنّي - ! إن ارتطمت سيارة بأحد أعمدة الإنارة , إن اشتبكت قِطط الحارة وخاضت معركة فيما بينها , وإن صرخت امرأة في وجهِ رجل يضَايق خلوتها .. إن حدَث أي شيء , أي شيء .. لا يهمّ !! الشعور بأنّك تعيش وتزاول روتينك المعتاد فقط لأنّ عليكَ أن تعيش , عليكَ أن تقضم أظافر الزمن توتّراً من الغد الذي تعلَم أنّه كاليوم وكالأمسْ .. الشعور بأنّك أحد الأمرين إما هَالك , وإمّا هالك ..! الشعور بأنّك تحفِر قبرك وتعطّره بذكرياتٍ شذاها يفوح ويملؤك ألماً وحنيناً ! الشعور بأنّ سريرك لم يعد يرغب بك وبات يرفضك , وأنّ هناك شيء ما في الأُفق ينَاديك " تعَال .. تعَال !! " أن تنامَ يوماً وتحلم بطيف منْ رَحل وهوَ يهمس بعتب " مَا وحشتك ؟ " , ينقَبض قلبك ويعتَصر وجَعاً .. تخْتنق الإجابَات من ازدحامها على بوابة فمك رغبةً في الهروب من سجنِ صمتك , وفي لحظة واحدة تصرخ " أبيييييك " ! تدعو كثيراً بأنّ يتكرّر الحُلم وقبل أن تخلد لنومك , تراجع أجوبتك وتحاول أن تنتقي الأكثر حناناً منها لتهديها له ؛ علّه يعطف فيحملك معه ! الشعور بأنّك تهذي , لا تعلم ما كتبته قبل قليل , ولا ما تكتبه الآن ! لا تُدرك سوى أنّ ثمّة حركة في أصابعك .. توتّر يُطبَع على الورق .. شعور يُتَرجم .. لغز حلّه بين السطور .. معاني لا تُدركها سوى بعد وقتٍ طويل .. طويل جداً ! الشعور بالاكتفاء .. من الصباح الخامل , المساء الميّت , وما بينهما من وقتٍ كئيبْ .. الطبيعة الخضراء , الورود الحمراء , السماء الزرقاء , والسحُب البيضاء .. النسيم المشاكس , المطر النابض , وألحان القطرات حين تتساقط على الأرض .. القريب , البعيد , والغريب .. الانتظار , الاشتياق , والصبر .. الأمس , اليوم , والغد .. " كلّ شيء " تشعُر بأنّك لا تتمنى شيئاً سوى أن تكون " بارداً " .. بارداً جدّاً !! . . . . تــحـيــا تــي (aboood-qatar 2008)..... |
الله روعـــــــةهذه الكلمات
تحمل معانى عميقة تسلم اخي عبووووووود قطر والنقل المميز مع تحياتى |
يسلموو مجموووعة انسان ع المشاررركة المطله ....
|
الساعة الآن 06:47 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir
][ ملاحظة: جميع المشاركات تعبر عن رأي الكاتب فقط ولا تمثل راي ادارة المنتدى بالضرورة، نأمل من الجميع الالتزام بقوانين الحوار المحترم ][