منتديات جعلان > جعلان للتربية والتعليم والموسوعات > جعلان للتربية والتعليم | ||
((( زاد المعاد ))) الأجزاء 1.2.3.4.5 |
الملاحظات |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
جعلاني ذهبي
![]() ![]() ![]() ![]()
![]() غير متواجد
|
![]()
فصل ولم يكن في عمره عمرة واحدة خارجاً من مكة
فصل ولم يكن في عمره عمرة واحدة خارجاً من مكة كما يفعل كثير من الناس اليوم ، وإنما كانت عمرة كلها داخلاً إلى مكة، وقد أقام بعد الوحي بمكة ثلاث عشرة سنة لم ينقل عنه أنه اعتمر خارجاً من مكة في تلك المدة أصلاً . فالعمرة التي فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وشرعها ، هي عمرة الداخل إلى مكة، لا عمرة من كان بها فيخرج إلى الحل ليعتمر، ولم يفعل هذا على عهده أحد قط إلا عائشة ، وحدها بين سائر من كان معه ، لأنها كانت قد أهلت بالعمرة فحاضت ، فأمرها ، فأدخلت الحج على العمرة ، وصارت قارنة ، وأخبرها أن طوافها بالبيت وبين الصفا والمروة قد وقع عن حجتها وعمرتها، فوجدت في نفسها أن يرجع صواحباتها بحج وعمرة مستقلين ، فإنهن كن متمتعات ولم يحضن ولم يقرن ، ولم وترجع هي بعمرة في ضمن حجتها، فأمر أخاها أن يعمرها من التنعيم لقلبها، ولم يعتمر هو من التنعيم في تلك الحجة ولا أحد ممن كان معه ، وسيأتي مزيد تقرير لهذا وبسط له عن قريب إن شاء الله تعالى . |
جعلاني ذهبي
![]() ![]() ![]() ![]()
![]() غير متواجد
|
![]()
فصل في كون عمر الرسول كلها كانت في أشهر الحج
فصل دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مكة بعد الهجرة خمس مرات سوى المرة الأولى فإنه وصل إلى الحديبية، وصد عن الدخول إليها، أحرم في أربع منهن من الميقات لا قبله ، فأحرم عام الحديبية من ذي الحليفة ، ثم دخلها المرة الثانية ، فقضى عمرته ، وأقام بها ثلاثاً ، ثم خرج ، ثم دخلها في المرة الثالثة عام الفتح في رمضان بغير إحرام ، ثم خرح منها إلى حنين ، ثم دخلها بعمرة من الجعرانة ودخلها في هذه العمرة ليلاً، وخرج ليلاً، فلم يخرج من مكة إلى الجعرانة ليعتمر كما يفعل أهل مكة اليوم ، وإنما أحرم منها في حال دخوله إلى مكة، ولما قضى عمرته ليلاً، رجع من فوره الى الجعرانة، فبات بها، فلما أصبح وزالت الشمس ، خرج من بطن سرف حتى جامع الطريق [طريق جمع ببطن سرف ]، ولهذا خفيت هذه العمرة على كثير من الناس . والمقصود ، أن عمرة كلها كانت في أشهر الحج، مخالفة لهدي المشركين، فإنهم كانوا يكرهون العمرة في أشهر الحج ويقولون : هي من أفجر الفجور وهذا دليل على أن الاعتمار في أشهر الحج أفضل منه في رجب . الإعتمار فى أشهر الحج أفضل منه في رجب بلا شك . وأما المفاضلة بينه وبين الاعتمار في رمضان ، فموضع نظر ، فقد صح عنه أنه أمر أم معقل لما فاتها الحج ، أن تعتمر في رمضان ، وأخبرها أن عمرة في رمضان تعدل حجة . وأيضاً : فقد اجتمع في عمرة رمضان أفضل الزمان ، وأفضل البقاع ، ولكن الله لم يكن ليختار لنبيه صلى الله عليه وسلم ، في عمره إلا أولى الأوقات وأحقها بها ، فكانت العمرة في أشهر الحج نظير وقوع الحج في أشهره ، وهذه الأشهر قد خصها الله تعالى بهذه العبادة، وجعلها وقتاً لها، والعمرة حج أصغر، فأولى الأزمنة بها أشهر الحج ، وذو القعدة أوسطها، وهذا مما نستخير الله فيه ، فمن كان عنده فضل علم ، فليرشد إليه . وقد يقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يشتغل في رمضان من العبادات بما هو أهم من العمرة، ولم يكن يمكنه الجمع بين تلك العبادات وبين العمرة، فأخر العمرة إلى أشهر الحج ، ووفر نفسه على تلك العبادات في رمضان مع ما في ترك ذلك من الرحمة بأمته والرأفة بهم، فإنه لو اعتمر في رمضان ، لبادرت الأمة ذلك ، وكان يشق عليها الجمع بين العمرة والصوم ، وربما لا تسمح أكثر النفوس بالفطر في هذه العبادة حرصاً على تحصيل العمرة وصوم رمضان ، فتحصل المشقة ، فأخرها إلى أشهر الحج ، وقد كان يترك كثيراً من العمل وهو يحب أن يعمله ، خشية المشقة عليهم . ولما دخل البيت ، خرج منه حزيناً ، فقالت له عائشة في ذلك ؟ فقال :" إني أخاف أن أكون قد شققت على أمتي " . وهم أن ينزل يستسقي مع سقاة زمزم للحاج ، فخاف أن يغلب أهلها على سقايتهم بعده . والله أعلم . |
جعلاني ذهبي
![]() ![]() ![]() ![]()
![]() غير متواجد
|
![]()
فصل ولم يحفظ عنه أنه اعتمر في السنة إلا مرة واحدة
فصل ولم يحفظ عنه صلى الله عليه وسلم ، أنه اعتمر في السنة إلا مرة واحدة، ولم يعتمر في سنة مرتين ، وقد ظن بعض الناس أنه اعتمر في سنة مرتين ، واحتج بما رواه أبو داود في سننه عن عائشة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر عمرتين ، عمرة في ذي القعدة وعمرة في شوال . قالوا : وليس المراد بها ذكر مجموع ما اعتمر، فإن أنساً ، وعائشة ، وابن عباس ، وغيرهم قد قالوا : إنه اعتمر أربع عمر ، فعلم أن مرادها بأنه اعتمر في سنة مرتين ، مرة في ذي القعدة ، ومرة في شوال ، وهذا الحديث وهم ، وإن كان محفوظاً عنها، فإن هذا لم يقع قط ، فإنه اعتمر أربع عمر بلا ريب : العمرة الأولى كانت في ذي القعدة عمرة الحديبية ، ثم لم يعتمر إلى العام القابل ، فاعتمر عمرة القضية في ذي القعدة ، ثم رجع إلى المدينة ولم يخرج إلى مكة حتى فتحها سنة ثمان في رمضان ، ولم يعتمر ذلك العام ، ثم خرج إلى حنين في ست من شوال وهزم الله أعداءه ، فرجع إلى مكة، وأحرم بعمرة، وكان ذلك في ذي القعدة كما قال أنس ، وابن عباس : فمتى اعتمر في شوال ؟ ولكن لقي العدو في شوال ، وخرج فيه من مكة، وقضى عمرته لما فرغ من أمر العدو في ذي القعدة ليلاً، ولم يجمع ذلك العام بين عمرتين ، ولا قبله ولا بعده ، ومن له عناية بأيامه مجين وسيرته وأحواله ، لا يشك ولا يرتاب في ذلك . فإن قيل : فبأي شيء يستحبون العمرة في السنة مراراً إذا لم يثبتوا ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قيل : قد اختلف في هذه المسألة، فقال مالك : أكره أن يعتمر في السنة أكثر من عمرة واحدة ، وخالفه مطرف من أصحابه وابن المواز، قال مطرف : لا بأس بالعمرة في السنة مراراً، وقال ابن المواز : أرجو أن لا يكون به بأس ، وقد اعتمرت عائشة مرتين في شهر، ولا أرى أن يمنع أحد من التقرب إلى الله بشيء من الطاعات ، ولا من الازدياد من الخير في موضع ، ولم يأت بالمنع منه نص، وهذا قول الجمهور، إلا أن أبا حنيفة رحمه الله تعالى، استثنى خمسة أيام لا يعتمر فيها : يوم عرفة، ويوم النحر، وأيام التشريق . واسشثنى أبو يوسف رحمه الله تعالى : يوم النحر ، وأيام التشريق خاصة ، واستثنت الشافعية : البائت بمنى لرمي أيام التشريق . واعتمرت عائشة في سنة مرتين . فقيل للقاسم : لم ينكر عليها أحد؟ فقال : أعلى أم المؤمنين ؟! وكان أنس إذا حمم رأسه ، خرج فاعتمر . ويذكر عن علي رضي الله عنه ، أنه كات يعتمر في السنة مراراً وقد قال صلى الله عليه وسلم : "العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما". ويكفي في هذا ، أن النبي صلى الله عليه وسلم أعمر عائشة من التنعيم سوى عمرتها التي كانت أهلت بها، وذلك في عام واحد ، ولا يقال : عائشة كانت قد رفضت العمرة، فهذه التي أهلت بها من التنعيم عنها، لأن العمرة لا يصح رفضها. وقد قال لها النبي صلى الله عليه وسلم : "يسعك لحجك وعمرتك" وفي لفظ "حللت منهما جميعا" فإن قيل : قد ثبت في صحيح البخاري : أنه صلى الله عليه وسلم قال لها :" ارفضي عمرتك ، وانقضي رأسك وامتشطي " ، وفي لفظ آخر : " انقضي ، وامتشطي" ، وفي لفظ : "أهلي بالحج ودعي العمرة" ، فهذا صريح في رفضها من وجهين ، أحدهما : قوله ارفضيها ودعيها ، والثاني : أمره لها بالامتشاط قيل : معنى قوله : ارفضيها: اتركي أفعالها والاقتصار عليها ، وكوني في حجة معها، ويتعين أن يكون هذا هو المراد بقوله : "حللت منهما جميعاً " ، لما قضت أعمال الحج . وقوله "يسعك طوافك لحجك وعمرتك " ، فهذا صريح في أن إحرام العمرة لم يرفض ، وإنما رفضت أعمالها والإقتصار عليها ، وأنها بانقضاء حجها انقضى حجها وعمرتها، ثم أعمرها من التنعيم تطييباً لقلبها، إذ تأتي بعمرة مستقلة كصواحباتها، ويوضح ذلك إيضاحاً بينا، ما روى مسلم في صحيحه ، من حديث الزهري ، عن عروة، عنها قالت : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع ، فحضت ، فلم أزل حائضاً حتى كان يوم عرفة، ولم أهل إلا بعمرة، فأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أنقض رأسي وامتشط ، وأهل بالحج ، وأترك العمرة، قالت : ففعلت ذلك ، حتى إذا قضيت حجي ، بعث معي رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن بن أبي بكر، وأمرني أن اعتمر من التنعيم مكان عمرتي التي أدركني الحج ولم أهل منها . فهذا حديث في غاية الصحة والصراحة، أنها لم تكن أحلت من عمرتها، وأنها بقيت محرمة حتى أدخلت عليها الحج ، فهذا خبرها عن نفسها ، وذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لها ، كل منهما يوافق الآخر وبالله التوفيق . وفي قوله صلى الله عليه وسلم : "العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما ، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة" دليل على التفريق بين الحج والعمرة في التكرار، وتنبية على ذلك ، إذ لو كانت العمرة كالحج لا تفعل في السنة إلا مرة، لسوى بينهما ولم يفرق . وروى الشافعي رحمه الله ، عن علي رضي الله عنه ، أنه قال : اعتمر في كل شهر مرة . وروى وكيع عن اسرائيل ، عن سويد بن أبي ناجية، عن أبي جعفر، قال : قال علي رضي الله عنه : اعتمر فى الشهر إن أطقت مراراً. وذكر سعيد بن منصور، عن سفيان بن أبي حسين ، عن بعض ولد أنس ، أن أنساً كان إذا كان بمكة فحمم رأسه ، خرج إلى التنعيم فاعتمر . |
جعلاني ذهبي
![]() ![]() ![]() ![]()
![]() غير متواجد
|
![]()
فصل في سياق هديه صلى الله عليه وسلم في حجته
لا خلاف أنه لم يحج بعد هجرته إلى المدينة سوى حجة واحدة، وهي حجة الوداع ، ولا خلاف أنها كانت سنة عشر . واختلف : هل حج قبل الهجرة ؟ فروى الترمذي ، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه ، قال : حج النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث حجج : حجتين قبل أن يهاجر، وحجة بعد ما هاجر معها عمرة . قال الترمذي : هذا حديث غريب من حديث سفيان . قال : وسألت محمداً - يعني البخاري - عن هذا، فلم يعرفه من حديث الثوري ، وفي رواية : لا يعد هذا الحديث محفوظاً . ولما نزل فرض الحج ، بادر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحج من غير تأخيرفرض الحج تأخر إلى سنة تسع أو عشر، وأما قوله تعالى : " وأتموا الحج والعمرة لله " [البقرة : 196 ]، فإنها وإن نزلت سنة ست عام الحديبية ، فليس فيها فرضية الحج ، وإنما فيها الأمر بإتمامه وإتمام العمرة بعد الشروع فيهما ، وذلك لا يقتضي وجوب الإبتداء، فإن قيل : فمن أين لكم تأخير نزول فرضه إلى التاسعة أو العاشرة ؟ قيل : لأن صدر سورة آل عمران نزل عام الوفود، وفيه قدم وفد نجران على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وصالحهم على أداء الجزية، والجزية إنما نزلت عام تبوك سنة تسع ، وفيها نزل صدر سورة آل عمران ، وناظر أهل الكتاب ، ودعاهم إلى التوحيد والمباهلة، ويدك عليه أن أهل مكة وجدوا في نفوسهم على ما فاتهم من التجارة من المشركين لما أنزل الله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا " [التوبة : 28 ]، فأعاضهم الله تعالى من ذلك بالجزية . ونزول هذه الآيات ، والمناداة بها، إنما كان في سنة تسع ، وبعث الصديق يؤذن بذلك في مكة في مواسم الحج ، وأردفه بعلي رضي الله عنه ، وهذا الذي ذكرناه قد قاله غير واحد من السلف . والله أعلم . |
جعلاني ذهبي
![]() ![]() ![]() ![]()
![]() غير متواجد
|
![]()
فصل في وصف حجة النبي صلى الله عليه وسلم
فصل ولما عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحج أعلم الناس أنه حاج ، فتجهزوا للخروج معه ، وسمع ذلك من حول المدينة، فقدموا يريدون الحج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ووافاه في الطريق خلائق لا يحصون ، فكانوا من بين يديه ، ومن خلفه ، وعن يمينه ، وعن شماله مد البصر، وخرج من المدينة نهاراً بعد الظهر لست بقين من ذي القعدة بعد أن صلى الظهر بها أربعاً، وخطبهم قبل ذلك خطبة علمهم فيها الإحرام وواجباته وسننه . وقال ابن حزم : وكان خروجه يوم الخميس ، قلت : والظاهر : أن خروجه كان يوم السبت ، واحتج ابن حزم على قوله بثلاث مقدمات . إحداها : أن خروجه كان لست بقين من ذي القعدة . والثانية : أن استهلال ذي الحجة كان يوم الخميس ، والثالثة : أن يوم عرفة كان يوم الجمعة، واحتج على أن خروجه كان لست بقين من ذي القعدة، بما روى البخاري من حديث ابن عباس ، انطلق النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة بعد ما ترجل وادهن ........ فذكر الحديث . وقال : وذلك لخمس بقين من ذي القعدة . قال ابن حزم : وقد نص ابن عمر على أن يوم عرفة، كان يوم الجمعة، وهو التاسع ، واستهلال ذي الحجة بلا شك ليلة الخميس ، فآخر ذي القعدة يوم الأربعاء، فإذا كان خروجه لست بقين من ذي القعدة، كان يوم الخميس ، إذ الباقي بعده ست ليال سواه . ووجه ما اخترناه ، أن الحديث صريح في أنه خرج لخمس بقين و هي يوم السبت ، والأحد ، والاثنين ، والثلاثاء ، والأربعاء ، فهذه خمس ، وعلى قوله : يكون خروجه لسبع بقين . فإن لم يعد يوم الخروج ، كان لست ، وأيهما كان فهو خلاف الحديث ، وإن اعتبر الليالي ، كان خروجه لست ليال بقين فلا يصح الجمع بين خروجه يوم الخميس ، وبين بقاء خمس من الشهر البتة، بخلاف ما إذا كان الخروج يوم السبت ، فإن الباقي بيوم الخروج خمس بلا شك، ويدل عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر لهم في خطبته على منبره شأن الإحرام ، وما يلبس المحرم بالمدينة، والظاهر: إن هذا كان يوم الجمعة، لأنه لم ينقل أنه جمعهم ، ونادى فيهم لحضور الخطبة، وقد شهد ابن عمر رضي الله عنهما هذه الخطبة بالمدينة على منبره . وكان من عادته صلى الله عليه وسلم أن يعلمهم في كل وقت ما يحتاجون إليه إذا حضر فعله ، فأولى الأوقات به الجمعة التي يليها خروجه ، والظاهر : أنه لم يكن ليدع الجمعة وبينه وبينها بعض يوم من غير ضرورة، وقد اجتمع إليه الخلق ، وهو أحرص الناس على تعليمهم الدين ، وقد حضر ذلك الجمع العظيم ، والجمع بينه وبين الحج ممكن بلا تفويت والله أعلم . ولما علم أبو محمد ابن حزم ، أن قول ابن عباس رضي الله عنه ، وعائشة رضي الله عنها: خرج لخمس بقين من ذي القعدة، لا يلتئم مع قوله أوله بأن قال : معناه أن اندفاعه من ذي الحليفة كان لخمس ، قال : وليس بين ذي الحليفة وبين المدينة إلا أربعة أميال فقط ، فلم تعد هذه المرحلة القريبة لقلتها ، وبهذا تأتلف جميع الأحاديث . قال : ولو كان خروجه من المدينة لخمس بقين لذي القعدة، لكان خروجه بلا شك يوم الجمعة، وهذا خطأ لأن الجمعة لا تصلى أربعاً ، وقد ذكر أنس ، أنهم صلوا الظهر معه بالمدينة أربعاً . قال : ويزيده وضوحاً، ثم ساق من طريق البخاري ، حديث كعب بن مالك : قلما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج في سفر إذا خرج : إلا يوم الخميس ، وفي لفظ آخر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحب أن يخرج يوم الخميس، فبطل خروجه يوم الجمعة لما ذكرنا عن أنس ، وبطل خروجه يوم السبت ، لأنه حينئذ يكون خارجاً من المدينة لأربع بقين من ذي القعدة، وهذا ما لم يقله أحد . قال : وأيضاً قد صح مبيته بذي الحليفة الليلة المستقبلة من يوم خروجه من المدينة، فكان يكون اندفاعه من ذي الحليفة يوم الأحد، يعني : لو كان خروجه يوم السبت ، وصح مبيته بذي طوى ليلة دخوله مكة، وصح عنه أنه دخلها صبح رابعة من ذي الحجة، فعلى هذا تكون مدة سفره مر المدينة إلى مكة سبعة أيام ، لأنه كان يكون خارجاً من المدينة لو كان ذلك لأربع بقين لذي القعدة، واستوى على مكة لثلاث خلون من ذي الحجة، وفي اسقبال الليلة الرابعة، فتلك سبع ليال لا مزيد، وهذا خطأ بإجماع ، وأمر لم يقله أحد ، فصح أن خروجه كان لست بقين من ذي القعدة، وائتلفت الروايات كلها، وانتفى التعارض عنها بحمد الله انتهى . قلت : في متآلفة متوافقة، والتعارض منتف عنها مع خروجه يوم السبت ، ويزول عنها الإستكراه الذي أولها عليه كما ذكرناه . وأما قول أبي محمد ابن حزم : لو كان خروجه من المدينة لخمس بقين من ذي القعدة، لكان خروجه يوم الجمعة إلى آخره فغير لازم ، بل يصح أن يخرج لخمس ، ويكون خروجه يوم السبت ، والذي غر أبا محمد أنه رأى الراوي قد حذف التاء من العدد ، وهي إنما تحذف من المؤنث ، ففهم لخمس ليال بقين ، وهذا إنما يكون اذا كان الخروج يوم الجمعة . فلو كان يوم السبت ، لكان لأربع ليال بقين ، وهذا بعينه ينقلب عليه ، فإنه لو كان خروجه يوم الخميس ، لم يكن لخمس ليال بقين ، وإنما يكون لست ليال بقين ، ولهذا اضطر إلى أن يؤول الخروح المقيد بالتاريخ المذكور بخمس على الاندفاع من ذي الحليفة، ولا ضرورة له إلى ذلك ، إذ من الممكن أن يكون شهر ذي القعدة كان ناقصاً ، فوقع الإخبار عن تاريخ الخروج بخمس بقين منه بناء على المعتاد من الشهر، وهذه عادة العرب والناس قي تواريخهم ، أن يؤرخوا بما بقي من الشهر بناء على كماله ، ثم يقع الإخبار عنه بعد انقضائه ، وظهور نقصه كذلك ، لئلا يختلف عليهم التاريخ ، فيصح أن يقول القائل : يوم الخامس والعشرين لخمس بقين ، ويكون الشهر تسعاً وعشرين ، وأيضاً فإن الباقي كان خمسة أيام بلا شك بيوم الخروج ، والعرب إذا اجتمعت الليالي والأيام في التاريخ ، غلبت لفظ الليالي لأنها أول الشهر ، وهي أسبق من اليوم ، فتذكر الليالي ، ومرادها الأيام فيصح أن تقال : لخمس بقين باعتبار الأيام ، ويذكر لفظ العدد بإعتبار فصح حينئذ أن يكون خروجه لخمس بقين ، ولا يكون يوم الجمعة . وأما حديث كعب ، فليس فيه أنه لم يكن يخرج قط إلا يوم الخميس ، وإنما فيه أن ذلك كان أكثر خروجه ، ولا ريب أنه لم يكن يتقيد في خروجه إلى الغزوات بيوم الخميس . وأما قوله : لو خرج يوم السبت ، لكان خارجاً لأربع ، فقد تبين أنه لا يلزم باعتبار الليالي ، ولا باعتبار الأيام . وأما قوله : إنه بات بذي الحليفة الليلة المستقبلة من يوم خروجه من المدينة إلى آخره ، فإنه يلزم من خروجه يوم السبت أن تكون مدة سفره سبعة أيام ، فهذا عجيب منه ، فإنه إذا خرج يوم السبت وقد بقي من الشهر خمسة أيام ، ودخل مكة لأربع مضين من ذي الحجة، فبين خروجه من المدينة ودخوله مكة تسعة أيام، وهذا غير مشكل بوجه من الوجوه ، فإن الطريق التي سلكها إلى مكة بين المدينة وبينها هذا المقدار، وسير العرب أسرع من سير الحضر بكثير، ولا سيما، مع عدم المحامل والكجاوات والزوامل الثقال . والله أعلم . عدنا إلى سياق حجه ، فصلى الظهر بالمدينة بالمسجد أربعاً، ثم ترجل وادهن ، ولبس إزاره ورداءه ، وخرج بين الظهر والعصر، فنزل بذي الحليفة ، فصلى بها العصر ركعتين ، ثم بات بها وصلى بها المغرب ، والعشاء والصبح ، والظهر، فصلى بها خمس صلوات ، وكان نساؤه كلهن معه ، وطاف عليهن تلك الليلة ، فلما أراد الإحرام ، اغتسل غسلاً ثانياً لإحرامه غير غسل الجماع الأول ، ولم يذكر ابن حزم أنه اغتسل غير الغسل الأول للجنابة ، وقد ترك بعض الناس ذكره ، فإما أن يكون تركه عمداً، لأنه لم يثبت عنده ، وإما أن يكون تركه سهواً منه ، وقد قال زيد بن ثابت : إنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم تجرد لإهلاله واغتسل . قال الترمذي : حديث حسن غريب . وذكر الدارقطني ، عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يحرم ، غسل رأسه بخطمي وأشنان . ثم طيبته عائشة بيدها بذريرة وطيب فيه مسك في بدنه ورأسه ، حتى كان وبيص المسك يرى في مفارقه ولحيته ، ثم استدامه ولم يغسله ، ثم لبس إزاره ورداءه ، ثم صلى الظهر ركعتين ، ثم أهل بالحج والعمرة في مصلاه ، ولم ينقل عنه أنه صلى للإحرام ركعتين غير فرض الظهر . وقلد قبل الإحرام بدنه نعلين ، وأشعرها في جانبها الأيمن ، فشق صفحة سنامها ، وسلت الدم عنها . وإنما قلنا: إنه أحرم قارنا ببضعة وعشرين حديثاً صحيحة صريحة في ذلك . أحدها : ما أخرجاه في الصحيحين عن ابن عمر، قال : تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج ، وأهدى، فساق معه الهدي من ذي الحليفة وبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهل بالعمرة ، ثم أهل بالحج وذكر الحديث . وثانيها: ما أخرجاه في الصحيحين أيضاً، عن عروة ، عن عائشة أخبرته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بمثل حديث ابن عمر سواء . وثالثها: ما روى مسلم في صحيحه ، من حديث قتيبة، عن الليث عن نافع ، عن ابن عمر، أنه قرن الحج الى العمرة، وطاف لهما طوافاً واحداً ، ثم قال : هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم . ورابعها: ما روى أبو داود، عن النفيلي ، حدثنا زهير هو ابن معاوية، حدثنا إسحاق عن مجاهد: سئل ابن عمر : كم اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال: مرتين . فقالت عائشة: لقد علم ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر ثلاثاً سوى التي قرن بحجته . ولم يناقض هذا قول ابن عمر. "إنه صلى الله عليه وسلم ، قرن بين الحج والعمرة"، لأنه أراد العمرة الكاملة المفردة، ولا ريب أنهما عمرتان : عمرة القضاء وعمرة الجعرانة ، وعائشة رضي الله عنها أرادت العمرتين المستقلتين ، وعمرة القرآن ، والتي صد عنها، ولا ريب أنها أربع . وخامسها: ما رواه سفيان الثوري ، عن جعفر بن محمد عن أبيه ، عن جابر بن عبدالله ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : حج ثلاث حجج : حجتين قبل أن يهاجر، وحجة بعد ما هاجر معها عمرة . رواه الترمذي وغيره . وسادسها: ما رواه ابو داود، عن النفيلي وقتيبة قالا: حدثنا داود بن عبد الرحمن العطار، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة، عن ابن عباس ، قال : اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع عمر: عمرة الحديبية، والثانية : حين تواطؤوا على عمرة من قابل ، والثالثة من الجعرانة، والرابعة التي قرن مع حجته . وسابعها: ما رواه البخاري في صحيحه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بوادي العقيق يقول : "أتاني الليلة آت من ربي عز وجل ، فقال : صل في هذا الوادي المبارك ، وقل : عمرة في حجة" . وثامنها: ما رواه أبو داود عن البراء بن عازب قال : كنت مع علي رضي الله عنه حين أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم على اليمن ، فأصبت معه أواقي من ذهب ، فلما قدم علي من اليمن على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : وجدت فاطمة رضي الله عنها قد لبست ثياباً صبيغات ، وقد نضحت البيت بنضوح ، فقالت : مالك ؟ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر أصحابه فأحلوا، قال : فقلت لها: إني أهللت بإهلال النبي صلى الله عليه وسلم قال : فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال لي : كيف صنعت ؟ قال : قلت : أهللت بإهلال النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : فإني قد سقت الهدي ، وقرنت وذكر الحديث . وتاسعها: ما رواه النسائي عن عمران بن يزيد الدمشقي ، حدثنا عيسى بن يونس ، حدثنا الأعمش ، عن مسلم البطين ، عن علي بن الحسين ، عن مروان بن الحكم قال : كنت جالساً عند عثمان ، فسمع علياً بن الحسين يلبي بعمرة وحجة ، فقال : ألم تكن تنهى عن هذا ؟ قال : بلى لكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبي بهما جميعاً، فلم أدع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لقولك . وعاشرها: ما رواه مسلم في صحيحه من حديث شعبة، عن حميد بن هلال قال : سمعت مطرفاً قال : قال عمران بن حصين : أحدثك حديثاً عسى الله أن ينفعك به : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين حجة وعمرة، ثم لم ينه عنه حتى مات ، ولم ينزل قرآن يحرمه . وحادي عشرها: ما رواه يحيى بن سعيد القطان ، وسفيان بن عيينة ، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه قال : إنما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الحج والعمرة، لأنه علم أنه لا يحج بعدها . وله طرق صحيحة إليهما . وثاني عشرها: ما رواه الإمام أحمد من حديث سراقة بن مالك قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة"، قال : وقرن النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع إسناده ثقات . وثالث عشرها : ما رواه الإمام أحمد، وابن ماجه من حديث أبي طلحة الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين الحج والعمرة ورواه الدارقطني ، وفيه الحجاج بن أرطاة . ورابع عشرها: ما رواه أحمد من حديث الهرماس بن زياد الباهلي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرن في حجة الوداع بين الحج والعمرة . وخامس عشرها: ما رواه البزار بإسناد صحيح أن ابن أبي أوفى قال : إنما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الحج والعمرة ، لأنه علم أنه لا يحج بعد عامه ذلك وقد قيل : إن يزيد بن عطاء أخطأ في إسناده ، وقال آخرون : لا سبيل إلى تخطئته بغير دليل . وسادس عشرها: ما رواه الإمام أحمد ، من حديث جابر بن عبد الله ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرن الحج والعمرة، فطاف لهما طوافاً واحداً . ورواه الترمذي ، وفيه الحجاج بن أرطاة، وحديثه لا ينزل عن درجة الحسن ما لم ينفرد بشيء ، أو يخالف الثقات . وسابع عشرها: ما رواه الإمام أحمد، من حديث أم سلمة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "أهلوا يا آل محمد بعمرة في حج " . وثامن عشرها : ما أخرجاه في الصحيحين واللفظ لمسلم ، عن حفصة قالت : قلت للنبي صلى الله عليه وسلم : ما شأن الناس حلوا ولم تحل أنت من عمرتك ؟ قال : "إني قلدت هديي ، ولبدت رأسي ، فلا أحل حتى أحل من الحج " وهذا يدل على أنه كان في عمرة معها حج ، فإنه لا يحل من العمرة حتى يحل من الحج ، وهذا على أصل مالك والشافعي ألزم ، لأن المعتمر عمرة مفردة لا يمنعه عندهما الهدي من التحلل ، وإنما يمنعه عمرة القران ، فالحديث أصلهما نص . وتاسع عشرها : ما رواه النسائي ، والترمذي ، عن محمد بن عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب ، أنه سمع سعد بن أبي وقاص ، والضحاك بن قيس عام حج معاوية بن أبي سفيان ، وهما يذكران التمتع بالعمرة إلى الحج ، فقال الضحاك : لا يصنع ذلك إلا من جهل أمر الله ، فقال سعد: بئس ما قلت يا ابن أخي . قال الضحاك : فإن عمر بن الخطاب نهى عن ذلك ، قال سعد: قد صنعها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وصنعناها معه ، قال الترمذي : حديث حسن صحيح . ====>>>يتبع |
جعلاني ذهبي
![]() ![]() ![]() ![]()
![]() غير متواجد
|
![]()
فصل في وصف حجة النبي صلى الله عليه وسلم
فصل ولما عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحج أعلم الناس أنه حاج ، فتجهزوا للخروج معه ، وسمع ذلك من حول المدينة، فقدموا يريدون الحج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ووافاه في الطريق خلائق لا يحصون ، فكانوا من بين يديه ، ومن خلفه ، وعن يمينه ، وعن شماله مد البصر، وخرج من المدينة نهاراً بعد الظهر لست بقين من ذي القعدة بعد أن صلى الظهر بها أربعاً، وخطبهم قبل ذلك خطبة علمهم فيها الإحرام وواجباته وسننه . وقال ابن حزم : وكان خروجه يوم الخميس ، قلت : والظاهر : أن خروجه كان يوم السبت ، واحتج ابن حزم على قوله بثلاث مقدمات . إحداها : أن خروجه كان لست بقين من ذي القعدة . والثانية : أن استهلال ذي الحجة كان يوم الخميس ، والثالثة : أن يوم عرفة كان يوم الجمعة، واحتج على أن خروجه كان لست بقين من ذي القعدة، بما روى البخاري من حديث ابن عباس ، انطلق النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة بعد ما ترجل وادهن ........ فذكر الحديث . وقال : وذلك لخمس بقين من ذي القعدة . قال ابن حزم : وقد نص ابن عمر على أن يوم عرفة، كان يوم الجمعة، وهو التاسع ، واستهلال ذي الحجة بلا شك ليلة الخميس ، فآخر ذي القعدة يوم الأربعاء، فإذا كان خروجه لست بقين من ذي القعدة، كان يوم الخميس ، إذ الباقي بعده ست ليال سواه . ووجه ما اخترناه ، أن الحديث صريح في أنه خرج لخمس بقين و هي يوم السبت ، والأحد ، والاثنين ، والثلاثاء ، والأربعاء ، فهذه خمس ، وعلى قوله : يكون خروجه لسبع بقين . فإن لم يعد يوم الخروج ، كان لست ، وأيهما كان فهو خلاف الحديث ، وإن اعتبر الليالي ، كان خروجه لست ليال بقين فلا يصح الجمع بين خروجه يوم الخميس ، وبين بقاء خمس من الشهر البتة، بخلاف ما إذا كان الخروج يوم السبت ، فإن الباقي بيوم الخروج خمس بلا شك، ويدل عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر لهم في خطبته على منبره شأن الإحرام ، وما يلبس المحرم بالمدينة، والظاهر: إن هذا كان يوم الجمعة، لأنه لم ينقل أنه جمعهم ، ونادى فيهم لحضور الخطبة، وقد شهد ابن عمر رضي الله عنهما هذه الخطبة بالمدينة على منبره . وكان من عادته صلى الله عليه وسلم أن يعلمهم في كل وقت ما يحتاجون إليه إذا حضر فعله ، فأولى الأوقات به الجمعة التي يليها خروجه ، والظاهر : أنه لم يكن ليدع الجمعة وبينه وبينها بعض يوم من غير ضرورة، وقد اجتمع إليه الخلق ، وهو أحرص الناس على تعليمهم الدين ، وقد حضر ذلك الجمع العظيم ، والجمع بينه وبين الحج ممكن بلا تفويت والله أعلم . ولما علم أبو محمد ابن حزم ، أن قول ابن عباس رضي الله عنه ، وعائشة رضي الله عنها: خرج لخمس بقين من ذي القعدة، لا يلتئم مع قوله أوله بأن قال : معناه أن اندفاعه من ذي الحليفة كان لخمس ، قال : وليس بين ذي الحليفة وبين المدينة إلا أربعة أميال فقط ، فلم تعد هذه المرحلة القريبة لقلتها ، وبهذا تأتلف جميع الأحاديث . قال : ولو كان خروجه من المدينة لخمس بقين لذي القعدة، لكان خروجه بلا شك يوم الجمعة، وهذا خطأ لأن الجمعة لا تصلى أربعاً ، وقد ذكر أنس ، أنهم صلوا الظهر معه بالمدينة أربعاً . قال : ويزيده وضوحاً، ثم ساق من طريق البخاري ، حديث كعب بن مالك : قلما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج في سفر إذا خرج : إلا يوم الخميس ، وفي لفظ آخر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحب أن يخرج يوم الخميس، فبطل خروجه يوم الجمعة لما ذكرنا عن أنس ، وبطل خروجه يوم السبت ، لأنه حينئذ يكون خارجاً من المدينة لأربع بقين من ذي القعدة، وهذا ما لم يقله أحد . قال : وأيضاً قد صح مبيته بذي الحليفة الليلة المستقبلة من يوم خروجه من المدينة، فكان يكون اندفاعه من ذي الحليفة يوم الأحد، يعني : لو كان خروجه يوم السبت ، وصح مبيته بذي طوى ليلة دخوله مكة، وصح عنه أنه دخلها صبح رابعة من ذي الحجة، فعلى هذا تكون مدة سفره مر المدينة إلى مكة سبعة أيام ، لأنه كان يكون خارجاً من المدينة لو كان ذلك لأربع بقين لذي القعدة، واستوى على مكة لثلاث خلون من ذي الحجة، وفي اسقبال الليلة الرابعة، فتلك سبع ليال لا مزيد، وهذا خطأ بإجماع ، وأمر لم يقله أحد ، فصح أن خروجه كان لست بقين من ذي القعدة، وائتلفت الروايات كلها، وانتفى التعارض عنها بحمد الله انتهى . قلت : في متآلفة متوافقة، والتعارض منتف عنها مع خروجه يوم السبت ، ويزول عنها الإستكراه الذي أولها عليه كما ذكرناه . وأما قول أبي محمد ابن حزم : لو كان خروجه من المدينة لخمس بقين من ذي القعدة، لكان خروجه يوم الجمعة إلى آخره فغير لازم ، بل يصح أن يخرج لخمس ، ويكون خروجه يوم السبت ، والذي غر أبا محمد أنه رأى الراوي قد حذف التاء من العدد ، وهي إنما تحذف من المؤنث ، ففهم لخمس ليال بقين ، وهذا إنما يكون اذا كان الخروج يوم الجمعة . فلو كان يوم السبت ، لكان لأربع ليال بقين ، وهذا بعينه ينقلب عليه ، فإنه لو كان خروجه يوم الخميس ، لم يكن لخمس ليال بقين ، وإنما يكون لست ليال بقين ، ولهذا اضطر إلى أن يؤول الخروح المقيد بالتاريخ المذكور بخمس على الاندفاع من ذي الحليفة، ولا ضرورة له إلى ذلك ، إذ من الممكن أن يكون شهر ذي القعدة كان ناقصاً ، فوقع الإخبار عن تاريخ الخروج بخمس بقين منه بناء على المعتاد من الشهر، وهذه عادة العرب والناس قي تواريخهم ، أن يؤرخوا بما بقي من الشهر بناء على كماله ، ثم يقع الإخبار عنه بعد انقضائه ، وظهور نقصه كذلك ، لئلا يختلف عليهم التاريخ ، فيصح أن يقول القائل : يوم الخامس والعشرين لخمس بقين ، ويكون الشهر تسعاً وعشرين ، وأيضاً فإن الباقي كان خمسة أيام بلا شك بيوم الخروج ، والعرب إذا اجتمعت الليالي والأيام في التاريخ ، غلبت لفظ الليالي لأنها أول الشهر ، وهي أسبق من اليوم ، فتذكر الليالي ، ومرادها الأيام فيصح أن تقال : لخمس بقين باعتبار الأيام ، ويذكر لفظ العدد بإعتبار فصح حينئذ أن يكون خروجه لخمس بقين ، ولا يكون يوم الجمعة . وأما حديث كعب ، فليس فيه أنه لم يكن يخرج قط إلا يوم الخميس ، وإنما فيه أن ذلك كان أكثر خروجه ، ولا ريب أنه لم يكن يتقيد في خروجه إلى الغزوات بيوم الخميس . وأما قوله : لو خرج يوم السبت ، لكان خارجاً لأربع ، فقد تبين أنه لا يلزم باعتبار الليالي ، ولا باعتبار الأيام . وأما قوله : إنه بات بذي الحليفة الليلة المستقبلة من يوم خروجه من المدينة إلى آخره ، فإنه يلزم من خروجه يوم السبت أن تكون مدة سفره سبعة أيام ، فهذا عجيب منه ، فإنه إذا خرج يوم السبت وقد بقي من الشهر خمسة أيام ، ودخل مكة لأربع مضين من ذي الحجة، فبين خروجه من المدينة ودخوله مكة تسعة أيام، وهذا غير مشكل بوجه من الوجوه ، فإن الطريق التي سلكها إلى مكة بين المدينة وبينها هذا المقدار، وسير العرب أسرع من سير الحضر بكثير، ولا سيما، مع عدم المحامل والكجاوات والزوامل الثقال . والله أعلم . عدنا إلى سياق حجه ، فصلى الظهر بالمدينة بالمسجد أربعاً، ثم ترجل وادهن ، ولبس إزاره ورداءه ، وخرج بين الظهر والعصر، فنزل بذي الحليفة ، فصلى بها العصر ركعتين ، ثم بات بها وصلى بها المغرب ، والعشاء والصبح ، والظهر، فصلى بها خمس صلوات ، وكان نساؤه كلهن معه ، وطاف عليهن تلك الليلة ، فلما أراد الإحرام ، اغتسل غسلاً ثانياً لإحرامه غير غسل الجماع الأول ، ولم يذكر ابن حزم أنه اغتسل غير الغسل الأول للجنابة ، وقد ترك بعض الناس ذكره ، فإما أن يكون تركه عمداً، لأنه لم يثبت عنده ، وإما أن يكون تركه سهواً منه ، وقد قال زيد بن ثابت : إنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم تجرد لإهلاله واغتسل . قال الترمذي : حديث حسن غريب . وذكر الدارقطني ، عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يحرم ، غسل رأسه بخطمي وأشنان . ثم طيبته عائشة بيدها بذريرة وطيب فيه مسك في بدنه ورأسه ، حتى كان وبيص المسك يرى في مفارقه ولحيته ، ثم استدامه ولم يغسله ، ثم لبس إزاره ورداءه ، ثم صلى الظهر ركعتين ، ثم أهل بالحج والعمرة في مصلاه ، ولم ينقل عنه أنه صلى للإحرام ركعتين غير فرض الظهر . وقلد قبل الإحرام بدنه نعلين ، وأشعرها في جانبها الأيمن ، فشق صفحة سنامها ، وسلت الدم عنها . وإنما قلنا: إنه أحرم قارنا ببضعة وعشرين حديثاً صحيحة صريحة في ذلك . أحدها : ما أخرجاه في الصحيحين عن ابن عمر، قال : تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج ، وأهدى، فساق معه الهدي من ذي الحليفة وبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهل بالعمرة ، ثم أهل بالحج وذكر الحديث . وثانيها: ما أخرجاه في الصحيحين أيضاً، عن عروة ، عن عائشة أخبرته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بمثل حديث ابن عمر سواء . وثالثها: ما روى مسلم في صحيحه ، من حديث قتيبة، عن الليث عن نافع ، عن ابن عمر، أنه قرن الحج الى العمرة، وطاف لهما طوافاً واحداً ، ثم قال : هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم . ورابعها: ما روى أبو داود، عن النفيلي ، حدثنا زهير هو ابن معاوية، حدثنا إسحاق عن مجاهد: سئل ابن عمر : كم اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال: مرتين . فقالت عائشة: لقد علم ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر ثلاثاً سوى التي قرن بحجته . ولم يناقض هذا قول ابن عمر. "إنه صلى الله عليه وسلم ، قرن بين الحج والعمرة"، لأنه أراد العمرة الكاملة المفردة، ولا ريب أنهما عمرتان : عمرة القضاء وعمرة الجعرانة ، وعائشة رضي الله عنها أرادت العمرتين المستقلتين ، وعمرة القرآن ، والتي صد عنها، ولا ريب أنها أربع . وخامسها: ما رواه سفيان الثوري ، عن جعفر بن محمد عن أبيه ، عن جابر بن عبدالله ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : حج ثلاث حجج : حجتين قبل أن يهاجر، وحجة بعد ما هاجر معها عمرة . رواه الترمذي وغيره . وسادسها: ما رواه ابو داود، عن النفيلي وقتيبة قالا: حدثنا داود بن عبد الرحمن العطار، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة، عن ابن عباس ، قال : اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع عمر: عمرة الحديبية، والثانية : حين تواطؤوا على عمرة من قابل ، والثالثة من الجعرانة، والرابعة التي قرن مع حجته . وسابعها: ما رواه البخاري في صحيحه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بوادي العقيق يقول : "أتاني الليلة آت من ربي عز وجل ، فقال : صل في هذا الوادي المبارك ، وقل : عمرة في حجة" . وثامنها: ما رواه أبو داود عن البراء بن عازب قال : كنت مع علي رضي الله عنه حين أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم على اليمن ، فأصبت معه أواقي من ذهب ، فلما قدم علي من اليمن على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : وجدت فاطمة رضي الله عنها قد لبست ثياباً صبيغات ، وقد نضحت البيت بنضوح ، فقالت : مالك ؟ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر أصحابه فأحلوا، قال : فقلت لها: إني أهللت بإهلال النبي صلى الله عليه وسلم قال : فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال لي : كيف صنعت ؟ قال : قلت : أهللت بإهلال النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : فإني قد سقت الهدي ، وقرنت وذكر الحديث . وتاسعها: ما رواه النسائي عن عمران بن يزيد الدمشقي ، حدثنا عيسى بن يونس ، حدثنا الأعمش ، عن مسلم البطين ، عن علي بن الحسين ، عن مروان بن الحكم قال : كنت جالساً عند عثمان ، فسمع علياً بن الحسين يلبي بعمرة وحجة ، فقال : ألم تكن تنهى عن هذا ؟ قال : بلى لكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبي بهما جميعاً، فلم أدع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لقولك . وعاشرها: ما رواه مسلم في صحيحه من حديث شعبة، عن حميد بن هلال قال : سمعت مطرفاً قال : قال عمران بن حصين : أحدثك حديثاً عسى الله أن ينفعك به : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين حجة وعمرة، ثم لم ينه عنه حتى مات ، ولم ينزل قرآن يحرمه . وحادي عشرها: ما رواه يحيى بن سعيد القطان ، وسفيان بن عيينة ، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه قال : إنما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الحج والعمرة، لأنه علم أنه لا يحج بعدها . وله طرق صحيحة إليهما . وثاني عشرها: ما رواه الإمام أحمد من حديث سراقة بن مالك قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة"، قال : وقرن النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع إسناده ثقات . وثالث عشرها : ما رواه الإمام أحمد، وابن ماجه من حديث أبي طلحة الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين الحج والعمرة ورواه الدارقطني ، وفيه الحجاج بن أرطاة . ورابع عشرها: ما رواه أحمد من حديث الهرماس بن زياد الباهلي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرن في حجة الوداع بين الحج والعمرة . وخامس عشرها: ما رواه البزار بإسناد صحيح أن ابن أبي أوفى قال : إنما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الحج والعمرة ، لأنه علم أنه لا يحج بعد عامه ذلك وقد قيل : إن يزيد بن عطاء أخطأ في إسناده ، وقال آخرون : لا سبيل إلى تخطئته بغير دليل . وسادس عشرها: ما رواه الإمام أحمد ، من حديث جابر بن عبد الله ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرن الحج والعمرة، فطاف لهما طوافاً واحداً . ورواه الترمذي ، وفيه الحجاج بن أرطاة، وحديثه لا ينزل عن درجة الحسن ما لم ينفرد بشيء ، أو يخالف الثقات . وسابع عشرها: ما رواه الإمام أحمد، من حديث أم سلمة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "أهلوا يا آل محمد بعمرة في حج " . وثامن عشرها : ما أخرجاه في الصحيحين واللفظ لمسلم ، عن حفصة قالت : قلت للنبي صلى الله عليه وسلم : ما شأن الناس حلوا ولم تحل أنت من عمرتك ؟ قال : "إني قلدت هديي ، ولبدت رأسي ، فلا أحل حتى أحل من الحج " وهذا يدل على أنه كان في عمرة معها حج ، فإنه لا يحل من العمرة حتى يحل من الحج ، وهذا على أصل مالك والشافعي ألزم ، لأن المعتمر عمرة مفردة لا يمنعه عندهما الهدي من التحلل ، وإنما يمنعه عمرة القران ، فالحديث أصلهما نص . وتاسع عشرها : ما رواه النسائي ، والترمذي ، عن محمد بن عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب ، أنه سمع سعد بن أبي وقاص ، والضحاك بن قيس عام حج معاوية بن أبي سفيان ، وهما يذكران التمتع بالعمرة إلى الحج ، فقال الضحاك : لا يصنع ذلك إلا من جهل أمر الله ، فقال سعد: بئس ما قلت يا ابن أخي . قال الضحاك : فإن عمر بن الخطاب نهى عن ذلك ، قال سعد: قد صنعها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وصنعناها معه ، قال الترمذي : حديث حسن صحيح . ====>>>يتبع |
جعلاني ذهبي
![]() ![]() ![]() ![]()
![]() غير متواجد
|
![]()
فصل في وصف حجة النبي صلى الله عليه وسلم
فصل ولما عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحج أعلم الناس أنه حاج ، فتجهزوا للخروج معه ، وسمع ذلك من حول المدينة، فقدموا يريدون الحج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ووافاه في الطريق خلائق لا يحصون ، فكانوا من بين يديه ، ومن خلفه ، وعن يمينه ، وعن شماله مد البصر، وخرج من المدينة نهاراً بعد الظهر لست بقين من ذي القعدة بعد أن صلى الظهر بها أربعاً، وخطبهم قبل ذلك خطبة علمهم فيها الإحرام وواجباته وسننه . وقال ابن حزم : وكان خروجه يوم الخميس ، قلت : والظاهر : أن خروجه كان يوم السبت ، واحتج ابن حزم على قوله بثلاث مقدمات . إحداها : أن خروجه كان لست بقين من ذي القعدة . والثانية : أن استهلال ذي الحجة كان يوم الخميس ، والثالثة : أن يوم عرفة كان يوم الجمعة، واحتج على أن خروجه كان لست بقين من ذي القعدة، بما روى البخاري من حديث ابن عباس ، انطلق النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة بعد ما ترجل وادهن ........ فذكر الحديث . وقال : وذلك لخمس بقين من ذي القعدة . قال ابن حزم : وقد نص ابن عمر على أن يوم عرفة، كان يوم الجمعة، وهو التاسع ، واستهلال ذي الحجة بلا شك ليلة الخميس ، فآخر ذي القعدة يوم الأربعاء، فإذا كان خروجه لست بقين من ذي القعدة، كان يوم الخميس ، إذ الباقي بعده ست ليال سواه . ووجه ما اخترناه ، أن الحديث صريح في أنه خرج لخمس بقين و هي يوم السبت ، والأحد ، والاثنين ، والثلاثاء ، والأربعاء ، فهذه خمس ، وعلى قوله : يكون خروجه لسبع بقين . فإن لم يعد يوم الخروج ، كان لست ، وأيهما كان فهو خلاف الحديث ، وإن اعتبر الليالي ، كان خروجه لست ليال بقين فلا يصح الجمع بين خروجه يوم الخميس ، وبين بقاء خمس من الشهر البتة، بخلاف ما إذا كان الخروج يوم السبت ، فإن الباقي بيوم الخروج خمس بلا شك، ويدل عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر لهم في خطبته على منبره شأن الإحرام ، وما يلبس المحرم بالمدينة، والظاهر: إن هذا كان يوم الجمعة، لأنه لم ينقل أنه جمعهم ، ونادى فيهم لحضور الخطبة، وقد شهد ابن عمر رضي الله عنهما هذه الخطبة بالمدينة على منبره . وكان من عادته صلى الله عليه وسلم أن يعلمهم في كل وقت ما يحتاجون إليه إذا حضر فعله ، فأولى الأوقات به الجمعة التي يليها خروجه ، والظاهر : أنه لم يكن ليدع الجمعة وبينه وبينها بعض يوم من غير ضرورة، وقد اجتمع إليه الخلق ، وهو أحرص الناس على تعليمهم الدين ، وقد حضر ذلك الجمع العظيم ، والجمع بينه وبين الحج ممكن بلا تفويت والله أعلم . ولما علم أبو محمد ابن حزم ، أن قول ابن عباس رضي الله عنه ، وعائشة رضي الله عنها: خرج لخمس بقين من ذي القعدة، لا يلتئم مع قوله أوله بأن قال : معناه أن اندفاعه من ذي الحليفة كان لخمس ، قال : وليس بين ذي الحليفة وبين المدينة إلا أربعة أميال فقط ، فلم تعد هذه المرحلة القريبة لقلتها ، وبهذا تأتلف جميع الأحاديث . قال : ولو كان خروجه من المدينة لخمس بقين لذي القعدة، لكان خروجه بلا شك يوم الجمعة، وهذا خطأ لأن الجمعة لا تصلى أربعاً ، وقد ذكر أنس ، أنهم صلوا الظهر معه بالمدينة أربعاً . قال : ويزيده وضوحاً، ثم ساق من طريق البخاري ، حديث كعب بن مالك : قلما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج في سفر إذا خرج : إلا يوم الخميس ، وفي لفظ آخر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحب أن يخرج يوم الخميس، فبطل خروجه يوم الجمعة لما ذكرنا عن أنس ، وبطل خروجه يوم السبت ، لأنه حينئذ يكون خارجاً من المدينة لأربع بقين من ذي القعدة، وهذا ما لم يقله أحد . قال : وأيضاً قد صح مبيته بذي الحليفة الليلة المستقبلة من يوم خروجه من المدينة، فكان يكون اندفاعه من ذي الحليفة يوم الأحد، يعني : لو كان خروجه يوم السبت ، وصح مبيته بذي طوى ليلة دخوله مكة، وصح عنه أنه دخلها صبح رابعة من ذي الحجة، فعلى هذا تكون مدة سفره مر المدينة إلى مكة سبعة أيام ، لأنه كان يكون خارجاً من المدينة لو كان ذلك لأربع بقين لذي القعدة، واستوى على مكة لثلاث خلون من ذي الحجة، وفي اسقبال الليلة الرابعة، فتلك سبع ليال لا مزيد، وهذا خطأ بإجماع ، وأمر لم يقله أحد ، فصح أن خروجه كان لست بقين من ذي القعدة، وائتلفت الروايات كلها، وانتفى التعارض عنها بحمد الله انتهى . قلت : في متآلفة متوافقة، والتعارض منتف عنها مع خروجه يوم السبت ، ويزول عنها الإستكراه الذي أولها عليه كما ذكرناه . وأما قول أبي محمد ابن حزم : لو كان خروجه من المدينة لخمس بقين من ذي القعدة، لكان خروجه يوم الجمعة إلى آخره فغير لازم ، بل يصح أن يخرج لخمس ، ويكون خروجه يوم السبت ، والذي غر أبا محمد أنه رأى الراوي قد حذف التاء من العدد ، وهي إنما تحذف من المؤنث ، ففهم لخمس ليال بقين ، وهذا إنما يكون اذا كان الخروج يوم الجمعة . فلو كان يوم السبت ، لكان لأربع ليال بقين ، وهذا بعينه ينقلب عليه ، فإنه لو كان خروجه يوم الخميس ، لم يكن لخمس ليال بقين ، وإنما يكون لست ليال بقين ، ولهذا اضطر إلى أن يؤول الخروح المقيد بالتاريخ المذكور بخمس على الاندفاع من ذي الحليفة، ولا ضرورة له إلى ذلك ، إذ من الممكن أن يكون شهر ذي القعدة كان ناقصاً ، فوقع الإخبار عن تاريخ الخروج بخمس بقين منه بناء على المعتاد من الشهر، وهذه عادة العرب والناس قي تواريخهم ، أن يؤرخوا بما بقي من الشهر بناء على كماله ، ثم يقع الإخبار عنه بعد انقضائه ، وظهور نقصه كذلك ، لئلا يختلف عليهم التاريخ ، فيصح أن يقول القائل : يوم الخامس والعشرين لخمس بقين ، ويكون الشهر تسعاً وعشرين ، وأيضاً فإن الباقي كان خمسة أيام بلا شك بيوم الخروج ، والعرب إذا اجتمعت الليالي والأيام في التاريخ ، غلبت لفظ الليالي لأنها أول الشهر ، وهي أسبق من اليوم ، فتذكر الليالي ، ومرادها الأيام فيصح أن تقال : لخمس بقين باعتبار الأيام ، ويذكر لفظ العدد بإعتبار فصح حينئذ أن يكون خروجه لخمس بقين ، ولا يكون يوم الجمعة . وأما حديث كعب ، فليس فيه أنه لم يكن يخرج قط إلا يوم الخميس ، وإنما فيه أن ذلك كان أكثر خروجه ، ولا ريب أنه لم يكن يتقيد في خروجه إلى الغزوات بيوم الخميس . وأما قوله : لو خرج يوم السبت ، لكان خارجاً لأربع ، فقد تبين أنه لا يلزم باعتبار الليالي ، ولا باعتبار الأيام . وأما قوله : إنه بات بذي الحليفة الليلة المستقبلة من يوم خروجه من المدينة إلى آخره ، فإنه يلزم من خروجه يوم السبت أن تكون مدة سفره سبعة أيام ، فهذا عجيب منه ، فإنه إذا خرج يوم السبت وقد بقي من الشهر خمسة أيام ، ودخل مكة لأربع مضين من ذي الحجة، فبين خروجه من المدينة ودخوله مكة تسعة أيام، وهذا غير مشكل بوجه من الوجوه ، فإن الطريق التي سلكها إلى مكة بين المدينة وبينها هذا المقدار، وسير العرب أسرع من سير الحضر بكثير، ولا سيما، مع عدم المحامل والكجاوات والزوامل الثقال . والله أعلم . عدنا إلى سياق حجه ، فصلى الظهر بالمدينة بالمسجد أربعاً، ثم ترجل وادهن ، ولبس إزاره ورداءه ، وخرج بين الظهر والعصر، فنزل بذي الحليفة ، فصلى بها العصر ركعتين ، ثم بات بها وصلى بها المغرب ، والعشاء والصبح ، والظهر، فصلى بها خمس صلوات ، وكان نساؤه كلهن معه ، وطاف عليهن تلك الليلة ، فلما أراد الإحرام ، اغتسل غسلاً ثانياً لإحرامه غير غسل الجماع الأول ، ولم يذكر ابن حزم أنه اغتسل غير الغسل الأول للجنابة ، وقد ترك بعض الناس ذكره ، فإما أن يكون تركه عمداً، لأنه لم يثبت عنده ، وإما أن يكون تركه سهواً منه ، وقد قال زيد بن ثابت : إنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم تجرد لإهلاله واغتسل . قال الترمذي : حديث حسن غريب . ===>>يتبع |
جعلاني ذهبي
![]() ![]() ![]() ![]()
![]() غير متواجد
|
![]()
فصل في وصف حجة النبي صلى الله عليه وسلم
فصل ولما عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحج أعلم الناس أنه حاج ، فتجهزوا للخروج معه ، وسمع ذلك من حول المدينة، فقدموا يريدون الحج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ووافاه في الطريق خلائق لا يحصون ، فكانوا من بين يديه ، ومن خلفه ، وعن يمينه ، وعن شماله مد البصر، وخرج من المدينة نهاراً بعد الظهر لست بقين من ذي القعدة بعد أن صلى الظهر بها أربعاً، وخطبهم قبل ذلك خطبة علمهم فيها الإحرام وواجباته وسننه . وقال ابن حزم : وكان خروجه يوم الخميس ، قلت : والظاهر : أن خروجه كان يوم السبت ، واحتج ابن حزم على قوله بثلاث مقدمات . إحداها : أن خروجه كان لست بقين من ذي القعدة . والثانية : أن استهلال ذي الحجة كان يوم الخميس ، والثالثة : أن يوم عرفة كان يوم الجمعة، واحتج على أن خروجه كان لست بقين من ذي القعدة، بما روى البخاري من حديث ابن عباس ، انطلق النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة بعد ما ترجل وادهن ........ فذكر الحديث . وقال : وذلك لخمس بقين من ذي القعدة . قال ابن حزم : وقد نص ابن عمر على أن يوم عرفة، كان يوم الجمعة، وهو التاسع ، واستهلال ذي الحجة بلا شك ليلة الخميس ، فآخر ذي القعدة يوم الأربعاء، فإذا كان خروجه لست بقين من ذي القعدة، كان يوم الخميس ، إذ الباقي بعده ست ليال سواه . ووجه ما اخترناه ، أن الحديث صريح في أنه خرج لخمس بقين و هي يوم السبت ، والأحد ، والاثنين ، والثلاثاء ، والأربعاء ، فهذه خمس ، وعلى قوله : يكون خروجه لسبع بقين . فإن لم يعد يوم الخروج ، كان لست ، وأيهما كان فهو خلاف الحديث ، وإن اعتبر الليالي ، كان خروجه لست ليال بقين فلا يصح الجمع بين خروجه يوم الخميس ، وبين بقاء خمس من الشهر البتة، بخلاف ما إذا كان الخروج يوم السبت ، فإن الباقي بيوم الخروج خمس بلا شك، ويدل عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر لهم في خطبته على منبره شأن الإحرام ، وما يلبس المحرم بالمدينة، والظاهر: إن هذا كان يوم الجمعة، لأنه لم ينقل أنه جمعهم ، ونادى فيهم لحضور الخطبة، وقد شهد ابن عمر رضي الله عنهما هذه الخطبة بالمدينة على منبره . وكان من عادته صلى الله عليه وسلم أن يعلمهم في كل وقت ما يحتاجون إليه إذا حضر فعله ، فأولى الأوقات به الجمعة التي يليها خروجه ، والظاهر : أنه لم يكن ليدع الجمعة وبينه وبينها بعض يوم من غير ضرورة، وقد اجتمع إليه الخلق ، وهو أحرص الناس على تعليمهم الدين ، وقد حضر ذلك الجمع العظيم ، والجمع بينه وبين الحج ممكن بلا تفويت والله أعلم . ولما علم أبو محمد ابن حزم ، أن قول ابن عباس رضي الله عنه ، وعائشة رضي الله عنها: خرج لخمس بقين من ذي القعدة، لا يلتئم مع قوله أوله بأن قال : معناه أن اندفاعه من ذي الحليفة كان لخمس ، قال : وليس بين ذي الحليفة وبين المدينة إلا أربعة أميال فقط ، فلم تعد هذه المرحلة القريبة لقلتها ، وبهذا تأتلف جميع الأحاديث . قال : ولو كان خروجه من المدينة لخمس بقين لذي القعدة، لكان خروجه بلا شك يوم الجمعة، وهذا خطأ لأن الجمعة لا تصلى أربعاً ، وقد ذكر أنس ، أنهم صلوا الظهر معه بالمدينة أربعاً . قال : ويزيده وضوحاً، ثم ساق من طريق البخاري ، حديث كعب بن مالك : قلما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج في سفر إذا خرج : إلا يوم الخميس ، وفي لفظ آخر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحب أن يخرج يوم الخميس، فبطل خروجه يوم الجمعة لما ذكرنا عن أنس ، وبطل خروجه يوم السبت ، لأنه حينئذ يكون خارجاً من المدينة لأربع بقين من ذي القعدة، وهذا ما لم يقله أحد . قال : وأيضاً قد صح مبيته بذي الحليفة الليلة المستقبلة من يوم خروجه من المدينة، فكان يكون اندفاعه من ذي الحليفة يوم الأحد، يعني : لو كان خروجه يوم السبت ، وصح مبيته بذي طوى ليلة دخوله مكة، وصح عنه أنه دخلها صبح رابعة من ذي الحجة، فعلى هذا تكون مدة سفره مر المدينة إلى مكة سبعة أيام ، لأنه كان يكون خارجاً من المدينة لو كان ذلك لأربع بقين لذي القعدة، واستوى على مكة لثلاث خلون من ذي الحجة، وفي اسقبال الليلة الرابعة، فتلك سبع ليال لا مزيد، وهذا خطأ بإجماع ، وأمر لم يقله أحد ، فصح أن خروجه كان لست بقين من ذي القعدة، وائتلفت الروايات كلها، وانتفى التعارض عنها بحمد الله انتهى . قلت : في متآلفة متوافقة، والتعارض منتف عنها مع خروجه يوم السبت ، ويزول عنها الإستكراه الذي أولها عليه كما ذكرناه . وأما قول أبي محمد ابن حزم : لو كان خروجه من المدينة لخمس بقين من ذي القعدة، لكان خروجه يوم الجمعة إلى آخره فغير لازم ، بل يصح أن يخرج لخمس ، ويكون خروجه يوم السبت ، والذي غر أبا محمد أنه رأى الراوي قد حذف التاء من العدد ، وهي إنما تحذف من المؤنث ، ففهم لخمس ليال بقين ، وهذا إنما يكون اذا كان الخروج يوم الجمعة . فلو كان يوم السبت ، لكان لأربع ليال بقين ، وهذا بعينه ينقلب عليه ، فإنه لو كان خروجه يوم الخميس ، لم يكن لخمس ليال بقين ، وإنما يكون لست ليال بقين ، ولهذا اضطر إلى أن يؤول الخروح المقيد بالتاريخ المذكور بخمس على الاندفاع من ذي الحليفة، ولا ضرورة له إلى ذلك ، إذ من الممكن أن يكون شهر ذي القعدة كان ناقصاً ، فوقع الإخبار عن تاريخ الخروج بخمس بقين منه بناء على المعتاد من الشهر، وهذه عادة العرب والناس قي تواريخهم ، أن يؤرخوا بما بقي من الشهر بناء على كماله ، ثم يقع الإخبار عنه بعد انقضائه ، وظهور نقصه كذلك ، لئلا يختلف عليهم التاريخ ، فيصح أن يقول القائل : يوم الخامس والعشرين لخمس بقين ، ويكون الشهر تسعاً وعشرين ، وأيضاً فإن الباقي كان خمسة أيام بلا شك بيوم الخروج ، والعرب إذا اجتمعت الليالي والأيام في التاريخ ، غلبت لفظ الليالي لأنها أول الشهر ، وهي أسبق من اليوم ، فتذكر الليالي ، ومرادها الأيام فيصح أن تقال : لخمس بقين باعتبار الأيام ، ويذكر لفظ العدد بإعتبار فصح حينئذ أن يكون خروجه لخمس بقين ، ولا يكون يوم الجمعة . وأما حديث كعب ، فليس فيه أنه لم يكن يخرج قط إلا يوم الخميس ، وإنما فيه أن ذلك كان أكثر خروجه ، ولا ريب أنه لم يكن يتقيد في خروجه إلى الغزوات بيوم الخميس . وأما قوله : لو خرج يوم السبت ، لكان خارجاً لأربع ، فقد تبين أنه لا يلزم باعتبار الليالي ، ولا باعتبار الأيام . وأما قوله : إنه بات بذي الحليفة الليلة المستقبلة من يوم خروجه من المدينة إلى آخره ، فإنه يلزم من خروجه يوم السبت أن تكون مدة سفره سبعة أيام ، فهذا عجيب منه ، فإنه إذا خرج يوم السبت وقد بقي من الشهر خمسة أيام ، ودخل مكة لأربع مضين من ذي الحجة، فبين خروجه من المدينة ودخوله مكة تسعة أيام، وهذا غير مشكل بوجه من الوجوه ، فإن الطريق التي سلكها إلى مكة بين المدينة وبينها هذا المقدار، وسير العرب أسرع من سير الحضر بكثير، ولا سيما، مع عدم المحامل والكجاوات والزوامل الثقال . والله أعلم . عدنا إلى سياق حجه ، فصلى الظهر بالمدينة بالمسجد أربعاً، ثم ترجل وادهن ، ولبس إزاره ورداءه ، وخرج بين الظهر والعصر، فنزل بذي الحليفة ، فصلى بها العصر ركعتين ، ثم بات بها وصلى بها المغرب ، والعشاء والصبح ، والظهر، فصلى بها خمس صلوات ، وكان نساؤه كلهن معه ، وطاف عليهن تلك الليلة ، فلما أراد الإحرام ، اغتسل غسلاً ثانياً لإحرامه غير غسل الجماع الأول ، ولم يذكر ابن حزم أنه اغتسل غير الغسل الأول للجنابة ، وقد ترك بعض الناس ذكره ، فإما أن يكون تركه عمداً، لأنه لم يثبت عنده ، وإما أن يكون تركه سهواً منه ، وقد قال زيد بن ثابت : إنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم تجرد لإهلاله واغتسل . قال الترمذي : حديث حسن غريب . ===>>يتبع |
جعلاني ذهبي
![]() ![]() ![]() ![]()
![]() غير متواجد
|
![]()
وذكر الدارقطني ، عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يحرم ، غسل رأسه بخطمي وأشنان . ثم طيبته عائشة بيدها بذريرة وطيب فيه مسك في بدنه ورأسه ، حتى كان وبيص المسك يرى في مفارقه ولحيته ، ثم استدامه ولم يغسله ، ثم لبس إزاره ورداءه ، ثم صلى الظهر ركعتين ، ثم أهل بالحج والعمرة في مصلاه ، ولم ينقل عنه أنه صلى للإحرام ركعتين غير فرض الظهر .
وقلد قبل الإحرام بدنه نعلين ، وأشعرها في جانبها الأيمن ، فشق صفحة سنامها ، وسلت الدم عنها . وإنما قلنا: إنه أحرم قارنا ببضعة وعشرين حديثاً صحيحة صريحة في ذلك . أحدها : ما أخرجاه في الصحيحين عن ابن عمر، قال : تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج ، وأهدى، فساق معه الهدي من ذي الحليفة وبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهل بالعمرة ، ثم أهل بالحج وذكر الحديث . وثانيها: ما أخرجاه في الصحيحين أيضاً، عن عروة ، عن عائشة أخبرته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بمثل حديث ابن عمر سواء . وثالثها: ما روى مسلم في صحيحه ، من حديث قتيبة، عن الليث عن نافع ، عن ابن عمر، أنه قرن الحج الى العمرة، وطاف لهما طوافاً واحداً ، ثم قال : هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم . ورابعها: ما روى أبو داود، عن النفيلي ، حدثنا زهير هو ابن معاوية، حدثنا إسحاق عن مجاهد: سئل ابن عمر : كم اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال: مرتين . فقالت عائشة: لقد علم ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر ثلاثاً سوى التي قرن بحجته . ولم يناقض هذا قول ابن عمر. "إنه صلى الله عليه وسلم ، قرن بين الحج والعمرة"، لأنه أراد العمرة الكاملة المفردة، ولا ريب أنهما عمرتان : عمرة القضاء وعمرة الجعرانة ، وعائشة رضي الله عنها أرادت العمرتين المستقلتين ، وعمرة القرآن ، والتي صد عنها، ولا ريب أنها أربع . وخامسها: ما رواه سفيان الثوري ، عن جعفر بن محمد عن أبيه ، عن جابر بن عبدالله ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : حج ثلاث حجج : حجتين قبل أن يهاجر، وحجة بعد ما هاجر معها عمرة . رواه الترمذي وغيره . وسادسها: ما رواه ابو داود، عن النفيلي وقتيبة قالا: حدثنا داود بن عبد الرحمن العطار، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة، عن ابن عباس ، قال : اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع عمر: عمرة الحديبية، والثانية : حين تواطؤوا على عمرة من قابل ، والثالثة من الجعرانة، والرابعة التي قرن مع حجته . وسابعها: ما رواه البخاري في صحيحه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بوادي العقيق يقول : "أتاني الليلة آت من ربي عز وجل ، فقال : صل في هذا الوادي المبارك ، وقل : عمرة في حجة" . وثامنها: ما رواه أبو داود عن البراء بن عازب قال : كنت مع علي رضي الله عنه حين أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم على اليمن ، فأصبت معه أواقي من ذهب ، فلما قدم علي من اليمن على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : وجدت فاطمة رضي الله عنها قد لبست ثياباً صبيغات ، وقد نضحت البيت بنضوح ، فقالت : مالك ؟ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر أصحابه فأحلوا، قال : فقلت لها: إني أهللت بإهلال النبي صلى الله عليه وسلم قال : فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال لي : كيف صنعت ؟ قال : قلت : أهللت بإهلال النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : فإني قد سقت الهدي ، وقرنت وذكر الحديث . وتاسعها: ما رواه النسائي عن عمران بن يزيد الدمشقي ، حدثنا عيسى بن يونس ، حدثنا الأعمش ، عن مسلم البطين ، عن علي بن الحسين ، عن مروان بن الحكم قال : كنت جالساً عند عثمان ، فسمع علياً بن الحسين يلبي بعمرة وحجة ، فقال : ألم تكن تنهى عن هذا ؟ قال : بلى لكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبي بهما جميعاً، فلم أدع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لقولك . وعاشرها: ما رواه مسلم في صحيحه من حديث شعبة، عن حميد بن هلال قال : سمعت مطرفاً قال : قال عمران بن حصين : أحدثك حديثاً عسى الله أن ينفعك به : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين حجة وعمرة، ثم لم ينه عنه حتى مات ، ولم ينزل قرآن يحرمه . وحادي عشرها: ما رواه يحيى بن سعيد القطان ، وسفيان بن عيينة ، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه قال : إنما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الحج والعمرة، لأنه علم أنه لا يحج بعدها . وله طرق صحيحة إليهما . وثاني عشرها: ما رواه الإمام أحمد من حديث سراقة بن مالك قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة"، قال : وقرن النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع إسناده ثقات . وثالث عشرها : ما رواه الإمام أحمد، وابن ماجه من حديث أبي طلحة الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين الحج والعمرة ورواه الدارقطني ، وفيه الحجاج بن أرطاة . ورابع عشرها: ما رواه أحمد من حديث الهرماس بن زياد الباهلي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرن في حجة الوداع بين الحج والعمرة . وخامس عشرها: ما رواه البزار بإسناد صحيح أن ابن أبي أوفى قال : إنما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الحج والعمرة ، لأنه علم أنه لا يحج بعد عامه ذلك وقد قيل : إن يزيد بن عطاء أخطأ في إسناده ، وقال آخرون : لا سبيل إلى تخطئته بغير دليل . وسادس عشرها: ما رواه الإمام أحمد ، من حديث جابر بن عبد الله ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرن الحج والعمرة، فطاف لهما طوافاً واحداً . ورواه الترمذي ، وفيه الحجاج بن أرطاة، وحديثه لا ينزل عن درجة الحسن ما لم ينفرد بشيء ، أو يخالف الثقات . وسابع عشرها: ما رواه الإمام أحمد، من حديث أم سلمة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "أهلوا يا آل محمد بعمرة في حج " . وثامن عشرها : ما أخرجاه في الصحيحين واللفظ لمسلم ، عن حفصة قالت : قلت للنبي صلى الله عليه وسلم : ما شأن الناس حلوا ولم تحل أنت من عمرتك ؟ قال : "إني قلدت هديي ، ولبدت رأسي ، فلا أحل حتى أحل من الحج " وهذا يدل على أنه كان في عمرة معها حج ، فإنه لا يحل من العمرة حتى يحل من الحج ، وهذا على أصل مالك والشافعي ألزم ، لأن المعتمر عمرة مفردة لا يمنعه عندهما الهدي من التحلل ، وإنما يمنعه عمرة القران ، فالحديث أصلهما نص . وتاسع عشرها : ما رواه النسائي ، والترمذي ، عن محمد بن عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب ، أنه سمع سعد بن أبي وقاص ، والضحاك بن قيس عام حج معاوية بن أبي سفيان ، وهما يذكران التمتع بالعمرة إلى الحج ، فقال الضحاك : لا يصنع ذلك إلا من جهل أمر الله ، فقال سعد: بئس ما قلت يا ابن أخي . قال الضحاك : فإن عمر بن الخطاب نهى عن ذلك ، قال سعد: قد صنعها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وصنعناها معه ، قال الترمذي : حديث حسن صحيح . ==>>يتبع |
جعلاني ذهبي
![]() ![]() ![]() ![]()
![]() غير متواجد
|
![]()
ومراده بالتمتع هنا بالعمرة إلى الحج : أحد نوعيه ، وهو تمتع القرآن ، فإنه لغة القرآن ، والصحابة الذين شهدوا التنزيل والتأويل شهدوا بذلك ، ولهذا قال ابن عمر: تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرة إلى الحج ، فبدأ فأهل بالعمرة، ثم أهل بالحج ، وكذلك قالت عائشة، وأيضاً : فإن الذي صنعه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، هو متعة القرآن بلا شك ، كما قطع به أحمد، ويدل على ذلك أن عمران بن حصين قال : تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتمتعنا معه . متفق عليه . وهو الذي قال لمطرف : أحدثك حديثا عسى الله أن ينفعك به ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، جمع بين حج وعمرة، ثم لم ينه عنه حتى مات . وهو في صحيح مسلم فأخبر عن قرانه بقوله : تمتع ، وبقوله : جمع بين حج وعمرة .
ويدل عليه أيضاً، ما ثبت في الصحيحين عن سعيد بن المسيب قال : اجتمع علي وعثمان بعسفان ، فقال : كان عثمان ينهى عن المتعة أو العمرة، فقال علي : ما تريد إلى أمر فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم تنهى عنه ؟ قال عثمان : دعنا منك ، فقال : إني لا أستطيع أن أدعك ، فلما أن رأى علي ذلك ، أهل بهما جميعاً . هذا لفظ مسلم ، ولفظ البخاري : اختلف علي وعثمان بعسفان في المتعة ، فقال علي : ما تريد إلا أن تنهى عن أمر فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما رأى ذلك علي ، أهل بهما جميعاً . وأخرج البخاري وحده من حديث مروان بن الحكم قال : شهدت عثمان وعلياً ، وعثمان ينهى عن المتعة ، وأن يجمع بينهما ، فلما رأى علي ذلك ، أهل بهما: لبيك بعمرة وحجة ، وقال : ما كنت لأدع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لقول أحد . فهذا يبين ، أن من جمع بينهما، كان متمتعاً عندهم ، وأن هذا هو الذي فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد وافقه عثمان على أن رسول الله فعل ذلك لما قال له : ما تريد إلى أمر فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ، تنهى عنه ، لم يقل له : لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولولا أنه وافقه على ذلك ، لأنكره ، ثم قصد علي إلى موافقة النبي صلى الله عليه وسلم والاقتداء به في ذلك ، وبيان أن فعله لم ينسخ ، وأهل بهما جميعاً تقريراً للإقتداء به ومتابعته في القرآن ، وإظهاراً لسنة نهى عنها عثمان متأولاً، وحينئذ فهذا دليل مستقل تمام العشرين . الحادي والعشرون : ما رواه مالك في الموطأ ، عن ابن شهاب عن عروة، عن عائشة أنها قالت : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، في عام حجة فأهللنا بعمرة، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من كان معه هدي ، فليهلل بالحج مع العمرة، ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعاً" . ومعلوم : أنه كان معه الهدي ، فهو أولى من بادر إلى ما أمر به، وقد دل عليه سائر الأحاديث التي ذكرناها ونذكرها . وقد ذهب جماعة من السلف والخلف إلى إيجاب القرآن على من ساق الهدي ، والتمتع بالعمرة المفردة على من لم يسق الهدي ، منهم : عبد الله بن عباس وجماعة، فعندهم لا يجوز العدول عما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأصحابه ، فإنه قرن وساق الهدي ، وأمر كل من لا هدي معه بالفسخ إلى عمرة مفردة، فالواجب : أن نفعل كما فعل ، أو كما أمر، وهذا القول أصح من القول من حرم فسخ الحج إلى العمرة من وجوه كثيرة، سنذكرها إن شاء الله تعالى . الثاني والعشرون : ما أخرجاه في الصحيحين ، عن أبي قلابة ،عن أنس بن مالك . قال : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن معه بالمدينة الظهر أربعاً ، والعصر بذي الحليفة ركعتين ، فبات بها حتى أصبح ، ثم ركب حتى استوت به راحلته على البيداء، حمد الله وسبح أو كبر، ثم أهل بحج وعمرة، وأهل الناس بهما، فلما قدمنا، أمر الناس ، فحلوا، حتى إذا كان يوم التروية أهلوا بالحج . وفي الصحيحين أيضاً: عن بكر بن عبد الله المزني ، عن أنس قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبي بالحج والعمرة جميعاً، قال بكر: فحدثت بذلك ابن عمر، فقال : لبى بالحج وحده ، فلقيت أنساً ، فحدثته بقول ابن عمر، فقال أنس : ما تعدوتنا إلا صبياناً سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم . يقول : "لبيك عمرة وحجاً" . وبين أنس وابن عمر في السن سنة، أو سنة وشيء . وفي صحيح مسلم ، عن يحيى بن أبي إسحاق وعبد العزيز بن صيب، وحميد، أنهم سمعوا أنساً قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل بهما "لبيك عمرة وحجاً" . وروى أبو يوسف القاضي ، عن يحيى بن سعيد الأنصاري ، عن أنس قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : "لبيك بحج وعمرة معاً". وروى النسائي من حديث أبي أسماء، عن أنس قال : "سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ، يلبي بهما" . وروي أيضاً من حديث الحسن البصري عن أنس "أن النبي صلى الله عليه وسلم أهل بالحج والعمرة حين صلى الظهر". وروى البزار، من حديث زيد بن أسلم مولى عمر بن الخطاب أنس ، أن النبي صلى الله عليه وسلم ، أهل بحج وعمرة. ومن حديث سليمان التيمي عن أنس كذلك ، وعن أبي قدامة عن أنس مثله . وذكر وكيع : حدثنا مصعب بن قال : سمعت أنساً مثله ، قال : وحدثنا ابن أبي ليلى، عن ثابت البناني ، عن أنس مثله ، وذكر الخشني : حدثنا محمد بن بشار، حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة، عن أبي قزعة، عن أنس مثله . وفي صحيح البخاري ، عن قتادة، عن أنس، اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع عمر، فذكرها وقال : وعمرة مع حجته وقد تقدم . وذكر عبد الرزاق : حدثنا معمر، عن أيوب ، عن أبي قلابة وحميد بن هلال ، عن أنس مثله ، فهؤلاء ستة عشرنفساً من الثقات ، كلهم متفقون عن أنس ، أن لفظ النبي صلى الله عليه وسلم كان إهلالاً بحج وعمرة معاً، وهم الحسن البصري وأبو قلابة، وحميد بن هلال ، وحميد بن عبد الرحمن الطويل ، وقتادة : ويحيى بن سعيد الأنصاري ، وثابت البناني ، وبكر بن عبد الله المزني وعبد العزيز بن صهيب ، وسليمان التيمي ، ويحيى بن أبي إسحاق ، وزيد بن أسلم ، ومصعب بن سليم ، وأبو أسماء، وأبو قدامة عاصم بن حسين ، قزعة وهو سويد بن حجر الباهلي . فهذه أخبار أنس عن لفظ إهلاله صلى الله عليه وسلم الذي سمعه منه ، وهذا علي والبراء يخبران عن إخباره صلى الله عليه وسلم عن نفسه بالقران ، وهذا علي أيضاً ، يخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعله ، وهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، يخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أن ربه أمره بأن يفعله ، وعلمه اللفظ الذي يقوله عند الإحرام ، وهذا علي أيضاً يخبر، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبي بهما جميعاً، وهؤلاء بقية من ذكرنا يخبرون عنه ، بأنه فعله ، وهذا هو صلى الله عليه وسلم يأمر به آله ، ويأمر به من ساق الهدي . وهؤلاء الذين رووا القرآن بغاية البيان : عائشة أم المومنين ، وعبد الله بن عمر، وجابر بن عبد لله ، وعبد الله بن عباس ، وعمر بن الخطاب ، وعلي بن أبي طالب ، وعثمان بن عفان بإقراره لعلي ، وتقرير علي له ، وعمران بن الحصين ، والبراء بن عازب ، وحفصة أم المؤمنين ، وأبو قتادة، وابن أبي أوفى، وأبو طلحة، والهرماس بن زياد، وأم سلمة، وأنس بن مالك ، وسعيد بن أبي وقاص ، فهؤلاء هم سبعة عشر صحابياً رضي الله عنهم ، منهم من روى فعله ، ومنهم من روى لفظ إحرامه ، ومنهم من روى خبره عن نفسه ، ومنهم من روى أمره به . فإن قيل : كيف تجعلون منهم ابن عمر، وجابراً، وعائشة، وابن عباس ؟ وهذه عائشة تقول : أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بالحج وفي لفظ : أفرد الحج ، والأول في الصحيحين ، والثاني في مسلم وله لفظان ، هذا أحدهما والثاني : أهل بالحج مفرداً ، وهذا ابن عمر يقول : لبى بالحج وحده . ذكره البخاري ، وهذا ابن عباس يقول : وأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج رواه مسلم ، وهذا جابر يقول : أفرد الحج ، رواه ابن ماجه . قيل : إن كانت الأحاديث عن هؤلاء تعارضت وتساقطت ، فإن أحاديث الباقين لم تتعارض ، فهب أن أحاديث من ذكرتم لا حجة فيها على القرآن، ولا على الإفراد لتعارضها، فما الموجب للعدول عن أحاديث الباقين مع صراحتها وصحتها ؟ فكيف وأحاديثهم يصدق بعضها بعضاً ولا تعارض بينهما، وإنما ظن من ظن التعارض لعدم إحاطته بمراد الصحابة من ألفاظهم ، وحملها على الاصطلاح الحادث بعدهم . ورأيت لشيخ الإسلام فصلاً حسناً في اتفاق أحاديثهم نسوقه بلفظه ، قال : والصواب أن الأحاديث في هذا الباب متفقة ليست بمختلفة إلا اختلافاً يسيراً يقع مثله في غير ذلك ، فإن الصحابة ثبت عندهم أنه تمتع ، والتمتع عندهم يتناول القرآن ، والذين روي عنهم أنه أفرد، روي عنهم أنه تمتع ، والتمتع الأول : ففي الصحيحين عن سعيد بن المسيب قال : اجتمع علي وعثمان ، وكان عثمان ينهى عن المتعة أو العمرة، فقال علي رضي الله عنه ما تريد إلى أمر فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم تنهى عنه ؟ فقال عثمان : دعنا منك . فقال : إني لا أستطيع أن أدعك . فلما رأى علي رضي الله عنه ذلك ، أهل بهما جميعاً . فهذا يبين أن من جمع بينهما كان متمتعاً عندهم ، وأن هذا هو الذي فعله النبي صلى الله عليه وسلم ، ووافقه عثمان على أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك ، لكن النزاع بينهما، هل ذلك الأفضل في حقنا أم لا ؟ وهل شرع فسخ الحج إلى العمرة في حقنا كما تنازع فيه الفقهاء؟ فقد اتفق علي وعثمان ، على أنه لم ينه عنه والمراد بالتمتع عندهم ، القرآن . وفي الصحيحين عن مطرف قال عمران بن حصين : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، جمع بين حج وعمرة، ثم إنه لم ينه عنه حتى مات ، ولم ينزل فيه قرآن يحرمه . وفي رواية عنه : تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم وتمتعنا معه . فهذا عمران وهو من أجل السابقين الأولين ، أخبر أنه تمتع ، وأنه جمع بين الحج والعمرة، والقارن عند الصحابة متمتع ، ولهذا أوجبوا عليه الهدي ، ودخل في قوله تعالى : " فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي " [البقرة : 196]، وذكر حديث عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم : " أتاني آت من ربي فقال: صل في هذا الوادي المبارك وقل : عمرة في حجة" . قال : فهؤلاء الخلفاء الراشدون ، عمر، وعثمان ، وعلي ، وعمران بن حصين ، روي عنهم بأصح الأسانيد، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قرن بين العمرة والحج ، وكانوا يسمون ذلك تمتعاً، وهذا أنس يذكر أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يلبي بالحج والعمرة جميعاً . وما ذكره بكر بن عبد الله المزني ، عن ابن عمر، أنه لبى بالحج وحده ، فجوابه أن الثقات الذين هم أثبت في ابن عمر من بكر مثل سالم ابنه ، ونافع رووا عنه أنه قال : تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرة إلى الحج ، وهؤلاء أثبت في ابن عمر من بكر. فتغليط بكر عن ابن عمر أولى من تغليط سالم ونافع عنه ، وأولى من تغليطه هو على النبي صلى الله عليه وسلم ، ويشبه أن ابن عمر قال له : أفرد الحج ، فظن أنه قال : لبى بالحج ، فإن إفراد الحج ، كانوا يطلقونه ويريدون به إفراد أعمال الحج ، وذلك رد منهم على من قال : إنه قرن قراناً طاف فيه طوافين ، وسعى فيه سعيين ، وعلى من يقول : إنه حل من إحرامه ، فرواية من روى من الصحابة أنه أفرد الحج ، ترد على هؤلاء، يبين هذا ما رواه مسلم في صحيحه عن نافع ، عن ابن عمر، قال : أهللنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج مفرداً، وفي رواية : أهل بالحج مفرداً . فهذه الرواية إذا قيل : إن مقصودها أن النبي صلى الله عليه وسلم أفرد بالحج، مفرداً قيل: فقد ثبت بإسناد أصح من ذلك ، عن ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم ، تمتع بالعمرة إلى الحج ، وأنه بدأ، فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج ، وهذا من رواية الزهري، عن سالم ، عن ابن عمر. وما عارض هذا عن ابن عمر، إما أن يكون غلطاً عليه ، وإما أن يكون مقصوده موافقاً له ، وإما أن يكون ابن عمر لما علم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحل ، ظن أنه أفرد كما وهم في قوله : أنه اعتمر في رجب ، وكان ذلك نسياناً منه ، والنبي صلى الله عليه وسلم لما لم يحل من إحرامه ، وكان هذا حال المفرد ظن أنه أفرد، ثم ساق حديث الزهري عن سالم ، عن أبيه ، تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث . وقول الزهري : وحدثني عروة، عن عائشة بمثل حديث سالم عن أبيه قال : وهو من أصح حديث على وجه الأرض ، وهو من حديث الزهري أعلم أهل زمانه بالسنة، عن سالم ، عن أبيه ، وهو من حديث ابن عمر وعائشة. وقد ثبت عن عائشة رضي الله عنها في الصحيحين : أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عمر، الرابعة مع حجته . ولم يعتمر بعد الحج باتفاق العلماء فيتعين أن يكون متمتعاً تمتع قران ، أو التمتع الخاص . وقد صح عن ابن عمر، أنه قرن بين الحج والعمرة، وقال : هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، رواه البخاري في الصحيح . قال : وأما الذين نقل عنهم إفراد الحج ، فهم ثلاثة : عائشة، وابن عمر ، وجابر، والثلاثة نقل عنهم التمتع ، وحديث عائشة وابن عمر: أنه تمتع بالعمرة إلى الحج أصح من حديثهما، وما صح في ذلك عنهما، فمعناه إفراد أعمال الحج ، أو أن يكون وقع منه غلط كنظائره ، فإن أحاديث التمتع متواترة رواها أكابر الصحابة ، كعمر، وعثمان ، وعلي ، وعمران بن حصين ، ورواها أيضاً: عائشة، وابن عمر، وجابر، بل رواها عن النبي صلى الله عليه وسلم بضعة عشر من الصحابة . قلت : وقد اتفق ، وعائشة، وابن عمر، وابن عباس ، على أن النبي صلى الله عليه وسلم : اعتمر أربع عمر، وإنما وهم ابن عمر في كون إحداهن في رجب ، وكلهم قالوا. وعمرة مع حجته ، وهم سوى ابن عباس . قالوا: إنه أفرد الحج ، وهم سوى أنس ، قالوا : تمتع . فقالوا : هذا، وهذا، وهذا، ولا تناقض بين أقوالهم ، فإنه تمتع تمتع قرآن ، وأفرد أعمال الحج ، وقرن بين النسكين ، وكان قارناً باعتبار جمعه بين النسكين ، ومفرداً باعتبار اقتصاره على أحد الطوافين والسعيين ، ومتمتعاً ترفهه بترك أحد السفرين . ومن تأمل ألفاظ الصحابة، وجمع الأحاديث بعضها إلى بعض ، واعتبر بعضها ببعض ، وفهم لغة الصحابة، أسفر له صبح الصواب ، وانقشعت عنه ظلمة الاختلاف والاضطراب ، والله الهادي لسبيل الرشاد، والموفق لطريق السداد . فمن قال : أنه أفرد الحج وأراد به أنه أتى بالحج مفرداً ، ثم فرغ منه ، وأتى بالعمرة بعده من التنعيم أو غيره ، كما يظن كثير من الناس ، فهذا غلط لم يقله أحد من الصحابة ولا التابعين ، ولا الأئمة الأربعة، ولا أحد من أئمة الحديث . وإن أراد به أنه حج حجاً مفرداً، لم يعتمر معه كما قاله طائفة من السلف والخلف ، فوهم أيضاً ، والأحاديث الصحيحة الصريحة ترده كما تبين ، وإن أراد به أنه اقتصر على أعمال الحج وحده ولم يفرد للعمرة أعمالاً ، فقد أصاب ، وعلى قوله تدل جميع الأحاديث . ومن قال : إنه قرن ، فإن أراد به أنه طاف للحج طوافاً على حدة، وللعمرة طوافاً على حدة، وسعى للحج سعياً، وللعمرة سعياً، فالأحاديث الثابتة ترد قوله . وإن أراد أنه قرن بين النسكين ، وطاف لهما طوافاً واحداً، وسعى لهما سعياً واحداً، فالأحاديث الصحيحة تشهد لقوله ، وقوله هو الصواب . ومن قال : إنه تمتع ، فإن أراد أنه تمتع تمتعاً حل منه ، ثم أحرم بالحج إحراماً مستأنفاً، فالأحاديث ترد قوله وهو غلط ، وإن أراد أنه تمتع تمتعاً لم يحل منه ، بل بقي على إحرامه لأجل سوق الهدي ، فالأحاديث الكثيرة ترد قوله أيضاً، وهو أقل غلطاً ، وإن أراد تمتع القرآن ، فهو الصواب الذي عليه جميع الأحاديث الثابتة، ويأتلف به شملها، ويزول عنها الإشكال والاختلاف . |
انواع عرض الموضوع |
![]() |
![]() |
![]() |
|
|