منتديات جعلان > جعلان للتربية والتعليم والموسوعات > جعلان للتربية والتعليم | ||
((( زاد المعاد ))) الأجزاء 1.2.3.4.5 |
الملاحظات |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
جعلاني ذهبي
![]() ![]() ![]() ![]()
![]() غير متواجد
|
![]()
فصل والذي صح عنه صلى الله عليه وسلم : أن الذي يفطر به الصائم : الأكل ، والشرب والحجامة والقيء : والقرآن دال على أن الجماع مفطر كالأكل والشرب ، لا يعرف فيه خلاف ولا يصح عنه في الكحل شيء .
وصح عنه أنه كان يستاك وهو صائم . وذكر الإمام أحمد عنه ، أنه كان يصب الماء على رأسه وهو صائم . وكان يتمضمض، ويستنشق وهو صائم ، ومنع الصائم من المبالغة في الإستنشاق . ولا يصح عنه أنه احتجم وهو صائم، قال الإمام أحمد : وقد رواه البخاري في صحيحه قال أحمد: حدثنا يحيى بن سعيد قال : لم يسمع الحكم حديث مقسم في الحجامة في الصيام ، يعني حديث سعيد، عن الحكم ، عن مقسم ، عن ابن عباس ، "أن النبي صلى الله عليه وسلم، احتجم وهو صائم محرم ". قال مهنا: وسألت أحمد عن حديث حبيب بن الشهيد، عن ميمون بن مهران ، عن ابن عباس ، أن النبي صلى الله عليه وسلم ، احتجم وهو صائم محرم . فقال : ليس بصحيح ، قد أنكره يحيى بن سعيد الأنصاري ، إنما كانت أحاديث ميمون بن مهران عن ابن عباس نحو خمسة عشر حديثاً . وقال الأثرم : سمعت أبا عبد الله ذكر هذا الحديث ، فضعفه ، وقال مهنا : سألت أحمد عن حديث قبيصة، عن سفيان ، عن حماد، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس : احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم صائماً محرماً . فقال : هو خطأ من قبل قبيصة، وسألت يحيى عن قبيصة بن عقبة، فقال : رجل صدق ، والحديث الذي يحدث به عن سفيان ، عن سعيد بن جبير، خطأ من قبله . قال أحمد: في كتاب الأشجعي عن سعيد بن جبير مرسلاً أن النبي صلى الله عليه وسلم ، احتجم وهو محرم ، ولا يذكر فيه صائماً . قال مهنا : وسألت أحمد عن حديث ابن عباس ، "أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم محرم "؟ فقال : ليس فيه "صائم " إنما هو محرم ذكره سفيان ، عن عمرو بن دينار، عن طاووس ، عن ابن عباس ، احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأسه وهو محرم . ورواه عبد الرزاق ، عن معمر، عن ابن خثيم ، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس ، احتجم النبي صلى الله عليه وسلم وهو محرم . وروح عن زكريا بن إسحاق ، عن عمرو بن دينار، عن عطاء وطاووس ، عن ابن عباس ، أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم ، وهؤلاء أصحاب ابن عباس ، لا يذكرون صائماً . وقال حنبل : حدثنا أبو عبد الله ، حدثنا وكيع ، عن ياسين الزيات ، عن رجل ، عن أنس ، أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم في رمضان بعد ما قال : " أفطر الحاجم والمحجوم " . قال أبو عبد الله : الرجل : أراه أبان بن أبي عياش ، يعني ولا يحتج به . وقال الأثرم : قلت لأبي عبد الله : روى محمد بن معاوية النيسابوري ، عن أبي عوانة ، عن السدي ، عن أنس ، أن النبي صلى الله عليه وسلم ،"احتجم وهو صائم" ، فأنكر هذا ، ثم قال : السدي ، عن أنس قلت : نعم فعجب من هذا . قال أحمد: وفي قوله " أفطر الحاجم والمحجوم " غير حديث ثابت . وقال إسحاق : قد ثبت هذا من خمسة أوجه عن النبي صلى الله عليه وسلم . والمقصود، أنه لم يصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه احتجم وهو صائم ، ولا صح عنه أنه نهى الصائم عن السواك أول النهار ولا آخره ، بل قد روي عنه خلافه . ويذكر عنه : " من خير خصال الصائم السواك "، رواه ابن ماجه من حديث مجالد وفيه ضعف . |
جعلاني ذهبي
![]() ![]() ![]() ![]()
![]() غير متواجد
|
![]()
فصل في حكم الكحل للصائم
وروي عنه صلى الله عليه وسلم ، أنه اكتحل وهو صائم ، وروي عنه ، أنه خرح عليهم في رمضان وعيناه مملوءتان من الإثمد، ولا يصح ، وروي عنه أنه قال في الإثمد : " ليتقه الصائم " ولا يصح . قال أبو داود: قال لي يحيى بن معين : هو حديث منكر. |
جعلاني ذهبي
![]() ![]() ![]() ![]()
![]() غير متواجد
|
![]()
فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في صيام التطوع
كان صلى الله عليه وسلم يصوم حتى يقال : لا يفطر، ويفطر حتى يقال : لا يصوم ، وما استكمل صيام شهر غير رمضان ، وما كان يصوم في شهر أكثر مما يصوم في شعبان . ولم يكن يخرج عنه شهرحتى يصوم منه . ولم يصم الثلاثة الأشهر سرداً كما يفعله بعض الناس ، ولا صام رجباً قط ، ولا استحب صيامه ، بل روي عنه النهي عن صيامه ، ذكره ابن ماجه . وكان يتحرى صيام يوم الاثنين والخميس . وقال ابن عباس رضي الله عنه : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يفطر أيام البيض في سفر ولا حضر . ذكره النسائي . وكان يحض على صيامها . وقال ابن مسعود رضي الله عنه : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من غرة كل شهر ثلاثة أيام . ذكره أبو داود والنسائي . وقالت عائشة : لم يكن يبالي من أي الشهر صامها . ذكره مسلم ، ولا تناقض بين هذه الآثار. وأما صيام عشر ذي الحجة، فقد اختلف ، فقالت عائشة : رأيته صائماً في العشر قط ذكره مسلم . وقالت حفصة : أربع لم يكن يدعهن رسول الله صلى الله عليه وسلم : صيام يوم عاشوراء ، والعشر، وثلاثة أيام من كل شهر، وركعتا الفجر . ذكره الإمام أحمد رحمه الله . وذكر الإمام أحمد عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصوم تسع ذي الحجة ، ويصوم عاشوراء ، وثلاثة أيام من الشهر ، أو الاثنين من الشهر ، والخميس ، وفي لفظ : الخميسين . والمثبت مقدم على النافي إن صح . وأما صيام ستة أيام من شوال ، فصح عنه أنه قال : "صيامها مع رمضان يعدل صيام الدهر" . وأما صيام يوم عاشوراء، فإنه كان يتحرى صومه على سائر الأيام ، ولما قدم المدينة، وجد اليهود تصومه وتعظمه ، فقال : "نحن أحق بموسى منكم " . فصامه ، وأمر بصيامه ، وذلك قبل فرض رمضان ، فلما فرض رمضان ، قال : "من شاء صامه ومن شاء تركه " . وقد استشكل بعض الناس هذا وقال : إنما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة في شهر ربيع الأول ، فكيف يقول ابن عباس : إنه قدم المدينة، فوجد اليهود صياماً يوم عاشوراء ؟ وفيه إشكال آخر، وهو أنه قد ثبت في الصحيحين من حديث عائشة، أنها قالت : كانت قريش تصوم يوم عاشوراء في الجاهلية، وكان عليه الصلاة والسلام يصومه ، فلما هاجر إلى المدينة، صامه ، وأمر بصيامه ، فلما فرض شهر رمضان قال : "من شاء صامه ومن شاء تركه " . وإشكال آخر، وهو ما ثبت في الصحيحين أن الأشعث بن قيس دخل على عبد الله بن مسعود وهو يتغدى فقال : يا أبا محمد ادن إلى الغداء . فقال: أوليس اليوم يوم عاشوراء ؟ فقال : وهل تدري ما يوم عاشوراء؟ قال : وما هو ؟ قال : إنما هو يوم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه قبل أن ينزل رمضان ، فلما نزل رمضان تركه . وقد روى مسلم في صحيحه عن ابن عباس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين صام يوم عاشوراء وأمر بصيامه ، قالوا: يا رسول الله إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع ". فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم . فهذا فيه أن صومه والأمر بصيامه قبل وفاته بعام ، وحديثه المتقدم فيه أن ذلك كان عند مقدمه المدينة، ثم إن ابن مسعود أخبر أن يوم عاشوراء ترك برمضان ، وهذا يخالفه حديث ابن عباس المذكور، ولا يمكن أن يقال : ترك فرضه ، لأنه لم يفرض ، لما ثبت في الصحيحين عن معاوية بن أبي سفيان ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "هذا يوم عاشوراء ، ولم يكتب الله عليكم صيامه ، وأنا صائم ، فمن شاء، فليصم ، ومن شاء فليفطر" . ومعاوية إنما سمع هذا بعد الفتح قطعاً . وإشكال آخر، وهو أن مسلماً روى في صحيحه عن عبد الله بن عباس ، أنه لما قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إن هذا اليوم تعظمه اليهود والنصارى قال : "إن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع " فلم يأت العام القابل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم روى مسلم في صحيحه عن الحكم بن الأعرج قال : انتهيت إلى ابن عباس وهو متوسد رداءه في زمزم ، فقلت له : أخبرني عن صوم عاشوراء . فقال : إذا رأيت هلال المحرم ، فاعدد، وأصبح يوم التاسع صائماً قلت : هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه ؟ قال : نعم . وإشكال آخر : وهو أن صومه إن كان واجباً مفروضاً في أول الإسلام ، فلم يأمرهم بقضائه ، وقد فات تبييت النية له من الليل وإن لم يكن فرضاً، فكيف أمر بإتمام الإمساك من كان أكل ؟ كما في المسند والسنن من وجوه متعددة ، أنه عليه السلام ، أمر من كان طعم فيه أن يصوم بقية يومه . وهذا إنما يكون في الواجب ، وكيف يصح قول ابن مسعود: فلما فرض رمضان ، ترك عاشوراء واستحبابه لم يترك ؟ وإشكال آخر : وهو أن ابن عباس جعل يوم عاشوراء يوم التاسع ، وأخبر أن هكذا كان يصومه صلى الله عليه وسلم ، وهو الذي روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في : "صوموا يوم عاشوراء ، وخالفوا اليهود ، صوموا يوما قبله أو يوماً بعده" ذكره أحمد . وهو الذي روى : "أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بصوم عاشوراء يوم العاشر" . ذكره الترمذي . فالجواب عن هذه الإشكالات بعون الله وتأييده وتوفيقه : أما الإشكال الأول : وهو أنه لما قدم المدينة، وجدهم يصومون يوم عاشوراء ، فليس فيه أن يوم قدومه وجدهم يصومونه ، فإنه إنما قدم يوم الاثنين في ربيع الأول ، ثاني عشرة ، ولكن أول علمه بذلك بوقوع القصة في العام الثاني الذي كان بعد قدومه المدينة، ولم يكن وهو بمكة هذا إن كان حساب أهل الكتاب في صومه بالأشهر الهلالية ، وإن كان بالشمسية ، زال الإشكال بالكلية ، ويكون اليوم الذي نجى الله فيه موسى هو يوم عاشوراء من أول المحرم ، فضبطه أهل الكتاب بالشهور الشمسية ، فوافق ذلك مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة في ربيع الأول ، وصوم أهل الكتاب إنما هو بحساب سير الشمس ، وصوم المسلمين إنما هو بالشهر الهلالي ، وكذلك حجهم ، وجميع ما تعتبر له الأشهر من واجب أو مستحب ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " نحن أحق بموسى منكم "، فظهر حكم هذه الأولوية في تعظيم هذا اليوم وفي تعيينه ، وهم أخطؤوا تعيينه لدورانه في السنة الشمسية، كما أخطأ النصارى في تعيين صومهم بأن جعلوه في فصل من السنة تختلف فيه الأشهر . وأما الإشكال الثاني ، وهو أن قريشاً كانت تصوم عاشوراء في الجاهلية، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه ، فلا ريب أن قريشاً كانت تعظم هذا اليوم ، وكانوا يكسون الكعبة فيه ، وصومه من تمام تعظيمه ، ولكن إنما كانوا يعدون بالأهلة، فكان عندهم عاشر المحرم ، فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، وجدهم يعظمون ذلك اليوم ويصومونه ، فسألهم عنه ، فقالوا : هو اليوم الذي نجى الله فيه موسى وقومه من فرعون ، فقال صلى الله عليه وسلم : " نحن أحق منكم بموسى" فصامه وأمر بصيامه تقريراً لتعظيمه وتأكيداً ، وأخبر صلى الله عليه وسلم أنه وأمته أحق بموسى من اليهود ، فإذا صامه موسى شكراً لله ، كنا أحق أن نقتدي به من اليهود، لا سيما إذا قلنا : شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يخافه شرعنا . فإن قيل : من أين لكم أن موسى صامه ؟ قلنا: ثبت في الصحيحين "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سألهم عنه ، فقالوا يوم عظيم نجى الله فيه موسى وقومه ، وأغرق فيه فرعون وقومه ، فصامه موسى شكراً لله ، فنحن نصومه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فنحن أحق وأولى بموسى منكم . فصامه وأمر بصيامه ". فلما أقرهم على ذلك . ولم يكذبهم ، علم أن موسى صامه شكراً لله ، فانضم هذا القدر إلى التعظيم الذي كان له قبل الهجرة، فازداد تأكيداً حتى بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم منادياً ينادي في الأمصار بصومه ، وإمساك من كان أكل ، والظاهر : أنه حتم ذلك عليم ، وأوجبه كما سيأتي تقريره . وأما الإشكال الغالب : وهو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كان يصوم يوم عاشوراء قبل أن ينزل فرض رمضان ، فلما نزل فرض رمضان تركه ، فهذا لا يمكن التخلص منه إلا بأن صيامه كان فرضاً قبل رمضان ، وحينئذ فيكون المتروك وجوب صومه لا استحبابه ، ويتعين هذا ولا بد، لأنه عليه السلام قال قبل وفاته بعام وقد قيل له : إن اليهود يصومونه : لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع أي : معه ، خالفوا اليهود وصوموا يوماً قبله أو يوماً بعده ، أي : معه ، ولا ريب أن هذا كان في آخر الأمر، وأما في أول الأمر، فكان يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء ، فعلم أن استحبابه لم يترك . ويلزم من قال : إن صومه لم يكن واجباً أحد الأمرين ، إما أن يقول بترك استحبابه ، فلم يبق مستحباً ، أو يقول : هذا قاله عبد الله بن مسعود رضي الله عنه برأيه ، وخفي عليه استحباب صومه وهذا بعيد، فإن النبي صلى الله عليه وسلم حثهم على صيامه ، وأخبر أن صومه يكفر السنة الماضية، واستمر الصحابة على صيامه إلى حين وفاته ، ولم يرو عنه حرف واحد بالنهي عنه وكراهة صومه ، فعلم أن الذي ترك وجوبه لا استحبابه . فإن قيل : حديث معاوية المتفق على صحته صريح في عدم فرضيته ، وإنه لم يفرض قط - فالجواب - أن حديث معاوية صريح في نفي استمرار وجوبه ، وأنه الآن غير واجب ، ولا ينفي وجوباً متقدماً فسوخاً ، فإنه لا يمتنع أن يقال لما كان واجباً، ونسخ وجوبه : إن الله لم يكتبه علينا . وجواب ثان : أن غايته أن يكون النفي عاماً في الزمان الماضي والحاضر ، فيخص بأدلة الوجوب في الماضي ، وترك النفي في استمرار الوجوب . وجواب ثالث : وهو أنه صلى الله عليه وسلم ، إنما نفى أن يكون فرضه ووجوبه مستفاداً من جهة القرآن ، ويدل على هذا قوله : إن الله لم يكتبه علينا ، وهذا لا ينفي الوجوب بغير ذلك ، فإن الواجب الذي كتبه الله على عباده ، هو ما أخبرهم بأنه كتبه عليهم ، كقوله تعالى : " كتب عليكم الصيام " [ البقرة : 183 ] ، فأخبر صلى الله عليه وسلم أن صوم يوم عاشوراء لم يكن داخلاً في هذا المكتوب الذي كتبه الله علينا دفعا لتوهم من يتوهم أنه داخل فيما كتبه الله علينا، فلا تناقض بين هذا، وبين الأمر السابق بصيامه الذي صار منسوخاً بهذا الصيام المكتوب . يوضح هذا أن معاوية إنما سمع هذا منه بعد فتح مكة، واستقرار فرض رمضان ، ونسخ وجوب عاشوراء به . والذين شهدوا أمره بصيامه ، والنداء بذلك ، وبالإمساك لمن أكل ، شهدوا ذلك قبل فرض رمضان عند مقدمه المدينة، وفرض رمضان كان في السنة الثانية من الهجرة ، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد صام تسع رمضانات ، فمن شهد الأمر بصيامه ، شهده قبل نزول فرص رمضان ، ومن شهد الإخبار عن عدم فرضه ، شهده في آخر الأمر بعد فرض رمضان ، وإن لم يسلك هذا المسلك ، تناقضت أحاديث الباب واضطربت . فإن قيل : فكيف يكون فرضاً ولم يحصل تبييت النية من الليل وقد قال : لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل فالجواب : أن هذا الحديث مختلف فيه : هل هو من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ، أو من قول حفصة وعائشة ؟ فأما حديث فأوقفه عليها معمر، والزهري ، وسفيان بن عيينة، ويونس بن يزيد الأيلي عن الزهري ، ورفعه بعضهم وأكثر أهل الحديث يقولون : الموقوف أصح ، قال الترمذي : وضد رواه نافع عن ابن عمر قوله ، وهو أصح ، ومنهم من يصحح رفعه لثقة رافعه وعدالته ، وحديث عائشة أيضاً: روي وموقوفاً ، واختلف في تصحيح رفعه . فإن لم يثبت رفعه ، فإن لم يثبت رفعه ، فمعلوم أن هذا إنما قاله بعد فرض رمضان ، وذلك متأخر عن الأمر بصيام يوم عاشوراء، وذلك تجديد حكم واجب وهو التبييت نسخاً لحكم ثابت بخطاب ، فإجزاء صيام يوم عاشوراء بنية من النهار قبل فرض رمضان ، وقبل فرض التبييت من الليل ، ثم نسخ وجوب صومه برمضان ، وتجدد وجوب التبييت ، فهذه طريقة . وطريقة ثانية، هي طريقة أصحاب أبي حنيفة أن وجوب صيام يوم عاشوراء تضمن أمرين : وجوب صوم ذلك اليوم وإجزاء صومه بنية من النهار، ثم نسخ تعيين الواجب بواجب آخر، فبقي حكم الإجزاء بنية من النهار غير منسوخ . وطريقة ثالثة : وهي أن الواجب تابع للعلم ، ووجوب عاشوراء إنما علم من النهار، وحينئذ فلم يكن التبييت ممكناً، فالنية وجبت وهي الوجوب والعلم به ، وإلا كان تكليفاً بما لا تطاق وهو ممتنع . قالوا هذا اذا قامت البينة بالرؤية في أثناء النهار، أجزأ صومه بنية مقارنة بالوجوب ، وأصله صوم يوم عاشوراء، وهذه طريقة شيخنا ، وهي كما تراها أصح الطرق ، وأقربها إلى موافقة الشرع وقواعده ، وعليها تدل الأحاديث ، ويجتمع شملها الذي يظن تفرقه ، ويتخلص من دعوى النسخ بغير ضرورة . وغير هذه الطريقة لا بد فيه من مخالفة قاعدة من قواعد الشرع ، أو مخالفة بعض الآثار . وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر أهل قباء بإعادة الصلاة التي صلوا بعضها إلى القبلة المنسوخة إذ لم يبلغهم وجوب التحول ، فكذلك من لم يبلغه وجوب فرض الصوم ، أو لم يتمكن من العلم بسبب وجوبه ، لم يؤمر بالقضاء ، ولا يقال : إنه ترك التبييت الواجب ، إذ وجوب التبييت تابع للعلم بوجوب المبيت ، وهذا في غاية الظهور . ولا ريب أن هذه الطريقة أصح من طريقة من يقول : كان عاشوراء فرضاً ، وكان يجزىء صيامه بنية من النهار، ثم نسخ الحكم بوجوبه ، فنسخت متعلقاته ، ومن متعلقاته إجزاء صيامه بنية من النهار، لأن متعلقاته تابعة له ، وإذا زال المتبوع ، زالت توابعه وتعلقاته ، فإن إجزاء الصوم الواجب بنية من النهار لم يكن من متعلقات خصوص هذا اليوم ، بل من متعلقات الصوم الواجب ، والصوم الواجب لم يزل ، وإنما زال تعيينه ، فنقل من محل إلى محل ، والإجزاء بنية من النهار وعدمه من توابع أصل الصوم لا تعيينه. وأصح من طريقة من يقول : إن صوم يوم عاشوراء لم يكن واجباً قط ، لأنه قد ثبت الأمر به ، وتأكيد الأمر بالنداء العام ، وزيادة تأكيده بالأمر لمن كان أكل بالإمساك ، وكل هذا ظاهر، قوي في الوجوب ، ويقول ابن مسعود : إنه لما فرض رمضان ترك عاشوراء . ومعلوم أن استحبابه لم تترك بالأدلة التي تقدمت وغيرها ، فيتعين أن يكون المتروك وجوبه ، فهذه خمس طرق للناس في ذلك . والله أعلم . وأما الإشكال الراجح وهو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لئن بقيت إلى قابل ، لأصومن التاسع ، وأنه توفي قبل العام المقبل ، وقول ابن عباس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم التاسع ، فابن عباس روى هذا وهذا ، وصح عنه هذا وهذا ، ولا تنافي بينهما، إذ من الممكن أن يصوم التاسع، ويخبر أنه إن بقي إلى العام القابل صامه ، أو يكون ابن عباس أخبر عن فعله مستنداً إلى ما عزم عليه ، ووعد به ، ويصح الإخبار عن ذلك مقيداً أي : كذلك كان يفعل لو بقي ، ومطلقاً إذا علم الحال ، وعلى كل واحد من الاحتمالين ، فلا تنافي بين الخبرين . وأما الإشكال الخامس : فقد تقدم جوابه بما فيه كفاية . وأما الإشكال السادس : وهو قول ابن عباس : أعدد وأصبح يوم التاسع صائماً . فمن تأمل مجموع روايات ابن عباس ، تبين له زوال الإشكال ، وسعة علم ابن عباس ، فإنه لم يجعل عاشوراء هو اليوم التاسع ، بل قال للسائل : صم اليوم التاسع ، واكتفى بمعرفة السائل أن يوم عاشوراء هو اليوم العاشر الذي يعده الناس كلهم يوم عاشوراء ، فأرشد السائل إلى صيام التاسع معه ، وأخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصومه كذلك . فإما أن يكون فعل ذلك هوالأولى، وإما أن يكون حض على الأمر به ، وعزمه عليه في المستقبل ، ويدك على ذلك أنه هو الذي روى صوموا يوما قبله ويوما بعده ، وهو الذي روى : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بصيام يوم عاشوراء يوم العاشر. وكل هذه الآثار عنه ، يصدق بعضها بعضاً ، ويؤيد بعضها بعضاً . فمراتب صومه ثلاثة : أكملها : أن يصام قبله يوم وبعده يوم ، ويلي ذلك أن يصام التاسع والعاشر، وعليه أكثر الأحاديث ، ويلي ذلك إفراد العاشر بالصوم . وأما إفراد التاسع ، فمن نقص فهم الآثار ، وعدم تتبع ألفاظها وطرقها، وهو بعيد من اللغة والشرع ، والله الموفق للصواب . وقد سلك بعض أهل العلم مسلكاً آخر فقال : قد ظهر أن القصد مخالفة أهل الكتاب في هذه العبادة مع الإتيان بها، وذلك يحصل بأحد أمرين : إما بنقل العاشر إلى التاسع ، أو بصيامهما معاً. وقوله : إذا كان العام المقبل صمنا التاسع : يحتمل الأمرين . فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يتبين مراده ، فكان الاحتياط صيام اليومين معاً ، والطريقة التي ذكرناها، أصوب إن شاء الله ، ومجموع أحاديث ابن عباس عليها تدل ، لأن قوله في حديث أحمد : خالفوا اليهود، صوموا يوما قبله أو يوما بعده وقوله في حديث الترمذي : أمرنا بصيام عاشوراء يوم العاشر يبين صحة الطريقة التي سلكناها . والله أعلم . |
جعلاني ذهبي
![]() ![]() ![]() ![]()
![]() غير متواجد
|
![]()
فصل في هديه في إفطار يوم عرفة بعرفة وسنة صيامه لغير الحاج
فصل وكان من هديه صلى الله عليه وسلم إفطاريوم عرفة بعرفة، ثبت عنه ذلك في الصحيحين . وروي عنه أنه نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة، رواه عنه أهل السنن . وصح عنه أن صيامه يكفر السنة الماضية والباقية ، ذكره مسلم . وقد ذكر لفطره بعرفة عدة حكم . منها أنه أقوى على الدعاء . ومنها : أن الفطر في السفر أفضل في فرض الصوم، فكيف بنفله . ومنها : أن ذلك اليوم كان يوم الجمعة ، وقد نهى عن إفراده بالصوم ، فأحب أن يرى الناس فطره فيه تأكيداً لنهيه عن تخصيصه بالصوم ، وإن كان صومه لكونه يوم عرفة لا يوم جمعة ، وكان شيخنا رحمه الله يسلك مسلكاً آخر، وهو أنه يوم عيد لأهل عرفة لاجتماعهم فيه ، كاجتماع الناس يوم العيد، وهذا الإجتماع يختص بمن بعرفة دون أهل الآفاق . قال : وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا الحديث الذي رواه أهل السنن " يوم عرفة ، ويوم النحر ، وأيام منى ، عيدنا أهل الإسلام ". ومعلوم : أن كونه عيداً ، هو لأهل ذلك الجمع ، لاجتماعهم والله أعلم . |
جعلاني ذهبي
![]() ![]() ![]() ![]()
![]() غير متواجد
|
![]()
فصل في حكم صوم السبت والأحد والجمعة
فصل وقد روي أنه صلى الله عليه وسلم : كان يصوم السبت والأحد كثيراً ، يقصد بذلك ولا اليهود والنصارى كما في المسند وسنن النسائي ، عن كريب مولى ابن عباس قال : أرسلني ابن عباس رضي الله عنه ، وناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى أم سلمة أسألها ؟ أي الأيام كان النبي صلى الله عليه وسلم أكثرها صياماً؟ قالت : يوم السبت والأحد ، ويقول : " إنهما عيد للمشركين ، فأنا أحب أن أخالفهم ". وفي صحة هذا الحديث نظر، فإنه من رواية محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب ، وقد استنكر بعض حديثه . وقد قال عبد الحق في أحكامه من حديث ابن جريج ، عن عباس بن عبد المله بن عباس ، عن عمه الفضل ، زار النبي صلى الله عليه وسلم عباساً في بادية لنا . ثم قال : إسناده ضعيف . قال ابن القطان : هو كما ذكر ضعيف ، ولا يعرف حال محمد بن عمر، وذكر حديثه هذا عن أم سلمة في صيام يوم السبت والأحد ، وقال : سكت عنه عبد الحق مصححاً له ، ومحمد بن عمر هذا، لا يعرف حاله ، ويرويه عنه ابنه عبد الله بن محمد بن عمر، ولا تعرف أيضاً حاله ، فالحديث أراه حسناً . والله أعلم . وقد روى الإمام أحمد وأبو داود، عن عبد الله بن بسر السلمي ، عن أخته الصماء ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم ، فإن لم يجد أحدكم إلا لحاء عنبة أو عود شجرة فليمضغه ". فاختلف الناس في هذين الحديثين . فقال مالك رحمه الله : هذا كذب ، يريد حديث عبد الله بن بسر، ذكره عنه أبو داود، قال الترمذي : هو حديث حسن ، وقال أبو داود : هذا الحديث منسوخ ، وقال النسائي : هو حديث مضطرب ، وقال جماعة من أهل العلم : لا تعارض بينة وبين حديث أم سلمة، فإن النهي عن صومه إنما هو عن إفراده ، وعلى ذلك ترجم أبو داود، فقال : باب النهي أن يخص يوم السبت بالصوم ، وحديث صيامه ، إنما هو مع يوم الأحد . قالوا : ونظير هذا أنه نهى عن إفراد يوم الجمعة بالصوم ، إلا أن يصوم يوما قبله ، أو يوماً بعده ، وبهذا يزول الإشكال الذي ظنه من قال : إن صومه نوع تعظيم له موافقة لأهل الكتاب في تعظيمه ، وإن تضمن مخالفتهم في صومه ، فإن التعظيم إنما يكون إذا أفرد بالصوم ، ولا ريب أن الحديث لم يجىء بإفراده ، وأما إذا صامه مع غيره ، لم يكن فيه تعظيم . والله أعلم . |
جعلاني ذهبي
![]() ![]() ![]() ![]()
![]() غير متواجد
|
![]()
فصل ولم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم سرد الصوم وصيام الدهر، بل قد قال : "من صام الدهر لا صام ولا أفطر"، وليس مراده بهذا من صام الأيام المحرمة ، فإذ ذكر ذلك جواباً لمن قال : أرأيت من صام الدهر ؟ ولا يقال في جواب من فعل المحرم : لا صام ولا أفطر، فإن هذا يؤذن بأنه سواء فطره وصومه لا يثاب ولا يعاقب ، وليس كذلك من فعل ما حزم الله عليه من الصيام ، فليس هذا جواباً مطابقاً للسؤال عن المحرم من الصوم ، وأيضاً فإن هذا عند من استحب صوم الدهر قد فعل مستحباً وحراماً، وهو عندهم قد صام بالنسبة إلى أيام الاستحباب وارتكب محرماً بالنسبة إلى أيام التحريم ، وفي كل منهما لا يقال : لا صام أفطر . فتنزيل قوله على ذلك غلط ظاهر . وأيضاً فإن أيام التحريم مستثناة بالشرع ، غير قابلة للصوم شرعاً، فهي بمنزلة الليل شرعاً، وبمنزلة أيام الحيض ، فلم يكن الصحابة ليسألوه عن صومها وقد علموا عدم قبولها للصوم ، ولم يكن ليجيبهم لو لم يعلموا التحريم بقوله : : لاصام ولا أفطر، فإن هذا ليس فيه بيان للتحريم . فهديه لا شك فيه ، أن صيام يوم ، وفطر يوم أفضل من صوم الدهر، وأحب إلى الله . وسرد صيام الدهر مكروه ، فإنه لو لم يكن مكروهاً ، لزم أحد ثلاثة أمور ممتنعة : أن يكون أحب إلى الله من صوم يوم وفطر يوم ، وأفضل منه ، لأنه زيادة عمل ، وهذا مردود بالحديث الصحيح . "إن أحب الصيام الى الله صيام داود" ، وإنه لا أفضل منه . وإما أن يكون مساوياً في الفضل وهو ممتنع أيضاً، وإما أن يكون مباحاً متساوي الطرفين لا استحباب فيه ، ولا كراهة، وهذا ممتنع ، إذ ليس هذا شأن الجادات ، بل إما أن تكون راجحة ، أو مرجوحة والله أعلم . فإن قيل : فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : "من صام رمضان ، وأتبعه ستة أيام من شوال، فكأنما صام الدهر" . وقال فيمن صام ثلاثة أيام من كل شهر : " إن ذلك يعدل صوم الدهر" ، وذلك يدل على أن صوم الدهر أفضل مما عدل به ، وأنه أمر مطلوب ، وثوابه أكثر من ثواب الصائمين ، حتى شبه به من صام هذا الصيام .
قيل : نفس هذا التشبيه في الأمر المقدر، لا يقتضي جوازه فضلاً عن استحبابه ، وإنما يقتضي التشبيه به في ثوابه لو كان مستحباً، والدليل عليه ، من نفس الحديث ، فإنه جعل صيام ثلاثة أيام من كل شهر بمنزلة صيام الدهر، إذ الحسنة بعشر أمثالها، وهذا يقتضي أن يحصل له ثواب من صام ثلاثمائة وستين يوماً، ومعلوم أن هذا حرام قطعاً، فعلم أن المراد به حصول هذا الثواب على تقدير مشروعية صيام ثلاثمائة وستين يوماً، وكذلك قوله في صيام ستة أيام من شوال ، إنه يعدل مع صيام رمضان السنة، ثم قرأ: " من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها " [الأنعام : 160 ] ، فهذا صيام ستة وثلاثين يوماً، تعدل صيام ثلاثمائة وستين يوماً، وهو غير جائز بالاتفاق ، بل قد يجيء مثل هذا فيما يمتنع فعل المشبه به عادة، بل يستحيل ، وإنما شبه به من فعل ذلك على تقدير إمكانه ، كقوله لمن سأله عن عمل يعدل الجهاد: هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تصوم ولاتفطر ، وأن تصوم ولا تفطر، ومعلوم أن هذا ممتنع عادة ، كامتناع صوم ثلاثمائة وستين يوماً شرعاً، وقد شبه العمل الفاضل بكل منهما يزيده وضوحاً : أن القيام إلى الله قيام داود، وهو أفضل من قيام الليل كله بصريح السنة الصحيحة ، وقد مثل من صلى العشاء الآخرة، والصبح في جماعة، بمن قام الليل كله . فإن قيل : فما تقولون في حديث أبي موسى الأشعري ؟ "من صام الدهر ضيقت عليه جهنم حتى تكون هكذا، وقبض كفه " . وهو في مسند أحمد . قيل : قد اختلف في معنى هذا الحديث . فقيل : ضيقت عليه حصراً له فيها ، لتشديده على نفسه ، وحمله عليها ، ورغبته عن هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واعتقاده أن غيره أفضل منه . وقال آخرون : بل ضيقت عليه ، فلا يبقى له فيها موضع ، ورجحت هذه الطائفة هذا التأويل ، بأن الصائم لما ضيق على نفسه مسالك الشهوات وطرقها بالصوم ، ضيق الله عليه النار، فلا يبقى له فيها مكان ، لأنه ضيق طرقها عنه ، ورجحت الطائفة الأولى تأويلها، بأن قالت : لو أراد هذا المعنى، لقال : ضيقت طرقها عنه ، وأما التضييق عليه ، فلا يكون إلا وهو فيها. قالوا: وهذا التأويل موافق لأحاديث كراهة صوم الدهر، وأن فاعله بمنزلة من لم يصم ، والله أعلم . |
جعلاني ذهبي
![]() ![]() ![]() ![]()
![]() غير متواجد
|
![]()
فصل في حكم المتطوع في الصيام إذا أفطر هل عليه قضاء أم لا
فصل و"كان صلى الله عليه وسلم يدخل على أهله فيقول : هل عندكم شيء ؟ فإن قالوا: لا . قال : إني إذاً صائم "، فينشىء النية للتطوع من النهار، وكان أحيانا ينوي صوم التطوع ، ثم يفطر بعد ، أخبرت عنه عائشة رضي الله عنها بهذا وهذا ، فالأول : في صحيح مسلم ، والثاني : في كتاب النسائي . وأما الحديث الذي في السنن عن عائشة : "كنت أنا وحفصة صائمتين ، فعرض لنا طعام اشتهيناه ، فأكلنا منه ، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبدرتني إليه حفصة، وكانت ابنة أبيها، فقالت : يا رسول الله إنا كنا صائمتين ، فعرض لنا طعام اشتهيناه ، فأكلنا منه فقال : يوماً مكانه"، فهو حديث معلول . قال الترمذي : رواه مالك بن أنس ، ومعمر، وعبد الله بن عمر، وزياد بن سعد، وغير واحد من الحفاظ ، عن الزهري ، عن عائشة مرسلاً لم يذكروا فيه عن عروة ، وهذا أصح . ورواه أبو داود، والنسائي ، عن حيوة بن شريح ، عن ابن الهاد ، عن زميل مولى عروة ، عن عروة ، عن عائشة موصولاً ، قال النسائي : ليس بالمشهور، وقال البخاري : لا يعرف لزميل سماع من عروة، ولا ليزيد بن الهاد من زميل ، ولا تقوم به الحجة . وكان صلى الله عليه وسلم إذا كان صائماً ونزل على قوم ، أتم صيامه ، ولم يفطر، كما دخل على أم سليم ، فأتته بتمر وسمن ، فقال : " أعيدوا سمنكم في سقائه ، وتمركم في وعائه ، فإئي صائم ". ولكن أم سليم كانت عنده بمنزلة أهل بيته ، وقد ثبت عنه في الصحيح : عن أبي هريرة رضي الله عنه : " إذا دعي أحدكم إلى طعام وهو صائم فليقل : إني صائم " . وأما الحديث الذي رواه ابن ماجه ، والترمذي ، والبيهقي عن عائشة رضي الله عنها ترفعه ، "من نزل على قوم ، فلا يصومن تطوعا إلا بإذنهم " ، فقال الترمذي : هذا الحديث منكر، لا نعرف أحداً من الثقات روى هذا الحديث عن هشام بن عروة . |
جعلاني ذهبي
![]() ![]() ![]() ![]()
![]() غير متواجد
|
![]()
فصل في كراهة تخصيص يوم الجمعة بالصوم
فصل وكان من هديه صلى الله عليه وسلم ، كراهة تخصيص يوم الجمعة بالصوم فعلاً منه وقولاً . فصح النهي عن إفراده بالصوم ، من حديث جابر بن عبد الله ، وأبي هريرة ، وجويرية بنت الحارث ، وعبد الله بن عمرو، وجنادة الأزدي وغيرهم . وشرب يوم الجمعة وهو على المنبر، يريهم أنه لا يصوم يوم الجمعة ، ذكره الإمام أحمد ، وعلل المنع من صومه بأنه يوم عيد، فروى الإمام أحمد، من حديث أبي هريرة، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يوم الجمعة يوم عيد، فلا تجعلوا يوم عيدكم يوم صيامكم إلا أن تصوموا قبله أو بعده " . فإن قيل : فيوم العيد لا يصام مع ما قبله ولا بعده . قيل : لما كان يوم الجمعة مشبهاً بالعيد، أخذ من شبهه النهي عن تحري صيامه ، فإذا صام ما قبله أو ما بعده ، لم يكن قد تحراه ، وكان حكمه حكم صوم الشهر، أو العشر منه صوم يوم ، وفطر يوم ، أو صوم يوم عرفة وعاشوراء إذا وافق يوم جمعة ، فإنه لا يكره صومه في شيء من ذلك . فإن قيل : فما تصنعون بحديث عبد الله بن مسعود ؟ قال : ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفطر في يوم الجمعة، رواه أهل السنن . قيل : نقبله إن كان صحيحاً ، ويتعين حمله على صومه مع ما قبله أو بعده ، ونرده إن لم يصح، فإنه من الغرائب . قال الترمذي : هذا حديث حسن غريب . |
جعلاني ذهبي
![]() ![]() ![]() ![]()
![]() غير متواجد
|
![]()
فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في الاعتكاف
لما كان صلاح القلب واستقامته على طريق سيره إلى الله تعالى ، متوقفاً على جمعيته على الله ، ولم شعثه بإقباله بالكلية على الله تعالى، فإن شعث القلب لا يلمه إلا الإقبال على الله تعالى ، وكان فضول الطعام والشراب ، وفضول مخالطة الأنام ، وفضول الكلام ، وفضول المنام ، مما يزيده شعثاً ، ويشتته في كل واد ، ويقطعه عن سيره إلى الله تعالى، أو يضعفه ، أو يعوقه ويوقفه : اقتضت رحمة العزيز الرحيم بعباده أن شرع لهم من الصوم ما يذهب فضول والشراب ، ويستفرغ من القلب أخلاط الشهوات المعوقة له عن سيره إلى الله تعالى، وشرعه بقدر المصلحة ، بحيث ينتفع به العبد في دنياه وأخراه ، ولا يضره ولا يقطعه عن مصالحه العاجلة والآجلة، وشرع لهم الاعتكاف الذي مقصوده وروحه عكوف القلب على الله تعالى، وجمعيته عليه ، والخلوة به ، والانقطاع عن الاشتغال بالخلق والاثشغال به وحده سبحانه ، بحيث يصير ذكره وحبه ، والإقبال عليه في محل هموم القلب وخطراته ، فيستولي عليه بدلها، ويصير الهم كله به ، والخطرات كلها بذكره ، والتفكر في تحصيل مراضيه وما يقرب منه ، فيصير أنسه بالله بدلاً عن أنسه بالخلق ، فيعده بذلك لأنسه به يوم الوحشة في القبور حين لا أنيس له ، ولا ما يفرح به سواه ، فهذا مقصود الاعتكاف الأعظم . ولما كان هذا المقصود إنما يتم مع الصوم ، شرع الاعتكاف في أفضل أيام الصوم ، وهو العشر الأخير من رمضان ، ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه اعتكف مفطراً قط ، بل قد قالت عائشة : لا اعتكاف إلا بصوم . ولم يذكر الله سبحانه الاعتكاف إلا مع الصوم ، ولا فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم : إلا مع الصوم . فالقول الراجح في الدليل الذي عليه جمهور السلف : أن الصوم شرط في الاعتكاف ، وهو الذي كان يرجحه شيخ الإسلام أبو العباس بن تيمية . وأما الكلام ، فإنه شرع للأمة حبس اللسان عن كل ما لا ينفع في الآخرة . وأما فضول المنام ، فإنه شرع لهم من قيام الليل ما هو من أفضل السهر وأحمده عاقبة، وهو السهر المتوسط الذي ينفع القلب والبدن ، ولا يعوق عن مصلحة العبد، ومدار رياضة أرباب الرياضات والسلوك على هذه الأركان الأربعة، وأسعدهم بها من سلك فيها المنهاج النبوي المحمدي ، ولم ينحرف انحراف الغالين ، ولا قصر تقصير المفرطين ، وقد ذكرنا هديه صلى الله عليه وسلم في صيامه وقيامه وكلامه ، فلنذكر هديه في اعتكافه . كان صلى الله عليه وسلم : يعتكف العشر الأواخر من رمضان ، حتى توفاه الله عز وجل وتركه مرة ، فقضاه في شوال . واعتكف مرة في العشر الأول ، ثم الأوسط ، ثم العشر الأخير ، يلتمس ليلة القدر، ثم تبين له أنها في العشر الأخير ، فداوم على اعتكافه حتى لحق بربه عز وجل . وكان يأمر بخباء فيضرب له في المسجد يخلو فيه بربه عز وجل . وكان إذا أراد الاعتكاف ، صلى الفجر، ثم دخله ، فأمر به مرة، فضرب فأمر أزواجه بأخبيتهن ، فضربت ، فلما صلى الفجر، نظر، فرأى تلك الأخبيه . فأمر بخبائه فقوض ، وترك الاعتكاف في شهر رمضان حتى اعتكف في العشر الأول من شوال . وكان يعتكف كل سنة عشرة أيام ، فلما كان في العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يوماً، وكان يعارضه جبريل بالقران كل سنة مرة، فلما كان ذلك العام عارضه به مرتين ، وكان يعرض عليه القرآن أيضاً في كل سنة مرة فعرض عليه تلك السنة مرتين . وكان إذا اعتكف ، دخل قبته وحده ، وكان لا يدخل بيته في حال اعتكافه إلا لحاجة الإنسان ، وكان يخرج رأسه من المسجد إلى بيت عائشة ، فترجله ، وتغسله وهو في المسجد وهي حائض ، وكانت بعض أزواجه تزوره وهو معتكف . فإذا قامت تذهب ، قام معها يقلبها، وكان ذلك ليلاً ، ولم يباشر امرأة من نسائه وهو معتكف لا بقبلة ولا غيرها، وكان إذا اعتكف طرح له فراشه ، ووضع له سريره في معتكفه ، وكان إذا خرج لحاجته ، مر بالمريض وهو على طريقه ، فلا يعرج عليه ولا يسأل عنه . واعتكف مرة في قبة تركية ، وجعل على سدتها حصيراً ، كل هذا تحصيلاً لمقصود الاعتكاف وروحه ، عكس ما يفعله الجهال من اتخاذ المعتكف موضع عشرة ، ومجلبة للزائرين ، وأخذهم بأطراف الأحاديث فهذا لون ، والاعتكاف النبوي لون . والله الموفق . |
جعلاني ذهبي
![]() ![]() ![]() ![]()
![]() غير متواجد
|
![]()
فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في حجه وعمره
اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم : بعد الهجرة أربع عمر ، كلهن فى ذى القعدة . الأولى : عمرة الحديبية ، وهي أولاهن سنة ست ، فصده المشركون عن البيت ، فنحر البدن حيث صد بالحديبية ، وحلق هو وأصحابه رؤوسهم ، وحلوا من إحرامهم ، ورجع من عامه إلى المدينة . الثانية : عمرة القضية في العام المقبل ، دخل مكة فأقام بها ثلاثاً ، ثم خرج بعد إكمال عمرته ، واختلف : هل كانت قضاء للعمرة التي صد عنها في العام الماضي ، أم عمرة مستأنفة ؟ على قولين للعلماء ، وهما روايتان للإمام أحمد : إحداهما : أنها قضاء ، وهو مذهب أبي حنيفة رحمه الله . والثانية ليست بقضاء، وهو قول مالك رحمه الله ، والذين قالوا: كانت قضاء . احتجوا بأنها سميت عمرة القضاء ، وهذا الاسم تابع للحكم . وقال آخرون : القضاء هنا من المقاضاة، لأنه قاضى أهل مكة عليها، لا أنه من قضى قضاء. قالوا : سميت عمرة القضية . قالوا: والذين صدوا عن البيت ، كانوا ألفاً وأربعمائة وهؤلاء كلهم لم يكونوا معه في عمرة القضية، ولو كانت قضاء، لم يتخلف منهم أحد ، وهذا القول أصح ، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأمر من كان معه بالقضاء . الثالثة : عمرته التي قرنها مع حجته ، فإنه كان قارناً لبضعة عشر دليلاً ، سنذكرها عن قريب إن شاء الله . الرابعة: عمرته من الجعرانة، لما خرج إلى حنين ، ثم رجع إلى مكة، فاعتمر من الجعرانة داخلاً إليها . ففي الصحيحين : عن أنس بن مالك قال : اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع عمر، كلهن في ذي القعدة، إلا التي كانت مع حجته : عمرة من الحديبية أو زمن الحديبية في ذي القعدة ، وعمرة من العام المقبل في ذي القعدة ، وعمرة من الجعرانة حيث قسم غنائم حنين في ذي القعدة، وعمرة مع حجته . ولم يناقض هذا ما في الصحيحين عن البراء بن عازب قال : اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة قبل أن يحج مرتين ، لأنه أراد العمرة المفردة المستقلة ، ولا ريب أنهما اثنتان ، فإن عمرة القران لم تكن مستقلة، وعمرة الحديبية صد عنها، وحيل بينة وبين إتمامهن ، ولذلك قال ابن عباس : اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع عمر . عمرة الحديبية ، وعمرة القضاء من قابل ، والثالثة من الجعرانة، والرابعة مع حجته ذكره الإمام أحمد . ولا تناقض بن حديث أنس : أنهن في ذي القعدة، إلا التي مع حجته، وبين قول عائشة، وابن عباس : لم يعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا في ذي القعدة، لأن مبدأ عمرة القران ، كان في ذي القعدة، ونهايتها كان في ذي الحجة مع انقضاء الحج ، فعائشة وابن عباس أخبرا عن ابتدائها ، وأنس أخبر عن انقضائها . فأما قول عبد الله بن عمر: إن النبي صلى الله عليه وسلم ، اعتمر أربعاً، إحداهن في رجب فوهم منه رضي الله عنه . قالت عائشة لما بلغها ذلك عنه : يرحم الله أبا عبد الرحمن ، ما اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرة قط إلا وهو شاهد، وما اعتمر في رجب قط . وأما ما رواه الدارقطني ، عن عائشة قالت : خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرة في رمضان فأفطر وصمت ، وقصر وأتممت ، فقلت : بأبي وأمي ، أفطرت وصمت ، وقصرت وأتممت ، فقال : أحسنت يا عائشة . فهذا الحديث غلط ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعتمر في رمضان قط ، وعمره مضبوطة العدد والزمان ، ونحن نقول : يرحم الله أم المؤمنين ، ما اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان قط ، وقد قالت عائشة رضي الله عنها : لم يعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا في ذي القعدة ، رواه ابن ماجه وغيره . ولا خلاف أن عمره لم تزد على أربع ، فلو كان قد اعتمر في رجب ، لكانت خمساً، ولو كان قد اعتمر في رمضان ، لكانت ستاً، إلا أن يقال : بعضهن في رجب، وبعضهن في رمضان ، وبعضهن في ذي القعدة، وهذا لم يقع ، وإنما الواقع ، اعتماره في ذي القعدة كما قال أنس رضي الله عنه ، وابن عباس رضي الله عنه ، وعائشة رضي الله عنها . وقد روى أبو داود في سننه عن عائشة، أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر في شوال . وهذا إذا كان محفوظاً ، فلعله في عمرة الجعرانة حين خرج في شوال ، ولكن إنما أحرم بها في ذي القعدة . |
انواع عرض الموضوع |
![]() |
![]() |
![]() |
|
|