منتديات جعلان > جعلان للتربية والتعليم والموسوعات > جعلان للتربية والتعليم | ||
((( زاد المعاد ))) الأجزاء 1.2.3.4.5 |
الملاحظات |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
جعلاني ذهبي
![]() ![]() ![]() ![]()
![]() غير متواجد
|
![]()
فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في العيدين
كان صلى الله عليه وسلم يصلي العيدين في المصلى ، وهو المصلى الذي على باب المدينة الشرقي ، وهو المصلى الذي يوضع فيه محمل الحاج ، ولم يصل العيد بمسجده إلا مرة واحدة أصابهم مطر ، فصلى بهم العيد في المسجد إن ثبت الحديث ، وهو في سنن أبي داود وابن ماجه ، وهديه كان فعلهما في المصلى دائماً . وكان يلبس للخروج إليهما أجمل ثيابه ، فكان له حلة يلبسها للعيدين والجمعة ، ومرة كان يلبس بردين أخضرين ، ومرة برداً أحمر ، وليس هو أحمر كما يظنه بعض الناس ، فإنه لو كان كذلك ، لم يكن برداً ، وإنما فيه خطوط حمر كالبرود اليمنية ، فسمي أحمر باعتبار ما فيه من ذلك . وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم من غير معارض النهي عن لبس المعصفر والأحمر ، وأمر عبد الله بن عمرو لما رأى عليه ثوبين أحمرين أن يحرقهما فلم يكن ليكره الأحمر هذه الكراهة الشديدة ثم يلبسه ، والذي يقوم عليه الدليل تحريم لباس الأحمر ، أو كراهيته كراهية شديدة . وكان صلى الله عليه وسلم يأكل قبل خروجه في عيد الفطر تمرات ، ويأكلهن وتراً ، وأما في عيد الأضحى ، فكان لا يطعم حتى يرجع من المصلى ، فيأكل من أضحيته . وكان يغتسل للعيدين ، صح الحديث فيه ، وفيه حديثان ضعيفان : حديث ابن عباس ، من رواية جبارة بن مغلس ، وحديث الفاكه بن سعد ، من رواية يوسف بن خالد السمتي . ولكن ثبت عن ابن عمر مع شدة اتباعه للسنة ، أنه كان يغتسل يوم العيد قبل خروجه . وكان صلى الله عليه وسلم يخرح ماشياً ، والعنزة تحمل بين يديه ، فإذا وصل إلى المصلى ، نصبت بين يديه ليصلي إليها ، فإن المصلى كان إذ ذاك فضاء لم يكن فيه بناء ولا حائط ، وكانت الحربة سترته . وكان يؤخر صلاة عيد الفطر ، ويعجل الأضحى ، وكان ابن عمر مع شدة اتباعه للسنة ، لا يخرج حتى تطلع الشمس ، ويكبر من بيته إلى المصلى . وكان صلى الله عليه وسلم إذا انتهى إلى المصلى ، أخذ فى الصلاة من غير أذان ولا إقامة ولا قول : الصلاة جامعة ، والسنة : أنه لا يفعل شئ من ذلك . ولم يكن هو ولا أصحابه يصلون إذا انتهوا إلى المصلى شيئاً قبل الصلاة ولا بعدها . وكان يبدأ بالصلاة قبل الخطبة ، فيصلي ركعتين ، يكبر فى الأولى سبع تكبيرات متوالية بتكبيرة الافتتاح ، يسكت بين كل تكبيرتين سكتة يسيرة ، ولم يحفظ عنه ذكر معين بين التكبيرات ، ولكن ذكر عن ابن مسعود أنه قال : يحمد الله ، ويثني عليه ، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ، ذكره الخلال . وكان ابن عمر مع تحريه للاتباع ، يرفع يديه مع كل تكبيرة . وكان صلى الله عليه وسلم إذا أتم التكبير ، أخذ فى القراءة ، فقرأ فاتحة الكتاب ، ثم قرأ بعدها ( ق والقرآن المجيد ) فى إحدى الركعتين ، وفى الأخرى ، ( اقتربت الساعة وانشق القمر ) . وربما قرأ فيهما ( سبح اسم ربك الأعلى ) ، و( هل أتاك حديث الغاشية ) صح عنه هذا وهذا ، ولم يصح عنه غير ذلك . فإذا فرغ من القراءة ، كبر وركع ، ثم إذا أكمل الركعة ، وقام من السجود ، كبر خمساً متوالية ، فإذا أكمل التكبير ، أخذ في القراءة ، فيكون التكبير أول ما يبدأ به في الركعتين ، والقراءة يليها الركوع ، وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه والى بين القراءتين ، فكبر أولاً ، ثم قرأ وركع ، فلما قام في الثانية ، قرأ وجعل التكبير بعد القراءة ، ولكن لم يثبت هذا عنه ، فإنه من رواية محمد بن معاوية النيسابوري . قال البيهقي : رماه غير واحد بالكذب . وقد روى الترمذي من حديث كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف ، عن أبيه عن جده ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كبر في العيدين في الأولى سبعاً قبل القراءة ، وفى الآخرة خمساً قبل القراءة . قال الترمذي : سألت محمداً يعني البخاري عن هذا الحديث ، قال : ليس في الباب شئ أصح من هذا ، وبه أقول ، وقال : وحديث عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده في هذا الباب ، هو صحيح أيضاً . قلت : يريد حديثه أن النبي صلى الله عليه وسلم كبر في عيد ثنتي عشرة تكبيرة ، سبعاً في الأولى ، وخمساً في الآخرة ، ولم يصل قبلها ولا بعدها . قال أحمد : وأنا أذهب إلى هذا . قلت : وكثير بن عبد الله بن عمرو هذا ضرب أحمد على حديثه في المسند وقال : لا يساوي حديثه شيئاً ، والترمذي تارة يصحح حديثه ، وتارة يحسنه ، وقد صرح البخاري بأنه أصح شئ في الباب ، مع حكمه بصحة حديث عمرو بن شعيب ، وأخبر أنه يذهب إليه . والله أعلم . وكان صلى الله عليه وسلم إذا أكمل الصلاة ، انصرف ، فقام مقابل الناس ، والناس جلوس على صفوفهم ، فيعظهم ويوصيهم ، ويأمرهم وينهاهم ، وإن كان يريد أن يقطع بعثاً قطعه ، أو يأمر بشئ أمر به . ولم يكن هنالك منبر يرقى عليه ، ولم يكن يخرج منبر المدينة ، وإنما كان يخطبهم قائماً على الأرض ، قال جابر : شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة يوم العيد ، فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بلا أذان ولا إقامة ، ثم قام متوكئاً على بلال ، فأمر بتقوى الله ، وحث على طاعته ، ووعظ الناس ، وذكرهم ، ثم مضى حتى أتى النساء ، فوعظهن وذكرهن ، متفق عليه . وقال أبو سعيد الخدري : كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى ، فأول ما يبدأ به الصلاة ، ثم ينصرف ، فيقوم مقابل الناس ، والناس جلوس على صفوفهم . . . الحديث . رواه مسلم . وذكر أبو سعيد الخدري : أنه صلى الله عليه وسلم كان يخرج يوم العيد ، فيصلي بالناس ركعتين ، ثم يسلم ، فيقف على راحلته مستقبل الناس وهم صفوف جلوس ، فيقول : " تصدقوا " ، فأكثر من يتصدق النساء ، بالقرط والخاتم والشئ . فإن كانت له حاجة يريد أن يبعث بعثاً يذكره لهم ، وإلا انصرف . وقد كان يقع لي أن هذا وهم ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم ، إنما كان يخرج إلى العيد ماشياً ، والعنزة بين يديه ، وإنما خطب على راحلته يوم النحر بمنى ، إلى أن رأيت بقي بن مخلد الحافظ قد ذكر هذا الحديث في مسنده عن أبي بكر بن أبي شيبة ، حدثنا عبد الله بن نمير ، حدثنا داود بن قيس ، حدثنا عياض بن عبد الله بن سعد بن أبي سرح ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج يوم العيد من يوم الفطر ، فيصلي بالناس تينك الركعتين ، ثم يسلم ، فيستقبل الناس ، فيقول : تصدقوا . وكان أكثر من يتصدق النساء وذكر الحديث . ثم قال : حدثنا أبو بكر بن خلاد ، حدثنا أبو عامر ، حدثنا داود ، عن عياض ، عن أبي سعيد : كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج في يوم الفطر ، فيصلى بالناس ، فيبدأ بالركعتين ، ثم يستقبلهم وهم جلوس ، فيقول : تصدقوا فذكر مثله وهذا إسناد ابن ماجه إلا أنه رواه عن أبي كريب ، عن أبي أسامة ، عن داود . ولعله : ثم يقوم على رجليه ، كما قال جابر : قام متوكئاً على بلال ، فتصحف على الكاتب : براحلته . والله أعلم . فإن قيل : فقد أخرجا في الصحيحين عن ابن عباس ، قال شهدت صلاة الفطر مع نبي الله صلى الله عليه وسلم ، وأبي بكر ، وعمر ، وعثمان رضي الله عنهم ، فكلهم يصليها قبل الخطبة ، ثم يخطب ، قال : فنزل نبي الله صلى الله عليه وسلم ، كأني أنظر إليه حين يجلس الرجال بيده ، ثم أقبل يشقهم حتى جاء إلى النساء ومعه بلال ، فقال : " يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا " ( الممتحنة : 12) . فتلا الآية حتى فرغ منها ، الحديث . وفي الصحيحين أيضاً ، عن جابر ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قام ، فبدأ بالصلاة ، ثم خطب الناس بعد ، فلما فرغ نبي الله صلى الله عليه وسلم ، نزل فأتى النساء فذكرهن ، الحديث . وهو يدل على أنه كان يخطب على منبر ، أو على راحلته ، ولعله كان قد بني له منبر من لبن أو طين أو نحوه ؟ قيل : لا ريب في صحة هذين الحديثين ، ولا ريب أن المنبر لم يكن يخرج من المسجد ، وأول من أخرجه مروان بن الحكم ، فأنكر عليه ، وأما منبر اللبن والطين ، فأول من بناه كثير بن الصلت في إمارة مروان على المدينة ، كما هو في الصحيحين فلعله صلى الله عليه وسلم كان يقوم في المصلى على مكان مرتفع ، أو دكان وهي التي تسمى مصطبة ، ثم ينحدر منه إلى النساء ، فيقف عليهن ، فيخطبهن ، فيعظهن ، ويذكرهن . والله أعلم . وكان يفتتح خطبه كلها بالحمد الله ، ولم يحفظ عنه في حديث واحد ، أنه كان يفتتح خطبتي العيدين بالتكبير ، وإنما روى ابن ماجه في سننه عن سعد القرظ مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يكثر التكبير بين أضعاف الخطبة ، ويكثر التكبير في خطبتي العيدين . وهذا لا يدل على أنه كان يفتتحها به . وقد اختلف الناس في افتتاح خطبة العيدين والاستسقاء ، فقيل : يفتتحان بالتكبير ، وقيل : تفتتح خطبة الاستسقاء بالاستغفار ، وقيل : يفتتحان بالحمد . قال شيخ الإسلام ابن تيمية : وهو الصواب ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله ، فهو أجذم " . وكان يفتتح خطبه كلها بالحمد لله . ورخص صلى الله عليه وسلم لمن شهد العيد ، أن يجلس للخطبة ، وأن يذهب ، ورخص لهم إذا وقع العيد يوم الجمعة ، أن يجتزئوا بصلاة العيد عن حضور الجمعة . وكان صلى الله عليه وسلم يخالف الطريق يوم العيد ، فيذهب في طريق ، ويرجع في آخر فقيل : ليسلم على أهل الطريقين ، وقيل : لينال بركته الفريقان ، وقيل : ليقضي حاجة من له حاجة منهما ، وقيل : ليظهر شعائر الإسلام في سائر الفجاج والطرق ، وقيل : ليغيظ المنافقين برؤيتهم عزة الإسلام وأهله ، وقيام شعائره ، وقيل : لتكثر شهادة البقاع ، فإن الذاهب إلى المسجد والمصلى إحدى خطوتيه ترفع درجة ، والأخرى تحط خطيئة حتى يرجع إلى منزله ، وقيل هو الأصح : إنه لذلك كله ، ولغيره من الحكم التي لا يخلو فعله عنها . وروي عنه ، أنه كان يكبر من صلاة الفجر يوم عرفة إلى العصر من آخر أيام التشريق : الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله ، والله أكبر ، الله أكبر ، ولله الحمد . |
جعلاني ذهبي
![]() ![]() ![]() ![]()
![]() غير متواجد
|
![]()
فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف
لما كسفت الشمس ، خرج صلى الله عليه وسلم إلى المسجد مسرعاً فزعاً يجر رداءه ، وكان كسوفها في أول النهار على مقدار رمحين أو ثلاثة من طلوعها ، فتقدم ، فصلى ركعتين ، قرأ في الأولى بفاتحة الكتاب ، وسورة طويلة ، جهر بالقراءة ، ثم ركع ، فأطال الركوع ، ثم رفع رأسه من الركوع ، فأطال القيام وهو دون القيام الأول ، وقال لما رفع رأسه : " سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد " ، ثم أخذ في القراءة ، ثم ركع ، فأطال الركوع وهو دون الركوع الأول ، ثم رفع رأسه من الركوع ، ثم سجد سجدة طويلة فأطال السجود ، ثم فعل في الركعة الأخرى مثل ما فعل في الأولى ، فكان في كل ركعة ركوعان وسجودان ، فاستكمل في الركعتين أربع ركعات وأربع سجدات ، ورأى في صلاته تلك الجنة والنار ، وهم أن يأخذ عنقوداً من الجنة ، فيريهم إياه ، ورأى أهل العذاب في النار ، فرأى امرأة تخدشها هرة ربطتها حتى ماتت جوعاً وعطشاً ، ورأى عمرو بن مالك يجر أمعاءه في النار ، وكان أول من غير دين إبراهيم ، ورأى فيها سارق الحاج يعذب ، ثم انصرف ، فخطب بهم خطبة بليغة ، حفظ منها قوله : " إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ، ولا لحياته ، فإذا رأيتم ذلك ، فادعوا الله وكبروا ، وصلوا ، وتصدقوا يا أمة محمد ، والله ما أحد أغير من الله أن يزني عبده ، أو تزني أمته ، يا أمة محمد ، والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ، ولبكيتم كثيراً " . وقال : " لقد رأيت في مقامي هذا كل شئ وعدتم به ، حتى لقد رأيتني أريد أن آخذ قطفاً من الجنة حين رأيتموني أتقدم ، ولقد رأيت جهنم يحطم بعضها بعضاً حين رأيتموني تأخرت " . وفي لفظ : ورأيت النار فلم أر كاليوم منظراً قط أفظع منها ، ورأيت أكثر أهل النار النساء . قالوا : وبم يا رسول الله ؟ قال : بكفرهن . قيل : أيكفرن بالله ؟ قال : يكفرن العشير ، ويكفرن الإحسان ، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر كله ، ثم رأت منك شيئاً ، قالت : ما رأيت منك خيراً قط . ومنها : " ولقد أوحي إلي أنكم تفتنوت في القبور مثل ، أو قريباً من فتنة الدجال ، يؤتى أحدكم فيقال له : ما علمك بهذا الرجل؟ فأما المؤمن أو قال : الموقن ، فيقول : محمد رسول الله ، جاءنا بالبينات والهدى ، فأجبنا ، وآمنا واتبعنا ، فيقال له : نم صالحاً فقد علمنا إن كنت لمؤمناً ، وأما المنافق أو قال : المرتاب، فيقول : لا أدري ، سمعت الناس يقولون شيئاً ، قلته ". وفي طريق أخرى لأحمد بن حنبل رحمه الله ، أنه صلى الله عليه وسلم لما سلم ، حمد الله ، وأثنى عليه ، وشهد أن لا إله إلا الله ، وأنه عبده ورسوله ، ثم قال : " أيها الناس ، أنشدكم بالله هل تعلمون أني قصرت في شئ من تبليغ رسالات ربي لما أخبرتموني بذلك ؟ فقام رجل ، فقال : نشهد أنك قد بلغت رسالات ربك ، ونصحت لأمتك ، وقضيت الذي عليك . ثم قال : أما بعد فإن رجالاً يزعمون أن كسوف هذه الشمس ، وكسوف هذا القمر ، وزوال هذه النجوم عن مطالعها لموت رجال عظماء من أهل الأرض ، وإنهم قد كذبوا ، ولكنها آيات من آيات الله تبارك وتعالى يعتبر بها عباده ، فينظر من يحدث منهم توبة ، وايم الله الله لقد رأيت منذ قمت أصلي ما أنتم لاقوه من أمر دنياكم وآخرتكم ، وإنه - والله أعلم - لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون كذاباً آخرهم الأعور الدجال ، ممسوح العين اليسرى ، كأنها عين أبي تحيى لشيخ حينئذ من الأنصار ، بينه وبين حجرة عائشة ، وإنه متى يخرج ، فسوف يزعم أنه الله ، فمن آمن به وصدقه واتبعه ، لم ينفعه صالح من عمله سلف ، ومن كفر به وكذبه ، لم يعاقب بشئ من عمله سلف ، وإنه سيظهر على الأرض كلها إلا الحرم وبيت المقدس ، وإنه يحصر المؤمنين في بيت المقدس ، فيزلزلون زلزالاً شديداً ، ثم يهلكم الله عز وجل وجنوده ، حتى إن جذم الحائط أو قال : أصل الحائط ، وأصل الشجرة لينادي : يا مسلم ، يا مؤمن ، هذا يهودي ، أو قال : هذا كافر ، فتعال فاقتله قال : ولن يكون ذلك حتى تروا أموراً يتفاقم بينكم شأنها في أنفسكم ، وتساءلون بينكم : هل كان نبيكم ذكر لكم منها ذكراً : وحتى تزول جبال عن مراتبها ، ثم على أثر ذلك القبض " . فهذا الذي صح عنه صلى الله عليه وسلم من صفة صلاة الكسوف وخطبتها . وقد روي عنه أنه صلاها على صفات أخر . منها : كل ركعة بثلاث ركوعات . ومنها : كل ركعة بأربع ركوعات . ومنها : إنها كإحدى صلاة صليت كل ركعة بركوع واحد ، ولكن كبار الأئمة ، لا يصححون ذلك ، كالإمام أحمد ، والبخاري ، والشافعي ، ويرونه غلطاً . قال الشافعي وقد سأله سائل ، فقال : روى بعضهم أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بثلاث ركعات في كل ركعة ، قال الشافعي : فقلت له : أتقول به أنت ؟ قال : لا ، ولكن لم لم تقل به أنت وهو زيادة على حديثكم ؟ يعني حديث الركوعين فى الركعة ، فقلت : هو من وجه منقطع ، ونحن لا نثبت المنقطع على الانفراد ، ووجه نراه - والله أعلم - غلطاً ، قال البيهقي : أراد بالمنقطع قول عبيد بن عمير : حدثني من أصدق ، قال عطاء : حسبته يريد عائشة . . . الحديث ، وفيه : فركع في كل ركعة ثلاث ركوعات وأربع سجدات . وقال قتادة : عن عطاء ، عن عبيد بن عمير ، عنها : ست ركعات في أربع سجدات . فعطاء ، إنما أسنده عن عائشة بالظن والحسبان ، لا باليقين ، وكيف يكون ذلك محفوظاً عن عائشة ، وقد ثبت عن عروة ، وعمرة ، عن عائشة خلافه وعروة وعمرة أخص بعائشة وألزم لها من عبيد وعمير وهما اثنان ، فروايتهما أولى أن تكون هي المحفوظة . قال : وأما الذي يراه الشافعي غلطاً ، فأحسبه حديث عطاء عن جابر : " انكسفت الشمس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم مات إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال الناس : إنما انكسفت الشمس لموت إبراهيم ، فقام النبي صلى الله عليه وسلم ، فصلى بالناس ست ركعات في أربع سجدات "الحديث . قال البيهقي : من نظر في قصة هذا الحديث ، وقصة حديث أبي الزبير ، علم أنهما قصة واحدة ، وأن الصلاة التي أخبر عنها إنما فعلها مرة واحدة ، وذلك في يوم توفي ابنه إبراهيم عليه السلام . قال : ثم وقع الخلاف بين عبد الملك يعني ابن أبي سليمان ، عن عطاء ، عن جابر ، وبين هشام الدستوائي ، عن أبي الزبير ، عن جابر في عدد الركوع في كل ركعة ، فوجدنا رواية هشام أولى ، يعني أن في كل ركعة ركوعين فقط ، لكونه مع أبي الزبير أحفظ من عبد الملك ، ولموافقة روايته في عدد الركوع رواية عمرة وعروة عن عائشة ، ورواية كثير بن عباس ، وعطاء بن يسار ، عن ابن عباس ، ورواية أبي سلمة عن عبد الله بن عمرو ، ثم رواية يحيى بن سليم وغيره ، وقد خولف عبد الملك في روايته عن عطاء ، فرواه ابن جريج وقتادة ، عن عطاء ، عن عبيد بن عمير : ست ركعات في أربع سجدات ، فرواية هشام عن أبي الزبير عن جابر التي لم يقع فيها الخلاف ويوافقها عدد كثير أولى من روايتي عطاء اللتين إنما إسناد أحدهما بالتوهم ، والأخرى ينفرد بها عنه عبد الملك بن أبي سليمان ، الذي قد أخذ عليه الغلط في غير حديث . قال : وأما حديث حبيب بن أبي ثابت ، عن طاووس ، عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه صلى في كسوف ، فقرأ ، ثم ركع ، ثم قرأ ، ثم ركع ، ثم قرأ ، ثم ركع ، ثم قرأ ، ثم ركع ، ثم سجد قال : والأخرى مثلها ، فرواه مسلم فى صحيحه وهو مما تفرد به حبيب بن أبي ثابت ، وحبيب وإن كان ثقة ، فكان يدلس ، ولم يبين فيه سماعه من طاووس ، فيشبه أن يكون حمله عن غير موثوق به ، وقد خالفه في رفعه ومتنه سليمان المكي الأحول ، فرواه عن طاووس ، عن ابن عباس من فعله ثلاث ركعات في ركعة . وقد خولف سليمان أيضاً في عدد الركوع ، فرواه جماعة عن ابن عباس من فعله ، كما رواه عطاء بن يسار وغيره عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، يعني في كل ركعة ركوعان . قال : وقد أعرض محمد بن إسماعيل البخاري عن هذه الروايات الثلاث ، فلم يخرج شيئاً منها في الصحيح لمخالفتهن ما هو أصح إسناداً ، وأكثر عدداً ، وأوثق رجالاً ، وقال البخاري فى رواية أبي عيسى الترمذي عنه : أصح الروايات عندي في صلاة الكسوف أربع ركعات في أربع سجدات . قال البيهقي : وروي عن حذيفة مرفوعاً " أربع ركعات في كل ركعة "، وإسناده ضعيف . وروي عن أبي بن كعب مرفوعاً " خمس ركوعات في كل ركعة " . وصاحبا الصحيح لم يحتجا بمثل إسناد حديثه . قال : وذهب جماعة من أهل الحديث إلى تصحيح الروايات في عدد الركعات ، وحملوها على أن النبي صلى الله عليه وسلم فعلها مراراً ، وأن الجميع جائز ، فممن ذهب إليه إسحاق بن راهويه ، ومحمد بن إسحاق بن خزيمة ، وأبو بكر بن إسحاق الضبعي ، وأبو سليمان الخطابي ، واستحسنه ابن المنذر . والذي ذهب إليه البخاري والشافعي من ترجيح الأخبار أولى لما ذكرنا من رجوع الأخبار إلى حكاية صلاته صلى الله عليه وسلم يوم توفي ابنه . قلت : والمنصوص عن أحمد أيضاً أخذه بحديث عائشة وحده في كل ركعة ركوعان وسجودان . قال في رواية المروزي : وأذهب إلى أن صلاة الكسوف أربع ركعات ، وأربع سجدات ، في كل ركعة ركعتان وسجدتان ، وأذهب إلى حديث عائشة ، أكثر الأحاديث على هذا . وهذا اختيار أبي بكر وقدماء الأصحاب ، وهو اختيار شيخنا أبي العباس ابن تيمية . وكان يضعف كل ما خالفه من الأحاديث ، ويقول : هي غلط ، وإنما صلى النبي صلى الله عليه وسلم الكسوف مرة واحدة يوم مات ابنه إبراهيم . والله أعلم . وأمر صلى الله عليه وسلم في الكسوف بذكر الله ، والصلاة ، والدعاء ، والاستغفار والصدقة ، والعتاقة ، والله أعلم . |
جعلاني ذهبي
![]() ![]() ![]() ![]()
![]() غير متواجد
|
![]()
فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في الاستسقاء
ثبت عنه صلى الله عليه وسلم ، انه استسقى على وجوه . أحدها : يوم الجمعة على المنبر في أثناء خطبته ، وقال : " اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللقم اسقنا ، اللهم اسقنا ، اللهم اسقنا " . الوجه الثاني : أنه صلى الله عليه وسلم وعد الناس يوماً يخرجون فيه إلى المصلى ، فخرج لما طلعت الشمس متواضعاً ، متبذلاً ، متخشعاً ، مترسلاً ، متضرعاً ، فلما وافى المصلى ، صعد المنبر - إن صح ، وإلا ففي القلب منه شئ - فحمد الله وأثنى عليه وكبره ، وكان مما حفظ من خطبته ودعائه : " الحمد لله رب العالمين ، الرحمن الرحيم ، مالك يوم الدين ، لا إله إلا الله ، يفعل ما يريد ، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت ، تفعل ما تريد ، اللهم لا إله إلا أنت ، أنت الغني ونحن الفقراء ، أنزل علينا الغيث ، واجعل ما أنزلته علينا قوة لنا ، وبلاغا إلى حين " . ثم رفع يديه ، وأخذ في التضرع ، والابتهال ، والدعاء ، وبالغ في الرفع حتى بدا بياض إبطيه ، ثم حول إلى الناس ظهره ، واستقبل القبلة ، وحول إذ ذاك رداءه وهو مستقبل القبلة ، فجعل الأيمن على الأيسر ، والأيسر على الأيمن ، وظهر الرداء لبطنه ، وبطنه لظهره ، وكان الرداء خميصة سوداء ، وأخذ في الدعاء مستقبل القبلة ، والناس كذلك ، ثم نزل فصلى بهم ركعتين كصلاة العيد من غير أذان ولا إقامة ولا نداء البتة ، جهر فيهما بالقراءة ، وقرأ في الأولى بعد فاتحة الكتاب : ( سبح اسم ربك الأعلى ) ، وفي الثانية : ( هل أتاك حديث الغاشية ). الوجه الثالث : أنه صلى الله عليه وسلم استسقى على منبر المدينة استسقاء مجرداً في غير يوم جمعة ، ولم يحفظ عنه صلى الله عليه وسلم في هذا الاستسقاء صلاة . الوجه الرابع : أنه صلى الله عليه وسلم استسقى وهو جالس في المسجد ، فرفع يديه ، ودعا الله عز وجل ، فحفظ من دعائه حينئد : " اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً مريعاً طبقاً عاجلاً غير رائث ، نافعاً غير ضار ". الوجه الخامس : أنه صلى الله عليه وسلم استسقى عند أحجار الزيت قريباً من الزوراء ، وهي خارج باب المسجد الذي يدعى اليوم باب السلام نحو قذفة حجر ، ينعطف عن يمين الخارج من المسجد . الوجه السادس : أنه صلى الله عليه وسلم استسقى في بعض غزواته لما سبقه المشركون إلى الماء ، فأصاب المسلمين العطش ، فشكوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقال بعض المنافقين : لو كان نبياً ، لاستسقى لقومه ، كما استسقى موسى لقومه ، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : " أوقد قالوها ؟ عسى ربكم أن يسقيكم ، ثم بسط يديه ودعا ، فما رد يديه من دعائه ، حتى أظلهم السحاب ، وأمطروا ، فأفعم السيل الوادي ، فشرب الناس ، فارتووا" . وحفظ من دعائه في الاستسقاء :"اللهم اسق عبادك وبهائمك ، وانشر رحمتك ، وأحي بلدك الميت " ، " اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً مريئاً ، مريعاً ، نافعاً غير ضار ، عاجلاً غير آجل" . وأغيث صلى الله عليه وسلم في كل مرة استسقى فيها . واستسقى مرة ، فقام إليه أبو لبابة فقال : يا رسول الله ! ان التمر في المرابد ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اللهم اسقنا حتى يقوم أبو لبابة عرياناً ، فيسد ثعلب مربده بإزاره "، فأمطرت ، فاجتمعو إلى أبي لبابة ، فقالوا : إنها لن تقلع حتى تقوم عرياناً، فتسد ثعلب مربدك بإزارك كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ففعل ، فاستهلت السماء . ولما كثر المطر ، سألوه الاستصحاء ، فاستصحى لهم ، وقال : " اللهم حوالينا ولا علينا ، اللهم على الآكام والجبال ، والظراب ، وبطون الأودية ، ومنابت الشجر " . وكان صلى الله عليه وسلم إذا رأى مطراً ، قال : " اللهم صيباً نافعاً " . وكان يحسر ثوبه حتى يصيبه من المطر ، فسئل عن ذلك ، فقال : " لأنه حديث عهد بربه ". قال الشافعي رحمه الله : أخبرني من لا أتهم عن يزيد بن الهاد ، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سال السيل قال : " اخرجوا بنا إلى هذا الذي جعله الله طهوراً ، فنتطهر منه ، ونحمد الله عليه " . وأخبرني من لا أتهم ، عن إسحاق بن عبد الله أن عمر كان إذا سال السيل ذهب بأصحابه إليه ، وقال : ما كان ليجيء من مجيئه أحد إلا تمسحنا به . وكان صلى الله عليه وسلم إذا رأى الغيم والريح ، عرف ذلك في وجهه ، فأقبل وأدبر ، فإذا أمطرت ، سري عنه ، وذهب عنه ذلك ، وكان يخشى أن يكون فيه العذاب . قال الشافعي : وروي عن سالم بن عبد الله عن أبيه مرفوعاً أنه كان إذا استسقى قال : " اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً هنيئاً مريئاً غدقاً مجللاً عاماً طبقاً سحاً دائماً ، اللهم اسقنا الغيث ، ولا تجعلنا من القانطين ، اللهم إن بالعباد والبلاد والبهائم والخلق من اللأواء والجهد والضنك ما لا نشكوه إلا إليك ، اللهم أنبت لنا الزرع ، وأدر لنا الضرع ، واسقنا من بركات السماء ، وأنبت لنا من بركات الأرض ، اللهم ارفع عنا الجهد والجوع والعري ، واكشف عنا من البلاء ما لا يكشفه غيرك ، اللهم إنا نستغفرك ، إنك كنت غفاراً ، فأرسل السماء علينا مدراراً " . قال الشافعي رحمه الله : وأحب أن يدعو الإمام بهذا ، قال : وبلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دعا في الاستسقاء رفع يديه وبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتمطر في أول مطرة حتى يصيب جسده . قال : وبلغني أن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أصبح وقد مطر الناس ، قال : مطرنا بنوء الفتح ، ثم يقرأ : " ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها " (فاطر :2) . قال : وأخبرني من لا أتهم عن عبد العزيز بن عمر ، عن مكحول ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " اطلبوا استجابة الدعاء عند التقاء الجيوش ، وإقامة الصلاة ، ونزول الغيث " . وقد حفظت عن غير واحد طلب الإجابة عند : نزول الغيث ، وإقامة الصلاة . قال البيهقي : وقد روينا في حديث موصول عن سهل بن سعد ، عن النبي صلى الله عليه وسلم " الدعاء لا يرد عند النداء ، وعند البأس ، وتحت المطر " . وروينا عن أبي أمامة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " تفتح أبواب السماء ، ويستجاب الدعاء في أربعة مواطن : عند التقاء الصفوف ، وعند نزول الغيث ، وعند إقامة الصلاة ، وعند رؤية الكعبة " . |
جعلاني ذهبي
![]() ![]() ![]() ![]()
![]() غير متواجد
|
![]()
فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في سفره وعبادته فيه
كانت أسفاره صلى الله عليه وسلم دائرة بين أربعة أسفار : سفره لهجرته ، وسفره للجهاد وهو أكثرها ، وسفره للعمرة ، وسفره للحج . وكان إذا أراد سفراً ، أقرع بين نسائه ، فأيتهن خرج سهمها ، سافر بها معه ، ولما حج ، سافر بهن جميعاً . وكان إذا سافر ، خرج من أول النهار ، وكان يستحب الخروج يوم الخميس ، ودعا الله تبارك وتعالى أن يبارك لأمته في بكورها. وكان إذا بعث سرية أو جيشاً ، بعثهم من أول النهار ، وأمر المسافرين إذا كانوا ثلاثة أن يؤمروا أحدهم . ونهى أن يسافر الرجل وحده ، وأخبر أن الراكب شيطان ، والراكبان شيطانان ، والثلاثة ركب . وذكر عنه أنه كان يقول حين ينهض للسفر " اللهم إليك توجهت ، وبك اعتصمت ، اللهم اكفني ما أهمني وما لا أهتم به ، اللهم زودني التقوى ، واغفر لي ذنبي ، ووجهني للخير أينما توجهت " . وكان إذا قدمت إليه دابته ليركبها ، يقول : " بسم الله حين يضع رجله الركاب ، وإذا استوى على ظهرها ، قال : الحمد لله الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا الى ربنا لمنقلبون ، ثم يقول : الحمد لله ، الحمد لله ، الحمد لله ، ثم يقول : الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، ثم يقول : سبحانك إني ظلمت نفسي ، فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ". وكان يقول : " اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى ، ومن العمل ما ترضى ، اللهم هون علينا سفرنا هذا ، واطو عنا بعده ، اللهم أنت الصاحب في السفر ، والخليفة في الأهل ، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر ، وكابة المنقلب ، وسوء المنظر في الأهل والمال " وإذا رجع ، قالهن ، وزاد فيهن : آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون . وكان هو وأصحابه إذا علوا الثنايا ، كبروا ، وإذا هبطوا الأودية ، سبحوا . وكان إذا أشرف على قرية يريد دخولها يقول " اللهم رب السماوات السبع وما أظللن ، ورب الأرضين السبع وما أقللن ، ورب الشياطين وما أضللن ، ورب الرياح وما ذرين ، أسألك خير هذه القرية وخير أهلها ، وأعوذ بك من شرها ، وشر أهلها وشر ما فيها ". وذكر عنه أنه كان يقول : " اللهم إني أسألك من خير هذه القرية وخير ما جمعت فيها ، وأعوذ بك من شرها وشر ما جمعت فيها، اللهم ارزقنا جناها ، وأعذنا من وباها ، وحببنا إلى أهلها ، وحبب صالحي أهلها إلينا " . وكان يقصر الرباعية ، فيصليها ركعتين من حين يخرج مسافراً إلى أن يرجع إلى المدينة ، ولم يثبت عنه أنه أتم الرباعية في سفره البتة ، وأما حديث عائشة : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقصر في السفر ، ويتم ، ويفطر ويصوم ، فلا يصح . وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول : هو كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى ، وقد روي : كان يقصر وتتم ، الأول بالياء آخر الحروف ، والثاني بالتاء المثناة من فوق ، وكذلك يفطر ويصوم ، أي : تأخذ هي بالعزيمة في الموضعين ، قال شيخنا ابن تيمية : وهذا باطل ما كانت أم المؤمنين لتخالف رسول الله صلى الله عليه وسلم وجميع أصحابه ، فتصلي خلاف صلاتهم ، كيف والصحيح عنها أنها قالت : إن الله فرض الصلاة ركعتين ركعتين ، فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، زيد في صلاة الحضر ، وأقرت صلاة السفر فكيف يظن بها مع ذلك أن تصلي بخلاف صلاة النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين معه . قلت : وقد أتمت عائشة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم ، قال ابن عباس وغيره : إنها تأولت كما تأول عثمان وإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقصر دائماً ، فركب بعض الرواة من الحديثين حديثاً ، وقال : فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقصر وتتم هي ، فغلط بعض الرواة ، فقال: كان يقصر ويتم ، أي : هو . والتأويل الذي تأولته قد اختلف فيه ، فقيل : ظنت أن القصر مشروط بالخوف في السفر ، فإذا زال الخوف ، زال سبب القصر ، وهذا التأويل غير صحيح ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم سافر آمناً وكان يقصر الصلاة ، والآية قد أشكلت على عمر وعلى غيره ، فسأل عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأجابه بالشفاء وأن هذا صدقة من الله وشرع شرعه للأمة ، وكان هذا بيان أن حكم المفهوم غير مراد ، وإن الجناح مرتفع في قصر الصلاة عن الآمن والخائف ، وغايته أنه نوع تخصيص للمفهوم ، أو رفع له ، وقد يقال : إن الآية اقتضت قصراً يتناول قصر الأركان بالتخفيف ، وقصر العدد بنقصان ركعتين ، وقيد ذلك بأمرين : الضرب في الأرض ، والخوف ، فإذا وجد الأمران ، أبيح القصران ، فيصلون صلاة الخوف مقصورة عددها وأركانها ، وإن انتفى الأمران ، فكانوا آمنين مقيمين ، انتفى القصران ، فيصلون صلاة تامة كاملة ، وإن وجد أحد السببين ، ترتب عليه قصره وحده ، فإذا وجد الخوف والإقامة ، قصرت الأركان ، واستوفي العدد ، وهذا نوع قصر ، وليس بالقصر المطلق في الآية ، فإن وجد السفر والأمن ، قصر العدد واستوفي الأركان ، وسميت صلاة أمن ، وهذا نوع قصر ، وليس بالقصر المطلق ، وقد تسمى هذه الصلاة مقصورة باعتبار نقصان العدد ، وقد تسمى تامة باعتبار إتمام أركانها ، وأنها لم تدخل في قصر الآية ، والأول اصطلاح كثير من الفقهاء المتأخرين ، والثاني يدل عليه كلام الصحابة ، كعائشة وابن عباس وغيرهما ، قالت عائشة : فرضت الصلاة ركعتين ركعتين ، فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، زيد في صلاة الحضر ، وأقرت صلاة السفر . فهذا يدل على أن صلاة السفر عندها غير مقصورة من أربع ، وإنما هي مفروضة كذلك ، وأن فرض المسافر ركعتان . وقال ابن عباس : فرض الله الصلاة على لسان نبيكم في الحضر أربعاً ، وفي السفر ركعتين ، وفي الخوف ركعة متفق على حديث عائشة ، وانفرد مسلم بحديث ابن عباس . وقال عمر رضي الله عنه : صلاة السفر ركعتان ، والجمعة ركعتان ، والعيد ركعتان ، تمام غير قصر على لسان محمد صلى الله عليه وسلم ، وقد خاب من افترى . وهذا ثابت عن عمر رضي الله عنه ، وهو الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم : ما بالنا نقصر وقد أمنا ؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : "صدقة تصدق بها الله عليكم ، فاقبلوا صدقته " . ولا تناقض بين حديثيه ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما أجابه بأن هذه صدقة الله عليكم ، ودينه اليسر السمح ، علم عمر أنه ليس المراد من الآية قصر العدد كما فهمه كثير من الناس ، فقال : صلاة السفر ركعتان ، تمام غير قصر . وعلى هذا ، فلا دلالة في الآية على أن قصر العدد مباح منفي عنه الجناح ، فإن شاء المصلي ، فعله ، وإن شاء ، أتم . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يواظب في أسفاره على ركعتين ركعتين ، ولم يربع قط إلا شيئاً فعله في بعض صلاة الخوف ، كما سنذكره هناك ، ونبين ما فيه إن شاء الله تعالى . وقال أنس : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة ، فكان يصلي ركعتين ركعتين حتى رجعنا إلى المدينة . متفق عليه. ولما بلغ عبد الله بن مسعود أن عثمان بن عفان صلى بمنى أربع ركعات قال : إنا لله وإنا إليه راجعون ، صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى ركعتين ، وصليت مع أبي بكر بمنى ركعتين ، وصليت مع عمر بن الخطاب بمنى ركعتين ، فليت حظي من أربع ركعات ركعتان متقبلتان . متفق عليه . ولم يكن ابن مسعود ليسترجع من فعل عثمان أحد الجائزين المخير بينهما ، بل الأولى على قول ، وإنما استرجع لما شاهده من مداومة النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه على صلاة ركعتين في السفر . وفي صحيح البخاري عن ابن عمر رضي الله عنه قال : صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكان في السفر لا يزيد على ركعتين ، وأبا بكر وعمر وعثمان . يعني في صدر خلافة عثمان ، وإلا فعثمان قد أتم في آخر خلافته ، وكان ذلك أحد الأسباب التي أنكرت عليه . وقد خرج لفعله تأويلات ، أحدها : أن الأعراب كانوا قد حجوا تلك السنة ، فأراد أن يعلمهم أن فرض الصلاة أربع ، لئلا يتوهموا أنها ركعتان في الحضر والسفر ، ورد هذا التأويل بأنهم كانوا أحرى بذلك في حج النبي صلى الله عليه وسلم ، فكانوا حديثي عهد بالإسلام ، والعهد بالصلاة قريب ، ومع هذا ، فلم يربع بهم النبي صلى الله عليه وسلم . ==>>>يتبع |
جعلاني ذهبي
![]() ![]() ![]() ![]()
![]() غير متواجد
|
![]()
التأويل الثاني : أنه كان إماماً للناس ، والإمام حيث نزل ، فهو عمله ومحل ولايته ، فكأنه وطنه ، ورد هذا التأويل بأن إمام الخلائق على الإطلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم كان هو أولى بذلك ، وكان هو الإمام المطلق ، ولم يربع .
التأويل الثالث : أن منى كانت قد بنيت وصارت قرية كثر فيها المساكن في عهده ، ولم يكن ذلك في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بل كانت فضاء ، ولهذا قيل له : يا رسول الله ألا نبني لك بمنى بيتاً يظلك من الحر ؟ فقال :" لا منى مناخ من سبق ". فتأول عثمان أن القصر إنما يكون في حال السفر . ورد هذا التأويل بأن النبي صلى الله عليه وسلم أقام بمكة عشراً يقصر الصلاة . التأويل الرابع : أنه أقام بها ثلاثاً ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : " يقيم المهاجر بعد قضاء نسكه ثلاثاً " فسماه مقيماً ، والمقيم غير مسافر ، ورد هذا التأويل بأن هذه إقامة مقيدة في أثناء السفر ليست بالإقامة التي هي قسيم السفر ، وقد أقام صلى الله عليه وسلم بمكة عشراً يقصر الصلاة ، وأقام بمنى بعد نسكه أيام الجمار الثلاث يقصر الصلاة . التأويل الخامس : أنه كان قد عزم على الإقامة والاستيطان بمنى ، واتخاذها دار الخلافة ، فلهذا أتم ، ثم بدا له أن يرجع إلى المدينة ، وهذا التأويل أيضاً مما لا يقوى ، فإن عثمان رضي الله عنه من المهاجرين الأولين ، وقد منع صلى الله عليه وسلم المهاجرين من الإقامة بمكة بعد نسكهم ، ورخص لهم فيها ثلاثة أيام فقط ، فلم يكن عثمان ليقيم بها ، وقد منع النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك ، وإنما رخص فيها ثلاثاً وذلك لأنهم تركوها لله ، وما ترك لله ، فإنه لا يعاد فيه ، ولا يسترجع ، ولهذا منع النبي صلى الله عليه وسلم من شراء المتصدق لصدقته ، وقال لعمر : " لا تشترها ، ولا تعد في صدقتك " . فجعله عائدأ في صدقته مع أخذها بالثمن . التأويل السادس : أنه كان قد تأهل بمنى والمسافر إذا أقام في موضع ، وتزوج فيه ، أو كان له به زوجة ، أتم ، يروى في ذلك حديث مرفوع ، عن النبي صلى الله عليه وسلم . فروى عكرمة بن إبراهيم الأزدي ، عن ابن أبي ذباب ، عن أبيه قال : صلى عثمان بأهل منى أربعاً وقال : يا أيها الناس ! لما قدمت تأهلت بها ، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إذا تأهل الرجل ببلدة ، فإنه يصلي بها صلاة مقيم ". رواه الإمام أحمد رحمه الله في مسنده وعبد الله بن الزبير الحميدي في مسنده أيضاً ، وقد أعله البيهقي بانقطاعه ، وتضعيفه عكرمة بن إبراهيم . قال أبو البركات ابن تيمية : ويمكن المطالبة بسبب الضعف ، فإن البخاري ذكره في تاريخه ولم يطعن فيه ، وعادته ذكر الجرح والمجروحين ، وقد نص أحمد وابن عباس قبله أن المسافر إذا تزوج ، لزمه الإتمام ، وهذا قول أبي حنيفة ، ومالك ، وأصحابهما ، وهذا أحسن ما اعتذر به عن عثمان . وقد اعتذر عن عائشة أنها كانت أم المؤمنين ، فحيث نزلت كان وطنها ، وهو أيضاً اعتذار ضعيف ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أبو المؤمنين أيضاً ، وأمومة أزواجه فرع عن أبوته ، ولم يكن يتم لهذا السبب . وقد روى هشام بن عروة ، عن أبيه ، أنها كانت تصلي في السفر أربعاً ، فقلت لها : لو صليت ركعتين ، فقالت : يا ابن أختي ! إنه لا يشق علي . قال الشافعي رحمه الله : لو كان فرض المسافر ركعتين ، لما أتمها عثمان ، ولا عائشة ، ولا ابن مسعود ، ولم يجز أن يتمها مسافر مع مقيم ، وقد قالت عائشة : كل ذلك قد فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أتم وقصر ، ثم روي عن إبراهيم بن محمد ، عن طلحة بن عمرو ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن عائشة قالت : كل ذلك فعل النبي صلى الله عليه وسلم ، قصر الصلاة في السفر وأتم . قال البيهقي : وكذلك رواه المغيرة بن زياد ، عن عطاء ، وأصح إسناد فيه ما أخبرنا أبو بكر الحارثي ، عن الدارقطني ، عن المحاملي ، حدثنا سعيد بن محمد بن ثواب ، حدثنا أبو عاصم ، حدثنا عمر بن سعيد ، عن عطاء ، عن عائشة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم ، كان يقصر في الصلاة ويتم ، ويفطر ، ويصوم . قال الدارقطني : وهذا إسناد صحيح . ثم ساق من طريق أبي بكر النيسابوري ، عن عباس الدوري ، أنبأنا أبو نعيم ، حدثنا العلاء بن زهير ، حدثني عبد الرحمن بن الأسود ، عن عائشة ، أنها اعتمرت مع النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة ، حتى إذا قدمت مكة ، قالت : يا رسول الله ! بأبي أنت وأمي ، قصرت وأتممت ، وصمت وأفطرت . قال . أحسنت يا عائشة . وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول : هذا الحديث كذب على عائشة ، ولم تكن عائشة لتصلي بخلاف صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسائر الصحابة ، وهي تشاهدهم يقصرون ، ثم تتم هي وحدها بلا موجب . كيف وهي القائلة : فرضت الصلاة ركعتين ركعتين ، فزيد في صلاة الحضر ، وأقرت صلاة السفر . فكيف يظن أنها تزيد على ما فرض الله ، وتخالف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه . قال الزهري لعروة لما حدثه عنها بذلك : فما شأنها كانت تتم الصلاة ؟ فقال : تأولت كما تأول عثمان . فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد حسن فعلها وأقرها عليه ، فما للتأويل حينئذ وجه ، ولا يصح أن يضاف إتمامها إلى التأويل على هذا التقدير ، وقد أخبر ابن عمر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لم يكن يزيد في السفر على ركعتين ، ولا أبو بكر ، ولا عمر . أفيظن بعائشة أم المؤمنين مخالفتهم ، وهي تراهم يقصرون ؟ وأما بعد موته صلى الله عليه وسلم ، فإنها أتمت كما أتم عثمان ، وكلاهما تأول تأويلاً ، والحجة في روايتهم لا في تأويل الواحد منهم مع مخالفة غيره له والله أعلم . وقد قال أمية بن خالد لعبد الله بن عمر : إنا نجد صلاة الحضر ، وصلاة الخوف في القرآن ، ولا نجد صلاة السفر في القرآن ؟ فقال له ابن عمر : يا أخي ! إن الله بعث محمداً صلى الله عليه وسلم ، ولا نعلم شيئاً ، فإنما نفعل كما رأينا محمداً صلى الله عليه وسلم يفعل . وقد قال أنس : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة ، فكان يصلي ركعتين ركعتين ، حتى رجعنا إلى المدينة . وقال ابن عمر : صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكان لا يزيد في السفر على ركعتين ، وأبا بكر وعمر ، وعثمان رضي الله عنهم ، وهذه كلها أحاديث صحيحة . |
جعلاني ذهبي
![]() ![]() ![]() ![]()
![]() غير متواجد
|
![]()
فصل في هديه في التطوع في السفر
فصل وكان من هديه صلى الله عليه وسلم في سفره الاقتصار على الفرض ، ولم يحفظ عنه أنه صلى سنة الصلاة قبلها ولا بعدها ، إلا ما كان من الوتر وسنة الفجر ، فإنه لم يكن ليدعهما حضراً ، ولا سفراً . قال ابن عمر وقد سئل عن ذلك : فقال : صحبت النبي صلى الله عليه وسلم ، فلم أره يسبح في السفر ، وقال الله عز وجل : " لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة " ( الأحزاب :21) ومراده بالتسبيح : السنة الراتبة ، وإلا فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم ، أنه كان يسبح على ظهر راحلته حيث كان وجهه . وفى الصحيحين ، عن ابن عمر ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في السفر على راحلته حيث توجهت ، يومىء إيماء صلاة الليل ، إلا الفرائض ويوتر على راحلته . قال الشافعي رحمه الله : وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه كان يتنفل ليلاً ، وهو يقصر ، وفي الصحيحين : عن عامر بن ربيعة ، أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي السبحة بالليل في السفر على ظهر راحلته . فهذا قيام الليل . وسئل الإمام أحمد رحمه الله ، عن التطوع في السفر ؟ فقال : أرجو أن لا يكون بالتطوع في السفر بأس ، وروي عن الحسن قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسافرون ، فيتطوعون قبل المكتوبة وبعدها ، وروي هذا عن عمر ، وعلي ، وابن مسعود ، وجابر ، وأنس ، وابن عباس ، وأبي ذر . وأما ابن عمر ، فكان لا يتطوع قبل الفريضة ولا بعدها ، إلا من جوف الليل مع الوتر ، وهذا هو الظاهر من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان لا يصلي قبل الفريضة المقصورة ولا بعدها شيئاً ، ولكن لم يكن يمنع من التطوع قبلها ولا بعدها ، فهو كالتطوع المطلق ، لا أنه سنة راتبة للصلاة ، كسنة صلاة الإقامة ، ويؤيد هذا أن الرباعية قد خففت إلى ركعتين تخفيفاً على المسافر ، فكيف يجعل لها سنة راتبة يحافظ عليها وقد خفف الفرض إلى ركعتين ، فلو لا قصد التخفيف على المسافر ، وإلا كان الإتمام أولى به ، ولهذا قال عبد الله بن عمر : لو كنت مسبحاً ، لأتممت ، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم ، أنه صلى يوم الفتح ثمان ركعات ضحى ، وهو إذ ذاك مسافر . وأما ما رواه أبو داود والترمذي في السنن ، من حديث الليث ، عن صفوان بن سليم ، عن أبي بسرة الغفاري ، عن البراء بن عازب ، قال : سافرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانية عشر سفراً ، فلم أره ترك ركعتين عند زيغ الشمس قبل الظهر . قال الترمذي : هذا حديث غريب . قال : وسألت محمداً عنه ، فلم يعرفه إلا من حديث الليث بن سعد ، ولم يعرف اسم أبي بسرة ورآه حسناً . وبسرة : بالباء الموحدة المضمومة ، وسكون السين المهملة . وأما حديث عائشة رضي الله عنها : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يدع أربعاً قبل الظهر ، وركعتين بعدها ، فرواه البخاري في صحيحه ولكنه ليس بصريح في فعله ذلك في السفر ، ولعلها أخبرت عن أكثر أحواله وهو الإقامة ، والرجال أعلم بسفره من النساء ، وقد أخبر ابن عمر أنه لم يزد على ركعتين ، ولم يكن ابن عمر يصلي قبلها ولا بعدها شيئاً . والله أعلم . |
جعلاني ذهبي
![]() ![]() ![]() ![]()
![]() غير متواجد
|
![]()
فصل في هديه في التطوع على الراحلة
فصل وكان من هديه صلى الله عليه وسلم صلاة التطوع على راحلته حيث توجهت به ، وكان يومىء إيماء برأسه في ركوعه ، وسجوده ، وسجوده أخفض من ركوعه ، وروى أحمد وأبو داود عنه ، من حديث أنس ، أنه كان يستقبل بناقته القبلة عند تكبيرة الافتتاح ، ثم يصلي سائر الصلاة حيث توجهت به . وفي هذا الحديث نظر ، وسائر من وصف صلاته صلى الله عليه وسلم على راحلته ، أطلقوا أنه كان يصلي عليها قبل أي جهة توجهت به ، ولم يستثنوا من ذلك تكبيرة الإحرام ولا غيرها ، كعامر بن ربيعة ، وعبد الله بن عمر ، وجابر بن عبد الله ، وأحاديثهم أصح من حديث أنس هذا ، والله أعلم . وصلى على الراحلة ، وعلى الحمار إن صح عنه ، وقد رواه مسلم فى صحيحه من حديث ابن عمر . وصلى الفرض بهم على الرواحل لأجل المطر والطين إن صح الخبر بذلك ، وقد رواه أحمد والترمذي والنسائي أنه عليه الصلاة والسلام انتهي إلى مضيق هو وأصحابه وهو على راحلته ، والسماء من فوقهم ، والبلة من أسفل منهم ، فحضرت الصلاة ، فأمر المؤذن فأذن ، وأقام ، ثم تقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته ، فصلى بهم يومى إيماء ، فجعل السجود أخفض من الركوع . قال الترمذي : حديث غريب ، تفرد به عمر بن الرماح ، وثبت ذلك عن أنس من فعله . |
جعلاني ذهبي
![]() ![]() ![]() ![]()
![]() غير متواجد
|
![]()
فصل في هديه في الجمع بين الصلاتين
فصل وكان من هديه صلى الله عليه وسلم ، أنه إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس ، أخر الظهر إلى وقت العصر ، ثم نزل ، فجمع بينهما ، فإن زالت الشمس قبل أن يرتحل ، صلى الظهر ، ثم ركب . وكان إذا أعجله السير ، أخر المغرب حتى يجمع بينها وبين العشاء في وقت العشاء . وقد روي عنه في غزوة تبوك ، أنه كان إذا زاغت الشمس قبل أت يرتحل ، جمع بين الظهر والعصر ، وإن ارتحل قبل أن تزيغ الشمس ، أخر الظهر حتى ينزل للعصر ، فيصليهما جميعاً ، وكذلك في المغرب والعشاء ، لكن اختلف في هدا الحديث ، فمن مصحح له ، ومن محسن ، ومن قادح فيه ، وجعله موضوعاً كالحاكم ، وإسناده على شرط الصحيح ، لكن رمي بعلة عجيبة ، قال الحاكم : حدثنا أبو بكر بن محمد بن أحمد بن بالويه ، حدثنا موسى بن هارون ، حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا الليث بن سعد، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن أبي الطفيل ، عن معاذ بن جبل ، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في غزوة تبوك إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس ، أخر الظهر حتى يجمعها إلى العصر ، ويصليهما جميعاً ، وإذا ارتحل بعد زيغ الشمس ، صلى الظهر والعصر جميعاً ، ثم سار ، وكان إذا ارتحل قبل المغرب ، أخر المغرب حتى يصليها مع العشاء ، وإذا ارتحل بعد المغرب ، عجل العشاء فصلاها مع المغرب . قال الحاكم : هذا الحديث رواته أئمة ثقات ، وهو شاذ الإسناد والمتن ، ثم لا نعرف له علة نعله بها . فلو كان الحديث عن الليث ، عن أبي الزبير ، عن أبي الطفيل ، لعللنا به الحديث . ولو كان عن يزيد بن أبي حبيب ، عن أبي الطفيل ، لعللنا به ، فلما لم نجد له العلتين ، خرج عن أن يكون معلولاً ، ثم نظرنا فلم نجد ليزيد بن أبي حبيب عن أبي الطفيل رواية ، ولا وجدنا هذا المتن بهذه السياقة عن أحد من أصحاب أبي الطفيل ، ولا عن أحد ممن روى عن معاذ بن جبل غير أبي الطفيل ، فقلنا : الحديث شاذ . وقد حدثوا عن أبي العباس الثقفي قال : كان قتيبة بن سعيد يقول لنا : على هذا الحديث علامة أحمد بن حنبل ، وعلي بن المديني ، ويحيى بن معين ، وأبي بكر بن أبي شيبة ، وأبي خيثمة ، حتى عد قتيبة سبعة من أئمة الحديث كتبوا عنه هذا الحديث ، وأئمة الحديث إنما سمعوه من قتيبة تعجباً من إسناده ومتنه ، ثم لم يبلغنا عن أحد منهم أنه ذكر للحديث علة ، ثم قال : فنظرنا فإذا الحديث موضوع ، وقتيبة ثقة مأمون ، ثم ذكر بإسناده إلى البخاري . قال: قلت لقتيبة بن سعيد : مع من كتبت عن الليث بن سعد حديث يزيد بن أبي حبيب عن أبي الطفيل ؟ قال : كتبته مع خالد بن القاسم أبي الهيثم المدائني . قال البخاري : وكان خالد المدائني يدخل الأحاديث على الشيوخ . قلت : وحكمه بالوضع على هذا الحديث غير مسلم ، فإن أبا داود رواه عن يزيد بن خالد بن عبد الله بن موهب الرملي ، حدثنا المفضل بن فضالة ، عن الليث ، بن سعد ، عن هشام بن سعد ، عن أبي الزبير ، عن أبي الطفيل ، عن معاذ فذكره . . . فهذا المفضل قد تابع قتيبة ، وإن كان قتيبة أجل من المفضل وأحفظ ، لكن زال تفرد قتيبة به ، ثم إن قتيبة صرح بالسماع فقال : حدثنا ولم يعنعن ، فكيف يقدح في سماعه ، مع أنه بالمكان الذي جعله الله به من الأمانة ، والحفظ ، والثقة ، والعدالة . وقد روى إسحاق بن راهويه : حدثنا شبابة ، حدثنا الليث ، عن عقيل ، عن ابن شهاب ، عن أنس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : كان إذا كان في سفر ، فزالت الشمس ، صلى الظهر والعصر ، ثم ارتحل . وهذا إسناد كما ترى ، وشبابة : هو شبابة بن سوار الثقة المتفق على الاحتجاج بحديثه ، وقد روى له مسلم في صحيحه عن الليث بن سعد بهذا الإسناد ، على شرط الشيخين ، وأقل درجاته أن يكون مقوياً لحديث معاذ ، وأصله في الصحيحين لكن ليس فيه جمع التقديم . ثم قال أبو داود : وروى هشام ، عن عروة ، عن حسين بن عبد لله ، عن كريب ، عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، نحو حديث المفضل ، يعني حديث معاذ في الجمع والتقديم ، ولفظه : عن حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس ، عن كريب ، عن ابن عباس ، أنه قال : ألا أخبركم عن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في السفر ؟ كان إذا زالت الشمس وهو في منزله ، جمع بين الظهر والعصر في الزوال ، وإذا سافر قبل أن تزول الشمس ، أخر الظهر حتى يجمع بينها وبين العصر في وقت العصر ، قال : وأحسبه قال في المغرب والعشاء مثل ذلك ، ورواه الشافعي من حديث ابن أبي يحيى ، عن حسين ، ومن حديث ابن عجلان بلاغاً عن حسين . قال البيهقي : هكذا رواه الأكابر ، هشام بن عروة وغيره ، عن حسين بن عبد الله . ورواه عبد الرزاق ، عن ابن جريج ، عن حسين ، عن عكرمة ، وعن كريب كلاهما عن ابن عباس ، ورواه أيوب عن أبي قلابة ، عن ابن عباس ، قال : ولا أعلمه إلا مرفوعاً . وقال إسماعيل بن إسحاق : حدثنا إسماعيل بن أبي إدريس ، قال : حدثني أخي ، عن سليمان بن مالك ، عن هشام بن عروة ، عن كريب عن ابن عباس ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جد به السير ، فراح قبل أن تزيغ الشمس ، ركب فسار ، ثم نزل ، فجمع بين الظهر والعصر ، وإذا لم يرح حتى تزيغ الشمس ، جمع بين الظهر والعصر ، ثم ركب ، وإذا أراد أن يركب ودخلت صلاة المغرب ، جمع بين المغرب وبين صلاة العشاء . قال أبو العباس بن سريج : روى يحيى بن عبد الحميد ، عن أبي خالد الأحمر ، عن الحجاج ، عن الحكم ، عن مقسم ، عن ابن عباس ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لم يرتحل حتى تزيغ الشمس ، صلى الظهر والعصر جميعاً ، فإذا لم تزغ ، أخرها حتى يجمع بينهما في وقت العصر . قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ويدل على جمع التقديم جمعه بعرفة بين الظهر والعصر لمصلحة الوقوف ، ليتصل وقت الدعاء ، ولا يقطعه بالنزول لصلاة العصر مع إمكان ذلك بلا مشقة ، فالجمع كذلك لأجل المشقة والحاجة أولى . قال الشافعي : وكان أرفق به يوم عرفة تقديم العصر لأن يتصل له الدعاء ، فلا يقطعه بصلاة العصر ، وأرفق بالمزدلفة أن يتصل له المسير ، ولا يقطعه بالنزول للمغرب ، لما في ذلك من التضييق على الناس . والله أعلم . |
جعلاني ذهبي
![]() ![]() ![]() ![]()
![]() غير متواجد
|
![]()
فصل في هديه في عدم الجمع راكباً في سفره
فصل ولم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم الجمع راكباً في سفره ، كما يفعله كثير من الناس ، ولا الجمع حال نزوله أيضاً ، وإنما كان يجمع إذا جد به السير ، وإذا سار عقيب الصلاة ، كما ذكرنا في قصة تبوك ، وأما جمعه وهو نازل غير مسافر ، فلم ينقل ذلك عنه إلا بعرفة لأجل اتصال الوقوف ، كما قال الشافعي رحمه الله وشيخنا ، ولهذا خصه أبو حنيفة بعرفة ، وجعله من تمام النسك ، ولا تأثير للسفر عنده فيه . وأحمد ، ومالك ، والشافعي ، جعلوا سببه السفر ، ثم اختلفوا ، فجعل الشافعي وأحمد في إحدى الروايات عنه التأثير للسفر الطويل ، ولم يجوزاه لأهل مكة ، وجوز مالك وأحمد في الرواية الأخرى عنه لأهل مكة الجمع ، والقصر بعرفة ، واختارها شيخنا وأبو الخطاب في عباداته ، ثم طرد شيخنا هذا ، وجعله أصلاً في جواز القصر والجمع في طويل السفر وقصيره ، كما هو مذهب كثير من السلف ، وجعله مالك وأبو الخطاب مخصوصاً بأهل مكة . ولم يحد صلى الله عليه وسلم لأمته مسافة محدودة للقصر والفطر ، بل أطلق لهم ذلك في مطلق السفر والضرب في الأرض ، كما أطلق لهم التيمم في كل سفر ، وأما ما يروى عنه من التحديد باليوم ، أو اليومين ، أو الثلاثة ، فلم يصح عنه منها شئ البتة ، والله أعلم . |
جعلاني ذهبي
![]() ![]() ![]() ![]()
![]() غير متواجد
|
![]()
فصل في هديه في قراءة القرآن واستماعه وخشوعه
فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في قراءة القرآن ، واستماعه ، وخشوعه ، وبكائه عند قراءته ، واستماعه وتحسين صوته به وتوابع ذلك كان له صلى الله عليه وسلم حزب يقرؤه ، ولا يخل به ، وكانت قراءته ترتيلاً لا هذاً ولا عجلة ، بل قراءة مفسرة حرفاً حرفاً . وكان يقطع قراءته آية آية ، وكان يمد عند حروف المد ، فيمد ( الرحمن ) ويمد ( الرحيم ) ، وكان يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم في أول قراءته ، فيقول : " أعوذ بالله من الشيطان الرجيم "، وربما كان يقول : " اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ، ونفثه " . وكان تعوذه قبل القراءة . وكان يحب أن يسمع القرآن من غيره ، وأمر عبد الله بن مسعود ، فقرأ عليه وهو يسمع . وخشع صلى الله عليه وسلم لسماع القرآن منه ، حتى ذرفت عيناه . وكان يقرأ القرآن قائماً ، وقاعداً ، ومضطجعاً ، ومتوضئاً ، ومحدثاً ، ولم يكن يمنعه من قراءته إلا الجنابة . وكان صلى الله عليه وسلم يتغنى به ، ويرجع صوته به أحياناً كما رجع يوم الفتح في قراءته " إنا فتحنا لك فتحا مبينا " . وحكى عبد الله بن مغفل ترجيعه ، آ آ آ ثلاث مرات ، ذكره البخاري . وإذا جمعت هذه الأحاديث إلى قوله : " زينوا القرآن بأصواتكم ". وقوله : " ليس منا من لم يتغن بالقرآن " . وقوله : " ما أذن الله لشئ ، كأذنه لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن " . علمت أن هذا الترجيع منه صلى الله عليه وسلم ، كان اختياراً لا اضطراراً لهز الناقة له ، فإن هذا لو كان لأجل هز الناقة ، لما كان داخلاً تحت الاختيار ، فلم يكن عبد الله بن مغفل يحكيه ويفعله اختياراً ليؤتسى به ، وهو يرى هز الراحلة له حتى ينقطع صوته ، ثم يقول : كان يرجع في قراءته ، فنسب الترجيع إلى فعله . ولو كان من هز الراحلة ، لم يكن منه فعل يسمى ترجيعاً . وقد استمع ليلة لقراءة أبي موسى الأشعري ، فلما أخبره بذلك ، قال : لو كنت أعلم أنك تسمعه ، لحبرته لك تحبيراً . أي : حسنته وزينته بصوتي تزييناً ، وروى أبو داود في سننه عن عبد الجبار بن الورد ، قال : سمعت ابن أبي مليكة يقول : قال عبد الله بن أبي يزيد : مر بنا أبو لبابة ، فاتبعناه حتى دخل بيته ، فإذا رجل رث الهيئة ، فسمعته يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ليس منا من لم يتغن بالقرآن ". قال : فقلت لابن أبي مليكة : يا أبا محمد ! أرأيت إذا لم يكن حسن الصوت ؟ قال : يحسنه ما استطاع . قلت : لا بد من كشف هذه المسألة ، وذكر اختلاف الناس فيها ، واحتجاج كل فريق ، وما لهم وعليهم في احتجاجهم ، وذكر الصواب في ذلك بحول الله تبارك وتعالى ومعونته ، فقالت طائفة : تكره قراءة الألحان ، وممن نص على ذلك أحمد ومالك وغيرهما ، فقال أحمد في رواية علي بن سعيد في قراءة الألحان : ما تعجبني وهو محدث . وقال في رواية المروزي : القراءة بالألحان بدعة لا تسمع ، وقال في رواية عبد الرحمن المتطبب : قراءة الألحان بدعة ، وقال في رواية ابنه عبد الله ، ويوسف بن موسى ، ويعقوب بن بختان ، والأثرم ، وإبراهيم بن الحارث : القراءة بالألحان لا تعجبني إلا أن يكون ذلك حزناً ، فيقرأ بحزن مثل صوت أبي موسى ، وقال في رواية صالح : " زينوا القرآن بأصواتكم " ، معناه : أن يحسنه ، وقال في رواية المروزي : "ما أذن الله لشئ كأذنه لنبي حسن الصوت أن يتغنى بالقرآن " وفي رواية قوله : " ليس منا من لم يتغن بالقرآن" ، فقال : كان ابن عيينة يقول : يستغني به . وقال الشافعي : يرفع صوته ، وذكر له حديث معاوية بن قرة في قصة قراءة سورة الفتح والترجيع فيها ، فأنكر أبو عبد الله أن يكون على معنى الألحان ، وأنكر الأحاديث التي يحتج بها في الرخصة في الألحان . وروى ابن القاسم ، عن مالك ، أنه سئل عن الألحان في الصلاة ، فقال : لا تعجبني ، وقال : إنما هو غناء يتغنون به ، ليأخذوا عليه الدراهم ، وممن رويت عنه الكراهة ، أنس بن مالك ، وسعيد بن المسيب ، وسعيد بن جبير ، والقاسم بن محمد ، والحسن ، وابن سيرين ، وإبراهيم النخعي . وقال عبد الله بن يزيد العكبري : سمعت رجلاً يسأل أحمد ، ما تقول في القراءة بالألحان ؟ فقال : ما اسمك ؟ قال محمد : قال : أيسرك أن يقال لك : يا موحمد ممدوداً ، قال القاضي أبو يعلى : هذه مبالغة في الكراهة . وقال الحسن بن عبد العزيز الجروي : أوصى إلي رجل بوصية ، وكان فيما خلف جارية تقرأ بالألحان ، وكانت أكثر تركته أو عامتها ، فسألت أحمد بن حنبل والحارث بن مسكين ، وأبا عبيد ، كيف أبيعها ؟ فقالوا : بعها ساذجة ، فأخبرتهم بما في بيعها من النقصان ، فقالوا : بعها ساذجة ، قال القاضي : وإنما قالوا ذلك ، لأن سماع ذلك منها مكروه ، فلا يجوز أن يعاوض عليه كالغناء . قال ابن بطال : وقالت طائفة : التغني بالقرآن ، هو تحسين الصوت به ، والترجيع بقراءته ، قال : والتغني بما شاء من الأصوات واللحون هو قول ابن المبارك ، والنضر بن شميل ، قال : وممن أجاز الألحان في القرآن : ذكر الطبري ، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، أنه كان يقول لأبي موسى : ذكرنا ربنا ، فيقرأ أبو موسى ويتلاحن ، وقال : من استطاع أن يتغنى بالقرآن غناء أبي موسى ، فليفعل ، وكان عقبة بن عامر من أحسن الناس صوتاً بالقرآن ، فقال له عمر : اعرض علي سورة كذا ، فعرض عليه ، فبكى عمر ، وقال : ما كنت أظن أنها نزلت ، قال : وأجازه ابن عباس ، وابن مسعود ، وروي عن عطاء بن أبي رباح ، قال : وكان عبد الرحمن بن الأسود بن يزيد ، يتتبع الصوت الحسن في المساجد في شهر رمضان . وذكر الطحاوي عن أبي حنيفة وأصحابه : أنهم كانوا يستمعون القرآن بالألحان . وقال محمد بن عبد الحكم : رأيت أبي والشافعي ويوسف بن عمر يستمعون القرآن بالألحان ، وهذا اختيار ابن جرير الطبري . قالا المجوزون - واللفظ لابن جرير - : الدليل : على أن معنى الحديث تحسين الصوت ، والغناء المعقول الذي هو تحزين القارىء سامع قراءته ، كما أن الغناء بالشعر هو الغناء المعقول الذي يطرب سامعه - : ما روى سفيان ، عن الزهري ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " ما أذن الله لشئ ما أذن لنبى حسن الترنم بالقرآن " ومعقول عند ذوى الحجا ، أن الترنم لا يكون إلا بالصوت إذا حسنه المترنم وطرب به . وروي في هذا الحديث "ما أذن الله لشئ ما أذن لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به " . قال الطبري : وهذا الحديث من أبين البيان أن ذلك كما قلنا ، قال : ولو كان كما قال ابن عيينة ، يعني : يستغني به عن غيره ، لم يكن لذكر حسن الصوت والجهر به معنى ، والمعروف في كلام العرب أن التغني إنما هو الغناء الذي هو حسن الصوت بالترجيع ، قال الشاعر : تغن بالشعر إما كنت قائله إن الغناء لهذا الشعر مضمار قال : وأما ادعاء الزاعم ، أن تغنيت بمعنى استغنيت فاش في كلام العرب ، فلم نعلم أحداً قال به من أهل العلم بكلام العرب . وأما احتجاجه لتصحيح قوله بقول الأعشى : وكنت امرءاً زمنا بالعراق عفيف المناخ طويل التغن وزعم أنه أراد بقوله : طويل التغني : طويل الاستغناء ، فإنه غلط منه ، وإنما عنى الأعشى بالتغني في هذا الموضع : الإقامة من قول العرب : غني فلان بمكان كذا : إذا أقام به ، ومنه قوله تعالى : " كأن لم يغنوا فيها " ( الأعراف : 92) ، واستشهاده بقول الآخر : كلانا غني عن أخيه حياته ونحن إذا متنا أشد تغانيا فإنه إغفال منه ، وذلك لأن التغاني تفاعل من تغنى : إذا استغنى كل واحد منهما عن صاحبه ، كما يقال : تضارب الرجلان ، إذا ضرب كل واحد منهما صاحبه ، وتشاتما ، وتقاتلا . ومن قال : هذا في فعل اثنين ، لم يجز أن يقول مثله في الفعل الواحد ، فيقول : تغانى زيد ، وتضارب عمرو ، وذلك غير جائز أن يقول : تغنى زيد بمعنى استغنى ، إلا أن يريد به قائله أنه أظهر الاستغناء ، وهو غير مستغن ، كما يقال : تجلد فلان : إذا أظهر جلداً من نفسه ، وهو غير جليد ، وتشجع ، وتكرم ، فإن وجه موجه التغني بالقرآن إلى هذا المعنى على بعده من مفهوم كلام العرب ، كانت المصيبة في خطئه في ذلك أعظم ، لأنه يوجب على من تأوله أن يكون الله تعالى ذكره لم يأذن لنببه أن يستغني بالقرآن ، وإنما أذن له أن يظهر من نفسه لنفسه خلاف ما هو به من الحال ، وهذا لا يخفى فساده . قال : ومما يبين فساد تأويل ابن عيينة أيضاً أن الاستغناء عن الناس بالقرآن من المحال أن يوصف أحد به أنه يؤذن له فيه أو لا يؤذن ، إلا أن يكون الأذن عند ابن عيينة بمعنى الإذن الذي هو إطلاق وإباحة ، وإن كان كذلك ، فهو غلط من وجهين ، أحدهما : من اللغة ، والثاني : من إحالة المعنى عن وجهه . أما اللغة ، فإن الأذن مصدر قوله : أذن فلان لكلام فلان ، فهو يأذن له : إذا استمع له وأنصت ، كما قال تعالى : " وأذنت لربها وحقت " ( الإنشقاق : 2 ) ، بمعنى سمعت لربها وحق لها ذلك ، كما قال عدي بن زيد : إن همي في سماع وأذن بمعنى ، في سماع واستماع . فمعنى قوله : ما أذن الله لشئ ، إنما هو : ما استمع الله لشئ من كلام الناس ما استمع لنبي يتغنى بالقرآن . وأما الإحالة في المعنى ، فلأن الاستغناء بالقرآن عن الناس غير جائز وصفه بأنه مسموع ومأذون له ، انتهى كلام الطبري . قال أبو الحسن بن بطال : وقد وقع الإشكال في هذه المسألة أيضاً ، بما رواه ابن أبي شيبة ، حدثنا زيد بن الحباب ، قال : حدثني موسى بن علي بن رباح ، عن أبيه ، عن عقبة بن عامر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تعلموا القرآن وتغنوا به ، واكتبوه ، فوالذي نفسي بيده ، لهو أشد تفصياً من المخاض من العقل " . قال : وذكر عمر بن شبة ، قال : ذكر لأبي عاصم النبيل تأويل ابن عيينة في قوله يتغنى بالقرآن يستغني به ، فقال : لم يصنع ابن عيينة شيئاً ، حدثنا ابن جريج ، عن عطاء ، عن عبيد بن عمير ، قال : كانت لداود نبي الله صلى الله عليه وسلم معزفة يتغنى عليها يبكي ويبكي . وقال ابن عباس : إنه كان يقرأ الزبور بسبعين لحناً ، تكون فيهن ، ويقرأ قراءة يطرب منها الجموع . وسئل الشافعي رحمه الله ، عن تأويل ابن عيينة فقال : نحن أعلم بهذا ، لو أراد به الاستغناء ، لقال : من لم يستغن بالقرآن ، ولكن لما قال : يتغنى بالقرآن ، علمنا أنه أراد به التغني . قالوا : ولأن تزيينه ، وتحسين الصوت به ، والتطريب بقراءته أوقع في النفوس ، وأدعى إلى الاستماع والإصغاء إليه ، ففيه تنفيذ للفظه إلى الأسماع ، ومعانيه إلى القلوب ، وذلك عون على المقصود ، وهو بمنزلة الحلاوة التي تجعل في الدواء لتنفذه إلى موضع الداء ، وبمنزلة الأفاويه والطيب الذي يجعل في الطعام ، لتكون الطبيعة أدعى له قبولاً ، وبمنزلة الطيب والتحلي ، وتجمل المرأة لبعلها ، ليكون أدعى إلى مقاصد النكاح . قالوا : ولا بد للنفس من طرب واشتياق إلى الغناء ، فعوضت عن طرب الغناء بطرب القرآن ، كما عوضت عن كل محرم ومكروه بما هو خير لها منه ، وكما عوضت عن الاستقسام بالأزلام بالاستخارة التي هي محض التوحيد والتوكل ، وعن السفاح بالنكاح ، وعن القمار بالمراهنة بالنصال وسباق الخيل ، وعن السماع الشيطاني بالسماع الرحماني القرآني ، ونظائره كثيرة جداً . قالوا : والمحرم ، لا بد أن يشتمل على مفسدة راجحة ، أو خالصة ، وقراءة التطريب والألحان لا تتضمن شيئاً من ذلك ، فإنها لا تخرج الكلام عن وضعه ، ولا في تحول بين السامع وبين فهمه ، ولو كانت متضمنة لزيادة الحروف كما ظن المانع منها ، لأخرجت الكلمة عن موضعها ، وحالت بين السامع وبين فهمها ، ولم يدر ما معناها ، والواقع بخلاف ذلك . قالوا : وهذا التطريب والتلحين ، أمر راجع إلى كيفية الأداء ، وتارة يكون سليقة وطبيعة ، وتارة يكون تكلفاً وتعملاً ، وكيفيات الأداء لا تخرج الكلام عن وضع مفرداته ، بل هي صفات لصوت المؤدي ، جارية مجرى ترقيقه وتفخيمه وإمالته ، وجارية مجرى مدود القراء الطويلة والمتوسطة ، لكن تلك الكيفيات متعلقة بالحروف ، وكيفيات الألحان والتطريب ، متعلقة بالأصوات ، والآثار في هذه الكيفيات ، لا يمكن نقلها ، بخلاف كيفيات أداء الحروف ، فلهذا نقلت تلك بألفاظها ، ولم يمكن نقل هذه بألفاظها ، بل نقل منها ما أمكن نقله ، كترجيع النبي صلى الله عليه وسلم في سورة الفتح بقوله : آ آ آ . قالوا : والتطريب والتلحين راجع إلى أمرين : مد وترجيع ، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه كان يمد صوته بالقراءة يمد الرحمن ويمد الرحيم ، وثبت عنه الترجيع كما تقدم . قال المانعون من ذلك : الحجة لنا من وجوه . أحدها : ما رواه حذيفة بن اليمان ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : " إقرؤوا القرآن بلحون العرب وأصواتها ، وإياكم ولحون أهل الكتاب والفسق ، فإنه سيجئ من بعدي أقوام يرجعون بالقرآن ترجيع الغناء والنوح ، لا يجاوز حناجرهم ، مفتونة قلوبهم ، وقلوب الذين يعجبهم شأنهم " . رواه أبو الحسن رزين في تجريد الصحاح ورواه أبو عبد الله الحكيم الترمذي في نوادر الأصول . واحتج به القاضي أبو يعلى في الجامع ، واحتج معه بحديث آخر ، أنه صلى الله عليه وسلم ذكر شرائط الساعة ، وذكر أشياء ، منها : " أن يتخذ القرآن مزامير ، يقدمون أحدهم ليس بأقرئهم ولا أفضلهم ما يقدمونه إلا ليغنيهم غناء" . قالوا : وقد جاء زياد النهدي إلى أنس رضي الله عنه مع القراء ، فقيل له : إقرأ ، فرفع صوته وطرب ، وكان رفيع الصوت ، فكشف أنس عن وجهه ، وكان على وجهه خرقة سوداء ، وقال : يا هذا ! ماهكذا كانوا يفعلون ، وكان إذا رأى شيئاً ينكره ، رفع الخرقة عن وجهه . قالوا : وقد منع النبي صلى الله عليه وسلم المؤذن المطرب في أذانه من التطريب ، كما روى ابن جريج ، عن عطاء ، عن ابن عباس قال : كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم مؤذن يطرب ، فقال النبى صلى الله عليه وسلم :" إن الأذان سهل سمح ، فإن كان أذانك سهلاً سمحاً ، وإلا فلا تؤذن " رواه الدارقطني . وروى عبد الغني بن سعيد الحافظ من حديث قتادة ، عن عبد الرحمن بن أبي بكر ، عن أبيه ، قال : كانت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم المد ، ليس فيها ترجيع . قالوا : والترجيع والتطريب يتضمن همز ما ليس بمهموز ، ومد ما ليس بممدود ، وترجيع الألف الواحد ألفات ، والواو واوات ، والياء ياءآت ، فيؤدي ذلك إلى زيادة في القرآن ، وذلك غير جائز ، قالوا : ولا حد لما يجوز من ذلك ، وما لا يجوز منه ، فإن حد بحد معين ، كان تحكماً في كتاب الله تعالى ودينه ، وإن لم يحد بحد ، أفضى إلى أن يطلق لفاعله ترديد الأصوات ، وكثرة الترجيعات ، والتنويع في أصناف الإيقاعات والألحان المشبهة للغناء ، كما يفعل أهل الغناء بالأبيات ، وكما يفعله كثير من القراء أمام الجنائز ، ويفعله كثير من قراء الأصوات ، مما يتضمن تغيير كتاب الله والغناء به على نحو ألحان الشعر والغناء ، ويوقعون الإيقاعات عليه مثل الغناء سواء ، اجتراء على الله وكتابه ، وتلاعباً بالقرآن ، وركوناً إلى تزيين الشيطان ، ولا يجيز ذلك أحد من علماء الإسلام ، ومعلوم : أن التطريب والتلحين ذريعة مفضية إلى هذا إفضاء قريباً ، فالمنع منه ، كالمنع من الذرائع الموصلة إلى الحرام ، فهذا نهاية اقدام الفريقين ، ومنتهى احتجاج الطائفتين . وفصل النزاع ، أن يقال : التطريب والتغني على وجهين ، أحدهما : ما اقتضته الطبيعة ، وسمحت به من غير تكلف ولا تمرين ولا تعليم ، بل إذا خلي وطبعه ، واسترسلت طبيعته ، جاءت بذلك التطريب والتلحين ، فذلك جائز ، وإن أعان طبيعته بفضل تزيين وتحسين ، كما قال أبو موسى الأشعري للنبي صلى الله عليه وسلم :" لو علمت أنك تسمع لحبرته لك تحبيراً " والحزين ومن هاجه الطرب ، والحب والشوق لا يملك من نفسه دفع التحزين والتطريب في القراءة ، و لكن النفوس تقبله وتستحليه لموافقته الطبع ، وعدم التكلف والتصنع فيه ، فهو مطبوع لا متطبع وكلف لا متكلف ، فهذا هو الذي كان السلف يفعلونه ويستمعونه ، وهو التغني الممدوح المحمود ، وهو الذي يتأثر به التالي والسامع ، وعلى هذا الوجه تحمل أدلة أرباب هذا القول كلها . الوجه الثاني : ما كان من ذلك صناعة من الصنائع ، وليس في الطبع السماحة به ، بل لا يحصل إلا بتكلف وتصنع وتمرن ، كما يتعلم أصوات الغناء بأنواع الألحان البسيطة ، والمركبة على إيقاعات مخصوصة ، وأوزان مخترعة ، لا تحصل إلا بالتعلم والتكلف ، فهذه هي التي كرهها السلف ، وعابوها ، وذموها ، ومنعوا القراءة بها ، وأنكروا على من قرأ بها ، وأدلة أرباب هذا القول إنما تتناول هذا الوجه ، وبهذا التفصيل يزول الاشتباه ، ويتبين الصواب من غيره ، وكل من له علم بأحوال السلف ، يعلم قطعاً أنهم برآء من القراءة بألحان الموسيقى المتكلفة ، التي هي إيقاعات وحركات موزونة معدودة محدودة ، وأنهم أتقى لله من أن يقرؤوا بها ، ويسوغوها ، ويعلم قطعاً أنهم كانوا يقرؤون بالتحزين والتطريب ، ويحسنون أصواتهم بالقرآن ، ويقرؤونه بشجى تارة ، وبطرب تارة ، وبشوق تارة ، وهذا أمر مركوز في الطباع تقاضيه ، ولم ينه عنه الشارع مع شدة تقاضي الطباع له ، بل أرشد إليه وندب إليه ، وأخبر عن استماع الله لمن قرأ به ، وقال : " ليس منا من لم يتغن بالقرأن " وفيه وجهان : أحدهما : أنه إخبار بالواقع الذي كلنا نفعله ، والثاني : أنه نفي لهدي من لم يفعله عن هديه وطريقته صلى الله عليه وسلم . |
انواع عرض الموضوع |
![]() |
![]() |
![]() |
|
|