منتديات جعلان > جعلان للتربية والتعليم والموسوعات > جعلان للتربية والتعليم | ||
((( زاد المعاد ))) الأجزاء 1.2.3.4.5 |
الملاحظات |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
جعلاني ذهبي
![]() ![]() ![]() ![]()
![]() غير متواجد
|
![]()
طواف القدوم
فصل وأما طوافه بالبيت عند قدومه ، فاختلف فيه ، هل كان على قدميه ، أو كان راكباً ؟ ففي صحيح مسلم : عن عائشة رضي الله عنها، قالت : طاف النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع حول الكعبة على بعيره يستلم الركن كراهية أن يضرب عنه الناس. وفي سنن أبي داود : عن ابن عباس ، قال : قدم النبي صلى الله عليه وسلم مكة وهو يشتكي ، فطاف على راحلته ، كلما أتى على الركن ، استلمه بمحجن ، فلما فرغ من طوافه ، أناخ ، فصلى ركعتين . قال أبو الطفيل : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يطوف حول البيت على بعيره ، يستلم الحجر بمحجنه ، ثم يقبله . رواه مسلم دون ذكر البعير . وهو عند البيهقي ، بإسناد مسلم بذكر البعير. وهذا والله أعلم فى طواف الإفاضة، لا في طواف القدوم ، فإن جابراً حكى عنه الرمل في الأول ، وذلك لا يكون إلا مع المشى . قال الشافعي رحمه الله : أما سبعه الذي طافه لمقدمه ، فعلى قدميه لأن جابراً حكى عنه فيه ، أنه رمل ثلاثة أشواط ، ومشى أربعة ، فلا يجوز أن يكون جابر يحكي عنه الطواف ماشياً وراكباً في سبع واحد . وقد حفظ أن سبعه الذي ركب فيه في طوافه يوم النحر. ثم ذكر الشافعي : عن ابن عيينة، عن ابن طاووس عن أبيه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه أن يهجروا بالإفاضة ، وأفاض في نسائه ليلاً على راحلته يستلم الركن بمحجنه ، أحسبه قال : فيقبل طرف المحجن . قلت : هذا مع أنه مرسل ، فهو خلاف ما رواه جابر عنه في الصحيح أنه طاف طواف الإفاضة يوم النحر نهاراً، وكذلك روت عائشة وابن عمر، كما سيأتي . وقول ابن عباس : إن النبي صلى الله عليه وسلم قدم مكة وهو يشتكي ، فطاف على راحلته ، كلما أتى الركن استلمه . هذا إن كان محفوظاً، فهو في إحدى عمره ، وإلا فقد صح عنه الرمل في الثلاثة الأول من طواف القدوم ، إلا أن يقول كما قال ابن حزم في السعي : إنه رمل على بعيره ، فإن من رمل على بعيره ، فقد رمل ، لكن ليس في شيء من الأحاديث أنه كان راكباً في طواف القدوم . والله أعلم . |
جعلاني ذهبي
![]() ![]() ![]() ![]()
![]() غير متواجد
|
![]()
وهم ابن حزم في طوافه صلى الله عليه وسلم بين الصفا والمروة
فصل وقال ابن حزم : وطاف صلى الله عليه وسلم بين الصفا والمروة أيضاً سبعاً، راكباً على بعيره يخب ثلاثاً، ويمشي أربعاً ، وهذا من أوهامه وغلطه رحمه الله ، فإن أحداً لم يقل هذا قط غيره ، ولا رواه أحد عن النبي صلى الله عليه وسلم البتة . وهذا إنما هو في الطواف بالبيت ، فغلط أبو محمد، ونقله إلى الطواف بين الصفا والمروة. وأعجب من ذلك ، استدلال عليه بما رواه من طريق البخاري ، عن ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف حين قدم مكة ، واستلم الركن أول شيء ، ثم خب ثلاثة أطواف ، ومشى أربعاً ، فركع حين قضى طوافه بالبيت ، وصلى عند المقام ركعتين ، ثم سلم فانصرف ، فأتى الصفا ، فطاف بالصفا والمروة سبعة أشواط ... وذكر باقي الحديث . قال : ولم نجد عدد الرمل بين الصفا والمروة منصوصاً، ولكنه متفق عليه . هذا لفظه . قلت : المتفق عليه : السعي في بطن الوادي في الأشواط كلها . وأما الرمل في الثلاثة الأول خاصة، فلم يقله ، ولا نقله فيما نعلم غيرة. وسألت شيخنا عنه ، فقال : هذا من أغلاطه ، وهو لم يحج رحمه الله تعالى. ويشبه هذا الغلط ، غلظ من قال : إنه سعى أربع عشرة مرة، وكان يحتسب بذهابه ورجوعه مرة واحدة . وهذا غلط عليه صلى الله عليه وسلم ، لم ينقله عند أحد ، ولا قاله أحد من الأئمة الذين اشتهرت أقواتهم ، وإن ذهب إليه بعض التأخرين من المنتسبين إلى الأئمة. ومما يبين بطلان هذا القول ، أنه صلى الله عليه وسلم لا خلاف عنه ، أنه ختم سعيه بالمروة ، ولو كان الذهاب والرجوع مرة واحدة ، ولو كان الذهاب والرجوع مرة واحدة ، لكان ختمه إنما يقع على الصفا . وكان صلى الله عليه وسلم إذا وصل إلى المروة ، رقي عليها ، واستقبل البيت ، وكبر الله ووحده ، وفعل كما فعل على الصفا ، فلما أكمل سعيه عند المروة ، أمر كل من لا هدي معه أن يحل حتماً ولا بد ، قارناً كان أو مفرداً وأمرهم أن يحلوا الحل كله من وطء الناس ، والطيب ، ولبس المخيط ، وأن يبقوا كذلك إلى يوم التروية ، ولم يحل هو من أجل هديه . وهناك قال : "لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي ، ولجعلتها عمرة ". وقد روي أنه أحل هو أيضاً، وهو غلط قطعاً ، قد بيناه فيما تقدم . وهناك دعا للمحلقين بالمغفرة ثلاثاً ، وللمقصرين مرة . وهناك سأله سراقة بن مالك بن جعشم عقيب أمره لهم بالفسخ والإحلال : هل ذلك لعامهم أو خاصة، أم للأبد ؟ فقال : "بل للأبد" . ولم يحل أبو بكر ، ولا عمر ، ولا علي ولا طلحة ، ولا الزبير من أجل الهدي . وأما نساؤه صلى الله عليه وسلم ، فأحللن ، وكن قارنات ، إلا عائشة فإنها لم تحل ، من أجل تعذر الحل عليها لحيضها ، وفاطمة حلت، لأنها لم يكن معها هدي ، وعلي رضي الله عنه لم يحل من أجل من أجل هديه ، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم من أهل بإهلال كإهلاله أن يقيم على إحرامه إن كان معه هدي ، وأن يحل إن لم يكن معه هدي . وكان يصلي مدة مقامه بمكة إلى يوم التروية بمنزلة الذي هو نازل فيه بالمسلمين بظاهر مكة، فأقام بظاهر مكة أربعة أيام يقصر الصلاة يوم الأحد والاثنين والثلاثاء والأربعاء، فلما كان يوم الخميس ضحى، توجه بمن معه من المسلمين إلى منى، فأحرم بالحج من كان أحل منهم من رحالهم ، ولم يدخلوا إلى المسجد، فأحرموا منه ، بل أحرموا ومكة خلف ظهورهم ، فلما وصل إلى منى، نزل بها، وصلى بها الظهر والعصر، وبات بها، وكان ليلة الجمعة، فلما طلعت الشمس ، سار منها إلى عرفة، وأخذ على طريق ضب على يمين طريق الناس اليوم ، وكان من أصحابه الملبى ، ومنهم المكبر ، وهو يسمع من ذلك ولا ينكر على هؤلاء ولا على هؤلاء فوجد القبة قد ضربت له بنمرة بأمره ، وهي قرية شرقي عرفات ، وهي خراب اليوم ، فنزل بها ، حتى إذا زالت الشمس ، أمر بناقته القصواء فرحلت ، ثم سار حتى أتى بطن الوادي من أرض عرنه ، فخطب الناس وهو على راحلته خطبة عظيمة قرر فيها قواعد الإسلام ، وهدم فيها قواعد الشرك و الجاهلية ، وقرر فيها تحريم المحرمات التي اتفقت الملل على تحريمها ، وهي الدماء والأموال ، والأعراض ، ووضع فيها أمور الجاهلية تحت قدميه ، ووضع فيها ربا الجاهلية كله وأبطله ، وأوصاهم بالنساء خيراً ، وذكر الحق الذي لهن والذي عليهن ، وأن الواجب لهن الرزق والكسوة بالمعروف ، ولم يقدر ذلك بتقدير ، وأباح للأزواج ضربهن إذا أدخلن إلى بيوتهن من يكرهه أزواجهن ، وأوصى الأمة فيها بالاعتصام بكتاب الله ، وأخبر أنهم لن يضلوا ما داموا معتصمين به ، ثم أخبرهم أنهم مسؤولون عنه ، واستنطقهم : بماذا يقولون ، وبماذا يشهدون ، فقالوا : نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت ، فرفع أصبعه إلى السماء ، واستشهد الله عليهم ثلاث مرات ، وأمرهم أن يبلغ شاهدهم غائبهم . قال ابن حزم : وأرسلت إليه أم الفضل بنت الحارث الهلالية وهي أم عبد الله بن عباس ، بقدح لبن ، فشربه أمام الناس وهو على بعيره فلما أتم الخطبة ، أمر بلالاً فأقام الصلاة ، وهذا من وهمه رحمه الله ، فإن قصة شربه إنما كانت بعد هذا حين سار إلى عرفة، ووقف بها هكذا جاء في الصحيحين مصرحاً به عن ميمونة: أن الناس شكوا في صيام النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة ، فأرسلت إليه بحلاب وهو واقف في الموقف ، فشرب منه والناس ينظرون . وفي لفظ : وهو واقف بعرفة . وموضع خطبته لم يكن من الموقف ، فإنه خطب بعرنة ، وليست من الموقف ، وهو صلى الله عليه وسلم نزل بنمرة، وخطب بعرنة ، ووقف بعرفة ، وخطب خطبة واحدة، ولم تكن خطبتين ، جلس بينهما، فلما أتمها، أمر بلالاً فأذن ، ثم أقام الصلاة، فصلى الظهر ركعتين أسر فيهما بالقراءة، وكان يوم الجمعة ، فدل على أن المسافر لا يصلي جمعة، ثم أقام فصلى العصر ركعتين أيضاً ومعه أهل مكة ، وصلوا بصلاته قصراً وجمعاً بلا ريب ، ولم يأمرهم بالإتمام ، ولا بترك الجمع ، ومن قال : إنه قال لهم : "أتموا صلاتهم فإنا قوم سفر"، فقد غلط فيه غلطاً ووهم وهما قبيحاً . وإنما قال لهم ذلك في غزاة الفتح بجوف مكة ، حيث كانوا في ديارهم مقيمين . ولهذا كان أصح أقوال العلماء : إن أهل مكة يقصرون ويجمعون بعرفة ، ويجمعون بعرفة، كما فعلوا مع النبي صلى الله عليه وسلم ، وفي هذا أوضح دليل ، على أن سفر القصر لا يتحدد بمسافة معلومة، ولا بأيام معلومة، ولا تأثير للنسك في قصر الصلاة البتة ، وإنما التأثير لما جعله الله سبباً وهو السفر، هذا مقتضى السنة ، ولا وجه لما ذهب إليه المحددون . فلما فرغ من صلاته ، ركب حتى أتى الموقف ، فوقف في ذيل الجبل عند الصخرات ، واستقبل القبلة، وجعل حبل المشاة بين يديه ، وكان على بعيره ، فأخذ في الدعاء والتضرع والإبتهال إلى غروب الشمس، وأمر الناس أن يرفعوا عن بطن عرنة، وأخبر ان عرفة لا تختص بموقفه ذلك ، بل قال : "وقفت ها هنا وعرفة كلها موقف " . وأرسل إلى الناس أن يكونوا على مشاعرهم ، ويقفوا بها ، فإنها من إرث أبيهم إبراهيم وهنالك أقبل ناس من أهل نجد، فسألوه عن الحج ، "الحج عرفة، من جاء قبل صلاة الصبح من ليلة جمع ،تم حجه ، أيام منى ثلاثة ، فمن تعجل في يومين ، فلا إثم عليه ، ومن تأخر فلا إثم عليه ". وكان في دعائه رافعاً يديه إلى صدره كاستطعام المسكين ، وأخبرهم أن خيرالدعاء دعاء يوم عرفة . وذكر من دعائه صلى الله عليه وسلم في الموقف : "اللهم لك الحمد كالذي نقول ، وخيراً مما نقول ، اللهم لك صلاتي ونسكي ، ومحياي ، ومماتي ، وإليك مآبي ، ولك ربي تراثى ، اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، ووسوسة الصدر، وشتات الأمر ، اللهم إني أعوذ بك من شر ما تجيء به الريح " . ذكره الترمذي . ومما ذكر من دعائه هناك "اللهم تسمع كلامي ، وترى مكاني ، وتعلم سري وعلانيتي ، لا يخفى عليك شيء من أمرى ، أنا البائس الفقير، المستغيث المستجير، والوجل المشفق ، المقر المعترف بذنوبي ، أسألك مسألة المسكين ، وأبتهل إليك ابتهال المذنب الذليل ، وأدعوك دعاء الخائف الضرير، من خضعت لك رقبته، وفاضت لك عيناه ، وذل جسده ، ورغم أنفه لك ، اللهم لا تجعلني بدعائك رب شقياً، وكن بي رؤوفاً رحيماً، يا خير المسؤولين، ويا خيرالمعطين " .ذكره الطبراني . وذكرالإمام أحمد : من حديث عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده قال : كان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له . له الملك وله الحمد ، بيده الخير وهوعلى كل شىء قدير". وذكرالبيهقي من حديث علي رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال : " أكثر دعائى ودعاء الأنبياء من قبلي بعرفة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شىء قدير ،اللهم اجعل فى قلبى نوراً ، وفى صدرى نوراً ،وفى سمعى نوراً، وفي بصري نوراً، اللهم أشرح لي صدري، ويسرلي أمرى ، وأعوذ بك من وسواس الصدر، وشتات الأمر ، وفتنة القبر، اللهم إني أعوذ بك من شر ما يلج في الليل ، وشر ما يلج في النهار، وشرما تهب به الرياح ، وشر بوائق الدهر" . وأسانيد هذه الأدعية فيها لين . وهناك أنزلت عليه : " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا " [المائدة : 3] . وهـناك سقط رجل من المسلمين عن راحلته وهو محرم فمات، فأمررسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكفن في ثوبيه ، ولا بطيب ، وأن يغسل بماء وسدر، ولا يغطى رأسه ، ولا وجهه ، وأخبر أن الله تعالى يبعثه يوم القيامة يلبي . وفي هذه القصة اثنا عشر حكماً. الأول : وجوب غسل الميت ، لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم به . الحكم الثاني : أنه لا ينجس بالموت ، لأنه لو نجس بالموت لم يزده غسله إلا نجاسة . لأن نجاسة الموت للحيوان عينية ، فإن ساعد المنجسون على أنه يطهر بالغسل ، بطل أن يكون نجساً بالموت ، وإن قالوا : لا يطهر، لم يزد الغسل أكفانه وثيابه وغاسله إلا نجاسة . الحكم الثالث : أن المشروع في حق الميت ، أن يغسل بماء وسدر لا يقتصر به على الماء وحده ، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالسدر في ثلاثة مواضع ، هذا أحدها. والثاني : في غسل ابنته بالماء والسدر . والثالث في غسل الحائض . وفي وجوب السدر في حق الحائض قولان في مذهب أحمد . الحكم الرابع : أن تغير الماء بالطاهرات ، لا يسلبه طهوريته ، كما هو مذهب الجمهور، وهو أنص الروايتين عن أحمد، وإن كان المتأخرون من أصحابه على خلافها. ولم يأمر بغسله بعد ذلك بماء قراح ، بل أمر في غسل ابنته أن يجعلن في الغسلة الأخيرة شيئاً من الكافور، ولو سلبه الطهورية، لنهى عنه ، وليس القصد مجرد اكتساب الماء من رائحته حتى يكون تغير مجاورة، بل هو تطييب البدن وتصليبه وتقويته ، وهذا إنما يحصل بكافور مخالط لا مجاور. الحكم الخامس : إباحة الغسل للمحرم ، وقد تناظر في هذا عبد الله بن عباس ، والمسور بن مخرمة ، ففصل بينهما أبوأيوب الأنصاري ، بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم اغتسل وهو محرم . واتفقوا على أنه يغتسل من الجنابة ، ولكن كره مالك رحمه الله أن يغيب رأسه في الماء، لأنه نوع ستر له ، والصحيح أنه لا بأس به ، فقد فعله عمربن الخطاب وابن عباس . والحكم السادس : أن المحرم غير ممنوع من الماء والسدر. وقد اختلف فى ذلك ، فأباحه الشافعى ، وأحمد في أظهر الروايتين عنه ومنع منه مالك ، وأبو حنيفة ، وأحمد فى رواية ابنه صالح عنه .قال :فإن فعل أهدى ، وقال صاحبا أبى حنيفة :إن فعل ، فعليه صدقة . وللمانعين ثلاث علل . إحداها: أنه يقتل الهوام من رأسه ، وهو ممنوع من التفلى. الثانية : أنه ترفه ، وإزالة شعث ينافى الإحرام . الثالثة: أنه يستلذ رائحته، فأشبه الطيب ، ولا سيما الخطمى .والعلل الثلاث واهية جداً، والصواب جوازه للنص ، ولم يحرم الله ورسوله على المحرم إزالة الشعث بالاغتسال ، ولا قتل القمل ، وليس السدر من الطيب فى شىء . الحكم السابع : أن الكفن مقدم على الميراث ، وعلى الدين ،لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أن يكفن فى ثوبيه ، ولم يسأل عن وراثه ، ولا عن دين عليه . ولو اختلف الحال ، لسأل . وكما أن كسوته فى الحياة مقدمة على قضاء دينه ، فكذلك بعد الممات ، هذا كلام الجمهور ،وفيه خلاف شاذ لايعول عليه . الحكم الثامن : جواز الاقتصار فى الكفن على ثوبين ، وهما إزار ورداء ، وهذا قول الجمهور . وقال القاضى أبو يعلى : لا يجوز أقل من ثلاثة أثواب عند القدرة ، لأنه لو جاز الاقتصار على ثوبين ، لم يجز التكفين بالثلاثة لمن له أيتام ، والصحيح : خلاف قوله ، وما ذكره ينقض بالخشن مع الرفيع . الحكم التاسع : أن المحرم ممنوع من الطيب ، لأن النبى صلى الله عليه نهى أن يمس طيباً، مع شهادته له أنه يبعث ملبياً، وهذا هو الأصل في منع المحرم من الطيب . وفي الصحيحين : من حديث ابن عمر "لا تلبسوا من الثياب شيئاً مسه ورس أوزعفران " . ==>>يتبع |
جعلاني ذهبي
![]() ![]() ![]() ![]()
![]() غير متواجد
|
![]()
وأمر الذي حرم في جبة بعد ما تضمخ بالخلوق ، أن تنزع عنه الجبة، ويغسل عنه أثر الخلوق . فعلى هذه الأحاديث الثلاثة مدار منع المحرم من الطيب . وأصرحها : هذه القصة، فإن النهي في الحديثين الأخرين ، إنما هو عن نوع خاص من الطيب ، لا سيما الخلوق، فإن النهي عنه عام في الإحرام وغيره .
وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى أن يقرب طيباً، أو يمس به ، تناول ذلك الرأس ، والبدن ، والثياب ، وأما شمه من غير مس ، فإنما حرمه من حرمه بالقياس ، وإلا فلفظ النهي لا يتناوله بصريحه ، ولا إجماع معلوم فيه يجب المصير إليه ، ولكن تحريمه من باب تحريم الوسائل ، فإن شمه يدعو إلى ملامسته في البدن والثياب ، كما يحرم النظر الى الأجنبية، لأنه وسيلة إلى غيره، وما حرم تحريم الوسائل، فإنه يباح للحاجة ، أو المصلحة الراجحة ، كما يباح النظر إلى الأمة المستامة ، والمخطوبة، ومن شهد عليها، أو يعاملها، أو يطبها . وعلى هذا، فإنما يمنع المحرم من قصد شم الطيب للترفه واللذة ، فأما إذا وصلت الرائحة إلى أنفه ، من غير قصد منه ، أو شمه قصداً، لاستعامه عندشرائه ، لم يمنع منه ، ولم يجب عليه سد أنفه ، فالأول: بمنزلة نظرالفجأة ، والثاني : بمنزلة نظرالمستام والخاطب. ومما يوضح هذا ، أن الذين أباحوا للمحرم استدامة الطيب قبل الإحرام ، منهم من صرح بإباحة تعمد شمه بعد الإحرام ، صرح بذلك أصحاب أبى حنيفة ، فقالوا :فى جوامع الفقه لأبى يوسف : لا بأس بأن يشم طيباً تطيب به قبل إحرامه ، قال صاحب المفيد : إن الطيب يتصل به ، فيصير تبعاً له ليدفع به أذى التعب بعد إحرامه ، فيصير كالسحور في حق الصائم يدفع به أذى الجوع والعطش في الصوم ، بخلاف الثوب ، فإنه بائن عنه . وقد اختلف الفقهاء، هل هو ممنوع من استدامته ، كما هو ممنوع من ابتدائه ، أو يجوز له استدامته ؟ على قولين . فمذهب الجمهور : جواز استدامته اتباعاً لما ثبت بالسنة الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يتطيب قبل إحرامه ، ثم يرى وبيص الطيب في مفارقه بعد إحرامه . وفي لفظ : "وهو يلبي " وفي لفظ "بعد ثلاث". وكل هذا يدفع التأويل الباطل الذي تأؤله من قال : إن ذلك كان قبل الإحرام ، فلما اغتسل ، ذهب أثره . وفي لفظ : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يحرم ، تطيب بأطيب ما يجد، ثم يرى وبيص الطيب في رأسه ولحيته بعد ذلك . ولله ما يصنع التقليد، ونصرة الآراء بأصحابه. وقال آخرون منهم : إن ذلك كان مختصاً به ، ويرد هذا أمران ، أحدهما أن دعوى الاختصاص ، لا تسمع إلا بدليل . والثاني : ما رواه أبو داود، عن عائشة، كنا نخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة، فنضمد جباهنا بالسك المطيب عند الاحرام ، فإذا عرقت إحدانا ، سال على وجهها ،فيراه النبى صلى الله عليه وسلم فلا ينهانا . الحكم العاشر : أن المحرم ممنوع من تغطية رأسه ، والمراتب فيه ثلاث : ممنوع منه بالاتفاق ، وجائز بالاتفاق ، ومختلف فيه ، فالأول : كل متصل ملامس يراد لستر الرأس ، كالعمامة ، والقبعة ، والطاقية ، والخوذة ، وغيرها . والثاني : كالخيمة ، والبيت ، والشجرة ، ونحوها ، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ضربت له قبة بنمرة وهو محرم إلا أن مالكاً منع المحرم أن يضع ثوبه على شجرة ليستظل به ، وخالفه الأكثرون، ومنع أصحابة المحرم أن يمشي في ظل المحمل. والثالث : كالمحمل ، والمحارة ، والهودج ، فيه ثلاثة أقوال : الجواز ، وهو قول الشافعي وأبي حنيفة رحمهما الله ، والثاني : المنع . فإن فعل ، افتدى، وهو مذهب مالك رحمه الله . والثالث : المنع ، فإن فعل ، فلا فدية عليه ، والثلاثة روايات عن أحمد رحمه الله . الحكم الحادي عشر: منع المحرم من تغطية وجهه ، وقد اختلف في هذه المسألة، فمذهب الشافعي وأحمد في رواية : إباحته ، ومذهب مالك ، وأبي حنيفة، وأحمد في رواية : المنع منه ، وبإباحته قال ستة من الصحابة : عثمان، وعبد الرحمن بن عوف ، وزيد بن ثابت ، والزبير ، وسعد بن أبي وقاص، وجابر رضي الله عنهم . وفيه قول ثالث شاذ: إن كان حياً، فله تغطية وجهه ،وإن كان ميتاً ، لم يجز تغطية وجهه ، قاله ابن حزم ، وهواللائق بظاهريته . واحتج المبيحون بأقوال هؤلاء الصحابة ، وبأصل الإباحة ، وبمفهوم قوله :" ولا تخمروا رأسه " . وأجابوا عن في قوله : " ولا تخمروا وجهه " ، بأن هذه اللفظة غير محفوظ فيه . قال شعبة: حدثنيه أبو بشر، ثم سألته بعد عشر سنين، فجاء بالحديث كما كان ، إلا أنه قال :. " لاتخمروا رأسه ، ولا وجهه ". قالوا : وهذا يدل على ضعفها . قالوا : وقد روي في هذا الحديث "خمروا وجهه ، ولا تخمروا رأسه " . الحكم الثاني عشر: بقاء الإحرام بعد الموت ، وأنه لا ينقطع به، وهذا مذهب عثمان ، وعلى ، وابن عباس ، وغيرهم رضي الله عنهم ، وبه قال أحمد ، والشافعي ، وإسحاق ، وقال أبو حنيفة ، ومالك ، والأوزاعي : ينقطع الإحرام بالموت ، ويصنع به كما يصنع بالحلال ، لقوله صلى الله عليه وسلم : " إذا مات أحدكم انقطع عمله إلامن ثلاث " . قالوا : ولا دليل في حديث الذي وقصته راحلته ، لأنه خاص به ، في صلاته على النجاشي : إنها مختصة به . قال الجمهور : دعوى التخصيص على خلاف الأصل ، فلا تقبل وقوله في الحديث : "فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً "، إشارة إلى العلة ، فلو كان مختصاً به ، لم يشر إلى العلة، ولا سيما إن قيل : لا يصح التعليل بالعلة القاصرة . وقد قال نظير هذا في شهداء أحد، فقال : "زملوهم في ثيابهم ، بكلومهم ، فإنهم يبعثون يوم القيامة اللون لون الدم ، والريح ريح المسك ". وهذا غير مختص بهم ، وهو نظير قوله : "كفنوه في ثوبيه ، فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً" ولم تقولوا: إن هذا خاص بشهداء أحد فقط ، بل عديتم الحكم إلى سائر الشهداء مع إمكان ما ذكرتم من التخصيص فيه . وما الفرق؟ وشهادة النبي صلى الله عليه وسلم في الموضعين واحدة ، وأيضاً: فإن هذا الحديث موافق لأصول الشرع والحكمة التي رتب عليها المعاد، فإن العبد يبعث على مامات عليه ، ومن مات على حالة بعث عليها فلو لم يرد هذا الحديث ، لكانت أصول الشرع شاهدة به . والله أعلم . |
جعلاني ذهبي
![]() ![]() ![]() ![]()
![]() غير متواجد
|
![]()
فصل عود الى سياق حجته
فصل عدنا إلى سياق حجته صلى الله عليه وسلم . فلما غربت الشمس ، واستحكم غروبها بحيث ذهبت الصفرة، أفاض من عرفة ، وأردف أسامة بن زيد خلفه ، وأفاض بالسكينة ، وضم إليه زمام ناقته ، حتى إن رأسها ليصيب طرف رحله وهو يقول : "أيها الناس عليكم السكينة، فإن البر ليس بإلإيضاع "أي : ليس بالإسراع . وأفاض من طريق المأزمين ، ودخل عرفة من طريق ضب ، وهكذا كانت عادته صلوات الله عليه وسلامه في الأعياد، أن يخالف الطريق ، وقد تقدم ذلك عند الكلام على هديه في العيد . ثم جعل يسير العنق ، وهو ضرب من السير ليس بالسريع ، ولا البطيء . فإذا وجد فجوة وهو المتسع ، نص سيره ، أي : رفعه فوق ذلك ، وكلما أتى ربوة من تلك الربى، أرخى للناقة زمامها قليلاً حتى تصعد . وكان يلبي في مسيره ذلك ، لم يقطع التلبية. فلما كان في أثناء الطريق نزل صلوات الله وسلامه عليه ، فبال ، وتوضأ وضوءاً خفيفاً، فقال له أسامة : الصلاة يارسول الله ، فقال : "الصلاة - أو المصلى - أمامك". ثم سار حتى أتى المزدلفة، فتوضأ وضوء الصلاة، ثم أمر بالأذان المؤذن ، ثم أقام ، فصلى المغرب قبل حط الرحال ، وتبريك الجمال ، فلما حطوا رحالهم ، أمر فأقيمت الصلاة، ثم صلى عشاء الآخرة بإقامة بلا اذان ، ولم يصل بينهما شيئاً. وقد روي : أنه صلاهما بأذانين وأقامتين ، وروي بإقامتين بلا أذان ، والصحيح : أنه صلاهما بأذان واقامتين كما فعل بعرفة . ثم نام حتى أصبح، ولم يحي تلك الليلة، ولاصح عنه في إحياء ليلتى العيدين شيء . "وأذن في تلك الليلة لضعفة أهله أن يتقدموا إلى منى قبل طلوع الفجر، وكان ذلك عند غيبوبة القمر، وأمرهم أن لا يرموا الجمرة حتى تطلع الشمس " حديث صحيح صححه الترمذي وغيره. وأما حديث عائشة رضي الله عنها : أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأم سلمة ليلة النحر ، فرمت الجمرة قبل الفجر، ثم مضت ، فأفاضت ، وكان ذلك اليوم الذى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم ، تعني عندها ، رواه أبو داود ، فحديث منكر ، أنكره الإمام أحمد وغيره . ومما يدل على إنكاره أن فيه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرها أن توافى صلاة الصبح يوم النحر بمكة . وفى رواية . "توافيه بمكة" وكان يومها ، فأحب أن توافيه ، وهذا من المحال قطعاً. قال الأثرم : قال لي أبو عبد الله : حدثنا أبو معاوية، عن هشام ، عن أبيه ، عن زينب بنت أم سلمة، أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن توافيه يوم الحر بمكة، لم يسنده غيره ، وهو خطأ . وقال وكيع : عن أبيه مرسلاً: إن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن توافيه صلاة الصبح يوم النحر بمكة، أو نحو هذا، وهذا أعجب أيضاً، أن النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر وقت الصبح ، ما يصنع بمكة؟ ينكر ذلك . قال : فجئت إلى يحيى بن سعيد، فسألته فقال : عن هشام عن أبيه : "أمرها أن توافي " وليس "توافيه " قال : وبين ذين فرق. قال : وقال لي يحيى : سل عبد الرحمن عنه ، فسألته ، فقال : هكذا سفيان عن هشام عن أبيه . قال الخلال : سها الأثرم في حكايته عن وكيع "توافيه "، وإنما قال وكيع : توافي منى . وأصاب في قوله : "توافي " كما قال أصحابه ، وأخطأ قوله : "منى" . قال الخلال : أنبأنا علي بن حرب ، حدثنا هارون بن عمران ، عن سليمان بن أبي داود، عن هشام بن عروة، عن أبيه ، قال : أخبرتني أم سلمة، قالت : قدمني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمن قدم من أهله ليلة المزدلفة. قالت : فرميت بليل ، ثم مضيت إلى مكة، فصليت بها الصبح ، ثم رجعت إلى منى . قلت : سليمان بن أبي داود هذا : هو الدمشقي الخولاني ، ويقال: ابن داود. قال أبو زرعة عن أحمد: رجل من أهل الجزيرة ليس بشيء . وقال عثمان بن سعيد: ضعيف . قلت : ومما يدل على بطلانه ، ما ثبت في الصحيحين عن القاسم بن محمد ، عن عائشة ، قالت : استأذنت سودة رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة المزدلفة ، أن تدفع قبله ، وقبل حطمة الناس ، وكانت امرأة ثبطة ، قالت : فأذن لها، فخرجت قبل دفعه ، وحبسنا حتى أصبحنا ، فدفعنا بدفعه ، ولأن أكون استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما استأذنته سودة أحب إلي من مفروح به . فهذا الحديث الصحيح ، يبين أن نساءه غير سودة، إنما دفعن معه . فإن قيل : فما تصنعون بحديث عائشة الذي رواه الدارقطني وغيره عنها ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ،"أمر نسائه أن يخرجن من جمع ليلة جمع ، فيرمين الجمرة ، ثم تصبح في منزلها ، وكانت تصنع ذلك حتى ماتت" . قيل : يرده محد بن حميد أحد رواته ، كذبه غير واحد . ويرده أيضاً : حديثها الذي في الصحيحين وقولها : وددت أني كنت استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما استأذنته سودة . وإن قيل : فهب أنكم يمكنكم رد هذا الحديث ، فما تصنعون بالحديث الذي رواه مسلم في صحيحه ، "عن أم حبيبة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بعث بها من جمع بليل". قيل : قد ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قدم تلك الليلة ضعفة أهله ، وكان ابن عباس فيمن قدم . وثبت أنه قدم سودة، وثبت أنه حبس نسائه عنده حتى دفعن بدفعه . وحديث أم حبيبة، انفرد به مسلم . فإن كان محفوظاً ، فهي إذاً من الضعفة التي قدمها . فإن قيل : فما تصنعون بما رواه الإمام أحمد، عن ابن عباس ، أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث به مع أهله إلى منى يوم النحر، فرموا الجمرة مع الفجر . قيل : نقدم عليه حديثه الآخر الذي رواه أيضاً الإمام أحمد ، والترمذي وصححه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قدم ضعفة أهله وقال : "لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس". ولفظ أحمد فيه : قدمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أغيلمة بني عبد المطلب على حمرات لنا من جمع ، فجعل يطلح أفخاذنا ويقول : "أي بني لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس " . لأنه أصح منه ، وفيه نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن رمي الجمرة قبل طلوع الشمس ، وهو محفوظ بذكر القصة فيه ، والحديث الآخر: إنما فيه : أنهم رموها مع الفجر، ثم تأملنا فإذا أنه لا تعارض بين هذه الأحاديث ، فإنه أمر الصبيان أن لا يرموا الجمرة حتى تطلع الشمس ، فإنه لا عذر لهم في تقديم الرمي ، أما من قدمه من النساء ، فرمين قبل طلوع الشمس للعذر والخوف عليهن من مزاحمة الناس وحطمهم ، وهذا الذي دلت عليه السنة جواز الرمي قبل طلوع الشمس ، للعذر بمرض، أو كبر يشق عليه مزاحمة الناس لأجله ، وأما القادر الصحيح ، فلا يجوز له ذلك . وفي المسألة ثلاثة مذاهب ، أحدها : الجواز بعد نصف الليل مطلقاً للقادر والعاجز، كقول الشافعي وأحمد رحمهما الله ، والثاني : لا يجوز إلا بعد طلوع الفجر، كقول أبي حنيفة رحمه الله ، والثالث : لا يجوز لأهل القدرة إلا بعد طلوع الشمس ، كقول جماعة من أهل العلم . والذي دلت عليه السنة، إنما هو التعجيل بعد غيبوبة القمر، لا نصف الليل ، وليس مع من حده بالنصف دليل ، والله أعلم . |
جعلاني ذهبي
![]() ![]() ![]() ![]()
![]() غير متواجد
|
![]()
صلاته في المزدلفة ووقوفه بالمشعر الحرام
فصل فلما طلع الشجر، صلاها في أول الوقت لا قبله قطعاً بأذان وإقامة يوم النحر ، وهو يوم العيد ، وهو يوم الحج الأكبر، وهو يوم الأذان ببراءة الله ورسوله من كل مشرك . ثم ركب حتى أتى موقفه عند المشعر الحرام ، فاستقبل القبلة، وأخذ في الدعاء والتضرع ، والتكبير ، والتهليل ، والذكر ، حتى أسفر جداً ، وذلك قبل طلوع الفجر . وهناك سأله عروة بن مضرس الطائي ، فقال : يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إني جئت من جبلي طيء ، أكللت راحتي ، وأتعبت نفسي ، والله ما تركت من جبل إلا وقفت عليه ، فهل لي من حج ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من شهد صلاتنا هذه ووقفت معنا حتى ندفع وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهاراً ، فقد أتم حجته ، وقضى تفثه ". قال الترمذي : حديث حسن صحيح . وبهذا احتج من ذهب إلى أن الوقوف بمزدلفة والمبيت بها، ركن كعرفة ، وهو مذهب اثنين من الصحابة، ابن عباس ، وابن الزبير رضي الله عنهما ، وإليه ذهب إبراهيم النخعي ، والشعبي ، وعلقمة ، والحسن البصري ، وهو مذهب الأوزاعي ، وحماد بن أبي سليمان ، وداود الظاهري ، وأبي عبيد القاسم بن سلام ، واختاره المحمدان : ابن جرير ، وابن خزيمة ، وهو أحد الوجوه للشافعية ، ولهم ثلاث حجج . هذه إحداها، والثانية : قوله تعالى : " فاذكروا الله عند المشعر الحرام " [البقرة : 198] والثالثة : فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي خرح مخرح البيان لهذا الذكر المأمور به. واحتج من لم يره ركناً بأمرين ، أحدهما : أن النبي صلى الله عليه وسلم مد وقت الوقوف بعرفة إلى طلوع الفجر، وهذا يقتضي أن من وقف بعرفة قبل طلوع الفجر زمان ، صح حجه ، ولو كان الوقوف بمزدلفة ركنا لم يصح حجه . الثاني : أنه لو كان ركناً ، لاشترك فيه الرجال والنساء ، فلما قدم رسول صلى الله عليه وسلم النساء بالليل ، علم أنه ليس بركن ، وفي الدليلين نظر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم إنما قدمهن بعد المبيت بمزدلفة، وذكر الله تعالى بها لصلاة عشاء الآخرة . والواجب هو ذلك . وأما توقيت الوقوف بعرفة إلى الفجر، فلا ينافي أن يكون المبيت بمزدلفة ركناً ، وتكون تلك الليلة وقتاً لهما كوقت المجموعتين من الصلوات ، وتضييق الوقت لأحدهما لا يخرجه عن أن يكون وقتاً لهما حال القدرة . |
جعلاني ذهبي
![]() ![]() ![]() ![]()
![]() غير متواجد
|
![]()
وقوفه في المزدلفة
فصل وقف صلى الله عليه وسلم في موقفه ، وأعلم الناس أن مزدلفة كلها موقف ، ثم سار من مزدلفة مردفاً للفضل بن عباس وهو يلبي في مسيره ، وانطلق أسامة بن زيد على رجليه في سباق قريش . وفي طريقه ذلك أمر ابن عباس أن يلقط له حصى الجمار، سبع حصيات ، ولم يكسرها من الجبل تلك الليلة كما يفعل من لا علم عنده ، ولا التقطها بالليل ، فالتقط له سبع حصيات من حصى الحذف ، فجعل ينفضهن في كفه ويقول : "بأمثال هؤلاء فارموا ، وإياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين ". وفي طريقه تلك ، عرضت له امرأة من خثعم جميلة، فسألته عن الحج عن أبيها وكان شيخاً كبيراً لا يستمسك على الرحلة، فأمرها أن تحج عنه، وجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه ، فوضع يده على وجهه ، وصرفه إلى الشق الآخر، وكان الفضل وسيماً ، فقيل : صرف وجهه عن نظرها إليه . وقيل : صرفه عن نظر إليها، والصواب : إنه فعله للأمرين ، فإنه في القصة جعل ينظر إليها وتنظر إليه . وسأله آخر هنالك عن أمه ، فقال : إنها عجوز كبيرة، فإن حملتها لم تستمسك ، وإن ربطتها خشيت أن أقتلها، فقال : "أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيه ؟ قال : نعم . قال : فحج عن أمك ". فلما أتى بطن محسر، حرك ناقته وأسرع السير، وهذه كانت عادته في المواضع التي نزل فيها بأس الله بأعدائه ، فإن هنالك أصاب أصحاب الفيل ما قص الله علينا، ولذلك سمى ذلك الوادي وادي محسر ، لأن الفيل حسر فيه ، أي: أعيي، وانقطع عن الذهاب إلى مكة ، وكذلك فعل في سلوكه الحجر ديار ثمود فإنه تقنع بثوبه ، وأسرع السير. ومحسر: برزخ بين منى وبين مزدلفة، لا من هذه ، ولا من هذه ، وبرزخ بين عرفة والمشعر الحرام ، فبين كل مشعرين برزخ ليس منهما، فمنى : من الحرم ، وهي مشعر، ومحسر: من الحرم ، وليس بمشعر ، ومزدلفة : حرم ومشعر، وعرنة ليست مشعراً ، وهي من الحل . وعرفة : حل ومشعر . وسلك صلى الله عليه وسلم ، الطريق الوسطى بين الطريقين ، وهي التي تخرج على الجمرة الكبرى ، حتى أتى منى، فأتى جمرة العقبة، فوقف في أسفل الوادي ، وجعل البيت عن يساره ، ومنى عن يمينه ، واستقبل الجمرة وهو على راحلته ، فرماها راكباً بعد طلوع الشمس، واحدة بعد واحدة، يكبر مع كل حصاة . وحينئذ قطع التلبية . وكان في مسيره ذلك يلبي حتى شرع في الرمي ، ورمى بلال وأسامة معه ، أحدهما آخذ بخطام ناقته ، والآخر يظلله بثوب من الحر . وفي هذا : دليل على جواز استظلال المحرم بالمحمل ونحوه إن كانت قصة هذا الإظلال يوم النحر ثابتة ، وإن كانت بعده في أيام منى، فلا حجة فيها ، وليس في الحديث بيان في أي زمن كانت . والله أعلم . |
جعلاني ذهبي
![]() ![]() ![]() ![]()
![]() غير متواجد
|
![]()
رجوعه الى منى وخطبته فيها
فصل ثم رجع إلى منى، فخطب الناس خطبة بليغة أعلمتهم فيها بحرمة يوم النحر وتحريمه ، وفضله عند الله ، وحرمة مكة على جميع البلاد ، وأمرهم بالسمع والطاعة لمن قادهم بكتاب الله ، وأمر الناس بأخذ مناسكهم عنه ، وقال : "لعلي لا أحج بعد عامي هذا". وعلمهم مناسكهم ، وأنزل المهاجرين والأنصار منازلهم ، وأمر الناس أن لا يرجعوا بعده كفاراً يضرب بعضهم رقاب بعض ، وأمر بالتبليغ عنه . وأخبر أنه رب مبلغ أوعى من سامع . وقال في خطبته : " لا يجني جان إلا على نفسه " . وأنزل المهاجرين عن يمين القبلة ، والأنصار عن يسارها ، والناس حولهم وفتح الله له أسماع الناس حتى سمعها أهل منى في منازلهم. وقال في خطبته تلك : "اعبدوا ربكم ، وصلوا خمسكم ، وصوموا شهركم ، وأطيعوا ذا أمركم ، تدخلوا جنة ربكم " . وودع حيئذ الناس ، فقالوا : حجة الوداع . وهناك سئل عمن حلق قبل أن يرمي ، وعمن ذبح قبل أن يرمي ، فقال : " لاحرج " قال عبد الله بن عمرو: ما رأيته صلى الله عليه وسلم سئل يومئذ عن شيء إلا قال :" افعلوا ولا حرج ". قال ابن عباس : "إنه قيل له صلى الله عليه وسلم في الذبح ، والحلق ، والرمي ، والتقديم ، والتأخير ، فقال : لا حرج " . وقال أسامة بن شريك : خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم حاجاً ، وكان الناس يأتونه فمن قائل : يا رسول الله سعيت قبل أن أطوف ، أو قدمت شيئاً أو أخرت شيئاً فكان يقول : "لا حرج لا حرج إلا على رجل اقترض عرض رجل مسلم وهو ظالم ، فذلك الذي حرج وهلك ". وقوله : سعيت قبل أن أطوف ، في هذا الحديث ليس بمحفوظ . والمحفوظ : تقديم الرمي ، والنحر، والحلق بعضها على بعض . ثم انصرف إلى المنحر بمنى، فنحر ثلاثاً وستين بدنة بيده ، وكان ينحرها قائمة، معقولة يدها اليسرى. وكان عدد هذا الذي نحره عدد سني عمره ، ثم أمسك وأمر علياً أن ينحر ما غبر من المائة، ثم أمر علياً رضي الله عنه ، أن يتصدق بجلالها ولحومها وجلودها في المساكين ، وأمره أن لا يعطي الجزار في جزارتها شيئاً منها، وقال : نحن نعطيه من عندنا، وقال : "من شاء اقتطع " . فإن قيل : فكيف تصنعون بالحديث الذي في الصحيحين عن أنس رضي الله عنه ، قال : "صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر بالمدينة أربعاً ، والعصر بذي الحليفة ركعتين ، فبات بها، فلما أصبح ، ركب راحلته ، فجعل يهلل ويسبح فلما علا على البيداء، لبى بهما جميعاً ، فلما دخل مكة، أمرهم أن يحلوا، ونحر رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده سبع بدن قياماً ، وضحى بالمدينة كبشين أملحين " . فالجواب : أنه لا تعارض بين الحديثين . قال أبو محمد ابن حزم : مخرج حديث أنس ، على أحد وجوه ثلاثة . أحدها : أنه صلى الله عليه وسلم لم ينحر بيد، أكثر من سبع بدن ، كما قال أنس ، وأنه أمر من ينحر ما بعد ذلك إلى تمام ثلاث وستين ، ثم زال عن ذلك المكان ، وأمر علياً رضي الله عنه ، فنحر ما بقي . الثاني : أن يكون أنس لم يشاهد إلا نحره صلى الله عليه وسلم سبعاً فقط بيده ، وشاهد جابر تمام نحره صلى الله عليه وسلم للباقي ، فأخبر كل منهما بما رأى وشاهد . الثالث : أنه صلى الله عليه وسلم نحر بيده منفرداً سبع بدن كما قال أنس ، ثم أخذ هو وعلي الحربة معاً ، فنحرا كذلك تمام ثلاث وستين ، كما قال غرفة بن الحارث الكندي أنه شاهد النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ قد أخذ بأعلى الحربة ، وأمر علياً فأخذ بأسفلها ، ونحرا بها البدن ثم انفرد علي بنحر الباقي من المائة، كما قال جابر. والله أعلم . فإن قيل : فكيف تصنعون بالحديث الذي رواه الإمام أحمد، وأبو داود عن علي قال : لما نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم بدنة ، فنحر ثلاثين بيده ، وأمرني فنحرت سائرها . قلنا : هذا غلط انقلب على الراوي ، فإن الذي نحر ثلاثين : هو علي ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم نحر سبعاً بيده لم يشاهده علي ، ولا جابر، ثم نحر ثلاثاً وستين أخرى ، فبقي من المائة ثلاثون ، فنحرها علي ، فانقلب على الراوي عدد ما نحره علي بما نحره النبي صلى الله عليه وسلم . فإن قيل : فما تصنعون بحديث عبد الله بن قرط ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : "إن أعظم الأيام عند الله يوم النحر، ثم يوم القر" . وهو اليوم الثاني . قال : وقرب لرسول الله صلى الله عليه وسلم بدنات خمس فطفقن يزدلفن إليه بأيتهن يبدأ ؟ فلما وجبت جنوبها قال : فتكلم بكلمة خفية لم أفهمها، فقلت : ما قال ؟ قال : " من شاء اقتطع ". قيل : نقبله ونصدقه ، فإن المائة لم تقرب إليه جملة، وإنما كانت تقرب إليه أرسالاً ، فقرب منهن إليه خمس بدنات رسلاً ، وكان ذلك الرسل يبادرون ويتقربن إليه ليبدأ بكل واحدة منهن . فإن قيل : فما تصنعون بالحديث الذي في الصحيحين ، من حديث أبي بكرة في خطبة النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر بمنى، وقال في آخره : ثم انكفأ إلى كبشين أملحين فذبحهما، وإلى جزيعة من الغنم فقسمها بيننا، لفظه لمسلم . ففي هذا ، أن ذبح الكبشين كان بمكة ، وفي حديث أنس ، أنه كان بالمدينة: في هذا طريقتان للناس . إحداهما: أن القول : قول أنس ، وأنه ضحى بالمدينة بكبشين أملحين أقرنين ، وأنه صلى العيد ، ثم انكفأ إلى كبشين ، ففصل أنس ، وميز بين نحره للبدن ، وبين نحره بالمدينة للكبشين ، وبين أنهما قصتان ، ويدل على هذا أن جميع من ذكر نحر النبي صلى الله عليه وسلم بمنى، إنما ذكروا أنه نحر الإبل ، وهو الهدي الذي ساقه ، وهو أفضل من نحر الغنم هناك بلا سوق ، وجابر قد قال في صفة حجة الوداع : إنه رجع من الرمي ، فنحر البدن ، وإنما أشتبه على بعض الرواة ، أن قصة الكبشين كانت يوم عيد، فظن أنه كان بمنى فوهم . الطريقة الثانية : طريقة ابن حزم ، ومن سلك مسلكه ، أنهما عملان متغايران ، وحديثان صحيحان ، فذكر أبو بكرة تضحيته بمكة، وأنس تضحيته بالمدينة . قال : وذبح يوم النحر الغنم ، ونحر البقر والإبل ، كما قالت عائشة : ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ عن أزواجه بالبقر ، وهو في الصحيحين . وفي صحيح مسلم : ذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عائشة بقرة يوم النحر. وفي السنن : أنه نحر عن آل محمد في حجة الوداع بقرة واحدة . ومذهبه : أن الحاج شرع له التضحية مع الهدي ، والصحيح إن شاء الله : الطريقة الأولى، وهدي الحاج له بمنزلة الأضحية للمقيم ، ولم يقل أحد أن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا أصحابه ، جمعوا بين الهدي والأضحية، بل كان هديهم هو أضاحيهم ، فهو هدي بمنى ، وأضحية بغيرها . وأما قول عائشة: ضحى عن نسائه بالبقر، فهو هدي أطلق عليه اسم الأضحية، وأنهن كن متمتعات ، وعليهن الهدي ، فالبقر الذي نحره عنهن هو الهدي الذي يلزمهن . ولكن في قصة نحر البقرة عنهن وهن تسع : إشكال ، وهو إجزاء البقرة عن أكثر من سبعة . وأجاب أبو محمد ابن حزم عنه ، بجواب على أصله ، وهو أن عائشة لم تكن معهن في ذلك ، فإنها كانت قارنة وهن متمتعات ، وعنده لا هدي على القارن ، وأيد قوله بالحديث الذي رواه مسلم من حديث هشام بن عروة، عن أبيه ، عن عائشة : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم موافين لهلال ذي الحجة، فكنت فيمن أهل بعمرة ، فخرجنا حتى قدمنا مكة، فأدركني يوم عرفة وأنا حائض لم أحل من عمرتي ، فشكوت ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : "دعي عمرتك وانقضي رأسك ، وامتشطي ، وأهلي بالحج ". قالت : ففعلت : فلما كانت ليلة الحصبة وقد قضى الله حجنا ، أرسل معي عبد الرحمن بن أبي بكر، فأردفني ، وخرج إلى التنعيم ، فأهللت بعمرة، فقضى الله حجنا وعمرتنا، ولم يكن في ذلك هدي صدقة ولا صوم . وهذا مسلك فاسد تفرد به ابن حزم عن الناس . والذي عليه الصحابة، والتابعون ، ومن بعدهم أن القارن يلزمه الهدي ، كما يلزم المتمتع ، بل هو متمتع حقيقة في لسان الصحابة كما تقدم ، وأما هذا الحديث ، فالصحيح : إن هذا الكلام الأخير من قول هشام بن عروة، جاء ذلك في صحيح مسلم مصرحاً به ، فقال : حدثنا أبو كريب ، حدثنا وكيع ، حدثنا هشام بن عروة، عن أبيه ، عن عائشة ، رضي الله عنها . . . فذكرت الحديث . وفي آخره : قال عروة في ذلك : إنه قضى الله حجها وعمرتها. قال هشام : ولم يكن في ذلك هدي ، ولا صيام ، ولا صدقة . قال أبو محمد: إن كان وكيع جعل هذا الكلام لهشام ، فابن نمير، وعبدة أدخلاه في كلام عائشة، وكل منهما ثقة، فوكيع نسبه إلى هشام ، لأنه سمع هشاماً يقوله ، وليس قول هشام إياه بدافع أن تكون عائشة قالته ، فقد يروي المرء حديثاً يسنده ، ثم يفتي به دون أن يسنده ، فليس شيء من هذا بمتدافع ، وإنما يتعلل بمثل هذا من لا ينصف ، ومن اتبع هواه ، والصحيح من ذلك : أن كل ثقة فمصدق فيما نقل . فإذا أضاف عبدة وابن نمير القول إلى عائشة، صدقا لعدالتهما . وإذا أضافه وكيع إلى هشام ، صدق أيضاً لعدالته ، وكل صحيح ، وتكون عائشة قالته ، وهشام قاله . قلت : هذه الطريقة هي اللائقة بظاهريته ، وظاهرية أمثاله ممن لا فقه له في علل الأحاديث ، كفقه الأئمة النقاد أطباء علله ، وأهل العناية بها، وهؤلاء لا يلتفتون إلى قول من خالفهم ممن ليس له ذوقهم ومعرفتهم ، بل يقطعون بخطئه بمنزلة الصيارف النقاد ، الذين يميزون بين الجيد والرديء ، ولا يلتفتون إلى خطأ من لم يعرف ذلك . ومن المعلوم ، أن عبدة وابن نمير لم يقولا في هذا الكلام : قالت عائشة ، وإنما أدرجاه في الحديث إدراجاً ، يحتمل أن يكون من كلامهما، أو من كلام عروة، أو من هشام ، فجاء وكيع ، ففصل وميز، ومن فصل وميز، فقد حفظ وأتقن ما أطلقه غيره ، نعم لو قال ابن نمير وعبدة : قالت عائشة ، وقال وكيع : قال هشام ، لساغ ما قال أبو محمد ، وكان موضع نظر وترجيح. وأما كونهن تسعاً وهي بقرة واحدة، فهذا قد جاء بثلاثة ألفاظ ، أحدها أنها بقرة واحدة بينهن ، والثاني : أنه ضحى عنهن يومئذ بالبقرة ، والثالث : دخل علينا يوم النحر بلحم بقر، فقلت : ما هذا؟ فقيل : ذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أزواجه . وقد اختلف الناس في عدد من تجزىء عنهم البدنة والبقرة، فقيل : سبعة وهو قول الشافعي ، وأحمد في المشهور عنه ، وقيل : عشرة ، وهو قول إسحاق . وقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قسم بينهم المغانم ، فعدل الجزور بعشر شياه . وثبت هذا الحديث ، أنه صلى الله عليه وسلم ضحى عن نسائه وهن تسع ببقرة . وقد روى سفيان ، عن ابي الزبير، عن جابر، أنهم نحروا البدنة في حجهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عشرة وهو على شرط مسلم ولم يخرجه ، وإنما أخرج قوله : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مهلين بالحج معنا النساء والولدان ، فلما قدمنا مكة، طفنا بالبيت وبالصفا والمروة، وأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نشترك في الإبل والبقر كل سبعة منا في بدن . وفي المسند : من حديث ابن عباس : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فحضر الأضحى ، فاشتركنا في البقرة سبعة ، وفي الجزور عشرة . ورواه النسائي والترمذي ، وقال : حسن غريب . وفي الصحيحين عنه : نحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية، البدنة سبعة ، والبقرة عن سبعة . وقال حذيفة : شرك رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجته بين المسلمين ، في البقرة عن سبعة . ذكره الإمام أحمد رحمه الله . وهذه الأحاديث ، تخرج على أحد وجوه ثلاثة، إما أن يقال : السبعة أكثر وأصح ، وإما أن يقال : عدل البعير بعشرة من الغنم ، تقويم في الغنائم لأجل تعديل القسمة، وأما كونه عن سبعة في الهدايا ، فهو تقدير شرعي ، وإما أن يقال : إن ذلك يختلف باختلاف الأزمنة ، والأمكنة، والإبل ، ففي بعضها كان البعير يعدل عشر شياه ، فجعله عن عشرة، وفي بعضها يعدل سبعة، فجعله عن سبعة ، والله أعلم . وقد قال أبو محمد: إنه ذبح عن نسائه بقرة للهدي ، وضحى عنهن ببقرة ، وضحى عن نفسه بكبشين ، ونحر عن نفسه ثلاثاً وستين هدياً ، وقد عرفت ما في ذلك من الوهم ، ولم تكن بقرة الضحية غير بقرة الهدي ، بل هي هي ، وهدي الحاج بمنزلة ضحية الآفاقي . |
جعلاني ذهبي
![]() ![]() ![]() ![]()
![]() غير متواجد
|
![]()
لا يختص الذبح بالمنحر
ونحر رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنحره بمنى، وأعلمهم "أن منى كلها منحر، وأن في فجاج مكة طريق ومنحر" وفي هذا دليل على أن النحر لا يختص بمنى، بل حيث نحر من فجاج مكة أجزأه ، كما أنه لما وقف بعرفة قال : "وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف "، ووقف بمزدلفة، وقال : "وقفت ها هنا ومزدلفة كلها موقف" . وسئل صلى الله عليه وسلم أن يبنى له بمنى بناء يظله من الحر، فقال : "لا ، منى مناخ لمن سبق إليه " وفي هذا دليل على اشتراك المسلمين فيها، وأن من سبق إلى مكان منها، فهو أحق به حتى يرتحل عنه ، ولا يملكه بذلك . |
جعلاني ذهبي
![]() ![]() ![]() ![]()
![]() غير متواجد
|
![]()
فصل في حلق رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه
فصل فلما" أكمل رسول الله صلى الله عليه وسلم نحره ، استدعى بالحلاق ، فحلق رأسه ، فقال للحلاق - وهو معمر بن عبد الله وهو قائم على رأسه بالموسى ونظر في وجهه - وقال : يا معمر أمكنك رسول الله صلى الله عليه وسلم من شحمة أذنه وفي يدك الموسى فقال معمر: أما والله يا رسول الله إن ذلك لمن نعمة الله علي ومنه . قال : أجل إذاً أقر لك "، ذكر ذلك الإمام أحمد رحمه الله . وقال البخاري في صحيحه : وزعموا أن الذي حلق للنبي صلى الله عليه وسلم ، معمر بن عبد الله بن نضلة بن عوف انتهى، فقال للحلاق : خذ ، وأشار إلى جانبه الأيمن ، فلما فرغ منه ، قسم شعرة بين من يليه ، ثم أشار إلى الحلاق ، فحلق جانبه الأيسر، ثم قال : ها هنا أبو طلحة ؟ فدفعه إليه هكذا وقع في صحيح مسلم . وفي صحيح البخاري : عن ابن سيرين ، عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حلق رأسه ، كان أبو طلحة أول من أخذ من شعره وهذا لا يناقض رواية مسلم، لجواز أن يصيب أبا طلحة من الشق الأيمن ، مثل ما أصاب غيره ، ويختص بالشق الأيسر، لكن قد روى مسلم في صحيحه أيضاً من حديث أنس، قال : لما رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمرة ، ونحر نسكه ، وحلق ، وناول الحلاق شقه الأيمن فحلقه ، ثم دعا أبا طلحة الأنصاري ، فأعطاه إياه ، ثم ناوله الشق الأيسر ، فقال : "احلق فحلقه ، فأعطاه أبا طلحة، فقال : اقسمة بين الناس ". ففي هذه الرواية ، كما ترى أن نصيب أبي طلحة كان الشق الأيمن ، وفي الأولى : أنه كان الأيسر. قال الحافظ أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد المقدسي ، رواه مسلم من رواية حفص بن غياث ، وعبد الأعلى بن عبد الأعلى، عن هشام بن حسان ، عن محمد بن سيرين ، عن أنس ، أن النبي صلى الله عليه وسلم ، دفع إلى أبي طلحة شعر شقه الأيسر ، ورواه من رواية سفيان بن عيينة، عن هشام بن حسان ، أنه دفع إلى أبي طلحة شعر شقه الأيمن . قال: ورواية ابن عون ، عن ابن سيرين أراها تقوي رواية سفيان والله أعلم . قلت : يريد برواية ابن عون ، ما ذكرناه عن ابن سيرين ، من طريق البخاري ، وجعل الذي سبق إليه أبو طلحة ، هو الشق الذي اختص به . والله أعلم . والذي يقوى أن نصيب أبي طلحة الذي اختص به كان الشق الأيسر، وأنه صلى الله عليه وسلم عم ، ثم خص ، وهذه كانت سنته في عطائه ، وعلى هذا أكثر الروايات ، فإن في بعضها أنه قال للحلاق : "خذ" وأشار إلى جانبه الأيمن ، فقسم شعره بين من يليه ، ثم أشار إلى الحلاق إلى الجانب الأيسر، فحلقه فأعطاه أم سليم ، ولا يعارض هذا دفعه إلى أبي طلحة، فإنها امرأته . وفي لفظ آخر: فبدأ بالشق الأيمن ، فوزعه الشعرة والشعرتين بين الناس ، ثم قال : بالأيسر، فصنع به مثل ذلك ، ثم قال : ها هنا أبو طلحة ؟ فدفعه إليه . وفي لفظ ثالث : دفع إلى أبي طلحة شعر شق رأسه الأيسر، ثم قلم أظفاره وقسمها بين الناس . وذكر الإمام أحمد رحمه الله ، من حديث محمد بن عبد الله بن زيد، أن أباه حدثه ، أنه شهد النبي صلى الله عليه وسلم عند المنحر، ورجل من قريش وهو يقسم أضاحي ، فلم يصبه شيء ولا صاحبه ، فحلق رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه في ثوبه ، فأعطاه ، فقسم منه على رجال ، وقلم أظفاره فأعطاه صاحبه ، قال : فإنه عندنا مخضوب بالحناء والكتم يعني شعره . ودعا للمحلقين بالمغفرة ثلاثاً ، وللمقصرين مرة ، وحلق كثير من الصحابة، بل أكثرهم ، وقصر بعضهم ، وهذا مع قوله تعالى : " لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين " [ الفتح : 27] ومع قول عائشة رضي الله عنها ، طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم : لإحرامه قبل أن يحرم ، ولإحلاله قبل أن يحل ، دليل على أن الحلق نسك وليس بإطلاق من محظور . |
جعلاني ذهبي
![]() ![]() ![]() ![]()
![]() غير متواجد
|
![]()
رجح ابن القيم أنه صلى الله عليه وسلم لم يطف غير طواف الافاضة
فصل ثم أفاض صلى الله عليه وسلم إلى مكة قبل الظهر راكباً ، فطاف طواف الإفاضة ، وهو طواف الزيارة، وهو طواف الصدر، ولم يطف غيره ، ولم يسع معه ، هذا هو الصواب ، وقد خالف في ذلك ثلاث طوائف : طائفة زعمت أنه طاف طوافين ، طوافاً للقدوم سوى طواف الإفاضة ، ثم طاف للإفاضة ، وطائفة زعمت أنه سعى مع هذا الطواف لكونه كان قارناً ، وطائفة زعمت أنه لم يطف في ذلك اليوم ، وإنما أخر طواف الزيارة إلى الليل ، فنذكر الصواب في ذلك ، ونبين منشأ الغلط وبالله التوفيق . قال الأثرم : قلت لأبي عبد الله : فإذا رجع أعني المتمتع ، كم يطوف ويسعى ؟ قال : يطوف ويسعى لحجه ، ويطوف طوافاً آخر للزيارة ، عاودناه في هذا غير مرة ، فثبت عليه . قال الشيخ أبو محمد المقدسي في المغني : وكذلك الحكم في القارن والمفرد إذا لم يكونا أتيا مكة قبل يوم النحر، ولا طافا للقدوم ، فإنهما يبدآن بطواف القدوم قبل طواف الزيارة، نص عليه أحمد رحمه الله ، واحتج بما روت عائشة رضي الله عنها، قالت : " فطاف الذين أهلوا بالعمرة بالبيت ، وبين الصفا والمروة، ثم حلوا ، ثم طافوا طوافاً آخر بعد أن رجعوا من منى لحجهم ، وأما الذين جمعوا الحج والعمرة، فإنما طافوا طوافاً واحداً "، فحمل أحمد رحمه الله قول عائشة، على أن طوافهم لحجهم هو طواف القدوم ، قال : ولأنه قد ثبت أن طواف القدوم مشروع ، فلم يكن طواف الزيارة مسقطاً له ، كتحية المسجد عند دخولة قبل التلبس بالصلاة المفروضة . وقال الخرقي في مختصره : وإن كان متمتعاً فيطوف بالبيت سبعاً وبالصفا والمروة سبعاً كما فعل بالعمرة ، ثم يعود فيطوف بالبيت طوافاً ينوي به الزيارة ، وهو قوله تعالى : " وليطوفوا بالبيت العتيق " [الحج : 29] فمن قال : إن النبي صلى الله عليه وسلم كان متمتعاً كالقاضي وأصحابه عندهم ، هكذا فعل ، والشيخ أبو محمد عنده ، أنه كان متمتعاً التمتع الخاص ، ولكن لم يفعل هذا، قال : ولا أعلم أحداً وافق أبا عبد الله على هذا الطواف الذي ذكره الخرقي ، بل المشروع طواف واحد للزيارة، كمن دخل المسجد وقد أقيمت الصلاة، فإنه يكتفى بها عن تحية المسجد، ولأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه الذين تمتعوا معه في حجة الوداع ، ولا أمر النبي صلى الله عليه وسلم به أحداً ، قال : وحديث عائشة : دليل على هذا ، فإنها قالت : "طافوا طوافاً واحداً بعد أن رجعوا من منى لحجهم " وهذا هو طواف الزيارة ، ولم تذكر طوافاً آخر . ولو كان هذا الذي ذكرته طواف القدوم ، لكانت قد أخلت بذكر طواف الزيارة الذي هو ركن الحج الذي لا يتم إلا به ، وذكرت ما يستغنى عنه ، وعلى كل حال ، فما ذكرت إلا طوافاً واحداً ، فمن أين يستدل به على طوافين ؟ وأيضاً ، فإنها لما حاضت ، فقرنت الحج إلى العمرة بأمر النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم تكن طافت للقدوم ، لم تطف للقدوم ، ولا أمرها به النبي صلى الله عليه وسلم ، ولأن طواف القدوم لو لم يسقط بالطواف الواجب ، لشرع في حق المعتمر طواف القدوم مع طواف العمرة ، لأنه أول قدومه إلى البيت ، فهو به أولى من المتمتع الذي يعود إلى البيت ، بعد رؤيته وطوافه به . انتهى كلامه . قلت : لم يرفع كلام أبي محمد الإشكال ، وإن كان الذي أنكره هو الحق كما أنكره ، والصواب في إنكاره ، فإن أحداً لم يقل : إن الصحابة لما رجعوا من عرفة، طافوا للقدوم وسعوا ، ثم طافوا للإفاضة بعده ، ولا النبي صلى الله عليه وسلم ، هذا لم يقع قطعاً ، ولكن كان منشأ الإشكال ، أن أم المؤمنين فرقت بين المتمتع والقارن ، فأخبرت أن القارنين طافوا بعد أن رجعوا من منى طوافاً واحداً ، وأن الذين أهلوا بالعمرة طافوا طوافاً آخر بعد أن رجعوا من منى لحجهم ، وهذا غير طواف الزيارة قطعاً ، فإنه يشترك فيه القارن والمتمتع ، فلا فرق بينهما فيه ، ولكن الشيخ أبا محمد، لما رأى قولها في المتمتعين : إنهم طافوا طوافاً آخر بعد أن رجعوا من منى، قال . ليس في هذا ما يدل على أنهم طافوا طوافين ، والذي قاله حق، ولكن لم يرفع الإشكال ، فقالت طائفة : هذه الزيادة من كلام عروة أو ابنه هشام أدرجت في الحديث ، وهذا لا يتبين ، ولو كان ، فغايته أنه مرسل ولم يرتفع الإشكال عنه بالإرسال . فالصواب : أن الطواف الذي أخبرت به عائشة ، وفرقت به بين المتمتع والقارن ، هو الطواف بين الصفا والمروة ، لا الطواف بالبيت وزال الإشكال جملة ، فأخبرت عن القارنين أنهم اكتفوا بطواف واحد بينهما ، لم يضيفوا إليه طوافاً آخر يوم النحر، وهذا هو الحق ، وأخبرت عن المتمتعين ، أنهم طافوا بينهما طوافاً آخر بعد الرجوع من منى للحج ، وذلك الأول كان للعمرة ، وهذا قول الجمهور ، وتنزيل الحديث على هذا ، موافق لحديثها الآخر ، وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم : "يسعك طوافك بالبيت وبين الصفا والمروة لحجك وعمرتك " ، وكانت قارنة ، يوافق قول الجمهور . ولكن يشكل عليه حديث جابر الذي رواه مسلم في صحيحه : لم يطف النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا أصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافاً واحداً ، طوافه الأول . هذا يوافق قول من يقول : يكفي المتمتع سعي واحد كما هو إحدى الروايتين عن أحمد رحمه الله ، نص عليها في رواية ابنه عبد الله وغيره ، وعلى هذا، فيقال : عاثشة أثبتت ، وجابر نفى، والمثبت مقدم على النافي . أو يقال : مراد جابر، من قرن مع النبي صلى الله عليه وسلم وساق الهدي ، كأبي بكر وعمر وطلحة وعلي رضي الله عنهم ، وذوي اليسار ، فإنهم إنما سعوا سعياً واحداً . وليس المراد به عموم الصحابة، أو يعلل حديث عائشة ، بأن تلك الزيادة فيه مدرجة من قول هشام وهذه ثلاث طرق للناس فى حديثها والله أعلم . وأما من قال : المتمتع يطوف ويسعى للقدوم بعد إحرامه بالحج قبل خروجه إلى منى، وهو قول أصحاب الشافعي ، ولا أدري أهو منصوص عنه أم لا ؟ قال أبو محمد: فهذا لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا أحد من الصحابة البتة، ولا أمرهم به ، ولا نقله أحد، قال ابن عباس : لا أرى لأهل مكة أن يطوفوا، ولا أن يسعوا بين الصفا والمروة بعد إحرامهم بالحج حتى يرجعوا من منى . وعلى قول ابن عباس : قول الجمهور ، ومالك ، وأحمد ، وأبي حنيفة وإسحاق ، وغيرهم . والذين استحبوه ، قالوا : لما أحرم بالحج ، صار كالقادم ، فيطوف ويسعى للقدوم . قالوا : ولأن الطواف الأول وقع عن العمرة، فيبقى طواف القدوم ، ولم يأت به ، فاستجب له فعله عقيب الإحرام بالحج ، وهاتان الحجتان واهيتان ، فإنه إنما كان قارناً لما طاف للعمرة، فكان طوافه للعمرة مغنياً عن طواف القدوم ، كمن دخل المسجد، فرأى الصلاة قائمة، فدخل فيها، فقامت مقام تحية المسجد ، وأغنته عنها . وأيضاً فإن الصحابة لما أحرموا بالحج مع النبي صلى الله عليه وسلم ، لم يطوفوا عقيبه ، وكان أكثرهم متمتعاً . وروى محمد بن الحسن ، عن أبي حنيفة، أنه إن أحرم يوم التروية قبل الزوال ، طاف وسعى للقدوم ، وإن أحرم بعد الزوال ، لم يطف ، وفرق بين الوقتين ، بأنه بعد الزوال يخرج من فوره إلى منى، فلا يشتغل عن الخروج بغيره ، وقبل الزوال لا يخرج فيطوف . وقول ابن عباس والجمهور هو الصحيح الموافق لعمل الصحابة ، وبالله التوفيق . |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|