منتديات جعلان > جعلان للتربية والتعليم والموسوعات > جعلان للتربية والتعليم | ||
((( زاد المعاد ))) الأجزاء 1.2.3.4.5 |
الملاحظات |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
جعلاني ذهبي
![]() ![]() ![]() ![]()
![]() غير متواجد
|
![]()
فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في الصدقة والزكاة هديه في الزكاة ، أكمل هدي في وقتها، وقدرها، ونصابها، ومن تجب عليه ، ومصرفها . وقد راعى فيها مصلحة أرباب الأموال ، ومصلحة المساكين ، وجعلها الله سبحانه وتعالى طهرة للمال ولصاحبه ، وقيد النعمة بها على الأغنياء، فما زالت النعمة بالمال على من أدى زكاته ، بل يحفظه عليه وينميه له ، ويدفع عنه بها الآفات ، ويجعلها سوراً عليه ، وحصناً له ، وحارساً له .
ثم إنه جعلها في أربعة أصناف من المال : وهي أكثر الأموال دوراناً بين الخلق ، وحاجتهم إليها ضرورية . أحدها : الزرع ، والثمار . الثاني : بهيمة الأنعام : الإبل ، والبقر، والغنم . الثالث : الجوهران اللذان بهما قوام العالم ، وهما الذهب والفضة . الرابع : أموال التجارة على اختلاف أنواعها . ثم إنه أوجبها مرة كل عام ، وجعل حول الزروع والثمار عند كمالها واستوائها ، وهذا أعدل ما يكون ، إذ وجوبها كل شهر أو كل جمعة يضر بأرباب الأموال ، ووجوبها في العمر مرة مما يضر بالمساكين ، فلم يكن أعدل من وجوبها كل عام مرة . ثم إنه فاوت بين مقادير الواجب بحسب سعي أرباب الأموال في تحصيلها ، وسهولة ذلك ، ومشقته ، فأوجب الخمس فيما صادفه الإنسان مجموعاً محصلاً من الأموال ، وهو الركاز . ولم يعتبر له حولاً ، بل أوجب فيه الخمس متى ظفر به . وأوجب نصفه وهو العشر فيما كانت مشقة تحصيله وتعبه وكلفته فوق ذلك ، وذلك في الثمار والزروع التي يباشر حرث أرضها وسقيها وبذرها ، ويتولى الله سقيها من عنده بلا كلفة من العبد، ولا شراء ماء ، ولا إثارة بئر ودولاب . وأوجب نصف العشر، فيهما تولى العبد سقيه بالكلفة ، والدوالي والنواضح ، وغيرها . وأوجب نصف ذلك ، وهو ربع العشر، فيما كان النماء فيه موقوفاً على عمل متصل من رب المال ، بالضرب في الأرض تارة ، وبالإدارة تارة ، أخرى ولا ريب أن تكلفة هذا أعظم من كلفة الزرع والثمار، وأيضاً فإن نمو الزرع والثمار أظهر وأكثر من نمو التجارة ، فكان واجبها أكثر من واجب التجارة ، وظهور النمو فيما يسقى بالسماء والأنهار، أكثر مما يسقى بالدوالي والنواضح ، وظهوره فيما وجد محصلاً مجموعاً ، كالكنز، أكثر وأظهر من الجميع . ثم إنه لما كان لا يحتمل المواساة كل مال وإن قل ، جعل للمال الذي تحتمله المواساة نصباً مقدرة المواساة فيها ، لا تجحف بأرباب الأموال ، وتقع موقعها من المساكين ، فجعل للورق مائتي درهم ، وللذهب عشرين مثقالاً ، وللحبوب والثمار خمسة أوسق ، وهي خمسة أحمال من أحمال إبل العرب ، وللغنم أربعين شاة، وللبقر ثلاثين بقرة ، وللإبل خمساً ، لكن لما كان نصابها لا يحتمل المواساة من جنسها ، أوجب فيها شاة . فإذا تكررت الخمس خمس مرات وصارت خمساً وعشرين ، احتمل نصابها واحداً منها ، فكان هو الواجب . ثم إنه لما قدر سن هذا الواجب في الزيادة والنقصان ، بحسب كثرة الإبل وقلتها من ابن مخاض ، وبنت مخاض ، وفوقه ابن لبون ، وبنت لبون ، وفوقه الحق والحقة ، وفوقه الجذع والجذعة ، وكلما كثرت الإبل ، زاد السن إلى أن يصل السن إلى منتهاه ، فحينئذ جعل زيادة عدد الواجب في مقابلة زيادة عدد المال . فاقتضت حكمته أن جعل في الأموال قدراً يحتمل المواساة ، ولا يجحف بها ، ويكفي المساكين ، ولا يحتاجون معه إلى شيء ، ففرض في أموال الأغنياء ما يكفي الفقراء ، فوقع الظلم من الطائفتين ، الغني يمنع ما وجب عليه ، والآخذ يأخذ ما لا يستحقه ، فتولد من بين الطائفتين ضرر عظيم على المساكين وفاقة شديدة ، أوجبت لهم أنواع الحيل والإلحاف في المسألة، والرب سبحانه تولى قسم الصدقة ، وجزأها ثمانية أجزاء ، يجمعها صنفان من الناس ، أحدهما : من يأخذ لحاجة ، فيأخذ بحسب شدة الحاجة ، وضعفها ، وكثرتها ، وقلتها وهم الفقراء والمساكين ، وفي الرقاب ، وابن السبيل . والثاني : من يأخذ لمنفعته وهم العاملون عليها ، والمؤلفة قلوبهم ، والغارمون لإصلاح ذات البين ، والغزاة في سبيل الله ، فإن لم يكن الآخذ محتاجاً، ولا فيه منفعة للمسلمين ، فلا سهم له في الزكاة . |
جعلاني ذهبي
![]() ![]() ![]() ![]()
![]() غير متواجد
|
![]()
فصل وكان من هديه صلى الله عليه وسلم إذا علم من الرجل أنه من أهل الزكاة ، أعطاه ، وإن سأله أحد من أهل الزكاة ولم يعرف حاله ، أعطاه بعد أن يخبره أنه لاحظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب . وكان يأخذها من أهلها ، ويضعها في حقها .
وكان من هديه ، تفريق الزكاة على المستحقين الذين في بلد المال ، وما فضل عنهم منها حملت إليه ، ففرقها هو صلى الله عليه وسلم ، ولذلك كان يبعث سعاته إلى البوادي ، ولم يكن يبعثهم إلى القرى ، بل أمر معاذ بن جبل أن يأخذ الصدقة من أغنياء أهل اليمن ، ويعطيها فقراءهم ، ولم يأمره بحملها إليه . ولم يكن من هديه أن يبعث سعاته إلا إلى أهل الأموال الظاهرة من المواشي والزرع والثمار، وكان يبعث الخارص فيخرص على أرباب النخيل تمر نخيلهم ، وينظر كم يجيء منه وسقاً ، فيحسب عليهم من الزكاة بقدره ، وكان يأمر الخارص أن يدع لهم الثلث أو الربع ، فلا يخرصه عليهم لما يعرو النخيل من النوائب ، وكان هذا الخرص لكي تحصى الزكاة قبل أن تؤكل الثمار وتصرم ، وليتصرف فيها أربابها بما شاؤوا، ويضمنوا قدر الزكاة، ولذلك كان يبعث الخارص إلى من ساقاه من أهل خيبر وزارعه ، فيخرص عليهم الثمار والزروع ، ويضمنهم شطرها ، وكان يبعث إليهم عبد الله بن رواحة ، فأرادوا أن يرشوه ، فقال عبد الله : تطعموني السحت ؟ والله لقد جئتكم من عند أحب الناس إلي ، ولأنتم أبغض ، إلي من عدتكم من القردة والخنازير، ولا يحملني بغضي لك وحبي إياه ، أن لا أعدل عليكم ، فقالوا : بهذا قامت السماوات والأرض . ولم يكن من هديه أخذ الزكاة من الخيل ، والرقيق ، ولا البغال ، ولا الحمير ، ولا الخضراوات ولا المباطخ والمقاتي والفواكه التي لا تكال ولا تدخر إلا العنب والرطب فإنه كان يأخذ الزكاة منه جملة ولم يفرق بين ما يبس منه وما لم ييبس . |
جعلاني ذهبي
![]() ![]() ![]() ![]()
![]() غير متواجد
|
![]()
فصل في زكاة العسل و ماورد فيه
فصل واختلف عنه صلى الله عليه وسلم في العسل ، فروى أبو داود من حديث عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، قال : جاء هلال أحد بني متعان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشور نحل له ، وكان سأله أن يحمي وادياً يقال له : سلبة ، "فحمى له رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الوادي" ، فلما ولي عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، كتب إليه سفيان بن وهب يسألنى عن ذلك ، فكتب عمر : إن أدى إليك ما كان يؤدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من عشور نحله ، فاحم له سلبة ، وإلا فإنما هو ذباب غيث يأكله من يشاء . وفي رواية في هذا الحديث "من كل عشر قرب قربة" . وروى ابن ماجه في سننه من حديث عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، أنه أخذ من العسل العشر. وفي مسند الإمام أحمد ، عن أبي سيارة المتعي ، قال : قلت: يا رسول الله إن لي نحلاً. قال : " أد العشر" قلت : يا رسول الله إحمها لي ، فحماها لي . وروى عبد الرزاق ، عن عبد الله بن محرر عن الزهري ، عن أبي سلمة عن أبي هريرة، قال : كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل اليمن ، "أن يؤخذ من العسل العشر". قال الشافعي : أخبرنا أنس بن عياض ، عن الحارث بن عبد الرحمن بن أبي ذباب ، عن أبيه عن سعد بن أبي ذباب ، قال : قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأسلمت ثم قلت : يا رسول الله اجعل لقومي من أموالهم ما أسلموا عليه ، ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم واستعملني عليهم ، ثم استعملنى أبو بكر، ثم عمر رضي الله عنهما . قال : وكان سعد من أهل السراة، قال : فكلمت قومي في العسل ، لهم : فيه زكاة ، فإنه لا خير في ثمرة لا تزكى . فقالوا: كم ترى؟ قلت : فأخذت منهم العشر، فلقيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فأخبرته بما كان . قال : فقبضه عمر، ثم جعل ثمنه في صدقات المسلمين . ورواه الإمام أحمد ، ولفظه للشافعي . واختلف أهل العلم في هذه الأحاديث وحكمها، فقال البخاري : ليس في زكاة العسل شيء يصح ، وقال الترمذي : لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب كثير شيء . وقال ابن المنذر: ليس في وجوب صدقة العسل حديث يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا إجماع ، فلا زكاة فيه ، وقال الشافعي : الحديث في أن في العسل العشر ضعيف ، وفي أنه لا يؤخذ منه العشر ضعيف إلا عن عمر بن عبد العزيز . قال هؤلاء : وأحاديث الوجوب كلها معلولة، أما حديث ابن عمر، فهو من رواية صدقة بن عبد الله بن موسى بن يسار، عن نافع عنه ، وصدقة ، ضعفه الإمام أحمد، ويحيى بن معين ، وغيرهما، وقال البخاري : هو عن نافع ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل ، وقال النسائي : صدقة ليس بشيء ، وهذا حديث منكر . وأما حديث أبي سيارة المتعي ، فهو من رواية سليمان بن موسى عنه ، قال البخاري : سليمان بن موسى لم يدرك أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم . وأما حديث عمرو بن شعيب الآخر، أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ من العسل العشر، ففيه أسامة بن زيد بن أسلم يرويه عن عمرو، وهو ضعيف عندهم ، قال ابن معين : بنو زيد ثلاثتهم ليسوا بشيء ، وقال الترمذي : ليس في ولد زيد بن أسلم ثقة . وأما حديث الزهري ، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة : فما أظهر دلالته لو سلم من عبد الله بن محرر راويه عن الزهري ، قال البخاري في حديثه هذا: عبد الله بن محرر متروك الحديث ، وليس في زكاة العسل شيء يصح . وأما حديث الشافعي رحمه الله : فقال البيهقي : رواه الصلت بن محمد، عن أنس بن عياض ، عن الحارث بن عبد الرحمن (وهو ابن أبي ذباب )، عن منير بن عبد الله ، عن أبيه ، عن سعد بن أبي ذباب ، وكذلك رواه صفوان بن عيسى، عن الحارث بن أبي ذباب . قال البخاري : عبد الله والد منير، عن سعد بن أبي ذباب ، لم يصح حديثه ، وقال علي بن المديني : منير هذا لا نعرفه إلا في هذا الحديث ، كذا قال لي . قال الشافعي : وسعد بن أبي ذباب ، يحكي ما يدل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأمره بأخذ الصدقة من العسل ، وإنما هو شيء رآه فتطوع له بأهله . قال الشافعي : واختياري أن لا يؤخذ منه ، لأن السنن والآثار ثابتة فيما يؤخذ منه ، وليست ثابتة فيه فكأنه عفو. وقد روى يحيى بن آدم ، حدثنا حسين بن زيد، عن جعفر بن محمد أبيه ، عن علي رضي الله عنه قال : ليس في العسل زكاة . قال يحيى: وسئل حسن بن صالح عن العسل ؟ فلم يرفيه شيئاً. وذكر عن معاذ أنه لم يأخذ من العسل شيئاً . قال الحميدي : حدثنا سفيان ، حدثنا إبراهيم بن ميسرة، عن طاووس ، عن معاذ بن جبل ، أنه أتى بوقص البقر والعسل ، فقال معاذ : كلاهما لم يأمرني فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء . وقال الشافعي : أخبرنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر، قال : جاءنا كتاب عمر بن عبد العزيز رحمه الله إلى أبي وهو بمنى، أن لا يأخذ من الخيل ولا من العسل صدقة . وإلى هذا ذهب مالك ، والشافعي . وذهب أحمد وأبو حنيفة، وجماعة، إلى أن في العسل زكاة، ورأو أن هذه الآثار يقوي بعضها بعضاً، وقد تعددت مخارجها، واختلفت طرقها ، ومرسلها يعضد بمسندها . وقد سئل أبو حاتم الرازي ، عن عبد الله والد منير سعد بن أبي ذباب ، يصح حديثه ؟ قال : نعم . قال هؤلاء: ولأنه يتولد من نور الشجر والزهر، ويكال ويدخر، فوجبت فيه الزكاة كالحبوب والثمار . قالوا : والكلفة في أخذه دون الكلفة في الزرع والثمار ، ثم قال أبو حنيفة : إنما يجب فيه العشر إذا أخذ من أرض العشر، فإن أخذ من أرض الخراج ، لم يجب فيه شيء عنده ، لأن أرض الخراج قد وجب على مالكها الخراج لأجل ثمارها وزرعها ، فلم يجب فيها حق آخر لأجلها وأرض العشر لم يجب في ذمته حق عنها، فلذلك وجب الحق فيما يكون منها . وسوى الإمام أحمد بين الأرضين في ذلك ، وأوجبه فيما أخذ من ملكه أو موات ، عشرية كانت الأرض أو خراجية . ثم اختلف الموجبون له : هل له نصاب أم لا ؟ على قولين . أحدهما: أنه يجب في قليله وكثيره ، وهذا قول أبي حنيفة رحمه الله ، والثاني : أن له نصاباً معيناً ، ثم اختلف في قدره ، فقال أبو يوسف : هو عشرة أرطال . وقال محمد بن الحسن : هو خمسة أفراق ، والفرق ستة وثلاثون رطلاً بالعراقي . وقال أحمد : نصابه عشرة أفراق ، ثم اختلف أصحابه في الفرق ، على ثلاثة أقوال . أحدها : إنه ستون رطلاً ، والثاني : إنه ستة وثلاثون رطلاً . والثالث : ستة عشر رطلاً ، وهو ظاهر كلام الإمام أحمد ، والله أعلم . |
جعلاني ذهبي
![]() ![]() ![]() ![]()
![]() غير متواجد
|
![]()
فصل فيما كان يدعو به لمن جاءه بالزكاة
فصل وكان صلى الله عليه وسلم إذا جاءه الرجل بالزكاة، دعا له . فتارة يقول : "اللهم بارك فيه وفي إبله ". وتارة يقول : "اللهم صل عليه ". ولم يكن من هديه أخذ كرائم الأموال في الزكاة ، بل وسط المال ، ولهذا "نهى معاذاً عن ذلك" . |
جعلاني ذهبي
![]() ![]() ![]() ![]()
![]() غير متواجد
|
![]()
فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في زكاة الفطر
فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلم ، وعلى من يمونه من صغير وكبير، ذكر وأنثى ، حر وعبد ، صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير ، أو صاعاً من أقط ، أو صاعاً من زبيب . وروي عنه : أو صاعاً من دقيق ، وروي عنه : نصف صاع من بر. والمعروف : أن عمر بن الخطاب جعل نصف صاع من بر مكان الصاع من هذه الأشياء ، ذكره أبو داود . وفي الصحيحين أن معاوية هو الذي قوم ذلك وفيه عن النبي صلى الله عليه وسلم آثار مرسلة ، ومسندة ، يقوي بعضها بعضاً . فمنها: حديث عبد الله بن ثعلبة أو ثعلبة بن عبد الله بن أبي صعير، عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " صاع من بر أو قمح على كل اثنين " رواه الإمام أحمد وأبو داود . وقال عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث منادياً في فتح مكة، "ألا إن صدقة الفطر واجبة على كل مسلم ، ذكر أو أنثى، حر أو عبد ، صغير أو كبير، مدان من قمح أو سواه صاعاً من طعام ". قال الترمذي : حديث حسن غريب . وروى الدارقطني من حديث ابن عمر رضي الله عنهما ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر عمرو بن حزم في زكاة الفطر بنصف صاع من حنطة . وفيه سليمان بن موسى، وثقه بعضهم وتكلم فيه بعضهم . قال الحسن البصري : خطب ابن عباس في آخر رمضان على منبر البصرة فقال : "أخرجوا صدقة صومكم ، فكأن الناس لم يعلموا . فقال : من ها هنا من أهل المدينة ؟ قوموا إلى إخوانكم فعلموهم فإنهم لا يعلمون ، فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الصدقة صاعاً من تمر، أو شعير، أو نصف صاع من قمح على كل حر ، أو مملوك ، ذكر أو أنثى ، صغير أو كبير ، فلما قدم علي رضي الله عنه رأى رخص السعر قال : قد أوسع الله عليكم ، فلو جعلتموه صاعاً من كل شيىء ". رواه أبو داود وهذا لفظه ، والنسائي وعنده : فقال علي : أما إذ أوسع الله عليكم فأوسعوا، إجعلوها صاعاً من بر وغيره . وكان شيخنا رحمه الله : يقوي هذا المذهب ويقول : هو قياس قول أحمد في الكفارات ، أن الواجب فيها من البر نصف الواجب من غيره . |
جعلاني ذهبي
![]() ![]() ![]() ![]()
![]() غير متواجد
|
![]()
فصل في بيان اخراج هذه الصدقة
وكان من هديه صلى الله عليه وسلم إخراج هذه الصدقة قبل صلاة العيد ، وفي السنن عنه أنه قال : "من أداها قبل الصلاة، فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات ". وفي الصحيحين ، عن ابن عمر، قال : أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بزكاة الفطر أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة . ومقتضى هذين الحديثين ، أنه لا يجوز تأخيرها عن صلاة العيد، وأنها تفوت ، بالفراغ من الصلاة، وهذا هو الصواب ، فإنه لا معارض لهذين الحديثين ولا ناسخ ، ولا إجماع يدفع القول بهما ، وكان شيخنا يقوي ذلك وينصره ، ونظيره ترتيب الأضحية على صلاة الإمام ، لا على وقتها ، وأن من ذبح قبل صلاة الإمام ، لم تكن ذبيحته أضحية بل شاة لحم . وهذا أيضاً هو الصواب في المسألة الأخرى، وهذا هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في الموضعين . |
جعلاني ذهبي
![]() ![]() ![]() ![]()
![]() غير متواجد
|
![]()
فصل في تخصيص المسكين بصدقة الفطر
فصل وكان من هديه صلى الله عليه وسلم ، تخصيص المساكين بهذه الصدقة ، ولم يكن يقسمها على الأصناف الثمانية قبضة قبضة، ولا أمر بذلك ، ولا فعله أحد من أصحابه ، ولا من بعدهم ، بل أحد القولين عندنا : إنه لا يجوز إخراجها إلا على المساكين خاصة ، وهذا القول أرجح من القول بوجوب قسمتها على الأصناف الثمانية. |
جعلاني ذهبي
![]() ![]() ![]() ![]()
![]() غير متواجد
|
![]()
فصل في هديه في صدقة التطوع
فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في صدقة التطوع كان صلى الله عليه وسلم أعظم الناس صدقة بما ملكت يده ، وكان لا يستكثر شيئاً أعطاه لله تعالى ، ولا يستقله ، وكان لا يسأله أحد شيئا عنده إلا أعطاه ، قليلاً كان أو كثيراً ، وكان عطاؤه عطاء من لا يخاف الفقر، وكان العطاء والصدقة أحب شيء إليه ، وكان سروره وفرحه بما يعطيه أعظم من سرور الآخذ بما يأخذه ، وكان أجود الناس بالخير ، يمينه كالريح المرسلة . وكان إذا عرض له محتاج ، آثره على نفسه ، تارة بطعامه ، وتارة بلباسه . وكان ينوع في أصناف عطائه وصدقته ، فتارة بالهبة، وتارة بالصدقة، وتارة بالهدية، وتارة بشراء الشيء ثم يعطي البائع الثمن والسلعة جميعاً ، كما فعل ببعير جابر. وتارة كان يقترض الشيء ، فيرد أكثر منه ، وأفضل وأكبر، ويشتري الشيء ، فيعطي أكثر من ثمنه ، ويقبل الهدية ويكافىء عليها بأكثر منها أو بأضعافها، تلطفاً وتنوعاً في ضروب الصدقة والإحسان بكل ممكن ، وكانت صدقته وإحسانه بما يملكه، وبحاله ، وبقوله ، فيخرح ما عنده ، ويأمر بالصدقة ويحض عليها ، ويدعو إليها بحاله وقوله ، فإذا رآه البخيل الشحيح ، دعاه حاله إلى البذل والعطاء ، وكان من خالطه وصحبه ، ورأى هديه لا يملك نفسه من السماحة والندى . وكان هديه صلى الله عليه وسلم يدعو إلى الإحسان والصدقة والصروف ، ولذلك كان صلى الله عليه وسلم أشرح الخلق صدراً، وأطيبهم نفساً ، وأنعمهم قلباً ، فإن للصدقة وفعل المعروف تأثيراً عجيباً في شرح الصدر، وانضاف ذلك إلى ما خصه الله به من شرح صدره بالنبوة والرسالة ، وخصائصها وتوابعها ، وشرح صدره حساً وإخراج حظ الشيطان منه . |
جعلاني ذهبي
![]() ![]() ![]() ![]()
![]() غير متواجد
|
![]()
فصل في أسباب شرح الصدور وحصولها على الكمال له صلى الله عليه وسلم
فأعظم أسباب شرح الصدر : التوحيد وعلى حسب كماله ، وقوته ، وزيادته يكون انشراح صدر صاحبه . قال الله تعالى : " أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه " [ الزمر: 22 ] . وقال تعالى : " فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء " [الأنعام : 25 ]. فالهدى والتوحيد من أعظم أسباب شرح الصدر، والشرك والضلال من أعظم أسباب ضيق الصدر وانحراجه ، ومنها : النور الذي يقذفه الله في قلب العبد ، وهو نور الإيمان ، فإنه يشرح الصدر ويوسعه ، ويفرح القلب . فإذا فقد هذا النور من قلب العبد ، ضاق وحرج ، وصار في أضيق سجن وأصعبه . وقد روى الترمذي في جامعه عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : "إذا دخل النور القلب ، انفسح وانشرح . قالوا : وما علامة ذلك يا رسول الله ؟ قال : الإنابة إلى دار الخلود ، والتجافي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل نزوله ". فيصيب العبد من انشراح صدره بحسب نصيبه من هذا النور، وكذلك النور الحسي ، والظلمة الحسية ، هذه تشرح الصدر ، وهذه تضيقه . ومنها : العلم ، فإنه يشرح الصدر، ويوسعه حتى يكون أوسع من الدنيا، والجهل يورثه الضيق والحصر والحبس ، فكلما اتسع علم العبد ، انشرح صدره واتسع ، وليس هذا لكل عالم ، بل للعلم الموروث عن الرسول صلى الله عليه وسلم وهو العلم النافع ، فأهله أشرح الناس صدراً ، وأوسعهم قلوباً ، وأحسنهم أخلاقاً ، وأطيبهم عيشاً. ومنها : الإنابة إلى الله سبحانه وتعالى ، ومحبته بكل القلب ، والإقبال عليه ، والتنعم بعبادته ، فلا شيء أشرح لصدر العبد من ذلك . حتى إنه ليقول أحياناً : إن كنت في الجنة في مثل هذه الحالة، فإني إذاً في عيش طيب ، وللمحبة تأثير عجيب في إنشراح الصدر، وطيب النفس ، ونعيم القلب ، لا يعرفه إلا من له حس به ، وكلما كانت المحبة أقوى وأشد، كان الصدر أفسح وأشرح ، ولا يضيق إلا عند رؤية البطالين الفارغين من هذا الشأن ، فرؤيتهم قذى عينه ، ومخالطتهم حمى روحه . ومن أعظم أسباب ضيق الصدر الإعراض عن الله تعالى، وتعلق القلب بغيره ، والغفلة عن ذكره ، ومحبة سواه ، فإن من أحب شيئا غير الله ، عذب به ، وسجن قلبه في محبة ذلك الغير، فما في الأرض أشقى منه ، ولا أكسف بالاً ، ولا أنكد عيشاً ، ولا أتعب قلباً ، فهما محبتان ، محبة هي جنة الدنيا ، وسرور النفس ولذة القلب ، ونعيم الروح ، وغذاؤها ، ودواوها ، بل حياتها وقرة عينها ، وهي محبة الله وحده بكل القلب ، وانجذاب قوى الميل ، والإرادة ، والمحبة كلها إليه . ومحبة هي عذاب الروح ، وغم النفس ، وسجن القلب ، وضيق الصدر، وهي سبب الألم والنكد والعناء وهي محبة ما سواه سبحانه . ومن أسباب شرح الصدر دوام ذكره على كل حال ، وفي كل موطن، فللذكر تأثير عجيب في انشراح الصدر، ونعيم القلب ، وللغفلة تأثير عجيب في ضيقه وحبسه وعذابه . ومنها : الإحسان إلى الخلق ونفعهم بما يمكنه من المال ، والجاه ، والنفع بالبدن ، وأنواع الإحسان ، فإن الكريم المحسن أشرح الناس صدراً، وأطيبهم نفساً ، وأنعمهم قلباً ، والبخيل الذي ليس فيه إحسان أضيق الناس صدراً ، وأنكدهم عيشاً ، وأعظمهم هماً وغماً . "وقد ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصحيح مثلاً للبخيل والمتصدق ، كمثل رجلين عليهما جنتان من حديد ، كلما هم المتصدق بصدقة ، اتسعت عليه وانبسطت ، حتى يجر ثيابه ويعفي أثره ، وكلما هم البخيل بالصدقة، لزمت كل حلقة مكانها، ولم تتسع عليه ". فهذا مثل انشراح صدر المؤمن المتصدق ، وانفساح قلبه ، ومثل ضيق صدر البخيل وانحصار قلبه . ومنها الشجاعة ، فإن الشجاع منشرح الصدر، واسع البطان ، متسع القلب ، والجبان : أضيق الناس صدراً، وأحصرهم قلباً ، لا فرحة له ولا سرور، ولا لذة له ، ولا نعيم إلا من جنس ما للحيوان البهيمي ، وأما سرور الروح ، ولذتها ونعيمها ، وابتهاجها، فمحرم على كل جبان ، كما هو محرم على كل بخيل ، وعلى كل معرض عن الله سبحانه ، غافل عن ذكره ، جاهل به وبأسمائه تعالى وصفاته ، ودينه ، متعلق القلب بغيره . وإن هذا النعيم والسرور، يصير في القبر رياضاً وجنة، وذلك الضيق والحصر، ينقلب في القبر عذاباً وسجناً . فحال العبد في القبر، كحال القلب في الصدر، نعيماً وعذاباً وسجناً وانطلاقاً ، ولا عبرة بانشراح صدر هذا لعارض ، ولا بضيق صدر هذا لعارض ، فإن العوارض تزول بزوال أسبابها، وإنما المعول على الصفة التي قامت بالقلب توجب انشراحه وحبسه ، فهي الميزان والله المستعان . ومنها بل من أعظمها: إخراح دغل القلب من الصفات المذمومة التي توجب ضيقه وعذابه ، وتحول بينه وبين حصول البرء، فإن الإنسان إذا أتى الأسباب التي تشرح صدره ، ولم يخرج تلك الأوصاف المذمومة من قلبه ، لم يحظ من انشراح صدره بطائل ، وغايته أن يكون له مادتان تعتوران على قلبه ، وهو للمادة الغالبة عليه منهما . ومنها : ترك فضول النظر ، والكلام ، والاستماع ، والمخالطة ، والأكل ، والنوم ، فإن هذه الفضول تستحيل آلاماً وغموماً ، وهموماً في القلب ، تحصره وتحبسه ، وتضيقه ، ويتعذب بها ، بل غالب عذاب الدنيا والآخرة منها ، فلا إله إلا الله ما أضيق صدر من ضرب في كل آفة من هذه الآفات بسهم ، وما أنكد عيشه وما أسوأ حاله ، وما أشد حصر قلبه ، ولا إله إلا الله ، ما أنعم عيش من ضرب في كل خصلة من تلك الخصال المحمودة بسهم ، وكانت همته دائرة عليها ، حائمة حولها، فلهذا نصيب وافر من قوله تعالى: " إن الأبرار لفي نعيم " [ الإنفطار 13 ] ولذلك نصيب وافر من قوله تعالى: " إن الفجار لفي جحيم " [الانفطار : 14 ] ، وبينهما مراتب متفاوتة لا يحصيها إلا الله تبارك وتعالى. والمقصودة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أكمل الخلق في كل صفة يحصل بها انشراح الصدر ، واتساع القلب ، وقرة العين ، وحياة الروح ، فهو أكمل الخلق في هذا الشرح والحياة ، وقرة العين مع ما خص به من الشرح الحسي ، وأكمل متابعة له ، أكملهم انشراحاً ولذة وقرة عين ، وعلى حسب متابعته ينال العبد انشراح صدره ، وقرة عينه ، ولذة روحه ما ينال ، فهو صلى الله عليه وسلم في ذروة الكمال من شرح الصدر ، ورفع الذكر ، ووضع الوزر ، ولأتباعه من ذلك بحسب نصيبهم من اتباعه ، والله المستعان . وهكذا لأتباعه نصيب من حفظ الله لهم ، وعصمته إياهم ، ودفاعه عنهم ، وإعزازه لهم ، ونصره لهم ، بحسب نصيبهم من المتابعة ، فمستقل ، ومستكثر . فمن وجد خيراً ، فليحمــد الله . ومن وجد غير ذلك ، فلا يلومن إلا نفسه . |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|