منتديات جعلان > جعلان للتربية والتعليم والموسوعات > جعلان للتربية والتعليم | ||
((( زاد المعاد ))) الأجزاء 1.2.3.4.5 |
الملاحظات |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
جعلاني ذهبي
![]() ![]() ![]() ![]()
![]() غير متواجد
|
![]()
الخامسة والعشرون : أن للصدقة فيه مزية عليها في سائر الأيام ، والصدقة فيه بالنسبة إلى سائر أيام الأسبوع ، كالصدقة في شهر رمضان بالنسبة إلى سائر الشهور . وشاهدت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه ، إذا خرج إلى الجمعة يأخذ ما وجد في البيت من خبز أو غيره ، فيتصدق به في طريقه سراً ، وسمعته يقول : إذا كان الله قد أمرنا بالصدقة بين يدي مناجاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فالصدقة بين يدي مناجاته تعالى أفضل وأولى بالفضيلة . وقال أحمد بن زهير بن حرب : حدثنا أبي ، حدثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، قال : اجتمع أبو هريرة ، وكعب ، فقال أبو هريرة : إن في الجمعة لساعة لا يوافقها رجل مسلم في صلاة يسأل الله عز وجل شيئاً إلا آتاه إياه ، فقال كعب : أنا أحدثكم عن يوم الجمعة ، إنه إذا كان يوم الجمعة فزعت له السماوات والأرض ، والبر ، والبحر ، والجبال ، والشجر ، والخلائق كلها ، إلا ابن آدم والشياطين ، وحفت الملائكة بأبواب المسجد ، فيكتبون من جاء الأول فالأول حتى يخرج الإمام ، فإذا خرج الإمام ، طووا صحفهم ، فمن جاء بعد ، جاء لحق الله ، لما كتب عليه ، وحق على كل حالم أن يغتسل يومئذ كاغتساله من الجنابة ، والصدقة فيه أعظم من الصدقة في سائر الأيام ، ولم تطلع الشمس ولم تغرب على مثل يوم الجمعة . فقال ابن عباس : هذا حديث كعب وأبي هريرة ، وأنا أرى إن كان لأهله طيب يمس منه .
|
جعلاني ذهبي
![]() ![]() ![]() ![]()
![]() غير متواجد
|
![]()
السادسة والعشرون : أنه يوم يتجلى الله عز وجل فيه لأوليائه المؤمنين في الجنة ، وزيارتهم له ، فيكون أقربهم منهم أقربهم من الإمام ، وأسبقهم إلى الزيارة أسبقهم إلى الجمعة . وروى يحيى بن يمان ، عن شريك ، عن أبي اليقظان ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه ، في قوله عز وجل : " ولدينا مزيد " ( ق : 35) قال : يتجلى لهم في كل جمعة .
وذكر الطبراني في معجمه ، من حديث أبي نعيم المسعودي ، عن المنهال بن عمرو ، عن أبي عبيدة قال : قال عبد الله : سارعوا إلى الجمعة ، فإن الله عز وجل يبرز لأهل الجنة في كل جمعة في كثيب من كافور فيكونون منه في القرب على قدر تسارعهم إلى الجمعة ، فيحدث الله سبحانه لهم من الكرامة شيئاً لم يكونوا قد رأوه قبل ذلك ، ثم يرجعون إلى أهليهم ، فيحدثونهم بما أحدث الله لهم . قال : ثم دخل عبد الله المسجد ، فإذا هو برجلين ، فقال عبد الله : رجلان وأنا الثالث ، إن يشأ الله يبارك في الثالث . وذكر البيهقي في الشعب عن علقمة بن قيس قال : رحت مع عبد الله بن مسعود رضي الله عنه إلى جمعة ، فوجد ثلاثة قد سبقوه ، فقال : رابع أربعة ، وما رابع أربعة ببعيد . ثم قال : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إن الناس يجلسون يوم القيامة من الله على قدر رواحهم إلى الجمعة ، الأول ، ثم الثاني ، ثم الثالث ، ثم الرابع " . ثم قال : وما أربع أربعة ببعيد . قال الدارقطني في كتاب الرؤية : حدثنا أحمد بن سلمان بن الحسن ، حدثنا محمد بن عثمان بن محمد ، حدثنا مروان بن جعفر، حدثنا نافع أبو الحسن مولى بني هاشم ، حدثنا عطاء بن أبي ميمونة ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا كان يوم القيامة ، رأى المؤمنون ربهم ، فأحدثهم عهداً بالنظر إليه من بكر في كل جمعة ، وتراه المؤمنات يوم الفطر ويوم النحر ". حدثنا محمد بن نوح ، حدثنا محمد بن موسى بن سفيان السكري ، حدثنا عبد الله بن الجهم الرازي ، حدثنا عمرو بن أبي قيس ، عن أبي طيبة ، عن عاصم ، عن عثمان بن عمير أبي اليقظان ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : " أتاني جبريل وفي يده كالمرآة البيضاء فيها كالنكتة السوداء ، فقلت : ما هذا يا جبريل ؟ قال : هذه الجمعة يعرضها الله عليك لتكون لك عيداً ولقومك من بعدك ، قلت : وما لنا فيها ؟ قال : لكم فيها خير ، أنت فيها الأول ، واليهود والنصارى من بعدك ، ولك فيها ساعة لا يسأل الله عز وجل عبد فيها شيئاً هو له قسم إلا أعطاه ، أو ليس له قسم إلا أعطاه أفضل منه ، وأعاذه الله من شر ما هو مكتوب عليه ، وإلا دفع عنه ما هو أعظم من ذلك . قال : قلت : وما هذه النكتة السوداء ؟ قال : هي الساعة تقوم يوم الجمعة، وهو عندنا سيد الأيام ، ويدعوه أهل الآخرة يوم المزيد . قال : قلت : يا جبريل ! وما يوم المزيد ؟ قال : ذلك أن ربك عز وجل اتخذ في الجنة وادياً أفيح من مسك أبيض ، فإذا كان يوم الجمعة ، نزل على كرسيه ، ثم حف الكرسي بمنابر من نور ، فيجيء النبيون حتى يجلسوا عليها ، ثم حف المنابر بمنابر من ذهب ، فيجيء الصديقون والشهداء حتى يجلسوا عليها ، ويجيء أهل الغرف حتى يجلسوا على الكثب ، قال : ثم يتجلى لهم ربهم عز وجل ، قال : فينظرون إليه فيقول : أنا الذي صدقتم وعدي ، وأتممت عليكم نعمتي ، وهذا محل كرامتي فسلوني ، فيسألونه الرضى . قال : رضاي أنزلكم داري ، وأنالكم كرامتي ، فسلوني ، فيسألونه الرضى . قال : فيشهد لهم بالرضى ، ثم يسألونه ، حتى تنتهي رغبتهم ، ثم يفتح لهم عند ذلك ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر . قال : ثم يرتفع رب العزة ، ويرتفع معه النبيون والشهداء ، ويجيء أهل الغرف إلى غرفهم . قال : كل غرفة من لؤلؤة لا وصل فيها ولا فصم ، ياقوتة حمراء ، وغرفة من زبرجدة خضراء ، أبوابها وعلاليها وسقائفها وأغلاقها منها أنهارها مطردة متدلية فيها أثمارها ، فيها أزواجها وخدمها . قال : فليسوا إلى شئ أحوج منهم إلى يوم الجمعة ليزدادوا من كرامة الله عز وجل والنظر إلى وجهه الكريم ، فذلك يوم المزيد " . ولهذا الحديث عدة طرق ، ذكرها أبو الحسن الدارقطني في كتاب الرؤية . |
جعلاني ذهبي
![]() ![]() ![]() ![]()
![]() غير متواجد
|
![]()
السابعة والعشرون : أنه قد فسر الشاهد الذي أقسم الله به في كتابه بيوم الجمعة ، قال حميد بن زنجويه : حدثنا عبد الله بن موسى ، أنبأنا موسى بن عبيدة ، عن أيوب بن خالد ، عن عبد الله بن رافع ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اليوم الموعود : يوم القيامة ، واليوم المشهود : هو يوم عرفة ، والشاهد يوم الجمعة ، ما طلعت شمس ، ولا غربت على أفضل من يوم الجمعة ، فيه ساعة لا يوافقها عبد مؤمن يدعو الله فيها بخير إلا استجاب له ، أو يستعيذه من شر إلا أعاذه منه " .
ورواه الحارث بن أبي أسامة في مسنده ، عن روح ، عن موسى بن عبيدة . وفي معجم الطبراني ، من حديث محمد بن إسماعيل بن عياش ، حدثنى أبي ، حدثني ضمضم بن زرعة ، عن شريح بن عبيد ، عن أبي مالك الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اليوم الموعود : يوم القيامة ، والشاهد يوم الجمعة ، والمشهود : يوم عرفة ، ويوم الجمعة ذخره الله لنا ، وصلاة الوسطى صلاة العصر " وقد روي من حديث جبير بن مطعم . قلت : والظاهر - والله أعلم -: أنه من تفسير أبي هريرة ، فقد قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة سمعت علي بن زيد ويونس بن عبيد يحدثان عن عمار مولى بني هاشم ، عن أبي هريرة ، أما علي بن زيد ، فرفعه إلى النبي ، وأما يونس، فلم يعد أبا هريرة أنه قال : في هذه الآية : " وشاهد ومشهود " قال : الشاهد : يوم الجمعة ، والمشهود يوم عرفة ، والموعود: يوم القيامة . |
جعلاني ذهبي
![]() ![]() ![]() ![]()
![]() غير متواجد
|
![]()
الثامنة والعشرون : أنه اليوم الذي تفزع منه السماوات والأرض ، والجبال ، والبحار ، والخلائق كلها إلا الإنس والجن ، فروى أبو الجواب ، عن عمار بن رزيق ، عن منصور ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، قال : اجتمع كعب وأبو هريرة ، فقال أبو هريرة : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن في الجمعة لساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله فيها خير الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه " . فقال كعب : ألا أحدثكم عن يوم الجمعة ، إنه إذا كان يوم الجمعة ، فزعت له السماوات والأرض ، والجبال ، والبحار ، والخلائق كلها إلا ابن آدم والشياطين ، وحفت الملائكة بأبواب المساجد ، فيكتبون الأول فالأول حتى يخرج الإمام ، فإذا خرج الإمام ، طووا صحفهم ، ومن جاء بعد جاء لحق الله ، ولما كتب عليه ، ويحق على كل حالم أن يغتسل فيه ، كاغتساله من الجنابة ، والصدقة فيه أفضل من الصدقة في سائر الأيام ، ولم تطلع الشمس ولم تغرب على يوم كيوم الجمعة . قال ابن عباس : هذا حديث كعب ، وأبي هريرة ، وأنا أرى ، من كان لأهله طيب أن يمس منه يومئذ .
وفي حديث أبي هريرة : عن النبي صلى الله عليه وسلم " لا تطلع الشمس ولا تغرب على يوم أفضل من يوم الجمعة ، وما من دابة إلا وهي تفزع ليوم الجمعة إلا هذين الثقلين من الجن والإنس " ، وهذا حديث صحيح . وذلك أنه اليوم الذي تقوم فيه الساعة ، ويطوى العالم ، وتخرب فيه الدنيا ، ويبعث فيه الناس إلى منازلهم من الجنة والنار . |
جعلاني ذهبي
![]() ![]() ![]() ![]()
![]() غير متواجد
|
![]()
التاسعة والعشرون : أنه اليوم الذي ادخره الله لهذه الأمة ، وأضل عنه أهل الكتاب قبلهم ، كما في الصحيح ، من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما طلعت الشمس ، ولا غربت على يوم خير من يوم الجمعة ، هدانا الله له ، وضل الناس عنه ، فالناس لنا فيه تبع ، هو لنا ، ولليهود يوم السبت ، وللنصاري يوم الأحد " . وفي حديث آخر " ذخره الله لنا " .
وقال الإمام أحمد : حدثنا علي بن عاصم ، عن حصين بن عبد الرحمن ، عن عمر بن قيس ، عن محمد بن الأشعث ، عن عائشة قالت : بينا أنا عند النبي صلى الله عليه وسلم ، إذ استأذن رجل من اليهود ، فأذن له ، فقال : السام عليك ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : وعليك . قالت : فهممت أن أتكلم ، قالت : ثم دخل الثانية ، فقال مثل ذلك ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : وعليك ، قالت : فهممت أن أتكلم ، ثم دخل الثالثة ، فقال : السام عليكم ، قالت ، فقلت : بل السام عليكم ، وغضب الله ، إخوان القردة والخنازير ، أتحيون رسول الله بما لم يحيه به الله عز وجل . قالت : فنظر إلي فقال : مه إن الله لا يحب الفحش ولا التفحش ، قالوا قولاً فرددناه عليهم ، فلم يضرنا شيئاً ، ولزمهم إلى يوم القيامة ، إنهم لا يحسدوننا على شئ كما يحسدوننا على الجمعة التي هدانا الله لها ، وضلوا عنها ، وعلى القبلة التي هدانا الله لها ، وضلوا عنها ، وعلى قولنا خلف الإمام : آمين . وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة ، عن النبى صلى الله عليه وسلم ، " نحن الآخرون السابقون يوم القيامة ، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا ، وأوتيناه من بعدهم ، فهذا يومهم الذي فرض الله عليهم ، فاختلفوا فيه ، فهدانا الله له ، فالناس لنا فيه تبع ، اليهود غداً ، والنصارى بعد غد " . وفي بيد لغتان بالباء ، وهي المشهورة ، وميد بالميم ، حكاها أبوعبيد . وفي هذه الكلمة قولان ، أحدهما : أنها بمعنى غير وهو أشهر معنييها ، والثاني : بمعنى على وأنشد أبو عبيد شاهداً له : عمداً فعلت ذاك بيد أني إخال لو هلكت لم ترني ترني : تفعلي من الرنين . |
جعلاني ذهبي
![]() ![]() ![]() ![]()
![]() غير متواجد
|
![]()
الثلاثون : أنه خيرة الله من أيام الأسبوع ، كما أن شهر رمضان خيرته من شهور العام ، وليلة القدر خيرته من الليالي ، ومكة خيرته من الأرض ، ومحمد صلى الله عليه وسلم خيرته من خلقه .
قال أدم بن أبي إياس : حدثنا شيبان أبو معاوية ، عن عاصم بن أبي النجود ، عن أبى صالح ، عن كعب الأحبار . قال : إن الله عز وجل اختار الشهور ، واختار شهر رمضان ، واختار الأيام ، واختار يوم الجمعة ، واختار الليالي ، واختار ليلة القدر ، واختار الساعات ، واختار ساعة الصلاة ، والجمعة تكفر ما بينها وبين الجمعة الأخرى ، وتزيد ثلاثاً ، ورمضان يكفر ما بينه وبين رمضان ، والحج يكفر ما بينه وبين الحج ، والعمرة تكفر ما بينها وبين العمرة ، ويموت الرجل بين حسنتين : حسنة قضاها ، وحسنة ينتظرها يعني صلاتين ، وتصفد الشياطين في رمضان ، وتغلق أبواب النار ، وتفتح فيه أبواب الجنة ، ويقال فيه : يا باغي الخير : هلم . رمضان أجمع ، وما من ليال أحب إلى الله العمل فيهن من ليالي العشر . |
جعلاني ذهبي
![]() ![]() ![]() ![]()
![]() غير متواجد
|
![]()
الحادية والثلاثون : إن الموتى تدنو أرواحهم من قبورهم ، وتوافيها في يوم الجمعة ، فيعرفون زوارهم ومن يمر بهم ، ويسلم عليهم ، ويلقاهم في ذلك اليوم أكثر من معرفتهم بهم في غيره من الأيام ، فهو يوم تلتقي فيه الأحياء والأموات ، فإذا قامت فيه الساعة ، التقى الأولون والآخرون ، وأهل الأرض وأهل السماء ، والرب والعبد ، والعامل وعمله ، والمظلوم وظالمه ، والشمس والقمر ، ولم تلتقيا قبل ذلك قط ، وهو يوم الجمع واللقاء ، ولهذا يلتقي الناس فيه في الدنيا أكثر من التقائهم في غيره ، فهو يوم التلاق . قال أبو التياح يزيد بن حميد . كان مطرف بن عبد الله يبادر فيدخل كل جمعة ، فأدلج حتى إذا كان عند المقابر يوم الجمعة ، قال : فرأيت صاحب كل قبر جالساً على قبره ، فقالوا : هذا مطرف يأتي الجمعة ، قال . فقلت لهم : و تعلمون عندكم الجمعة ؟ قالوا : نعم ، ونعلم ما تقول فيه الطير ، قلت : وما تقول فيه الطير ؟ قالوا : تقول : رب سلم سلم يوم صالح .
وذكر ابن أبي الدنيا في كتاب المنامات وغيره ، عن بعض أهل عاصم الجحدري ، قال : رأيت عاصماً الجحدري في منامي بعد موته لسنتين ، فقلت : أليس قد مت ؟ قال : بلى ، قلت : فأين أنت ؟ قال : أنا والله في روضة من رياض الجنة ، أنا ونفر من أصحابي ، نجتمع كل ليلة جمعة وصبيحتها إلى بكر بن عبد الله المزني ، فنتلقى أخباركم . قلت : أجسامكم أم أرواحكم ؟ قال : هيهات بليت الأجسام ، وإنما تتلاقى الأرواح ، قال : قلت : فهل تعلمون بزيارتنا لكم ؟ قال : نعلم بها عشية الجمعة ، ويوم الجمعة كله ، وليلة السبت إلى طلوع الشمس . قال : قلت : فكيف ذلك دون الأيام كلها ؟ قال : لفضل يوم الجمعة وعظمته . وذكر ابن أبي الدنيا أيضاً ، عن محمد بن واسع ، أنه كان يذهب كل غداة سبت حتى يأتي الجبانة ، فيقف على القبور ، فيسلم عليهم ، ويدعوا لهم ، ثم ينصرف . فقيل له : لو صيرت هذا اليوم يوم الإثنين . قال : بلغني أن الموتى يعلمون بزوارهم يوم الجمعة، ويوماً قبله ، ويوماً بعده . وذكر عن سفيان الثوري ، قال : بلغني عن الضحاك ، أنه قال : من زار قبراً يوم السبت قبل طلوع الشمس ، علم الميت بزيارته . فقيل له : كيف ذلك ؟ قال : لمكان يوم الجمعة . |
جعلاني ذهبي
![]() ![]() ![]() ![]()
![]() غير متواجد
|
![]()
الثانية والثلاثون : أنه يكره إفراد يوم الجمعة بالصوم ، هذا منصوص أحمد ، قال الأثرم : قيل لأبي عبد الله : صيام يوم الجمعة ؟ فذكر حديث النهي عن أن يفرد ، ثم قال : إلا أن يكون في صيام كان يصومه ، وأما أن يفرد ، فلا . قلت : رجل كان يصوم يوماً ، ويفطر يوماً ، فوقع فطره يوم الخميس ، وصومه يوم الجمعة ، وفطره يوم السبت ، فصار الجمعة مفرداً ؟ قال : هذا إلا أن يتعمد صومه خاصة ، إنما كره أن يتعمد الجمعة .
وأباح مالك ، وأبو حنيفة صومه كسائر الأيام ، قال مالك : لم أسمع أحداً من أهل العلم والفقه ومن يقتدى به ينهى عن صيام يوم الجمعة ، وصيامه حسن ، وقد رأيت بعض أهل العلم يصومه ، وأراه كان يتحراه . قال ابن عبد البر : اختلفت الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم في صيام يوم الجمعة ، فروى ابن مسعود رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم ثلاثة أيام من كل شهر ، وقال : فلما رأيته مفطراً يوم الجمعة وهذا حديث صحيح . وقد روي عن ابن عمر رضي الله عنهما ، أنه قال : ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفطر يوم الجمعة قط . ذكره ابن أبي شيبة ، عن حفص بن غياث ، عن ليث بن أبي سليم ، عن عمير بن أبي عمير ، عن ابن عمر . وروى ابن عباس ، أنه كان يصومه ويواظب عليه . وأما الذي ذكره مالك ، فيقولون : إنه محمد بن المنكدر . وقيل : صفوان بن سليم . وروى الدراوردي ، عن صفوان بن سليم ، عن رجل من بني جشم ، أنه سمع أبا هريرة يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من صام يوم الجمعة ، كتب له عشرة أيام غرر زهر من أيام الآخرة لا يشاكلهن أيام الدنيا " . والأصل في صوم يوم الجمعة أنه عمل بر لا يمنع منه إلا بدليل لا معارض له . قلت : قد صح المعارض صحة لا مطعن فيها البتة ، ففي الصحيحين ، عن محمد بن عباد ، قال : سألت جابراً : أنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيام يوم الجمعة ؟ قال : نعم . وفي صحيح مسلم ، "عن محمد بن عباد ، قال : سألت جابر بن عبد الله ، وهو يطوف بالبيت : أنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيام يوم الجمعة ؟ قال : نعم ورب هذه البنية . " وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لا يصومن أحدكم يوم الجمعة إلا أن يصوم يوماً قبله ، أو يوماً بعده " . واللفظ للبخاري . وفي صحيح مسلم ، عن أبي هريرة ، عن النبي ، قال : " لا تخصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي ، ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين سائر الأيام ، إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم " . وفي صحيح البخاري ، عن جويرية بنت الحارث ، "أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها يوم الجمعة وهى صائمة ، فقال : أصمت أمس ؟ قالت : لا . قال : فتريدين أن تصومي غداً ؟ قالت : لا . قال : فأفطري " . وفي مسند أحمد عن ابن عباس ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا تصوموا يوم الجمعة وحده " . وفي مسنده أيضاً عن جنادة الأزدي قال : دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم جمعة في سبعة من الأزد ، أنا ثامنهم وهو يتغدي ، فقال : " هلموا إلى الغداء " فقلنا : يا رسول الله ! إنا صيام . فقال : " أصمتم أمس "؟ قلنا : لا . قال : " فتصومون غداً ؟ "قلنا : لا . قال : " فأفطروا ". قال : فأكلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : فلما خرج وجلس على المنبر ، دعا بإناء ماء ، فشرب وهو على المنبر ، والناس ينظرون إليه ، يريهم أنه لا يصوم يوم الجمعة . وفي مسنده أيضاً ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يوم الجمعة يوم عيد ، فلا تجعلوا يوم عيدكم يوم صيامكم إلا أن تصوموا قبله أو بعده ". وذكر ابن أبي شيبة ، عن سفيان بن عيينة ، عن عمران بن ظبيان ، عن حكيم بن سعد ، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، قال : من كان منكم متطوعاً من الشهر أياماً ، فليكن في صومه يوم الخميس ، ولا يصم يوم الجمعة ، فإنه يوم طعام وشراب ، وذكر ، فيجمع الله له يومين صالحين : يوم صيامه ، ويوم نسكه مع المسلمين . وذكر ابن جرير ، عن مغيرة ، عن إبراهيم : إنهم كرهوا صوم الجمعة ، ليقووا على الصلاة . قلت : المأخذ في كراهته : ثلاثة أمور ، هذا أحدها ، ولكن يشكل عليه زوال الكراهية بضم يوم قبله ، أو بعده إليه . والثاني : أنه يوم عيد ، وهو الذي أشار إليه صلى الله عليه وسلم وقد أورد على هذا التعليل إشكالان . أحدهما : أن صومه ليس بحرام ، و صوم يوم العيد حرام . والثاني : إن الكراهة تزول بعدم إفراده ، وأجيب عن الإشكالين ، بأنه ليس عيد العام ، بل عيد الأسبوع ، والتحريم إنما هو لصوم عيد العام . وأما إذا صام يوماً قبله ، أو يوماً بعده ، فلا يكون قد صامه لأجل كونه جمعة وعيداً . فتزول المفسدة الناشئة من تخصيصه ، بل يكون داخلاً في صيامه تبعاً ، وعلى هذا يحمل ما رواه الإمام أحمد رحمه الله في مسنده و النسائي ، والترمذي من حديث عبد الله بن مسعود إن صح قال : قلما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفطر يوم جمعة . فإن صح هذا ، تعين حمله على أنه كان يدخل في صيامه تبعاً ، لا أنه كان يفرده لصحة النهي عنه . وأين أحاديث النهي الثابتة في الصحيحين ، من حديث الجواز الذي لم يروه أحد من أهل الصحيح ، وقد حكم الترمذي بغرابته ، فكيف تعارض به الأحاديث الصحيحة الصريحة ، ثم يقدم عليها ؟! والمأخذ الثالث : سد الذريعة من أن يلحق بالدين ما ليس فيه ، ويوجب التشبه بأهل الكتاب في تخصيص بعض الأيام بالتجرد عن الأعمال الدنيوية ، وينضم إلى هذا المعنى : أن هذا اليوم لما كان ظاهر الفضل على الأيام ، كان الداعي إلى صومه قوياً ، فهو في مظنة تتابع الناس في صومه ، واحتفالهم به ما لا يحتفلون بصوم يوم غيره ، وفي ذلك إلحاق بالشرع ما ليس منه . ولهذا المعنى - والله أعلم - نهى عن تخصيص ليلة الجمعة بالقيام من بين الليالي ، لأنها من أفضل الليالي ، حتى فضلها بعضهم على ليلة القدر ، وحكيت رواية عن أحمد ، فهي في مظنة تخصيصها بالعبادة ، فحسم الشارع الذريعة ، وسدها بالنهي ، عن تخصيصها بالقيام . والله أعلم . فإن قيل : ما تقولون في تخصيص يوم غيره بالصيام ؟ قيل : أما تخصيص ما خصصه الشارع ، كيوم الإثنين ، ويوم عرفة ، ويوم عاشوراء ، فسنة ، وأما تخصيص غيره ، كيوم السبت ، والثلاثاء ، والأحد ، والأربعاء ، فمكروه . وما كان منها أقرب إلى التشبه بالكفار لتخصيص أيام أعيادهم بالتعظيم والصيام ، فأشد كراهة ، وأقرب إلى التحريم . |
جعلاني ذهبي
![]() ![]() ![]() ![]()
![]() غير متواجد
|
![]()
الثالثة الثلاثون : إنه يوم اجتماع الناس وتذكيرهم بالمبدإ والمعاد ، وقد شرع الله سبحانه وتعالى لكل أمة في الأسبوع يوماً يتفرغون فيه للعبادة ، ويجتمعون فيه لتذكر المبدإ والمعاد ، والثواب والعقاب ، ويتذكرون به اجتماعهم يوم الجمع الأكبر قياماً بين يدي رب العالمين ، وكان أحق الأيام بهذا الغرض المطلوب اليوم الذي يجمع الله فيه الخلائق ، وذلك يوم الجمعة ، فادخره الله لهذه الأمة لفضلها وشرفها فشرع اجتماعهم في هذا اليوم لطاعته ، وقدر اجتماعهم فيه مع الأمم لنيل كرامته ، فهو يوم الاجتماع شرعاً في الدنيا ، وقدراً في الآخرة ، وفي مقدار انتصافه وقت الخطبة والصلاة يكون أهل الجنة في منازلهم ، وأهل النار في منازلهم ، كما ثبت عن ابن مسعود من غير وجه أنه قال : لا ينتصف النهار يوم القيامة حتى يقيل أهل الجنة في منازلهم ، وأهل النار في منازلهم ، وقرأ " أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا " (الفرقان : 24) وقرأ : " ثم إن مرجعهم لإلى الجحيم " ، وكذلك هي في قراءته . ولهذا كون الأيام سبعة إنما تعرفه الأمم التي لها كتاب ، فأما أمة لا كتاب لها ، فلا تعرف ذلك إلا من تلقاه منهم عن أمم الأنبياء ، فإنه ليس هنا علامة حسية يعرف بها كون الأيام سبعة ، بخلاف الشهر والسنة ، وفصولها ، ولما خلق الله السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ، وتعرف بذلك إلى عباده على ألسنة رسله وأنبيائه ، شرع لهم في الأسبوع يوماً يذكرهم فيه بذلك ، وحكمة الخلق وما خلقوا له ، وبأجل العالم ، وطي السماوات والأرض ، وعود الأمر كما بدأه سبحانه وعداً عليه حقاً ، وقولاً صدقاً ، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في فجر يوم الجمعة سورتي ( ألم تنزيل ) و ( هل أتى على الإنسان ) لما اشتملت عليه هاتان السورتان مما كان ويكون من المبدإ والمعاد ، وحشر الخلائق ، وبعثهم من القبور إلى الجنة والنار ، لا لأجل السجدة كما يظنه من نقص علمه ومعرفته ، فيأتي بسجدة من سورة أخرى ، ويعتقد أن فجر يوم الجمعة فضل بسجدة ، وينكر على من لم يفعلها .
|
جعلاني ذهبي
![]() ![]() ![]() ![]()
![]() غير متواجد
|
![]()
فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في خطبه
كان إذا خطب ، احمرت عيناه ، وعلا صوته ، واشتد غضبه حتى كأنه منذر جيش ، يقول : " صبحكم ومساكم " ويقول : " بعثت أنا والساعة كهاتين ، ويقرن بين إصبعيه السبابة والوسطى " . ويقول : " أما بعد ، فإن خير الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل بدعة ضلالة " . ثم يقول : " أنا أولى بكل مؤمن من نفسه ، من ترك مالاً ، فلأهله ، ومن ترك ديناً أو ضياعاً ، فإلي وعلي" رواه مسلم . وفي لفظ : كانت خطبة النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة ، يحمد الله ويثني عليه ، ثم يقول على أثر ذلك وقد علا صوته فذكره . وفي لفظ : يحمد الله ويثني عليه بما هو أهله ، ثم يقول : " من يهد الله فلا مضل له ، ومن يضلل ، فلا هادي له ، وخير الحديث كتاب الله " . وفي لفظ للنسائي ، "وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار " . وكان يقول في خطبته بعد التحميد والثناء والتشهد : " أما بعد " . وكان يقصر الخطبة ، ويطيل الصلاة ، ويكثر الذكر ، ويقصد الكلمات الجوامع ، وكان يقول : " إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته ، مئنة من فقهه " . وكان يعلم أصحابه في خطبته قواعد الإسلام ، وشرائعه ، ويأمرهم ، وينهاهم في خطبته إذا عرض له أمر ، أو نهي ، كما أمر الداخل وهو يخطب أن يصلي ركعتين . ونهى المتخطي رقاب الناس عن ذلك ، وأمره بالجلوس . وكان يقطع خطبته للحاجة تعرض ، أو السؤال من أحد من أصحابه ، فيجيبه ، ثم يعود إلى خطبته ، فيتمها . وكان ربما نزل عن المنبر للحاجة ، ثم يعود فيتمها ، كما نزل لأخذ الحسن والحسين رضي الله عنهما ، فأخذهما ، ثم رقي بهما المنبر ، فأتم خطبته . وكان يدعو الرجل في خطبته : تعال يا فلان ، اجلس يا فلان ، صل يا فلان . وكان يأمرهم بمقتضى الحال في خطبته ، فإذا رأى منهم ذا فاقة وحاجة ، أمرهم بالصدقة ، وحضهم عليها . وكان يشير بأصبعه السبابة في خطبته عند ذكر الله تعالى ودعائه . وكان يستسقي بهم إذا قحط المطر في خطبته . وكان يمهل يوم الجمعة حتى يجتمع الناس ، فإذا اجتمعوا ، خرج وحده من غير شاويش يصيح بين يديه ، ولا لبس طيلسان ، ولا طرحة ، ولا سواد ، فإذا دخل المسجد ، سلم عليهم ، فإذا صعد المنبر ، استقبل الناس بوجهه ، وسلم عليهم ، ولم يدع مستقبل القبلة ، ثم يجلس ، ويأخذ بلال في الأذان ، فإذا فرغ منه ، قام النبي صلى الله عليه وسلم ، فخطب من غير فصل بين الأذان والخطبة ، لا بإيراد خبر ولا غيره . ولم يكن يأخذ بيده سيفاً ولا غيره ، وإنما كان يعتمد على قوس أو عصاً قبل أن يتخذ المنبر ، وكان في الحرب يعتمد على قوس ، وفي الجمعة يعتمد على عصا . ولم يحفظ عنه أنه اعتمد على سيف ، وما يظنه بعض الجهال أنه كان يعتمد على السيف دائماً ، وأن ذلك إشارة إلى أن الدين قام بالسيف ، فمن فرط جهله ، فإنه لا يحفظ عنه بعد اتخاذ المنبر أنه كان يرقاه بسيف ، ولا قوس ، ولا غيره ، ولا قبل اتخاذه أنه أخذ بيده سيفاً البتة ، وإنما كان يعتمد على عصا أو قوس . وكان منبره ثلاث درجات ، وكان قبل اتخاذه يخطب إلى جذع يستند إليه ، فلما تحول إلى المنبر ، حن الجذع حنيناً سمعه أهل المسجد ، فنزل إليه صلى الله عليه وسلم وضمه قال أنس : حن لما فقد ما كان يسمع من الوحي ، وفقده التصاق النبي صلى الله عليه وسلم . ولم يوضع المنبر في وسط المسجد ، وإنما وضع في جانبه الغربي قريباً من الحائط ، وكان بينه وبين الحائط قدر ممر الشاة . وكان إذا جلس عليه النبي صلى الله عليه وسلم في غير الجمعة ، أو خطب قائماً في الجمعة ، استدار أصحابه إليه بوجوههم ، وكان وجهه صلى الله عليه وسلم قبلهم في وقت الخطبة . وكان يقوم فيخطب ، ثم يجلس جلسة خفيفة ، ثم يقوم ، فيخطب الثانية ، فإذا فرغ منها ، أخذ بلال في الإقامة . وكان يأمر الناس بالدنو منه ، وبالإنصات ، ويخبرهم أن الرجل إذا قال لصاحبه : أنصت فقد لغا . ويقول : " من لغا فلا جمعة له " . وكان يقول : " من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب ، فهو كمثل الحمار يحمل أسفاراً ، والذي يقول له : أنصت ليست له جمعة " . رواه الإمام أحمد . وقال أبي بن كعب : قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة ( تبارك) وهو قائم ، فذكرنا بأيام الله ، وأبو الدرداء أو أبو ذر يغمزني ، فقال : متى أنزلت هذه السورة ؟ فإني لم أسمعها إلى الآن ، فأشار إليه أن اسكت ، فلما انصرفوا ، قال : سألتك متى أنزلت هذه السورة فلم تخبرني ، فقال : إنه ليس لك من صلاتك اليوم إلا ما لغوت ، فذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكر له ذلك ، وأخبره بالذي قال له أبي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " صدق أبي " . ذكره ابن ماجه ، وسعيد بن منصور ، وأصله في مسند أحمد . وقال صلى الله عليه وسلم : " يحضر الجمعة ثلاثة نفر : رجل حضرها يلغو وهو حظه منها ، ورجل حضرها يدعو ، فهو رجل دعا الله عز وجل إن شاء أعطاه ، وإن شاء منعه ، ورجل حضرها بإنصات وسكوت ، ولم يتخط رقبة مسلم ، ولم يؤذ أحداً ، فهي كفارة له إلى يوم الجمعة التي تليها ، وزيادة ثلاثة أيام ، وذلك أن الله عز وجل يقول : " من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها " " ذكره أحمد وأبو داود . وكان إذا فرغ بلال من الأذان ، أخذ النبي صلى الله عليه وسلم في الخطبة ، ولم يقم أحد يركع ركعتين البتة ، ولم يكن الأذان إلا واحداً ، وهذا يدل على أن الجمعة كالعيد ، لا سنة لها قبلها ، وهذا أصح قولي العلماء ، وعليه تدل السنة ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج من بيته ، فإذا رقي المنبر ، أخذ بلال في أذان الجمعة ، فإذا أكمله ، أخذ النبي صلى الله عليه وسلم في الخطبة من غير فصل ، وهذا كان رأي عين ، فمتى كانوا يصلون السنة ؟! ومن ظن أنهم كانوا إذا فرغ بلال رضي الله عنه من الأذان ، قاموا كلهم ، فركعوا ركعتين ، فهو أجهل الناس بالسنة ، وهذا الذي ذكرناه من أنه لا سنة قبلها ، هو مذهب مالك ، وأحمد في المشهور عنه ، وأحد الوجهين لأصحاب الشافعي . والذين قالوا : إن لها سنة ، منهم من احتج أنها ظهر مقصورة ، فيثبت لها أحكام الظهر ، وهذه حجة ضعيفة جداً ، فإن الجمعة صلاة مستقلة بنفسها تخالف الظهر في الجهر ، والعدد ، والخطبة ، والشروط المعتبرة لها ، وتوافقها في الوقت ، وليس إلحاق مسألة النزاع بموارد الاتفاق أولى من إلحاقها بموارد الافتراق ، بل إلحاقها بموارد الافتراق أولى ، لأنها أكثر مما اتفقا فيه . ومنهم من أثبت السنة لها هنا بالقياس على الظهر ، وهو أيضا قياس فاسد ، فإن السنة ما كان ثابتاً عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل ، أو سنة خلفائه الراشدين ، وليس في مسألتنا شئ من ذلك ، ولا يجوز إثبات السنن في مثل هذا بالقياس ، لأن هذا مما انعقد سبب فعله في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، فإذا لم يفعله ولم يشرعه ، كان تركه هو السنة ، ونظير هذا ، أن يشرع لصلاة العيد سنة قبلها أو بعدها بالقياس ، فلذلك كان الصحيح أنه لا يسن الغسل للمبيت بمزدلفة ، ولا لرمي الجمار ، ولا للطواف ، ولا للكسوف ، ولا للاستسقاء ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم يغتسلوا لذلك مع فعلهم لهذه العبادات . ومنهم من احتج بما ذكره البخاري في صحيحه فقال : باب الصلاة قبل الجمعة وبعدها : حدثنا عبد الله بن يوسف ، أنبأنا مالك، عن نافع ، عن ابن عمر ، أن النبي صلى الله عليه وسلم ، كان يصلي قبل الظهر ركعتين ، وبعدها ركعتين ، وبعد المغرب ركعتين في بيته ، وقبل العشاء ركعتين ، وكان لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف ، فيصلي ركعتين وهذا لا حجة فيه ، ولم يرد به البخاري إثبات السنة قبل الجمعة ، وإنما مراده أنه هل ورد في الصلاة قبلها أو بعدها شئ ؟ ثم ذكر الحديث ، أي : أنه لم يرو عنه فعل السنة إلا بعدها ، ولم يرد قبلها شئ . وهذا نظير ما فعل في كتاب العيدين ، فإنه قال : باب الصلاة قبل العيد وبعدها ، وقال أبو المعلى : سمعت سعيداً عن ابن عباس ، أنه كره الصلاة قبل العيد . ثم ذكر حديث سعيد بن جبير ، عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوم الفطر ، فصلى ركعتين ، لم يصل قبلهما ولا بعدهما ومعه بلال الحديث . فترجم للعيد مثل ما ترجم للجمعة ، وذكر للعيد حديثاً دالاً على أنه لا تشرع الصلاة قبلها ولا بعدها ، فدل على أن مراده من الجمعة كذلك . وقد ظن بعضهم أن الجمعة لما كانت بدلاً عن الظهر - وقد ذكر في الحديث السنة قبل الظهر وبعدها - دل على أن الجمعة كذلك ، وإنما قال : وكان لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف بياناً لموضع صلاة السنة بعد الجمعة ، وأنه بعد الانصراف ، وهذا الظن غلط منه ، لأن البخاري قد ذكر في باب التطوع بعد المكتوبة حديث ابن عمر رضي الله عنه : صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سجدتين قبل الظهر ، وسجدتين بعد الظهر ، وسجدتين بعد المغرب ، وسجدتين بعد العشاء ، وسجدتين بعد الجمعة . فهذا صريح في أن الجمعة عند الصحابة صلاة مستقلة بنفسها غير الظهر ، وإلا لم يحتج إلى ذكرها لدخولها تحت اسم الظهر ، فلما لم يذكر لها سنة إلا بعدها، علم أنه لا سنة لها قبلها . ومنهم من احتج بما رواه ابن ماجه في سننه عن أبي هريرة وجابر ، قال : جاء سليك الغطفاي ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب فقال له : " أصليت ركعتين قبل أن تجيء ؟ " قال : لا . قال : " فصل ركعتين وتجوز فيهما ". وإسناده ثقات . قال أبو البركات ابن تيمية : وقوله : قبل أن تجيء يدل عن أن هاتين الركعتين سنة الجمعة ، وليستا تحية المسجد . قال : شيخنا حفيده أبو العباس : وهذا غلط ، والحديث المعروف في الصحيحين عن جابر ، "قال : دخل رجل يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب ، فقال : أصليت قال : لا . قال : فصل ركعتين . وقال : إذا جاء أحدكم الجمعة والإمام يخطب ، فليركع ركعتين وليتجوز فيهما ". فهذا هو المحفوظ في هذا الحديث ، وأفراد ابن ماجه في الغالب غير صحيحة ، هذا معنى كلامه . وقال شيخنا أبو الحجاج الحافظ المزي : هذا تصحيف من الرواة ، إنما هو أصليت قبل أن تجلس فغلط فيه الناسخ . وقال : وكتاب ابن ماجه إنما تداولته شيوخ لم يعتنوا به ، بخلاف صحيحي البخاري ومسلم ، فإن الحفاظ تداولوهما ، واعتنوا بضبطهما وتصحيحهما ، قال : ولذلك وقع فيه أغلاط وتصحيف . قلت : ويدل على صحة هذا أن الذين اعتنوا بضبط سنن الصلاة قبلها وبعدها ، وصنفوا في ذلك من أهل الأحكام والسنن وغيرها ، لم يذكر واحد منهم هذا الحديث في سنة الجمعة قبلها ، وإنما ذكروه في استحباب فعل تحية المسجد والإمام على المنبر ، واحتجوا به على من منع من فعلها في هذه الحال ، فلو كانت هي سنة الجمعة ، لكان ذكرها هناك ، والترجمة عليها ، وحفظها ، وشهرتها أولى من تحية المسجد . ويدل عليه أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم ، لم يأمر بهاتين الركعتين إلا الداخل لأجل أنها تحية المسجد . ولو كانت سنة الجمعة ، لأمر بها القاعدين أيضاً ، ولم يخص بها الداخل وحده . ومنهم من احتج بما رواه أبو داود في سننه ، قال : حدثنا مسدد قال : حدثنا إسماعيل ، حدثنا أيوب ، عن نافع ، قال : كان ابن عمر يطيل الصلاة قبل الجمعة ، ويصلي بعدها ركعتين في بيته ، وحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك . ولهذا لا حجة فيه على أن للجمعة سنة قبلها ، وإنما أراد بقوله : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك : أنه كان يصلى الركعتين بعد الجمعة في بيته لا يصليهما في المسجد ، وهذا هو الأفضل فيهما ، كما ثبت في الصحيحين عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد الجمعة ركعتين في بيته . وفي السنن عن ابن عمر ، أنه إذا كان بمكة ، فصلى الجمعة ، تقدم ، فصلى ركعتين ، ثم تقدم فصلى أربعاً ، وإذا كان بالمدينة ، صلى الجمعة ، ثم رجع إلى بيته ، فصلى ركعتين ، ولم يصل بالمسجد ، فقيل له ، فقال : كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يفعل ذلك . وأما إطالة ابن عمر الصلاة قبل الجمعة ، فإنه تطوع مطلق ، وهذا هو الأولى لمن جاء إلى الجمعة أن يشتغل بالصلاة حتى يخرج الإمام ، كما تقدم من حديث أبي هريرة ، ونبيشة الهذلي عن النبي صلى الله عليه وسلم . قال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : " من اغتسل يوم الجمعة ، ثم أتى المسجد ، فصلى ما قدر له ، ثم أنصت حتى يفرغ الإمام من خطبته ، ثم يصلي معه ، غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى ، وفضل ثلاثة أيام ". وفي حديث نبيشة الهذلي : " إن المسلم إذا اغتسل يوم الجمعة ، ثم أقبل الى المسجد لا يؤذي أحداً ، فإن لم يجد الإمام خرج ، صلى ما بدا له ، وإن وجد الإمام خرج ، جلس، فاستمع وأنصت حتى يقضي الإمام جمعته وكلامه ، إن لم يغفر له في جمعته تلك ذنوبه كلها أن تكون كفارة للجمعة التي تليها " هكذا كان هدي الصحابة رضي الله عنهم . قال ابن المنذر : روينا عن ابن عمر : أنه كان يصلي قبل الجمعة ثنتي عشرة ركعة . وعن ابن عباس ، أنه كان يصلي ثمان ركعات . وهذا دليل على أن ذلك كان منهم من باب التطوع المطلق ، ولذلك اختلف في العدد المروي عنهم في ذلك ، وقال الترمذي في الجامع : وروي عن ابن مسعود ، أنه كان يصلي قبل الجمعة أربعاً وبعدها أربعاً. وإليه ذهب ابن المبارك والثوري . وقال إسحاق بن إبراهيم بن هانىء النيسابوري : رأيت أبا عبد الله، إذا كان يوم الجمعة يصلي إلى أن يعلم أن الشمس قد قاربت أن تزول ، فإذا قاربت ، أمسك عن الصلاة حتى يؤذن المؤذن ، فإذا أخذ في الأذان ، قام فصلى ركعتين أو أربعاً ، يفصل بينهما بالسلام ، فإذا صلى الفريضة ، انتظر فى المسجد ، ثم يخرج منه ، فيأتي بعض المساجد التي بحضرة الجامع ، فيصلي فيه ركعتين ، ثم يجلس ، وربما صلى أربعاً ، ثم يجلس ، ثم يقوم ، فيصلي ركعتين أخريين ، فتلك ست ركعات على حديث علي ، وربما صلى بعد الست ستاً أخر ، أو أقل ، أو أكثر . وقد أخذ من هذا بعض أصحابه رواية : أن للجمعة قبلها سنة ركعتين أو أربعاً ، وليس هذا بصريح ، بل ولا ظاهر ، فإن أحمد كان يمسك عن الصلاة في وقت النهي ، فإذا زال وقت النهي ، قام فأتم تطوعه إلى خروج الإمام ، فربما أدرك أربعاً ، وربما لم يدرك إلا ركعتين . ومنهم من احتج على ثبوت السنة قبلها ، بما رواه ابن ماجه في سننه حدثنا محمد بن يحيى ، حدثنا يزيد بن عبد ربه ، حدثنا بقية ، عن مبشر بن عبيد ، عن حجاج بن أرطاة ، عن عطية العوفي ، عن ابن عباس ، قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يركع قبل الجمعة أربعاً ، لا يفصل بينها في شئ منها . قال ابن ماجه : باب الصلاة قبل الجمعة ، فذكره . وهذا الحديث فيه عدة بلايا ، إحداها : بقية من الوليد : إمام المدلسين وقد عنعنه ، ولم يصرح بالسماع . الثانية : مبشر بن عبيد ، المنكر الحديث . وقال عبد الله بن أحمد : سمعت أبي يقول : شيخ كان يقال له : مبشر بن عبيد كان بحمص ، أظنه كوفياً ، روى عنه بقية ، وأبو المغيرة ، أحاديثه أحاديث موضوعة كذب . وقال الدارقطني : مبشر بن عبيد متروك الحديث ، أحاديثه لا يتابع عليها . الثالثة : الحجاح بن أرطاة الضعيف المدلس . الرابعة : عطية العوفي ، قال البخاري : كان هشيم يتكلم فيه ، وضعفه أحمد وغيره . وقال البيهقي : عطية العوفي لا يحتج به ، ومبشر بن عبيد الحمصي منسوب إلى وضع الحديث ، والحجاح بن أرطاة ، لا يحتج به . قال بعضهم : ولعل الحديث انقلب على بعض هؤلاء الثلاثة الضعفاء ، لعدم ضبطهم وإتقانهم ، فقال : قبل الجمعة أربعاً ، وإنما هو بعد الجمعة ، فيكون موافقاً لما ثبت في الصحيح ونظير هذا : قول الشافعي في رواية عبد الله بن عمر العمري : للفارس سهمان ، وللراجل سهم . قال الشافعي : كأنه سمع نافعاً يقول : للفرس سهمان ، وللراجل سهم ، فقال : للفارس سهمان ، وللراجل سهم . حتى يكون موافقاً لحديث أخيه عبيد الله ، قال : وليس يشك أحد من أهل العلم في تقديم عبيد الله بن عمر على أخيه عبد الله في الحفظ . قلت : ونظير هذا ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية في حديث أبي هريرة لا تزال جهنم يلقى فيها ، وهي تقول : هل من مزيد ؟ حتى يضع رب العزة فيها قدمه ، فيزوي بعضها إلى بعض ، وتقول : قط ، قط . وأما الجنة : فينشئ الله لها خلقاً فانقلب على بعض الرواة فقال : أما النار ، فينشئ الله لها خلقاً . قلت : ونظير هذا حديث عائشة " إن بلالاً يؤذن بليل ، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم " وهو في الصحيحين ، فانقلب على بعض الرواة ، فقال : ابن أم مكتوم يؤذن بليل ، فكلوا واشربوا حتى يؤذن بلال . ونظيره أيضاً عندي حديث أبي هريرة " إذا صلى أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير وليضع يديه قبل ركبتيه " وأظنه وهم - والله أعلم - فيما قاله رسوله الصادق المصدوق ، "وليضع ركبتيه قبل يديه". كما قال وائل بن حجر : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سجد ، وضع ركبتيه قبل يديه . وقال الخطابي وغيره : وحديث وائل بن حجر ، أصح من حديث أبي هريرة . وقد سبقت المسألة مستوفاة في هذا الكتاب والحمد لله . وكان صلى الله عليه وسلم إذا صلى الجمعة ، دخل إلى منزله ، فصلى ركعتين سنتها وأمر من صلاها أن يصلي بعدها أربعاً . قال شيخنا أبو العباس ابن تيمية : إن صلى في المسجد ، صلى أربعاً ، وإن صلى في بيته ، صلى ركعتين . قلت : وعلى هذا تدل الأحاديث ، وقد ذكر أبو داود عن ابن عمر أنه كان إذا صلى في المسجد ، صلى أربعاً ، وإذا صلى في بيته ، صلى ركعتين . وفي الصحيحين : عن ابن عمر ، أن النبي صلى الله عليه وسلم ، كان يصلي بعد الجمعة ركعتين في بيته . وفي صحيح مسلم ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، " إذا صلى أحدكم الجمعة ، فليصل بعدها أربع ركعات " . والله أعلم . |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|