منتديات جعلان - عرض مشاركة واحدة - أبحاث((( أدبية )))
عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 5  ]
قديم 04-07-2006, 12:49 AM
جعلاني ذهبي


المشاركات
4,762

+التقييم

تاريخ التسجيل
Oct 2004

الاقامة

نظام التشغيل
oman

رقم العضوية
12

اسير الصحراء is on a distinguished road
غير متواجد
 
افتراضي
ومن جهة أخرى فقد جعل عبد القاهر للمعاني التخييلية منطقاً خاصاً بها يصفه بقوله: «ومن ذلك صنيعهم إذا أرادوا (أي الشعراء) تفضيل شيء أو نقصه أو مدحه أو ذمه فتعلقوا ببعض ما يشاركه في أوصاف ليست هي سبب الفضيلة والنقيصة... كما تراه في باب الشيب والشباب كقول البحتري:

إن تأملت من سواد الغراب وبياض البازي أصدق حسناً
وليس إذا كان البياض في البازي آنق في العين وأخلق بالحسن من السواد في الغراب، وجب لذلك كله ألا يذم الشيب: لأنه ليس الذنب كله لتحول الصبغ وتبدل اللون... ولو عدم البازي فضيلة أنه جارح وأنه من عتيق الطير ولم تجد لبياضه الحسن الذي تراه، وكما لم تكن العلة في كراهة الشيب بياضه. لم يكن هو الذي غض عنه الأبصار... كذلك لم يحسن سواد الشعر في العيون لكونه سواد فقط، بل لأنك رأيت رونق الشباب ونضارته ورأيت بريقه وبصيصه يعدانك الإقبال ويحضرانك الثقة بالبقاء ويبعدان عنك الخوف من الفناء.
وعلى هذا موضوع الشعر والخطابة أن يجعلوا اجتماع الشيئين في وصف علة الحكم يريدونه وإن لم يكن في المعقول ومقتضيات العقول، ولا يؤخذ الشاعر بأن يصحح كون ما جعله أصلاً وعلة كما ادعاه فيما يبرم أو ينقض من قضية وأن يأتي ما صيره قاعدة وأساساً ببينة عقلية، بل تسلم مقدمته التي اعتمدها بينه وكذلك قول البحتري:

في الشعر يكفي عن صدقه كذبه كلفتمونا حدود منطقكم
أراد كلفتمونا أن تجري مقاييس الشعر على حدود المنطق... مع أن الشعر يكفي فيه التخييل والذهاب بالنفس إلى ما ترتاح إليه من التقليل...
ولا شك أنه إلى هذا النحو قصد وإياه عمد، إذ يبعد أن يريد بالكذب إعطاء الممدوح حظاً من الفضل والسؤدد ليس له ويبلغه بالصفة حظاً من التعظيم يجاوز به من الإكثار محله لأن هذا الكذب لا يبين بالحجج المنطقية والقوانين العقلية وإنما يكذب فيه القائل بالرجوع إلى حال المذكور واختباره فيما وصف به والكشف عن قدره وخسته ورفعته أوضعته، ومعرفة محله ومرتبته( ).
ويفهم من تفسير عبد القاهر الجرجاني لقول البحتري ما يلي:
1- رفض الصنعة الشعرية القائمة على حدود المنطق بمعنى أن الشعر لم يكن قسماً من أقسام المنطق.
2- الشعر ليس عملاً عقلياً ولا قولاً محققاً.
3- يكفي في الشعر الكذب عن الصدق، الكذب هنا ليس الكذب الأخلاقي بل الكذب الفني بمعنى الإبداع والبعد عن النسخ الحرفي للأشياء. يعني أن الصورة الفنية ترتبط بإحساس الشاعر أكثر من ارتباطها بأصلها الخارجي الذي هو مقياس صدقها الأخلاقي.
4- الشعر هو ما ترتاح إليه النفس ولو رفضه العقل( ).
ثم ينتقل عبد القاهر الجرجاني إلى جوهر قضية المعاني التخييلية ويعالجها من خلال قول القائل: «خير الشعر أكذبه» فيقول: «وكذلك قول من قال خير الشعر أكذبه»، فهذا مراده لأن الشعر لا يكتسب من حيث هو شعر فضلاً ونقصاً وانحطاطاً وارتفاعاً بأن ينحل الوضيع من الرفعة ما هو منه عار، أو يصف الشريف بنقص وعار، فكم جواد بخَّله الشعر وبخيل سخّاه وشجاع وسمه بالجبن، وجبان ساوى به الليث وذي صفة أوطأه قمة العيوق وغبي قضى له بالفهم وطائش ادّعى له طبيعة الحكم ثم لا لم يعتبر ذلك في الشعر نفسه حيث تنتقد دنانيره، وتنشر ديابيجه ويفتق مسكه فيضوع أريجه( ).
ويفهم من كلامه:
1- الشعر يقوم على المعاني التخييلية.
2- استقلالية المعاني التخييلية عن الواقع الخارجي وقوانينه.
3- الكذب في الشعر، معناه الإبداع الفني في التغيير والصدق في التعبير( ). ثم يقابل عبد القاهر الجرجاني بين قول «خير الشعر أكذبه» ومعارضة هذا القول «خير الشعر أصدقه» ويستنتج هذا القول من هذا البيت:

بيت يقال إذا أنشدته صدقاً وإن أحسن بيت أنت قائله
فيقول: «فقد يجوز أن يراد به أن خير الشعر ما دلَّ على حكمة يقبلها العقل، وأدب يجب به الفضل، وموعظة تروض جماح الهوى، وتبعث على التقوى، وتبين موضع القبح والحسن في الأفعال، وتفصل بين المحمود والمذموم من الخصال، وقد تنحني بها نحو الصدق في مدح الرجال، كما قيل: كان زهير لا يمدح الرجل إلاّ بما فيه»( ).
إن رأي عبد القاهر الجرجاني بأن «خير الشعر أكذبه» هو ما يقابله عند فلاسفة المسلمين وبخاصة عند أبي سينا –كما مرّ بنا- الشعر يستعمل التخييل بمعنى الكذب لقوله «الخطابة تستعمل التصديق والشعر يستعمل التخييل». كما أن مفهوم عبد القاهر للشعر في هذا الجانب يلتقي مع مفهوم ابن سينا عندما يقول –كما مر بنا- «الناس أطوع للتخييل منهم للتصديق».
وفي رأينا أن هذا المفهوم للشعر عند عبد القاهر الجرجاني والفلاسفة المسلمين وبخاصة ابن سينا: (خير الشعر أكذبه) أو الشعر يستعمل التخييل، والناس أطوع للتخييل منهم للتصديق) هو مفهوم عربي أصيل للشعر.
ثم يكمل الموضوع فيقول: «فمن قال "خيره أصدقه كان ترك الإغراق والمبالغة والتجوز إلى التحقيق والتصحيح، واعتماد ما يجري من العقل على أصل صحيح، أحب إليه وآثر عنده، إذ كان ثمره أحلى وأثره أبقى وفائدته أظهر وحاصله أكثر ومن قال "أكذبه" ذهب إلى أن الصنعة إنما يمد باعها، وينشر شعاعها، ويتبع ميدانها وتتفرع أفنانها حيث يعتمد الاتساع والتخييل ويدعى الحقيقة فيما أصله التقريب والتمثيل، وحيث يقصد التلطف والتأويل ويذهب مذهب المبالغة والإغراق في المدح والذم والوصف والبث والفخر والمباهاة وسائر المقاصد والأغراض وهناك يجد الشاعر سبيلاً إلى أن يبدع ويزيد، ويبدئ في اختراع الصور ويعيد ويصادف مضطرباً كيف شاء واسعاً ومدداً من المعاني متتابعاً، ويكون كالمغترف من غدير لا ينقطع والمستخرج من معدن لا ينتهي»( ).
إن كلام عبد القاهر واضح جداً في الفصل بين المفهومين، وليس بحاجة إلى شرح. ويوضح مدلول الكذب في الشعر ومدلول الصدق فيه ويقارن بينهما إلى درجة يجعل الكذب هو أساس الصنعة الشعرية الحقة ونسيجها الأصيل.
فجملة القول إن الكذب في الشعر على نقيض معناه الأخلاقي فهو في مجال الشعر يعني:
1- حرية التعبير المطلقة.
2- الاتساع والتخييل.
3- الحقيقة فيما أصله التقريب والتمثيل (وجه الشبه بين الأشياء).
4- التلطف والتأويل (التعبير عن الرؤى والمقاصد).
5- المبالغة (التعبير عن الإحساس العميق حيث الرضا الممكن عما يختلج النفس – وتسد مسد النقص اللغوي في التعبير المطلق).
6- الإبداع والزيادة (التجاوز والتخطي – الخروج عن المألوف السائر التجديد الدائم بمعنى الإضافة والزيادة).
====>>




توقيع اسير الصحراء
((( لمحبي الأناشيد الأسلامية أتمنى دخولكم متجدد )))