منتديات جعلان - عرض مشاركة واحدة - أبحاث((( أدبية )))
عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 3  ]
قديم 04-07-2006, 12:47 AM
جعلاني ذهبي


المشاركات
4,762

+التقييم

تاريخ التسجيل
Oct 2004

الاقامة

نظام التشغيل
oman

رقم العضوية
12

اسير الصحراء is on a distinguished road
غير متواجد
 
افتراضي
وفكر واختيار، وبالجملة تنفعل له انفعالاً نفسانياً غير فكري، سواء كان المقول مصدَّقاً به أو غير مصدق. فإن كونه مصدقاً به غير كونه مخيلاً أو غير مخيل: فإنه قد يصدق بقول من الأقوال ولا ينفعل عنه، فإن قيل مرة أخرى وعلى هيئة أخرى انفعلت النفس عنه طاعة للتخييل لا للتصديق فكثيراً ما يؤثر الانفصال ولا يحدث تصديقاً وربما كان المتيقن كذبه مخيلاً.
ومما يلاحظ على هذا الكلام تركيز ابن سينا على عملية التخييل ودورها الهام في المتلقِّي، أو بتعبير آخر الاهتمام بالأثر الذي يتركه الشعر في نفس المتلقي، الذي لا تتشكل صوره بوساطة القوة الحاسة، كما هو الحال عند الشاعر في المرحلة الأولى، تتشكل مباشرة من الصور الذهنية المخيلة.
وفي كل الأحوال لا نستطيع أن نفصل فصلاً حاداً بين النص الشعري وأثره في المتلقي أو بين التخيّل الشعري والتخييل الشعري( ).
ونذكِّر أن ابن سينا لا يربط مفهوم الشعر بالمضمون الأخلاقي الديني، من حيث الصدق والكذب.
- والتخييل عند ابن سينا هو الفصل بين ما هو شعر وغير شعر، أو بين الشعر والنثر، أو بين الشعر والخطابة.
يقول: «الشعر يستعمل التخييل والخطابة تستعمل التصديق»، وليس التخييل هنا ضد التصديق من حيث الطبيعة ولكن من حيث الفاعلية والأثر في المتلقي، أو بقدر درجات الاستجابة والإذعان والنزوع لهما.
فالخطابة تستعمل التصديق للإقناع بالبرهان فتكون لها استجابة عقلية ادئة وباردة «لأنها محصورة متناهية يمكن أن توضع أنواعاً ومواضع».
وتظهر الفوارق عند ابن سينا بين الشعر والخطابة على الأسس التالية:
1- الخطابة تستعمل التصديق، بمعنى أن تقوم على محاكاة الأشياء المعروفة والمشهورة بدون زيادة أو نقصان، بأسلوب تقريري مباشر يقبله العقل والمنطق.
2- الشعر يستعمل التخييل: بمعنى أن الشعر خلق وإبداع لا يحاكي الموضوعات المشهورة والمحصورة، أي لا يقلد الأشياء وينسخها بأمانة، وعدم الأمانة بالنسخ والنقل والمحاكاة هنا –هو الكذب- من حيث الشكل- بالتقسيم المنطقي للخبر (صادق – كاذب) والكذب الفني بهذا التقسيم المنطقي للشعر مرتبط بالمستحسن في الشعر، أي بالتجديد الذي يحدث الدهشة والمتعة لدى المتلقي.
أو بتعبير آخر أن الكذب في الشعر يساوي عملية الخلق والإبداع الفني، وهذا ما جعل القدماء يقولون:
«أكذب الشعر أعذبه» ومن هنا أصبح للكذب قوة تخييلية يستعملها الشعر( ).
في قضية علاقة التخييل بالصدق أو بالكذب، يفهم من كلام ابن سينا أن الجهة منفكة، فالنفس تنفعل للكلام المخيل كما ذكرنا قوله سابقاً «انفعالاً نفسانياً غير فكري سواء كان المقول مصدقاً به أو غير مصدق، فإن كونه مصدقاً غير كونه مخيلاً أو غير مخيل». وهذه العلاقة المنفكة هي في صالح القول الصادق إذا كانت العبارة عنه بكلام مخيل، لأنه «إذا كانت محاكاة الشيء بغيره تحرك النفس وهو كاذب، فلا عجب أن تكون صفة الشيء على ما هو عليه تحرك النفس وهو صادق، بل ذلك أوجب» ويرى ابن سينا «أن الناس أطوع للتخييل منهم للتصديق، وكثير من الناس إذا سمع التصديقات استكرهها وهرب منها. وقال: «القول الصادق إذا حرف عن العادة وألحق به ما تستأنس به النفس أفاد التصديق والتخييل، وربما صرف التخييل عن الالتفات إلى التصديق والشعور به.
ومن هنا يرد ابن سينا أصل البراعة الشعرية إلى التخييل، وهذا التخييل يمكن أن يكون في خدمة الحقيقة كما قد يكون في خدمة الكذب، وهو في كلتا الحالتين إنما يخاطب قوة النزوع والشوق يجذبها إلى ما تحب ويطردها عما تكره. ومرد ذلك كله إلى عبقرية الشاعر وبراعته في القول والتعبير، لأن التخييل إذعان، والتصديق إذعان، ولكن التخييل إذعان للتعجب والالتذاذ بنفس القول، والتصديق إذعان لقبول أن الشيء على ما قيل فيه، فالتخييل يفعله القول لما هو عليه، والتصديق يفعله القول بما المقول فيه عليه( ).
وإذا عدنا إلى تعريف ابن سينا للشعر بأنه كلام مخيل نجد أن سبيل الشعر إلى التخييل هي المحاكاة بعنى التشبيه والتمثيل، فمجال الشاعر هو النفس وليس العقل، وعمله فيها هو التأثير، وطريقه إلى هذا التأثير هو التخييل.
ومعنى التخييل هنا هو مخاطبة القوة المتخيلة في النفس. وهذه القوة تعمل في صور المدركات الحسية التي تصل إلى قوة الخيال من الفنطاسيا أو الحس المشترك، وتقوم فيها بالجمع والتفريق كما تشاء، كما تقوم بهذه العملية أيضاً مع المعاني المدركة من المحسوسات الجزئية التي تنالها قوة الوهم وتحتفظ بها الذاكرة( ).
ويرى ابن سينا أيضاً «أن الشعر من جهة ما يُخيِّل ويحاكي بأشياء ثلاثة: باللحن الذي يتنغم به، فإن اللحن يؤثر في النفس تأثيراً لا يرتاب به، وبذلك التأثير تصير النفس محاكية في نفسها لحزن أو غضب أو غير ذلك. وبالكلام نفسه إذا كان مُخيِّلاً ومحاكياً، وبالوزن فإن من الأوزان ما يُطيش وما يُوقّر، وربما اجتمعَت هذه كلها وربما انفرد الوزن والكلام المخيل( ).
ونجد كذلك أن ابن سينا قد ربط بين التخييل وإثارة التعجب، وهو ربط يعني أن أخيلة الشعر تبعث في المتلقي إعجاباً بالصور التي تبدعها مخيلة الشاعر من المعطى الحسي.
إن الإعجاب في هذا السياق غير دال، فالتعجب تعبير عن ضرب من الاستحسان وإثارة الدهشة، لما يحيل عليه التدهش من تنوع وجدة يبدعها الخيال.
وفي كلام ابن سينا ما يؤذن بوضع التخييل والانفعال في مساق واحد، إذ التخييل من شأنه أن ينفعل له المتلقي بغير روية فكرية، بحيث يحدث هيآت مختلفة من تلذذ وغبطة وانتشاط من عقال، أو تألم وحزن تنقبض له النفس ويحرج منه الصدر. إن من وظائف التخييل على هذا النحو إحداث وضع كيفي من الانفعال( ).
ومن ملاحظات ابن سينا الجديرة بالاعتبار ما أورده في تعريف القوة المتخيلة، إذ ذكر أن من شأنها أن تركب بعض ما في الخيال مع بعض، وأن تفصل بعضها عن بعض. إن هذه الوظيفة المنسوبة للوعي التخيلي سوف تعود للظهور بتألق زائد عند النقاد والفلاسفة من ذوي النزعات الرومانتيكية، وهو ما عبروا عنه: بأن الخيال ينشر ويبدد ويفكك ويعيد بناء العناصر من جديد( ).
وقبل أن نختم الكلام عن ابن سينا فلا بد أن نشير إلى قضية مهمة وهو إدخاله التخييل الفني في قوالب المنطق، ومما يدل على هذا اعتباره الشعر بمثابة مقدمات فحيلة، كأنما يشاكل بينه وبين القياس، وتمييزه بين التخييل والتصديق. كما مر سابقاً معنا عندما ذكرنا نوعي الإذعان بين التخييل والتصديق.
فابن سينا يعد القول المخيل من أقسام المنطق، وعبارته في ذلك أن للمقدمات المخيلة لواحق وعوارض... وكذلك الوزن لكن القول في الوزن أولى بصناعة الموسيقيين، وأما الذي من صناعة المنطق فالنظر في المقدمات المنطقية ولواحقها وكيف تكون حتى تصير مخيلة( ).
لقد كان ابن سينا ينظر في الشعر نظر المنطقي في القضايا والأقيسة والبراهين، وإليه يرجع الفضل في إذاعة كلمة التخييل.
وقد حدد بعض الدارسين أربعة معان لكلمة التخييل عند ابن سينا، ومن دلالتها: أن الكلام المخيل موجه إلى مخاطبة الغير.
وهنا نرى أثر ارتباط الشعر بالمنطق عند العرب، فالجدل يراد به إقناع الغير ويعتمد على المقدمات المقبولة عند العلماء، والخطابة يراد بها إقناع الغير وتعتمد على المقدمات المقبولة عند الجمهور، والشعر يراد به إيقاع المعاني في نفوس السامعين، فالتخييل الشعري نظير التصديق الجدلي والخطابي.
===>>




توقيع اسير الصحراء
((( لمحبي الأناشيد الأسلامية أتمنى دخولكم متجدد )))