6- التطور المستمر:
لقد أحدثت الانترنت تحولا كبيرا في مفهوم صناعة المعلومات وسرعة انتشارها لدرجة امحت معها فوارق الزمن وبعد المسافات. فقد تحول العالم – بفضل هذه الوسيلة – إلى شاشة صغيرة بقاراته الشاسعة وشعوبه المختلفة وأجناسه المتعددة التي أصبح من خلالها لأفراد يتزايدون في منازلهم ومكاتبهم.
معلومات مفيدة أم وسيلة ترفيه وتسلية:
وفي ذات السياق عدّد أحد مناصري المكتبات عشرة أسباب لبقاء المكتبات في أداء مهامها، شريطة أن يعمل القائمون عليها على تجديد هويتها/رسالتها mission، وتحديث أهدافها وتطوير السبل الكفيلة بتحقيق تلك الأهداف. ومن أجل المحافظة عليها ولئلا تصبح رمزاً "لعالم المطبوعات التي في طريقها للانقراض", على المكتبات أن تصبح قادرة على خدمة الباحثين أينما كانوا بحيث تمكنهم من التجول في كنوزها من أي مكان وفي أي وقت. ويقول مناصر المكتبات المشار إليه أن المكتبات العامة وجدت لتبقى, فلا "تخطط لإغلاق الأبواب" في المستقبل القريب( ). لقد جاء في تعداده لتلك الأسباب مايلي:
(1) أن رسالة الانترنت الأولى هي الترويح والتسلية وليس التعليم أو التربية أو المعرفة. وبرغم الكم الهائل من مصادر المعلومات (العلمية والثقافية) مثلما يتوفر على بعض المواقع -ومن خلال روابط مكتبة الانترنت العامة IPL.org أو كشاف المكتبيين على الانترنت Lii.Org وخلافهما- فإن السبب الرئيس وراء دخول الانترنت معظم المنازل هو كونها وسيلة تسلية. وبصرف النظر عما يقوله/يدعيه معظم الناس, فإنهم يشترون أجهزة الحاسوب ويشتركون في الانترنت لنفس الأسباب التي يشترون من أجلها التلفاز ويشتركون من أجلها في محطات البث التلفزيوني المشفر. وبلغه المتابعين والمشاهدين فلأنها (الانترنت) مثل قناةHPO وليست فقط من أجل C-SPANأو. THOMAS
(2) والانترنت كونها وسيلة تسلية, فهي - بطبعه الحال - مكان للتسويق. وأصبحت وسيلة "تكسّب"، ومكان لعقد الصفقات. ولهذا يتجلى قانون قريشامGresham (الذي يقتضي أن المواقع السيئة تطرد/ تطغي على المواقع المفيدة الجيدة). ولهذا فهناك من مواقع التسلية Entertainment أضعاف ما هو موجود من المواقع الجادة على الانترنت, برغم صعوبة التفريق بين الفئتين. وستصبح الانترنت مرتعا "للاعبين" الكبار (أمثال دزني) بحيث تصبح أكثر مركزية مع تنامي "المعلومات بالتسلية" Infotainment، وستختفي الحواجز بين الدعاية والإعلان وبين مصادر المعومات الجادة مع تزايد إعلانات Pop-UPs وترويسة الاعلاناتلBanners على رؤوس الصفحات التي تمتلئ بالإعلانات المضيئة Flashing. لقد كانت الدوريات والكتب العلمية بمنأى عن الدعاية والإعلان، بحيث لا يتشارك شيء في أسباب وجودها مع الهدف العلمي. وعليه, فلا نتوقع أن تتخلص الانترنت من إشكالات الجودة في المواقع إذا كانت الدوافع الدعائية والتسويقية تتداخل مع الأهداف العلمية في تحريك عجلة وهيئة وكيفية مصادر/مرافق المعلومات على الشبكة. وهنا يصبح للمعلن دور وتأثير في مسائل الاتصال العلمـي Scientific communication ، بدلاً من المستفيد النهائي الذي كان يتحكم في مسيرة "التواصل" والتفاعل بينه وبين ما ينتج من معلومات علمية( ).
(3) إن المعلومات ذات الجودة quality ******* ستكلف أكثر بشكل مطرد مما كانت تكلف)رغم أنها كانت مكلفة أيضا). وإلا فإن UMI وأمثالها EBSCO وLAC ستخسر بقاءها فضلاً عن أن نذكر Wall Street Journal .
إن هذه هي الطريقة التي تعمل مع الاقتصاد الذي يعتمد على المجانية أولا كما كان الحال مع انتشار التلفاز الذي ابتدأ مسيرته بعدد القنوات التي دُعمت من قبل شركات الإعلان قبل أن تتخصص بعض القنوات لتعمل لجماهير محددة (بالاشتراك Cable). ثم جاءت بعد ذلك قنوات متميزة ولكن نظير اشتراكات أعلى قُبيل مجيء قنوات ادفع مقابل أن تشاهد Pay per view للمناسبات الخاصة. ونلاحظ أن الأخيرتين تخصصاً في المناسبات الرياضية أو الإباحية.
ولهذا فإنه من الصعب إيجاد قنوات تلفزيونية اليوم –خالية من الدعاية- تقدم محتويات "راقية" وذات جودة عالية. وهذا هو ما تسير الأمور إليه في الانترنت. ولعل الاشتراكات "المعقولة" Micropayment تكون الحل الأمثل اليوم بدلاً من مفهوم الاقتصاد المجاني gift economy الذي تعتمد عليه الانترنت ، لتحقيق اعتمادية وموثوقية وجودة أكبر لما يقدم على الانترنت اليوم.
(4) لعل أهم ما يميز به الانترنت اليوم اجتماعيا هو استخدامها كوسيلة تواصل Communication Medium. لقد تغير كل شيء بالفعل في هذا المجال حيث استبدل الناس المرسال email بالبريد العادي (البطيء) لدرجة تقلق مكاتب البريد وتنذر بإغلاق كثير من وكالاته. كما أن هاتف الانترنت وناسخوها (الفاكس) يتطوران بشكل متسارع في هذا الاتجاه. وبرغم الإفادة القصوى التي قدمتها هاتان الخدمتان للعائلات والأصدقاء للتواصل فيما بينهم, إلا أنها للأسف تستخدم كثيراً في المحادثات الفارغة Chattingوفي بث الإعلانات غير المقننة Spam التي يتطفل بها أصحابها على الناس بدون وجه حق. وقد ظهر عدد من الخدمات التي تشبه ما تقدمه المكتبات في الخدمة المرجعية, لكنها لا ترقى لأن تصل لمرحلة إغلاق المكتبات والاستغناء نهائيا خدماتها.
(5) الانترنت –أحياناً- تُشبه كتاب قطعت أوراقه ورميت عشوائيا على الأرض. وعليه فمن السهل أن تجد بعضا مما تحتاجه بالفعل. ولكن من الصعب القول بأن الباحث سيجد كل مايحتاجه، وبالجودة التي كان يجدها في المكتبات. والانترنت هنا تتميز بعجز من يريد أن يقطع ورقة في كتاب بمكتبة أن يفعل الشيء نفسه. لكنها -كونها تعتمد على محركات بحث- تعاني من مشكلة الاسترجاع، إذ تسترجع أحيانا مئات الآلاف من المواقع حول موضوع معين, لأنها تعتمد على برامج اليكترونية تجوب مواقع الانترنت في كل العالم بحثا عن كلمات مفتاحية Key words . وهذه المواقع – أولا ليست مكشفة (بمعنى أنها تستخدم اللغة الطبيعية Natural Language مقابل اللغة المحكمة Controlled vocabulary).
وكون عملية الاسترجاع هنا تعتمد على مرور محرك البحث بالكلمات المفتاحية, فقد ظهرت تقنيات برمجية " تستقطب محركات البحث للمواقع بغية ظهورها في نتائج البحث أولا. وقد استخدمت هذه التقنية كثيرا من قبل المواقع الإباحية مثلا. كذلك فإن بعض المواقع تتضمن كثيرا من الكلمات المفتاحية ذات غير علاقة بمحتوى الموقع وذلك أيضا حتى تتمكن من " لفت الانتباه " محركات البحث.
(6) لازالت الانترنت تعاني من مسألة التوثيق/الأصالة لما تقدمه من معلومات وبحوث. فهناك العديد من الوثائق غير المذيلة بمؤلف صاحب مسؤولية, وبعضها لا يشير إلى آخر تحديث طرأ عليها. كما أنه ليس هناك " تأكيد " على أصالة ودقة ما تحوى من معلومات. ونظرا لوجود مشكلات كبيرة فيما يتعلق بأمن المعلومات على الانترنت, فإن هذه الوثائق معرضة لاختراق. ( هناك تقنيات محددة مثل PDF مضمونة الحماية ولا يمكن تعديلها).
(7) كثيرة هي المعلومات على الانترنت حتى لا يكاد المرء يحصي ما عليها حول موضوع معين, لكنها في ذات الوقت ليست عميقة! كما أن الانترنت تحوى معلومات – غالبا – خلال فترة تاريخية قصيرة, إضافة إلى أنها لا تحوي كل ما نشر عليها منذ نشأتها, بمعنى أن الجانب التاريخي لما ينشر عليها ضعيف حتى مع نشأة مؤسسات متخصصة في هذا المجال مثل:
www.archive.org.
وهناك إشكالية حول مستوى ما ينشر على الشبكة, فهو ليس بالضرورة جيد المستوى. إذ أن هناك كثيرا ممن يرغبون في النشر وجدوا في الانترنت ضالتهم في ظل عدم مقدرتهم/امتناع أي ناشر بتولي نشر أعمالهم لرداءتها. ويجب أن نشير إلى أنه هذه السلبية للانترنت يقابلها ايجابيات للنشر لمن لم يستطيعوا النشر لظروف مادية أو لعدم مقدرتهم تجاوز ظروف اجتماعية أو سياسية لنشر أعمالهم.
وعليه فإن مسائل استرجاع المحتوى تعتمد على عمليات الإدخال, فلا تتوقع أن نسترجع أفضل مما تم وضعه على الشبكة. بمعنى أن نظام/قانون المتخصصين في الحواسيب ينطبق هنا تماما: garbage in, garbage out .
(8) ليس هناك من شك في أن الانترنت ستُحدث تغييرا جذريا في مسائل التعاطي مع حقوق النشر. وهذا التغيير لا يعني زوال تأثير حقوق التأليف على النشر, بل العكس هو الصحيح. فمن جانب يسهل تصوير ونقل المعلومات من على كتاب أو مجلة اليكترونية أو موقع اليكتروني, ولكن من جانب آخر فإن ذلك يصعب متي ما استخدمت التقنيات المناسبة لحفظ الحقوق. كما أن الباحث/المؤلف أصبح لديه امكانات كبيرة لحفظ حقوقه التي نُشرت اليكترونيا متى أراد ذلك.
(9) لعل الوثائق الورقية لديها من المميزات الكثير التي يتجاهلها كثير من الناس سعيا لمواكبة التطورات المتلاحقة خلف الانترنت التي " أغرت " بمميزاتها كل ما عداها. فالوثائق الورقية رخيصة في الانتاج, وليس لها عمر افترضي, فلا نحتاج لتجديد حواسيببنا كل خمس سنوات لقراءتها, ولا يفرق معنا أكانت حواسيببنا انتل أو ماكيروسفت. كما أن للكتاب وضوح في الرؤية Resolution لا تتوفر في أي حاسوب حاليا ولا في المستقبل القريب, وهي أيضا لا تحتاج لطاقة الكهرباء مثلا للإطلاع عليها.
(10) بالمقابل فإن الانترنت, بما تشمل من مصادر معلومات اليكترونية, تتميز على المصادر الورقية بالكثير مما تقدمه من معلومات بأشكال مختلفة تدمج فيها الصوت مع الصورة مع الحرف. ولو قدر لي لقلت في جملة واحدة أن الكتاب الورقي يتميز بالمعلومات الخطية/ الطولية Linear فيما تتفوق الانترنت بما تقدمه من الوسائط المتعددة في آن Multimedia.
وعليه فإن المكتبة تتفوق في تهيئة بيئة " مثالية " للإفادة من المعلومات وفي " تشجيع " المستفيدين بالتواصل " الحي " بين موظفيها والمستفيدين وفي إتاحة المعرفة للمستفيدين بشكل يشجعهم على التحصيل والافادة. ولعله من الصعب جدا الاختيار بين المكتبة والانترنت كواحدة منهما دون الأخرى في ظل الحاجة الماسة للاثنتين, ولكن الواضح أن الافادة من الاثنتين تكامليا في المرحلة الحالية هو الخيار الأمثل. بيد أنه من الضروري لكل منهما العمل على تجاوز مشكلاتها الخاصة بها والعمل على تحقيق تقدم نحو مميزات الأخرى.
المراجع العربية
حسين, فاروق ( 1997 ). الانترنت: الشبكة الدولية للمعلومات. بيروت: دار الراتب الجامعية.
الزهري, سعد بن سعيد (1424). هل تغني المكتبة عن الانترنت؟. المعلوماتية, ع4. صـ12-15.
حلاق, رائد ( 2001 ). تقويم معلومات الانترنت. العربية 3000. ع3, ص67 -76.
صوفي, عبد اللطيف ( 1998 ). انترنت 2000: أهميتها في المكتبات وسبل مواجهتها. أعمال مؤتمر الاتحاد العربي للمكتبات والمعلومات التاسع المنعقد في دمشق 21-26 / 10 / 1998 م. تونس: المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم, 1999.
الضبيعان, سعد عبد الله ( 1420 ). مكتبة أرامكو السعودية المتنقلة: الواقع والطموحات. الرياض: جامعة الملك سعود
عباس, بشار ( 1998 ). دور انترنت والنشر الالكتروني في تطوير خدمات المكتبات الحديثة. مجلة مكتبة الملك فهد الوطنية. مح3, ع2 . صص7- 26 .
عباس, هشام عبد الله (2001 ). المكتبات في عصر الانترنت: تحديات ومواجهة. العربية 3000. ع3, ص- 97 – 109.
محيى الدين, حسانه ( 2001 ). الانترنت في المكتبات ومراكز المعلومات: الامكانات, الفوائد والتحديات. العربية 3000. ع3, ص154 – 171.
يوسف, عاطف ( 1981 ). واقع المكتبات المتنقلة في الأردن. رسالة المكتبة. مج16 , ع3 . ص ص 39 - 42 .
يوسف, محمد زايد ( 2000 ). الانترنت لغة المستقبل. صحيفة عكاظ. س42 , عم 12259 . ( 14 / 12 / 1420 الموافق 20 مارس 2000 ). (استشهد به عباس, هشام عبد الله (2001 ). المكتبات في عصر الانترنت: تحديات ومواجهة. العربية 3000. ع3, ص- 97 – 109).
المراجع الأجنبية
Beyond Portals and gifts: Towards a bottom-up net-economy. At:
http://www.firstmonday.dk/issues/issue4_1/stalder/ (شوهد في 27/12/2003).
D` ELia, George & Eleanor Jo Rodger (2003). The Impacts of the Internet on public Library Use.
موجود على الرابط التالي:
http://WWW.urbanlibraries.org/intern...act%sheet.html (Seen on 9/17/ 2003).
Harrocks, S.H.& J.A. Hargreaves (1961). Book Mobile operations over the world. Library Trends, Vol.9, No.3.
نقلا عن: الضبيعان, سعد عبد الله ( 1420 ). مكتبة أرامكو السعودية المتنقلة: الواقع والطموحات. الرياض: جامعة الملك سعود.
Here to stay 2.02: The top ten reasons Why the internet will not replace library:
WWW.Geocities.Com/Soho/nook/8823/still-hunt.html .
portal.Unesco.Org //
Reasons for connecting to the internet. at:
//home.cc.umanitoba.ca/~ poluha/cps/reasons.html (شوهد في 17 /9 / 2003 )
Beyond Portals and gifts: Towards a bottom-up net-economy. At:
http://www.firstmonday.dk/issues/issue4_1/stalder/ (شوهد في 27/12/2003).