فلو عدنا الآن إلى التوراة وهي الأدنى إلى تراث السومريين مما تلاها من كتب العقائد لوجدنا قصة الخلق فيها توشك أن تقترب في بعض عناصرها من اسطورة الخلق السومرية , بما يمنحُ التسويغَ لرأي بعض المفكرين في أن الأفكار الدينية تُتناقل جيلاً بعد جيل بقليل أو كثير من التعديل والتغيير والتطوير .
يروي سفر التكوين قصة الخلق التي ستتبناها المسيحية والإسلام على النحو التالي : يوم صنع الرب الإله الأرض والسماوات , لاشجر البرية كان بعد في الأرض , ولاعشب البرية نبت بعد , فلا كان الرب الإله أمطر على الأرض , ولا كان إنسان يفلح الأرض , بل كان يصعد منها ماءٌ يسقي وجه التربة كله . وجبل الرب الإله تراباً من الأرض ونفخ في أنفه نسمة حياة . فصار آدم نفساً حية . وغرس الرب الإله جنة في عدن شرقاً وأسكن هناك آدم الذي جبله .
ورغم التشابه الواضح بين بعض عناصر قصة الخلق في التوراة والاسطورة السومرية , فان التوراة لاتتعرض لذكر الغاية الحقيقية من خلق الانسان كما فعلت الاسطورة السومرية والتي يمكن أن نرمز إليها بكلمة العبودية التي تتجلى عند السومريين في صورة تقديم الطعام التي أشرنا إليها .
ولكنها لاتبخل علينا بإيحاءات ترسخ الإعتقاد بأن الإنسان إنما خلقه اللهُ عبداً ليقضي به بعض حاجاته ففي الآية 15 من التكوين نقرأ : وأخذ الرب الإله آدم وأسكنه في جنة عدن ليفلحها ويحرثها . فالفلاحة كما نرى هنا إن هي إلا سبب من أسباب خلق الإنسان , هذا إذا ثبت أن الفلاحة إنما وجبت على آدم لامن أجل عيش آدم وبقائه على قيد الحياة وإنما من أجل مرضاةِ الله .
وفي قصة قايين وهابيل التي تزخر بالرموز أول إشارة صريحة لفكرة العبودية بمفهومها المادي الواردة في اسطورة الخلق السومرية والتي تجنح إلى إرضاء حواس الإله بتقديم العطايا والذبائح : ومرت الأيام فقدم قايين من ثمر الأرض تقدمة للرب , وقدم هابيل أيضاً من أبكار غنمه ومن سمانها , فنظر الرب برضى إلى هابيل وتقدمته , أما الى قايين وتقدمته فما نظر برضى .
ولعل أوضح الشواهد على ما سبق أن ذكرناه أن تكون الآية 20 من سفر التكوين : وبنى نوح مذبحاً للرب وأخذ من كل البهائم الطاهرة ومن كل الطيور الطاهرة واصعد محرقات على المذبح , فتنسّم الرب رائحة الرضا . وقال الرب في قلبه لاأعود ألعن الأرض أيضاً من أجل الإنسان .
كما تعد ذبيحة ابراهيم واحدة من أصدق الشواهد على فكرة العبودية لله في إطارها المادي
يتبع ====>>>