قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
((ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان
ولا اللقمة واللقمتان إنما المسكين الذي يتعفف )) متفق عليه .
وفي رواية في (( الصحيحين )) (( ليس المسكين الذي يطوف على الناس ترده اللقمة واللقمتان ،
والتمرة والتمرتان ، ولكن المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه ،
ولا يفطن به فيتصدق عليه ، ولا يقوم فيسأل الناس ))
قال الشيخ مُحمد بنْ صالحْ العثَيميَن رحَمهُ الله في شَـرح رياض الصالحين "
فإن الرسول عليه الصلاة والسلام يقول : ((ليس المسكين الذي ترده التمرة التمرتان ،
ولا اللقمة واللقمتان ، إنما المسكين الذي يتعفف )) .
يعني المسكين؛ ليس ( الشحاذ ) الذي ( يشحذ ) الناس ،
ترده اللقمة واللقمتان : يعني إذا أعطيته لقمة أو لقمتين أو تمرة أو تمرتين ردته ،
بل المسكين حقيقة هو الذي يتعفف كما قال تعالى : ( يَحْسـَبُهُمُ الْجـَاهِلُ أَغْنـِيَاءَ مِنَ التـَّعَفُّفِ ) [البقرة: 273] ، هذا هو المسكين حقيقة ؛
لا يسأل فيُعطى ولا يتفطن له فيعطى . كما يقول العامة : عاف كاف ، ما يدرى عنه ، هذا هو المسكين الذي ينبغي للناس تفقده وإصلاح حاله ، والحنو عليه ، والعطف عليه .
وفي هذا إشارة إلى أنه ينبغي للمسكين أن يصبر وأن ينتظر الفرج من الله ، وأن لا يتكفف الناس أعطوه أو منعوه ؛
لأن الإنسان إذا علق قلبه بالخلق وكل إليهم ، كما جاء في الحديث : (( من تعلق شيئاً وكل إليه ))(57)
وإذا وكلت إلى الخلق نسيت الخالق ، بل اجعل أمرك إلى الله عز وجل ، وعلق رجاءك وخوفك وتوكلك واعتمادك على الله سبحانه وتعالى فإنه يكفيك ،
( وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ) [الطلاق:3] ،
كل ما أمر الله عز وجل به فهو بالغك ، لا يمنعه شيء ولا يرده شيء .
فالمسكين يجب عليه الصبر ، ويجب عليه أن يمتنع عن سؤال الناس لا يسأل إلا عند الضرورة القصوى ؛
إذا حلت له الميتة حل له السؤال ، أما قبل ذلك مادام يمكنه أن يتعفف ولو أن يأكل كسرة من خبز أو شقاً من تمرة فلا يسأل ،
ولا يزال الإنسان يسأل الناس ، ثم يسأل الناس ، ثم يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة وما في وجهه مزعة لحم ، والعياذ بالله ؛ لأنه قد قشر وجهه للناس في الدنيا ، ولهذا ذم أولئك القوم الذين يترددون على الناس يسألونهم وهم أغنياء ؛ الذين إذا ماتوا وجد عندهم الآلاف ، توجد عندهم الآلاف من الذهب والفضة والدراهم القديمة والأوراق .
وهم إذا رأيتهم قلت : هؤلاء أفقر الناس ، ثم يؤذون الناس بالسؤال ، أو يسألون الناس وليس عندهم شيء لكن يريدون أن يجعلوا بيوتهم كبيوت الأغنياء وسياراتهم كسيارات الأغنياء ، ولباسهم كلباس الأغنياء فهذا سفه ،
(( المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور ))(58)
اقتنع بما أعطاك الله ؛ إن كنت فقيراً فعلى حسب حالك ، وإن كنت غنياً فعلى حسب حالك .
أما أن تقلد الأغنياء وتقول : أنا أريد سيارة فخمة ، وأريد بيتاً فارهاً ، وأريد فرشاً ، ثم تذهب تسأل الناس سواء سألتهم مباشرة قبل أن تشتري هذه الأشياء التي أردت ، أو تشتريها ثم تذهب تقول : أنا علي دين وما أشبه ذلك فكل هذا خطأ عظيم ،
اقتصر على ما عندك ، وعلى ما أعطاك ربك عز وجل ، واسأل الله أن يرزقك رزقاً لا يطغيك ، رزقاً يغنيك عن الخلق وكفى .
نسـَأل الله لَنا ولكمْ التوفيـقْ والسَلامة .