التكافؤ ومقومات الاختيار.. أين هما؟
المشكلة
السلام عليكم..
عرفتها من صغري حين كان عمرها 6 أعوام، كنا نلعب ونجري وكل شيء، كانت جارتي.
جرت الأيام وكبرت فأحسست أنها الحضن الذي أقطن بداخله، أحببتها وكبرنا معا تحدثت مع أمها في كل شيء على العلاقة التي بيننا فرحبت كثيرا كثيرا، ولكنني أرى بعض العوائق:
1-الفارق المادي فهى من أسرة ثرية جدا، وأنا فقير ومن أسرة فقيرة.
2-الفارق العلمي فهى في الفرقة الأولى من إحدى كليات القمة، وأنا خريج لإحدى المدارس الفنية منذ عام 2000.
3-فارق العادات والتقاليد فأرى أن عاداتنا وتقاليدنا تختلف كثيرا عنهم وبالذات معها هي.
هي عصيبة وعندية جدا، مع العلم أنها تحبني بقوة، وضحت كثيرا من أجلي، ووقفت معي في كل مشاكلي، أحببتها وصارت تجري في عروقي ودمي.
رفض أهلي الارتباط بها، وأمي كانت تقترح علي أن أتزوج بأخرى ترى أمي فيها كل جميل فاقترحت أمي علي أن أتركها وأن أتزوج البنت الفقيرة المتدينة الطيبة الجميلة، وما لبست أن توفيت أمي بعدما طلبت مني هذا الطلب بعدها بيوم، ولكن يا إخوتي افتقدت أمي وكل شيء في حياتي فأعطتني الفتاة هذى كل الحنان والحب الذي افتقدته. وأنا أحبها فهي فيها كل الصفات الحسنة ولكنها ثرية جدا.
ماذا أفعل إخوتي أرجوكم ساعدوني في حل مشكلتي؟
ندمتكثيرا على عدم وعي أهلي لي أن أكمل دراستي رغم أن والدتي ووالدتي من خريجي كليات القمة ويمتلكون ثقافات متعددة.
انغمست في العمل من صغري كان حينها عمري 10 سنوات، قضيت عمري كله في العمل وانهمكت فيه، والآن أنا أعمل لكنني فقير أو بالمعنى الأصح أنا متميز بالنسبة للمستوى الفقير جدا.
والدها سيرفضني قطعا؛ لأنه يرى أن تتزوج بغني ومتعلم وأن يكون "بزنس مان" مثله - هذا استشففته من كلامها خلال عامين كاملين، فأنا أريد أن أتزوجها لا أن أتزوج غيرها، وهي وافقت أن تتزوجني على إمكاناتي هي وأمها فهما الاثنتان رحبا كثيرا بفكرة الارتباط.
فقولوا لي ماذا أفعل لكي أتزوج بها؟
مع العلم أنني مصاب بنوع من أنواع الاكتئاب المزمن!!!!
لأني أرى كل الناس متطورة ومنتجة وأنا مهما تطورت أو مهما أنتجت فأنا أيضا غير مرتاح وأريد أن ألبس رداء الحنان الذي افتقدته طول حياتي من كل الناس. هذاملخص بسيط جدًّا لقصة عمرها أكثر من 12 عامًا مع تلك الفتاة الملتزمة. أشكركم على مجهوداتكم المبذولة وأرجو الرد سريعا أرجوكم؛ لأن حالتي النفسية تزداد سوء يوما بعد يوم أريد أن أبني ولا أعرف فأدلونى إخوتي الأفاضل
الحل
الأخ الفاضل..
أهلا بك على صفحتنا "مشاكل وحلول الشباب للشباب"
تأخرنا عليك كثيرا فاعذرنا.. ولكن نشكر لك صبرك علينا..
أثارت المعلومات التي ذكرتها في رسالتك تساؤلات كثيرة في نفسي.. فاسمح لي أن أراجعها معك، ولكن دعنا بداية نراجع معا ما ذكرناه على صفحتنا مرارًا حول مقومات الزواج الناجح والاختيار السليم والتي منها وأهمها التكافؤ، والقبول، والاختيار على أساس العقل مع عدم تجنيب العاطفة، بل الموازنة بينهما عند الاختيار.
يا أخي..
التكافؤ أساسي في كل شيء، في المستوى الديني والمادي والاجتماعي والفكري والثقافي والعلمي والعمري أيضا، وما ذكرت من معلومات خاصة بهذا الجانب لم ألمس فيها أي توافق، بالإضافة إلى أنها جميعها لصالح الفتاة وهو الأمر غير المضمون العواقب، قد لا تشعر بمشكلة هذه الفروق الآن، ولكنك قد لا تحتمل نتائجها بعد أشهر من الزواج، ليس الحب –رغم أهميته- هو ما يبنى عليه الزواج، فهي أعلى منك ماديا واجتماعيا وعلميا.
غير أن بينكما اختلافاتٍ في العادات والتقاليد...
هل تذكر قصة السيدة زينب بنت جحش –رضي الله عنها- صاحبة النسب والمكانة وهي تتزوج زيد بن حارثة مولى النبي -صلى الله عليه وسلم- طاعة لاختيار النبي له... ولكن السنن الطبيعية تفرض أحكامها، إلا أن زيدًا لا يرتاح في زواجه ويسرّ للنبي صلى الله عليه وسلم (إنها تتكبر عليه) والحقيقة أنها لا تتكبر، ولكنها تتعامل بطبيعتها ومكانتها ولشعور خفي في نفسه وصلت له الرسالة أنها تتكبر عليه...
وربما لم يكن هذا ليحدث لو كانت العلاقة بنيت على أساس من التكافؤ بينهما..
هذا بالنسبة للعوائق التي ذكرتها في رسالتك وبدأت بها.. ولكن في سياق رسالتك أجدك تذكر أشياء أخرى تختمها بسؤال.. فها أنت تقول:
"هي عصيبة وعندية جدا!"، "رفض أهلي الارتباط بها"، كما تقول "افتقدت أمي وكل شيء في حياتي فأعطتني الفتاة هذه كل الحنان والحب الذي افتقدته"، وأنك "وأريد أن ألبس رداء الحنان الذي افتقدته طول حياتي من كل الناس".. وتتحدث عن قصة حب دامت ما يقرب من 12 سنة، اسمح لي أن أعلق عليها.. ففتاة في سنتها الأولى في الجامعة كانت طفلة منذ 12 سنة، لا يمكن الحكم على مشاعرها ووصفها بالحب! وإن افترضنا أنها كانت أكبر سنا، فهي أيضا مشاعر مراهقة لا يمكن الحكم عليها، خاصة أنها الآن في الجامعة، وقد تتغير مشاعرها أو نظرتها للزواج أو الاختيار بعد أن تتعرف على آخرين أو تحتك بالمجتمع وتتعرض لخبرات أكثر.
يبدو أن مواصفات الفتاة التي تريد الزواج بها غير واضحة في ذهنك، والحب وحده غير كاف لإقامة زواج وبناء أسرة، وليس سببا ترجح به أي من كفتي ميزان الاختيار، أخشى أنك تستعيض بفتاتك عن والدتك التي افتقدتها.. فاحذر من أن تفعل ذلك، فبهذا ستفقد نفسك وفتاتك!
ثم تكمل كلامك قائلا: "كل الناس متطورة ومنتجة وأنا مهما تطورت أو مهما أنتجت فأنا أبضا غير مرتاح"..
هل يعقل هذا وبياناتك تقول إنك أنهيت دراستك منذ ست سنوات، وإنك تقول إنك تعمل منذ أن كنت في العاشرة من عمرك، أي أنك تعمل منذ 16 سنة! لم تذكر لنا ماذا تعمل، ولماذا لم تتطور، وإلى ماذا تطمح في عملك؟ وهل ستتابع دراستك أم لا؟ كل هذه أسئلة من المهم أن تجيب عليها وتكون إجاباتها واضحة أمامك.
كما أنه من الطبيعي أن تشعر بعدم الراحة والاكتئاب، فمن الصعب أن ترى كل من حولك في تطور مستمر وأنت كما أنت، ولكن أحسب أنك إن رتبت أفكارك وجعلت لك هدفا له مدى زمني محدد، وربطته بإرادة ورغبة حقيقية في التغيير فستفعل الكثير.
ويبقى سؤال أخير.. تقول إنك تعاني من اكتئاب.. فهل أنت من شخص هذا، أم أنك ذهبت بالفعل لطبيب وشخص لك هذا؟ وإن كنت ذهبت، فهل كتب لك أدوية؟
وبعد مراجعة المعلومات التي ذكرتها عنك، والتي أعدت عرضها ومناقشتها، هل تمكنت من معرفة سبب رفض والدها لك؟ وسبب الحالة النفسية التي تحياها؟
أقدر تعبك وضيقك وحاجتك للراحة والاستقرار، ولكن أعد قراءة وتقييم ما قلناه وصارح نفسك، وأعد التفكير حتى لا تظلم نفسك ولا من تحب، واستعن بالله.
وقبل الختام أقول لك:
إذا كنت ما زلت ترى أنك مصر على الزواج منها، فهي ما زالت في السنة الأولى من الجامعة، فإن شئت أن تطور نفسك وتعمل بجد أكثر، وكفاك تواكلا اعمل وادرس، واثبت لوالدها أنك قادر وأهل لأن تستحق الزواج بابنته، وأن بإمكانك الحفاظ عليها، ولا تنس مع كل هذا أنك تعمل لنفسك قبل كل شيء، وأنه لن يصيبك إلا ما كتب الله لك.. وتابعنا بأخبارك.