مقامات من هذا الزمان
بقلم محمد عساف
حدثنا عيسى بن هشام , عن بطل من هذا الزمان , فقال :
و بعد سنين من الانتظار و الصبر , رزق الزوجان بولدهما البكر
فكانت فرحتهم لا توصف و لا تقدر بثمن , فقد جاء من ينسيهم الهموم و المحن
و سيحقق حلمهم في أن يكون بطلاً يسهم في بناء هذا الوطن .
و مضت السنين و الأيام , الى أن حان الوقت الذي سيدخل فيه فارسنا المقدام , الى المدرسة , ليتعلم و يدخل كما أراد له أبواه الطب أو الهندسة .
و بعد نجاحه في المدرسة و انتهائه من تحصيله الجامعي , أصبح الوضع لديهم مأساوي
فابنهم و بطل هذا الوطن بات يشعر بالضجر , و ظهرت في الأفق عقود للسفر
فكان لا بد من السؤال عن مستقبل السفر أو البقاء , ليحقق النجاح في وطنه دون ذاك العناء
و بدأ البحث عن ذلك الخبير الذي سيهديه لطريقه في هذا الوطن .
و كان يلوح في مسامع الجميع اسم " شريف أبو أمانة "
فهو معلم قدير , و مستشار خبير , و قد تخرج من تحت يديه الطبيب و المهندس و حتى الوزير ,
و تربطهم به علاقة حميمة ,
و بعد الشرح و الافصاح , أراد الخبير " شريف " أن يتم الايضاح ,
فقال لبطلنا , اسمعني يا صاح :
ان كنت تريد أن تكون ذو قيمة و فكر , و أن تصبح بطلاً في عالمه ليلبس أكاليل النصر
و تبحث عن الايمان و الأخلاق , و تبتعد عن الكذب و النفاق
و تتمسك باحترام نفسك بحيث لا تكترث لمديح الناس و اطراء الكثير , بل تصغي لما يمليه عليك الضمير
و يتتبعك الناس فلا يرون فيك محلاً لغير الخير و الجمال , و لاموضعاً سوى للحق و الكمال
فأنصحك يا صاحبي أن تكمل أحلامك في عالم الخيال , أو بجانب ضريح الجندي المجهول
فليس لك مكان هنا و لا لأحلامك الجميلة هذه
.....................
و أما إن كنت تريد أن تكون رجلاً من هذا الزمان , يعيش عالمه الحقيقي في هذا المكان
فيحييه الناس في الطرقات , و يسافر في المركبات المحجوزة و ينزل في أفخر النزلات
و يرى بأن الفضيلة و المبادئ كلمات و صفات الأموات .
فأنا مقتنع بأنك ستكون ذو نهاية ثرية محتومة , و ستصبح أحد رؤوس الحكومة .
و لذا أقول لك هذه الكلمات :
احرص على ألا تذكر نفسك إلا بخير , و طبل و زمر لذلك بلا ضير
و لا تقف في هذا عند حد , بل عظم نفسك و ترنم بالثناء عليها و سرد مناقبها و مآثرها و بكل جد
و استعمل لذلك جهدك من الفصاحة , و أضف لنفسك أفخم الصفات بعيداً عن الصراحة
و ارفع أعمالك الى السماء السابعة , و قل بانها ذات صبغة صادقة و من القلب كانت نابعة
و أكد لسامعيك أن العالم بأسره معجب بها
و لا تنس اذا لزم الأمر , أن تنقل بعض أقوال المعجبين و المقرظين لهذا الفكر
فإن لم يكن قد بلغك منها ما تنقله لآراء الجماعة , فاختلقها للتو و الساعة
و سترى أي نجاح تصيب اذا انتصحت بنصيحتي .
نعم إن من الشرفاء من يسخر منك و يستوقح فيك بنظره هذا الغباء , و لكن أين هم العقلاء ؟؟
و لا تتمسك باتقان عملك كثيراً, فمهما عظم سيظل في نظر الكبار صغيراً
لأنك ان اعتمدت على مقولة أن العمل الجيد يفصح عن نفسه
فإن صوت الأعمال خافت و يغطي عليه صخب المسؤول عنك و ناسه
فما بالك يا بني تبدد عمرك بالامانة و الاجتهاد , فلست ممن يريدون طريق الهدى و الرشاد
إنما عليك أن تدرس أطوار الجمهور , و تتعلم كيفية استثارة الحضور
و اعلم أن سواد الناس لا طاقة لهم بالتمييز و الحكم , فإن أنت أقنعتهم فلن يفرقوا حينها بين المدح و الشتم
و ليس لهم فكر ممحص أو نظر بعيد , وهم أبعد ما يكونوا عن الرأي السديد
و اعلم أن سواد الناس بلداء الاحساس ثقال السمع لا يفهمون التورية و المزاح
فانسب كل حسن اليك , و حاول ان تلقي بأخطاءك على اكباش الفداء لديك
و اعلم أن سواد الناس ضعاف الذاكرة , فكرر وعودك الكاذبة لهم حتى ولو قلتها للمرة العاشرة
و لا تحجم عن طريق تؤديك الى غرضك فإنك متى أدركته لم يذكر احد , كيف وصلت إليه
فبهذه المبادئ الاساسية تصبح غنياً و عظيماًو تصل الى مبتغاك و تستتب لك أمور دنياك
**************
" تنويه : عفواً نسيت أن أخبركم ان المحدث ليس عيسى بن هشام , و إنما هو نوردو اليهودي , و قد استقيتها من فكره العقاد في ذكرى وفاة نوردو في جريدة الأهرام أيام الخمسينات "
************