الحل
أخي العزيز...
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
ما يحدث معك ليس حبا وإنما هي حالة نسميها افتتان وهي تعني أنك تحب حالة الحب نفسها أكثر مما تحب محبوبة بعينها وتنبهر بها في كل مرة ثم ما تلبث أن تنسى وتبحث عن غيرها، وحالة الافتتان هذه هي نوع من الحب النرجسي الذي ترضى به عدة احتياجات لديك:
أولها الاحتياج العاطفي، وثانيها الاحتياج الجنسي، وثالثها الشعور بأنك جذاب ومرغوب من الجنس الآخر.
وهذه الاحتياجات تبحث عن الإشباع بصرف النظر عن شخص المحبوبة. أما في الحب الحقيقي فإننا نحب إنسانة بشكل عميق، وبكل كياننا بصرف النظر عن الشروط والمواصفات الجسمية، ونجد أنفسنا مرتبطين بها لفترة طويلة ولا تتغير مشاعرنا بسهولة تجاه أخريات، ويكون لدينا الاستعداد للصبر والتضحية من أجلها، وننجح في حياتنا لنكون جديرين بها وبحبها، وهذا الحب الحقيقي يجعلنا ندرك أنفسنا بشكل أفضل، وندرك المحبوبة وندرك الحياة كلها بشكل أفضل، ونترفع عن الدنايا والخطايا؛ لأننا نريد للقلب الذي يحتفظ بالحبيبة أن يبقى نقيا طاهرًا؛ لأنه يحوي أجمل وأطهر امرأة في حياتنا، فالحب الحقيقي يطهر القلب ويهذب السلوك.
وصاحب العلاقات المتعددة هو نموذج للدونجوان الذي يتعلق بفتيات كثيرات لكي يثبت لنفسه وللناس أنه رجل (بحق وحقيقي) وأنه جذاب وأنه مطلوب من كل الفتيات، وهذه الرغبة العارمة في العلاقات العاطفية المتعددة تكون مدفوعة بشك داخلي عميق بصفات الرجولة الحقيقية، وهنا تصبح العلاقات المتعددة شهادة من كل فتاة بأنه رجل فعلا وأنه محبوب وأنه جذاب وهذا نوع من العلاقات غير الناضجة.
أرجو أن تكون حذرًا أيضا من قريبتك التي تعلقت بها وتريد الرجوع إليها بعد تلك السنوات فهي لديها نفس المشكلة -كما ذكرت لك أختها- حيث ترتبط بكل شباب العائلة وتوهمهم بالحب في حين أنها لا تحب أحدا منهم بل في الأغلب هي تحب نفسها فقط، وهدفها من تلك العلاقات المتعددة هو إثبات أنها جميلة وجذابة ومرغوبة من كل شباب العائلة.
تذكر أن الزواج علاقة أبدية، هدفها الاستقرار وتكوين أسرة ورعاية أبناء لذلك يجب أن يقوم على دعامات قوية ومتعددة أهمها الدين؛ لأن صاحبة الدين تحترم كلمة الله التي يقوم عليها الزواج، وتحترم الكرامة الإنسانية لزوجها وأبنائها، وتمنحهما كل ما لديها بحب ووفاء وإخلاص، ثم تأتي بعد ذلك الصفات الشكلية التي تتمناها، لأن الصفات الشكلية كلها زائلة لا محالة فأنت تريد فتاة طويلة بيضاء ذات صدر كبير، وأرجو ألا تكون هذه الصفات الشكلية هي المحرك الأساسي لك للزواج بفتاة بعينها؛ لأن كل هذه الأشياء تتأثر بعوامل الزمن والحمل والرضاعة، وإذا كانت الزوجة لديك مجرد جسد فستزهد فيها بعد شهور من الزواج وتبحث عمن هي أجمل منها أو أكبر صدرا كما ذكرت.
وفي الحب الحقيقي والزواج الموفق لا تأخذ هذه الأشياء تلك الأهمية، فرب فتاة غاية في الجمال ولكنها لا تستطيع أن تمنح زوجها أي مشاعر أو سعادة، ورب فتاة متوسطة أو حتى متواضعة الجمال ولكنها مليئة بالدفء والمشاعر والعطاء المتدفق الذي تسعد به زوجها أيما سعادة، وفى الحب الحقيقي ينسى المحبون تفاصيل الشكل واللون والجسد؛ لأن هناك شيئا أهم يشع من المحبين بكل كيانهم ويتجاوز كل التفصيلات، ولذلك ينسى المحب الحقيقي تفاصيل شكل حبيبته، ويتذكر فقط أنه يحبها بكل كيانه لا لشيء معين فيها ولكن لها كلها.
هذا المستوى من الحب لا أرى أنك وصلت إليه بعد، فأنت لم تتجاوز حالات افتتان شبقية جسدية، ولو تزوجت مدفوعًا بهذه الحالات فستكون خياراتك مجانبة للصواب، لذلك أرجو أن لا تستعجل هذا الأمر واصبر عليه حتى تلقى الإنسانة المحبوبة (بحق وحقيقي) والمتصفة بكل صفات الطهر والنقاء والعفاف، والتي تتجاوب مع الجزء الخير فيك والمتمثل في حفظك للقرآن وفى تدينك بوجه عام، ويا حبذا لو استعنت بمشورة ومساعدة والدتك وأختك في الاختيار؛ لأن خياراتك المدفوعة والمفعمة باحتياجات نرجسية وجنسية شديدة ربما، بل من المؤكد، تدفعك لزيجة غير موفقة.
انشغل بنجاحك في العمل وتطوير نفسك في كل مجالات الحياة، وانشغل أكثر وأعمق بالعبادة وعمل الخيرات حتى لا تنصرف كل طاقاتك في مجال الجنس والافتتان والعلاقات المتعددة المنهكة لقواك بلا فائدة، وحين تفعل ذلك وتتوجه بالدعاء إلى الله سيوفقك لاختيار زوجة تشبع كل احتياجاتك الثائرة وفي نفس الوقت تهيئ لك بيتا قائما على السكن والمودة والرحمة.