مستعجل على الزواج .. وخائف منه!
المشكلة
أحكي لكم مشكلتي المستعجلة.. أنا شاب عمري 23 عاما، متخرج منذ 8 أشهر وأعمل منذ 5 شهور.. يعني موفق والحمد لله. راتبي جيد كبداية، ولكنه "يادوب عم اطلع راس براس معو ليش"؛ لأني استدنت لأشتري سيارة وأدفع كل شهر نصف راتبي لأوفي الدين الذي انتهيت من نصفه، ولا يزال النصف الآخر. المهم هو أني لا أستطيع الصبر الآن، فأريد أن أخطب لكي أستر على نفسي، ولكن أهلي يقولون لي: اجمع مالا مناسبا وسدد دَيْنك ثم اخطب، فمن أين ستدفع المهر؟ وأجاوبهم بأني لا يجب أن أدفع المهر رأسا، فهناك شيء يسمى "غير مقبوضة"، فيسألوني: وأين ستسكن بنت العالم؟ فأجاوبهم: إني لا أريد الزواج قبل سنة، فسيكون وضعي قد تحسن، وديوني سددت.
أما أنا فأريد أن أخطب وفقط، فيقولون لي: ولماذا أنت متعجل؟ إنك لا زلت صغيرا، الرجال في هذه الأيام يتزوجون في سن الثلاثين.. فأجاوبهم: إني لا أريد الانحراف، "والياع إلي فيني مكفيني"، فما رأيكم أنتم؟
أنا فكرت بالموضوع جيدا، فقلت: ديني أوفيه على مهل، "يعني بدل ما أدفع نصف راتبي بدفع ربعه مثلا والباقي لخطيبتي وحبيبتي وحياتي المنتظرة"، ولكني أجد أنني لن أوفر شيئا؛ فخطيبتي تحتاج هدايا ومطاعم ومكالمات بالساعات.. وهذه كلها مصاريف، فأرجع وأفكر بكلام أهلي.. ولكن عاطفتي وشهوتي الجامحتين يوقفان عقلي ويقولان لي: عليك أن تخطب.. فأرد قائلا: وهل شاب مثلي بهذه العواطف الثائرة يستطيع أن يصبر عاما على الزواج؟ هل سأظل قادرا على أن أخطب لمدة عام، أم سوف أنوي الزواج أيضا وأنا لم أوفر مالا؟ فيرد قلبي ويقول: الله الذي أطعمك سيطعم زوجتك أيضا.. فأظل محتارا، ماذا أفعل؟
أرجوكم قدروا معاناتي وأجيبوني بسرعة، فأريد أن أتخذ القرار بسرعة.
وعلى فكرة.. أنا أخاف على نفسي؛ لأني دائما أدخل مواقع الشات وأريد أن أكلم بنات لأعوض نقصي العاطفي، فأخاف الانحراف أكثر من ذلك، لذلك أريد أن أخطب. الله يجزيكم كل خير
الحل
شكرا على حسن دعائك يا أنس، وأسأل الله أن يوفقك أنت أيضا.. هذا في البداية، ثم أقول: رجاءً لا تهددنا بنفسك الجامحة وشهوتك الطاغية وخوفك على نفسك من الانزلاق في مهاوي الإنترنت بما أنك ما زلت على الشاطئ مكتفيا بالشات لتلوي عنق الإجابة!! فمن أعطاك هذه الشهوة عالم بقدرتك على ضبطها، فهو لم يكلفنا بما لا نطيق، فموقفي لن يضع الظروف التخفيفية في عين الاعتبار.
حاجتك مفهومة، ومعذور أنت في مواجهة كل ما يتعرض له الإنسان من إثارة من مصادر مختلفة، ولكن الواضح في كلماتك وسطورك ما يكرره أهلك عن استعجالك ليس فقط في قضية الزواج ولكن في حياتك عموما -كما استعجالك لنا في الإجابة- ولنأخذ مثالا على ذلك: فأنت رغم معرفتك بشهوتك الشديدة -والتي بالطبع لم تبرز فجأة إلى وعيك- اخترت بمجرد استلامك عملك أن تشتري سيارة تلتهم أقساطها نصف راتبك، فكانت رغبتك في السيارة أعلى من رغبتك في الزواج، فعدم قدرتك على ضبط رغباتك أو عدم وضوح أولوياتك في الحياة هي المشكلة الحقيقة التي قد لا تكون مدركا لها في شخصيتك، ولكنها قد تترك آثارها على مختلف قراراتك في الحياة، فهل لي أن أطلب منك وقفة مع نفسك بخصوص هذه السمات في شخصيتك؟
مثلا: لو كان سؤالك لي: هل أتزوج أم أشتري سيارة؟ سيكون جوابي في منتهى الوضوح تزوج طبعا، وأنت ما زلت تستطيع التنقل بمختلف وسائل المواصلات، وعندما تشيخ عظامك ستحتاج إلى سيارة، ولا بد أنك ستكون قد أصبحت أكثر قدرة على تدبير ثمنها أو أقساطها.
واستجابة للواقعية وما تتميز به شخصيتك من تسرع أرى أنك بالفعل قد لا تصبر على خطبة عام، ولكن حتى لو أخذنا بخيار الزواج فهل أنت مدرك بأن البحث عن الفتاة المناسبة سيأخذ بعض الوقت؟ وبعض شبابنا -كان الله في عونهم- يبحثون سنين عمن تناسبهم ويرضونها وترضى بهم، فالأمر لن يكون كن فيكون على هواك دائما، وفي أثناء البحث عن بنت الحلال كيف ستتصرف مع شهوتك وعاطفتك؟
الحل ليس في الزواج فقط؛ بل أيضا في تعلم ضبط نفسك وتأجيل إشباع حاجاتك وغض طرفك عن الحرام وتجنب كل أبوابه بما فيها الشات؛ أي ابتعد بدل أن ترتع في ديار الخطر وتخشى على نفسك مزيدا من التورط، فالحديث مع الفتيات على الشات لن يقدم لك أي إشباع بل سيذكرك بما ينقصك ويتركك أكثر وحدة.
قد يعتبر ما سبق ليس سريعا كما تريد، فأقول: اجلس مع نفسك، ورتب أولوياتك حسب أهميتها، وإن كنت ترى الزواج في قمة أولوياتك فتخلص من سيارتك بالكامل إن استطعت، وتوكل على الله وابحث عمن تريد أن تعف نفسها مثلك، ويكفيها الكثير من مشاعرك لتعوض حالة التقشف في بداية الحياة، وحديث الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: "تزوجوا النساء، فإنهن يأتين بالمال". وقوله عليه الصلاة والسلام: ثلاثة حق على الله عونهم: ... منهم طالب العفاف.
لا تهتم بقضية أن الرجال تتزوج الآن في الثلاثين، فتلك وجيعة وخلل في مجتمعاتنا، فما جعل الزواج إلا للشباب، ونعم للتأجيل المنطقي والمفهوم لمن ما زال على مقاعد الدراسة أو لمن لا يستطيع تحمل المسئولية، ولكن التأجيل في حالتك محكوم بأولوياتك، وتذكر بأن لا خيار صحيحا بالكامل لجميع الناس بعيدا عن الثوابت الدينية، فما تطيقه أنت قد لا يطيقه غيرك والعكس صحيح، وما تحتاجه أنت وغيرك هو جعل ميزات وعيوب كل خيار موضع البحث والتحليل.
أسعدني استشعارك لنعم الله عليك حين تصف نفسك بالموفق، ودعائي بأن يجعلك الله كذلك دائما.