حيرة مغترب.. بين التأقلم والعفاف
المشكلة
أنا رجل عمري 26 سنة ومتغرب في بريطانيا، عانيت كثيرًا في البداية (Culture Shock) وما زلت أعاني ولكن بشكل أقل والحمد لله، لم أنسجم ولم أشعر أبدًا أنني سأنسجم مع هذا البلد الأجنبي الذي تختلف عاداته وتقاليده عن بلدي، أنا أدرس الدكتوراة في تخصص الرياضيات، وأرجو من الله أن يعينني على الانتهاء من الدراسة بأسرع فترة ممكنة، ما زلت في السنة الأولى.
مشكلتي كالآتي:
أحسب أحيانا أن الزواج سيعينني على الانسجام في الحياة هنا ومواصلة المشوار نحو التخرج، لكنني بنفس الوقت أشعر أنه بامكاني مواصلة المشوار دون الزواج لكن مع تحمل معاناة الوحدة، فعندي هنا سؤالين، الأول ما نصيحتكم أنتم في الزواج أو الانتظار أربع سنين على الأقل حتى انتهاء الدراسة، الثاني هل يجب علي شرعا الزواج في هذه الحالة؟ ولمساعدتكم في الاجابة أحيطكم علما بما يأتي:
1- أنا قادر ماليا على إعالة الزوجة. ولكن قد يتطلب مني ذلك العمل إلى جانب الدراسة.
2- من الأمور التي تجعلني أتردد في الزواج هو أنني لا زلت لا أملك الخبرة الكافية في الحياة، أي بصراحة لست مثلا كأقراني الذين يعرفون الكثير من الأمور في بلاد الغربة، قد تقولون أنت لا زلت في بداية حياة الغربة ومن الطبيعي أن لا تعرف الكثير ولكن المشكلة في طبيعتي الشخصية فأنا لا أميل إلى معرفة الكثير من الأمور، زيادة على أنني أؤمن أنه ليس للانسان حاجة في معرفة الكثير من الأمور وإنما يستطيع إقامة حاله بما يكفي من المعلومات الضرورية فقط فلا يجب على الانسان أن يتكالب على هذه الدنيا وإنما هو عابر سبيل فيها كما قال حبيبنا عليه الصلاة والسلام.
ولكن هذه المشكلة تجعل أصدقائي يتكلمون في العديد من الأمور التي أجهلها فأبقى أنا صامتا، كما أنني بسبب اعتمادي عليهم في كثير من الأمور – وذلك بسبب فارق الخبرة والمعلومات وعدم امتلاكي لوسيلة مواصلات بعد- فإني أشعر بأنني أقل منهم مرتبة وهذا ليس شعوري فقط وإنما أرى ذلك في عيونهم أيضا، فسبحان الله قد يحاول الانسان إخفاء ما يجول في خاطره ولكن عينيه تفضحه وتفصح عما بداخله، لذلك أنا لا أريد لزوجتي في المستقبل أن تعلم أن زوجها أقل شأنا من غيره بين أقرانه فأنا أريد أن أكون بعينيها من الأفضل وليس كما نقول بالعامية (يا دوب مدبر حاله).
لكم جزيل الشكر مرة أخرى وجزاكم الله خيرا عن شباب المسلمين ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحل
الابن الفاضل أحمد..
يشدني جدًّا الفكر المنظم والترتيب المتمنطق للمشكلة
وحين أخبرتني أنك تدرس الرياضيات وعلى المستوى الدكتوراة فهمت السبب.
تدرس الدكتوراة في إنجلترا، أي أنك مررت بالمدرسة والجامعة كطالب ثم كباحث... فأي خبرة هي التي تتحدث عنها؟ وما علاقة الزواج في نظرك بامرأة تساعدك على التأقلم؟
أنت تتحدث عن شأنين مختلفين.. ولست أدري لماذا تربطهما بعضهما البعض... أنت غير متأقلم في الغربة وحسب أقوالك والتزامك الديني الذي ظهر بين السطور كانت الصدمة من طبيعة الحياة المنفتحة ومن شكل المعاملات اليومية التي لا حياء فيها أو احتشام أم كانت الصدمة لسبب آخر؟؟ لا أعتقد..
فهل تريد أن تتأقلم أم تعف نفسك؟... بمعنى: لو فرضنا جدلاً أنك ستتزوج، هل ستبحث عن زوجة عربية مسلمة من إنجلترا تعرف المجتمع وتعيش فيها فتساعدك على الدخول إليه والتعايش مع أهله؟ أم أنك تريد زوجة تصنع معك مجتمعًا صغيرًا يساعدك على الدخول إلى المجتمع الكبير، حيث إنك وهي ستكونان خلية حية وليس مجرد فرد؟
وما هي الخبرة التي تنقصك في الحياة والتي يستطيع أقرانك أن يتحدثوا عنها جهارًا نهارًا في المجتمعات؟
بداية تصورت أنك تقصد الخبرة بالنساء وبالعلاقات الحميمة.. ثم رأيتك تقول إن أصدقاءك يتكلمون... وهذا النوع من الأمور لا يطرح على الموائد بجرأة وتبجح، ثم أضفت: "كما أنني بسبب اعتمادي عليهم في كثير من الأمور -وذلك بسبب فارق الخبرة والمعلومات وعدم امتلاكي لوسيلة مواصلات بعد- فإني أشعر بأنني أقل منهم مرتبة وهذا ليس شعوري فقط وإنما أرى ذلك في عيونهم أيضًا، فسبحان الله قد يحاول الإنسان إخفاء ما يجول في خاطره، ولكن عينيه تفضحه وتفصح عما بداخله".
إذن ما تتصور أنك لا تملك الخبرة فيه هو الحياة الاجتماعية العامة.. وأنا لا أتصور هذا عائقًا للزواج.. بل أتصور أنك يجب أن تتزوج فكلما مرت بك السنون وازداد عمرك سيصبح المتوقع منك تقديمه أكبر من قدراتك بكثير... فالناس قد تغفر لشاب في أول العشرين بعض الهنات الضعيفة في التعامل وقلة الخبرة، ولكن بالتأكيد لا تغفرها بسهولة لدكتور وأستاذ جامعي متخصص في الثلاثين أو على عتبتها.
أتصور أنه من الأفضل أن تختار زوجة من بلدك؛ لأنها زوجة العمر وليست زوجة الدكتوراة... وأجد الجرأة لأنصحك أن تحاول البحث عن فتاة اجتماعية قوية لبقة... حتى تكملوا بعضكما البعض...
إن الزواج سيعينك ويساعدك على الاستقرار والهدوء... فمن الواضح أنك شخص أكاديمي بلا أي اهتمامات خارج دائرة الرياضيات.. ولكنك تملك ما يؤهلك لأن تكون رب أسرة رائعًا، فأنت غالبًا ستكون محبًّا حنونًا عطوفًا ودودًا... أضف إلى ذلك عقلية مرتبة وقدرة مالية.
وقد قال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: "من استطاع منكم الباءة فليتزوج..."، وحسب أقولك فأنت مستطيع.
تتبقى نقطة واحدة للأمانة في النصح.. هل عملك لتوفير نفقات المعيشة سيؤثر على تقديراتك الدراسية؟ وهل هو متاح؟ هذه أسئلة وجب عليك إيجاد إجابات لها؛ لأنها أحد أسس زواجك وأنت في الغربة، وعلى ضوء إجاباتك يكون قرارك.. وافني بأخبارك دائمًا