الإيمان منبع الأمان
المشكلة
كيف يتسنى لي أنا أكون معتدلة في حبي للآخرين، بمعنى أنني عندما أحب صديقة لي أتعلق بها كثيرا وأخاف عليها بصورة تزيد عن الطبيعي، وعندما تغيب عني أقلق عليها جدا وأبحث عنها في كل مكان حتى أجدها ثم ألومها لماذا اختفت دون أن تخبرني.
ومثال على ذلك أني حدثت صديقة لي على تليفونها ولم ترد عليَّ وكررت الاتصال بها كثيرا؛ لأني قلقت عليها جدا، ثم خطر ببالي أن أتصل بها في مكان عملها وبالفعل وجدتها وعاتبتها على هذا الفعل، ولكنها بررت موقفها بأنها لا تعرف رقم تليفون منزلي حتى تخبرني أن التليفون لن يكون معها.
أشعر أنني أحبها وأخاف عليها بطريقة تزيد عن الطبيعي؛ حتى إنها تعجبت لهذا القلق الزائد، وأنا أشعر أن خوفي على الآخر بهذه الطريقة يتعبني جدا؛ لأني عندما أقلق على أي صديقة أشعر بتوتر نفسي، ولا أطيق أن أحدث أحدا ممن حولي حتى أطمئن عليه، كما أني أشعر أن هذا الخوف والقلق الزائد على الأصدقاء قد يضايقهم ويشعرون أنهم محاصرون.
بالإضافة أني أتأثر كثيرا بمشاكل صديقاتي، بمعنى أني عندما حكت لي صديقتي عن مشكلتها مع أهلها وأنها لا تحبهم وأنهم يضيقون عليها حياتها وهي لا تشعر بالسعادة معهم تأثرت بكلامها جدا، وعندما أكون بمفردي وأتذكر ما دار بيني وبينها أتضايق عليها جدا وأتمنى أن أحدثها في الهاتف حتى ولو كنت حدثتها في الصباح، ولكن كما قلت أخشى أن تتضايق من إلحاحي بالسؤال عليها بهذه الطريق.
سيدي الطبيب، كيف عليَّ أن أعتدل في حبي ولا أفرط به بهذه الطريق؛ لأني أخشى أن يتقدم أحد لخطبتي وأتعلق به وأحبه ويكون هو غير مناسب لي ثم أصدم في مشاعري؛ فأنا عندما أحب صديقة وأخاف عليها بهذه الطريقة ولا أجد مقابل هذا الحب سوى الجفاء أصاب بخيبة أمل كبيرة.
أما عن طفولتي فأنا أعترف أنني لم أتلق الحب والحنان الكافيين؛ لذا كلما قابلت أحدا أحببته وتعلقت به جدا؛ فأبي وأمي كانا في طفولتي يتقاتلان كثيرا فهما لم يكن عندهما وقت لإعطائي الحنان الكافي.
الحل
ابنتي الكريمة، يبدو أن لك إحساسا مرهفا بالمسئولية اتجاه الآخر؛ وهو ما يجعلك تعطين أهمية كبرى للحياة الانفعالية، وللمعاناة النفسية لأصدقائك.
وحالتك ابنتي ليست حالة مرضية، بل إن هذا جميل جدا، إن دل على شيء فإنما يدل على نضج أخلاقي ونفسي عال لديك؛ فالإحساس بالمسئولية اتجاه الآخر في حد ذاته شيء إيجابي ومتميز؛ فهنيئا لك.
ولكن الذي ننصحك أن تحاربيه هو نظرة الشك والقلق الزائد لما قد يحدث للآخر عند غيابه عنك، وأن تطمئني للحياة، وألا يكون قلقك على الآخرين دائما مرتبطا بالمساوئ.
فحبك لصديقتك ليس عيبا ولا مرضا، ولكن يجب ألا يؤدي هذا الحب والخوف عليها والإشفاق لحالها إلى انزعاج أو خلل يبعثر راحتك اليومية والنفسية ويؤثر على علاقاتك مع الآخرين.
كما نهمس في أذنيك أن تنتبهي إلى بعض الإسقاطات والتوهمات التي قد تسكن عاطفتك وعقلك نتيجة هذا الإحساس المفرط والمتفاقم بالمسئولية، بحيث يدفعك أن تضعي افتراضات سلبية حول علاقات لا وجود لها واقعيا...
ولتفادي ذلك أنصحك ابنتي أن تعيري نفسك اهتماما وتفقدا؛ فالحياة أفراح ومسرات وأتراح وأحزان.. وأن تتخلصي من عقدة النقص التي قد تكون مترسبة في لاشعورك نتيجة طفولتك؛ فأنت إنسانة محظوظة ومتكاملة غير معيبة إن شاء الله، وغير محرومة عاطفيا؛ لأن الحرمان العاطفي في حد ذاته قد يكون شيئا إيجابيا في حياة الإنسان يجعله يؤسس مبادئه وأفكاره على الواقع.
بمعنى آخر إذا كان الطفل مدللا ومتواجدا في بيئة تلبي له جميع رغباته دون أن يحس بأي حرمان أو نقص، فإنه عندما يكبر ويرشد يكون نفسانيا ضعيفا ولا يتحمل مبدأ الواقعية، وقد يؤدي به إلى السقوط في مرض "النرجيسية"، أي حب الذات والذهان...
فالحرمانغالبا ما يبني شخصية الفرد ويعطيها قدرا كبيرا من التسامح والعطف على الآخر؛ فأرجو ألا تعتقدي أن لطفولتك تأثيرا سلبيا في تصرفاتك ومشاعرك الحالية.
كماننصحك ألا تبقي منعزلة مع حالات صداقة نمطية، بل ابحثي عن أصدقاء بمشارب مختلفة ومتعددة من الجنسين، وتبادل التجارب والأفكار والهدايا والمناسبات.. وأن تنفتحي على الحياة بإقبال وتفاؤل؛ لأن الحياة ليست كلها مشاكل ومطبات.. فانظري للحياة نظرة إيجابية، ولا تنسي أن المشاكل هي التي تبني الرجولة -كمفهوم وليس كجنس- في الإنسان، وتكسبه الخبرة والكفاءة. وإلا فكيف يصير الرجل رجلا؟.
كما أنصحك في الأخير ابنتي الكريمة أن تتأملي جيدا قوله تعالى: {قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا}؛ لأنه من أسس التوازن النفسي الإيمان ومن أسس الإيمان أن يؤمن الإنسان أنه لن يصيبه إلا ما كتب الله له؛ فهذا الإيمان يقي من عدة وساوس ومتاهات لا نهاية لها؛ فالثقة في الله وفي النفس والحياة والآخر...
والله يوفقك لكل خير، ويسعدنا سماع أخبارك الطيبة عما قريب