العوامل التي تقوي الثقة في الله :
1 - معرفة الله سبحانه وتعالى عن طريق الإيمان بأسمائه وصفاته الكاملة : فلها أثر كبير في نفس المسلم، حيث إنها تجعل إيمانه قويًا راسخًا؛ لأنه قد عرف خالقه حق المعرفة، وقد تبينت له صفاته من قوة ورحمة، وبطش وعفو، وجلال وقدرة، وعزة وكرامة، وأنه هو الأول ولا شيء قبله، والآخر ولا شيء بعده: }هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ[3] {“سورة الحديد” وهو عليم وخبير بكل شيء.. هذه المعرفة وغيرها تجعل للمؤمن طمأنينة وراحة في النفس: } الَّذِينَ ءَامَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ[28]{ “سورة الرعد” وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: [ إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِائَةً إِلَّا وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ]رواه البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجه وأحمد.
والذي يؤمن بالله وبصفاته ويصدقها، لا يتسرب إليه اليأس ولا ينفطر في حال من الأحوال؛ فإنه يؤمن بالذي له خزائن السموات والأرض، فهذا الإيمان يفيض على قلبه طمأنينة غير عادية، ويملؤه سكينة وأملاً وثقة،ولو أهين في الدنيا وطرد عن كل باب من أبوابها، وضاقت عليه سبل العيش وانقطعت عنه الأسباب.
2- الإيمان بملائكة الله: أن نؤمن بوجود الملائكة، وأنهم يطيعون الله تعالى ولا يعصون له أمرًا، والله تعالى سخّرهم في ملكه، وهم يقومون بأوامره حق القيام، وقد أعطى الله الملائكة قوة وبطشًا؛ مسخرين للعمل لأوامر الله عز وجل، وأخبر الله عز وجل عنهم وعن شدتهم في نار جهنم:} يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ[6]{ “سورة التحريم”. وهذه المعرفة بالملائكة تجعل للمؤمن ثقة بالله؛ حيث إن الله تعالى أخبر بأنه ينزل الملائكة لمساعدة عباده الصالحين: }إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ ءَامَنُوا [12]{“سورة الأنفال”
كيف تكون واثقًا بالله ؟
هناك من يتساءل في شوق ولهفة: كيف أثق بالله ؟! وكيف أحصل على هذه الثقة؟ وما هو طريقها؟
ونجيب على هذا التساؤل بأن هناك طريقين يمكن الحصول بهما على الثقة بالله تعالى:
أولاً: الإيمان باليوم الآخر : إن عقيدة الإيمان باليوم الآخر- البعث والحساب- هي قضية كبرى، تقوم عليها العقيدة الإسلامية، ويقوم عليها كذلك التصور الكلي لمقتضيات هذه العقيدة الواضحة؛ فالمسلم مطالب بأن يؤمن بها، لأنه مكلف أن يقوم على الحق ليدفع الباطل، وأن يفيض بالخير ليقضي على الشر، فلابد إذن من عالم آخر يُبعث فيه الناس للحساب والجزاء..وكذلك إن هذا الإيمان بهذا اليوم نعمة .. يضفيها الإيمان على القلب، ويهبها الله تعالى للفرد الفاني الضعيف.
ومن آثار هذه النعمة: أنها تبعث الطمأنينة والثقة التامة بالله عز وجل، فنجد المؤمن الذي يشعر بهذه النعمة سباقًا إلى الجهاد، وبقدر ما تكون هذه النعمة واضحة ومتمكنة من القلب؛ بقدر ما تجد الإنسان مندفعًا إلى العمل والصلاح.. فنجده قد باع نفسه لله عز وجل.
وقد صور القرآن لنا هذه الثقة وهذا الإيمان واضحًا في قصص الرسل عليهم السلام: فنجدهم قد اتضح لهم مشهد الآخرة، فكأنهم يرون الجنة والنار، ويرون المجرمين يتهاوون في النار، ويرون الصالحين ينعمون بالجنة. كما قال موسى عليه السلام لأصحابه:} قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ[62]{ “سورة الشعراء” فهو واثق بنصر الله عز وجل ووعده. ويتكرر هذا المشهد مع الرسول صلى الله عليه وسلم، في غزوة حنين قال: [ أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ]رواه البخاري ومسلم والترمذي وأحمد.
وصور لنا موقف الذين استقر الإيمان في قلوبهم: فاستعلوا على جميع الضغوط والتهديد والعذاب؛ لأنهم علموا ما هناك، نعم إنها قصة الاستعلاء الإيماني كما يصورها الله تعالى في القرآن الكريم:} قَالَ ءَامَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ ءَاذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ[49]قَالُوا لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ[50]إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ[51] {“سورة الشعراء”. وقد كان قدوتنا من الأنبياء، والصحابة، والسلف الصالح عنوانًا لنا في ثقتنا بالله.
نماذج رائعة للثقة بالله:
1- ثقة الأنبياء بالله: أما ثقة الأنبياء بالله، فهي ثقة كبيرة، وتوجد قصص كثيرة لهم ومواقف تدل على ثقتهم الكبيرة بالله:
قصة إبراهيم عليه السلام:قال عزوجل:} قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا ءَالِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ[68]قُلْنَا يَانَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ[69]{ “سورة الأنبياء” وسبب غضب المشركين هو محاجة إبراهيم لهم، وترى عند قراءة الآيات الذاكرة للحجيج التي أقامها عليهم مدى قوة النبي وثقته حين يجادلهم؛ يسفه أصنامهم، وكذلك يكسرها حتى لا يبقي إلا على كبيرها، وفوق ذلك يتهكم عليهم، فكل هذا يدل على الثقة الكبيرة القوية بالله؛ فنصره الله، وحوّل النار الحارقة إلى باردة.
قصة موسىعليه السلام: قال عزوجل: }فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ[60]فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ[61]قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ[62]فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ[63]{ “سورة الشعراء”.وهذه الآيات تدل دلالة واضحة على هذه الثقة الكبيرة، فقد كان موسى عليه السلام ومن معه من بني إسرائيل في موقف صعب، فالبحر من أمامهم، وفرعون وجنوده من خلفهم، حتى إنّ الذين آمنوا مع موسى ظنوا أنهم هالكون ويئسوا من النجاة، ولكن ثقة موسى بربه في النجاة كانت أكبر من هذا الموقف، فطمأن من معه، ثم فلق البحر وعبر وأغرق الله فرعون وجنوده.
ثقة رسول الله صلى الله عليه وسلم بربه: نوضحها بذكر قصتين من القصص العديدة للرسول عليه الصلاة والسلام، تدل دلالة قاطعة على هذه الثقة بالله:
عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: [ بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي عِنْدَ الْبَيْتِ وَأَبُو جَهْلٍ وَأَصْحَابٌ لَهُ جُلُوسٌ وَقَدْ نُحِرَتْ جَزُورٌ بِالْأَمْسِ فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: أَيُّكُمْ يَقُومُ إِلَى سَلَا جَزُورِ بَنِي فُلَانٍ فَيَأْخُذُهُ فَيَضَعُهُ فِي كَتِفَيْ مُحَمَّدٍ إِذَا سَجَدَ فَانْبَعَثَ أَشْقَى الْقَوْمِ فَأَخَذَهُ فَلَمَّا سَجَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضَعَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ فَاسْتَضْحَكُوا وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَمِيلُ عَلَى بَعْضٍ وَأَنَا قَائِمٌ أَنْظُرُ لَوْ كَانَتْ لِي مَنَعَةٌ طَرَحْتُهُ عَنْ ظَهْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاجِدٌ مَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ حَتَّى انْطَلَقَ إِنْسَانٌ فَأَخْبَرَ فَاطِمَةَ فَجَاءَتْ وَهِيَ جُوَيْرِيَةٌ فَطَرَحَتْهُ عَنْهُ ثُمَّ أَقْبَلَتْ عَلَيْهِمْ تَشْتِمُهُمْ فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاتَهُ رَفَعَ صَوْتَهُ ثُمَّ دَعَا عَلَيْهِمْ وَكَانَ إِذَا دَعَا دَعَا ثَلَاثًا وَإِذَا سَأَلَ سَأَلَ ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ: [ اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ] ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَلَمَّا سَمِعُوا صَوْتَهُ ذَهَبَ عَنْهُمْ الضِّحْكُ وَخَافُوا دَعْوَتَهُ ثُمَّ قَالَ: [ اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِأَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ وَعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَشَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَالْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ وَأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ وَعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ] وَذَكَرَ السَّابِعَ وَلَمْ أَحْفَظْهُ فَوَالَّذِي بَعَثَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَقِّ لَقَدْ رَأَيْتُ الَّذِينَ سَمَّى صَرْعَى يَوْمَ بَدْرٍ ثُمَّ سُحِبُوا إِلَى الْقَلِيبِ قَلِيبِ بَدْرٍ ]رواه البخاري ومسلم والنسائي-مختصرا- وأحمد.
أما القصة الثانية: فهي عند ذهاب الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الطائف لعله يجد من يسمع لدعوته بعد أن آذاه أهل مكة، فلم يجد في أهل الطائف ما كان يأمل، بل ردوه ، وأغلظوا له الجواب ومكث عشرة أيام يتردد على منازلهم دون جدوى. ورغم ذلك فقد كانت ثقته بالله أكبر من هذا، وبقي يدعوهم إلى أن طردوه من الطائف، ووقفوا له صفين يرمونه بالحجارة، وزيد بن حارثة يحاول أن يرد عنه الحجارة، حتى شجوا رأسه وأدموا أقدامه إلى أن ألجؤوه إلى بستان لعتبة وشيبة ابني ربيعة،فجاءه ملك الجبال وقال له: [ أَنَا مَلَكُ الْجِبَالِ وَقَدْ بَعَثَنِي رَبُّكَ إِلَيْكَ لِتَأْمُرَنِي بِأَمْرِكَ فَمَا شِئْتَ إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمْ الْأَخْشَبَيْنِ] فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا]رواه البخاري ومسلم . فبعد كل هذه المتاعب، والإيذاء الذي أصابه من أهل مكة وأهل ثقيف يدعو الله عز وجل أن يخرج من أصلابهم من يوحّد الله، فهل بعد هذه الثقة ثقة؟! وهو ثابت على الحق.. ثابت على دعوته لا يلين ولا ييأس؛ لأنه يثق ثقة كاملة بأن نصر الله آت، وأن إظهار الله لهذا الدين لابد منه ولو بعد حين، فأيد الله رسوله الكريم عليه الصلاة والسلام، وأظهر هذا الدين الإسلامي الحنيف.
2 - ثقة الصحابة بالله وبرسوله : أما بالنسبة لثقة الصحابة بربهم وبرسوله عليه الصلاة والسلام، فتتمثل فيما رواه الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ قَالَ: [ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَفْرِ الْخَنْدَقِ قَالَ وَعَرَضَ لَنَا صَخْرَةٌ فِي مَكَانٍ مِنْ الخَنْدَقِ لَا تَأْخُذُ فِيهَا الْمَعَاوِلُ فَشَكَوْهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -قَالَ عَوْفٌ: وَأَحْسِبُهُ قَالَ:- وَضَعَ ثَوْبَهُ ثُمَّ هَبَطَ إِلَى الصَّخْرَةِ فَأَخَذَ الْمِعْوَلَ فَقَالَ [بِسْمِ اللَّهِ] فَضَرَبَ ضَرْبَةً فَكَسَرَ ثُلُثَ الْحَجَرِ وَقَالَ: [ اللَّهُ أَكْبَرُ أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الشَّامِ وَاللَّهِ إِنِّي لَأُبْصِرُ قُصُورَهَا الْحُمْرَ مِنْ مَكَانِي هَذَا ]ثُمَّ قَال:َ [بِسْمِ اللَّهِ وَضَرَبَ أُخْرَى فَكَسَرَ ثُلُثَ الْحَجَرِ فَقَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ فَارِسَ وَاللَّهِ إِنِّي لَأُبْصِرُ الْمَدَائِنَ وَأُبْصِرُ قَصْرَهَا الْأَبْيَضَ مِنْ مَكَانِي هَذَا ]ثُمَّ قَالَ: [بِسْمِ اللَّهِ] وَضَرَبَ ضَرْبَةً أُخْرَى فَقَلَعَ بَقِيَّةَ الْحَجَرِ فَقَال:َ [اللَّهُ أَكْبَرُ أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الْيَمَنِ وَاللَّهِ إِنِّي لَأُبْصِرُ أَبْوَابَ صَنْعَاءَ مِنْ مَكَانِي هَذَا ] رواه أحمد. نرى في هذه القصة، وقد كان الصحابة يحفرون الخندق وقد كان الجو باردًا، والطعام قليلاً، وكذلك الماء، وكان يعلم الصحابة ما سيقبل عليهم من الحصار الشديد الذي سيلازمهم، ورغم ذلك لم يصدهم عن الحفر أي سبب من هذه الأسباب، وعندما عرضت لهم هذه الصخرة، وكسرها الرسول صلى الله عليه وسلم كان الرسول يبشرهم بمغانم كثيرة، وبقصور الشام الحمر، وقصر المدائن بفارس، وبأبواب صنعاء في اليمن، ما هذه الثقة العظيمة؟ ثقة الصحابة بقول الرسول عليه الصلاة والسلام وبربهم، لو كان بينهم من هو ضعيف الإيمان لقال: أيبشرنا الرسول صلى الله عليه وسلم بهذه الغنائم التي تحتاج منا إلى الخروج إليها، ونحن مقبلون على حرب مع قريش وعرب الجزيرة العربية، وقد لا يبقى منا أحد؟! ولكن هؤلاء الصحابة الذين رباهم الرسول عليه الصلاة والسلام وعلمهم معنى الثقة بالله، والذين عندما بشرهم بذلك زاد من حماسهم في الحفر، وأذهب عنهم التعب، والجوع والعطش حتى نصرهم الله على عدوهم بدون قتال، كما قال تعالى: } يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا[9] {“سورة الأحزاب”.
نقول في ختام هذا الفصل: [إن صاحب الدعوة إلى الله في كل زمان ومكان لن يبلغ شيئًا إلا بمثل هذه الثقة، وإلا بمثل هذه العزيمة وإلا بمثل هذا اليقين:} إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ[196]{ “سورة الأعراف” ومهما أسفر الباطل عن غشمه وأطلق على الدعاة تهديده، وبغى في وجه كلمة الحق الهادئة، وعربد.. ينبغي على الدعاة أن يمضوا في الطريق وأن يحملوا الواجب الملقى على عاتقهم]”طريق الدعوة في ظلال القرآن”.