عبر الشات ..دعوة و حب و مشروع زواج
المشكلة
أريد منكم النصح، أنا طالبة جامعية عمري 23 سنة، الحمد لله أعيش وسط عائلة متدينة، ومثقفة بغيتها رضا المولى، أبي يوفر لنا كل ما نحتاجه وخصوصًا في جانب الدراسة، حيث اشترى لنا أجهزة كمبيوتر وأدخل الإنترنت لكي يساعدنا في البحوث.
وكنت في الصيف أستخدم الإنترنت فيما يفيدني، أدخل مواقع إسلامية علمية، أشارك في منتديات إسلامية وهكذا؛ فأدخلت الماسينجر بهدف أن أتحدث مع زميلاتي، وكنت أسمع أن الشباب يستعمل هذا الشات في أشياء تغضب رب العالمين، من حب وغرام في غير موقعه وزد على ذلك.
فأخلصت نيتي وجددتها أن أستعمله في رضا الله، وقلت هناك شباب هداهم الله يستعملون الشات بطريقة سلبية، لماذا لا أفعل عملا مضادا، حيث أحاول أن أعرف الشباب بالحب الحقيقي، من حب لله ورسوله بالطاعة، وحب الوالدين برعايتهم والبر بهم، وحب الإخوة بمساعدتهم، وحب الأمة بخدمتها، وحقيقة بهذا يكون فيه تربيتي أيضا.
وسجلت نفسي في منتدى إسلامي، كانت بعض الأخوات تطلبنني لكي أقبل أن أتكلم معهن بنية التعارف في الله، حيث كنت أستثمر معهن الوقت في الذكر مثلا وتحفيز بعضنا بعمل الخيرات وخدمة هذه الأمة، حقيقة كل أخت كانت تصارحني أنها ترتاح بكلامي، ذلك من فضل ربي.
لكن هناك بعض الإخوان أرسلوا لي في الماسينجر لكي أدخلهم، قلت يمكن يحتاج هذا الشخص لمساعدتي، فكنت أتأكد أولا من بطاقة الشخصية التي تتواجد في المنتدى الإسلامي ثم أدخل، لكن كنت أفعل معهم حاجة، أتحاور كتابة فقط، ومثلا هذا أخ كنت أقول له هات زوجتك لكي أتكلم معها وبذلك أحرص على سلوكه لله وأجنبه الفتنة؛ فالنفس أمارة بالسوء، وبذلك أصبح صديقة العائلة، وهذا أيضا أخ أطلب منه أخته وهكذا، المهم أحرص على سلوكهم لله.
لكنْ هناك أخ كان متواجدا في الغربة، يعني لم أجد له منفذا، لكن تركته لأنه أستاذ ومدير مدرسة إسلامية وخطيب جمعة، حاولت أن يكون تحاورنا كتابة وبشكل محترم، حقيقة كان هو أيضا محترم كنا نتحاور كثيرا في جهة الدين، وكنت أستشيره في أشياء فقهية.
وفي مرة تحاورنا عن عمل المرأة، لكنه بعدها سألني إن كنت أقبل به كزوج، لكنني أعطيته نصيحة أخوية، بألا يتسرع في قراراته، هذا القرار أو غيره، وقلت له إن الشات للدعوة والخدمة، أما الزواج فله بابه.
وعرفت منه أنه من نفس بلدي، وأنه يأتي كل عام ليزور أهله، وأنه سيأتي هذا العام، وعندما أتى طلب أن يتكلم مع إخواني لكي نتلاقى في لقاء شرعي، لكني لا أعرف، يجب عليه هو أن يسألهم، وقلت له إني سأفوض هذا الأمر لله فقط فهو القادر على كل شيء، فاحترم هذا الموقف، ورجع إلى بلد عمله في أول هذا العام.
وحاولت أن أخفف حواراتي معه، حتى انقطعت فترة، لكني احتجت إليه في خدمة بعدها لكي يساعد أخي لأنه سيذهب لإتمام الدراسة في البلد الذي يقيم فيه هذا الأخ، جزاه الله خيرا خدمنا، جعل الله هذه الخدمة في ميزان حسناته.
بعدها انقطعت الحوارات خوفا عليه، لكن كان يرسل لي عبر الإيميل مقالات دينية، وكنت بدوري أنشرها ليعم الخير، وكنت بدوري عندما أقرأ مقالا ويعجبني كنت أرسله له، حقيقة استخرت الله 3 مرات وكان الحلم نفسه أن أختي الكبرى هي التي تتزوج في الحلم، حكيت له مرة في رسالة هذه الاستخارات، فرد وقال لي يفعل الله خيرا.
أنا في الحقيقة لا أعلم ما يدور في ذهنه، هل سيأتي في الصيف، هل هو محرج، هل لقيته صعوبات، لكن المشكل أن هناك صديقة ارتاحت لي كثيرا وطلبت مني أن أتزوج بخالها وتلح علي، فقلت له هذا الشيء في رسالة ولم يرد علي، إذن هل ما أفعله صحيحا؟ وماذا أفعل؟ هل أوافق وأجلس مع خالصديقتي وأراه؟ هل يصلح زوجا أم أرفض؟ أشيروا علي، ونوركم الله.
الحل
لقد قرأت رسالتك بتمعن كبير وأفرحني ما حباك الله سبحانه وتعالى به من نعم؛ فقد رزقك وسطا عائليا ربى فيك مراقبة الله في كل أمر، وزرع في قلبك التهمم بمصيرك في الآخرة عند الله وهذه معان قلبية عظيمة لا يؤتاها إلا ذو حظ عظيم، وزادك المولى -فضلا- انشغالك بحال أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ورغبتك في إسداء الخير لها والمساهمة في تغيير ما اعوج من سلوكيات أفرادها ليفوزوا عند الله بالرضا والقبول، وهيأ لك الكريم الظروف الملائمة للعلم والتعلم.
ثم أجزل لك الحنان العطاء فجعلك ممن يقدر للزواج قدره؛ إذ تتريثين فيه وتستشيرين وتستخيرين، وحق لك ذلك فقد سماه الله ميثاقا غليظا وأسبغ عليه من قدسيته، فتحقق بذلك الغاية الأسمى التي شرع من أجلها الزواج: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً} (الروم: 21)، وجعله من أغلظ العهود وأعظم الأمانات.
لذا ينبغي على المؤمنة أن تتحرى تحريا دقيقا في اختيار الشريك الأفضل كي توفر من جانبها كل الشروط التي تضمن لهذا العهد أن يحفظ.
يتبين لنا أن الهدف إذن هو بناء أسرة مستقرة يتمتع أهلها بالتساكن في كنف المودة والرحمة فيسري تماسكها إلى المجتمع ليشع رحمة وطمأنينة، فإن أسيء الاختيار تحول التساكن إلى تنافر والمودة والرحمة بغضا وقسوة وانقلب البيت المسلم إلى سجن وعذاب لا استقرار فيه.
جاءت فاطمة بنت قيس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تخبره أن معاوية بن أبي سفيان وأبا الجهم خطباها وتستشيره في أيهما أصلح لها، فقال لها الحبيب صلوات ربي وسلامه عليه: أما أبو الجهم فلا يضع عصاه عن عاتقه (أي عنيف يضرب)، وأما معاوية فصعلوك لا مال له (أي فقير للغاية)، انكحي أسامة بن زيد، روى الحديث الإمام مسلم.
اختار لها نبي الله -صلى الله عليه وسلم- بين خاطبين، راعى في ذلك جانب الطبع والكسب، آخذا بذلك الأسباب التي تعين على الانسجام وتساعد على التفاهم، والسنة زاخرة بالأمثلة؛ فقد اختار سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لابنته فاطمة الزهراء عليا ومن بين خاطبيها سيدنا أبو بكر وعمر، وما أدراك ما الصديقية والعمرية عند الله، وما ذلك إلا تهييئا لعناصر التقارب والتآلف بين الزوجين وإعدادا لبناء صرح متين ولبنة قوية من لبنات المجتمع الإسلامي؛ فالاختيار إذن مسئولية وتكليف لا تكفي فيه النية الطيبة وحدها، بل يحتاج الأمر كذلك للحكمة وحسن تقدير الأمور.
يقول الأستاذ عبد السلام ياسين "المرشد العام لجماعة العدل والإحسان بالمغرب": يلتقي في ساحة الدعوة شاب ملتح وشابة متحجبة، فتتصور فيه الزبير الفارس ويتصور فيها أسماء الصديقة؛ فيتزوجان على أحسن النيات، لكن في غفلة من العقل وعن جهل بحقائق المعاشرة بين أسر متفاوتة وأوساط اجتماعية متنافرة يقرأ هو في الحديث "اظفر بذات الدين" وتقرأ هي ذلك؛ فيحسبان أن الناس جميعا من طينة واحدة، وكأن الفوارق الاجتماعية والاقتصادية وكأن الذهنيات والعادات غبار ينفخ فيه فيتطاير. (من كتاب تنوير المؤمنات 2 ص15).
استحضري أختي كل ذلك؛ فالنية الطيبة وحدها لا تكفي، بل اسعي جهدك لاستجماع كل ما يعين على معرفة من يتقدم لخطبتك ووسطه ممن يخالطهم ويعاشرهم عن قرب من ذوي الحكمة وأصحاب الرأي السديد، وراعي التوافق بينكما.
وإياك أن تنسي استشارة الوالدين بل والعمل على إرضائهما قدر الإمكان في هذا الموضوع، فلهما من الخبرة في الزواج ومن الحب الفطري للأبناء ما يفيد في الاختيار الصحيح.
واستمري مع هذا الجهد في الأخذ بالأسباب بطرق باب الله بالدعاء والاستخارةكي يختار لك العليم بالخبايا الزوج الصالح والخليل الناصح الذي تفرحين به غدا عند الله، يقول تعالى: "الأخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ * يَا عِبَادِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلاَ أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ.الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ . ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْوَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ".
ولا يفوتني، أختي الكريمة، قبل أن أختم كلامي بأن ألفت انتباه الشباب المسلم إلى مخاطر "الشات"، وما يترتب عنه على جميع المستويات سواء على المستوى الأخلاقي أو العقدي، وتبقى المعضلة الكبرى هي تعطيل طاقات شباب الأمة وإلهاؤه بالتفاهات عن القضايا المصيرية لأمته في وقت الأمة أحوج ما تكون إلى أبنائها وبناتها.
وفقك الله أختي لما فيه خير دنياك وآخرتك ورزقك الزوج الصالح الذي تسعدين معه في الدنيا، ويكون نعم الرفيق في رحلتك للدار الآخرة. آمين.