أبو موسى الأشعري:
كان - رحمه الله - بالقرآن مترنما وقائما، وفي طول الأيام طاويًا وصائمًا، صاحب ا
لقراءة والمزمار.
عن أبي سلمة: كان عمر إذا جلس عنده أبو موسى، ربما قَالَ لَهُ ذَكِّرنا يا أبا
موسى، فيقرأ.
عن أبي إدريس عائذ الله قَالَ: صَامَ أبو موسى الأشعري حتى عاد كأنه خلال،
فقيل له: يا أبا موسى لو أجممت نفسك، قَالَ: إجمامها أريد، أني رأيت السّابق
من الخيل المضمر، وربما خرج من منزله فيقول لامرأته شُدِّي رحلك، ليس على
جهنم معبر.
وكان - رحمه الله - شجاعًا بطلًا مغوارًا لا يخشى بأسًا ولا يعبأ بعدو.
عَنْ أَبِي مُوسَى - رضي الله عنه - قَالَ: لَمَّا فَرَغَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -
مِنْ حُنَيْنٍ، بَعَثَ أَبَا عَامِرٍ عَلَى جَيْشٍ إِلَى أَوْطَاسٍ فَلَقِيَ دُرَيْدَ بْنَ الصِّمَّةِ، فَقُتِلَ
دُرَيْدٌ وَهَزَمَ اللَّهُ أَصْحَابَهُ، قَالَ أَبُو مُوسَى: وَبَعَثَنِي مَعَ أَبِي عَامِرٍ فَرُمِيَ أَبُو عَامِرٍ
فِي رُكْبَتِهِ، رَمَاهُ جُشَمِيٌّ بِسَهْمٍ فَأَثْبَتَهُ فِي رُكْبَتِهِ، فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ: يَا عَمِّ مَنْ
رَمَاكَ؟ فَأَشَارَ إِلَىَّ، فَقَالَ: ذَاكَ قَاتِلِي الَّذِي رَمَانِي فَقَصَدْتُ لَهُ فَلَحِقْتُهُ، فَلَمَّا رَآنِي
وَلَّى فَاتَّبَعْتُهُ، وَجَعَلْتُ أَقُولُ لَهُ: أَلَا تَسْتَحْيِي؟ أَلَا تَثْبُتُ؟ فَكَفَّ، فَاخْتَلَفْنَا ضَرْبَتَيْنِ
بِالسَّيْفِ فَقَتَلْتُهُ، ثُمَّ قُلْتُ لِأَبِي عَامِرٍ: قَتَلَ اللَّهُ صَاحِبَكَ قَالَ: فَانْزِعْ هَذَا السَّهْمَ
فَنَزَعْتُهُ فَنَزَا مِنْهُ الْمَاءُ، قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي! أَقْرِئْ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -
السَّلَامَ، وَقُلْ لَهُ: اسْتَغْفِرْ لِي. وَاسْتَخْلَفَنِي أَبُو عَامِرٍ عَلَى النَّاس، فَمَكُثَ يَسِيرًا
ثُمَّ مَاتَ، فَرَجَعْتُ فَدَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي بَيْتِهِ عَلَى
سَرِيرٍ مُرْمَلٍ وَعَلَيْهِ فِرَاشٌ؛ قَدْ أَثَّرَ رِمَالُ السَّرِيرِ بِظَهْرِهِ وَجَنْبَيْهِ، فَأَخْبَرْتُهُ بِخَبَرِنَا
وَخَبَرِ أَبِي عَامِرٍ، وَقَالَ: قُلْ لَهُ اسْتَغْفِرْ لِي، فَدَعَا بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ، فَقَالَ:
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعُبَيْدٍ أَبِي عَامِرٍ، وَرَأَيْتُ بَيَاضَ إِبْطَيْهِ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
فَوْقَ كَثِيرٍ من خَلْقِكَ من النَّاس، فَقُلْتُ: وَلِي فَاسْتَغْفِرْ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعَبْدِ
اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ ذَنْبَهُ، وَأَدْخِلْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُدْخَلًا كَرِيمًا.
واجتهد الأشعري قبل موته اجتهادًا شديدًا، فقيل له لو أمسكت! ورفقت بنفسك
بعض الرفق، قَالَ: إن الخيل إذا أرسلت فقاربت رأس مجراها، أخرجت جميع ما
عندها، والذي بقي من أجلي أقل من ذلك، فلم يزل على ذلك حتى مات.
قَالَ الذَّهبي: وكان أبو موسى صوَّامًا قوَّامًا، ربانيًا زاهدًا عابدًا، ممن جمع العِلْمَ
والعمل والجهاد، وسلامة الصَّدر، لم تُغيره الإمارة ولا اغتر بالدُّنيا.