اكتــــــب تاريخــــك بنفســـــــك
للشيخ د . عـائض القــــــرني
كنتُ جالساً في الحرم ِ في شدَّةِ الحــر ّ , قبلَ الظهرِ بساعةٍ , فقامَ رجــلٌ شيخٌ كبيرٌ , وأخذَ يُباشرُ على
الناسِ بالماءِ الباردِ , فيـأخـذُ بيدهِ اليُمنى كوبـاً , وفي اليُسرى كوبـاً , ويسقيهمُ منْ مـاءِ زمزمَ , فكلَّما
شـربَ شــاربٌ , عــاد فأسقىجــارهًُ , حتى أسقى فِئامـاً منَ الناسِ , وعرقُه يتصبَّبُ , والناسُ جلوسٌ
كلٌّ ينتظرُ دورَه ليشــربَ منْ يــدِ هــذا الشــيخِ الكبيرِ , فعجبتُ منْ جَلَدِهِ ومنْ صبـرِهِ ومنْ حبِّه للخـيرِ ,
ومن إعــطائِه هذا الماءَ للناسِ وهو يتبســَّمُ , وعلمتُ أنَّ الخيرَ يسـيرٌ على منْ يسـرَّه اللهُ عليــه ,
وأنَّ فِعْلَ الجميِل سَهْلٌ على منْ سهَّلَهُ اللهُ عليـه , وأنَّ لله ادخـارات منَ الإحـسان ِ ,يمنحُها منْ يشـاءُ ,
منْ عبــادهِ , وأنَّ اللهَ يُجـري الفضائلَ ولو كانتْ قليلةً على يــدِ أناسٍ خيرِّين , يحــبُّون الخَيْرَ لعبادِ اللهِ ,
ويكرهون الشـَّـرَّ لهم
أبوبكر يعرِّضُ نفَسه للخطرِ في الهجرةِ , حمايةً للرسول صلى الله عليه وسلم
وحــاتم ينام جائعاً , ليشبع َ ضيوفَه .
وأبوعبيدةَ يسهرُ على راحةِ جيش المسلمينَ .
وعمرُ بن الخطاب يطوفُ المدينةَ والناسُ نيامٌ .
ويتلوى منَ الجوعِ عـامَ الرَّمادة , ليُطعمَ الناسَ .
وأبو طلحةَ يتلقَّى السهامَ في أحُدٍ , ليَقِيَ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم .
وابنُ المباركِ يُباشِرُ على الناسِ بالطعامِ وهوً صائمٌ .
مُثُلٌ كالنُّجُـــومِ بل هي أعلى ومَعَــانِ كالفَجْــرِ في إشـــــراقِهِ
قال تعالى *( وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَ أَ سِيراً )* سورة الإنسان آيه ( 8 )