............
وتسمية السوق بسوق الظلام ترجع الى كثرة الأزقة والسكك التي تصطف عليها المتاجر التي يتميز بها سوق الظلام. وثان يبدو شبه مظلم لانغلاقه، حيث تحتجب عن هذه الأزقة أشعة الشمس خلال النهار وتتضاعف العتمة في الأيام الغائمة بحيث تحتاج حينها الى ضوء مصباح لكي تحدد خطواتك".
"سرق الظلام " يطلق بالتحديد على الجزء الذي يمتد من مسجد الرسول الأعظم الى خور بمبه وهذا بالفعل فيه دكاكين مكثفة بحيث لا تترك فرصة لدخول أشعة الشمس. أما الجزء الشرقي فختلف حيث كانت فمه فتحات تسمه بدخول، ضوء الشمس. وعلى منوال التفاصيل الصغيرة للسوق..د،هناك تسمية أخر تق لهذا السوق بشقيه التي تفصل بينها فتحة خور بمبه. وهي السوق الصغير والسوق الكبير. وتسمية السوق الصف ر تطلق على سوق الظلام أما السوق الكبير فهو سوق الجملة ".
كان بناء السوق من الطين وسعف النخيل وهي المواد التي كانت تلائم ارتفاع درجات الحرارة في ذلك الوقت وظروف البيئة الصعبة".
كثر من ملامح السوق أدخل عليها تغيرات لا تمت بصلة الى هوية السوق السابقة. بداية من الأبواب التي كانت في السابق من الخشب المشغول بأيد عمانية الى طريقة البيه. فسابقا لم تكن هناك طاولة أو كراسي في أي دكان في السوق وكان أصحاب الدكاكين يجلسون على الأرض أو تكية. أما الآن فترى المكاتب الفخمة والدواليب بمختلف الأنواع الكراسي.(1)
....*
"قضيت بقية نهاري متنقلا بين مقهى "الغر...ا" وجمعية الفنانين التشكيلين، وسوق الظلام حيث اجد متعة خاصة في تنسم عبق الماضي المنبعث من أعماق الدكاكين القديمة. وتامل حرفة الباعة والمشترين. كنت أهرع الى سوق الظلام حين أشعر بالحاجة الى الانعتاق من أسر الذات والدخول في فضاء مشهدي ينبض بالحياة قادتني قدماي الى مكتبة تنفرد ببيع أمهات الكتب في الأدب والعلوم الانسانية. تجاذبت اطراف الحديث مه صاحبها الحاج محمود الذي تربطني به معرفة سابقة. فانا واحد من ....ائنة الذين يترددون بصورة دائمة على مكتبته. اشتريت هذه المرة "البيان والتبين " للجاحظ. وطواسين الحلاج، وكتابا صغيرا عن الزخرفة الاسلامية. شكا لي الحاج محمود عن تردع أحوال البيع لديه وقلة المشترين معللا ذلك بتزايد أعداد المكتبات التي تيبع كل شيء، ابتداء من الكتب الخفيفة التي لا تحور شيئا ذا قيمة وانتهاء بالدفاتر والاقلام والحقائب المدرسية "(2).
....*
"انعطفت صوب سوق الظلام، حيث اعتدت أن أمر بما في اتجاهي نحو سوق السمك، وحيث كنت أشتم روائح البهارات المختلطة بروائح البخور الكثيرة وروائح الصندل ودهن العود وألمح عن قرب وجوه النساء المزدحمة أمام شرفات المحلات وايدي الهنود والسيخ: التي تتعمد ملامسة النساء في الاماكن الرخوة.
كانت السوق تبدو مظلمة هذه المرة مثل اسمها، حتى تلك الحشرات الصغيرة التي لحشرت الصغيره التي ألمحها تسحق تحت الأقدام وهي تتربص بجموع نحو قطع السكر الملقاة، اختفت هي الأخرى. وتساءلت حينها: هل هو يوم مت صمت عالمي تكاتفت فيه سائر المخلوقات الأرضية عداي ؟!!.."(3)
(وأخيرا استجاب لنصيحة الفئة التي ينتمي اليها لمزاولة مهنة العتالة في سوق الظلام . فمن ظلام الأصفار الواقعة دوما في خانات الشمال Ji ظلام آخر يتربص به في ضيافة المدينة فعليه أن يحمل الأصفار والمدينة وكل كدر تركه على بوابات القرية . سيحمل البحر والبستان وجحيما آخر يسكن في أزقة السوق ويدلف في ضجيج غير ضجيج المدينة سينهار ليالي ويبلعه سوق الظلام ، لابد من دفع الأتاوة الى الزعيم "خصوب الزامط " حامي حمى سوق الظلام ومرعب العتالين ).
ومع مرور الزمن أصبحت حركة سوق الظلام تقل بل أصبحت شبه ساكنة . بعد سنوات من زمن الرحلة شامخة أصبح للمدينة مجمعات تجارية أنقذت سكانها مع قمه الصيف وفي أحد تلك المجمعات التجارية يافطة لبيع الذهب والتحف والمجوهرات لصاحبها خصوب الشتاء وشريكا سعد العتال الى أن تقيأت من موجات الضحك . وأنا أرشف آخر قطرة من فنجان القهوة التركية بمقهى يجاور ذلك المحل وفي التساؤل هل يعود سعد الشتاء ويسقط قناع خصوب الزماط ذكرونا ان نسيناهم ؟!
هبط الليل عنوة لتصارعه مصابيح الشارح العام وأضواء الميناء التي انعكست على صفحة البحر مكونة مشهدا رائعا، ثم ارتعشت بشدة ، ثم ضاعت معالمها.
تبدو قلعة مطرح كلوحة سوريالية من وراء جدار المطر الشفاف الذي يمنع الرؤية بوضوح .. هنا التاريخ .. هنا احتمت فلول البرتغال قبل أن تطر>، هنا الماضي بكل ما فيه يتربع على مطرح . علت أصوات السفن في المياه وأبواق السيارات المدرة بجانبنا، وازداد مطول المطر لتتسع خطواتنا أكبر عن زي قبل ، والرصيف الذي غاص في ماء المطر لا يريد أن ينتهي.(5)
وفي المقهى الأخير من السوق حيث بخار اللحظات يفقد التركيز رغم المزيد من الشاي والقهوة العمانية المتساقطة من بين أنامل البائع المتجول . هكذا ننقاد في سوق الظلام بهاجس الخطوات المثقلة . وصدى الأيام الماضية حيث السوق - الميناء بوابة الطفولة والانفتاح البدئي على الفضاء المتسع ، ما بين مشهدي السوق والميناء نمشط أحلامنا الذهبية كلما شاهدنا سفينة تحتضن أعماق البحار ،، ونحن نقبض على اللحظات من الافلات من بين أيدينا.(6)
أكتب شيئا من الأنين أو ربما الحنين للماضي التليد الذي حقا توج رمزا لحضارتنا وعبر عنه بأحدث الأساليب العصرية . ما نلمسه اليوم حاضر مشرق بنته سواعد فتية بزمن يكاد أن يكون معجزة ، ان جاز التعبير. بالأمس القريب وليس البعيد كان ميناء مطرح التجاري ينبوعا لكل زائر يقتني منه عبق عمان ومناطقها التجارية الأسيلة . تلك التي كانت مربعا لتمازج مناطق وولايات السلطنة بعضها ببعض . استذكر الماضي الجميل كنا أطفالا نسابق الريح بين تلك الأزقة المغبرة في كل صباح نصطاد شيئا من الأسماك الصغيرة على شاطيء مطرح ثم نشويها على . مخلفات الأوراق أو قطع الأخشاب الصغيرة جدا ونشتم رائحة السمك المشوي تلك الرائحة التي كانت تتغلغل داخل النفس فتضفي عليها سمة الرضا والقناعة .
ومن ثم ننشد السوق حيث كل شي ء بسيط فيه بارع في الجمال الدكاكين الصغيرة والباعة المتجولون وحلقات البيع والأزقة والأصوات المتصاعدة المتنافية الجودة ! نعم المتنافية الجودة ذلك لأنها كانت عربية إلا أن الزمن تسابق مع الماضي ونحاه بعيدا جدا وألقى بنا أطفال الأمس رجال اليوم بأزقة جديدة ومحلات كبيرة وأناس من أجناس متضاربة وأضحى الماضي بكل ما حوى ذكرى ننشدها فلا نلمس منها إلا أطلالا ، إلا أن ما يسعف القلب ذلك الوجود الذي تحقق عبر السواعد الفتية التي آلت على نفسها إحياء الماضي بوجدانه ، جميلة مطرح وقلاعها الفتانة (7)
....*
حين تمددت لأول مرة على شاطئك
الذي يشبه قلبا، نبضاته منارات
ترعى قطعانها في جبالك الممتدة
عبر البحر
أطلق بين مقلتيك منجنيق طفولتي
وأصطاد نورسا تائها في زعيق
السفن .
نجومك أميرات الفراغ
وفي ليل عريك الغريب تضيئين
الشموع لضحاياك كي تنيري
طريقهم للهاوية .
أبعثر طيورك البحرية لأظل
وحيدا. أصغي الى
طفولة نبضك المنبثق من
ضفاف مجهولة
تمزق عواصفها أشرعة
المراكب
كم من القراصنة سفحوا أمجادهم
على شراطئك
المكتظة بنزيف الغربان
كم من التجار والغزاة
عبروك في الحلم
كم من الأطفال منحوك جنونهم
مثل ليلة بهيجة
لعيد ميلاد غامض ؟
القرويون أترك من قراهم ،
حاملين معهم صيفا من الذكريات
مطرح الأعياد القزحية البسيطة
والامنيات المخمرة في الجرار ،
الدنيا ذهبت بنا بعيدا
وأنت ما زلت تتسلقين أسرارك القديمة .
وما بين الطاحونة و"المثعاب"
يتقيأ الحطابون صباحات كاملة ،
صباحات يطويها النسيان سريعا.(
الهوامش:
"شريط الذكريات _ مجلة تصدرها بلدية مسقط".
مبارك العامري من روايته شارع الفراهيدي.
يونس الأخزمي من مجموعة حبس النورس (قصة يوم صمت في مطرح ). علي المعمري من مجموعة اسفار وملج الوهم (قصة سوق الظلام ).
سالم آل تويه من المجموعة القصصية : المطر قبيل الشتاء (قصة :حين تركنا مطرح ).
طالب المعمري جريدة عمان 1988
مرتضى بن عبد الخالق عبدالله
سيف الرحبي من مجموعة رأس المسافر
(من قصيدة حب الى مطرح )
المصدر : منتديات العمانية كوم.
كاتب النص: الشاعر سيف الرحبي
المصدر: مجموعة رأس المسافر
نوع النص: شعر حر ( قصيدة النثر لأنها تحتوي على أكثر من تفعيلة)
الغرض الشعري: الوصف
الفكرة العامة: وصف الشاعر لمدينة مطرح مازجاً ذلك بمشاعر الحب.
(( مطرح)) ــــــ مدينة عريقة اشتهرت بمينائها . هي مفتوحة على البحر والشاعر من بداية العنوان يعلن عن حبه لهذه المدينة بإعتبارها مكاناص ضم طفولته وذكرياته ويحاول أن يخوض معركة ضد النسيان لكي يخلد ذاكرة المدينة وذاكرة الطفولة في نفسه.
تمددت: استلقيت وانبطحت وهنا كناية عن الاسترخاء والراحة.
منارات: ما يوضع فوق الموانيء لتهتدي به السفن . ج : مناور - منائر.
قطعانها: القطيع من الأغنام والمواشي.
البيت الأول: يخاطب الشاعر مطرح .
( شاطئك الذي يشبه قلباً) : تشبيه مرسل مجمل.
( نبضاته منارات): تشبيه بليغ ووجه الشبه الأستمرار نبضات القلب مستمرة والمنارات مستمرة في عملها.
سؤال:لماذا يستخدم الفعل الماضي في الحديث عن نفسه والفعل المضارع للحديث عن مطرح؟؟؟؟
يتحدث بفعل الماضي عن نفسه لأنها مجرد ذكريات عابرة ويتحدث بالماضي عن المكان للدلاله على ثبات المكان وتواصله مع الزمن.
شبه الشاعر الأضواء التي توزعها المنارات هنا وهناك بالقطعان التي تتوزع على الجبال.
يعبر الشاعر عن مشاعره وأحاسيسه فهو يخاطب مدينته الحبيبة(مطرح) إذ أن علاقة الشاعر بمطرح علاقة حب ومودة فهي القلب النابض بالحب والحياة مشيراً في ذلك إلى عنصرين تميزن بهما مطرح 1- بحرها.
2- جبالها.
الفكرة: تعبير الشاعر عن حبه لمطرح.
" منجنيق طفولتي" : تشبيه بليغ. ( وصف طفولته بالنشاط والحيوية).
1- أول ذكرى من ذكرياته الجميلة النشاط والحيوية الذي تميز بهما من الصغر.
النورس: طيور بحرية بيضاء تتجمع حول السفن . (ج) نوارس.
- وصف الشاعر النورس بإنه ضالاً غير مهتدياً وذلك نتيجة خوفه من الصوت الصادر من السفينة عند مغادرتها.
فكرة: بعض ذكريات الطفولة لدى الشاعر.
يعبر الشاعر في هذه الأسطر عن نشاط الطفولة وحيويتها مشبهاً أياها بالمنجنيق كما يعبر عن ذكرى أخرى محببة إلى نفسه في هذه المدينة وهي ذكرى اصطياد النوارس مركزاً الشاعر على معجم البحر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يتبع
ـ